الإيضاح الجلي في أحكام زكاة الحلي
27 رجب 1442
فهد العمّاري

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد

فاعلموا رحمكم الله: أنه في كل عام من شهر رمضان تشتعل مجالس النساء وشبكات التواصل بالنقاش وسؤال أهل العلم حول زكاة الحلي، وفي نقاشات وحيرة وخلاف مع أزواجهن، وكل واحدة تنقل وتتمسك بفتوى لعالم من العلماء، وكل هذا بناء على الخلاف الفقهي المعتبر في هذه المسألة، وهذه المسألة من المسائل التي حصل فيها خلاف بين أئمة الإسلام منذ الصحابة رضي الله عنهم.

 وينبغي أن تتسع الصدور للخلاف المعتبر واحترامه والقائلين به، ولا يكون اختيار الإنسان مبني على الهوى والتشهي.

 والعامي لا يسعه إلا تقليد العالم الذي يستفتيه ويثق فيه، ولا يتنقل بين المفتين ليختار ما يريد وتهواه نفسه بدون تجرد للحق، وإنما تتبعاً للرخص واحتجاجاً بالخلاف، وهو منهي عنه.

وقد جمعت في هذا المقال عددًا من مسائل زكاة الحلي وأحكامها، وذكرت بعض الأدلة والأقوال مختصرة، لتسهل قراءتها، ولا يملّها الملول في زمن الخلاصة والسرعة والاختصار، مختصرة، مدللة، معللة، تناسب الحال والمقال، وعددها: (ثلاثون مسألة)، مذكّرًا بها نفسي وإخواني، وهي امتداد لسلسلة الخلاصات الفقهية، وأصلها رسائل عبر برنامج التواصل (الواتس).

وأحكامها مبثوثة في كتب العلماء على مختلف مذاهبهم الفقهية، ومن أراد الاستزادة فيمكنه الرجوع إليها.

والعلم يحيا بالمذاكرة والفكرة والدرس والمناقشة، والعيش مع العلم من أعظم العيش وألذّه وأمتعه وأسماه وأسناه لمن حسنت نيته وصفت روحه، ونسأل الله ذلك.

وما أهدى المرء لأخيه المسلم هدية أفضل من حكمة يزيده الله بها هدى أو يرده بها عن ردى.

وإذا الإخوانُ فاتَهم التلاقي*** فَما صلةٌ بأحسنَ من كتابِ

وهي بعنوان:

 (الإيضاح الجلي في أحكام زكاة الحلي)

تقبله الله قبولًا حسنًا، ونفع به العباد والبلاد، والحاضر والباد، وجعله عملاً صالحًا، دائمًا، مباركًا على مر السنوات والأزمان، صدقة لوالديّ وأهل بيتي، ومشايخي وطلابي، وأن يحيينا جميعًا على العلم النافع والعمل الصالح، وأن يمتّعنا متاع الصالحين، وأن ينصر عباده المؤمنين، هو خير مسؤول وأكرم مأمول.

وإليكموها رحمكم الله، وعين الرضا عن كل عيب كليلة.

المسألة الأولى: حالات الذهب الحلي لدى النساء:

الحالة الأولى: الحلي المستعمل: ما تتخذه المرأة من الذهب للزينة وتستعمله في ذلك، وهو محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:

القول الأول: أنه لا زكاة فيه، وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، واختاره ابن تيمية وابن القيم والشوكاني، وملخص أدلتهم:

أ-أنه لا دليل على وجوب الزكاة، والأصل عدم الزكاة وبراءة الذمة من الوجوب.

ب-حديث: (ليس في الحلي زكاة) رواه البيهقي وقال لا أصل له وصححه ابن الجوزي والنووي.

ج-قول جمع من الصحابة كأنس وجابر وابن عمر رضي الله عنهم صححه ابن حجر وابن مسعود وأسماء بنت عميس وأسماء بنت أبي بكر وعائشة في المشهور عنها رواه مالك وعبدالرزاق وصححه ابن حجر. 

د-عمل بعض التابعين وعمل أهل المدينة.

ه-بعض المعاصرين حاول أن ينتصر لهذا القول فحكى الإجماع، وهذا محل نظر فالخلاف موجود ومحفوظ.

ز-أنه من المقتنيات كبيت الإنسان وسيارته ونحوها، وهي لا زكاة فيها، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) رواه البخاري ومسلم.

ه - أنه صلى الله عليه وسلم كان يرسل السعاة لجمع الزكاة ولم ينقل أنه كان يطلب منهم زكاة الحلي.

و- أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يأمر نساءه بذلك مع قيام الداعي.

القول الثاني: أن فيه الزكاة، وهو مذهب أبي حنيفة ورواية في مذهب الشافعية واختاره الشافعي ورواية عند الحنابلة، ونصره ابن حزم واختاره الخطابي والشنقيطي المفسر وابن باز وابن عثيمين وورد عن طائفة من السلف كمجاهد وعطاء وطاوس وابن جبير وابن المسيب والحسن وغيرهم، وملخص أدلتهم:

أ-أنه يدخل في عموم أدلة وجوب الزكاة في الذهب، ولا دليل على إخراجه منها.

ب-أنه صلى الله عليه وسلم رأى في يدي امرأتين سواران من ذهب فقال أتؤديان زكاتهما فقالا لا فقال: أتحبان أن يسوركما الله بسوارين من نار أديا زكاتها). رواه أبوداود والنسائي وصححه ابن القطان وابن الملقن وأحمد شاكر وحسنه النووي وقواه ابن حجر. وهناك أدلة أخرى متكلم في صحتها. 

قال الترمذي: لا يصح في الباب شيء.

قال أبو عبيد: لا نعلم هذا الحديث إلا من وجه قد تكلم الناس فيه قديماً وحديثاً.

ج-وهو قول: عمر وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم.

الخلاصة: وبعد عرض هذه الأقوال، وكل قول منها على أدلته اعتراضات ومناقشة، والخلاف في المسألة قوي، ولكل قول قوته وحجته، ومن أراد أن يسلك مسلك الاحتياط فهو خير وأفضل وأبرأ للذمة وخروجاً من الخلاف.

المسألة الثانية: الحكم للغالب في الاستعمال، فما كان الاستعمال فيه الغالب فيأخذ حكم الاستعمال، وما لم يكن الغالب فإن لم تكن له نية محددة وإلا فيكون من القنية المجردة.

المسألة الثالثة: هل العبرة في زكاة الذهب الوزن أم قيمة الذهب سلعة؟.

له ثلاث حالات:

1-قسم يعتبر بوزنه نصاباً وإخراجاً، وهو الحلي المحرم استعماله كالرجل يلبس الذهب، وهو مذهب الحنفية المالكية والشافعية والحنابلة، لأن الصنعة محرمة ولا عبرة بقيمتها، فلو كان وزنه 85 جراماً بلغ النصاب وقيمته غير مصنع خمسمائة ريال دون النصاب وقيمته مصنعاً ألف ريال بلغ النصاب فتجب فيه الزكاة والعبرة بوزنه وقيمته غير مصنع، لأن قيمة الصنعة محرمة فلا يقر عليها.

2-قسم يعتبر بقيمته نصاباً وإخراجاً وهو الحلي من الذهب للتجارة فينظر إلى قيمته متى بلغت النصاب وجبت الزكاة، وهو مذهب الحنفية وقول عند المالكية ومذهب الشافعية والحنابلة، فإن كان لم يبلغ النصاب 85 وبلغت قيمته النصاب بالفضة فيزكى، لأنه عروض تجارة، وقيل: العبرة بالوزن، وهو مذهب المالكية.

3-قسم يعتبر بوزنه نصاباً، وقيمته إخراجاً، وهو الحلي المباح استعماله من الذهب فإذا بلغ 85 جراماً وقيمته أقل من نصاب الفضة كخمسمائة ريال مثلاً فتزكى الخمسمائة، وإن كان العكس لم يبلغ وزنه 85 جراماً وقيمته ألفا ريال نصاب الفضة فلا زكاة فيه، وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة.

طريقةالإخراج: يقيّم وقت إخراج زكاته ويخرج ربع العشر من قيمته إذا بلغ الحلي نصاب الذهب، وهو خمسة وثمانون جراماً.

المسألة الرابعة: الذهب الحلي له أنواع من ما يسمى بالعيار، لأنه منه ما يكون مخلوطاً وغير صاف، وطريقة استخراج خالص الذهب منها كالتالي:

1-نصاب الزكاة في الذهب الخالص (عيار 24) هو 85 جراماً.

2-يحسب النصاب في عيار 21 وعيار 18 أو غير ذلك بالطريقة التالية:

يضرب عدد الجرامات في العيار ويقسم على 24، فيكون الناتج ذهباً خالصاً عيار 24، فإذا بلغ الناتج 85 جراماً فأكثر: وجبت فيه الزكاة، وهي 2.5%.

فإذا كان هذا المقدار المسؤول عنه من عيار 21 مثلا، فتحسب زكاته كالتالي:

(170ج × عيار 21) ÷ 24 = 148.75

ثم يخرج من هذه الجرامات 2.5%، وهو 3.7 جرام تقريباً.

فيكون هذا هو مقدار الزكاة عند تمام الحول.

المسألة الخامسة: هل للزوج أن يخرج عن زوجته زكاة الذهب؟

نعم بإذنها على وجه التبرع.

المسألة السادسة: من لا تجد مالاً للزكاة فيبقى في الذمة متى تيسر لها المال فتزكي، ولها أن تبيع منه وتزكي.

الحالة الثانية: الحلي المعد للأجرة أي تؤجره المرأة على النساء محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:

القول الأول: تجب فيه الزكاة، وهو مذهب الحنفية وقول عند المالكية ووجه عند الشافعية ومذهب الحنابلة.

القول الثاني: لا زكاة فيه، وهو مذهب المالكية والشافعية.

 الراجح: الأول، لعموم أدلة وجوب الزكاة في الذهب، ولأنه خرج عن صورة الاستعمال للبس.

المسألة السابعة: إذا كان الحلي لرجل ويعده للكراء: فقيل: فيه الزكاة، وهو مذهب الحنفية وقول عند المالكية والشافعية ومذهب الحنابلة، وقيل: لا زكاة فيه، وهو مذهب المالكية وقول عند الشافعية والحنابلة.

الراجح: الأول، لما تقدم.

المسألة الثامنة: إذا نوته المرأة للبس ثم نوته للتجارة ففيه الزكاة بشرط تمام النصاب والحول من النية للتجارة.

الحالة الثالثة: ما أعد للنفقة.

إذا احتاجت المرأة للنفقة تبيع منه وتنفق على نفسها ففيه الزكاة، لأنه خرج عن الاستعمال، لأنه سقطت الزكاة عنه لما أعد للاستعمال، فإذا خرج عن ذلك رجع للأصل وهو الزكاة قال في الإنصاف بلا خلاف وهو مذهب الحنفية.

المسألة التاسعة: إذا نوته للزينة وللعاقبة (إن احتاجت): فقيل: لا زكاة فيه، وقيل: فيه الزكاة، وهما قولان للمالكية، وظاهر المذهب الأوّل لوجود المانع وهو الاستعمال.

الحالة الرابعة: الحلي المدخر للتجارة ونحوها فيه الزكاة، وهو بحيث لا يلبس فَفيه الزكاة، لما تقدم، وقد نقل الإجماع على ذلك ابن جزي في القوانين والخرشي في المختصر.

الحالة الخامسة: الحلي المعد للعارية محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:

القول الأول: لا زكاة فيه، وهو مذهب المالكية وقول عند الشافعية.

القول الثاني: تجب فيه الزكاة، وهو مذهب الحنفية قول عند الشافعية.

وهو مبني على مسألة الحلي الملبوس.

الحالة السادسة: الحلي المكسر له حالات:

 الأولى: إن كان المكسر لا يمكن إصلاحه أو يمكن إصلاحه ولا يرغب في استعماله ففيه الزكاة، وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، لأنه خرج عن صورة الحلي الملبوس.

الثانية: إن كان المكسر يمكن إصلاحه أو استعماله فكالحلي الصحيح ففيه الخلاف المتقدم.

الثالثة: إن كان المكسر تركه ولا نية له فيه ففيه الزكاة وهو مقتضى مذهب الحنفية ومذهب المالكية والشافعية والحنابلة، لأنه خرج عن صورة الاستعمال المختلف فيها.

الحالة السابعة: الحلي المحرم استعماله كرجل يتحلى بالذهب أو يتخذ آنية من ذهب سواء كان رجلاً أو امرأة ففيه الزكاة إجماعاً نقله الشافعي والرافعي، لأن تحريم استعماله عليه جعله في حكم مالم يعد للاستعمال فيبقى على أصله وهو وجوب الزكاة.

الحالة الثامنة: الحلي المتخذ للكنز فلا يقصد به مقتنيه استعمالاً محرماً ولا مكروهاً ولا مباحاً، فتجب الزكاة فيه اتفاقاً، لأنه مرصد للنماء فصار كغير المصوغ.

الحالة التاسعة: من اتخذ الذهب حلياً فراراً من الزكاة وجب عليه الزكاة، لنقيض قصده، وهو مذهب الشافعية والحنابلة.

المسألة العاشرة: من كانت لا تخرج زكاة الحلي بناء على فتوى عالم ثم أرادت الاحتياط أو أخذت فتوى عالم بإخراج الزكاة فإنه لا يلزمها أن تخرج عما مضى.

المسألة الحادية عشرة: من كانت لا تعرف أنه يجب الزكاة في الحلي ثم علمت فلا يلزمها قضاء ما مضى من الزكاة، لعدم العلم، ومراعاة للخلاف

المسألة الثانية عشرة: ذهب الصغار من الإناث إذا بلغ النصاب وتم الحول فيخرج عليه الخلاف المتقدم، ومسألة شرط البلوغ في الزكاة وفيها خلاف، والراجح: الزكاة في مال الصبي، وهو مذهب جمهور الفقهاء.

المسألة الثالثة عشرة: الطفل الصغير إن كان لديه ذهب فإن كان وليه يعيره ففيه الخلاف وإن كان لا يعيره ففيه الزكاة وهو مذهب الإمام أحمد وجماعة من أصحابه.

المسألة الرابعة عشرة: إذا اشترى الرجل ذهباً وأعطاه زوجته وأولاده للبسهن فقط وليس تمليكاً محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:

القول الأول: لا زكاة فيه، وهو مذهب المالكية وقول عند الشافعية.

القول الثاني: فيه الزكاة، وهو قول عند الشافعية.

المسألة الخامسة عشرة: عكس المتقدمة، إذا اشترت المرأة لزوجها ذهباً، فقولان عند المالكية.

المسألة السادسة عشرة: إذا اشترى الرجل ذهباً مهراً لامرأته وتأخر الزواج وطاف عليه الحول وبلغ النصاب ففيه قولان عند المالكية.

 والراجح: الزكاة، لأنه أصبح في حكم الكنز.

المسألة السابعة عشرة: لا زكاة في المجوهرات غير الذهب والفضة كالألماس ونحوها اتفاقاً.

المسألة الثامنة عشرة: إذا كان الذهب في لبسه مشتركاً بين الأم وبناتها والأخت مع أختها فهل يزكى؟ له حالتان:

الأولى: إن كان مملوكاً لشخص والآخرون يستعملونه مع من يجوز له استعماله كالأم ونحوها فعلى الخلاف في المسألة، وإن كان لا يستعمله مالكه كالأب فيخرج على مسألة العارية.

الثانية: إن كان ملكاً مشاعاً للجميع فله حالتان:

أ-إن كان بلغ نصاباً بمجموعه فلا زكاة فيه.

ب-إن كان كل واحدة بلغ نصيبها فتزكي كل واحدة نصيبها على الخلاف في المسألة.

المسألة التاسعة عشرة: إذا اشترته الأم لأختها أو ابنتها لتلبسه فلا زكاة فيه عند المالكية.

المسألة الموفية للعشرين: إذا كان الذهب لامرأة كانت تستعمله فلمّا كبرت تركته ففيه الزكاة عند المالكية.

المسألة الواحدة والعشرون: من ورث حلياً من رجل أو امرأة أو هبة ففيه الزكاة وجوباً، وهو مذهب المالكية والشافعية، لأنه خرج عن صورة الاستعمال المختلف فيها.

المسألة الثانية والعشرون: إذا اتّخذ الرجل الحليّ لمن يأتي من زوجة أو بنت ففيه الزكاة، لأنه خرج عن صورة الاستعمال المختلف فيها.

المسألة الثالثة والعشرون: إذا اتخذت المرأة الحليّ لمن يكبر من بناتها فلا زكاة فيه عند المالكية، وعللوا ذلك بأنّ لها استعماله للزينة خلافاً للرجل، والأقرب فيه الزكاة مادام خرج عن صورة الاستعمال المختلف فيها.

المسألة الرابعة والعشرون: إذا اشترى الرجل حلياً لنسائه وحبسه عنده لكونه مسافرا أو نحو ذلك ففيه الزكاة عند المالكية.

المسألة الخامسة والعشرون: هل يكمل النصاب بين الذهب والفضة فيضم بعضه إلى بعض؟

فيه قولان، والسبب هل هما من جنس واحد أو لا؟

اللهم فقهنا في الدين وفق سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، اللهم رضاك وصلاحاً وثباتاً لقلوبنا وطهارة لنفوسنا وذرياتنا، ونصراً وعزاً للإسلام والمسلمين وبلادنا وبلاد المسلمين وولاتها، وجمعاً للمسلمين على هداك، وهلاكاً ًللظالمين المعتدين.

وإلى لقاء آخر يسره الله بمنه وكرمه على طريق العلم والهدى.

 إنّا على البِعادِ والتفرقِ *** لَنلتقي بالذكرِ إن لم نَلتق

كتبه/فهد بن يحيى العماري

مكة المكرمة حرسها الإله

 20 / 9/ 1442هـ

Famary1@ gmail. Com