اللؤلؤ والجوهر المستخرج من سورة الكوثر (2-4)
28 رجب 1430
د. نايف بن أحمد الحمد

أوصاف الكوثر

وهذا النهر العظيم جاءت له صفات كثيرة منها:
ما جاء في حافتيه وطينته: روى أنس بن مالك رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (بينما أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال:هذا الكوثر الذي أعطاك ربك فإذا طينه أو طيبه مسك أذفر)(1)
وفي رواية للبخاري عن أنس رضي الله عنه قال: لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال: (أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ مجوفا فقلت ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر)(2).

 

وكذا حافتاه من ذهب كما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت تربته أطيب من المسك وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج)(3).

 

أما آنيته: فقد قال أنس رضي الله عنه قال نبى الله -صلى الله عليه وسلم- (تُرى فيه أباريق الذهب والفضة كعدد نجوم السماء)(4).

 

أما مجراه وتربته وماؤه: فكما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت تربته أطيب من المسك وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج)(5).

 

وقد حدث النبي صلى الله عليه وسلم عن طيوره في حديث أنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا الْكَوْثَرُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هُوَ نَهَرٌ أَعْطَانِيهِ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ أَبْيَضُ مِنْ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ فِيهِ طُيُورٌ أَعْنَاقُهَا كَأَعْنَاقِ الْجُزُرِ) فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِنَّهَا لَنَاعِمَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (آكِلُوهَا أَنْعَمُ مِنْهَا)(6).

 

ورواه أنس بلفظ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ طَيْرَ الْجَنَّةِ كَأَمْثَالِ الْبُخْتِ تَرْعَى فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ) فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَطَيْرٌ نَاعِمَةٌ. فَقَالَ (أَكَلَتُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا) قَالَهَا ثَلَاثًا (وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَأْكُلُ مِنْهَا يَا أَبَا بَكْرٍ)(7).

 

قال ملا علي القاري رحمه الله تعالى: "في ذلك النهر أو في أطرافه طير أي جنس من الطيور طويل العنق وكبيره أعناقها كأعناق الجزر بضم الجيم والزاي جمع جزور والمعنى أنه أعد للنحر ليأكل منه أصحاب شرب ذلك النهر فإنه بها يتم عيش الدهر" ا.هـ(8) وقوله (لناعمة) أي سمان مترفة (9).

 

ومن صفاته أنه يجري على وجه الأرض من غير شق فيها لحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُعْطِيتُ الْكَوْثَرَ فَإِذَا هُوَ نَهَرٌ يَجْرِي وَلَمْ يُشَقَّ شَقًّا فَإِذَا حَافَتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ فَضَرَبْتُ بِيَدِي إِلَى تُرْبَتِهِ فَإِذَا هُوَ مِسْكَةٌ ذَفِرَةٌ وَإِذَا حَصَاهُ اللُّؤْلُؤُ)(10).

 

وعن معاوية بن قرة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أظنكم تظنون أن أنهار الجنة أخدود في الأرض! لا والله، إنها لسائحة على وجه الأرض، إحدى حافتيها اللؤلؤ، والأخرى الياقوت، وطينها المسك الأذفر. قال: قلت: ما الأذفر؟ قال: الذي لا خلط له(11).

 

وسأل سماكٌ ابنَ عباس رضي الله عنهما عن أنهار الجنة أفي أخدود؟ قال: لا ولكنها تجري على أرض الجنة مستكفة لا تفيض ها هنا ولا ها هنا قال الله لها كوني فكانت(12).(13)

 

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

أنهارها في غير أخدود جرت *** سبحان ممسكها عن الفيضان
من تحتهم تجري كما شاؤوا *** مفجرة وما للنهر من نقصان(14)

 

أما موقعه:

فعن أبى عبيدة بن عبد الله قال: قلت لعائشة رضي الله عنها ما الكوثر؟ قالت: نهر أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم في بُطنان الجنة. قال: قلت وما بطنان(15) الجنة؟ قالت: وسطها حافتاه درة مجوف (16). وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه مفسرا قوله تعالى (جَنَّاتُ عَدْنٍ) بُطنان الجنة (17).

 

_________________

(1)    رواه البخاري (6210)
(2)    صيحيح البخاري (4680)
(3)    رواه أحمد (6476) وابن أبي شيبة (323119) والترمذي (3361) وابن ماجه (4334) والدارمي (2837) والبغوي في شرح السنة 7/488 وهناد في الزهد (132) وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(4)    رواه مسلم (6140) وأحمد (13521) وزاد (أو أكثر من عدد نجوم السماء).
(5)    تقدم تخريجه قريبا.
(6)    أحمد (13505) والنسائي في الكبرى (11703) والترمذي (2542) والبيهقي في البعث والنشور (254) وتمام في الفوائد (1128)وابن أبي الدنيا في صفة الجنة (76) وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
(7)    رواه أحمد (13335) قال المنذري والمباركفوري: أحمد بإسناد جيد. الترغيب والترهيب (5690) تحفة الأحوذي 7/212 وصحح إسناده العراقي في المغني عن حمل الأسفار (4546
(8)    مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 16/254
(9)    النهاية في غريب الحديث 5/186 تحفة الأحوذي 7/212
(10)    رواه أحمد (13603) وأبو يعلى (2529) والبزار(6471) وصححه ابن حبان (6471)
(11)    رواه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة (66) وأبو نعيم في الحلية 6/205 وفي صفة الجنة أيضا (337) قال المنذري: رواه ابن أبي الدنيا موقوفا ورواه غيره مرفوعا والموقوف أشبه بالصواب. الترغيب والترهيب (5666) قال الألباني: إسناد ابن أبي الدنيا صحيح. السلسلة الصحيحة (2513)
(12)    رواه أبو الشيخ في العظمة (599) وابن أبي الدنيا في صفة الجنة (140) وحسن إسناد ابن أبي الدنيا المناويُّ في فيض القدير 5/85 وصح ذلك عن مسروق. رواه ابن أبي شيبة (35091) وابن أبي حاتم في التفسير (4678) (5504) وابن المبارك في الزهد (1490) وابن جرير (509) وأبو نعيم في صفة الجنة (336) والبيهقي في البعث والنشور (279)
(13)    أما ما يُروى عن ابن عباس رضي الله عنهما في الكوثر: أنه نهر في الجنة عمقه سبعون ألف فرسخ. فقد رواه الآجري في الشريعة (1077) وابن أبي الدنيا في صفة الجنة (141) قال الألباني: منكر جدا موقوف.ا.هـ ضعيف الترغيب والترهيب (2199).
(14)    النونية 1/326
(15)    قال الحافظ ابن حجر: بُطنان بضم الموحدة وسكون المهملة بعدها نون ووسط بفتح المهملة والمراد به أعلاها أي أرفعها قدرا أو المراد أعدلها ا.هـ الفتح 8/732
(16)    رواه عبد الله بن أحمد في زوائده على المسند (26446) والنسائي في السنن الكبرى (11705)والبيهقي في البعث والنشور (116) وهناد في الزهد (139)
(17)    رواه عبد الرزاق في التفسير (1330) وابن أبي شيبة (35167) وابن أبي حاتم في التفسير (10304) وابن جرير في تفسيره (16947) وابن المبارك في الزهد (1455)