د.عوض القرني: الديمقراطية في شطرها التطبيقي لا بأس به.. إذا رفض شعب الإسلام فهو بحاجة لدعوته للإسلام ابتداءً..
12 رمضان 1430
مصطفى أبو عمشة

يتبادر إلى الكثيرين من المثقفين وأنصافهم إلى الاختلاف الذي يحصل بين المفكرين والعلماء حول مفهوم الشورى في الإٍسلام ومفهوم الديمقراطية وهل الاثنين وجهان لعملة واحدة،وما هي الشورى وما هي الديمقراطية، أسئلة مهمة طرحناها على الدكتور الشيخ عوض القرني لنعرف ما هي الديمقراطية وهل هي عبارة عن عقيدة أم وسيلة من وسائل إدارة الصراع بين الأحزاب والجماعات السياسية ،وماهية الاختلاف بينها وبين الشورى،الدكتور عوض القرني مفكر إسلامي وأحد أعلام الدعوة الإسلامية ومن كبار روادها وجهنا له أسئلة حول هذا الموضوع فكان هذا نص الحوار.

 

 

هناك من يتحدث دائما حول مفهوم الديموقراطية ويقول أننا نملك في شريعتنا وتراثنا مفهوم يقارب الفكرة الديموقراطية وهو الشورى وأننا بوجود مفهوم الشورى لا حاجة لنا إلى إستيراد مفاهيم غربية غير متوائمة مع ثقافتنا وتراثنا كمفهوم الديمقراطية؟ ما هور رأيك بهذا الكلام؟
أنا أؤكد أننا لسنا بحاجة إلى ماهو غير إسلامي،لكن الأصل في العادات والمعاملات الإباحة وبالتالي " الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها".

وإسلاميا إذا وجدنا عند غيرنا من المجتمعات الأخرى حكمة أو عادة فإننا نأخذها ونتبناها وهي مضمّنة للقرارات العامة للشريعة،هذا من حيث المبدأ، والتفصيلات أتركها في مضمون الحوار.

 

 

 
أليست الشورى محكومة بسقف الشريعة الإسلامية،بينما الديموقراطية تقوم أساسا على مبدأ الحرية المطلقة في الإختيار وهذا يعني أنها تأتي بما يناقض الشريعة الإسلامية؟
ليس هذا بصحيح لأن الديمقراطية لها جانبان:جانب الآليات وجانب الأساس الفلسفي التي تقوم عليه على أن حق التشريع عائد إلى الشعوب أو بعبارة أدقّ للأكثرية ولممثلي الشعوب، فالآلية والوسيلة والطريقة هي من المشترك الإنساني بمعنى أنه الشريعة تجوّز هذا الأمر عند تحديدنا لوسائل وطرائق بالنظام الديموقراطي.

ثم أشير إلى أنها ليس في الحال ديموقراطية واحدة،هناك عدة ديموقراطيات تعود إلى الشعوب بالأصل ثم يترك لكل شعب أن يتحدث عن قيمه وعاداته،الذي يتفق في ذلك بأن الكلمة الفصل هي للشعب أو ممثليه ولكن تفاصيل ذلك تختلف من بلد لبلد، الأساس الفلسفي يختلف من أمة لأمة ومن ثقافة لثقافة، الديموقراطية في أمريكا مطبّقة، ولكن لاتقبل بوجود حزب شيوعي لأنها تخالف العادات والتقاليد المعمول بها هناك.

 

 

 
من طبيعة النظام الديمقراطي أنه لا يوجد عناصر فكرية ثابتة ومحددة يجب أن يشملها الدستور ومن يحدد هذا الدستور الأمة المنتخبة عن طريق إختيارهم لنواب وممثلين لهم ماذا لو اتفق غالبية الشعب على وضع دستور غير متوافق مع الشريعة الإسلامية إذا لا أحد يضمن أن الديموقراطية تسير في خدمة الشريعة،ماهو الواجب في هذه الحالة؟

لماذا نفترض مسبقا انها لا تتوافق مع الشريعة،بل إذا كان الشعب يدين بالإسلام فلن يرضى بدستور لا يتوافق مع الإسلام، أما إذا كان أكثر الشعب لا يقبل بالإسلام فلا يتصوّر أنها سترضى أن يحكمها الإسلام، ويجوز الديمقراطية أن تكون وسيلة لمعرفة توجهات الشعب واختيارهم لأهل الحل والعقد .

 

 

برأيك الديموقراطية عبارة عن أيدلوجيا(عقيدة) أم أنها وسيلة من وسائل الحكم لإدارة الصراع السياسي بين الأحزاب والجماعات السياسية؟

أنا قلت أن الذي استقر عندي أن الديمقراطية وسيلة من الوسائل ولا تلزم الناس بمضمون معين، وإنها وسيلة شبه متفق عليها لمعرفة ما يختاره الشعب، فكثير من أنظمة الحياة داخلة في المصالح المرسلة كنظام المرور ونظام الهجرة وهي داخلة ضمن هذه المصالح المرسلة، وحينئذ يمكن من خلال البحث والاجتهاد والترجيح أن نرى مثل هذه المصالح المرسلة الذي يظهر انها من ضمن المفهوم المشترك عالميا للديموقراطية،وأنها وسيلة تحمل مضمونا واحدا متفقا عليه بين الامم والحضارات.

 

 

البعض من يصل في تحريم ورفض الديموقراطية إلى حد تكفير النظام الديموقراطي والمؤمنين به فمثلا يقال ماذا لو أوصلت الديموقراطية حزبا شيوعيا وعلمانيا فأنت تقبل بتنحية الشريعة كيف ترد على مثل هذا الكلام؟

الأصل في المسلم أن لا يقبل في تنحية الشريعة، أفترض أن هذه فرضية خيالية،إذا ارتضى شعب من الشعوب أن يحكم بالماركسية أو الشيوعية فهذا الشعب أصبح خارج إطار الإسلام، نحن بحاجة قبل أن ننادي بتطبيق الشريعة، أن ندعو هذا الشعب إلى الإسلام وأن يختاره عن ما سواه من الملل، فلا يجوز أن يحكم شعب من الشعوب الإسلامية حزب شيوعي ما لم ترفض هذه الشعوب الإسلام،وبالتالي عمليا سنكون أقليّة مسلمة، لتوصل الشعب إلى حكم الإسلام لابد من توجيهه نحو الإسلام،والدين خيار للإنسان كمحصلة نهائية والقرآن يقول) لا إكراه في الدين).

 

 

 
البعض يرى في وثيقة صلح الحديبية قياسا جائزا في شريعة الإسلام على قبول التعددية هل هذا صحيح؟

هناك أدلة أخرى على جواز التعددية السياسية غير قضية صلح الحديبية،نحن نتحدث عن التعددية السياسية في المجتمع المسلم في إطار الشريعة فعندما تكون الشريعة هي الإطار المنظم للعمل الإسلامي فهذه جائزة بمعنى ان تتعدد الإتجاهات والبرامج والخطط في إطار الشريعة فطبيعة السياسة تستند إلى أربع مكونات،السنن الربانية لأمر الحياة،ومعرفة المصالح والمفاسد،واحكام القدرة والإستطاعة،ونصوص القواعد الشرعية،هذه الأربع المحددات في إطارها والإستناد إليها يجوز أن يكون هناك تعددية والأمة ترجّح ذلك،كالمذاهب الفقهية على سبيل المثال اختلاف ضمن الإطار الشرعي.

 

 

 
كثير من العلماء والمفكرين الإسلامين يرى أنه مع نظام الانتخابات ومع النظام الديمقراطي إذا كان يقصد به أنه وسيلة من وسائل الصراع، ولكنهم يقولون إننا لسنا مع حق التشريع في هذا النظام؟

إذا كان المراد بالتشريع هو الاجتهاد والاستنباط ومعرفة الأحكام الشريعة فهذا جائز،وهو صورة من صور التكاليف الشرعية من خلال علمائها وأهل الخبرة،وإذا كان المراد بالتشريع بمعزل عن الكتاب والسنة فهم آثمون،ولا يقدّر أن مجتمعا مسلما أن يوصل ممثلين له إلى قبة البرلمان يقرون بمخالفة الإسلام. 

 

 

هناك بعض التيارات الإسلامية ترى أن من السياسة ترك السياسة،وأن قضايا الرقابة والمحاسبة وقيم العدالة السياسية والإجتماعية غائبة من خطابهم،كيف ترى صحة توجهاتهم؟
إذا كانوا يتركون هذا الأمر إما عجزا وإلا لعدم التخصص والمعرفة فلا بأس بذلك من باب التنوع بالعمل،أما إذا كانوا يرون أنه لا يوجد في المرحلة الحالية سياسة فهذا اجتهاد ليس بصحيح.

وهناك اجتهادات خاصة لفقه الأولويات والترجيحات،وقد يصح في ظرف زماني ولا يصح في ظرف زماني آخر،أما إذا كانوا يقرون أن الشريعة المهيمنة كأن يؤخر العمل كمصلحة معينة فهذا اجتهاد، وإما إذا كانوا لا يقرون بالأمر لا لمصلحة ولا لتقدير زماني فهذا اجتهاد خاطئ، أما عن وجهة نظري فهذا الاجتهاد سليم أم خاطئ فهذا يحتاج إلى دراسة كل زمان ومكان على حدا والإفتاء على أثر المرحلة التي تقتضيها. 

 

 

برأيك هل هناك عجز من قبل النخب والمثقفين الإسلاميين عن إصدار دراسات تحدد ملامح نظام سياسي بديل عن الديموقراطية يحتوي فيه على آليات ووسائل في إدارة الحكم؟
الجانب السياسي في الأمة هو جانب من جوانب حياتها وحضارتها فعندما تمارس الأمة شهودها التي كلفها الله به على الأمم الأخرى بتمكّن واقتدار ستمارسه في الجانب السياسي كما تمارسه في كل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسلوكية، وعندما تكون الأمة عاجزة عن القيام بالجانب الحضاري كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فسيوصلها إلى العجز في الجوانب الأخرى.
على المستوى النظري الدراسات قائمة ولكن لابد وأن يرافق هذه الدراسات الجانب العملي،نحن بحاجة إلى من يترجم هذه النظريات ومن يتبناها ويطبّقها، ليس بالضرورة أن طرحنا لمشروع سياسي (إسلامي) الرفض والاستبداد بالعمل،التجارب البشرية تمكننا أن نجد فيها العديد من الإيجابيات من باب المشترك الإنساني، فإذا استفدنا منها تحت سقف شريعتنا وضمن إطارها أمكننا أن نضيف عليها ونتبناها.