متى يملك العامل حصته من الربح؟
2 رجب 1439
د.عبدالله آل سيف

إذا ظهر ربح في شركة المضاربة فهل يملك العامل حصته بمجرد الظهور، أو لا يملكه إلا بالقسمة؟. أقول للعلماء.

اختيار ابن تيمية:

اختار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أن العامل يملك الربح بالمحاسبة والتنضيض [1] والفسخ قبل القسمة والقبض خلافاً للمشهور من مذهب الحنابلة [2].

أقوال العلماء في المسألة:

القول الأول: أنه يملك بمجرد الظهور.

وهذا مذهب الحنفية [3]، والحنابلة [4]، وقول ثانٍ للمالكية [5]، والشافعية [6].

القول الثاني: أنه يملك بالقسمة.

وهذا مشهور مذهب المالكية [7]، والأظهر عند الشافعية [8]، ورواية عند الحنابلة [9].

القول الثالث: أنه يملك الربح بالمحاسبة والتنضيض والفسخ قبل القسمة والقبض.

وهذا رواية عن الإمام أحمد [10]، اختارها ابن تيمية.

أدلة القول الأول:

1- أن الشرط صحيح فيثبت مقتضاه، وهو أن يكون له جزء من الربح، فإذا وجد يجب أن يملكه بحكم الشرط، كما يملك المساقي حصته من الثمرة بظهورها، وقياساً على كل شرط صحيح في عقد [11].

2- أن هذا الربح مملوك فلابد له من مالك، ورب المال لا يملكه (أي نصيب العامل) اتفاقاً، ولا تثبت أحكام الملك في حقه، فلزم أن يكون للمضارب [12].

3- ولأنه يملك المطالبة بالقسمة فكان مالكاً لنصيبه كأحد شريكي العنان، ولا يمتنع أن يملكه ويكون وقاية لرأس المال كنصيب رب المال من الربح، وبهذا امتنع اختصاصه بربحه [13].

4- القياس على المساقاة في كون ربحها يملك بالظهور [14].

5- القياس على رب المال في كونه يملكه بمجرد الظهور [15].

أدلة القول الثاني:

1- أنه لو ملكه لاختص بربحه، ولوجب أن يكون شريكاً لرب المال كشريكي العنان [16].

2- أن الأصل أن من يستحق العمل بالعوض؛ فإنه لا يملكه إلا بعد الفراغ من العمل والتسليم، يدل على ذلك أنه لو قال: إذا خطت هذا الثوب فلك دينار، فإنا قد أجمعنا أنه لا يستحق الدينار إلا بعد الفراغ والتسليم [17].

3- أن القراض عقد جائز ولا ضابط للعمل فيه، فلا يملك العوض إلا بتمام العمل كالجعالة [18].

4- أنه لو اشترى عبدين بالمال، كل واحد يساويه، فأعتقهما رب المال عتقا، ولم يضمن للعامل شيئاً، فدل أنه لا يملك بمجرد الظهور [19].

5- أن تأخير تملك الربح لأجل أن يكون وقـاية لـرأس المال قبل القسمة [20].

أدلة القول الثالث:

1- أن المحاسبة دليل رضى منهما على اقتسام المال، ومثله التنضيض.

وأما الفسخ قبل القسمة؛ فلأنه تعين طريقاً لمعرفة حق كل منهما في الربح، فيثبت ملك كل منهما بالفسخ، ولأنه بالفسخ تغيرت الملكية الأولى إلى ملكية أخرى.

2- أنه قد سلم المخالفون بأن الملك وإن ثبت لكنه لا يستقر إلا بالقسمة، والمحاسبة والتنضيض نوع منها وشبيهة بها، ومثله الفسخ.

الترجيح:

والراجح - والله أعلم - هو القول الثالث:

1- لقوة دليله ووجاهته.

2- أنه جمع بين أدلة القولين، وحصَّل مقاصد الرأيين بجميع ما فيهما من المصالح، ففي القول الثاني مصلحة حماية رأس المال، وفي القول الأول سد حاجة العامل إذا احتاج للمال.

وهذا الخلاف مهم وله ثمرة عملية في مسائل عدة منها: انعقاد حول الزكاة على حصة المضارب هل يكون بالظهور أو بالقسمة؟.

ومنها: إذا اشترى المضارب من يعتق عليه.

ومنها: إذا وطيء المضارب أمة من مال المضاربة بعد ظهور الربح.

ومنها: إذا اشترى المضارب لنفسه من مال المضاربة.

ومنها: إذا اشترى المضارب شقصاً للمضاربة وله فيه شركة.

ومنها: إذا أسقط المضارب حقه بعد ظهوره [21].

---------------

(*) المصدر: موقع الشيخ عبد الله آل السيف.
[1] التنضيض: قيل: هو تصيير المتاع نقداً ببيع أو معاوضة وقيل: أن يصير المال كما أخذه العامل، فإن كان أخذه فضة يصير كذلك، وإن كان ذهباً يصير كذلك. انظر: مطالب أولي النهى: 3/ 529، تحرير ألفاظ التنبيه: 112،114، المصباح المنير: مادة نضض، الزاهر: 246، معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء: 126.
[2] انظر: الإنصاف: 5/ 445، 446.
[3] انظر: المبسوط: 22/ 109، 86، بدائع الصنائع: 6/ 87، 93، تبيين الحقائق: 5/ 61، شرح العناية: 8/ 457 - 458، الجوهرة النيرة: 1/ 294، درر الحكام: 2/ 313، البحر الرائق: 7/ 266، مجمع الضمانات: 307، مجمع الأنهر: 2/ 328.
[4] انظر: المغني: 7/ 154، 165، قواعد ابن رجب: 392، الفروع: 4/ 389، المبدع: 5/ 31، تصحيح الفروع: 4/ 390، الإنصاف: 5/ 445، 446، كشاف القناع: 3/ 520، شرح المنتهى: 2/ 331، مطالب أولي النهى: 3/ 529.
[5] انظر: المنتقى: 2/ 182-184، 5/ 155.
[6] انظر: شرح البهجة: 3/ 291، نهاية المحتاج: 5/ 237، تحفة المحتاج: 6/ 98، حاشية الجمل: 3/ 519، حاشية قليوبي وعميرة: 3/ 54.
[7] انظر: المنتقى: 2/ 182، 184، 178، 5/ 155، الفواكه الدواني: 2/ 123، حاشية العدوي: 2/ 208.
[8] انظر: أسنى المطالب: 2/ 387، شرح البهجة: 3/ 291، حاشية قليوبي وعميرة: 3/ 54، تحفة المحتاج: 6/ 98، نهاية المحتاج: 5/ 237، الجمل: 3/ 519، تحفة الحبيب: 3/ 196، التجريد لنفع العبيد: 3/ 153.
[9] انظر: المغني: 7/ 165، الإنصاف: 5/ 445، 446، الفروع: 4/ 389، المبدع: 5/ 31، الاختيارات: 313، قواعد ابن رجب: 392.
[10] انظر: قواعد ابن رجب: 392، الفروع: 4/ 389، المبدع: 5/ 31، الإنصاف: 5/ 445-446.
[11] انظر: المغني: 7/ 165، المبدع: 5/ 31، بدائع الصنائع: 6/ 87، 93.
[12] انظر: المغني: 7/ 165.
[13] انظر: المغني: 7/ 165.
[14] انظر: الفروع: 4/ 389، كشاف القناع: 3/ 538، شرح البهجة: 3/ 291.
[15] انظر: المنتقى: 5/ 155.
[16] انظر: المغني: 7/ 165، المبدع: 5/ 31، تحفة الحبيب: 3/ 196، شركات الأشخاص بين الشريعة والقانون: 221، عقد المضاربة في الفقه الإسلامي لإبراهيم نجمي: 127.
[17] انظر: المنتقى: 5/ 155.
[18] انظر: شرح البهجة: 3/ 291.
[19] انظر: المبدع: 5/ 31.
[20] انظر: المبدع: 5/ 31.
[21] انظر: قواعد ابن رجب: 392، الإنصاف: 5/ 446، المنتقى: 5/ 155، شرح البهجة: 3/ 291، المبدع: 5/ 31، الاختيارات: 313.