خطوات لإحياء المودة بين الزوجين
17 شوال 1439
د. خالد رُوشه

تلك الشكوى المتتكررة من خفوت المودة الزوجية والتي تكاد أن تنتظم كل البيوت ، ليست معضلة لا حل لها ، بل إن لها حلولا مكاثرة ، فقط تنتظر من يهتم بها ويكون صادقا وجادا في السير نحو حلها ..

 

إن حياة في ظلال الإيمان ، هي خير جامع يجمعهما ، وخير رباط يلم شملهما ، رباط مبارك نقي يثاب عليه صاحبه في كل حركة وسكنة .

 

إن الإيمان بالله والعيش في هذه الحياة لارضاء الله سبحانه , يجمعهما كسب الحسنات , ويظللهما ذكر الله سبحانه والأعمال الصالحة , وينهي مشكلاتهما حكم الله في المواقف , وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , فالزوجة الصالحة إعانة على شطر الدين , وهي خير متاع الدنيا , فهي غاضة للبصر , حافظة للعرض , ساترة للعيب , معينة على الطاعة , والزوج الصالح حافظ للأمانة , مؤد للمسئولية , مرب صالح , ومؤمن صادق وبيتهم مدرسة إيمانية للابناء تملؤها البركة والنورانية ....

 

و حسن الكلام يرغم الشيطان ، فالله سبحانه قد قال : " وقل لعباي يقول التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم " ، فانتقاء طيب الكلام وحسنه يباعد نزغات الشيطان ، ويفتح القلوب .

 

فالتعبير عن المحاسن , وشكر الأفعال , والابتسام في الوجه , والشكر في العمل الذي يؤديه الآخر , و التعبير عن المحبة والمودة بين الحين والآخر , مع رسائل الرفق والرقة ، وسائل نافعة ناجعة ..

 

ومع دورة الايام نغفل عن تذكير بعضنا بقيمة احبابنا ، ونهمل أن نعرفه مقدار ثقتنا به ، رغم أن إشعار كل طرف الآخر بثقته فيه يديم المودة والمحبة ..

 

في حين أن دوام الشك والغضب ، والوهم وكثرة وضع القيود , وطول الغيرة بلا سبب واضح ولا داع ظاهر يصنع الكره ويؤدي للضغوط بلا مبرر ، إن الزوجة تحتاج الإشعار بالثقة في خلقها وأمانتها التي كانت تستشعرها في بيت أبيها , والزوج يحتاج الإشعار بالثقة في دينه وأمانته ..

 

والزوجان بحاجة يومية لحديث منفرد ، يفرغان فيه ارهاق اليوم ، ويتحدثان فيه بحرية وطلاقة ، ويبثان شكواهما ، ويتبادلانن الرؤى ..

 

فتبادل النقاش والكلمات بشكل هادىء , يحكي فيه الطرفان عما يريدانه وما يجول في خاطرهما ليعتبر خطوة قوية نحو بناء المودة , وقد جاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم بعدما يصلي العشاء ويدخل بيته يحادث أهله , ولطالما نقلت عائشة رضي الله عنها أحاديث طويلة دارت بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلم على ماكان فيه من الهموم والاهتمامات

 

على جانب آخر فالصمت بين الزوجين داء ينبغي علاجه , وإن المرأة لتحتاج أن تحكي والزوج يحتاج أن يسمع كثيرا , لكن ايضا لابد أن تستشعر المرأة أنها موضع ثقة زوجها بحديثه عن حاله وما مر به من شئون , فتشعر بمشاركته وتطمئن له ويهدأ بالها مهما بعد عنها أو طال بعده .

 

إن الاعتراف بالجميل صفة من صفات النبلاء ، وهو نوع من الوفاء ، فكل واحد من الزوجين ينبغي عليه تقدير جهود الآخر , وبذله وعطاءه , وتقديم الشكر له على ذلك باللسان وبالعمل , والاحترام قيمة لو فقدت بين الزوجين فقد هدم البيت , ومنبع الاحترام هو التقدير والعدل في النظرة للطرف الآخر والصدق مع النفس أثناء تقييمه والنظر لدوره في حياته واثره في مسيرته

 

وهذا التقدير والاحترام يؤديان للمودة والعطف , وهذا يظهر في نظرة العين وقبضة اليد , والبسمة الحنون واللمسة الحانية والاعتراف الصادق بالقيمة في القلب والوجدان

 

وعليك ان تعرف واجباتك قبل حقوقك ، ولاشك  فلكل منهما حقوق , ولكن يجب أن يسأل كل واحد من الزوجين عن واجباته قبل أن يطلب حقوقه , فحقه مرتبط بأدائه لواجبه حق قيام , وتأدية الواجبات دافع أكيد لنيل الحقوق , والواجبات ليست عملا وجهدا وسلوكا وفقط , لكن الواجبات المعنوية والمشاعر الإنسانية واجب أيضا على كل منهما , ومهما بلغ العمل المادي فلن يبلغ وحده القلب حتى يزينه صاحبه بمودة قلبية وتعاطف معنوي صادق

 

وكلمة السر في السعادة الزوجية هي القناعة ، تلك الكلمة التي تحوي من المعاني والفضائل والخيرات مالايحصى ، بل لا ابالغ لو قلت إن القناعة وحدها كفيلة بإقامة البيوت الناجحة .

 

ان أسعد البيوت لبيت تملؤه القناعة , قناعة من كل طرف بزوجه , ورضاه به , ونظره لمحاسنه , وغض طرفه عن مساوئه ونواقصه , وقناعة بسعة بيته مهما كان ضيقا , واثاثه مهما كان متواضعا , وقناعة بمقدار المال المتيسر مهما كان قليلا , يقول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس " رواه مسلم

 

إن السبب الأول لفساد البيوت وفشل الزيجات هو عدم الرضا , وعدم القناعة , وبطر النعم , وكفران العشير .

 

إن اوقات العبادة هي أنقى الاوقات وابعدها عن الشيطان ، والمشاركة في أعمال الخير تقرب النفس وتزيل الجفاء ، وهذه الأعمال التي أقصدها , هي اهتمامات يمكن أن يستجدها الزوجان أو أن يبثها بعضهما في بعض , ومن أهم تلك الأعمال المشاركة في العبادات , فالنبي صلى الله عليه وسلم يعطينا نموذجا مختصرا في حديثه في صحيح مسلم بقوله :" رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وايقظ أهله "

 

والتغافر سمة الانقياء الاوفياء الكرام ، بل هو سمة المبشرين بالجنة ، أن ينسوا الإساءة ويبيتوا وقلوبهم ليس بها شىء سلبي لأحد ..

 

فما بالك بين الزوجين القريبين ؟ فماأسعد أصحاب القلوب الطاهرة القادرة على العفو والصفح , وماأسعد الزوجين عندما يحمل كل منهما قلبا عفوا غافرا مثل ذلك القلب ..

إن أحداثا كثيرة تحدث في مسيرة الحياة الزوجية , ولئن وقف الزوجان عند كل حادث وقام العتاب والغضب والحزن والالم مقام العفو والصفح والنسيان , فلن تستمر الحياة هانئة ابدا, بل ستتعثر وربما تقف وتتعرض لفرقة وشقاق ..

 

وتقوم العلاقة الخاصة بين الزوجين بدور إيجابي عندما يجمع الزوجين المودة والمحبة , ولاتؤدي تلك العلاقة دورها ابدا في المودة إن كانت تؤدى أداء وظيفيا جافا , فالزوجة تحتاج إلى إشعار بالرفق والرحمة والمحبة لذاتها لا لمجرد أداء وظيفة علاقية , وعار على الأزواج الذين يحسنون من سلوكهم مؤقتا حتى يحصلون مبتغاهم من زوجاتهم ثم يعودون لسوء السلوك ..!

 

إن الله سبحانه وتعالى جعل تلك العلاقة منشئة للمحبة ومبدئة لها كما كل الخطوات السابقة , والطرف الذكي هو الذي ينتفع منها في إنشاء تلك الروح الخفيفة اللطيفة الشيقة في البيت .