همة برس - خاص للمسلم
أكد فضيلة الداعية الإسلامي الشيخ محمد الراوي، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، أن واقع المسلمين في تفرقهم وتفريطهم هو سبب هزائمهم، مطالبًا الأمة بضرورة التوحد والوحدة، ورص الصفوف لتكون على قلب رجل واحد، لنكون أهلا لأن يمدنا الله بنصره وتأييده.
وقال الشيخ الراوي، الرئيس الأسبق لقسم التفسير بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، في حديث خاص لموقع "المسلم": إن واقع الأمة وما يحدث في غزة يفرض على الأمة أن يغيروا من أنفسهم حتى يغير الله ما هو واقع بهم، استشهادًا لقول الله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقومٍ سوءً فلا مرد له ومالهم من دونه من والٍ )[ الرعد:11].
وطالب الراوي علماء المسلمين بأن يروا في مقدمة الصفوف جهادًا وصدق كلمة، ووفاءً لله في نجدة المظلوم، والأخذ على يد الظالم، داعيًا إلى أن تتوجه فتاوى علماء الأمة إلى جمع الكلمة، والتحذير من الفرقة، وتعظيم قيمة الجهاد والشهادة في سبيل الله.
مزيد من التفاصيل في نص الحوار:
* ماذا تقول في الواقع الذي عاشه إخواننا في قطاع غزة المحاصر، من قصف صهيوني وحشي استمر اثنين وعشرين يومًا متصلة، وسط حالة من الصمت الرسمي العربي والدولي؟
** هذا الواقع يفرض على المسلمين جميعًا أن يتوحدوا، وأن يوحدوا صفوفهم، لأن الله سبحانه وتعالى يأمرهم بذلك، وأن يعتصموا بحبل الله جميعًا وألا يتفرقوا، ويجب أن يعلموا أن هذا الأمر فرض عليهم، فليس لهم أن يأخذوا به أو يتركوه، فإن الفرقة مدمرة والتنازع يغري العدو بالتكالب على أمة الإسلام ويحقق للأمة الإسلامية الفشل وذهاب الريح، وهذه الأمور من استغلال العدو لضعفنا لا يجب أن تضيع عن ذهن صغير أو كبير أو حاكم أو محكوم.
* إذا كنت ترى الواقع مؤلم لهذه الدرجة، بالنسبة لأمة الإسلام، فما المفروض أن تقوم به الأمة للخروج من هذا المأزق؟
** هذا الواقع المؤلم الذي شاء الله عز وجل أن تراه الدنيا في غزة يفرض عليهم أن يغيروا ما بأنفسهم حتى يغير الله ما هو واقع بهم، استشهادًا بقول الله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وإذا أراد الله بقومٍ سوءً فلا مرد له، ومالهم من دونه من والٍٍ )[ الرعد:11]، كما أن سنن الله، ونحن جميعًا نعلمها وندركها، لا تتجاهل أحدًا ولا تتبدل ولا تتحول، تطالب الجميع بالتغيير حتى يغير الله حالنا من الهزيمة إلى النصر بإذن الله.
* ما هو التغيير الذي تطالب به الأمة لكي يتغير الوضع في غزة وفي فلسطين؟
** ما وقع في غزة لا دلالة له إلا أن أمتنا تحتاج أن تكون في توادها وتعاطفها كمثل الجسد الواحد، ومن يسعى لتمزيق هذا الجسد يريد لهذه الأمة كلها أن تتعفن، لأن الجسد إذا قطع لا تستطيع اليد أن تعمل ما خلقت له إلا بالتماسك بالجسد كله، وأنا شخصيًا لا أعرف أحدًا قطع يده ثم أرسلها لتأتي له بشيء.
ولذلك فإن الأمر الواقع يحتاج لتغير وتغيير، تغير بالأنفس وتغيير ما يجب تغييره لإصلاح هذه الأمة، ولابد أن يطول هذا التغيير الأفراد والمؤسسات لأن ما سجلته أحداث غزة يؤكد أن هذه الأمة أصيبت بالغثائية والفشل وذهاب الريح.
* نعود لدور العلماء.. كيف تراه؟ وبماذا توصيهم أن يفعلوا لنصرة غزة؟
** على جميع العلماء أن يروا في مقدمة الصفوف جهادًا وصدق كلمة ووفاءً لله في نجدة المظلوم والأخذ على يد الظالم وألا تكون الفتاوى الجزئية في أمور فرعية يتسع المجال فيها لخلاف الآراء بل يجب أن تكون الفتاوى متوجهة بعزم أكيد إلى جمع الكلمة للجهاد الواسع في كل ميدان دون تردد حتى نرفع ما أريد لتصوير الجهاد بالإرهاب مع أنه لمصلحة الإنسان حيث كان.
فنحن مع المظلوم ولو كان من غيرنا ونحن على الظالم ولو كان منا عملا بقول رسول الله "صلى الله عليه وسلم" (انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا فقال: رجل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنصره إذ كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟! قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره).
* وماذا عن دور الأمة.. ماذا تقول لها لكي تنتصر لغزة؟
** أنا في الحقيقة أعجب لأمة هذا عددها وتلك نعم الله عليها.. كيف تضع رأسها على كتف العالم وتنشد أن تنتصر بغير أن تستجيب طائعة راضية لله للرسول، وأعجب في الوقت ذاته أننا وقد أحكم لنا الكتاب الكريم ما يجب أن نكون عليه وبّين لنا كل شيء عن عدونا ومع هذا نظل نرد شعارات بلهاء تنبئ عن غباء وجهل وتخلف.
ويكفي أن نتدبر آية واحدة من كتاب الله عز وجل وصفت لنا حالهم إلى يوم القيامة وجاء فيها (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (64) المائدة، وأقول إن طفلنا الصغير في جميع ديارنا الإسلامية يعلم أن كلمة يسعون تفيد أن سعيهم في الفساد لا يتوقف لأنها تفيد الاستمرارية.
* ماذا تقول للذين يضعون أيديهم في أيدي العدو الصهيوني؟
** الذين يطمحون أن يجدوا لأنفسهم مخرجًا من إدانة أنفسهم في بُعدهم ومخالفتهم لربهم، أقول لهم إنهم لا يسيئون إلى أنفسهم فقط وإنما يسيئون للعالم أجمع، الذي ينشد سلامًا وعدلا في إفاقة الحق، ووفاءً للحق والعدل الذي تسعى له الإنسانية جميعًا، ونحن المسلمين نعلم أن أمتنا تؤمن برسالة الرسل جميعًا استشهادًا لقوله تعالى في سورة الحديد: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ).
وبالتالي نحن المسئولين عن ضياع العدل في العالم، وأذكر كل مسلم بالآية الكريمة (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) (73) سورة الأنفال، فالله عز وجل يحمل المسلمين عند تفرقهم وعدم موالاتهم لبعض في إقامة حق وعدل، يحملهم الفتنة والفساد الكبير في الأرض، وهم مسئولون عنها، لأن الآية الكريمة لم ترد الفتنة والفساد الكبير في الأرض على ولاية أهل الكفر، وإنما رددتها على عدم ولاية المسلمين بعضهم لبعض.
وكفانا أن نستحضر ما قاله الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها فقالوا: أو من قلة نحن يوم إذن يا رسول الله؟، قال لا ولكنكم غثاء كغثاء السيل). صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولو نظرنا إلى الحديث بتمعن سنجد فعلا الغثائية التي نراها واضحة أمام أعيننا، والتي وصلت إلى حد أن يجتمع هؤلاء الولاة مع بعضهم البعض فلا يستطيعون فعل شيء، ولا يحققون أي شيء، ولا أدرى متى نفيق من غفلتنا؟، ومتى نبعث من الموات؟، ومتى نستطيع أن نحقق عزمًا يرضاه الله فيمدنا ينصره وتأييده.
* وماذا تقول لأولئك الذين يحولون بين الشباب والجهاد في سبيل الله؟
** أقول لهم دعوا الشباب يعبر عن نفسه ليرد العار عن أمته، لماذا تحولون بينهم وبين الشهادة في سبيل الله، دعوهم فإن هذا الكيان الصهيوني الغاصب لا يعرف غير هذه اللغة، واعلموا أنه لن يتحقق سلام مع هؤلاء الخنازير ولو على المدى البعيد.
وأقول لحكام الأمة لابد من الإسراع إلى التعاون والتضافر والتماسك، وكفانا أن نقدم للعدو نصرا بفشلنا، أرجوكم جميعا تناسوا خلافاتكم ومشاكلكم، ودعوا التمزق الذي يمنحهم نصرا سهلا، فوالله لو اتحدت أمتنا ساعة واحدة لهزت الأرض بقوتها ووحدتها، ولعملت لهم إسرائيل ألف حساب، ولغيرت أمريكا حساباتها، أطالبهم بالعودة إلى كلمة سواء، ولا أتهم أحدا بالخيانة.
* كلمة أخيرة تود أن توجهها للأمة عبر موقع المسلم؟
** أقولها بكل صراحة، إن واقع المسلمين في تفرقهم وتفريطهم هو سبب هزائمهم، وإن طوق النجاة وسر النصر يكمن في التكاتف والوحدة والوعي بما يحاك بالأمة من مؤامرات، ودعم المقاومة لأنها شرف الأمة.