تفسير النصوص الشرعية
25 شوال 1430
حمود الدعجاني

بعض الكتّاب _هدانا الله وإياهم لطريق الحق _ يخوض في المسائل الشرعية بغير علم، ولا تخلو كتاباته من المغالطات وسوء الفهم للنصوص الشرعية وعدم التأدب في الخطاب مع العلماء ، ومثل هذه المقالات التي يتطرق فيها للمسائل الشرعية وتصدرممن ليسوا من أهل العلم تثير البلبلة والفوضى والفتنة بين الناس، وتجعل من الناس - ولاسيما العوام والجهلة وضعاف الإيمان - من ينخدع ويغتر بمثل هذه الكتابات وينصرف عن سؤال أهل العلم ويتعلق بالشبهات والأقوال والآراء الشاذة التي لا دليل عليها، وفي هذا مفسدة عظيمة لا تخفى.

 

وكما هو معلوم فإن كل صاحب هوى قد يجد من شاذ الأقوال والآراء ما يوافق هواه؛ فالواجب منع غير المختصين من الخوض في المسائل الشرعية بدون علم؛ حماية لعقائد الناس وحسماً لمادة التشكيك وإثارة الشبهات والفتن بين الناس وبعض الكتاب يزعم أنه إنما أراد المناقشة والاستيضاح والجواب أنه ليس طريق ذلك إثارة الشبه على أعمدة الصحف بل الطريق إلى ذلك هو الاتصال بالعلماء مكاتبة أو مشافهة للسؤال والاستيضاح امتثالاً لقوله تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}، وإن كانوا أرادوا الرد على العلماء فقد ذكر أهل العلم أن الذي يرد على العلماء على حالين:

1 - من عُرف بالعلم والدين وتوقير أئمة المسلمين واحترامهم، وأراد برده على العلماء النصيحة لله ولرسوله وبيان الخطأ وتأدب في الخطاب وأحسن الرد والجواب، فلا حرج عليه وهو مثاب على قصده ويجب أن يعامَل بالإكرام والاحترام.

 

2 - من لم يُعرف بالعلم وظهر منه التنقص والذم للعلماء وإظهار معايبهم وقصورهم في العلم وتزهيد الناس في علمهم، فهذا قد ارتكب أمراً محرماً سواءً كان هذا الرد في حضور من رد عليه أو في غيبته، وسواء كان في حياته أو بعد موته، ويجب أن يعاقب ويعزر حتى يرتدع هو وأشباهه عن هذه المحرمات.

 

وأما الاجتهاد في الشريعة فليس لكل أحد، بل هو لأهل العلم الراسخين فيه كما قال تعالى: {وَلَوْ رَدُّوه إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَه الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَه مِنْهُمْ}.
فلا بد للمجتهد من العلم بدلالات النصوص، ووجوه الاستدلال، ومنهج الاستدلال، وأسباب النزول، ومقاصد الشريعة والتمييز بين صحيح الحديث وضعيفه، وناسخه ومنسوخه، ومحفوظه وشاذه، ومطلقه ومقيده، ومرفوعه وموقوفه،وهولاء قد يستدلون بالدليل في غير ما يدل عليه، وقد يأخذون بالدليل ويتجاهلون ما يعارضه أو يخصصه أو يبينه أو يقيده إما جهلاً به أو أنها تعارض ما عندهم فتركوها عجزاً عن الجمع بين الأدلة، وقد يأخذون بالأدلة المتشابهة ويتركون المُحكمة الواضحة من النصوص.. وكما هو معلوم فإن النصوص الشرعية لا تعارض بينها؛ فهي يفسر بعضها بعضاً ويصدق بعضها بعضاً؛ فبعض هؤلاء يدعون العلم وهم دون ذلك، بل هم مقلدون، ومذهبهم مذهب العالم الرباني الذي يستفتونه، ولا يسوغ لهم الاجتهاد في الأحكام الشرعية بدون علم ولا بصيرة، ولا الاختيار بين أقوال أهل العلم بالتشهي والهوى.

 

كذلك فإن بعضهم  يجعل مجرد الخلاف في مسألة دليلاً على جوازالأخذ بأي رأي، وهذا مسلك خاطئ يقع فيه كثير من الناس فليس كل خلاف له حظ من النظر؛ فالمعول عليه هو الدليل من الكتاب والسنة، والمستدل ليس كل أحد بل هو العالم الرباني أو طالب العلم العالِم بالأحكام وطرق استنباطها من الأدلة، أما المقلد كهؤلاء فمذهبه مذهب العالم الذي يستفتيه - كما تقدم - وإذا كانت المسألة من الأمور العامة التي تتعلق بالأمة كأمور الحرب والسلم والجهاد والمعاهدات ونحو ذلك فقد جعل ولي الأمر للناس هيئة مختصة في الإفتاء؛ فالفتوى منها ترفع الخلاف لمصلحة توحيد الأمة وعدم تفرقها، ولا يسوغ بعد ذلك الخروج عن رأيها بحجة أن المسألة خلافية؛ لأن ذلك من شأنه أن يُدخل الأمة في الفوضى والاختلاف.

 

كذلك فإن بعضهم يستدل بالعقل في أمور قد حسمها الشرع، والعقل وسيلة لفهم النصوص الشرعية وليس دليلاً مستقلاً؛ فالاستدلال بالنصوص الشرعية لا بالعقل والرأي المجرد، ولا يجوز تقديم العقل على النص الشرعي، كذلك فإن بعضهم يتخذ الجدل والمناظرة في الصحف وغيرها وسيلة لترويج ما عندهم من أفكار وشبه، وأهل الحق لا يلجؤون للخصومات والمراء والجدال بل يبينون الحق بدليله، وإذا وصل الأمر إلى حد المراء والتخاصم كفوا ألسنتهم وأقلامهم.

 

وأخيراً فيجب أن يُعرف لأهل العلم فضلهم، وإن إجلالهم هو من إجلال الله تعالى، والذب عنهم هو ذب عن شريعته عز وجل؛ لأنهم ورثة الأنبياء، بهم يُعرف الحلال من الحرام، والحق من الباطل، يذكّرون الغافل، ويعلّمون الجاهل، بهم تحيا قلوب أهل الحق، وتموت قلوب أهل الزيغ والضلال، مثلهم في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدي بها الناس، إذا ظهرت أبصروا، وإذا انطمست تحيروا، حياتهم غنيمة، وموتهم مصيبة، فما أحسن أثرهم على الناس وما أقبح أثر الناس عليهم.

نسأل الله تعالى أن يحفظ علماءنا وولاة أمرنا ويوفقهم لما فيه خير البلاد والعباد، ويكفينا شر الأشرار وكيد الفجار.. إنه ولي ذلك القادر عليه.