إن الله تعالى أثنى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في كتابه، وقرن ذلك بالثناء على الذين معه من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، قال الله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [سورة الفتح: 29].
ذلك لأن الله تعالى يجعل لأنبيائه عليهم الصلاة والسلام من الحواريين والأصحاب من يؤمنون به وينصرونه، وينشرون رسالته في الآفاق، قال تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [سورة آل عمران: 145].
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه)(1).
خير أصحاب لخير نبي:
ولما كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خير الأنبياء والمرسلين اختار الله له سبحانه خير الأتباع والأصحاب، قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} [سورة آل عمران: 112].
و قال صلى الله عليه وسلم: (قال خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)(2).
وقد رضي الله عنهم وغفر لهم ذنوبهم ووعدهم جنته ورضوانه قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [سورة التوبة: 100].
وقال سبحانه: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} [سورة الفتح: 15].
الصحابة على خطى الحبيب
إن الدين الصحيح والصراط المستقيم هو ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق، وهو الإيمان بالله تعالى وتوحيده سبحانه، وعبادته وطاعته عز وجل، وكذلك تحكيم شرعه في كل شؤون الدين والدنيا، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [سورة التوبة: 33].
وعلى ذلك اتبعه أصحابه رضي الله عنهم، فآمنوا به وصدقوه في كل ما جاء به من عند الله عز وجل، كما قال جل جلاله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} [سورة محمد: 2].
وجاهدوا رضي الله عنهم معه بأموالهم وأنفسهم لنصرته، قال تعالى {فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة الأعراف: 157].
فقال له المهاجرون يوم بدر: (والذي بعثك بالحق، لو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك حتى ننتهي إليه)
وقال له الأنصار: (فامض يا نبي الله لما أردت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت هذا البحر فخضته لخضناه معك ما بقي منا رجل واحد)(3).
ولم يفارق النبي صلى الله عليه وسلم الدنيا ويلتحق بالرفيق الأعلى حتى أقر الله عينه بما غرس في قلوب أصحابه من الإيمان والتقوى، ولذلك وصى أمته من بعده بالتمسك بسنته وسنة الخلفاء المهديين من بعده، (عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ فقال: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)(4).
إن من مقررات عقيدة المسلم الصحيحة وحقائق تاريخ الإسلام الناصعة عدم التفريق بين الإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم واتباع سنته، وتقدير صحابته الكرام واتباع سنتهم.
فسنتهم رضي الله عنهم من سنته، وجهادهم من جهاده، وفضلهم من فضله.
وأي محاولة للتفريق بين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام يعد فسادا في التصور والاعتقاد، وأذية لله ورسوله، وهدما للدين وأركانه، أعاذنا الله وإياكم من ذلك، قال أبو زرعة رحمه الله وقال أبو زُرعة الرازي رحمه الله: (فإذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنّه زنديق. وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدّى إلينا هذا القرآن والسنة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة. والجَّرْحُ بهم أولى وهم زنادقة)(5).
________________
(1) مسند أحمد 1 / 379.
(2) صحيح البخاري 2 / 938 صحيح مسلم 7 /148.
(3) الطبقات الكبرى لابن سعد 2 /14.
(4) سنن أبي داود 4 /329.
(5) تاريخ دمشق لابن عساكر 38 / 33.