الأندية النسائية بين فتاوى العلماء وآراء الدخلاء
1 جمادى الأول 1430
إبراهيم الأزرق

سئل الشيخ عبدالرحمن البراك حفظه الله عن حكم النوادي النسائية فأفتى بحرمتها وذلك لأمور قرأتها في فتواه ألخص حاصلها مع بعض التوضيح فيما يلي:
1- من مقاصد الشريعة وأصولها المقررة صيانة المرأة المسلمة، وطهارة المجتمع، ومعلوم أن خروج المرأة لغير حاجة بل وما تقتضيه حال الأندية من السفر، والبروز في المجتمع، يخالف هذا المقصد المقرر، أو هو ذريعة إلى مخالفته غالبة.

 

2- مافي الأندية وأنظمتها وطرائقها من تغريب للمجتمع، ومعلوم أن المسلم مطالب بمخالفة الكافرين في عاداتهم، لا السير في ركابهم، والأندية في حالتها الراهنة ما هي إلاّ تقليد لأهل الكفر فيما لا نفع فيه، والتزام بمقرراتهم من غير حاجة ولا داع، وليس المقصود نفس الرياضة لكن الأنظمة والترتيبات في الملابس والمظاهر والأماكن وغيرها التي تُلتزم وكأنها وحي مقدس مع أنه لا حاجة لها بل بعضها أقل أحواله الاشتباه.

3- ومما أشار إليه الشيخ أن شأن هذه الأندية يخالف القرار الذي أمرت به النساء في نحو قول الله تعالى: (وقرن في بيوتكن)، وقد قرر استدل أهل العلم بها على أن المرأة إنما تخرج للحاجة الدنيوية أو الشرعية، و(اللعب) بتلك الأندية -لا أصل الرياضة- ليس من الحاجيات.

 

ومن المخالفات الأخرى التي أجمل الشيخ الإشارة إليها:
4- ما في هذا الأندية من أكل المال بالباطل، بدءاً من السَبَق (الجائزة) التي تجعل في المسابقات بين الأندية، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا سَبَقَ إلاّ في نصل أو خف أو حافر)، فنهى عن الجائزة التي تدفع للفائز (السَبَق) إلاّ في هذه، وألحق بهذه بعض أهل العلم أبواباً أخرى معينة على الجهاد وخالفهم في إدخالها آخرون.
وبالإضافة إلى أكل مال السَبَق الحرام، ففي تلك الأندية تبديد أموال المسلمين الخاصة أو العامة في مرتبات ومكافآت ومنشآت وتذاكر وأمور تكميلية المسلمون أحوج ما يكونون إليها في مرافقهم التعليمية والتنموية وغيرهما من الحاجيات بل والضروريات.

 

5- ما تسببه تلك الأندية مما قد علم أنها ذريعة له غالبة من التعصب والتناوش، والإشغال والإلهاء، والصد عن ذكر الله وعن الصلاة فهل ينتهي العقلاء؟

 

وبعد أن ذكر الشيخ حفظه الله ومتع بعلمه الحكم وأشار إلى حيثياته المذكورة والتي عقلها من عقلها وجهلها أو تجاهلها المتعصبون طفق يكشف شبهة مؤداها أن ممارسة الرياضة في الأندية أفضل من اللف والدوران في الشوارع.
فبين أولاً أن هذا خطأ.. لا يعالج بخطأ.

 

وثانياً: ليس فتح النوادي بمغن عن اللف والدوران! أو عن ممارسة الرياضة مع الحشمة في المنزل أو نحوه، وذلك لأن النوادي إنما تستوعب قلة من رجال المجتمع وكذا نسائه، وحتى تفهم ذلك فاعلم أن تعداد سكان المملكة العربية السعودية يقدر اليوم بما يربوا على 28 مليون نسمة فيهم نحو 5 ملاين غير سعوديين، فكم عدد الذين تستوعبهم الأندية من هؤلاء؟
وفي مقابل هذه الشرذمة القليلة كم من المتفرجين والمشجعين والمتابعين تعطل طاقاتهم تلك الأندية!
فهل تلك الأندية تحل مشكلة الرياضة؟
أم هي كما قال الشيخ: "ملاعب وملاهي، وستنضاف مفاسد هذه الأندية النسائية أخلاقيةً وأمنيةً إلى ما تعانيه الأمة من مفاسد أندية الشباب"؟

 

وبعد هذه الحجج الظاهرة ما كان جواب المعارضين إلاّ أن قالوا: إن الشيخ يحرم الرياضة! فواعجبي من تلك الكذبة الصلعاء أو ذلك الفهم الضعيف الذي لا يستحي صاحبه من معارضة العلماء!
وهل نهى الشيخ عن مسابقة الرجل امرأته في البر أو الخلوة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
وهل نهى عن أن تحضر إحداهن من آلات الرياضة ما يناسبها في بيتها؟
وهل نهى الشيخ عن تخصيص مجامع خاصة للنساء من أجل تخفيف الأوزان أو المحافظة على القوام؟!
أم أن الرياضة عند هؤلاء محصورة في النوادي النسائية!

 

إن الرياضة التي في النوادي الرياضة أضيفت إليها أمور أخرى خرجت بها إلى حد التحريم، ولا يلزم من ذلك أن يكون أصل الرياضة محرماً إذا لم تقترن به تلك الإشكالات الموجودة في النوادي أو محرمات أخرى.
ومثل من يحاول تسويغ الأندية بحجة أن الرياضة سائغة والأندية تمارس فيها الرياضة، كمثل من يسوغ دخول أجنبي عقر دارك لأجل أن يشرب ماءً بارداً، والماء عنده في كل مكان! فهل ترضى أن يصنع الناس ذلك في بيتك بحجة أن شرب الماء جائز!
أم ستقول: هو جائز لكن ليس بهذه الطريقة! لما فيها من دخول في ملك غيره بغير إذن ولمحظورات أخرى.. فكيف تقول فيمن زعم أن من حرم اقتحام بيوت الناس لشرب الماء قد حرّم شرب الماء!!
وإذا كان الأمر كذلك فحرمة النوادي النسائية أظهر لما فيها من تصرف في المال بغير إذن شرعي، بالإضافة إلى غير ذلك من مقتضيات تحريمها السالفة.

 

وفي الختام لا يسعني أن أذر المقالة بغير تعقيب على أحد المساكين الذين انتصبوا لتعقب الراسخين وقد قال بعد أن ادعى اعتسافاً بغير تفنيد لما أشير إليه من الأدلة أن فتوى الشيخ تفتقر إلى التأصيل الشرعي! وهذه دعوى لا تستحق أكثر من مقابلتها بالامتناع، ويكفي الناس في الحكم عليها القراءة والنظر! قال:”أما التحريم المطلق الذي وصل إلى تحريم المشي في الأماكن العامة كما جاء في الفتوى فهذا تشدد“.

فهذا من كذبه أو جهله وسوء فهمه فإن الفتوى ليس فيها تحريم المشي في الأماكن العامة، وإنما جاء فيها أن : ”خروج بعض النساء للرياضة بالدوران على بعض المباني هو خطأ من قلة من النساء“، وهذا الخطأ لم يذكر الشيخ أنه محرم بإطلاق، وفيه تفصيل فقد يكون مشي المرأة ودورانها محرماً وذلك إذا تعاهدت الخروج للدوران بغير محرم في الأماكن التي عرف تربص الفساق فيها بالنساء، وقد يكون خلاف الأولى إذا كان المحل آمناً، وكان بإمكانها أن تستغني ببيتها أو خدمة أهلها، أو نفع من يجمل نفعه، أو تصنع لأخرق أو تعين صانعاً.

 

ووصف الشيء بأنه خطأ -كما في كلام الشيخ والشيخ لايلقي الكلام على عواهنه- لا يقتضي تحريمه، فقد يكون محرماً، وقد يكون خلاف الأولى، وقد يكون إعناتاً للنفس لا داعي له، وقد يكون محرماً وليس أحد هذه الأوصاف بألزم من الأخرى، فإذا قلت لك: أخطأ فلان في حل المسألة الرياضية، فلا يلزم منه أن يكون قد قارف محرماً!
ومن ظن ذلك فكيف ترى فهمه؟!
أخالك لا ترى شيئاً لا لأن الفهم لا يرى فالموجود يدرك بآثاره لكن لأن المعدوم لا يرى!
فهل عرفت الفرق بين فتاوى العلماء وأقوال الدخلاء.
أرجو ذلك!