وحدة الأمة الإسلامية فريضة وضرورة (2-3)
23 رمضان 1430
انجوغو مبكي صمب

وقد اتفق أهل العلم والاستنباط على أربعة مصادر أساسية للتلقي تمثل دستور الوحدة الفكرية للأمة وصمام أمانها الثقافي، وهذه المصادر هي:

- القرآن الكريم:

و(الكلام، المعجز المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، المكتوب في المصاحف، المنقول عنه بالتواتر، المتعبد بتلاوته)(1)، وأهل السنة والجماعة يضيفون الكلام إلى الله ويصفونه به كما يليق به، ويقولون في تعريف القرآن هو: (كلام الله المنزل على محمد صلى الله المتعبد بتلاوته...)(2).

 

والقرآن الكريم هو أعلى مصادر التلقي وأقدسه وأكمله لكونه من الله تعالى، وهو حجة الله البالغة ونوره المبين.
 و(البرهان على أن القرآن حجة على الناس وأن أحكامه قانون واجب عليهم اتّباعه أنه من عند الله وأنه نقل إليهم عن الله بطريق قطعي لا ريب في صحته،
أما البرهان على أنه من عند الله فهو إعجازه الناس عن أن يأتوا بمثله)(3).

 

- السنة النبوية:

قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: (وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة لدلالة المعجزة على صدقه ولأمر الله تعالى إيانا باتباعه ولأنه: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [سورة النجم، الآيتان: 3، 4]، لكن بعض الوحي يتلى فيسمى:كتابا، وبعضه لا يتلى وهو: السنة)(4).

 

قال الشيخ عبد الوهاب خلاف رحمه الله: (أجمع المسلمون على أن ما صدر عن رسول الله، من قول أو فعل أو تقرير، وكان مقصودا به التشريع والإقتداء، ونقل إلينا بسند صحيح يفيد القطع أو الظن الراجح بصدقه يكون حجّة على المسلمين، ومصدراً تشريعيا يستنبط منه المجتهدون الأحكام الشرعية لأفعال المكلفين، وعلى أن الأحكام الواردة في هذه السنن تكون مع الأحكام الواردة في القرآن قانوناً واجب الإتباع)(5).

 

- الإجماع:

قال ابن قدامة رحمه الله (ومعنى الإجماع في الشرع: اتفاق علماء العصر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على أمر من أمور الدين)(6).
و(إذا تحققت أركان الإجماع الأربعة بأن أحصي في عصر من العصور بعد وفاة الرسول جميع من فيه من مجتهدي المسلمين على اختلاف بلادهم وأجناسهم وطوائفهم، وعرضت عليهم واقعة لمعرفة حكمها الشرعي، وأبدى كل مجتهد منهم رأيه صراحة في حكمها بالقول أو بالفعل مجتمعين أو منفردين، واتفقت آراؤهم جميعا على حكم واحد في هذه الواقعة كان هذا الحكم المتفق عليه قانوناً شرعيا واجباً اتّباعه ولا يجوز مخالفته)(7).
ودليله قوله تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً} [سورة النساء: 115].

 

- القياس:

قال الشوكاني رحمه الله: (وأحسن ما يقال في حده: استخراج مثل حكم المذكور، لما لم يذكر، بجامع بينهما، فتأمل هذا تجده صوابا إن شاء الله)(8).
و(ذهب الجمهور من الصحابة، والتابعين، والفقهاء، والمتكلمين إلى أن القياس الشرعي أصل من أصول الشريعة، يستدل به على الأحكام التي لم يرد بها السمع)(9).

 

4- وحدة القيادة:

من أسباب قوة الأمة الإسلامية ودوام عزتها أن تكون قيادتها موحدة ومصونة من المعارضة والمشاقة، حتى تقوم بوظيفتها في الخلافة في الأرض والشهادة على الناس على أكمل وجه وأتم صورة.
ولقد كانت قيادة الأمة الإسلامية في عصور العزة والتمكين موحدة ومصونة من المعارضة والمشاقة، يدين لها الجميع بالسمع والطاعة والولاء والنصرة.

 

وكان كل فعل أو قول يؤدي إلى شق العصى وتفريق الكلمة يعد جريمة يعاقب عليها، وكل تنظيم خارج على إمام المسلمين يعد من (الخوارج)، ويحكم فيهم بحكم الله ورسوله كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه)(10).

 

قال الماوردي رحمه الله: (إذا عقدت الإمامة لإمامين في بلدين لم تنعقد إمامتهما، لأنه لا يجوز أن يكون للأمة إمامان في وقت واحد وإن شذ قوم فجوزوه).

 

ولما دب إلى المسلمين داء الفرقة والخلاف، وتمزقت الأمة وصارت دويلات متنازعة، تفرقت كلمتهم وتعددت راياتهم، وصار على كل إقليم من دار الإسلام إمام وقائد.
فنشأت أوضاع سياسية جديدة لم تكن في عهد الرسالة ولم يعرفها السلف الصالح رحمهم الله، فاجتهد الفقهاء في أحكام تلك النوازل السياسية، فبحثوا في مسألة تعدد أئمة المسلمين وأمراء المؤمنين، ورغم اختلافهم في تصحيح أو تفسير تلك الأوضاع الاستثنائية، فإنهم متفقون على أن الأصل في قيادة الأمة وخلافة النبوة الوحدة وليس التعدد(11).

 

وحدة الأمة الإسلامية فريضة:

الفرض أو الواجب هو أحد الأحكام التكليفية الخمسة، وقد عرفه علماء أصول الفقه رحمهم الله تعالى بأنه: (هو ما طلب الشارع فعله من المكلف طلبا حتما، بأن اقترن طلبه بما يدل على تحتيم فعله، كما إذا كانت صيغة الطلب نفسها تدل على التحتيم، أو دل على تحتيم فعله ترتيب العقوبة على تركه، أو أية قرينة شرعية أخرى)(12).

 

وعليه، فإنا نستفيد من وصف وحدة الأمة الإسلامية بالفرضية والوجوب أن الشارع - وهو الله تعالى - طلب من المسلمين أن يجتمعوا على أصول الدين وقواعد الشرع، وأن يقيموا الدين ولا يتفرقوا فيه، طلبا جازما يدل على تحتيم فعله، وترتيب العقوبة على تركه.

 

__________________

(1)    مناهل العرفان في علوم القرآن للشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني: 1 / 15.
(2)    مباحث في علوم القرآن للشيخ مناع القطان ص 17.
(3)    علم أصول الفقه للشيخ عبد الوهاب خلاف ص 27.
(4)    المستصفى في علم أصول الفقه للإمام الغزالي: 1/246.
(5)    علم أصول الفقه ص 41.
(6)    روضة الناظر وجنة المناظر للإمام عبد الله بن أحمد بن قدامة ص 131.
(7)    علم أصول الفقه ص 52.
(8)    إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول للإمام الشوكاني 2 /90.
(9)    إرشاد الفحول: 2/ 91.
(10)    أخرجه مسلم في صحيحه: 6 /23.
(11)    راجع: أضواء البيان للشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله 1 / 31 و: الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة لعبد الله الدميجي 2 /11.
(12)    علم أصول الفقه للشيخ عبد الوهاب خلاف ص 123.