شهر رمضان شهر الفضائل والجود والبركات، شهر تفتّح فيه أبواب الجنان، وتغلّق فيه أبواب النيران، وتصفّد فيه الشياطين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا جاء رمضان فُتحت أبواب الجنة، وغُلّقت أبواب النار، وصفدت الشياطين»(1).
وإن الوقف في سبيل الله عمل جليل وقربة وطاعة عظيمة، ومما يزيدها أجرا وثوابا أن يتحيّن المسلم لها الأوقات الفاضلة والأزمان المحبوبة لله - تعالى - كشهر رمضان المبارك وعشر ذي الحجة ويوم الجمعة ونحو ذلك.
وتأمل معي حال حبيبنا صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود النّاس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل - عليه السلام - يلقاه كلّ ليلة في رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن فإذا لقيه جبريل -عليه السلام- كان أجود بالخير من الريح المرسلة(2).
يا باغي الخير هذا شهـر مكرمة *** أقبل بصدق جزاك الله إحسانـا
أقبل بجود ولا تبخل بنافلة *** واجعل جبينك بالسجدات عنوانا
وصدّق المال وابذل بعض أعطية *** لن يَنقص المال لو أنفقت إحسانا(3)
وإن من الأوقاف المتيسرة واليسيرة والتي ينتشر ذكرها والدعوة إليها في شهر رمضان المبارك المساهمة والمشاركة في أوقاف بعض الجمعيات الخيرية ومكاتب الدعوة والإرشاد وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم، بحيث تقوم الأوقاف على أعمال هذه المؤسسات الخيرية النافعة وبرامجها المتعددة، وقد تسمى هذه الأوقاف من باب التشجيع والتحفيز بأسماء جاذبة كوقف الوالدين أو وقف الأم أو وقف الأرحام وغير ذلك من الأسماء لأجل ترغيب الناس وحثهم وتشجيعهم على أن يوقفوا عن آبائهم وأمهاتهم، وإن كانت مصارفها متنوعة على حسب تخصص الجهة أو الجمعية أو المكتب.
وإن من الجميل أن يسهم المسلم بما يسر الله له في هذه الأوقاف فيشارك فيها بما فتح الله عليه بسهمٍ أو سهمين أو ثلاث أو أكثر على حسب قدرته واستطاعته، ومما يميز هذه الأوقاف أنها صدقات خفيّة بين العبد وربه وبإمكانه أن يشارك فيها في لحظات يسيرة عبر وسائل الاتصال الحديثة، فهي - بإذن الله - أبعد ما تكون عن الرياء والسمعة أو المنّ والأذى.
وتتنوع أبواب الخير في شهر رمضان المبارك لذا فإنه يحسن بالمسلم أن يسهم في هذه الأبواب بقدر طاقته وقدرته فيُدخلها من ضمن مصارف الوقف الخاص به أو يوقف عليها أوقافا خاصة.
وإليكم بعض الأعمال الصالحة التي يحسن بالمسلم ألا تفوته المشاركة فيشيء منها سواء بالصدقة المقطوعة أو بالوقف..
• تفطير الصائمين: لما يترتب عليه من الأجور العظيمة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من فطر صائما فله مثل أجره»(4) فماذا لو ساهم الإنسان بتفطير الصائمين في كل يوم من أيام هذا الشهر المبارك فكم سينال من الحسنات؟ وفضل الله واسع.
• العمرة، ولا شكّ أن أجر العمرة في رمضان عظيم كما قال صلى الله عليه وسلم: «عمرة في رمضان تعدل حجة معي»(5) فمن الجميل أن يساهم المحسن بتجهيز المسلمين لأداء العمرة لاسيما من لم يسبق له العمرة.
• ومن أجلّ القربات سقيا الماء للمصلين في رمضان في صلاة التراويح والقيام فأفضل الصدقة سقيا الماء كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم(6).
• ومن الأعمال الصالحة في رمضان والتي يحسن بالمسلم العناية بها المساهمة في تهيئة المساجد وتأهيلها بالفرش والتكييف والإضاءة وتكميل احتياجاتها اللازمة من أدوات نظافة وتطييب ونحوها.
• ومن هذه الأعمال الصالحة وقف المصاحف في رمضان لا سيما ورمضان شهر القرآن يقول الله تبارك وتعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: ١٨٥]، وعن فاطمة رضي الله عنها قالت: أسرّ إليّ النبي صلى الله عليه وسلم: «أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كل سنة وإنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي»(7).
• ومن الأعمال الصالحات التي يحسن القيام بها في رمضان إطعام الطعام والكسوة للمحتاجين وكفالة الأيتام ورعاية حلقات القرآن الكريم والمساهمة في دعم ورعاية البرامج الدعوية النافعة عبر وسائل الإعلام المختلفة المسموعة والمرئية والمقروءة، بل وعبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة والمساهمة في نشر الخير والدعوة إلى الله تعالى.
______________________
(1) أخرجه مسلم (1079).
(2) أخرجه البخاري(6)، مسلم (2308).
(3)الأبيات لعبد الملك بن عواض الخديدي.
(4) أخرجه الترمذي(807)، وابن ماجة (1746)، وصححه الألباني.
(5) أخرجه البخاري(1863)، مسلم(1256)، وهذا لفظ البخاري.
(6)أخرجه أبو داود (1681)، النسائي(6/254-255)، أخرجه ابن ماجة (3684)، وحسنه الألباني.
(7) أخرجه البخاري (6285)، مسلم(2450).