التبرك بتراب القبور من الغلو المحرم المفضي إلى عبادة الأموات
6 ربيع الثاني 1430
د. عبد القادر بن محمد الغامدي

إن التبرك بتراب القبور كبناء القباب على قبورهم والصلاة عندها من البدع المنكرة التي لم يأت عليها دليل في كتاب الله ولا سنة رسول الله –الثابتة- ولا عن السلف الصالحين رضي الله عنهم من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وهي من أنواع الغلو في الأموات والأولياء، والتي هي ذريعة تفضي إلى عبادة الأموات، والاعتقاد فيهم الذي هو السبب الأول في كفر بني آدم وتركهم دينهم.

 

فمن المعلوم أن العبادة حق لله تعالى وحدة لا يجوز عقلاً ولا شرعاً أن يصرف شيء منها لغير الله لا لنبي مرسل ولا لملك مقرب، فضلاً عن غيرهما، بل أصل دعوة الأنبياء والذي من أجله بُعثوا عليهم السلام هو ألا يُعبد إلا الله وحده، ويُكفر بعبادة من سواه، وكل نبي قد قال لقومه: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)، قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل: من الآية36]، وذلك لأن الله تعالى وتقدس هو الخالق وحده وما سواه مخلوق، والعبادة حق للخالق، ولأنه تعالى هو الرازق وحده ومالك الملك وغيره سواء كان نبياً أو ولياً أو ملكاً أو غيرهم مخلوقون مربوبون لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً فضلاً عن غيرهم، ولا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في والأرض.

 

لذلك جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم حين أنزل عليه (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) [الشعراء:214] فقال: "يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله، لا أغني عنكم من الله شيئا. يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا. يا صفية بنت عبد المطلب، لا أغني عنك من الله شيئا. يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا. سليني من مالي ما شئت، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا". فقال للأبعد والأقرب: "لا أُغني عنك من الله شيئاً" حتى قال: "يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنكِ من الله شيئاً" فإذا صرح وهو سيد المرسلين بأنه لا يغني شيئاً عن سيدة نساء العالمين، وآمن الإنسان أنه صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا الحق، ثم نظر فيما وقع في قلوب خواص الناس اليوم، تبين له التوحيد وغربة الدين.

 

لذلك جاء نبينا صلى الله عليه وسلم بسد كل ذريعة توصل إلى الشرك حتى قال "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله"، وقد عرف خيار الأمة رضوان الله عليهم ورحمه هذا، حتى كانوا يمنعون من يقصد قبره للدعاء بل جاء عن خيار التابعين من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو علي بن الحسين أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فنهاه، فقال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تتخذوا بيتي عيدا ولا بيوتكم قبورا فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم".

 

إذا عرف هذا فالتبرك بقبره صلى الله عليه وسلم أو بترابه من البدع المنهي عنها، ولو في ذلك خير لسبقنا إليه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا أشد حبا له صلى الله عليه وسلم من غيرهم، فإذا كان من البدع في حقه صلى الله عليه وسلم ففي حق غيره من باب أولى، جنبنا الله البدع وكل ذرائع الشرك والخرافات وجنبنا أن نعبد الله بغير ما شرع. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.