شعيرة الحج.. مقاصد وغايات
24 ذو القعدة 1429
انجوغو مبكي صمب

فضل الحجِّ ومكانته:
إن حجَّ بيت الله تعالى هو أحد أركان الإسلام؛ لقوله عز وجل: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}، [آل عمران:٩٧]. ولقوله صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، و إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان".
ولأن الأمة قد أجمعت على كونه فرضاً.

الحج المبرور:
والحج المبرور- وهو الحج الذي توفر فيه الإخلاص والمتابعة، مع اجتناب الرفث والفسوق والجدال- فضله عظيم، و ثوابه جزيل؛ لما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "... والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"، وعنه- أيضا- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: "أي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: ثم جهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: ثم حج مبرور".

من مقاصد الحج وغاياته:
هناك حكم عظيمة، وفوائد جليلة في تشريع الحج، وهذه الحكم والفوائد منصوص على بعضها في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي ملموسة- غالبا- عند أداء هذه العبادة.
ومنها على سبيل المثال:

تحقيق التوحيد:
وذلك في تعظيم الله تعالى بالعبادة التي هي جميع شعائر الحج، كالتلبية، والطواف، والسعي، والنحر، والحلق، ورمي الجمار، ونحوها من أنواع العبادات التي لا يجوز صرف شيء منها لغير الله عز وجل، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء}، [البينة:٥]. وقال سبحانه وتعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ}، [البقرة:١٩٦].

إقامة ذكر الله تعالى:
هذا مدار الحج وغيرِه من العبادات، بل هو محور الدين الحنيف، وهو أعظم المقاصد: فقد أمر الله به عباده عند أهم المناسك؛ فقال عز وجل: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}، [ البقرة: ١٩٨].
وأمرهم به في أثنائها؛ فقال  سبحانه: {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى}، [البقرة: ٢٠٣]. وأمرهم به عند الفراغ منها؛ فقال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً}، [البقرة:٢٠٠]. بل ثبت عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما جعل الطواف بالكعبة وبين الصفا والمروة ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله عز وجل".

تحصيل التقوى:
وهي الامتثال مطلقا، وذلك بفعل الأوامر واجتناب النواهي، فالحج مظهر من مظاهر التقوى؛ لما فيه من فعل طاعات متنوعة قد تشق على النفس، وما فيه من اجتناب كثير مما تعود عليه المرؤ في حياته اليومية من المباحات، فضلا عن المكروهات والمحرمات، قال تعالى: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ}، [الحج:٣٧].

اكتساب مكارم الأخلاق:
إن في الحج تعويدا للنفس على الصبر، والحلم، والسخاء، والعفة، والتواضع، والتسامح، قال تعالى: { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}، [البقرة:١٩٧]؛ فهو موسم خير يهيئ للمسلم فرصةَ الاستزادة من مكارم الأخلاق.

الشعور بالانتماء:
يشعر المسلم في الحج بانتمائه إلى أمة عظيمة، تقطن شتى بقاع الأرض، وتتألف من مختلف الشعوب، قال تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}، [الحج:٢٧]، هذا التجمع لا شك في أنه يذكي جذوة الشعور بالانتماء.

تبادل المنافع:
وتشمل المنافع الدينية والدنيوية، كما قال تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}، [الحج:٢٨]، ومنها تلك السوق العالمية التي تقام أثناء الموسم، والتعارف بين المسلمين، وسائر المصالح الدينية.

هذا ونسأل الله تعالى أن يوفق حجاج بيته الحرام للتحقق بهذه المقاصد الجليلة والغايات العظيمة لشعيرة الحج، وأن يجعل حجهم مبرورا وسعيهم مشكورا إنه سميع مجيب.