أصول إيمانية في أحداث الغوطة الشرقية
27 جمادى الثانية 1439
د. عدنان أمامة

 

في كل مرة يشتد فيها البلاء، وتفجع الأعين  بمناظر الأشلاء، وشلالات الدماء، وتتفطر القلوب لجثث الأطفال الأبرياء، وصرخات الضعفاء من شيوخ ونساء، يثور سؤال ملح: أين الله مما يحصل؟

ولماذا يسمح لقطعان الوحوش البشرية أن تفعل كل هذ الإجرام؟

ولماذا لا يتدخل لينقذ المظلومين، وينتقم من الظالمين؟.

أمام هذا الشعور الذي ينتاب الكثير من الناس، مسلمين، وغير مسلمين، والذي دفع ويدفع ضعاف العلم إلى الإلحاد، يصبح من الضروري التذكير بالأصول الإيمانية التالية:

1- البراهين العقلية القاطعة دلت على أن لهذا الكون المخلوق خالقا يمسك به، وأن هذا الإله كامل في ذاته وصفاته وأفعاله لا يلحقه فيها نقص بوجه من الوجوه، وأن ما يجري ليس بخاف على الله سبحانه، بل يقع بعلم الله، وتحت سمعه، وبصره، ووفقا لإرادته، ومشيئته، 

فإذا اشتبه علينا ما هو مخالف لذلك، فالواجب رد المتشابه إلى المحكم، كما هو نهج أهل الرسوخ في العلم والإيمان، وليس اتباع المتشابه، ورد المحكم، كما هو شأن أهل الزيغ والكفران.

2- أننا نؤمن بأن هذه الحياة الدنيا، من أولها إلى آخرها، ليست سوى ومضة من عمر الحياة الأخروية الحقيقية، التي يخلد فيها المؤمن في الجنة، والكافر في النار، فما يحصل اليوم على أرض الغوطة وغيرها من بقاع الأرض،  ليس سوى مشهد صغير من عموم الصورة، وحلقة قصيرة جدا من مسلسل تحقق العدالة الإلهية.

3- أن الله سبحانه وتعالى متصف بالحكمة البالغة، والحكمة تعني: وضع الشيء المناسب، بالقدر المناسب، في الزمان المناسب، والوقت المناسب، وشواهد الحكمة، والإحكام في خلق الله لا تخطئها عين، لكن لأننا لا نحيط بالله ولا بصفاته ولا بأفعاله علما، فلا ندري بالضبط وجه حكمته في الأحداث التي تجري من حولنا مع جزمنا بتنزه الله عن الظلم والعبث والطيش، وحاشاه سبحانه أن ينصر الباطل على الحق، ويؤيد الطغاة الظالمين، ويخذل عباده الموحدين المظلومين، وإذا كنا لا نرى في عمل الطبيب قسوة وهو يجري العمليات الجراحية للمرضى لأن هذه الآلام على شدتها ضرورية للحصول على الشفاء والعافية الدائمة فالواجب أن تكون ثقتنا بربنا الرحمن الرحيم أعظم وأشد.

4- ليس عند الله شر  مطلق، قال صلى الله عليه وسلم "والشر ليس إليك" وما يبدو لنا أنه شر ومكروه مآله في ميزان الله خير وحكمة ورحمة، وهذا ما تنطق به دلائل القرآن الكريم  والسنة النبوية قال تعالى: "وعسى أن تحبوا شيئا وهو خير لكم وعسى ان تكره شيئا وهو خير لكم".

لقد واجه سيدنا يوسف سلسلة ابتلاءات كانت نهايتها أن يصبح عزيز مصر، وأم موسى يتقطع قلبها وهي تلقي بولدها في اليم فيكون المآل هلاك فرعون واجتباء الله لموسى كليما له، ونبيا من أولي العزم، والخضر يخرق السفينة، ويقتل الغلام، فيتبين أن في ذلك الخير كل الخير،  والمسلمون يوم بدر، يودون الظفر بعير قريش، التي كان يقودها أبو سفيان، ويكرهون منازلة المشركين في بدر، والله يريدها معركة ساحقة للكفر، وفارقة للحق عن الباطل،

 والأمثلة من المنقول والمسموع والمشاهد أكثر من أن تحصى.

 5- أن تحقق العدالة الإلهية في انتقام الله من الطغاة الظالمين والانتصار 
 للمظلومين، ليس بالضرورة أن يتحقق في الدنيا، بل ربما تأخر للآخرة، حيث توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.

 وهذا ما رأيناه في قصة أصحاب الأخدود، فقد انتهت بهلاك المؤمنين على أبشع وجه، بينما لم ينل الطغاة الظالمون جزاءهم وعقابهم في الدنيا، ومع ذلك وصف الله سبحانه مآل المؤمنين بالفوز الكبير. قال تعالى: "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتهم الأنهار ذلك الفوز الكبير". 

والأمر نفسه نراه مع سحرة فرعون فقد كانت ضريبة إيمانهم أن يصلبوا في جذوع النخل، وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، مما يؤكد على حقارة الدنيا وخستها عند الله سبحانه، فلو سلمت كلها للظالم، فليست شيئا أمام ما ينتظره من عذاب، ولو خسرها المؤمن كلها، وضحى بها من أجل دينه، فذلك قليل في مقابل ما ينتظره من نعيم مقيم.