خبر الآحاد فيما تعم به البلوىٰ 2/3
2 محرم 1432
د. عبد الرحمن بن محمد القرني

المبحث الخامس
الأدلة في المسألة

وفيه مطلبان:
المطلب الأول
أدلة الجمهور
استدل الجمهور علىٰ قبول خبر الواحد الوارد في عموم البلوىٰ بأدلة عدة، أوجز أهمها فيما يلي:
1-  قول الله تعالىٰ: ( فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) ([1]). حيث أوجب الإنذار علىٰ كل طائفة خرجتْ للتفقه في الدين وإن كانت آحاداً، وهو مطلق فيما تعم البلوىٰ به وما لا تعم، ولو لم يكن واجب القبول لما كان لوجوبه فائدة([2]).
2-   قوله تعالىٰ: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) ([3]). فإن مفهومه المخالف: إن جاءكم عدل بنبأ  - أي خبر  - فاقبلوا خبره، وهذا عام في البلوىٰ وغيرها([4]).
3-   أنه تواتر أن النبي صلىٰ الله عليه وسلم كان يبعث الآحاد إلىٰ النواحي والآفاق لتبليغ الأحكام، كبعثه معاذاً([5]) رضي الله عنه إلىٰ اليمن([6])، ومعلوم أن من تلك الأحكام ما تعم به البلوىٰ، والإجماع قائم علىٰ تكليف المبعوث إليهم بالعمل بخبره([7]).
4-   وروي: "أن النبي صلىٰ الله عليه وسلم أتىٰ علىٰ قِرْبةٍ في بعض غزواته فدعا منها بماء وعندها امرأة، فقالت: إنها ميتة، فقال: سَلُوْهَا أليس قد دُبِغت؟ قالت: بلىٰ، فَأَتَىٰ منها لحاجته" ([8]).
قال ابن حجر([9]): "فيه قبول خبر الواحد في الأحكام ولو كانت امرأة، سواء كان ذلك فيما تعم به البلوىٰ أم لا؛ لأنه صلىٰ الله عليه وسلم قبل خبر الأعرابية" اهـ([10]).
5-   أن الصحابة رضي الله عنهم اتفقوا علىٰ العمل بخبر الواحد فيما تعم به البلوىٰ، فمن ذلك قول الصديق رضي الله عنه لما جاءته الجدة تطلب ميراثها: "ما لكِ في كتاب الله شيء وما علمتُ لكِ في سنة رسول الله صلىٰ الله عليه وسلم شيئاً فارجعي حتىٰ أسأل الناس. فسأل الناس فقال المغيرة([11]) رضي الله عنه: حضرتُ رسول الله صلىٰ الله عليه وسلم أعطاها السدس، فقال: هل معك غيرك؟ فقال محمد بن مسلمة([12]) – رضي الله عنه – مثله، فأنفذه لها أبو بكر" ([13]).
ومن ذلك رجوع الصحابة رضي الله عنهم بعد اختلافهم في وجوب الغسل بالتقاء الختانين من غير إنزال إلىٰ خبر عائشة([14]) رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلىٰ الله عليه وسلم: "إذا جلس بين شُعَبِها الأربع ومَسَّ الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل" ([15]).
ومن ذلك رجوعهم في المخابرة إلىٰ حديث رافع بن خديج([16]) رضي الله عنه، فقد  روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «كُنَّا نُخَابِرُ فلا نرىٰ بذلك بأساً فزعم رافع أن نبي الله صلىٰ الله عليه وسلم نهىٰ عنه فتركناه من أَجْلِهِ» ([17]).
إلى غير ذلك من الحوادث التي هي مما تعم به البلوىٰ ولم ينكر أحد شيئاً من ذلك فكان إجماعاً منهم([18]).
6-    أن كل ما ينقله العدل وصِدْقُهُ فيه ممكن يجب تصديقه فيه؛ لأن أحكام الشرع لا تثبت كلها بطريق العلم، فوجب قبول خبر الواحد فيها([19]).
7-    ولأن خبر الواحد قد دل الدليل القاطع علىٰ وجوب العمل به، فيجري مجرىٰ الآية والخبر المتواتر المقطوع بوجوب العمل بهما([20]).
8-    أن خبر الواحد فيما تعم به البلوىٰ خبرُ عدلٍ فيما يتعلق بالشرع، وليس له معارض مثله، فوجب قبوله والعمل به؛ قياساً علىٰ خبر الواحد فيما لا تعم به البلوىٰ([21]).
9-    أن خبر الواحد أصلُ القياسِ؛ فإنه منه يستنبط ويتفرع، وإذا جاز إثبات الأحكام في عموم البلوىٰ بالقياس مع أنه فرعٌ؛ كان جواز ذلك بخبر الواحد الذي هو أصلٌ أولىٰ([22]).
10-  أن خبر الواحد واقع فيما يمكن تصديقه فيه، فوجب تصديقه، إذ لا يجوز تكذيب الراوي العدل مع إمكان تصديقه([23]).
11-  أن الاحتياط يوجب قبول خبره؛ لدفع الضرر المظنون الحاصل من رد خبره، وهو ترك شيء من الأحكام الشرعية التي يفيدها ذلك الخبر([24]).
12-  أن وجوب الوتر، ونقض الوضوء بالفَصْد([25])، وبالقهقهة في الصلاة، وعدم الإفطار بالحجامة في رمضان، ووجوب الغُسْل من التقاء الختانين، وغير ذلك من التفاصيل؛ قد أثبتها الحنفية بأخبار آحاد وهي مما تعم به البلوىٰ([26]).

 

المطلب الثاني
أدلـــــــــــة الحنفيـــــــــــة
استدل الحنفية علىٰ رد خبر الواحد في عموم البلوىٰ بأدلة عدة، أوجز أهمها في التالي:
1)   قول الله تعالىٰ: ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ([27]). حيث نَهَىٰ سبحانه وتعالىٰ عن القول بما ليس للإنسان به علم، وخــبر الواحــد في عموم البلوىٰ لم يحصل به علم، فلا نقول به([28]).
2)   قوله تعالىٰ: ﴿وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾ ([29]). وخبر الواحد في عموم البلوىٰ ظنٌّ، فلا يغني شيئاً، ويخرج من عموم الآية خبر الواحد فيما لا تعم به البلوىٰ وإن كان ظناً؛ وذلك للإجماع علىٰ قبوله، فتبقىٰ الآية دالة علىٰ خبر الواحد فيما تعم به البلوىٰ؛ لأن العام حجة فيما بقي بعد التخصيص([30]).
3)   قوله تعالىٰ: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبّكَ ) ([31]). قال الجصاص: في الآية دلالة علىٰ أنَّ كل ما كان من الأحكام للناس إليه حاجة ينبغي أن يكون من طريق التواتر، كالوضوء من مس الذكر ومن مس المرأة ونحو ذلك؛ لعموم البلوىٰ بها، فإذا لم نجدها واردة من طريق التواتر؛ علمنا أن الخبر غير ثابت([32]).
4)      أن النبي صلىٰ الله عليه وسلم رَدَّ خبر ذي اليدين([33]) رضي الله عنه حين أخبره بأنه صَلَّىٰ الرباعية ركعتين([34]).
وجه الاستدلال: أن حكم الصلاة مما تعم به البلوىٰ، وتتوفر دواعي السؤال عن حكمها، فلما انفرد ذو اليدين بإخباره بالسهو لم يقبل منه النبي صلىٰ الله عليه وسلم وحده، حتىٰ استثبتَ من بقية الحاضرين، فدل هذا علىٰ أن انفراد الواحد فيما تعم به البلوىٰ غير مقبول([35]).
5)   أن الصديق رضي الله عنه رَدَّ خبر المغيرة بن شعبة رضي الله عنه في ميراث الجدة([36])، ورَدَّ الفاروق([37]) رضي الله عنه خبر أبي موسىٰ الأشعري([38]) رضي الله عنه في الاستئذان([39])، وكان ذلك بمحضر من الصحابة من غير نكير، فكان إجماعاً منهم علىٰ رد خبر الواحد في الأحكام التي تعم بها البلوىٰ([40]).
6)   أن ما تعم البلوىٰ به من شأنه أن يتكرر في الأوقات المختلفة، وهذا يدعو إلىٰ إلقائه من النبي صلىٰ الله عليه وسلم إلىٰ عدد التواتر مبالغةً في إشاعته؛ مخافة أن لا يصل إلىٰ من كُلِّفَ به فلا يتمكن من العمل به، فيفضي ذلك إلىٰ فساد عبادات الناس ومعاملاتهم من حيث لا يشعرون، فإذا لم ينقله إلا واحد دل ذلك علىٰ عدم صحته([41]).
7)   أن العادة تقضي بأن ما تعم به البلوىٰ من شأنه أن يكون معلوماً عند الكافة، وأن يتواتر نقله؛ لوجود سببه عندهم، وهو أن ما تعم به البلوىٰ يكثر وقوعه فيكثر السؤال عنه، وما يكثر السؤال عنه يكثر الجواب عنه، فيقع التحدث به، ويُرْوَىٰ الحديث فيه رواية مستفيضة، فإذا لم ينقله  - والحالة هذه  - إلا الآحاد دل علىٰ عدم صحته([42]).
8)   أن عموم بلواه للكافة يقتضي ظهور فِعْلهِ فيهم؛ لتوفر الدواعي علىٰ نقله، ووجوب إشاعته علىٰ النبي صلىٰ الله عليه وسلم، وإلا كان كتماناً للعلم وإخفاء للشرع، وما يظهر فعله في الكافة لا يُقْبَل فيه خبر الواحد كما لم يقبل خبر الواحد في حدوث فتنة عظيمة في الجامع يوم الجمعة، أو سقوط الخطيب عن المنبر، أو قتل أمير بالسوق([43]).
9)   أن المتأخرين لما نقلوا الخبر اشتهر فيهم، فلو كان ثابتاً في المتقدمين لاشتهر أيضاً وَلَمَا تفرَّدَ الواحد بنقله مع حاجة العامة إلىٰ معرفته([44]).
10)أن قبول خبر الواحد في عموم البلوىٰ يفضي إلىٰ التوقف في أحكام الكتاب العزيز؛ لجواز أن تكون نُسِخَتْ بمثل ذلك الخبر ولم يُنْقَل نسخها([45]).
11)أنه لما لم يجز إثبات القرآن بخبر الواحد؛ لأنه مما تعم البلوىٰ بمعرفته، كذلك لا يجوز قبول خبر الواحد إذا كان فيما تعم البلوىٰ بمعرفته([46]).
12)أن قبول خبر الواحد فيما تعم به البلوىٰ يعني القول بعدم وجوب التبليغ عن النبي صلىٰ الله عليه وسلم، أو علىٰ كتمان الصحابة رضي الله عنهم لما سمعوه من النبي صلىٰ الله عليه وسلم، لكن ذلك ممتنعٌ لأن الأدلة دالة علىٰ وجوب التبليغ عن النبي عليه الصلاة والسلام ودالة علىٰ عدالة الصحابة، وبناءً عليه فالخبر الآحادي في عموم البلوىٰ يكون مخالفاً للأدلة الدالة علىٰ وجوب تبليغ الأحكام وتأدية مقالات النبي صلىٰ الله عليه وسلم والأدلة الدالة علىٰ عدالة الصحابة، فلا يكون مقبولاً([47]).

 

المبحث السادس:
مناقشـــة الأدلـــة
وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول

مناقشة أدلة الجمهور
هذه أجوبة الحنفية على دلائل الجمهور:
أما الدليل الأول: فلم أجد للحنفية عنه جواباً حيث لم يَرِدْ في كتبهم، ويمكن أن يقال في جوابه: إن الاستدلال بالآية الكريمة لا يتوجه؛ لأن قوله «لينذروا» من قبيل المطلق وليس من قبيل العام؛ لأن الفعل مُثْبَتٌ وليس منفياً فأفاد الإطلاق، والمطلق يَصْدق بفرد من أفراده، فنحمل الآية علىٰ خبر الواحد فيما لا تعم به البلوىٰ.
والدليل الثاني:كسابقه لم يَرِدْ عند الحنفية، لكن يمكن أن يجيبوا عنه بقولهم: هذا استدلال بمفهوم المخالفة، وهو ليس بحجة عندنا فضلاً عن أن يكون له عموم.
وأما الدليل الثالث: وهو إرسال الرسل إلىٰ الآفاق كإرسال معاذ رضي الله عنه إلىٰ اليمن؛ فأُجِيْبَ عنه بأن هذا من باب الفتيا للعامي، وليس من باب نقل الأحاديث والأخبار([48]).
وأجاب الجمهور عن هذا الجواب بأنه مردود؛ لأن الاعتماد هو علىٰ كتب رسول الله صلىٰ الله عليه وسلم مع الآحاد إلىٰ النواحي وما يأمر به من قبض الزكاة وغير ذلك، وعَمِلَ الصحابةُ ومَنْ بعدهم وتأسوا به، وذلك مقطوع به([49]).
أما الدليل الرابع:وهو حديث الأعرابية؛ فلم أجد للحنفية جواباً عنه حيث لم يَرِدْ في كتبهم، لكن يمكن الإجابة عنه علىٰ طريقة الحنفية بأن يقال: لا نسلم أن الحكم في الحديث المذكور مما تعم به البلوىٰ؛ لأنه ليس مما يتكرر كثيراً وتشتد الحاجة إليه، فلا يكون وارداً في محل النزاع.
ثم إن هذا حكايةُ فعلٍ وقضيةٌ في عين، وقضايا الأعيان لا تعم.
وأما الدليل الخامس: وهو دعوىٰ الإجماع استناداً إلىٰ تلك الحوادث كمسألة ميراث الجدة والمخابرة وغيرهما؛ فقد أُجِيْبَ عنه بثلاثة أجوبة:
أولها: أن دعوىٰ الإجماع معارضة بمثلها، وهو أن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا علىٰ عدم العمل بخبر الواحد في عموم البلوىٰ؛ لأنهم أقروا عمر رضي الله عنه علىٰ ردِّ خبر أبي موسىٰ الأشعري رضي الله عنه في الاستئذان، وردِّ الصديق رضي الله عنه خبر المغيرة بن شعبة رضي الله عنه في ميراث الجدة، علىٰ ما سبق بيانه في أدلتنا.
وقد أجاب الجمهور عن هذا الجواب بجوابين:
الأول: أن رد الصديق رضي الله عنه خبر المغيرة رضي الله عنه في الجدة لم يكن رداً مطلقاً؛ ولهذا عمل بحديثه لما شهد علىٰ ذلك محمد بن مسلمة رضي الله عنه، ومعلوم أن خبرهما لا يخرج عن كونه آحادياً.
وكذلك رد الفاروق رضي الله عنه لخبر أبي موسىٰ رضي الله عنه في الاستئذان مثله؛ فإن خبر أبي موسىٰ وأبي سعيد الخدري([50]) رضي الله عنهما لا يخرج عن أن يكون خبر آحاد([51]).
الثاني: أن توقف الصديق رضي الله عنه في خبر المغيرة رضي الله عنه في الجدة لعله كان لوجه يقتضي التوقف، وهو أن ينظر أنه حكم مستقر أو منسوخ، أو ليعلم هل عند غيره زيادة علىٰ ما عنده، أو يكون عند غيره مثلُهُ فيكون الحكم أوكد أو خلافُهُ فيكون الحكم معارضاً، أو أظهرَ التوقفَ لئلا يتجاسر الناس علىٰ الرواية عن تساهلٍ، أو غير ذلك من الأغراض الصحيحة([52]).
وتوقف الفاروق رضي الله عنه مثله كذلك؛ وكان عمر رضي الله عنه يكره أن يتدافع الناس علىٰ الرواية بلا تثبت؛ ويجوز للإمام التوقف ولو مع انتفاء التهمة؛ لمثل هذه المصالح([53]).
ثانيها: أن ما ذكرتموه من التفاصيل كميراث الجدة والمخابرة وغير ذلك إنما ثبتت بأخبار آحاد، فإثباتكم قبول خبر الآحاد في عموم البلوىٰ بأخبار آحاد وردت في عموم البلوىٰ دورٌ، والدور باطل([54]).
وأجاب الجمهور عن هذا الجواب بأنه ليس هناك دور؛ لأن احتجاجنا وقع بإجماع الصحابة رضي الله عنهم علىٰ العمل بالخبر الآحادي في عموم البلوىٰ، وهذا الإجماع وإن نقل إلينا بخبر الواحد، غير أن ذلك لا يضر؛ لما تقرر في الأصول أن ما تواتر واشتهر من عمل الصحابة بخبر الواحد في وقائع كثيرة لا تنحصر فإنه يحصل بمجموعها العلم.
وعليه فإننا قد أثبتنا خبر الواحد الوارد في عموم البلوىٰ بمتواتر، فلا دور([55]).
ثالثها: أن تلك التفاصيل مما ذُكِرَ ومما يمكن أن يُذْكَر لا تخلو من أحد ثلاثة أمور:
الأول: إما أن تكون من السنن والمستحبات، فلا تكون في محل النزاع؛ لأن نزاعنا إنما هو في الواجبات([56]).
والجواب عن هذا بعدم تسليم الحصر المذكور، وقد أَقَرَّ به الأنصاري حيث قال مستدركاً علىٰ صاحب (مسلَّم الثبوت) جوابه المذكور: «وقد عرفتَ أنتَ أن في السنن والمندوبات أيضاً نزاعاً» اهـ([57]). وقد سبق الكلام علىٰ ذلك في المطلب الثاني من المبحث الثاني.
الثاني: وإما أن تكون من أركان الصلاة الإجماعية، فتكون أيضاً خارجة عن محل النزاع؛ لأن ثبوتها حصل بدليل قطعي من الكتاب أو السنة أو الإجماع، وليس ثبوتها بذلك الخبر الآحادي.
 والجواب عن هذا بما سيأتي إن شاء الله تعالىٰ من أنَّ سند ذلك الإجماع هو خبر آحادي، والعبرة باصطلاح المحدِّثين وهم يسمونه خبر آحاد، وقد أثبتَ مَنْ سَمِعَه التكليف به، فدل علىٰ حجيته في عموم البلوىٰ.
الثالث: وإما أن تكون من الأركان المختلف فيها، فلا تخلو من أحد أمرين: أحدهما أن يكون الخبر الوارد في تلك الأركان الخلافية قد اشتهر أو تلقته الأمة بالقبول، وعليه فنحن نقول به ولا يكون في محل النزاع، وثانيهما أن يكون الخبر غير مشهور ولم يُتَلَقَّ بالقبول، فهذا فيه النزاع ونحن لا نقبله؛ لقضاء العادة باشتهار ما عمت به البلوىٰ([58]).
وهذا الجواب لم يرتضه الأنصاري وهو من الحنفية، وقال: إن الجواب الصحيح هو أن هذه الأركان المختلف فيها نسلِّم أنها أخبار آحاد تعم بها البلوىٰ، غير أنها مخالفة لعمل الأكثر؛ ولهذا لم نقبلها([59]).
•   وأما الدليل السادس: فلم يَرِدْ في كتب الحنفية، لكن يمكن الجواب عنه علىٰ طريقتهم بعدم تسليم أن صدقه فيه ممكن؛ لأن العادة تقضي بوجوب اشتهاره؛ لأن ما تعم به البلوىٰ يكثر السؤال والجواب عنه فيكثر التحدث به، ولأنه يجب إلقاؤه لجمعٍ كثير لشدة حاجة المكلفين إليه، فإذا لم ينقله  - والحالة هذه  - إلا الآحاد عرفنا أنه ليس بصدق.
والجواب من قِبَلِ الجمهور بمنع قضاء العادة بذلك كما سيأتي إن شاء الله تعالىٰ.
•   وأما الدليل السابع:فيمكن أن يجيب عنه الحنفية علىٰ طريقتهم في المسألة بأن الذي دل الدليل القاطع علىٰ العمل به إنما هو خبر الواحد فيما لا تعم به البلوىٰ، فأما خبر الواحد في عموم البلوىٰ فهو عين المتنازع فيه، ولا قاطع فيه وإلا لما خالفناكم في حجيته، وهو عندنا لا يفيد علماً ولا ظناً فلا يصح قياسه علىٰ الآية والخبر المتواتر.
•   وأما الدليل الثامن: فيمكن الجواب عنه علىٰ طريقتهم بأنه قياس مع الفارق؛ لأن عموم بلواه يقضي بوجوب إلقائه للكثرة لئلا تضيع عبادات الناس سدىٰ، وتبطل أعمالهم وهم لا يشعرون،فلابد من توقيفهم عليه، بخلاف خبر الواحد فيما لا تعم به البلوىٰ فإنه لا يتحقق فيه هذا المعنىٰ وليس فيه ذلك المحذور؛ ولذا صح إلقاؤه للفرد والآحاد.
•       وأما الدليل التاسع: فقد أجاب الحنفية عنه من وجهين:
أولهما: أنَّ دليلكم إنما يلزمنا أَنْ لو سلمنا أن خبر الواحد في عموم البلوىٰ أعلىٰ رتبةً من القياس، لكننا لا نسلم ذلك؛ لأن القياس يوجب بمجرده الظنَّ، بخلاف خبر الواحد فيما تعم به البلوىٰ فإنه لا يفيد الظن حتىٰ يشتهر أو تتلقاه الأمة بالقبول([60]).
ثانيهما: أن حكم ما تعم به البلوىٰ لا نثبته بالقياس مطلقاً، وإنما نثبته بالقياس الجلي المستنبط من خبرٍ مشهور، فيكون القياس في معنىٰ أصله وهو الخبر المشهور([61]).
•   وأما الدليل العاشر: فأُجِيْبَ عنه بعدم تسليم أن خبر الراوي وقع فيما يمكن تصديقه فيه؛ لأننا نقول بأنه لا يمكن تصديق خبر الواحد في عموم البلوىٰ؛ لأن العادة تقضي بوجوب تواتره، ولا يُعَدُّ هذا مِنَّا تكذيباً للراوي؛ لأننا إنما نكذِّب الخبر، وإنما يلزمنا تكذيب الراوي أَنْ لو قلنا بصحة نسبته إليه، لكننا نقول إنه لا تصح نسبته إليه([62]).
•   وأما الدليل الحادي عشر:فيمكن الجواب عنه علىٰ طريقة الحنفية بأن الاحتياط يمكن أن لو كان خبر  الواحد في عموم البلوىٰ يفيد ظناً أو قريباً منه، لكنه لا يصح أصلاً؛ لما قدمناه من أدلة، وبناءً عليه فلا يصح العمل بما يحمله ذلك الخبر بدعوىٰ الاحتياط؛ لأن تقرير الأحكام الشرعية بالأحاديث الضعيفة لا يصح بحال.
•       وأما الدليل الثاني عشر:فقد أجاب الحنفية عنه من ثلاثة أوجه:
أولهــا: لا نسلم أن تلك التفاصيل المذكورة مما تعم به البلوىٰ؛ لأنها ليست مما يتكرر وتشتد الحاجة إليه، وعليه فلا تكون في محل النزاع.
فالفَصْد قليل للمتوضئين؛ إذْ قَلَّمَا يفعله الرجل إلا عند عروض المرضِ، والتقاءُ الختانين من غير إنزال لا يكثر وقوعه، والقهقهة في الصلاة لا توجد إلا نادراً ممن ليس له تَثَبُّتٌ لأمر الصلاة([63]).
ثانيها: سلمنا أن تلك التفاصيل مما تعم به البلوىٰ، لكن لا نسلم أنها ثبتت بأخبار، بل هي ثابتة بالقياس، كقياس الخارج من غير السبيل علىٰ الخارج منه، فتكون خارجة عن محل النزاع؛ لأن نزاعنا في إثبات الأحكام بالخبر([64]).
ثالثها: سلمنا أن هذه التفاصيل مما تعم به البلوىٰ وأنها ثابتة بالخبر لا بالقياس، لكن لا نسلم أنها أخبار آحاد، بل هي ثابتة بأخبارٍ مشهورة، لكن سبب عدم شهرتها إما تَرْكُ بعض الرواة الحديث اعتماداً علىٰ غيرهم، وإما لعارض آخر كموت عامتهم في حرب أو وباء، أو غير ذلك من العوارض، كما نُقِلَ أن البخاري([65]) رحمه الله لما جمع (الصحيح) سمعه منه قريبٌ من مائة ألف، ولم يثق عند الرواية إلا بمحمد بن يوسف بن مطر([66]) الفِرَبْرِيّ([67]).
والجواب من قِبَلِ الجمهور كما سيأتي إن شاء الله أن من هذه التفاصيل ما هو ثابت عند الحنفية بخبر الآحاد وتعم به البلوىٰ كالوتر مثلاً.
وأجاب الحنفية بقولهم: إنما أوجبنا الوتر؛ لأنه قد اشتهر أن النبي صلىٰ الله عليه وسلم قد فعله وأمر بفعله، فلا يكون في محل النزاع([68]).

 

المطلب الثاني
مناقشة أدلة الحنفية
هذه أجوبة الجمهور على دلائل الحنفية:
*  أما الدليل الأول: فقد أجاب الجمهور عن الاستدلال بالآية بأنه ليس فيها دليل علىٰ دعواكم؛ لأن الآية تنهىٰ عن القول بلا علم، ونحن ما قلنا بحجية خبر الواحد في عموم البلوىٰ إلا بما صح لنا به العلم وقام البرهان علىٰ وجوب قبوله([69]).
*  وأما الدليل الثاني: فأجاب الجمهور عنه بأن الاستدلال بقوله تعالىٰ: ﴿ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ﴾([70]) مُعَارَضٌ بالاستدلال بقوله تعالىٰ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ﴾([71]). فإن مقتضاها الجزم بالعمل بخبره إذا لم يكن فاسقاً سواء كان فيما عمت به البلوىٰ أم لم تعم([72]).
ويمكن للحنفية الجواب بأن المعارِض لو سُلِّم أنه معارِض، فهو من قبيل المفهوم المخالف وهو ليس بحجة عندنا.
* وأما الدليل الثالث: فأجاب الجمهور عن الاستدلال بالآية الكريمة بأن التبليغ في الآية مطلق، ولم يقيَّد بصورة التواتر في عموم البلوىٰ، فلا تثبت هذه الزيادة إلا بدليل([73]).
* وأما الدليل الرابع: وهو الاستدلال بقصة ذي اليدين رضي الله عنه، فقد أجيبَ عنه من ثلاثة وجوه:
أحدهــا: أن توقف النبي صلىٰ الله عليه وسلم في خبر ذي اليدين كان بسبب شذوذه عن الجماعة وقد كانوا حاضرين وشهدوا الصلاة معه([74]).
ثانيهــا: كون الذي أخبر به ذو اليدين شيئاً يتعلق بفعل النبي صلىٰ الله عليه وسلم، والقاعدة: أن فعل الإنسان إنما يرجع فيه إلىٰ تذكره، فكان المقتضي للتثبت قائماً([75]).
ثالثهــا: أنه معارضٌ بالأدلة الدالة علىٰ قبول خبر الواحد علىٰ الإطلاق من غير فرقٍ بين ما تعم به البلوىٰ وغيره، وبإجماع الصحابة رضي الله عنهم علىٰ قبوله فيما تعم به البلوىٰ حيث تكرر منهم في الوقائع قبوله من غير نكير فكان إجماعاً([76]).
* وأما الدليل الخامس:وهو دعوىٰ إجماع الصحابة علىٰ عدم العمل بخبر الواحد فيما تعم به البلوىٰ؛ فقد سبق الجواب عنه في المطلب السابق.
* وأما الدليل السادس:وقولكم بأن ما تعم به البلوىٰ من شأنه أن يتكرر كمس الذكر، وهذا يقتضي إلقاءه إلىٰ الكثرة؛ لئلا تبطل صلوات الناس وسائر عباداتهم؛ فجوابه من وجوه ثلاثة:
أحدهــا: أن الله تعالىٰ لم يكلف رسوله صلىٰ الله عليه وسلم إشاعة جميع الأحكام، بل كَلَّفه إشاعة بعضها وردّ الخلق في بعضها الآخر إلىٰ خبر الواحد، كما رَدَّهم إلىٰ القياس في قاعدة الربا وكان يسهل عليه أن يقول: (لا تبيعوا المكيل بالمكيل والمطعوم بالمطعوم)، حتىٰ يستغني عن الاستنباط من الأشياء الستة.
فيجوز أن يكون ما تعم به البلوىٰ من جملة ما تقتضي مصلحة الخلق أن يُرَدُّوا فيه إلىٰ خبر الواحد.
والقول بأن عدم إشاعتها يوجب فساد صلوات الناس من حيث لا يشعرون غير مسلَّم؛ لأن الأحكام إنما تثبت بالعلم بها، فحيث لم يعلم بها المكلف لا يؤاخَذ بترك الحكم، والحاصل أن وجوب إشاعة الأحكام إنما تكون لو لزم المكلف العمل بها مطلقاً، لكنها لا تلزمه إلا إذا بلغه الخبر؛ ولذا لم تجب الإشاعة علىٰ النبي صلىٰ الله عليه وسلم([77]).
وأجاب الحنفية عن هذا الجواب بأن قولكم (بطلان الصلاة يكون فيمن بلغه الخبر دون مَنْ لم يبلغه) مردودٌ؛ وذلك لما تقرر من أن الحكم إذا بلغ إلىٰ مكلفٍ واحد فإنه يثبت في حق جميع المكلفين اتفاقاً، فلو صح مثل حديث مس الذكر لثبت حكمه علىٰ الكل، فيلزم منه فساد صلاة مَنْ لم يبلغهم هذا الخبر([78]).
*  وهذا الجواب ضعيف، ولهذا لم يرتضه بعض الحنفية؛ حيث أجاب الأنصاري عنه بأن هذا غير صواب؛ لأن عدم عَمَل المكلف بدليلٍ لم يبلغه هو من قبيل الخطأ، والخطأ معفو عنه؛ ألا ترىٰ أن رسول الله صلىٰ الله عليه وسلم لم يأمر من صلىٰ إلىٰ بيت المقدس بعد نزول آية التوجه إلىٰ الكعبة بإعادة صلواتهم حيث لم يبلغهم الخبر؟!([79]).
ثانيها: سلمنا وجوب إشاعته علىٰ النبي صلىٰ الله عليه وسلم بين الكثرة، لكننا لا نسلم أن ذلك يقتضي توفر الدواعي علىٰ نقله واشتهاره؛ لجواز أن يعلم الناس أن مناط تكليفهم هو الظن، فيكتفوا من النقل بما يحصِّل الظن وهو خبر الواحد([80]).
ثالثها: سلمنا وجوب إشاعته وتوفر الدواعي علىٰ نقله علىٰ وجه الشهرة، لكنْ هناك دواعٍ مختلفة منعت الصحابة رضي الله عنهم من بيان الخبر للناس علىٰ الوجه المذكور؛ ولذا لم ينقله إلا آحادهم، فمن ذلك انشغالهم بالإمارة أو الخلافة وتدبير شؤون الناس، و إيثار بعضهم الجهاد علىٰ الرواية، حتىٰ قال السائب بن يزيد([81]) رضي الله عنه: "صحبتُ سعد بن أبي وقاص([82]) زماناً فما سمعت منه حديثاً إلا حديثاً واحداً"، وكان بعضهم لا يذكر الحديث إلا حين يُسْأل عنه، إلىٰ غير ذلك من الدواعي التي حالت دون اشتهار كثير من الأخبار([83]).
* وأما الدليل السابع: فأجاب عنه الجمهور بقولهم: لا نسلم قضاء العادة بتواتره، ويجوز أن يكثر السؤال والجواب ولا يتواتر النقل؛ ألا ترىٰ أن الأذان قد اختلف الناس في كلماته مع أنه مما يُسْمَع في اليوم خمس مرات، وكذلك حج النبي صلىٰ الله عليه وسلم وفعل المناسك بحضور الآلاف ولم تُنْقَل مناسكه إلينا إلا بخبر الآحاد، ورُجِمَ ماعز([84]) رضي الله عنه بحضور العدد الكثير ولم ينقل إلينا إلا بخبر الواحد؟!([85])
*  وأما الدليل الثامن: فحاصله قياس خبر الواحد في عموم البلوىٰ علىٰ خبر الواحد فيما تتوافر الدواعي علىٰ نقله؛ وقد أجاب الجمهور عن هذا بأنه قياس مع وضوح الفارق، وبيان ذلك من أوجه:
أولها: أن العادة في الخبر الذي تتوافر الدواعي علىٰ نقله إذا جرىٰ  - كقتل الأمير في السوق  - أن يسارع الناس إلىٰ روايته، والهِمَمُ والطباع مجبولة علىٰ ذلك، فإذا انفرد به الآحاد لم يقبل.
بخلاف خبر الواحد في عموم البلوىٰ؛ فإن العادة لا تقضي بتطابق الكل علىٰ نقله وروايته؛ لما ذكرنا آنفاً من أن الدواعي تحول دون نقله تواتراً([86]).
ثانيها: أن التفاصيل التي هي مما يسوغ فيها الاجتهاد لا تتوافر الدواعي علىٰ نقلها، بخلاف الكليات فإن دواعي المكلفين تتوافر علىٰ نقلها، ولهذا نجد أن الصلوات الخمس هي مما تواتر لأنها من الكليات، فأما تفصيلاتها في الكيفية فإنها نُقِلَتْ بخبر الآحاد([87]).
ثالثها: أن الذي تتوافر الدواعي علىٰ نقله  - كالنص علىٰ الإمامة  - لابد فيه من النقل المتواتر، وبغيره لا يكون مقبولاً، ألا ترىٰ أن القرآن لما توافرت الدواعي علىٰ نقله لم يصح بغير التواتر؟! بخلاف الذي تعم به البلوىٰ؛ فإن طريق معرفته غير منحصرة في التواتر؛ لأن الظن كافٍ فيه كما أسلفنا، ولذا جاز إثباته بالقياس([88]).
ويمكن للحنفية أن يردوا الأخير بأنه عين المتنازع فيه، فلا يُقْبل.
* وأمَّا الدليل التاسع: فيمكن الجواب عنه بأن يقال: إنما انتشر بين المتأخرين ولم يشتهر بين المتقدمين لما أسلفنا من أن الصحابة رضي الله عنهم كانت تعرض لهم موانع ودواعٍ مختلفة تحول دون استفاضة رواية الخبر، بخلاف المتأخرين فقد جاءوا في عصر انتشار الدين واستقرار الأحوال، فعكفوا علىٰ الرواية وعُنُوا بنقلها فاستفاض النقل.
* وأمَّا الدليل العاشر: فقد أجاب عنه الجمهور بأنَّ النسخ لا يجري هذا المجرىٰ الذي ذكرتم؛ لأنه رَفْعُ الحكم وإسقاطه، فإذا كان ذلك الحكم ثابتاً بالاستفاضة فلا يجوز أن يُنْقَل إسقاطه بخبر الآحاد، وما نحن فيه هو إثبات حكم ابتداءً، فيجوز بالمتواتر ويجوز بالآحاد([89]).
* وأمَّا الدليل الحادي عشر: فأجاب عنه الجمهور من وجهين:
أولهما: لا نسلم أنَّ القرآن لا يجوز إثباته بخبر الواحد؛ فإنَّ من القراءات ما ثبت بخبر الآحاد، نحو قراءة ابن مسعود([90]) رضي الله عنه: "فصيام ثلاثة أيام متتابعات"، وغير ذلك([91]).
ثانيهما: سلمنا أنه لا يجوز إثبات القرآن بخبر الآحاد، لكن إنما امتنع ذلك ليس لأنه مما تعم به البلوىٰ، بل لأنه المعجز في إثبات نبوة نبينا محمد صلىٰ الله عليه وسلم، ولأنه أصل الدين، وطريقُ معرفة القرآن متوقفٌ علىٰ القطع؛ ولذلك وجب علىٰ النبي صلىٰ الله عليه وسلم إشاعته وإلقاؤه علىٰ عدد التواتر؛ لأنه مما تتوافر الدواعي علىٰ نقله وتعبدنا بإشاعته، وأمَّا ما نحن فيه فهو حكم تفصيلي والظنّ كافٍ فيه؛ ولذا جاز إثباته بالقياس([92]).
*  وأمَّا الدليل الثاني عشر وقولكم فيه: (إنَّ قبول خبر الواحد في عموم البلوىٰ يعارض وجوب التبليغ ويعارض دلائل عدالة الصحابة رضي الله عنهم) فالجواب بأنَّ هذا ضعيف جداً وقد أقرَّ بهذا بعض الحنفية، حيث قال الرُّهاوي([93]) تعقيباً علىٰ هذا الدليل: "ولا يخفىٰ أنَّ هذه القضية ليست قطعية حتىٰ يُرَدَّ الخبر لمعارضتها" اهـ([94]).
وأجيب كذلك بما سلف من أنَّ الواجب في حقه صلىٰ الله عليه وسلم هو عدم إخفاء الشريعة، وليس الواجب عليه أن يبلغ كل أحد أو عدد التواتر، بل عليه أن يبلغها ولو لآحاد الناس ويردّ بعضهم إلىٰ بعض؛ ولهذا قال تعالىٰ: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) ([95])، وقال صلىٰ الله عليه وسلم: "نَضَّرَ الله امرءاً سمع منَّا حديثاً فحفظه حتىٰ يبلِّغَه غيرَه" ([96])، وعليه فلا معارض يُرَدُّ لأجله الخبر([97]).

 

المطلب الثالث
الترجيـــــــح
اختار الشيخ المطيعي([98]) رحمه الله أن الخلاف بين الحنفية والجمهور خلافٌ لفظي؛ حيث قال: «والذي يغلب علىٰ الظن أنَّ قبول مثل هذا الخبر بعيدٌ عن الصواب؛ ولذلك يكاد يكون الخلاف لفظياً بِحَمْل ما قاله الشافعية [ يعني ومعهم الجمهور ] من القبول علىٰ خلاف هذا الخبر من أخبار الآحاد، وقد علمتَ أن الحنفية لا يردُّونها» اهـ([99]).
قلت: وهذا الحمل بعيدٌ، ولا يحتمله كلام الفريقين في كتبهم الأصولية في بحثهم المسألة، بل كلامهم يردُّ هذا الحمل.
ولا يمكن أن يكون خلافاً لفظياً؛ للفروع الفقهية الكثيرة المتخرجة علىٰ الخلاف بين الفريقين في القاعدة كما ستراه إن شاء الله تعالىٰ في المبحث الأخير.
وإذا تقرر أنَّ الخلاف بين الفريقين قائمٌ علىٰ محل؛ فإن الراجح في نظري القاصر هو قول الجمهور؛ وذلك لأمورٍ عدة، منها:
أولاً: التناقض الواضح الذي وقع فيه الحنفية؛ فإنهم ادعوا عدم قبول خبر الواحد فيما تعم به البلوىٰ، غير أنهم أثبتوا فروعاً كثيرة هي مما تعم به البلوىٰ بخبر الواحد، ولا يعصمهم قولهم: (إنها اشتهرتْ عندهم فهي كالمتواتر)؛ لأنَّ العبرة باصطلاح المحدِّثين وهم يسمونها أخبار آحاد، بل إنَّ من تلك الفروع ما أثبته الحنفية بأخبارٍ ضعيفة واهية فضلاً عن أن تكون صحيحة مشهورة، كما في النقض بالقهقهة في الصلاة([100])، وكذا النقض بالفَصْـد([101])، وغير ذلك.
ثانياً: أن أحكام الشرع الحنيف هي في الواقع تعم بجميعها البلوىٰ([102])، ولو فُرِضَ أن بعض أحكامه لا تعم بها البلوىٰ فإن الواجب أيضاً إشاعة حكمها خوفاً من أن لا يصل إلىٰ من ابتلي به فيضيع الغرض([103]).
فإذا رددنا أخبار الآحاد لأجل ذلك رددنا أكثر الأحكام  الشرعية؛ لأن أكثر ما في السنة أخبار آحاد؛ ولهذا لم يستطع الحنفية عند التطبيق أن يراعوا قاعدتهم فوقعوا في الاضطراب المذكور أولاً.
ثالثاً: ولأن من أدلة الجمهور ما هو واضح في الدلالة لكل منصفٍ، وهو كافٍ في رجحان مذهبهم وإن كان غيره يصح أيضاً.
ألا ترىٰ أن الصلاة هي من أعظم ما يُبْتَلَىٰ به المكلفون، وأكثر ما يتكرر للمسلم، ومع هذا فقد حَوَّلَ أهل قباء قبلة صلاتهم من بيت المقدس إلىٰ بيت الله الحرام بناء علىٰ خبر الواحد([104])، أَوْ لا ترىٰ أن أمير المؤمنين عثمان([105]) رضي الله عنه أخذ بخبر الفُرَيْعَة بنت مالك([106]) رضي الله عنهما أن عدة الوفاة في منزل الزوج([107])، ووفاة الأزواج عن زوجاتهم يُبْتَلَىٰ بها المكلفون كثيراً، وكان زيد بن ثابت([108]) رضي الله عنه يرىٰ أن لا تصدر الحائض حتىٰ تطوف بالبيت، فقال له ابن عباس([109]) رضي الله عنهما: «سَلْ فلانة الأنصارية هل أمرها رسول الله صلىٰ الله عليه وسلم بذلك؟ فأَخبرتْهُ أن النبي صلىٰ الله عليه وسلم لم يأمرها بذلك، فرجع زيد يضحك وقال لابن عباس: ما أراكَ إلا صَدَقْتَ» ([110])، إلىٰ غير ذلك من الوقائع وقد تقدم بعضها.
رابعاً: ولأن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم والتابعين رحمهم الله تعالىٰ لم يزالوا يقبلون أخبار الآحاد فيما تعم به البلوىٰ من غير نكيرٍ من أحدٍ منهم([111])، يقول الإمام الشافعي([112]) رحمه الله: «وجدنا سعيداً([113]) بالمدينة يقول: أخبرني أبو سعيد الخدري عن النبي صلىٰ الله عليه وسلم في الصَّرْف، فيُثَبِّت حديثَه سُنَّةً، ويقول: حدثني أبو هريرة([114]) عن النبي صلىٰ الله عليه وسلم فيثبت حديثه سنةً، ويروي عن الواحد غيرهما فيثبت حديثه سنةً، ووجدنا عروة([115]) يقول: حدثتني عائشة أن رسول الله صلىٰ الله عليه وسلم قَضَىٰ أنَّ الخراجَ بالضمانِ([116])، فيثبته سنةً، ويروي عنها عن النبي صلىٰ الله عليه وسلم شيئاً كثيراً فيثبتها سُنَنَاً يُحِلُّ بها ويُحَرِّمُ، وكذلك وجدناه يقول: حدثني أسامة بن زيد([117]) عن النبي صلىٰ الله عليه وسلم، ويقول: حدثني عبد الله بن عمر عن النبي صلىٰ الله عليه وسلم وغيرُهما، فيثبت خبر كل واحدٍ منهما علىٰ الانفراد سنةً» اهـ([118]).
فلو كانت أخبار الآحاد غير مقبولة في عموم البلوىٰ لوقع الإنكار، لكنه لم يقع رغم كثرة هذه الوقائع وتكررها، فكان إجماعاً منهم علىٰ مر الأعصار، والإجماع حجة صحيحة.

يتبع
----------------------------------------------------
([1]) من الآية 122 سورة التوبة.
([2]) انظر (الإحكام) لابن حزم 1/100 و(المحصول) للرازي 4/441 و(الإحكام) للآمدي م1 ج2 ص135 و(تخريج الفروع) للزنجاني ص62.
([3]) من الآية 6 سورة الحجرات.
([4]) انظر (المحصول) للرازي 4/441 و(شرح تنقيح الفصول) ص373 و(التحبير) 4/1847.
([5]) هو معاذ بن جبل بن عمرو الأنصاري الخزرجي أبو عبدالرحمن، صحابي جليل أعلم الأمة بالحلال والحرام، توفي سنة 18هـ. انظر (أسد الغابة) 4/142.
([6]) الحديث أخرجه البخاري 1395 ومواضع أخرىٰ، ومسلم 19.
([7]) انظر (الإحكام) لابن حزم 1/101 و(الإيضاح لقوانين الاصطلاح) ص113 و(شرح الكوكب المنير) 2/275 و(البرهان في علوم القرآن) للزركشي 2/226.
([8]) الحديث أخرجه أحمد 20067 والنسائي 4248 والدارقطني 105  - 108 وابن حزم في (المحلىٰ) 1/129 والحاكم 4/141 وصححه، ووافقه الذهبي، وصححه ابن الملقن في (البدر المنير) 1/609 وكذا صححه الألباني في (غاية المرام) 26 و(التعليقات الحسان) 4505.
([9]) هو أحمد بن علي بن محمد العسقلاني شهاب الدين أبو الفضل، فقيه شافعي من حفاظ الحديث، من كتبه (فتح الباري بشرح صحيح البخاري) و(لسان الميزان) توفي سنة 852هـ. انظر (بهجة الناظرين) ص134.
([10]) (فتح الباري) 1/308.
([11]) هو المغيرة بن شعبة بن أبي عامر الثقفي أبو عبدالله، صحابي جليل وأحد دهاة العرب، تولىٰ إمرة الكوفة وتوفي بها سنة 50هـ. انظر (أسد الغابة) 4/181.
([12]) هو محمد بن مسلمة بن خالد الأنصاري الأوسي أبو عبدالرحمن، صحابي جليل شهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها، وتوفي سنة 46هـ. انظر (أسد الغابة) 4/83.
([13]) الحديث أخرجه أحمد 17980 وأبو داود 2894 والترمذي 2100  - 2101 وابن ماجه 2724 والبيهقي 12337والحاكم 4/338 وصححه، ووافقه الذهبي، وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان وابن الملقن، وضعفه ابن حزم وعبد الحق الإشبيلي والحافظ ابن حجر والألباني. انظر (البدر المنير) 7/206 و(التلخيص الحبير) 3/1067 و(الدراية) 2/297 و(إرواء الغليل) 1680 و(التعليقات الحسان) 8/416.
([14]) هي عائشة بنت أبي بكر الصديق القرشية التيمية أم عبدالله،صحابية جليلة أم المؤمنين وصاحبة المناقب الكثيرة، توفيت سنة 57هـ. انظر (أسد الغابة) 5/341.
([15]) الحديث أخرجه مسلم 349.
([16]) هو رافع بن خَدِيْج بن رافع الأنصاري الأوسي أبو عبدالله، صحابي جليل شهد أحداً والخندق وأكثر المشاهد، وتوفي سنة 74هـ. انظر (أسد الغابة) 2/160.
([17]) الحديث أخرجه مسلم 1547.
([18]) انظر (المعتمد) 2/661 و(العدة في أصول الفقه) 3/880 و(الإحكام) للآمدي م1 ج2 ص135 و(شرح مختصر الروضة) 2/234 و(شرح العضد) 2/72 و(شرح الكوكب المنير) 2/269.
([19]) انظر (المستصفىٰ) 1/321 و(التمهيد في أصول الفقه) 3/87 و(التنقيحات في أصول الفقه) ص229.
([20]) انظر (العدة في أصول الفقه) 3/881 و(التمهيد في أصول الفقه) 3/87.
([21]) انظر (العدة في أصول الفقه) 3/881.
([22]) انظر (التمهيد في أصول الفقه) 3/88 و(روضة الناظر) 2/433 و(شرح العضد) 2/72.
([23]) انظر (روضة الناظر) 2/433.
([24]) انظر بعض هذا في (المحصول) للرازي 4/441.
([25]) الفَصْد: هو شَقُّ العِرْق لاستخراج الدم. انظر (تاج العروس) 5/165 «فصد».
([26]) انظر (التنقيحات) ص230 و(المحصول) للرازي 4/442 و(الإحكام) للآمدي م1 ج2 ص136 و(الإيضاح لقوانين الاصطلاح) ص111 – 113و(شرح تنقيح الفصول) ص372 و(نهاية الوصول) 7/2962 و(بيان المختصر) 1/748.
([27]) من الآية 36 سورة الإسراء.
([28]) انظر (الإحكام) لابن حزم 1/103.
([29]) من الآية 28 سورة النجم.
([30]) انظر (شرح تنقيح الفصول) ص372 و(نهاية الوصول) 7/2966.
([31]) من الآية 67 سورة المائدة.
([32]) انظر (أحكام القرآن) للجصاص 4/106.
([33]) هو الخِرْباق بن عمرو السُّلَمي، صحابي جليل يُعرف بذي اليدين؛ لطولٍ كان في يديه، ولا تعرف سنة وفاته. انظر (أسد الغابة) 2/154 و(شرح صحيح مسلم) للنووي 5/70.
([34]) الحديث أخرجه البخاري 1227 – 1229 ومواضع أخرىٰ، ومسلم 573.
([35]) انظر (نظم الفرائد) ص229.
([36]) سبق ذكره وتخريجه في أدلة الجمهور.
([37]) هو عمر بن الخطاب بن نُفَيْل القرشي العدوي أبو حفص، صحابي جليل ثاني الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، قُتل سنة 23هـ. انظر (أسد الغابة) 3/318.
([38]) هو عبدالله بن قيس بن سُلَيم الأشعري أبو موسىٰ، صحابي جليل من الأمراء الشجعان، وكان من أحسن الناس صوتاً بالقرآن، توفي سنة 42هـ. انظر (أسد الغابة) 3/62.
([39]) الحديث والقصة أخرجهما البخاري 2062، 6245، 7353 ومسلم 2153.
([40]) انظر (المحصول) للرازي 4/442 و(الإحكام) للآمدي م1 ج2 ص136 و(نهاية الوصول) للهندي 7/2965.
([41]) انظر (كشف الأسرار عن البزدوي) 3/17 و(فواتح الرحموت) 2/129 و(تيسير التحرير) 3/113 و(العدة في أصول الفقه) 3/881 و(المستصفىٰ) 1/322 و(نهاية الوصول) 7/2965.
([42]) انظر (المحصول) لابن العربي ص117 و(التمهيد في أصول الفقه) 3/87 و(تخريج الفروع علىٰ الأصول) ص63 و(شرح تنقيح الفصول) ص372.
([43]) انظر (كشف الأسرار عن البزدوي) 3/17 و(فواتح الرحموت) 2/129 و(تيسير التحرير) 3/113 و(العدة في أصول الفقه) 3/883 و(شرح مختصر الروضة) 2/234 و(شرح المحلي) 2/135.
([44]) انظر (أصول السرخسي) 1/368 و(كشف الأسرار عن البزدوي) 3/17.
([45]) انظر (العدة في أصول الفقه) 3/884.
([46]) انظر (الإحكام) للآمدي م1 ج2 ص137.
([47]) انظر (التوضيح شرح التنقيح مع حاشية التفتازاني) 2/9  - 10 و(حاشية الرهاوي) 2/648.
([48]) انظر (التحبير) 4/1846 و(شرح الكوكب المنير) 2/376.
([49]) انظر المصدرين السابقين.
([50]) هو سعد بن مالك بن سِنَان الأنصاري الخزرجي الخدري أبو سعيد، صحابي جليل وأحد المكثرين من رواية الحديث، توفي سنة 74هـ. انظر (أسد الغابة) 2/306.
([51]) انظر (المعتمد) 2/661  - 662 و(المحصول) للرازي 4/442 و(الإحكام) للآمدي م1 ج2 ص137.
([52]) انظر (المستصفىٰ) 1/287.
([53]) انظر (المستصفىٰ) 1/288.
([54]) انظر (التحبير) 4/1845 و(شرح الكوكب المنير) 2/375.
([55]) انظر المصدرين السابقين و(المستصفىٰ) 1/276.
([56]) انظر (مسلم الثبوت) 2/130 و(التحرير) 3/113.
([57]) (فواتح الرحموت) 2/130.
([58]) انظر (مسلم الثبوت) 2/130 و(التحرير) 3/114.
([59]) انظر (فواتح الرحموت) 2/130 و(سلم الوصول) 3/171.
([60]) انظر (فواتح الرحموت) 2/131 و(تيسير التحرير) 3/114  - 115.
([61]) انظر (شرح مختصر الروضة) 2/235 و(نزهة الخاطر) 1/327.
([62]) انظر بعض هذا في (فواتح الرحموت) 2/126.
([63]) انظر (فواتح الرحموت) 2/130 و(سلم الوصول) 3/172.
([64]) انظر (فواتح الرحموت) 2/131 و(سلم الوصول) 3/172  - 173.
([65]) هو محمد بن إسماعيل البخاري الجُعْفي بالولاء أبو عبدالله، أحد كبار أئمة الحديث، من كتبه (الصحيح) و(الأدب المفرد) توفي سنة 256هـ. انظر (تاريخ الإسلام) 6/140 و(الأعلام) 6/34.
([66]) هو محمد بن يوسف بن مطر الفِرَبْري أبو عبدالله، محدِّث ثقة من تلاميذ الإمام البخاري، سمع منه (الصحيح) مرتين، وتوفي سنة 320هـ. انظر (تاريخ الإسلام) 7/375.
([67]) انظر (كشف الأسرار عن البزدوي) 3/17.
([68]) انظر (أصول السرخسي) 1/369.
([69]) انظر (الإحكام) لابن حزم 1/103.
([70]) من الآية 28 سورة النجم.
([71]) من الآية 6 سورة الحجرات.
([72]) انظر (شرح تنقيح الفصول) ص373.
([73]) انظر (البرهان في علوم القرآن) 2/226.
([74]) انظر (نظم الفرائد) ص229.
([75]) المصدر السابق ص229، 407.
([76]) المصدر السابق ص229.
([77]) انظر (المعتمد) 2/662 و(العدة في أصول الفقه) 3/881 و(المستصفىٰ) 1/322 و(التمهيد في أصول الفقه) 3/91 و(المحصول) للرازي 4/442  - 443 و(روضة الناظر) 2/433 و(الإحكام) للآمدي م1 ج2 ص137 و(شرح العضد) 2/72 و(أصول الفقه) لأبي النور زهير 3/153  - 154.
([78]) انظر (مسلم الثبوت) 2/129.
([79]) انظر (فواتح الرحموت) 2/129.
([80]) انظر (المحصول) لابن العربي ص117 و(شرح مختصر الروضة) 2/235  - 236.
([81]) هو السائب بن يزيد بن سعيد الكندي أبو يزيد، صحابي جليل من صغارهم، واستعمله عمر بن الخطاب علىٰ سوق المدينة، توفي سنة 80هـ. انظر (أسد الغابة) 2/273.
([82]) هو سعد بن (أبي وقاص) مالك بن وُهَيْب القرشي الزهري أبو إسحاق، صحابي جليل من السابقين للإسلام وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، توفي سنة 55هـ. انظر (أسد الغابة) 2/307.
([83]) انظر (العدة في أصول الفقه) 3/881 ــ882 وهذا الأثر عن السائب بن يزيد ذكرته مختصراً، وقد أخرجه الدارقطني 1943 والبيهقي 7333 وابن عدي في (الكامل) 5/245 وفي سنده عبد الله بن لَهِيْعَة مجمعٌ علىٰ ضعفه. انظر (البدر المنير) 5/448 و(التلخيص الحبير) 2/730.
([84]) هو ماعز بن مالك الأسلمي، صحابي جليل، كتب له النبي صلىٰ الله عليه وسلم كتاباً بإسلام قومه، وهو الذي أقرَّ بالزنا وكان محصناً فَرُجِمَ. انظر (أسد الغابة) 4/8.
([85]) انظر (التمهيد في أصول الفقه) 3/88  - 90 و(بيان المختصر) 1/748.
([86]) انظر (العدة في أصول الفقه) 3/883 و(المستصفىٰ) 1/321 و(الإحكام) للآمدي م1 ج2 ص137.
([87]) انظر (البرهان في أصول الفقه) 1/426  - 427.
([88]) انظر (العدة في أصول الفقه) 3/884 و(التمهيد في أصول الفقه) 3/90 و(الإحكام) للآمدي م1 ج2 ص137  - 138.
([89]) انظر (العدة في أصول الفقه) 3/884.
([90]) هو عبدالله بن مسعود بن غافل الهذلي أبو عبدالرحمن، صحابي جليل من السابقين للإسلام وأحد أكابر العلماء، توفي سنة 32هـ. انظر (أسد الغابة) 3/74.
([91]) انظر (العدة في أصول الفقه) 3/885.
([92]) انظر (العدة في أصول الفقه) 3/884  - 885 و(المستصفىٰ) 1/321 و(الإحكام) للآمدي م1ج2ص138.
([93]) هو يحيىٰ بن قُراجا الرُّهاوي شرف الدين، فقيه حنفي أصولي، من كتبه (حاشية علىٰ شرح صدر الشريعة علىٰ الوقاية) توفي بعد سنة 942هـ. انظر (الأعلام) 8/163.
([94]) (حاشية الرهاوي) 2/648.
([95]) من الآية 43 سورة النحل.
([96]) الحديث أخرجه أحمد 4157 ومواضع أخرىٰ، وأبو داود 3660 والترمذي 2656 – 2658 وابن ماجه 230 – 232 ومواضع أخرىٰ، والحاكم 1/87 – 88 وصححه ووافقه الذهبي، وحَسَّنه الترمذي، وصححه ابن حبان وابن حجر وكذا الألباني. انظر (موافقة الخُبْر الخَبَر) 1/364 و(السلسلة الصحيحة) برقم 404 و(التعليقات الحسان) 1/192 – 194 و 2/122 – 123.
([97]) انظر بعض هذا في (حاشية التلويح علىٰ التوضيح) 2/10.
([98]) هو محمد بخيت بن حسين المطيعي، فقيه حنفي أصولي كان مفتي الديار المصرية، من كتبه (البدر الساطع علىٰ جمع الجوامع) و(القول المفيد في علم التوحيد) توفي سنة 1354هـ. انظر (الأعلام) 6/50.
([99]) (سلم الوصول) 3/173.
([100]) حيث قال الحنفية بنقض الوضوء بالقهقهة إذا كانت في الصلاة؛ مستدلين بحديث: «أَلا مَنْ ضَحِكَ منكم قهقهةً فَلْيُعِدِ الوضوءَ والصلاةَ جميعاً». انظر (فتح القدير) 1/51 و(حاشية ابن عابدين) 1/144  - 145   والحديث أخرجه الدارقطني 601  - 647 والطبراني كما في (مجمع الزوائد) 1278 وابن عدي في (الكامل) 4/101، 6/194، 9/155 وقد ضعفه الأئمة، فانظر مثلاً (العلل المتناهية) 1/367  - 373 و(المغني) 1/240 و(مختصر خلافيات البيهقي) 1/316  - 341 و(الدراية) 1/34 و(فتح الباري) 1/280 و(إرواء الغليل) 392.
([101]) حيث قال الحنفية بنقض الوضوء بالفَصْد وهو شَقُّ العِرْق لاستخراج الدم؛ مستدلين بحديث: «الوضوءُ مِنْ كلِّ دمٍ سائلٍ». انظر (فتح القدير) 1/39 ــ40 و(حاشية ابن عابدين) 1/136 والحديث أخرجه الدارقطني 581 وابن عدي في (الكامل) 1/313، 2/268 وقد ضعفه أئمة الحديث، فانظر مثلاً (مختصر خلافيات البيهقي) 1/307 و(الدراية) 1/30 و(موافقة الخُبْر الخَبَر) 1/438  - 439 و(السلسلة الضعيفة) 470 وقد أقر الزيلعي وهو حنفي المذهب بضعف الحديث، وكذا ابن الهمام أقرَّ بضعفه وهو حنفي، فانظر (نصب الراية) 1/37 و(فتح القدير) 1/39.
([102]) انظر (الإحكام) لابن حزم 1/104.
([103]) انظر (المعتمد) 2/662.
([104]) الحديث أخرجه البخاري 7252 ومسلم 525 – 527.
([105]) هو عثمان بن عفان بن أبي العاص القرشي الأُموي أبو عبدالله، صحابي جليل ثالث الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، قُتِل سنة 35هـ. انظر (أسد الغابة) 3/215.
([106]) هي الفُرَيعة بنت مالك بن سِنَان الأنصارية الخزرجية الخدرية، صحابية جليلة وهي أخت أبي سعيد الخدري، وكانت ممن شهد بيعة الرضوان، ولا تُعرف سنة وفاتها. انظر (أسد الغابة) 5/375.
([107]) الحديث أخرجه أحمد 27087، 27088 وأبو داود 2300 والترمذي 1204 والنسائي 3558 ــ3560 وابن ماجه 2031 والحاكم 2/208، وقد صححه الترمذي، وضعفه ابن حزم وتبعه عبد الحق الإشبيلي، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وكذا صححه ابن حبان والذُّهلي وابن عبد البر وابن القطان وابن الملقن وغيرهم، وضعفه الألباني أول أمره ثم عاد وصححه. انظر (نصب الراية) 3/263 و(البدر المنير) 8/243 و(الدراية) 2/80 و(التلخيص الحبير) 4/1290 و(إرواء الغليل) 2131 و(التعليقات الحسان) 6/340.
([108]) هو زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري الخزرجي النَّجَّاري أبو سعيد، صحابي جليل كان أعلم الناس بالفرائض، توفي سنة 45هـ. انظر (أسد الغابة) 2/235.
([109]) هو عبدالله بن عباس بن عبدالمطلب القرشي الهاشمي أبو العباس، صحابي جليل حبر الأمة، وكان يسمىٰ «البحر» لسعة علمه، توفي سنة 68هـ. انظر (أسد الغابة) 3/8.
([110]) الحديث أخرجه مسلم 1328.
([111]) انظر (التحبير) 4/1840 و(إرشاد الفحول) 1/281 وغيرهما.
([112]) هو محمد بن إدريس بن العباس الشافعي المطلبي أبو عبدالله، الفقيه الإمام أحد الأئمة الأربعة، من كتبه (الرسالة في أصول الفقه) و(الأم في الفقه) توفي سنة 204هـ. انظر (تاريخ الإسلام) 5/146 و(الأعلام) 6/26.
([113]) هو سعيد بن المسيب بن حَزْن القرشي المخزومي أبو محمد، من أئمة التابعين وعالم المدينة في زمانه، توفي سنة 94هـ. انظر (تاريخ الإسلام) 2/1103.
([114]) هو عبدالرحمن بن صخر الدَّوسي أبو هريرة، صحابي جليل اختلف في اسمه اختلافاً كثيراً، وهو أكثر الصحابة رواية للحديث، توفي سنة 58هـ. انظر (أسد الغابة) 5/119.
([115]) هو عروة بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي أبو عبدالله، تابعي ثقة فقيه من أعيان العلماء، توفي سنة 93هـ. انظر (تاريخ الإسلام) 2/1139.
([116]) الحديث أخرجه أحمد 24224 ومواضع أخرىٰ، وأبو داود 3508 ــ3510 والترمذي 1285، 1286 والنسائي 4495 وابن ماجه 2242، 2243 والدارقطني 3004 والحاكم 2/15 وصححه الترمذي، وضعفه ابن حزم، وكذا صححه الحاكم ووافقه الذهبي، وممن صححه ابن حبان وابن القطان، وحسنه الحافظ ابن حجر، وكذا حسنه الألباني. انظر (البدر المنير) 6/541 و(التلخيص الحبير) 3/977 و(توالي التأسيس) ص235 و(إرواء الغليل) 1315 و(التعليقات الحسان) 7/266.
([117]) هو أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي أبو محمد، صحابي جليل وهو حِبُّ رسول الله صلىٰ الله عليه وسلم وابن حِبّه، توفي سنة 54هـ. انظر (أسد الغابة) 1/75.
([118]) (الرسالة) للشافعي ص453 وما بعدها.