7 جمادى الثانية 1440

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أريد حلاً.. أبي مدمن حشيش منذ سنوات طويلة جدا والآن كبير في سنه وأقسم بالله أبكي لحاله ومرضه من التعاطي، ولا يصلي أبداً، كان أولاً يصلي والآن لا، أنصحه لكن لا مجيب، أحبه كثيرا وكان الأمان لي وأغض الطرف أنه مدمن وأحسن إليه وأبره وأحبه كثيراً، لكن في الفترة الأخيرة أصبح لا يصلي أبداً، ولا يهتم بنظافته وأشعر بالحزن دوماً والبكاء وأحياناً لا أريد الجلوس معه.. وأبكي عندما يعقه إخواني وأبكي عندما تذمه أمي وتسبه وتشتمه بأنه متعاطي وأيضا لا يصلي.. ما الحل؟ جزاكم الله خيراً.

أجاب عنها:
سميحة محمود

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد
ابنتي الحبيبة.. في بداية حديثي معك أحييك وأشد علي يديك وأبارك لك مساعيك في هداية أبيك، فأنتي بحق الفتاة المسلمة المؤمنة التي تحمل هم هداية أقرب المقربين لها، والتي تري أن سعادة الدنيا والآخرة إنما تنال بطاعة الله جل وعلا، فتسعي للنجاة بوالدها، فسعيك بإذن الله مقبول، نسأل الله لنا ولك ولوالدك الهداية.

 

ذكرتِ يا ابنتي أن أبيك (مدمن حشيش منذ سنوات طويلة جدا) ولا يخفي عليك وعلي كل صاحب عقل أن تعاطي الحشيش أمر محرم وفعل منكر ظاهر الضرر بالدين والبدن والعقل، لهذا يؤثر تعاطيه لفترات طويلة علي الجهاز العصبي المركزي نظرا لسرعة وصول المادة المخدرة من الرئة إلي الدم، كما يسبب هلاوس سمعية وبصرية، فيري المدمن ويسمع أشياء غير موجودة، كما يشعر بضعف شديد في القدرة علي التركيز ويدخل بعد ذلك في حالة اكتئاب. ولهذا فالتوقف عن تعاطي هذا البلاء مرهون بإرادة والدك، ولا يمكن لأي أحد أن يمنع عنه الحشيش طالما هو ليس لديه الرغبة في التوقف عن تعاطيه. ولهذا يجب أن يعلم والدك جيدا أنه بتعاطيه هذا، إنما هو يرتكب فعلا محرما نهي عنه الشرع، وفي حالة رغبته في الابتعاد عنه، يجب أن يعرف أن هناك مراكز خصصت لمساعدة كل مدمن يريد الإقلاع عن هذا المخدر، وأن التواصل مع مراكز العلاج فيه عائد إيجابي علي المدمن من حيث العلاج والتأهيل. لهذا عليك أولا إقناع والدك بضرورة التوجه لأحد هذه المراكز لتلقي العلاج وسوف يجد هناك من يأخذ بيده ليخلصه من هذا الداء القبيح.
 

ابنتي الكريمة.. أما بخصوص ترك والدك للصلاة، فهذا أمر عظيم، لأن ترك الصلاة من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب، فالصلاة عماد الدين، ولكن مهما عظم الذنب فإن من سعة رحمة الله وعظيم كرمه أنه يقبل التوبة، بل إن الله يفرح بتوبة العبد ويحب التوابين ويبدل سيئاتهم حسنات، والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنب والندم على فعله والعزم على عدم العود إليه مع الستر على النفس وعدم المجاهرة بالذنب. لهذا نصيحتي لك يا قرة العين أن تبالغي في إحسانك لوالدك مهما ظهر منه من سوء فعل، وأن تطيعيه في كل ما يأمرك به، إلا إذا أمر بمعصية، فلا طاعة له، هذا ما أمرنا به الإسلام تجاه الوالدين حتى وإن كانا علي الشرك بالله. وأزيد علي ذلك أن تشعريه بحبك له وخوفك عليه حتى يعلم صدق نصيحتك له ويتقبلها منك. وتأملي فعل سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما كان ينصح أباه: "يا أبت لا تعبد الشيطان"، " يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن"..هكذا كانت نصيحته مبطنة بالرحمة ومفعمة بالحب، وكلها الشفقة علي الأب، فماذا كان رد الأب:"لئن لم تنته لأرجمنّك واهجرني مليًّا" رد في منتهي القسوة والغلظة والتهديد، فانظري يا غالية رد سيدنا إبراهيم عليه السلام علي أبيه: "سلام عليكم سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيًّا * وأعتزلكم". هكذا يعلمنا القرآن كيف تكون النصيحة وبخاصة للوالدين، وقبل النصيحة أطلب منك التوجه لله تعالي بالدعاء والتضرع إليه سبحانه بهدايته، وأن يشرح الله صدره، واختيار أوقات الإجابة، مع الإلحاح في الدعاء، ولتعلمي أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن. وفي صحيح مسلم: أن أبا هريرة قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ادع الله لأم أبي هريرة، فقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم اهد أم أبي هريرة".
 

ابنتي المؤمنة.. عندما تشعري أن الوقت مناسب للحديث مع أبيك تحدثي معه عن الموت وسكراته، وعذاب القبر ونعيمه، وكيف أن أول ما يُسأل عنه الإنسان في قبره هو الصلاة، فماذا سيكون حال تارك الصلاة؟ فالله تعالي يقول عن تارك الصلاة: "فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ"[الماعون:4-5]. أي عذاب شديد للمصلين الذين هم عن صلاتهم لاهون. وقال جل وعلا: "فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا"[مريم:59-60]. ثم قولي له: هل تريد أن تكون ممن قال فيهم صلى الله عليه وسلم: (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله)؟ كيف تلقى الله جل وعلا على ترك الصلاة والتهاون فيها والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)؟ ما المانع يا والدي الحبيب أن تصلي صلاتك وهي لن تأخذ منك دقائق معدودات؟ وإلى متى البقاء بدون صلاة وأنت قد بلغت هذا السن؟! إنني أخاف عليك من صرعة الموت، أخاف عليك من عذاب جهنم..ذكريه بسكرة الموت: "وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ"[ق:19-22]. مثل هذه الكلمات ستهز كيان أبيك وتحرك مشاعره. هذا كل ما عليك أن تكون النصيحة نابعة من القلب وبأسلوب رقيق دون تأفف أو تبرم.
 

ابنتي الكريمة.. من المهم أن تستعيني بعد الله عز وجل ببعض الصالحين من أقاربك أو جيرانك مما يشهد لهم بالصلاح وتطلبي منهم زيارة أبيك ومحاولة إقناعه بالتوجه لإحدى المؤسسات العلاجية من الإدمان، كذلك اطلبي منهم حثه علي الصلاة والالتزام بأدائها، وحبذا لو كانت الزيارات قبل الصلوات مباشرة حتى يتمكن من الذهاب معهم للصلاة في المسجد.
 

ابنتي الغالية.. بقي نقطة مهمة ذكرتيها في رسالتك وهي أن أباك (لا يهتم بنظافته) فربما يترك الصلاة لأن الاغتسال يشق عليه، أو أن الوضوء المتكرر يصعب عليه، فلا مانع في هذه الحالة أن تقومي بمعاونته في الوضوء، أو تطلبي من أمك مساعدته في الاغتسال، فإن أبت قومي أنتي بهذه المهمة وأنتي مأجورة علي ذلك. كما أرجو منك حث إخوانك علي بر أبيهم، والتوجه إلي أمك لنصحها التعامل معه بالشفقة، ومهما كان منهم من سوء تعامل فلا تلتفتي لهم، ولتكن مهمتك معهم واضحة وهي النصح والاستمرار في النصح بأساليب مختلفة، وتذكيرهم أن أبيهم هو من أنفق عليهم وصرف وتعب من أجل أن يكونوا كما هم الآن، فليشكروا له هذا المعروف وليحسنوا إليه.
 

وفي الختام.. اعلمي يا حبيبتي أن ما تقومين به نوع من الجهاد لرجل كان سببا في وجودك في هذه الحياة، ولتعلمي أن مهمتك صعبة لكبر سن أبيك، ولكنها ليست مستحيلة، والأجر من الله عظيم، أسأل الله أن يقر عينك برؤية أبيك علي أفضل حال، ونحن في انتظار جديدك فطمئنينا عليك.