26 ذو القعدة 1440

السؤال

زوجة عمي تسكن معنا في نفس البيت وامتلكني إحساس كبير جدا أنها تحسدني، فأجد أي خير يحدث لي عندما تعرفه ينقلب فجأة لمشكلة، أو قد يصيبني حادث أو مصيبة بعد معرفتها ذلك الخير عني، وعندما يتقدم أحد لخطبتي يكون الأمر – ماشي تمام – لكن بمجرد معرفتها ينتهي مباشرة. اشتغلت فترة وبمجرد معرفتها تركت الشغل دون سبب، الآن متقدم لي إنسان جيد وأخاف أن لا يتم الموضوع كغيره سابقا، أشعر أن حياتي أصبحت مرارا فإني لا أفكر ولا يشغلني إلا ذلك الموضوع.. أشعر بالخف منها.. ماذا أفعل؟

أجاب عنها:
أميمة الجابر

الجواب

السائلة الكريمة..
بداية أرجو أن تتهمي نفسك بالخطأ في الحكم على ابنة عمك، وتراجعي نفسك، فربما تكونين قد حكمتي عليها حكما ظالما، وربما تكونين حساسة في المواقف، فابعدي الشيطان عنك، وحاولي أن تحسني الظن فيمن حولك قدر ما تستطيعين..

 

ونحن لا ننكر أننا نعرف أن بعض النفوس أصابها الوهن فأصبحت تتطلع وتسلط الرؤية وتدققها على من حولها بل على أقرب الأقربين، تجد نفسها في حب الاستطلاع والتدخل في ما لا يعنيها فيلفت نظرها ما اكتسبوا من نعم وما حصدوا من خيرات لكن من أسوأ الأشياء عندما تكون هذه النفوس تستكثر النعمة على عباد الله فبعضها تكره اكتساب العباد لتلك النعم بل تحب زوالها ففي هذه الحالة تسمي (حسدا) وبعض النفوس لا تحب زوال النعمة عن غيرها ولا تكره وجودها ودوامها لكنها تشتهي لنفسها مثلها فهذه تسمي (غبطة).
فبحسب ظهور النعمة على الإنسان يكون حسد الحساد له فكلما كثرت خيرات الله عليه كثر حساده.

 

ودوافع الحسد مختلفة، ومنها:
1- خبث نفس الحاسد.. فعندما يكون القلب مريضا بعيدا عن الله تعالى لا ينظر إلا للدنيا وما فيها فيرتبط بها فيتمنى امتلاكها كلها ولا تكفيه

 

2- حقد من ذلك الحاسد تجاه المنعم عليه فقد يكون ذلك الحقد لسوء العلاقة بينهما وقد يحدث بين الأقران والأقارب والجيران سواء في بيت واحد أو جيران السكن.
 

3- يكثر أيضا الحسد بين أفراد ترتبط بينهم أسباب مشتركة فمثلا تجد العالم يحسد العالم، والتاجر يحسد التاجر، والطالب يحسد صديقة لتفوقه عليه، حتى الأخ قد يحسد أخيه لزيادة ولده وماله عنه.
 

4- عجب النفس وكبرها.. فبعض الناس يخافون من علو غيرهم عليهم فلا يطيقون ذلك فيحزنون عندما يصيب نظرائهم مالا أو ولاية أو علم، فلا يتحملون أن يكون غيرهم مرتفعين عنهم.
 

5- تفاوت الحالات الاجتماعية في زماننا الآن، فنحن في زمن الطبقات فبعض الأسر تجد فيهم الغنى والبعض تجدهم لا يجدون إلا طعام اليوم دون الغد وقد تكون الطبقتان من عائلة واحدة، ولا يأبه الغني بالفقير.. فماذا ننتظر من ذلك!
 

فالحسد أمر وارد فعلا فقد ذكره الله تعالى في كتابه الكريم بل ذم الحاسدين واستنكر فعلهم فقال تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: من الآية54].
 

وقال صلى الله عليه وسلم: "إن لنعم الله أعداء" فقيل من هم؟ فقال: "الذين يحسدون على ما آتاهم الله من فضله" رواه الطبراني.
وقد حذر نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم حيث قال: "إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب" أو قال: "العشب" رواه أبو داوود.

 

فعليك أيتها الأخت الكريمة أن تعلمي أنه لا يوجد مجتمع خال من تلك المشكلة، لكن لكي تعالجيها فابحثي في نفسك واسأليها بعض الأسئلة وكوني صادقة في إجابتك..
1- هل تحملين في قلبك لزوجة عمك بعض البغض والكره أم لا؟ إن كان الجواب نعم فتأكدي أنها تبادلك نفس الشعور فلذلك يقع منها الحسد عليك، بل قد لا أبالغ إذا قلت أنك أنت أيضا ربما تقعين في نفس الخصلة السيئة

 

2- هل تكرهين رؤيتها وهي تعلم ذلك وتحسه منك؟ فإن كان كذلك فاعلمي أنها أيضا تبادلك نفس الأمر لذلك تحقد عليك.
 

3- هل تحزنين من قلبك عندما تجدين عندها بعض الخير؟ إن كان نعم فتأكدي أنها تبدلك نفس الشعور لذلك يصيبك الحسد منها عند وقوع الخير لك.
 

4- هل يكثر بينكم الخصام والقطيعة؟ إن كان نعم فاعلمي أن ذلك لوجود كره في قلب كل منكما للأخرى.
 

ومن ذلك عليك أن تعلمي أن نفوسنا جميعا تحتاج إلى الصفاء والنقاء، نفوسنا تحتاج أن نحب بعضنا البعض، ونساعد بعضنا البعض، ونتمنى لغيرنا ما نتمنى لأنفسنا من خير.
 

فرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم نهى عن كل ما يكدر العلاقة فيما بيننا فقال صلى الله عليه وسلم: "لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث" متفق عليه.
 

إذاً لابد من إصلاح قلبك تجاه قريبتك وحاولي أن تعامليها بالحسنى، وذكري نفسك أن لها عندك حقين حق صلة الرحم الطيبة المليئة بالمسامحة والعفو، وحق الجار لأنها تعتبر من جيرانك فأنتما في بيت واحد فحاولي أن تحبيها لله فقط وأن تسامحيها من أي خطأ تجاهك لله فقط فبادريها بالسلام والابتسامة في وجهها وعليك أن تعلمي أن ما يحدث بسبب نقص المودة وانعدام الحب بينكما، لأن الحب والمودة بين العباد تفعل المعجزات، فإذا أحبتك فرحت لك بأي نعمة تحصلين عليها وتحزن لأي سوء يصيبك فلا يكون للحسد مكان بينكما.
 

كما ينبغي للمؤمن أن لا يخاف من الحسد فالمؤمن دائما ما يتحصن بكتاب الله تعالى وبكثرة الأذكار وقراءة "قل هو الله أحد" و"قل أعوذ برب الفلق" و"قل أعوذ برب الناس" كل يوم فهذه من أذكار النوم التي لابد أن نعتادها ونحافظ عليها فقال تعالى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق:5].
 

وعليك النظر لذلك الحديث.. عن ابن عباس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا غلام، إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، إذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة ل اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف" رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
 

فمن ذلك الحديث عليك أن تعلمي أن الله تعالى يتكفل بحفظك من كل سوء عندما تواصليه بالعبادة والطاعة والصلاة في مواعيدها وكثرة الذكر التقرب إليه بصلاة النوافل وأن تداومي الاستعانة به على قضاء حوائجك ولا تدعي وتلجئين إلا له سبحانه فادعيه أن يوفقك فيما تريدين فالله قريب مجيب الدعاء وأكثري من التوبة له سبحانه فإن كثير ما يصيب الإنسان إنما هو بذنوبه فقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: من الآية30].
 

واعلمي أنه لا يصيبك أي مكروه إلا وقد كتبه الله تعالى لك فلابد علينا أن نحمد الله تعالى على ما يصيبنا وأن نرجو منه الخير، فأحسني الظن بربك فمنه الأمل وسيأتي بعد العسر يسرٌ.