شقق التمليك أحكام وضوابط 2/2
22 محرم 1431
د. صالح بن علي الشمراني

 

 المسألة الثالثة: لو عثر على ركاز، أو كنز، أو حُفِرَ بئرُ ماء، أو كُشِفَ عن معدن أو نفط في أرض البنيان أو في فنائها فمن يملكه؟ هل هو لصاحب الدور الأرضي؟ أم للجميع؟ وهل للمؤسس شيء منه.

والجواب: قد تقرر أن الملاك شركاء في أرض البناء يملك كل منهم حقاً مشاعاً منها إذا لم تقبل القسمة، وقد خرجت من ملك البائع (المسوِّق)، ولكن لو عثر في الأرض على ما له قيمة فهل تكون لمالك الأرض الأول الذي أنشأ البناء وسوق الشقق؟ أم تكون لأهل الوحدات كل بنسبة قيمة الجزء الذي يملكه؟
والجواب: لا خلاف أن من ملك أرضاً أن له العلو إلى السماء، واختُلِف فيمن ملك أرضاً هل يملك سفلها (ما تحتها من باطن الأرض) على قولين(1):
الأول: من ملك أرضاً فليس له في باطن الأرض شيء، واستُدل له بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اشتى رجل من رجل عقاراً له، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب، فقال له الذي اشترى العقار: خذ ذهبك مني إنما اشتريت منك الأرض، ولم أبتع منك الذهب. وقال الذي له الأرض: إنما بعتك الأرض وما فيها. فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ قال أحدهما: لي غلام، وقال الآخر: لي جارية. قال: أنكحوا الغلام الجارية، وأنفقوا على أنفسهما منه وتصدقا)(2).
ووجه الدلالة من الحديث أن الحاكم لم يحكم به لأحدهما(3).
القول الثاني: أن من ملك أرضاً ملك ما في بطنها؛ كما يملك ترابها وحجارتها، وهذا الصحيح والله أعلم، وقد يجاب عن الحديث بأنه تم على طريقة الصلح لا الحكم، ثم هو داخل في مسألة شرع من قبلنا.
وإذا قيل إنها تبع للأرض تملك بملكها كما هو الصحيح؛ فإنه إذا بيعت الوحدات العقارية فقد خرجت من ملك المسوق، وخرج ما في باطن الأرض تبعاً لها.
قال ابن قدامة: فإن كان في الأرض معادن جامدة كمعادن الذهب، والفضة، والحديد، والنحاس، والرصاص ونحوها دخلت في البيع، وملكت بملك الأرض التي هي فيها؛ لأنها من أجزائها فهي كتاربها وأحجارها(4)، وإن ظهر فيها ولم يكن يعلمه البائع فلا خيار(5).
وأما البئر تحفر في فناء البناء فإنها ملك الجميع، ولمن حفرها أن يعود على البقية بأجرة الحفر وتكلفة متعلقاتها، وغرمهم فيها وغنمهم منها يكون على وفق نسبة وحداتهم السكنية كما تقدم في المسألة الثانية، ولهم منع من امتنع من الانتفاع بها حتى يؤدي ما عليه كما سيأتي في مبحث الامتناع.
المسألة الرابعة: ضمان الحيطان والسقف الذي بين الوحدتين (الشقتين):
هل هو على رب السفل أم العلو أم بينهما؟ فلو حصل تشقق في سطوح البناء، أو تسرب من دورات المياه فمن يضمنها؟ هل هو صاحب الدور الأعلى؟ أم المتضرر الأسفل؟ أم يكون الضمان بينهما؟
من المعلوم أن حوائط كل شقة ملك صاحبها، ما كان منها في الأدوار السفلى وما كان في الأدوار العليا؛ لأنه المنتفع بها وهي من جملة البيت(6)، ولكل التصرف في حيطان شقته على وجه لا يضر بغيره، فليس لصاحب السفل أن يحدث فيها ما يضعفها ويؤدي إلى سقوط ما فوقها، كما أنه ليس لصاحب العلو الزيادة على حيطانه على وجه يضر بجملة البناء ويضعف تحملها(7).
وأما السقف بين الشقتين فاختلف العلماء هل هو بينهما؟ أم لصاحب السفل؟ أم أنه لصاحب العلو؟ ثلاثة أقوال:
الأول: أنه بينهما وهذا مذهب الشافعية والحنابلة؛ لأنه حاجز بين ملكيهما ينتفعان به كالحائط بين الملكين(8). قال النووي: السقف المتوسط بين سفل أحدهما وعلو الآخر كالجدار بين ملكيهما(9).
الثاني: أنه لصاحب السفل؛ لأن السقف على ملكه؟ وهذا مذهب أبي حنيفة وحكي عن مالك(10). واستُدل لهذا بقوله تعالى: (وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ) (الزخرف:33)، فلما أضاف السقف إلى البيت وجب أن يحكم بالسقف لصاحب البيت (السفل) كما أن الأبواب له(11).
الثالث: أنه لصاحب العلو؛ لأنه يجلس عليه، ويتصرف فيه، ولا يمكنه السكنى إلا به، وهذا محكي عن مالك أيضاً.
والصحيح الأول، وأنه بينهما كلاهما ينتفع به؛ لأنه سماء صاحب السفل يظله، وأرض صاحب العلو تقله، فاستويا فيه(12).
وإذا تبين هذا فضمان تلفه عليهما، ومن تسبب فيه أو في أذى لجاره فعليه ضمانه، فلو حصل لصاحب السفل أذى من أعلى بتسرب مياه الحمام ونحوه فإن القاعدة أن الضرر يزال، وتلزم صاحب العلو إزالته، ومتى تسببت إزالته في تغيير سطح صاحب السفل فيشمل الضمان إعادته على حاله.
المسألة الخامسة: حدود التصرف والتعديل في البناء، وفيها مباحث:
المبحث الأول: التدخل والتصرف والإحداث في البناء زيادة ونقاصناً له جهتان:
الجهة الأولى: أن يكون من أحد الملاك لمصلحة نفسه ووحدته فقط، وله طريقتان:
الطريقة الأولى: أن يطال التدخل وحدة (شقة) الغير، فلا يخلو من حالتين:
الأولى: ألا يكون ثمة ضرر عليه ولا على عامة البناء يستدعي هذا التدخل، وإنما يرغب فقط في تحسين وحدته على وجه قد يضر بمن فوقه أو تحته؛ فكما أن الأصل أن الضرر لا يزال بالضرر فكذلك لا يُمَكَّن من أمر تحسيني يترتب عليه الضرر لغيره، وليس له ذلك إلا بإذن المتضرر من الشركاء، ومتى ما أذن له جاره الأعلى أو الأسفل بذلك فيلزمه إعادة البناء على ما كان عليه.
ويدخل في هذا منعه من الزيادة في وحدته كأن يزيد حماماً أو غرفة فلا يجوز، قال القرطبي: وليس لرب العلو أن يبني على علوه شيئاً لم يكن قبل ذلك إلا الشيء الخفيف الذي لا يضر بصاحب السفل(13).
وقد جاء في الفقرة الثانية من المادة الخامسة الاحتياط لهذه الجزئية، ففيها: لأي مالك بعد موافقة جمعية الملاك أن يحسن على نفقته الانتفاع بالأجزاء المشتركة أو جزء منها دون أن يغير من تخصيصها أو ما يلحق الضرر بالآخرين.
الثانية: أن يكون تدخله ناتج عن ضرر، كأن يحتاج إلى هدم السقف لضرر لاحق به، فالأصل أن الضرر يزال، وليس لهم أن يمنعوه، وعليه إزالة الضرر عنهم، وقد جاء في الفقرة السادسة من المادة الخامسة ما نصه: إذا دعت الضرورة إجراء بعض الأعمال حفظاً لسلامة البناء المشترك أو لحسن الانتفاع بالأجزاء المشتركة أو صيانتها أو ترميمها داخل أي وحدة من هذا البناء فليس لمالكها أو جمعية الملاك معارضة المتضرر في ذلك، على أن تعاد الحال في هذه الوحدة إلى ما كانت عليه على نفقة المباشر فور انتهاء الإصلاحات اللازمة.
الطريقة الثانية: أن يكون التدخل والتصرف في وحدة (شقة) نفسه، فالأصل أن جدران وحدات السفل وإن كانت ملكاً لصاحب السفل لكنه لا يمكنه التصرف فيها على وجه يضر بصاحب العلو؛ لأن منفعتها عامة، ولهم منعه، والأصل في ذلك حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً)(14).
فمتى ما هدم صاحب السفل – سطحه أو حيطانه – على وجه يعرض من في العلو إلى الخطر فإنه يضمن السفل والعلو الساقط معه كما تقدم، وليس على صاحب العلو مساعدته.
قال ابن قدامة: وأيهما هدم الحائط أو السقف فعليه إعادته إلا أن يخاف سقوطه ويجب هدمه فيصير كالمنهدم بنفسه(15).
وقد جاء في نظام الوحدات العقارية ما يتفق مع هذا، ففي الفقرة الخامسة من المادة الخامسة: على صاحب السفل القيام بالأعمال والترميمات العادية لمنع ضرر العلو وسقوطه، وعلى صاحب العلو ألا يحدث في بنائه ما يضر بالسفل، وأن يقوم بالأعمال والترميمات اللازمة لمنع ضرر السفل.
الجهة الثانية: أن يكون التدخل لأجل كامل البناء ومصلحة الجميع، فعندها يكون الهدم والبناء على الجميع بموافقتهم جميعاً، كأن يحدث في المبنى حريق أو سقوط جزء منه يؤول بالبناء كله إلى السقوط أو نحو ذلك، فيشترك الجميع في الضمان كما تقدم في الحائك بين الوحدتين؛ لأن منفعتها للجميع فوجب أن يشتركوا في البناء.
قال ابن قدامة: وإن كان السفل لأحدهما والعلو للآخر فانهدم السقف الذي بينهما فالحكم فيه كالحائط المشترك سواء؛ لأنه ينفعهما فهو كالحائط بينهما(16).
ودفعاً لهذه المفسدة فلازم على كل صاحب وحدة أن يتعاهد شقته بما يمنع إلحاق الضرر بكامل البناء، كأن يمنع تسرب المياه الذي يؤدي إلى هبوط البناء ونحو ذلك، وقد جاء في الفقرة الثالثة من المادة الخامسة: على مالك الوحدة صيانة حصته المستقلة وترميمها – ولو لم يكن ينتفع بها – لدفع الضرر عن الآخرين أو عن الأجزاء المشتركة.
 
المبحث الثاني: طريقة البناء:
يمكن أن يكون للبناء طريقتان:
الأولى: أن يشترك جميع الملاك في القواعد والأساسات، ثم يستقل كل صاحب وحدة ببناء وتكلفة وحدته، وما كان مشتركاً بين اثنين من حيطان ودرج فهو بينهما، وكل أهل طبقة يتحملون كلفة الدرج إليهم.
الطريقة الثانية: أن يكون البناء بين الجميع كل حسب قيمة وحدته كما ترجح في المسألة الثانية، فصاحب الوحدة (الشقة) التي تكون على واجهة البناء وفي المكان المميز منه تحتمل أكثر من غيرها بغض النظر عن المساحات، فكما يغنم لو باعها بأكثر مما يبيع غيره فكذلك يغرم في البناء والصيانة أكثر من غيره، والله تعالى أعلم.
 
المبحث الثالث: الامتناع:
وإذا امتنع أحدهم فلا يخلو الممتنع إما أن يكون صاحب السفل، أو صاحب العلو. فإن كان صاحب العلو فهل يملك صاحب السفل إجباره على مباناته؟
روايتان عن أحمد هما قولان عند الحنفية(17):
الأولى: لا يجبر؛ لأنه ملكه خاصة، وهذا مذهب الشافعية قولاً واحداً؛ لأن حيطان السفل لصاحب السفل، فلا يجبر صاحب العلو على بنائه(18).
والثانية: يجبر؛ لأنهما ينتفعان به فأشبه الحائط المشترك.
وأما إن كان الامتناع من صاحب السفل فليس له منع صاحب العلو من بنائه إن أراده، ولكن هل لصاحب العلو إجباره على البناء؟ فيه قولان عند الشافعية والحنابلة صحح في الإنصاف الإجبار(19)، وهو مذهب المالكية(20).
قال الدسوقي في حاشيته: من اشترى علواً على سفل فيلزم صاحب الأسفل إذا انهدم إعادته؛ لأجل أن يتمكن صاحب الأعلى بالانتفاع(21).
ولو قيل بعدم الإجبار فبناه أحدهما فهل للباني أن يمنع شريكه من الانتفاع؟ فإن كان الممتنع صاحب السفل فيمنع من سكناه حتى يدفع نصيبه أم لا؟ قولان لأحمد: الأول: أن له أن يمنعه، صححه في الفروع، وقال في الإنصاف: الأولى المنع(22).
قال أحمد رحمه الله: لا ينتفع به صاحب السفل حتى يؤدي القيمة(23).
الثاني: عدم المنع، وهو مذهب الشافعية، وعليه فلصاحب السفل السكنى في المعاد؛ لأن العرصة ملكه، وليس له الانتفاع به بفتح كوة وغرز وتد ونحوهما، وللأعلى هدمه؛ لأنه ملكه(24).
ومتى ما امتنع صاحب السفل فأقيم البناء فليس له مطالبة من بنى بأجرة مقابل البناء فوقه؛ لأنه لا يملك البناء وقراره لا ينتفع به من في العلو، والله أعلم.
وإن كان الامتناع من صاحب العلو فبنى صاحب السفل فله منع صاحب العلو من الانتفاع بالبناء على السطح حتى يؤدي ما عليه من تكلفة الأساسات والقواعد لاشتراكهم فيها.
المسألة السادسة: ضمان العمر الافتراضي للبناء:
حينما يقوم المؤسس ببيع جميع الوحدات السكنية (الشقق) ويخلي يده من المبنى فهل تبقى جودة البناء من حيث الأساسات والتحمل في ضمانه مدة معينة؟ أم أن البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، ويصبح البناء من حين التفرق في ضمان الملاك الجدد؟
وتوضيح ذلك بحيث ما لو انهدم البناء في أقل من عمره المفترض والذي يحدده أهل الاختصاص، فهل يعود ملاك الشقق على المؤسس بشيء؟
وسبب هذا أن بعض المشاريع تتعرض للفناء في مدد قصيرة قبل نهاية عمرها الافتراضي(25).
ولا شك أن سقوط البناء أو تهيؤه للسقوط عن طريق التشقق والتصدع على وجه يفوت الانتفاع به أنه عيب مؤثر فيه؛ إذ إن كل صفة تنقص بها قيمة العين عند أهل العرف فهي عيب(26)، والأصل أنه متى ما علم المشتري بالمبيع عيباً لم يكن عالماً به فله الخيار بين الإمساك والفسخ، سواء كان البائع علم العيب وكتمه أو لم يعلم، قال ابن قدامة: لا نعلم بين أهل العلم في هذا خلافاً(27).
ولكن يبقى النظر في هذا الحادث هل يثبت به خيار العيب؛ لأنه مؤثر يفوِّت الانتفاع، أم لا يثبت؛ لأن يد البائع قد أخليت وأصبح البناء في ضمان المشتري؟
والجواب: لم أجد ببحثي القاصب من ينص من الفقهاء على هذه المسألة بعينها، ولكن بالنظر في كلامهم وتأصيلهم في العيوب المؤثرة وأحكام الرد يمكن أن تُجعَل كما قال ابن رشد كالقانون والدستور الذي يعمل عليه فيما لم يجد فيه نصاً عمن تقدمه، أو فيما لم يقف على نص فيه لغيره(28).
وبالنظر في هذه المسألة نجد أن هذا الحادث (وهو السقوط أو التصدع) الحاصل بعد العقد وتمليك الشقق لا يخلو من حالتين(29):
أولاهما: أن يستند حدوثه إلى سبب بعد القبض، فعندها لا يكون للمشتري خيار الرد والضمان عليه(30)، ومثاله هنا أن يحدث انهيار في الأرض كما قد يحصل في الأراضي الملحية ونحوها، أو خسف، أو هزة أرضية طبيعية، أو هزة ناتجة عن تفجير ونحوه من العوارض الخارجية، أو أمطار أو فيضانات لا يحتملها مثل هذا البناء في العادة، أو كان مثل هذا البناء بشهادة أهل الاختصاص يحتمل التعرض للسقوط والتلف في مثل هذه المدة، فليس لملاك الشقق أن يرجعوا على المؤسس بشيء، ولا ضمان عليه؛ لأن الشقق صارت في يدهم وضمانهم.
قال ابن رشد: ولا خلاف بين المسلمين أنه من ضمان المشتري بعد القبض إلا في العهدة والجزائح(31).
ثانيهما: أن يستند حدوثه إلى سبب قبل العقد، وكان هذا السبب ناتجاً عن تدليس البائع وغشه كرداءة البناء وسوء تنفيذه؛ فلا يخلو من حالتين:
الحالة الأولى: أن يعلم المشتري بذلك ويرضى به فلا خيار له حينئذ(32).
الحالة الثانية: أن لا يعلم المشتري بهذا العيب(33)؛ فلا يخلو عقد التمليك من ثلاث طرق:
الطريقة الأولى: أن ينص في العقد على أن البائع يضمن البناء مدة معينة ولا يضمن بعدها، فلا إشكال في هذه الحالة، فإن حصل انهدام أو انهيار في البناء كله أو في جهة منه يتعذر مع وجودها الانتفاع به وكان ذلك في مدة الضمان فإن المسوق يضمن، ولملاك الشقق الرجوع عليه بقيمة وحداتهم(34)، وإن حصل ذلك بعد مدة الضمان التي رضيها الطرفان فلا يضمن المسوق.
الطريقة الثانية: ألا يُنص في عقد التمليك على مدة معينة للضمان، فمتى ما آل البناء إلى التصدع أو السقوط الناتج عن تقصير المؤسس للمشروع (المسوق) فإنه يضمن(35).
الطريقة الثالثة: أن يبيعه على البراءة من كل عيب، فهل يبرأ أم لا؟ ثلاثة أقوال لأهل العلم هي روايات عن الإمام أحمد ووجوه عند الشافعية، والرجوع فيها إلى اجتهاد القاضي، وأتركها لينظر فيها(36).
المسألة السابعة: حق الشفعة بين ملاك الشقق:
الشفعة هي: استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه المنتقلة عنه من يد من انتقلت إليه، وهي ثابتة بالسنة والإجماع(37).
وحيث كان الكلام بخصوص شقق التمليك فإذا باع أحدهم وحدته (شقته) فهل تثبت الشفعة لأحدٍ من ملاك الشقق في نفس البناء؟ وإذا قيل بثبوتها فهل إذا باع من في العلو هل يملك من في السفل الشفعة؟ أو باع من في السفل هل يملك من في العلو الشفعة؟ ومن هو أولى بها هل هو من فوقه أو تحته أم المجاور له في الحائط في نفس الدور؟
وقبل الإجابة يحسن التنبيه على أن الفقهاء اختلفوا فيمن تجب له الشفعة على قولين:
الأول: أنها لا تجب إلا للشريك غير المقاسم، وهذا مذهب الجمهور من المالكية، والشافعية، والحنابلة(38).
الثاني: الشفعة مرتبة: فتجب للشريك غير المقاسم، ثم للشريك المقاسم، ثم للجار الملاصق(39).
وقد اتفقوا على أن الشفعة تكون في العقار وما يكون تبعاً للأرض من البناء والغراس. قال ابن قدامة: ولا نعرف فيه بين من أثبت الشفعة خلافاً(40).
وملاك الشقق بينهم جوار من جهة، ومن جهة أخرى بينهم شركة لاشتراكهم في الأرض والسماء والمرافق العامة، واشتراك بعضهم في الحيطان والأسقف، فالشفعة تثبت على قول الحنفية بلا إشكال لحصول الجوار والملاصقة والشركة في الأرض وبعض المرافق؛ فيثبت حق الشفعة لكل منهما على الآخر(41).
وهل تثبت على قول الجمهور لوجود الشركة في الأرض؟ أم لا تثبت؛ لحصول القسمة، واستقلال الوحدات عن بعضها، احتمالان(42):
وجه المنع أن شبههما بالجارين أكبر من كونهما شريكين، ولحصول الاستقلال في كل وحدة؛ ولأن كلا منها بناء منفرد، ولأن الأرض تبع للبناء لا العكس.
ووجه ثبوت الشفعة حصول الشركة في المشاع وهو الأرض.
وإذا كان القول بثبوت الشفعة للجار له وجهه، فالقول بثبوتها هنا مع الشركة في الأرض وجيه جداً؛ لاتصال الملك اتصال تأبيد وقرار، وللخلطة في الطريق والمداخل.
وإذا ثبت حق الشفعة فمن هو أولى بها من ملاك الشقق الأخرى؟
والجواب: أنها تكون للأقرب فالأقرب:
1-             فتكون للخيط في نفس المبيع، كأن يكون معه شريك في الوحدة العقارية (الشقة).
2-             ثم تكون للخليط في حق المبيع، وهو من يشترك معه في الطريق (الدرج) ونحوه.
3-             ثم تكون للملاصق.
4-             ثم للجار المقابل.
5-             ثم الأقرب فالأقرب.
فإذا بيع شقة في الدار المكونة من ثلاثة أدوار وكان البائع صاحب الأرضي أو العلوي فالشفعة للأوسط، وإن كان البائع الأوسط فبين السفلي والعلوي(43).
ولو كان هناك شقتان متلاصقتان إحداهما مع الشقة المباعة في نفس الدور يلتصقان في الجدار، والأخرى أسفل أو أعلى منها يلتصقان في السطح فأيهما يكون أولى بالشفعة؟ هل تكون بين صاحب العلو والسفل؟ أم تكون للملاصق في نفس الدور؟ فيه احتمال ومرد ذلك والله تعالى أعلم إلى حصول الضرر، وكل ما كان أكثر اتصالاً كان أخص ضرراً وأشد فكان أحق بها؛ لقوة الموجب لها، فليس للأضعف أن يأخذه مع وجود الأقوى إلا إذا ترك فله أن يأخذ إن شهد(44).
المسألة الثامنة: جمعية الملاك:
جاء في المادة التاسعة من نظام الوحدات العقارية أن على الملاك الذين تجاوز عددهم خمسة لوحدات تزيد عن عشر أن يكونوا بينهم جمعية لمصلحة العقار تتمتع بشخصية معنوية، ولها ذمة مالية مستقلة، وتكون موارد هذه الجمعية في الأساس على حساب الملاك، وتقوم الجمعية بوضع لوائح لضمان حسن الانتفاع بالعقار المشترك وحسن إدارته، وتتخذ القرارات الملزمة بالأغلبية، وحيث إن المصلحة العامة تقتضي هذا فإنه أمر حسن ينقطع به النزاع، على أن ينبه كل مالك عند تملكه بما له وما عليه حتى يدخل في هذا العقد على بينة من أمره تمنع الغرر وتزيل الضرر، وأن يتم اختيار المدير والأعضاء يطرق نزيهة.
 
_________________
(1)        الجامع للقرطبي 16/75.
(2)        متفق عليه: رواه البخاري ك أحاديث الأنبياء ح 3285، ومسلم ح 1721.
(3)        فيأخذ حكم الركاز إن علم أنه من دفن الجاهلية، أو يكون لقطة، وإن جهل حاله وضع في بيت المال. فتح الباري 6/635.
(4)        المغني 6/145.
(5)   هذا إن كان قد ملكها بالبيع أما فيما لو ملكها (المسوق) بالإرث أو الإقطاع فله الخير لما روى أبو عبيد في الأموال 338 أن بني بلال بن الحارث باعوا من عمر بن عبد العزيز أرضاً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقطعها بلالاً، فظهر فيها معدن، فأتوا عمر وقالوا: إنما بعنا الأرض ولم نبع المعدن، وأتوا عمر بن عبد العزيز بالكتاب الذي فيه قطيعة النبي صلى الله عليه وسلم لأبيهم، فأخذه عمر فقبله وجعل يمسحها على عينيه، ورد عليهم المعدن.
ويحتمل هنا ألا خيار له؛ لأن الأرض قد أحدث فيها البنيان، وقد يحمل من عمر على التورع والإيثار، والله أعلم.
(6)        المغني 7/44.
(7)        الجامع للقرطبي 16/75.
(8)        المغني 7/44-45، الإنصاف 5/271.
(9)        روضة الطالبين 4/226.
(10) المغني 7/44-45، البحر الرائق 7/30، مواهب الجليل 5/147.
(11) الجامع للقرطبي 16/74.
(12) المغني 7/44-45.
(13) الجامع للقرطبي 16/75.
(14) رواه البخاري ح 2361.
(15) الكافي 2/216.
(16) الكافي 2/216.
(17) الكافي 2/216، البحر الرائق 7/30، شرح فتح القدير 7/323.
(18) المهذب 1/337، روضة الطالبين 4/216، البيان 6/271.
(19)فإن قيل: يجبر ألزمه الحاكم، فإن لم يفعل وله مال باع الحاكم عليه ماله وأنفق عليه، وإن لم يكن له مال اقترض عليه، فإذا بنى الحائط كان الحائط ملكاً لصاحب السفل؛ لأنه بنى له، وتكون النفقة في ذمته، ويعيد صاحب العلو غرفته عليه، وتكون النفقة على الغرفة وحيطانها من ملك صاحب العلو دون صاحب السفل؛ لأنها ملكه لا حق لصاحب السفل فيه. المهذب 1/337، البيان 6/271، مغني المحتاج 2/190، المحرر 1/343، الفروع 4/215، الإنصاف 5/271.
(20) المدونة 14/522، مواهب الجليل 5/147، الجامع للقرطبي 16/75.
(21)حاشية الدسوقي 3/15، وفي الشرح الكبير: فإن سقط الأعلى على الأسفل فهدمه أجبر رب الأسفل على البناء أو البيع ممن ينبي ليبني رب العلو علوه عليه، الشرح الكبير 3/266، وانظر: مواهب الجليل 5/144.
(22) المحرر 1/343، الفروع 4/215، الإنصاف 5/271.
(23) الكافي 2/216.
(24) البيان 6/271، مغني المحتاج 2/190.
(25)وقد نشرت الصحف خبر مدرسة حديثة تعرضت للتصدع الذي أوجب تخليتها من الطلاب وعمرها لم يزد على ثلاث سنوات، جريدة الوطن 18 أو 19/5/1428هـ.
(26) البيان 5/279، المغني 6/235.
(27) المغني 6/225.
(28) بداية المجتهد 3/1247.
(29) البيان 5/278.
(30)سواء حدث هذا خلال ثلاثة أيام أو بعدها خلافاً لقتادة حيث يثبت له الخيار في مدة العهدة عنده وهي ثلاثة أيام، ولمالك عهدتان في الرقيق خاصة. بداية المجتهد 3/1248، المغني 6/233، البيان 5/278.
وأما إذا باعه الشقة على أنه بالخيار مدة معلومة فلا يخلو الأمر من ثلاث حالات:
الأولى: أن يردها في مدة الخيار قبل حدوث العيب فلا إشكال ولا ضمان عليه، قال ابن قدامة في ثبوت الرد بالعيب أو فيما لو شرط لنفسه الخيار مدة معلومة: لا خلاف بين أهل العلم في ثبوت الرد بهذين الأمرين. المغني 6/30.
الثاني: أن يحدث العيب في مدة الخيار ويكون المشتري قد استغل الشقة خلال مدة الخيار فضمان البناء عليه لانقطاع الخيار بالاستعمال. البيان 5/44، المغني 6/18.
الثالث: لم يكن استغلها بعد ولا زالت في مدة الخيار فهل يكون ضمانها عليه؟ ثلاثة أقوال للعلماء:
القول الأول: أن له الرد ولا شيء عليه، والبناء في ضمان البائع، سواء كان الخيار لهما أو لأحدهما، وهذا ظاهر ما في المدونة حيث جاء فيها: 14/441: قلت: أرأيت إن اشتريت داراً على أني بالخيار ثلاثاً فانهدمت في أيام الخيار أيكون لي أن أردها أم لا في قول مالك؟ قال: نعم لك أن تردها عند مالك ولا يكون عليك فيما انهدم منها شيء. وانظر بداية المجتهد 3/1312.
القول الثاني: ليس له خيار الرد؛ لأنها صارت في ضمانه بمجرد العقد وهلكت وهي في يده، وكما أن خراجها له فضمانها عليه، وهذا مذهب الحنابلة، وأحد أقوال الشافعي. المغني 6/23، البيان 5/40، بداية المجتهد 3/1312.
القول الثالث: أنها من ضمان البائع إلا أن يكون الخيار للمشتري وحده فيكون الضمان عليه، وهذا مذهب أبي حنيفة. الهداية مع نصب الراية 4/17.
(31) بداية المجتهد 3/1266. والعهدة مرت في الهامش السابق.
(32) البيان 5/289.
(33)لأن الأصل في شراء البيوت والدور الاكتفاء برؤية ظواهرها، ولا يشترط رؤية أساس البناء. روضة الطالبين 3/371، مغني المحتاج 2/20، البحر الرائق 6/31، بدائع الصنائع 5/294.
(34)وما كان من استغلال للمبيع فهو مقابل الضمان، ولا يعطي المشتري المالك في مقابل ذلك شيئاً؛ قال ابن قدامة: ولا نعلم في هذا خلافاً. المغني 6/226، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (الخراج بالضمان). رواه الترمذي في البيوع، باب ما جاء في من يشتري عبداً فيستغله ثم يجد به عيباً، وقال: هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم، ورواه أبو داود في البيوع، باب في من اشترى عبداً فاستغله ثم وجد به عيباً.
(35)وللمشتري عند مالك وأحمد وإسحاق وطائفة الخيار بين أن يمسك أو يرد المبيع ويأخذ الثمن كاملاً أو يمسك ويأخذ أرش العيب، وعند الحنفية والشافعية ليس له إلا الإمساك أو الرد وأخذ الثمن. بداية المجتهد 3/1252، المغني 6/229، الهداية شرح البداية مع نص الراية 4/25، البيان للعمراني 5/278.
(36)الأولى: يبرأ من كل عيب، وهو مذهب الحنفية، والثانية: يبرأ من كل عيب لم يعلمه وهو مذهب مالك، والثالثة: لا يبرأ إلا أن يعلم المشتري بالعيب. المغني 6/265، البيان 5/325، الهداية شرح البداية مع نصب الراية 4/30، بداية المجتهد 3/1262.
(37) المغني 7/435.
(38) مواهب الجليل 5/312، المغني 7/436، بداية المجتهد 2/1403، الكافي 2/232، المهذب 1/376، الوسيط 4/72.
(39) بداية المبتدئ 1/207، البحر الرائق 8/143.
(40) المغني 5/180، وانظر: المهذب 1/377، البحر الرائق 6/198، الهداية 4/35.
(41) الهداية 4/35، البحر الرائق 8/157.
(42)التاج والإكليل 5/319، حاشية الدسوقي 3/481، المهذب 1/377، النجم الوهاج 5/223، مغني المحتاج 2/297، والحنابلة كشاف القناع 4/140.
(43) فتاوى السغدي الحنفي 1/500.
(44) البحر الرائق 8/143.