الشيخ الوطبان: شكلنا ائتلافا من ست جمعيات للعمل في مخيمات اللاجئين البورميين ... اللاجئون ليس لديهم أياً من مقومات الحياة
19 محرم 1434
محمد لافي

أكد فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله الوطبان على ضرورة التحرك لحل قضية المسلمين في بروما على كافة المستويات السياسية والحقوقية والإعلامية والإغاثية, مشيراً إلى ضرورة أن يكون هذا التحرك على شكل مشروع متكامل تشترك فيه الحكومات والشعوب.
وكشف فضيلته عن الواقع المرير الذي يعيشه اللاجئون البورميون في بنغلادش وما يروونه من قصص مروعة عايشوها قبل نجاتهم من بطش البوذيين في بورما, وما تحكيه وجوههم من مآس وآلام.

 

وأماط اللثام عن عدد من الجهود والمشاريع التي تم الترتيب لها خلال زيارته لمخيمات اللاجئين البورميين لتقديم العون لهم والتخفيف من معاناتهم.

 

وقد التقى "المسلم" فضيلة الشيخ د.عبد الله الوطبان المشرف العام على موقع المحتسب, بعد عودته من بنغلادش فكان هذا الحوار:

 

 

بداية لو تعطينا نبذة سريعة عن زيارتكم لمخيمات اللاجئين في بنغلادش.
ما أهدافها؟. وما تحقَّق منها؟.

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم, الحمد الله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدِّين.
الحقيقة إنَّ قضيَّة الشَّعب البورميِّ، وما يمرون به من نكبة، هي قضيَّة قديمة، ولكنَّها تتجدَّد بين فترة وفترة، ولما استفاضت الأخبار أنَّ هناك مجازر وتهجير، أردنا  الوقوف على القضيَّة أكثر من أن يكون مجرَّد رواية، وأن يكون هناك مشاركة وتعاون بهذا الخصوص.

 

فبدأ التَّرتيب للزِّيارة، وحرصنا على أن يتمَّ التَّرتيب مع بعض أفراد الحكومة البنغلادشيَّة، لتسهيل مهامِّ الزِّيارة، فتمَّت الزِّيارة ولله الحمد، وكانت مدَّتها خمسة أيَّام، والتقينا فيها بعدد من المسؤولين البنغلادشيين، منهم عضو البرلمان الذي يمثِّل المنطقة، ومنهم وزير الغابات، وكان وزير الخارجية السَّابق، ومنهم أمراء المحليَّات والجهات، وعدد من المستشارين، وتمَّت أيضاً زيارة عدد من المشايخ والعلماء في بنغلادش، والتأكيد عليهم حول القضية ودورهم فيها، وواجبهم تجاه إخوانهم، ثمَّ ذهبنا إلى المخيمات للوقوف على الواقع.
الحقيقة إنَّ الواقع مؤلم بكلِّ ما تعنيه الكلمة، من حيث طبيعة المساكن, والصُّور تؤكِّد هذا, وكذلك من حيث عدم وجود الخدمات الضَّرورية، سواء الطِّبية أو الصِّحية، أو البنية التَّحتية أو الخدميَّة, كلُّ ما هنالك عبارة عن مساكن من الأعواد والسُّقف البلاستيكيَّة ليس فيها أي مكوِّنات الطَّبيعة السُّكانية، فهي تؤكِّد أنَّ مَنْ يعيش في هذا الظَّرف القاسي، جاء من ظروف أشد منه.

 

والمنطقة التي زرناها، هي المنطقة الحدوديَّة، فيها خمسة مخيَّمات للاجئين، يسكنها أكثر من مائتي ألف لاجئ، بعض المخيَّمات قديمة، تصل إلى عشرين سنة، وبعضها حديثة, وأقرب منطقة للحدود، يفصلها عن بورما نهر، من يريد أن يأتي من داخل المناطق المنكوبة، له طريقان: إمَّا الطَّريق البري الذي لا يمكن صعوده، لأنَّه عبارة عن جبال امتداد الهيملايا, أو يركب النَّهر عبر قوارب خشبيَّة قابلة للغرق، ولذلك يغرق كثير منهم قبل أن يصل للمخيَّمات، وهذا يشير لك أنَّ الدَّاخل أصعب.

 

الهدف من الزِّيارة، كان الوقوف على الواقع، ومعرفة حجم المأساة، وترتيب بعض المشاريع، ونحن حرصنا ألا تكون الزِّيارة عبارة عن توزيع مواد غذائية فحسب, بل سعينا لبناء مشاريع من طبيعتها الثَّبات، فركَّزنا على جانبين: جانب بناء ائتلاف بمجموعة من الفاعلين في الشَّأن البورمي في داخل بنغلادش، فشكَّلنا ولله الحمد ائتلافاً مكوَّن من ست جمعيات للإشراف على المشاريع التي نريد تنفيذها، والأمر الآخر هو تحديد مجموعة المشاريع وتمويلها، لتكون نواة لبناء مشاريع ثابتة مستديمة متطوِّرة لعلاج الوضع البورمي، فأبرز الاحتياجات الموجودة في تلك المنطقة التي بناء ًعليها تبنى المشاريع، بعضها في داخل المخيمات، وبعضها في داخل المناطق المنكوبة.

 

ما أبرز تلك المشاريع ؟.
أبرز المشاريع المشروع الصحي، لأنَّ الوضع الطِّبي والعلاجي في مناطق المخيمات معدوم؛ عدا بعض العيادات البسيطة، والتي هي عبارة عن أعواد قصب وغير مصرَّحة. بناء على هذا وجدنا أن أنسب صورة ممكن تنفيذها عيادة متنقِّلة، فبفضل الله تعالى جهزنا عيادة متنقِّلة كاملة، عبارة عن سيارة تمَّ تجهيزها بالخدمات الطِّبية الإسعافيَّة، كما يوجد بها صيدلية متكاملة، وتمَّ توفير ثلاثة أطباء لهذه الخدمات متنوعي التَّخصُّصات، حيث تتكون من  طبيب عام، أو طبيبين، وامرأة هي زوجة أحد الأطباء متخصِّصة في الأطفال والنِّساء، وبفضل الله انطلقت السَّيارة، وعالجت خلال خمسة أيام تقريباً ألف وخمسمائة حالة، وهذا يؤكِّد شدة حاجتهم للرعاية الصحية، لأنَّ الغالب أن معالجة المريض تتمُّ بطرق شعبية إن أمكن أو يموت، وأكثر المخيمات بجانبها مقابر, فالحمد لله السَّيارة الآن حقَّقت خدمات جيدة، وجاءت في حاجة ملحة.

 

المشروع الثَّاني: كفالة الدُّعاة، فقد تيسَّر ولله الحمد مائة وخمسين من الدُّعاة للقيام بالتَّعليم، والإمامة، والتوجيه، وتعليم الصغار، وأيضاً إقامة دورة تدريبية لهم لمدَّة ستة أشهر لبنائهم علمياً ومهارياً.

 

المشروع الثَّالث: المشروع الإعلامي، فأكبر فراغ في القضية البورمية، هو العجز الإعلامي الذي هو جزء من المأساة، والمعركة اليوم معركة إعلام، والتي لا تقلُّ أهميَّة عن معركة السِّلاح, والإعلام إذا وجد في الشَّأن البورمي، سيحقق مصالح: منها لفت نظر الشُّعوب لقضية بورما المغيبة في خواطرهم، ولفت نظر الحكومات والجمعيات والمؤسسات لتساعدهم في نكبتهم، وكذلك الضَّغط على الحكومة البورميَّة التي تقتل إخواننا بدم بارد، ولا أحد يدري عنهم, لذلك تحارب أيَّ نوع من أنواع الإعلام، لأنَّها تخشى الفضيحة، وتخشى الضُّغوط العالمية، ولذلك حرصنا أن يكون هناك برنامج إعلامي، فتمَّ ولله الحمد ترتيب البرنامج الإعلامي بكل نواحيه واحتياجاته، وإن شاء الله سترون خيراً خلال الأيام القادمة في نقل الأخبار وأشياء من الدَّاخل.

 

المشروع الرَّابع: توفير الاحتياجات الغذائيَّة للدَّاخل؛ لمساعدتهم على الاستيطان وعدم النزوح؛ لأنَّ استمرار النُّزوج ليس في صالح قضيتهم، ولذلك نحن نقدِّر موقف الحكومة البنغلادشية في عدم فتح الحدود إلا للأطفال والنساء والمحتاجين والمطاردين، أمَّا الكبار القادرين منعتهم، لأنَّه مهم أن يبقوا في بلادهم، حتَّى لا تخلى من المسلمين. ولذلك عملنا على كفالة الأسر في داخل بورما، وقد بلغ عدد الأسر المكفولة ألفي أسرة لمدَّة شهر كامل، وجاري العمل على توسيع هذه الكفالة الغذائية أو المعيشية لكافَّة المحتاجين لها.

 

هذه مجموعة من المشاريع التي تمَّ تنفيذها، وأصبح دور الائتلاف هو تنفيذ المشاريع والإشراف عليها، وإعداد التَّقارير اللازمة، وميزة الائتلاف أنَّه عمل جماعي، وليس عملاً فردياً، يزيد من مستوى الرَّقابة، ومستوى الأداء، ومستوى التَّفاعل والتَّعاون، ويجعل الجهات المانحة تتعامل مع مساحة أكبر في الأداء والخبرات، وليس خبرة محدودة في مؤسسة واحدة أو فرد واحد، إنَّما في مؤسسات وجهات متنوِّعة، كلُّ واحدة لها اهتمام، ولذلك كلُّ مؤسسة تشرف على مشروع في داخل هذا الائتلاف، بحسب خبرتها السَّابقة.
المأساة الحقيقة كبيرة، والأخبار عن الداخل مؤلمة، وما سمعناه مشافهة من النَّازحين في الحقيقة يفطِّر القلوب، وهم أقلية يراد سحقها، والقضاء عليها في تلك البلاد.

 

ما الجمعيات المشاركة في الائتلاف ؟.
الائتلاف: عبارة عن مؤسسات محليَّة مرخَّصة في بنغلادش، لها اهتمامات بالشَّأن البورمي، ونحن وضعنا بينهم ائتلافاً، يكون عملاً مشتركاً، وليس عملاً فردياً، وذلك ليقوم المانحون والجمعيات بالتواصل مع الائتلاف، ويروا ما عنده من برامج، ويقدموا المشاريع من خلاله بدلاً من التَّعاون مع أفراد. ونحن الآن نسعى لاستكمال التَّراخيص اللازمة للائتلاف، وسيكون إن شاء الله إعلان عن المقر، فهي مجموعة من المؤسَّسات المرخَّصة منها مؤسَّسة الخدمات الإنسانيَّة.

 

ذكرتم في حديثكم عن مخيمات لها أكثر من عشرين سنة، طيب العدد الذي يزيد الآن وينزحون، أين مكانهم ؟.
مخيمات البورميين في بنغلادش قديمة، وتتوسَّع بتوسُّع النَّازحين إليها, فقد نشأ في البداية مخيم واحد، ومع استمرار النُّزوح إلى بنغلادش، زاد العدد إلى خمس مخيمات، ولا يزال النزوح مستمراً.

 

ما مقوِّمات الحياة في المخيمات؟. وهل يعمل أبنائها؟. وكيف يكسبون قوتهم ؟.
لا يوجد أي مقوِّم للحياة؛ غير أنَّ الواحد منهم يسكن في عشَّة, ينام ويتحرَّك في ظلِّ حدود هذه العشَّة، وهي مكان صغير, أكبر مكان فيه لا يتجاوز العشرة أمتار مربَّعة، فيها سبعة أفراد، والمكان مقسَّم قسمين: قسم مطبخ ومستودع، وقسم ينامون فيه، لا توجد في تلك المخيمات أي مقوِّمات، ولا توجد فيها مدارس، وليس لديهم عمل أو استرزاق, بل يجلسون إن أتاهم رزق أكلوا، أو أحياناً يأكلون ما هو موجود في الأوراق, فليس عندهم هناك موارد، أو عمل، أو زراعة، أو حرف أبداً.

 

هل يعتمدون على المساعدات فقط من عشرين سنة ؟.
نعم، وهناك بعضهم يجلس خمسة أيام لم يدخل في بطنه شيء، ومن الصُّور المؤسفة أطفالهم تجدهم عراة, بل لا تجد طفلاً تحت سن الثَّامنة يلبس شيئاً، يمشي عارياً, وعندما تسألهم عن ذلك، قالوا: ما عندنا شيء، ولو لقينا شيئاً لبسناه, الأمطار مستمرة، لذلك من الطُّموحات التي عندي أن نبحث عن مصنع ملابس، يصنع شورتات للأطفال قابلة للبلل، يلبسها الطفل بشكل مستمر، لأنَّ استمرارهم عراة تربوياً ونفسياً غير مناسب، تجدهم حتى في المساجد يدخلون هكذا عراة، في الكتاتيب الصَّغيرة جالسين يقرؤون القرآن وهم عراة، فوضعهم بهذه الطَّريقة له تبعات في التكوين النفسي والسلوكي، يجب أن يراعى ذلك، وعموماً توفير الملابس قد يكون صعباً، لكن توفير شورتات، أو ملابس قابلة للبلل، تناسب طبيعة الطفل وحراكه، هذا جيد جداً إذا توفر، نسأل الله تعالى أن ييسَّر لنا ذلك.

 

ذكرتم أنَّ العيادة المتنقِّلة جاءت على حاجة شديدة، فما الأمراض المتفشِّية هناك ؟.
كل ما تتصوَّر من أمراض! هناك أمراض ناتجة عن ضعف التَّغذية، وأمراض ناتجة عن الأوبئة، وأمراض ناتجة عن عدم وجود التَّطعيمات اللازمة للأطفال، وأمراض ناتجة عن وجود المياه الرَّاكدة المستمرَّة حولهم، وأمراض ناشئة عن عدم وجود الصَّرف الصِّحي, لا وجود لدورات المياه، تصوَّر يضم المخيم الواحد سبعة آلاف أسرة، وليس فيه سوى خمس دورات مياه على الهضبة, تخيَّل سبعة آلاف أسرة كلُّهم على هذه الدَّورات. كل الأمراض الموسميَّة كالأنفلونزا ونتائجها، وأمراض البطن كلها موجودة، فلذلك العيادة لا تخطئ أحداً، كلهم محتاجون للطبابة، ولذلك في خلال فقط خمسة أيام عالج الأطباء الثَّلاثة ألف وخمسمائة حالة، يعني ثلاثمائة حالة في اليوم، يعني معدَّل كلِّ طبيب مائة حالة، وهذا رقم كبير جداً للطَّبيب الواحد. وعندنا طموح إن شاء الله لتجهيز سيارة للجراحات البسيطة والختان، لأنَّ أطفالهم لا يجدون من يختنهم هناك، فالوضع الصِّحي متدهور جداً في المخيمات، فما بالك في داخل بورما، داخل المنطقة المنكوبة يمنع عنهم كل متطلبات الحياة لا مدارس، لا مساجد، يصل عدد المساجد في بورما إلى 700 مسجد، كلُّها مغلقة لا يصلى فيها،  لا محلات، لا معيشة فضلاً عن الصِّحة.

 

هل يحتاجون للدَّعوة والتَّعليم ؟. وهل بالإمكان توفير شيء من هذا لهم ؟.
أكيد هذا من الضَّرورات، ولذلك تمَّ كفالة مائة وخمسين معلماً، للقيام بالتَّعليم والتَّوجيه، فالحاجة ماسَّة لذلك، فأبنائهم محرومون من التَّعليم.

 

ما مظاهر الجهل التي تجعلهم بحاجة إلى معلمين ودعاة ؟.
هم بحاجة لمدرسين يعلمونهم مبادئ التَّعليم الأساسيَّة، يحتاجون إلى من يعلِّمهم مسائل الدِّين الأساسيَّة كبارًا وصغارًا، يحتاجون إلى توجيه نفسي لرفع معنوياتهم، الملاحظ عليهم الإحباط بكلِّ صور الإحباط, تشاهد أحدهم تقرأ في وجهه مئات المشاهد؛ لأنَّه يرى على مدار الخمسين سنة الماضية مشاهد زرعت في قلبه وفي نفسيته الإحباط، واليأس، والخنوع، والذلة بسبب ما يشاهد. امرأة تحدِّث عن نفسها تقول: أنا ركبت البحر، أنا وأربعة من أطفالي، مات من الجوع اثنين منهم، ونحن في البحر، فمللت نفسياً من وجودهم، وهم ميتين، وأولادي يصيحون من هذا المشهد، فرميت الطِّفلين الميتين في البحر, فالوضع مؤثِّر جداً عليهم، ولذلك يحتاجون إلى برامج لرفع المعنويات، والتَّوجيه، وإعادة الثَّقة بأنفسهم، وأنَّهم بالإمكان أن يكون منهم قيادات، ولهم مستقبل، وللأسف الشَّديد هناك جمعيَّات وجهات دوليَّة استغلت هذا الوضع، أخذت أطفالاً منهم وطَّنتهم في أمريكا وبريطانيا وغيرها, كما يخشى عليهم من خطر التَّنصير، فنفوذ المؤسَّسات التَّنصيريَّة أعظم من نفوذ المؤسَّسات الإسلاميَّة، وقدراتهم أكبر من قدراتنا للأسف. هذا لو افترضنا وجود مساعدات، لذلك جاء هؤلاء المنصِّرون بأدنى شيء، فضلاً عن أكبر شيء لشخص معدوم من كل شيء، سيجد عنده القبول الكامل، وتقبُّل أي شيء يدعى إليه.

 

كيف تتوقَّعون تأثير الإعلام فيما لو أخذ مساره في التعريف بالقضيَّة البورميَّة؟.
كما قلت لك, المعركة اليوم معركة إعلام، ونحن أيضاً نتذكر في عهد النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم استخدم الإعلام في غزواته, أمر حسَّان رضي الله عنه أن يهجو الكفَّار، فهذا نوع من الإعلام, فالإعلام ضرورة اليوم، وفوائده تكمن في أمور منها: لفت نظر الشعوب للقضية البورمية المنسية والتي لم تعط حجمها المناسب، ولفت نظر المؤسَّسات والجمعيَّات والحكومات، والضَّغط على الجهات والحكومات، والضغط أيضاً على الحكومة البورميَّة لأنها تخشى الفضيحة حينما يزداد الضَّغط عليها, خاصَّة والدَّولة البورميَّة دولة ضعيفة، هي رقم ضعيف في العالم، ليس لها نفوذ اقتصادي، ولا نفوذ سياسي، فالضُّغوط عليها ستؤثر فيها حتماً.

 

ما رؤيتكم المستقبليَّة لحلِّ مشكلة اللاجئين البورماويين؟.
حلُّ القضيَّة البورميَّة بشكل عام، فمشكلة اللاجئين هي واحدة من إفرازات القضية البورمية، والتي تحتاج حقيقة إلى مشروع متكامل، تشترك في تنفيذه الشُّعوب والحكومات، لكن إلى الله المشتكى، المسلمون لا بواكي لهم، ولو أنَّ هؤلاء المنكوبين حفنة من النَّصارى، أو حفنة من الشيعة؛ لقامت لهم الدُّنيا وما قعدت، فالمسألة تحتاج إلى مشروع يتبنَّاه مجموعة من المهتمِّين، تضمُّ مجموعة من المحاور:
المحور السياسي: تتبنَّاه مجموعة من المنظمات والحركات السياسية والتشكيلات، ورجال ممثلين سياسيين من هؤلاء، ومتحدثين ومداخلين ومناضلين.
المحور الحقوقي: فيه تجريم لهؤلاء، وإحراجهم من خلال المنظَّمات الحقوقيَّة في العالم، وهناك جهود مشكورة من عدد من الحقوقيين المهتمِّين، وكان آخرها مؤتمر إسطنبول.
المحور الإغاثي: يكون تعليمي تربوي في الداخل بالدَّرجة الأولى؛ ليستوطن النَّاس ولا يرحلوا, أمَّا النَّازحون فينبغي رفع المعاناة عنهم، مع التعليم ورفع الجهل، ورفع المعنويات وإعادة الثِّقة.
المحور الإعلامي: يجب التركيز على الجهد الإعلامي المؤثِّر، يوثِّق الأفعال المشينة من الحكومة البورميَّة، يبرزها ويعلِّق عليها, يبرز القضيَّة إعلامياً على مستوى القنوات العالميَّة، والوسائل الحديثة، والمحور الإعلامي يحتاج إلى شغل؛ لأنَّ كل الوسائل البسيطة في الدَّاخل معدومة، الجوال جريمة هناك تستوجب القتل، ممنوعون من كلِّ وسائل الاتصال، الكهرباء غير موجودة، فضلاً عن الإنترنت، نعم الإعلام حقيقة يحتاج إلى مشروع، وليس أمراً صعباً إن شاء الله، إذا وجدت العزيمة.

 

كذلك يجب التَّأكيد على الحكومات الإسلامية، ذات النُّفوذ والتأثير في المنطقة القريبة من بورما، كباكستان وماليزيا، فالقضيَّة البورميَّة تحتاج إلى مشروع متكامل، لكن يمكن أن نقسمها إلى قسمين: قسم عاجل لإنقاذ الوضع المأساوي الآن، وقسم عبارة عن مسارات علاجية متعددة داخل القضية البورمية، ومع أن القضية طويلة وشائكة، لكن يمكن بإذن الله في ظلِّ حراك وتعاطف عالمي كبير، وتواصل بين المسلمين، انتشار القضيَّة وذيوعها عالمياً، في القديم كانت الشعوب متقاطعة لا يعرف المسلمون قضية المسلمين في طرف آخر، الآن التواصل متيسر، والتعاطف متيسر، والناس عندهم استعداد أن يقفوا مع إخوانهم في كل مكان، فيمكن الوصول لإخواننا البورماويين في الداخل، وفي بنغلادش بكلِّ سهولة ويسر.

 

ذكرت أنَّ مجموع اللاجئين 31.345 لاجئاً مقيَّدين في السِّجلات، إضافة إلى 90 ألف غير مسجلين، لا ينالون الحقوق والمساعدات الحكومية والدُّولية، هل تعارض الحكومة البنغلاديشية تسجيلهم ؟.
المخيم مسجَّل في الأمم المتحدة كمخيم واحد، باقي المخيَّمات غير مسجَّلة، وتعتبر عشوائيَّة، وغير محسوبة، طبعاً أي جزء منها مهمل الحقوق، ويعود السَّبب في عدم تسجيلها إلى أنَّه لو سُجِّلت في الأمم المتحدة، لطالبت منظمة حقوق اللاجئين إلزام الدَّولة المضيفة للاجئين بخدمات معيَّنة، يعني ليس هناك اعتراف بالعدد، هذا جانب، وهناك جوانب قد لا يكون من المناسب طرحها الآن، سواء ضغوط الهند عليهم، والضغط الروسي والصيني على الحكومة البنغلاديشية، فالقضية مستخدمة كورقة ضغط على المعارضة. لنا مشروع معهم في صفر، نحن بودِّنا ننجز مشروعنا.

 

هل شاهدتم هناك جهات تعمل على مساعدة هؤلاء اللاجئين ؟.
حسب ما شاهدت، ولا أدري عمَّا لم أشاهده، لم أر شيئاً من جهود المؤسسات أو الأفراد ثابتاً في تلك المناطق, فقط يوجد دار أيتام في أحد المساجد لعموم البنغلاديشيين والبورميين، لكن! لا وجود لبرامج ثابتة في داخل المخيمات، ولذلك أيُّ جهد اليوم سيفعل فعله مهما قلَّ، لأنَّك آتٍ على فراغ، فأيُّ شيء يمكن أن تقدِّمه سوف يؤثِّر كثيراً، خدمات صحية، أو خدمات تعليمية، أو خدمات غذائية، أو خدمات دعوية، أي جهد تعمله ينفعهم، ثمَّ المال القليل يفعل شيئاً كبيراً في تلك البلاد، وهذه حجَّة علينا، المال القليل يفعل شيئاً عظيماً، البئر تحفره بخمسمائة ريال فقط، المسكن تبنيه بمائتي ريال فقط، مسكن يتناسب مع المساكن الموجودة، تكفل الداعية بمائة وخمسين إلى مائتي ريال للشَّخص، الأضحية بمائتين وخمسين ريالاً، كفالة طبيب بألف ريال في الشَّهر فقط، كفالة ميزانية دواء لمدة شهر في العيادة المتنقلة عشرة آلاف ريال فقط، فالمبالغ زهيدة لكنَّها تفعل شيئاً وتؤثِّر.

 

هل هناك مشاهد تريد أن تذكرها للإعلام, أيُّ مشاهدات قد لا يتسنَّى معرفتها إلا بزيارة هؤلاء النَّازحين؟.
كما قلت لك كل من تشاهده تقرأ في وجهه قصَّة معاناة, في المخيمات لا تلحظ أحدًا على وجهه ابتسامة، أو بشاشة، أو وجه طلق، ليس هناك مشكلة في ذواتهم، لكن المشكلة في المعاناة التي يمرُّون بها, البعض يستطيع سرد ما حدث له، والبعض لا يستطيع, لذلك نحن الآن في صدد تكليف بعض المناديب، ليكتبوا مجموعة من القصص من خلال مشاهداتهم.

 

ماذا روى لكم النَّاجون من جحيم البوذيين هناك؟.
مثلاً إحدى الأخوات تقول: إنَّهم يأتون لنا في القرى، ينادون: مَنْ تريد أن تنجو فعليها أن تطلع عارية، إذا لم تفعل فخيارها القتل, من الصَّور أيضاً يأتي البوذيون ومعهم بعض أفراد الجيش إلى القرية، ويأمرون أهل القرية أن يخرجوا إليهم بهائمهم، ويذبحونها ويطعمونهم، ويخرجون بعض الفتيات للمتعة بهن بالقوَّة، وإذا لم يفعلوا فمصيرهم الحرق أيضاً. ومما ذكروه لنا أيضاً أنَّهم يأتون إلى القرية، ويسكبون الوقود على المساكن، ثمَّ يوقدونها بشكل كامل، ويحرقون النَّاس في داخل بيوتهم، شخص حكى لنا يقول: نجوت، وأنا أشاهد القتل أمامي بالسَّكاكين قلت له: كم شاهدت ؟. قال: أتذكر الرَّقم حوالي سبعمائة، أمام عيناي، وهو استطاع أن ينجو. رجل يقول: أنا خرجت أنا وستة من أفراد عائلتي، وصار يبكي، قال: وصلت المخيم وحدي، والستة من أفراد عائلتي فقدتهم، ما بين غريق وقتيل ومفقود، يسير مناطق في الليل، وأخرى في البحر، وبعضها أودية، فيقول: هكذا وصلت وحدي. ذُكر لنا أنَّ 350 امرأة في مخيم ليس لها عائل، لا أخ ولا ابن ولا زوج ولا قريب، يقولون: قد هربن وحدهن، ولا يعلمن شيء عن أهلهن، فالصُّور قاسية مأساوية، لا ترى أحدهم في وضعه الطَّبيعي، ترى عليهم الكآبة والحزن والألم والذِّلة والحاجة, وضع المجاعات في كلِّ بلاد المسلمين موجودة، لكنَّها مجاعة فقط، لكن! هؤلاء يجتمع لهم من المعاناة مجاعة ومطاردة ومشاهد قتل أمامهم وفقدان لأسرهم وأطفالهم.

 

أتوجَّه لأهل الخير والصَّلاح والنَّخوة وأهل الغيرة والمحبين للخير، أن يهتموا بالقضيَّة، لكن! أؤكد بالحجم الذي لا يصرفنا أيضاً عن قضايا أخرى, هي معركة أمة، لكن! أن يتحقَّق في هذا الدور الفرض الكفائي الذي يرفع عن الأمة الحرج والإثم، وأنا أؤكد على أنَّ القضية تحتاج إلى المنظمات والمؤسسات والأفراد والحكومات التي تتحمل هذه المسؤولية بالدَّرجة الأولى، وهي تمثِّل شعوبها، وهي الناطق عن شعوبها، يجب أن تتحمَّل هذه المسؤوليَّة، وتقوم بالضَّغط على هذه الحكومة القاتلة البورميَّة، وبالوسائل القوَّية التي تمنعهم من الاستمرار في هذه المجازر، لا بأسلوب المهادنات التي تزيدهم شراسة، لشعورهم بأنَّ المسلمين لا بواكي لهم، هم أمَّنُوا وقالوا: إنَّ حكومات المسلمين ما عندهم إلا الشَّجب والاستنكار، والشَّجب والاستنكار لا يفعلان شيئاً، وأحياناً حتى المعونات تقدمها الأمم المتحدة، يسرقها البوذيون، ولا يستفيد منها المسلمون المنكوبون، أنا أحمِّل بالدَّرجة الأولى المسؤوليَّة للمنظمات التي تمثِّل الحكومات، وتملك قراراً ورأياً، وأدعو إخواننا وشعوبنا إلى أن يلتفتوا للقضية البورمية بما يتناسب معها، حتَّى لا نكتشف بعد فترة أنَّه كان في هذه القرى مسلمون، وقد أبيدوا، وهذا النظام يحرص على هذا، كان في هذه المنطقة مسلمون، وكان في هذه المنطقة مساجد، وكان في هذه المنطقة مصلون، وكان في هذه المنطقة عابدون، هذه المنطقة يراد أن تبقى منطقة وثنية، ليس فيها إسلام، بل بلغ في الفترة الأخيرة أنَّهم يلزمون المسلمين ببناء معابد الوثنيين في تلك القرى، تحت وطأة التَّهديد بالسِّلاح، في القرى المسلمة بنيت الآن معابد للوثنيين، ونسأل الله أن يرفع البلاء.
جزاكم الله خيراً، وبارك في جهودكم، ونسأل الله التَّوفيق والسَّداد.