مزاجيّة الأبناء أم مزاجيّة الآباء؟!
17 ذو القعدة 1440
د. عبد المجيد البيانوني

لقد أصبحت كلمة المِزَاجِ والمزاجيّة على كلّ لسان ، وفي كلّ مناسبة .. إنّها ـ كما هو شائع من معناها ـ داء متأصّل في حياة أكثر الناس وعلاقاتهم .. ولا تقتصر على علاقات الأبناء بالآباء ، ولكنّ الحديث عنها في علاقة الأبناء بالآباء له نكهة تربويّة متميّزة ، ويكتسب أهمّيّة خاصّة ، لما يقوم بين الطرفين من علاقة التربية وخصوصيّة القرابة ..

 

ولنقف قليلاً عند أصل الكلمة ومعناها : جاء في كتب اللغة : المِزَاجُ ما يمزج به الشراب ونحوه ، وكلّ نوعين امتزجا فكلّ واحد منهما مزاج ، وفي التنزيل العزيز : (  .. كان مزاجها كافورا (5) ) الإنسان ، ( ومزاجه من تسنيم (27) ) المطفِّفين ، والمِزَاجُ استعداد جسميّ عقليّ خاصّ ، كان القدماء يعتقدون أنّه ينشأ عن تغلّب أحد العناصر الأربعة في الجسم ، وهي الدم ، والصفراء ، والسوداء ، والبلغم ، ومن ثمّ كانوا يقولون بأربعة أمزجة هي : الدمويّ ، والصفراويّ ، والسوداويّ ، والبلغميّ ، أمّا المحدثون من علماء النفس ، فيوافقون القدماء على أنّ الأمزجة ترجع إلى مؤثّرات جُثمانيّة ، ولكنّهم يخالفون في عدد الأمزجة وأسمائها ، إذ يعتدّون بالإفرازات التي تفرزها الغدد الصمّ ، كالغدّة الدرقيّة ، والغدّة الكُلويّة ، ويجعلونها المؤثّراتِ الأساسيّةَ في تكوين المِزَاج ..

 

وتأتي المزاجيّة بمعنى الطبيعة الخاصّة الباطنة ، التي يتميّز بها الفرد عن غيره من الناس .. وتأتي بمعنى الطبيعة المتقلّبة ، التي قد تكون طارئة عارضة ، نظراً لظروف الإنسان ، وقد تكون ثابتة كجزء من طبيعته .

 

وقد تأتي المزاجيّة بمعنى الطبيعة الخاصّة الظاهرة ، التي يتميّز بها الفرد ، وهي بهذا المعنى أقرب إلى مفهوم الشخصيّة .  
والحقّ أنّنا لو تأمّلنا في أنفسنا بتجرّد لرأينا أنّنا كلّنا مزاجيّون بنسب متفاوتة .. ولكنّنا نتحدّث هنا عن مزاجيّة تؤدّي إلى اضطراب العلاقات ، واختلال الموازين ..

 

ويتحدّث كثير من الآباء عن مزاجيّة أبنائهم ، في الأكل والنوم ، والدراسة واللعب ، والعلاقة مع الآخرين .. وغير ذلك . ويبدون كثيراً من القلق على نموّهم السويّ ومستقبلهم ، ويخشون أن يستمرّ ذلك في سلوكهم .. 

 

ولعلّ الأبناء لو تحدّثوا عن آبائهم لأبدوا مثل هذا القلق من سلوك آبائهم ، ولكنّنا نؤثر في أكثر الأحيان أن نميل مع طرح الآباء والإصغاء لشكواهم .. 
والحقّ أنّ مزاجيّةَ الأبناء أمْرٌ مفهومٌ مُتوقّع ، لأنّ الأطفالَ تغلِبُ عليهم العاطفة المتوقّدة ، وبين المزاجيّة والعاطفة المتوقّدة حبل وثيق ، ونسب قرِيب ، ولكنّ الغريب المستنكر أنْ تغلب المزاجيّة على الآباء والمربّين ، فتختلّ موازينهم ، وتجور أحكامهم ..

 

  ـ سمات الشخصيّة المزاجيّة : يستطيع كلّ واحد منّا بالملاحظة القريبة أن يكتشف سمات الشخصيّة المزاجيّة ، وأهمّها ما يلي:

ـ ضعف التوازن أو اختلاله

ـ الأحكام المختلّة في الفهم والسلوك

ـ الرغبة الشديدة في شيء ، ثمّ الرغبة الشديدة عنه .

ـ التسرّع في بعض الأمور ، والتردّد في أخرى .

ـ العاطفة الجامحة إقبالاً وإدباراً .

ـ التناقض في المواقف .

ـ شدّة التأثّر بالوهم النفسيّ .

ـ مزاجيّة المربّي : ومزاجيّة المربّي تعكس خللاً في شخصيّته ، وفقداً للمنهج التربويّ منْ حياته ، ولها آثار عديدة على المتلقّي ، أهمّها :

ـ جنوح المتلقّي إلى التمرّد ، لأنّه يشعر أنّ أوامر المربّي بعيدة عن المنطق ، لا هدف لها إلاّ التحكّم .

ـ ومنْها : اضطراب شخصيّة المتلقّي ، لما يواجه من مواقف متعارضة بين الرفض والموافقة ، والإقرار والإنكار ، ممّا يجعله يشعر بالقلق والتوجّس أمام كلّ موقف ، إذ لا يعرف بم يواجه ؟ وكيف يواجه .؟

ـ ومنْها : شعور المتلقّي بالجفوة النفسيّة بينه وبين المربّي ، وابتعاده عنه .