إمتاع النظر بأحكام الجمع في المطر
25 صفر 1440
فهد بن يحيى العماري

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فهذه بعض المسائل المهمة في أحكام الجمع بسبب المطر، سألني بعض الإخوة عن المشكل منها، وقد صار نقاش حول بعض هذه المسائل، والعلم يحيا بالمذاكرة والفكرة والدرس والمناقشة، فكم من كتاب بل مجلدات ومشروعات كانت وليدة فكرة ومناقشة ومطارحة، جعلنا الله وإياكم مفاتيح للخير.

 

فكتبتها لنفسي وإخواني إجابة على أسئلتهم، ومن ثم طلب بعض الإخوة نشرها، فاستعنت بالله في جمعها وكتابتها على عجل، واخترت أهمها، دون إطالة، وخشية السآمة والملل، مع إشارة للخلاف يسيرة، وفاءً بالوعد، ورغبة في عدم التأخير، وضيقًا للوقت، وفي عدد منها يحتاج إلى زيادة في التحرير والتأمل، وهي أربعون مسألة، وأسميتها:

إمتاع النظر بأحكام الجمع في المطر

سائلاً الله التوفيق والسداد والهدى والرشاد لأنفسنا وأمتنا، وأن يحيينا جميعًا على العلم النافع والعمل الصالح، وأن يمتعنا متاعًا حسناَ، وأن يتقبل وينفع بهذه الرسالة العباد والبلاد، والحاضر والباد، وأن يعفو ويصفح عما كان من خطأ وزلل في الدنيا ويوم التناد، إنه سميع قريب مجيب للعباد.
 

إن رُمْتَ أنْ تَعرِفَ أحكامَ المطرْ *** وتبلُغَ المُنى وتَقضي للوطر
وتَرتوي من خيرِ علمٍ مُستطَر(1) *** فاقرأ كتابي ذاك إمتاع النظر

 

فيا طلاب العلم، يا نجوم الهدى وبحور الندى: 

 لتُحيا المجالس والاجتمعات والأندية الواتسية بمطارحة العلم ومسائله ونوازله ففي ذلك خير كثير ونفع عظيم، تصحيحاً للعبادات وحماية للمجتمعات وتحريراً للتساؤلات، بروح التكامل والتواضع والإفادة لا النقد المذموم والانتصار للرأي، والحذر من الانشغال بالخلافات والنزاعات التي تفسد الفكر والقلب والروح وتنقص الإيمان وتشتت الذهن والنفوس وتولد الحيرة واليأس والقيل والقال والتجريح والعصبيات، وتشغلنا عن نشر العلم وتصحيح عقيدة الناس وعبادتهم، وإنقاذ الناس من الجهل والانحراف العقدي والأخلاقي، والتصدي للعابثين بالشريعة وأحكام الدين فهذه مهمة أتباع الأنبياء والمرسلين.
 

أولاً: إن من نعم الله على عباده نعمة المطر، يقول الله تعالى: {فَقُلتُ استغفِرواربَكم إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}، ويقول سبحانه: {فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}، يقول سبحانه: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ}، ويقول سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}.
 

فالواجب شكر الله وحمده، والدعاء، وعدم مقابلة ذلك بالفسق والعصيان واللهو المحرم، فإن النعم تزول بالمعاصي، وتسلب بركة الخيرات وثمرتها بسببها، وتعود على البلاد والعباد بالشرور والفساد.
 

غيثٌ من الرحمنِ عَمّ بلادنا *** سُقيا منَ المنّان تَروي أرضَنا
فانظرْ إلى آثارِ رحمةِ ربّنا *** واشكره أَكثِرْ للإله من الثّنا
*******

 

قال الإله "استغفروا ربكمُ" *** لمنْ أرادَ الغيثَ مِدرارًا يَصُبْ
فاستغفروه دائمًا وسرمدًا *** ولتفعلوا كل الذي يُحِبْ
*******

 

ثانياً: الرفق الرفق والحكمة الحكمة:
ينبغي للإمام مراعاة الخلاف في مثل هذه المسألة التي هي من الرخص خاصة إذا كان المذهب الفقهي وفتوى علماء البلد مستقرة على قول معين، فإن الخلاف شر، وترك الرخصة والسنة مقدم على فعل رخصة أو سنة تحدث فتنة وخلافاً وفرقة، وينبغي للإمام أن يكون ذا حكمة ورأي سديد ورشيد، فالاعتصام والائتلاف أصل عظيم لا يترك لأجل سنة ورخصة، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً، ويعلّم الناس السنة وأدلتها، وأدب الخلاف مع العلماء، وإعذار الناس والعلماء بعضهم لبعض، وعدم الإنكار على المقلدين في الخلاف السائغ والمعتبر، والذي له أدلته القوية والمتكافئة وما بين راجح ومرجوح، وليس بين راجح وضعيف أو شاذ أو تنقل بين الأقوال بالتشهي والهوى، ولا ينبغي أن يكون الخلاف سبباً في الفرقة والتعصب والتناحر بين المسلمين وبين طلبة العلم بل ربما يصل إلى التحريم، والأئمة الأربعة لم يفتوا الناس ويعلموهم لكي يتعصب الناس لمذاهبهم وأقوالهم، وكلهم علماء مجتهدون، معرّضون للخطأ والصواب، وأقوالهم مشتهرة في هذا، وللأسف أن بعض الناس يتعلم من العلماء العلم ولكن لم يتعلم منهم أدب الخلاف والتواضع والرفق والحكمة واللين، ويكون لساناً حاداً وسيفاً مصلتاً على إخوانه حتى في مسائل السنن والمستحبات، وكل هذا بسبب الجهل بمعرفة الخلاف وأدلته وقوته وضعفه، وما هو معتبر وما ليس معتبراً، ويدعي أنه يملك الحق والحقيقة المطلقة والله المستعان، وليتنا نطبق ذلك المنهج العظيم الذي التزمه الصحابة والعلماء في حياتهم العلمية، ومن ذلك:

 

 قال أبو حنيفة: لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه، ويقول: حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي، فإننا بشر نقول القول اليوم، ونرجع عنه غداً. ويقول: إذا قلت قولاً يخالف كتاب الله، وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولي.
 

وقال مالك: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه. ويقول: ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم .
 

وقال الشافعي: ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتغيب عنه، فمهما قلت من قول، أو أصلت من أصل فيه عند الرسول صلى الله عليه وسلم خلاف ما قلت، فالقول ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قولي. ويقول: إذا صح الحديث فهو مذهبي. ويقول: انظروا في قولي، فإذا رأيتموه يوافق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذوا به، وإذا رأيتموه يخالفه فاضربوا به عرض الحائط.
 

وقال أحمد بن حنبل: كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أهل النقل بخلاف ما قلت، فأنا راجع عنه في حياتي وبعد موتي.
 

يا طلاب العلم: رفقاً رفقاً بأنفسكم وإخوانكم، انشروا الرحمة والتراحم بينكم، فما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه، كونوا على ما كان عليه الكبار من الصحابة والتابعين والأئمة رحمهم ورحمكم الله.
 

ماذا جنى المسلمون اليوم في جانب العلم والعمل والأخلاق وغيرهامنذ عشرات السنين بسبب التناحر والفرقة والخلاف والتعصب والشقاق!؟اللهم رحماك رحماك بأمة الإسلام، اللهم اجمع القلوب على الخير والمحبة والوئام وادفع عنهم النزاعات والكراهة والأحقاد، وشر الأشرار والحساد الذين يسعون للتحريش والإفساد والظلم والبغي والعدوان. 

*******
 

ثالثاً: أهم المسائل في أحكام الجمع بسبب المطر:
1 - حكم الجمع في المطر محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: أن الجمع أولى وهو مذهب بعض المالكية وجعله بعضهم المعتمد كما في حاشية العدوي وصرح بعضهم بالسنية كما في المدونة.

 

القول الثاني: يجوز، وهو مذهب عمر بن الخطاب وابن عمر وابن عباس وعروة وأبان بن عثمان رضي الله عنهم(2) وعمر بن عبد العزيز، وسعيد بن المسيب وعامة فقهاء المدينة وهو مذهب المالكية.
 

القول الثالث: يجوز، ولكن الأفضل تركه، وهو قول بعض المالكية ومذهب الشافعية واختاره النووي ومذهب الحنابلة وصححه المرداوي وابن مفلح وعليه أكثر الأصحاب.
 

القول الرابع: لا يجوز الجمع إلا في عرفة ومزدلفة، وهو مذهب الحنفية.
 

الراجح: الجواز، لأن الأحاديث الواردة في السنة التي تدل على أصل الجمع بغير سبب المطركثيرة، وفعل الصحابة رضوان الله عليهم وسلف الأمة على مشروعية الجمع بسبب السفر والمطر والخوف ونحوها، وورد عن ابن عباس، قال: «جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة، في غير خوف، ولا مطر» في حديث وكيع: قال: قلت لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: «كي لا يحرج أمته» رواه مسلم، فيفهم من الحديث جواز الجمع بسبب المطر، وهو ما يسمى بمفهوم المخالفة، وهو حجة عند جمهور أهل الأصول، والجمع رخصة، وسواء قلنا سنة أو رخصة، فإن الرخصة يحبها الله كما قال صلى الله عليه وسلم :(إن الله يحب أن تؤتى رخصه) رواه أحمد وصححه النووي وغيره. والله يحب أن تؤتى رخصه.
 

 2-هل يجوز الجمع لتوقع المطر؟ محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: يجوز فإن لم ينزل وجبت الإعادة، وهو مذهب المالكية.
القول الثاني: لا يجوز، وهو مذهب الشافعية والحنابلة.
الراجح: الثاني، لعدم وجود السبب، وللقاعدة: (الحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً).

 

3-أيهما أولى الصلاة في المساجد جمعًا في جماعة أم الصلاة في البيوت بدون الجمع؟ له حالتان:
الأولى: إن كان نزل المطر قبل خروج الناس إلى الصلاة في المساجد فينادي المؤذن:(ألا صلوا في رحالكم) وهذا هو السنة، وقد ورد ذلك عن ابن عمر رضي الله عنه أنه نادى بالصلاة في ليلة ذات برد وريح ومطر فقال في آخر ندائه:(ألا صلوا في رحالكم) ثم قال إن رسول صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر في السفر أن يقول: (ألا صلوا في رحالكم) رواه مسلم، وورد كذلك عن ابن عباس رضي الله عنه رواه مسلم، وهي سنة مهجورة، فإن أقيمت الصلاة ولا يلحق الإنسان حرج ومشقة في الذهاب إلى المساجد فيجب المشي إلى المسجد، وإن يجد حرجاً ومشقة فيترخص في الصلاة في بيته، لأن المطر عذر في ترك الجماعة سواء كان ليلاً أو نهاراً، حضراً أو سفراً، وهو مذهب الأئمة الأربعة.

 

الثانية: إن كان نزل المطر بعد وصول الناس إلى مساجدهم فيشرع الجمع حينها، وكون الصلاة تؤدى جماعة حين وجود سبب الجمع هو الرخصة وهو الأفضل من أن تؤدى الصلاة فرداى في وقتها اتفاقاً عند من يرى جواز الجمع.
 

4- ضابط المطر المبيح للجمع محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: أن يكون غزيرًا يشق على الناس في الذهاب للمساجد، وهو مذهب المالكية.
القول الثاني: أن يبل الثياب، وهو مذهب الشافعية.
القول الثالث: أن يبل وتلحق به المشقة، وهو مذهب الحنابلة، واختاره ابن باز وابن عثيمين.

 

الراجح: ضابط المشقة هو الأقرب، وأما الجمع بسبب المطر اليسير فلا يجوز، وهو مذهب جمهور الفقهاء واختاره ابن باز وابن عثيمين، ويتساهل الناس في هذا كثيرًا وخاصة في هذه الأزمان، فالطرق معبدة، ووسائل النقل متيسرة، فلا مشقة، والعلة ظاهرة في أن سبب الجمع هو المشقة، وليس حصول المطر فقط كالسفر، لأن سبب القصر في السفر هو السفر، فالشارع علق ذلك بالسفر وليس المشقة، فكل مسافر يقصر الصلاة سواء وجدت المشقة أم لا، وأما الجمع بسبب المطر فالعلة المشقة فمتى وجدت وجد السبب وإذا انتفت فلا جمع، وكذا جميع أسباب الجمع المناط والعلة فيها المشقة والحرج، ولأنه إذا كان المقصود من الجمع المطر فما فائدة ضابط المطر المبيح للجمع وكلام الفقهاء عنه، والنداء بقول: ألا صلوا في رحالكم.
 

 لذا نصيحتي للأئمة ألا يتساهلوا في ذلك، ويحملون أنفسهم ما لاطاقة لهم به، من المخاطرة بصلاة من ورائهم دون سبب يقيني مجيز للجمع، واليقين لا يزول إلا بيقين، واليقين لا يزول بالشك، والقاعدة استصحاب الحال الأصلية إذا حصل النزاع والشك، والحال الأصلية هنا أداء كل صلاة في وقتها والله أعلم.
 

5– ماهو البلل المبيح للجمع؟.
يقول الفقهاء رحمهم الله: هو الذي إذا عصر الثوب تقاطر منه الماء.

 

6-إذا تيقن الإمام وجود العذر والمشقة فيجوز الجمع، وإذا تردد في العذر والمشقة فلا يجمع، لأن الأصل عدم الجمع، والأصل أن تصلى كل صلاة في وقتها.
 

7- من لا يرغب الجمع فماذا يفعل؟.له حالتان:
الأولى: إن كان جمع الإمام له مسوغ شرعي معتبر وصحيح فالأفضل أن يجمع اتفاقاً كما تقدم إلا إذا كان سيؤدي الصلاة الثانية جماعة في مكان آخر فله ذلك.

 

الثانية: إن كان يرى أن الإمام متساهل في الجمع وليس له مسوغ معتبر أو لا يرى الجمع وغير ذلك، فإنه يجوز له عدم الجمع، ولكن إذا كان يترتب على عدم الجمع مفسدة وفتنة وخلاف وتشويش وتهويش فيصلي ويدخل مع الإمام بنية النافلة، وخاصة أن دخول الوقت شرط من شروط الصلاة بالإجماع، ولا تصح الصلاة في غير وقتها.
 

8- إذا رأى الإمام الجمع واختلف المأمومين فماذا يفعلون؟.
فالجواب أن المرجح رأي الإمام، لأنه إنما جعل الإمام ليؤتمبه، ولأنه صاحب الولاية كما سيأتي.

 

9- إذا رفض الإمام الجمع ورغب المأمومون الجمع فمحل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: لهم أن يجمعوا بدونهوهو ظاهر اختيار شيخ الإسلام، لأن الصلاة جماعة أولى من الصلاة فرادى في البيوت، ولأنه لا يشترط اتحاد الإمام في الصلاتين المجموعتين واختاره ابن قدامة، وهو مذهب الحنابلة.

 

القول الثاني: المنع ويصلون في بيوتهم الصلاة الثانية، واختاره شيخنا ابن عثيمين.
 

والأقرب: عدم الجمع، وهو الموافق لمقاصد الشريعة وأصولها، لأن الجمع فيه مخالفة للإمام، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) رواه البخاري ومسلم، ولأن الإمام صاحب الولاية في المسجد والصلاة كما قرر ذلك الماوردي رحمه الله، ولأن في ذلك افتياتًا على إمام المسجد، وإمام المسجد هو السلطان في المسجد فلا يجوز لأحد أن يتعدى على سلطانه، ولأن ذلك سيترتب عليه مفسدة وشقاق، والقاعدة: (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح).وهم مأجورون، وسيمتثلون سنة أخرى ألا وهي: ألا صلوا في رحالكم، وخرجوا من الخلاف الفقهي والخلاف الشخصي المفسد للقلوب.
 

10- هل يصح جمع من لا يشق عليه كمن يسكن بجواره المسجد أو في المسجد ومن يسهل وصوله إلى المسجد؟. محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: يجمع ما دامت الرخصة موجودة، وهو قول بعض المالكية ومذهب الشافعية والحنابلة.
القول الثاني: لا يجمع إلا من يلحق به المشقة، وهو مذهب الشافعي القديم واستظهره النووي ووجه عند الحنابلة.
القول الثالث: أنه لا يجمع إلا من يصلي مع جماعة تتضرر، ولو كان هو في نفسه لا يتضرر تبعاً للمتضرر، وهو مذهب المالكية وقول بعض الحنابلة.
الراجح: الأول، لأن الحكم للغالب، ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يجمع وبيوته ملاصقة للمسجد، ولأن تحصيل الجماعة أولى من أن يصلي منفردًا، ولأنه لم يرد عن الصحابة الذين جمعوا أنهم كانوا يستثنون المجاورين من الجمع.

 

11- حكم جمع من لا يحضر الجماعة:
النساء في البيوت ومن هو معذور في ترك الجماعة في المسجد لا يجمعون، لأن المقصود تحصيل الجماعة، ورفع الحرج والمشقة.

12- إذا حضرت المرأة وصلت في المسجد وجمع الإمام فهل تجمع؟
فيها قولان عند المالكية كما في شرح التلقين.
والأقرب: أنه يجوز لها الجمع، ولأن الحكم للغالب.
 

13- المجتمعون في مكان يصلون فيه الجماعة سويًا كالموظفين والطلاب وغيرهم ولا يخرجون إلى المسجد فلهم حالتان:
الأولى: إن كانوا كل الوقتين سيكونون في أماكنهم فإنهم لا يجمعون ويصلون كل صلاة في وقتها، لأن المقصود من الجمع تحصيل الجماعة، ورفع الحرج والمشقة، وهنا الأمران منتفيان.

 

الثانية: إن كانوا سيخرجون بعد الصلاة الأولى، وغالب المساجد تجمع فإن لهم الصلاة جمعًا، وتحصيل الجماعة أولى، واختاره ابن عثيمين، وإن كان سيجدون من يصلون الجماعة في وقتها فلا يجمعون.
 

14- هل يجوز جمع الظهر مع العصر في المطر؟محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: لا يجوز، وهو مذهب المالكية والحنابلة.
القول الثاني: يجوز، وهو مذهب الشافعية ورواية عند الحنابلة واختاره ابن باز وابن عثيمين.
الراجح: الثاني، لحديث:جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة، في غير خوف، ولا مطر» رواه مسلم.

 

15- جمع المغرب مع العشاء في المطر يجوز، وهو مذهب جمهور الفقهاء، لما تقدم من الأدلة، ولما ورد عن نافع، أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان «إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر، جمع معهم» رواه مالك.
 

16-هل يجوز جمع التقديم وجمع التأخير؟
الحال الأولى: يجوز جمع التقديم، وهو مذهب المالكية والحنابلة والشافعية.
الحال الثانية: جمع التأخير محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: يجوز جمع التأخير، وهو القديم في مذهب الشافعية ومذهب الحنابلة كالسفر.
القول الثاني: لا يجوز، وهو الجديد في مذهب الشافعية، لأنه ربما وقف المطر وزال العذر في جزء من وقت الأولى، فيكون أخر الصلاة لغير عذر وبطل الجمع.
الراجح: المسألة محتملة و الأولى والأحوط التقديم، لأنه هو الذي عليه عمل السلف، ولأنه الأرفق بالناس.

 

فرع: إذا انقطع المطر على القول بجواز التأخير فهل يجوز جمع التأخير؟ محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: يجوز، وهو مذهب الشافعية، لأنه لا يشترط اتصال المطر.
القول الثاني: لايجوز، وهو مذهب بعض الشافعية ومذهب الحنابلة، لأنه يشترط حتى فعل الصلاة الثانية.
الراجح: الثاني، فإن انقطع قبل خروج وقت الأولى لزمه فعلها، لأن سبب الجمع قد زال.

 

17- هل يشترط في الجمع أن يكونوا جماعة؟ محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: يشترط الجماعة، وأما الفرد فلا يجمع، وهو مذهب جمهور الفقهاء ووجه عند الحنابلة.
القول الثاني: يجوز للفرد الجمع، وهو مذهب الحنابلة، لأنه قد وجد سبب الجمع، وهو المطر.
الراجح: الأول، لأن المقصود من الجمع تحصيل الجماعة ورفع الحرج والمشقة، والفرد في حقه الأمر منتفٍ.

 

18- من دخل مع الإمام في الصلاة الثانية من المجموعة كالعصر والعشاء وفاتته الأولى فهل يجمع بعد هذا؟
لها حالتان:
الأولى: إن كان لم يجد جماعة بعد ذلك ليصلي معها فمحل خلاف مبناه الخلاف السابق: فقيل: يجمع، وهو مذهب الحنابلة، واختاره ابن باز. وقيل: لا يجمع، وهو مذهب المالكية واختاره ابن عثيمين في قول له.

 

الثانية: إن كان وجد جماعة أخرى فيجوز على الصحيح من قولي أهل العلم في جواز تكرار الجماعة في المسجد بعد 
الجماعة الأولى، وهو مذهب الشافعية.

 

فرع: لو صلى المغرب منفرداً ثم وجد الجماعة يصلون العشاء جمعاً بسبب المطر فهل له أن يجمع معهم؟.
فيها قولان عند المالكية، والأقرب: أنه يجوز له ذلك لأن تحصيل الجماعة أولى من كونه يصلي العشاء منفرداً.

 

فرع: لو جمع الناس وجلس بعضهم في المسجد حتى دخل وقت صلاة العشاء فهل يعيدوا الصلاة؟.
يعيد، وهو مذهب المالكية، والصحيح عدم الإعادة، لأنه لما جمع كان جمعه بسبب معتبر، ولو صلي في المسجد العشاء فإنه يدخل معهم بنية النافلة، وإما إعادتها فرضاً ممن جمعوا فهو غير مشروع، ولأنه لا يشترط وجود العذر حتى دخول وقت الصلاة الثانية. 

 

19- من أدرك الإمام في التشهد الأخير من الأولى فيجوز له الجمع، وهو مذهب الحنابلة وقول للشافعية.
 

20- من صلى في مسجد لم يجمع ثم خرج من المسجد ووجد جماعة أخرى يجمعون فيجوز له أن يدخل معهم ويجمع بشرط ألا يطول الفاصل، لأن الموالاة شرط، وهو مذهب جمهور الفقهاء، والفاصل الذي لا يخرج عن معنى الجمع لا يضر.
 

21- هل يجوز للجماعة الثانية أن تجمع؟.
نعم يجوز على الصحيح، لعدم المانع الشرعي.

 

22-هل يجمع العصر مع الجمعة؟. محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: لا يجوز الجمع، وهو مذهب الحنابلة ومقتضى مذهب المالكية.
القول الثاني: يجوز، وهو مذهب الشافعية وقول للإمام أحمد.
وسبب الخلاف هل الجمعة بدل الظهر أم لا؟ محل خلاف بين العلماء رحمهم الله.

الراجح: الأول، واختاره ابن باز وابن عثيمين، وهو الأحوط، وخروجًا من الخلاف.
 

23- هل يؤذن ويقام لكل صلاة في الجمع؟. محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: يكون بأذان وإقامة لكل صلاة وهو مذهب المالكية ورواية عند الحنابلة.
القول الثاني: يكون بأذان واحد وإقامة لكل صلاة، وهو مذهب جمهور الفقهاء وقول عند المالكية.
الراجح: الثاني، لفعله صلى الله عليه وسلم في عرفة صلى بأذان وإقامتين كما في حديث جابر في قصة حجته صلى الله عليه وسلم رواه مسلم.

 

24-إذا جمع الناس الصلاة فهل يؤذن للصلاة الثانية في وقتها كالعصر والعشاء؟
محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: لا يؤذن، وهو مذهب جمهور الفقهاء وهو قول عند المالكية، لعدم وروده منه صلى الله عليه وسلم حينما جمع في مزدلفة وعرفة.

 

القول الثاني: يؤذن، وهو مذهب المالكية، لإعلام أصحاب البيوت ومن لم يجمع بدخول وقت الثانية.
 

الأقرب: أنه يراعى في ذلك ما جاء في تعليل القول الأول، إن احتيج وإلا فلا.
 

25- هل يشترط أن يكون الجمع في مسجد؟ محل خلاف بين العلماء:
القول الأول: يشترط في مسجد أو مصلى يتخذ للصلاة وهو ظاهر مذهب المالكية وصحيح مذهب الشافعية.
القول الثاني: لا يشترط، وهو قول في مذهب المالكية والشافعية ومذهب الحنابلة.
الأقرب: أنه لا فرق إذا كان مسجدًا أو مصلى يتردد عليه لأداء الجماعة، وتحصل بالتردد مشقة، لأن هذا هو المراد من الجمع.

 

26- ما هي شروط الجمع؟.
1-النية فيشترط نية الجمع من أول الصلاة الأولى وهو مذهب المالكية والحنابلة، وقيل: تصح قبل السلام من الأولى، وهو مذهب الشافعية، وقيل: لا يشترط أن ينوي من أول الصلاة فلو نوى بعد الأولى صح، وهو قول للمالكية والشافعية والحنابلة واختاره ابن تيمية وهو الراجح، لأن الاشتراط من أول الصلاة يحتاج دليلاً، ولأنه صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه خبر إعلام الصحابة بإرادة الجمع.

 

2-وجود العذر له حالتان:
الأولى: لو انقطع المطر قبل الأولى فلا يجمع اتفاقًا.
الثانية: يشترط وجود المطر عند افتتاح الصلاتين، وهو مذهب الشافعية والحنابلة، وهو الراجح، لأن المطر إذا انقطع وزالت المشقة بسببه فلا فائدة من الجمع.

 

فرع: لو انقطع المطر في أثناء الصلاة الثانية فلا يبطل الجمع، وهو صحيح مذهب الشافعية والحنابلة، لأنه فعل الرخصة بسبب معتبر.
 

فرع: لو حصل المطر بعد الصلاة الأولى صح الجمع على الصحيح كما تقدم في شرط النية.
 

فرع: لو انقطع بعد الصلاة الثانية فلا يبطل، وهو صحيح مذهب الشافعية، لأنه فعل الرخصة بسبب معتبر. 
 

3-الترتيب، وهو مذهب جمهور الفقهاء، لفعله صلى الله عليه وسلم في جمعه للصلوات.
 

4 - الموالاة، وهو مذهب جمهور الفقهاء، والفاصل اليسير الذي لا يخرج عن معنى الجمع لا يضر.
 

27- من جمع الظهر مع العصر جمع تقديم فقد دخل في حقه وقت النهي فهل يصلي السنة؟ له حالتان:
الأولى: التنفل المطلق فلا يجوز التنفل، قال ابن قدامة:(لا أعلم في هذا خلافًا).لأن العبرة بالصلاة وليس الوقت، ولأن الشارع علق الأمر بذلك.

 

الثانية: السنن الرواتب، وهذه المسألة مبنية على مسألة حكم قضاء الرواتب في وقت النهي وهي محل خلاف:
القول الأول: تقضى في أوقات النهي، وهو مذهب الشافعية ورواية عند الحنابلة واختاره ابن تيمية.
القول الثاني: المنع، وهو مذهب جمهور الفقهاء، لعموم النهي وقال إن حديث عائشة خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام.وأجيب: الأصل عدم الخصوصية.
القول الثالث: القضاء بعد العصر فقط، وما عداه فلا، واختاره ابن قدامة.
القول الرابع: يقضي في الوقتين الطويلين فقط وهو الذي يسمى وقت النهي الموسع، وهو رواية في مذهب الحنابلة.
الأقرب: الرابع، والدليل حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قضى نافلة الظهر بعد صلاة العصر قالت وكان ينهى عن ذلك، رواه أبو داود وحديث أم سلمة قضاؤه صلى الله عليه وسلم سنة الظهر بعد العصر رواه مسلم وكذلك حديث قيس بن قهد أنه صلى نافلة الفجر بعد صلاة الفجر رواه أبو داود وأجيب عن حديث عائشة وكان ينهى عن ذلك أي النهي لغير سبب وأدلة النهي مخصوصة بالأدلة السابقة.

 

28-يجوز الوتر بعد العشاء حين الجمع، ولا ينتظر حتى دخول وقت العشاء، وهو مذهب الشافعية والحنابلة واختاره ابن باز وابن عثيمين، وقيل: لا يوتر حتى يدخل وقت العشاء، وهو مذهب المالكية.
 

29- هل تتداخل الأذكار فيكتفى بمرة واحدة أم يكرر؟.
لم أجد في المسألة نصًا شرعيًا حسب بحثي القاصر، ولذا المسألة محتملة، والأمر فيه سعة، وقرر الرملي الشافعي في نهاية المحتاج لو كرر الذكر لكل صلاة كان أولى ولو اكتفى بواحد فقد أتى بأصل السنة(3). 

 

أحكام قول المؤذن ألا صلوا في رحالكم 
 

30- حكمها محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: سنة، وهو مذهب جمهور الفقهاء، لما سيأتي من الأدلة.
القول الثاني: واجب، واختاره ابن حزم، والأقرب: الأول، لعدم الدليل الصريح على الوجوب.

 

31- متى يقولها المؤذن؟.
يقولها المؤذن في أوقات الجمع وغير أوقات الجمع كصلاة الفجر بسبب المطر والريح الشديدة والبرد الشديد إن كان نزل المطر قبل خروج الناس إلى الصلاة في المساجد فينادي المؤذن: (ألا صلوا في رحالكم)، فيصلون في بيوتهم دون جمع، وتأتي الأدلة، وإن كان نزل المطر بعد وصول الناس إلى مساجدهم فيشرع الجمع حينها ولا تقال، لأن الناس سيصلون في مساجدهم، ولا تعارض بين المسألة السابقة واللاحقة في ما يظهر والله أعلم.

 

32-هل ذلك القول خاص بالسفر أم في الحضر؟.محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: خاص بالسفر لرواية التقييد بالسفر.
القول الثاني: ليس خاصاً بالسفر لرواية مالك بدون تقييد، ونسبه الزرقاني إلى الجمهور واختاره ابن حزم.
الأقرب: الثاني، لأن الجمع يصح في السفر والحضر، ولأن الأعذار في ترك الجماعة تكون في الحضر وفي السفر.

 

قال القسطّلاني وغيره: (وفي بعض طرق الحديث عند أبي داود: ونادى منادي رسول الله في المدينة في الليلة المطيرة والغداة القرة، فصرح بأن ذلك في المدينة ليس في سفر) والقرة الباردة.
 

33-هل هي كلمة أصلية في الأذان أم كلمة أريد بها التنبيه للناس؟ محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
حكى ابن رجب في الفتح الأمرين، وقال البخاري باب الكلام في الأذان وكذا البيهقي باب الكلام في الأذان فيما للناس فيه منفعة وذكرا أحاديث ألا صلوا في رحالكم، إشارة إلى إدراج هذه اللفظة في الأذان وليست من ألفاظ الأذان، وهو ظاهر اختيار ابن تيمية وابن المنذر وابن عبدالبر وجعله كالتثويب في الفجر.

 

34-قول ألا صلوا في رحالكم أين تقال في الأذان؟. محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: تقال في أثناء الأذان، وهو وجه للشافعية وظاهر مذهب الحنابلة، واختاره ابن تيمية في شرح العمدة. 
القول الثاني: بعد الأذان، وهو مذهب الحنفية والمالكية ووجه عند الشافعية واختاره الشوكاني.
القول الثالث: الأمر واسع، وهو لبعض الحنفية ومذهب الشافعية.
الراجح: الثالث، لورود الأدلة بالأمرين كما سيأتي بإذن الله.

 

35-قول المؤذن ألا صلوا في رحالكم هل تقال مع الحيعلة (حي على الصلاة)؟ محل خلاف بين العلماء:
القول الأول: تقال في أثناء الأذان بدلاً من الحيعلة، وهو وجه للشافعية واختاره الخطابي، واستغربه ابن رجب في فتحه.
القول الثاني: تقال بعد الحيعلة مع الحيعلة، وهو وجه للشافعية وظاهر مذهب الحنابلة واختيار ابن تيمية.
القول الثالث: الأمر واسع، وهو لبعض الحنفية ومذهب الشافعية.
والأقرب: كل ذلك جائز في المسألتين، لأن الأدلة والآثار وردت بها كلها، واختاره النووي.

 

*لما ورد أن ابن عمر رضي الله عنهما أذن في ليلة باردة بضجنان، ثم قال: صلوا في رحالكم، فأخبرنا أن رسول الله كان يأمر مؤذنا يؤذن، ثم يقول على إثره: «ألا صلوا في الرحال» في الليلة الباردة، أو المطيرة في السفر) رواه البخاري وفي لفظ بدون السفر رواه مالك.
 

*وورد عن عمرو بن أوس يقول: أنبأنا رجل من ثقيف، أنه سمع منادي النبي - يعني في ليلة مطيرة في السفر - يقول: (حي على الصلاة. حي على الفلاح. صلوا في رحالكم) رواه النسائي.
 

*وورد عن عبدالله بن عباس أنه قال لمؤذنه في يوم مطير: (إذا قلت: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم، قال: فكأن الناس استنكروا ذاك، فقال: أتعجبون من ذا، قد فعل ذا من هو خير مني، إن الجمعة عَزْمة، وإني كرهت أن أخرجكم فتمشوا في الطين والدحض)؛ رواه البخاري ومسلم.
 

*وورد عن عمرو بن أوس يقول: أنبأنا رجلٌ من ثقيف أنه سمع منادي النبي يعني في ليلة مَطِيرة في السفر - يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح، صلوا في رحالكم؛ رواه النسائي وأحمد.
 

*عن نعيم بن النحام من بني عدي بن كعب قال: نودي بالصبح في يوم بارد وهو في مرط امرأته فقال: ليت المنادي ينادي: ومن قعد فلا حرج، فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم في آخر أذانه: ومن قعد فلا حرج وذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر أذانه " تابعه الأوزاعي، عن يحيى بن سعيد إلا أنه قال: فلما قال: الصلاة خير من النوم قال: ومن قعد فلا حرج) رواه البيهقي في السنن الكبرى.
 

قال القسطّلاني في الجمع بين الأحاديث: (ويكون المراد من قوله: الصلاة في الرحال، الرخصة لمن أرادها، وهلموا إلى الصلاة الندب لمن أراد استكمال الفضيلة ولو تحمل المشقة وفي حديث جابر المروي في مسلم ما يؤيد ذلك ولفظه: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فمطرنا، فقال: ليصل من شاء منكم في رحله. وقد تبين بقوله: من شاء. أن أمره عليه الصلاة والسلام بقوله: ألا صلوا في الرحال، ليس أمر عزيمة حتى لا يشرع لهم الخروج إلى الجماعة، إنما هو راجع إلى مشيئتهم، فمن شاء صلى في رحله ومن شاء خرج إلى الجماعة).
 

36- ما هي الألفاظ التي تقال؟.
صلوا في رحالكم، ألا صلوا في رحالكم، صلوا في بيوتكم، لما ورد في الأدلة المتقدمة.

 

37- هل هي توقيفية بحيث لا يمكن أن يقال غيرها؟.
هذه المسألة مبنية على المسألة الرابعة والثلاثين. 

 

فرع: هل يجوز أن تقال هذه الكلمة بغير العربية؟.
هذه المسألة مبنية على المسألة السابقة فإن قيل أنها للتنبيه وليست لفظاً توقيفياً فجائز، وإن قيل أصيلة في الأذان ولفظ شرعي فهل يجوز الأذان بغير العربية؟.
الصحيح: لا يجوز لأنه لفظ شرعي توقيفي كالقراءة للقرآن في الصلاة فلا تصح بغير العربية إلا للعاجز عن العربية.

 

فرع: هل يجوز ترجمتها بعد قولها بالعربية؟.
الأقرب: أنه يجوز، ولا يضر ذلك على صحة الأذان، للحاجة، ولأن الكلام اليسير والفاصل اليسير بين ألفاظ الأذان لا يعود عليه بالبطلان، وهو محل اتفاق بين الفقهاء، ويكره لغير حاجة.

 

38- هل تكرر في الأذان أم مرة واحدة تقال؟.
ظاهر الأدلة المتقدمة تقال مرة واحدة، وورد مرتين، فقد ورد عن نافع، أن ابن عمر رضي الله عنهما نادى بالصلاة في ليلة ذات برد وريح، ثم قال في آخر ندائه: ألا صلوا في رحالكم، ألا صلوا في الرحال، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر أو ذات ريح في سفر يقول: "ألا صلوا في الرحال"(4).

 

39- هل تكرار اللفظ من باب التنويع أم حسب الحاجة؟.
المسألة محتملة، والأقرب: ألا يزاد على ما ورد حتى لا يخرج الأذان عن نظمه ويطول عن عدده، وقد ورد مرة ومرتين كما تقدم.

 

40- إذا قال ألا صلوا في رحالكم فماذا يقول في الإجابة؟.
لا حول ولا قوة إلا بالله لأنها كالحيعلة، وهو مذهب الشافعية، وطلب العون من الله ليس فقط في الذهاب إلى المسجد بل حتى في القيام بها وأدائها كما يجب وينبغي(5).

 

وفي الختام نسأل الله أن يرزقنا الفقه في الدين، والتمسك بسنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، وأن يصلح نياتنا وذرياتنا، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن ينصرهم ويعزهم ويرفع عنهم الضراء، وإلى لقاء آخر يسره الله على طريق العلم والهدى.

 

_____________________________

(1)    وهو علم الكتاب والسنة.
(2)    رواها ابن أبي شيبة وعبدالرزاق ومالك وابن المنذر واالبيهقي في السنن الكبرى والأوسط لابن المنذر والتمهيد لابن عبدالبر.
(3)    أهم المراجع: مواهب الجليل، حاشية العدوي، شرح الزرقاني، المجموع، نهاية المحتاج، المغني، الإنصاف، كشاف القناع، الشرح الممتع، فتاوى اللجنة الدائمة، اللقاء المفتوح لابن عثيمين أحكام الجمع لعبدالله التميمي، أحكام الجمع في المطر لمشهور سلمان، أحكام الأذان والإقامة لسامي الحازمي، المختصر في أحكام السفر لفهد العماري.أحكام الجماعة في الفقه الإسلامي لعبدالله الشمري  مذكرة التسهيل في الفقه لفهد العماري.
(4)    رواه البيهقي في السنن الكبرى برقم (5018) مصنف عبدالرزاق برقم(1901) ومستخرج أبي عوانة برقم (1302).
(5)    أهم المراجع في مسألة : التمهيد لابن عبدالبر، شرح القسطلاني للبخاري، شرح مسلم للنووي، إكمال المعلم بفوائد مسلم، فتح الباري لابن حجر ولابن رجب وعمدة القاري للعيني، شرح الزرقاني للموطأ.، شرح العمدة لابن تيمية، نيل الأوطار للشوكاني، أحكام الأذان للحازمي، أحكام الترجمة لأحمد واصل.