الامل الكاذب
6 شعبان 1439
د. خالد رُوشه

ظللت فترة من الوقت في حيرة حول مفهوم الامل ، تتقاذفني تعبيرات الادباء حول الأمل الوضاء ، وقيمة الامل للحياة ، ثم ترطمني الوقائع من حولي وكانها توقظني من تعلق موهوم ..

وادركت جليا انه ينبغي لي ان افرق بين نوعين من تلك الآمال ، نوع إيجابي صالح ، ونوع سلبي خداع

 

وبنظرة من أعلى بنيان الحياة يتبين لكل باحث الحقيقة ..

 

 فكل حارث في دنياه عما قليل يرحل ويتركها ، ولا يبقى منه إلا بقايا اثر صالح أو طالح ..! فالطالحون يجنون الاسى والندم ، والصالحون يجنون الأجر والفضل ..

 

وكم مر من حولنا أناس جمعوا ، وأملّوا ، وكنزوا ، ووصلوا لمرادتهم بالفعل في دنياهم ، ثم لفهم التراب ، ووجدوا أنفسهم وحدهم أمام الحساب !

 

فمن هذا الذي خدعنا بكلمة " الامل الشخصي" ؟! اولا يعلم ان مهلته ايام وحسب ؟ وقدرته أنفاس راحلة ؟ !

 

لا قيمة لأمل إلا إن كان وراءه أثر .. ولا اثر إلا لعمل رجاؤه حياة ابدية سعيدة ..

غير ذلك كله هراء ..

 

لا شىء اسمه " المجد الشخصي " .. فلا قيمة لمجد إلا بأثر ، ولا أثر يبقى إلا ماكان لله ..

 

فلا أجر يبقى إلا ثواب الله .. وغير ذلك كله هراء .. قال سبحانه : " والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير املا "

 

الأمل كلمة تحتاج إلى دعم واقعي حتى تتحقق، لقد عاشت بين فراغات سطور الروايات وحروف أبيات الشعراء الحالمين، إنهم رددوها كثيرا حتى صارت لا تعني شيئا إلا الخيال صعب التحقق!

 

 كلهم يتحدثون عن أمل في غد غير مقدور عليه من أحد، وعن تحد لا يملك أحد مقدراته، بل إنهم يتكلمون عن عمر لا يستطيع أحدهم ضمان استمراره ولو لدقائق معدودة!

 

 

كلنا يعمه الضعف، كلنا يحتويه الوهن، كلنا يقعده الفيروس غير المرئي والبكتيريا المندسة والميكروبات الحقيرة!

 

 

أي قوة إذن نمتلكها؟! وأي قدرة نعول عليها في آمالنا المزعومة؟ وأي ضمان نستطيع أن نعطيه حتى لأنفسنا حتى نحدثها عن غد مرجو؟!

 

 

إن الأشياء من حولنا أقوى منا بالفعل، أقوى بمراحل كبيرة، الجماد أقوى، الزمن أقوى، الهم أقوى، المرض أقوى، كل ما يحيط بنا يكاد أن يكون أقوى منا، ياللضعف البالغ الذي نعانيه في كل لحظة..!

 

 

حتى نفوسنا التي بين جنباتنا تتقوى علينا بهواها ورغباتها وشهواتها، حتى نفوسنا تكسرنا فنستذل لها فنجد ذواتنا منهارة أمامها ترتكب القبائح التي ربما ترفضها، وتسكت عن الرذائل التي تعلن أنها تستنكرها، حتى نفوسنا صارت من أعدائنا، فأي حياة يعيشها المرء إذن إذا كان ضعيفا أمام نفسه؟!

 

 

أما القلوب، فأمرها أشد وأخطر، ففراغاتها مليئة بمحبة الأشياء الراحلة عادة، وداخلها تعلق بالظواهر دون الحقائق، فتراها سهلة التقلب، سريعة التأثر بالانحراف، مستعدة لتشرب الخطأ..!

 

 

حتى من نحب، ما نلبث أن نفارقهم، أو نختلف معهم، أو نقف عاجزين أمام آلامهم أو محنهم، ويلفنا الصمت المطبق أمام صرخاتهم الجريحة.. يالها من خيبة عميقة!

 

 

إنها حياة بئيسة تلك التي نعدها كأمل نرتجيه، وضعف مطبق يلفنا لا يكاد يصلح أن نرتجي معه إنجاز شيء نفتخر به!

 

 

إنها الآية الربانية الإيمانية العظمى تنادينا بكل معنى من معاني الحياة، إن الرجاء كله يجب أن يكون مع الله، والأمل كله يجب أن يكون في الله ..

 

 

إنها آية لا تبين إلا لمن وثق في الله لا غيره، وأيقن أنه لا حل إلا اللجوء إليه سبحانه، متجردا من أثر الأشياء، وذاهلا عن أثر الأسباب من حوله، فهو عندئذ مستعد لتلقي معاني الانتصار.

 

 

فالغد يشرق توكلا على قادر على إشراقه، فشمسه تجري بأمره، ونوره يسطع بحوله وقدرته، وما دون ذلك فظلام دامس وعمى محيط..

 

 

والمرض يتصاغر أمام قدرته العظمى سبحانه، فالطب والدواء يعجز، والقدرة الأسمى تقدر الخير للمريض، فتجد اختيار الأفضل له على كل حال.

 

 

والأشياء والجمادات والجبال والأحجار والبحار تسخر لنا من حولنا إن نحن سرنا في منظومة ما يحبه الله ويرضاه، فهو القوى المتعال، فالجبال تسبح، والبحار تخضع، والجمادات تهتز وتتهافت..

 

 

الظالمون ينكسرون في طرفة عين بقدرة القوي الأعلى، والمتجبرون يصيرون نسيا منسيا، كيف لا والصخور تصير هباء منثورا بأمره سبحانه!

 

 

أعمارنا والزمان من حولنا يعنى معان جديدة بعبوديتنا لله سبحانه، فالعمر تحتويه البركة التي تعظم لحظاته، وتعينه على الإنجاز والعمل المتقن، والزمان يصبح له معنى آخر، فكل لحظة لها قيمة، إذ إنها تحسب في ميزان الصالحات، فكل لحظة بمنزلة عليا وعمل صالح وقرب واقتراب.

 

 

إنه أمل حقيقي إذن، ليس كذلك المتوهم في كلام الشعراء بعيدا عن الله سبحانه، ورجاء فعلي موثوق، ليس كما يسطره الضعفاء متعلقين بزخرف زائل، إنه الرجاء في القادر العظيم، والعزيز الحكيم، رب العالمين.

 

 

إن الحقيقة العظمى التي يجب أن تدور حولها حياتنا هي حقيقة أن لا حول ولا قوة إلا بالله، فحولنا واهن وقوتنا راحلة، وأجسادنا فانية، وميراثنا منتقل، والأمر كله في النهاية لله سبحانه، فالفناء ينتظرنا، والموت هو المثوى المنتظر لكل متوهم للقوة أو الجبروت، والجميع زائل إلى يوم يقول فيه الجبار: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر: من الآية16].

 

 

دعني إذن أعيد صياغة العبارات، فالدنيا سوداء مظلمة إلا بنور الهداية الإيمانية، والطرق مسدودة إلا الطريق إلى الإيمان بالله سبحانه، والهموم تعتري الجميع، إلا الملتجئين إلى الرحمن الرحيم، المتوكلين عليه، الآملين في رحمته، الراجين نصرته وتوفيقه وفضله، وهو ذو الفضل العظيم.