الخصم على التاجر في بطاقات الائتمان
11 ربيع الثاني 1434
عبد المجيد اليحيى

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. أما بعد :
فهذا بحث موجز في مسألة "حكم الخصم على التاجر في بطاقات الائتمان" وقد جعلت هذا البحث في تمهيد ومبحثين، وقسمته على النحو التالي:
التمهيد، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول : تعريف بطاقة الائتمان .
المطلب الثاني: تعريف التاجر في اصطلاح البطاقات الائتمانية .
المطلب الثالث: المنافع التي يجنيها التاجر من قبوله بطاقة الائتمان.

المبحث الأول: في التخريج الفقهي (التكييف الفقهي) لمسألة الخصم على التاجر في بطاقة الائتمان.

المبحث الثاني: حكم الخصم على التاجر في بطاقة الائتمان .

هذا والله أسأل أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه
وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

الباحث عبد المجيد بن عبد الله اليحيى

التمهيد، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول : تعريف بطاقة الائتمان :
عرف مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة بطاقة الائتمان بأنها " مستند يعطيه مُصْدِره لشخص طبيعي أو اعتباري، بناء على عقد بينهما يمكنه من شراء السلع أو الخدمات ممن يعتمد المستند، دون دفع الثمن حالاً لتضمنه التزام المُصْدِر بالدفع" ، ومن أنواع هذا المستند ما يٌمَكِّن من سحب نقود من المصارف .
ولبطاقات الائتمان صور:
1- منها ما يكون السحب أو الدفع بموجبها من حساب حاملها في المصرف وليس من حساب المُصْدِر، فتكون بذلك مغطاة، ومنها ما يكون الدفع من حساب المُصْدِر ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية .
2- منها ما يفرض فوائد ربوية على مجموع الرصيد غير المدفوع خلال مدة محدودة من تاريخ المطالبة، ومنها ما لا يفرض فوائد .
3- أكثرها يفرض رسماً سنوياً على حاملها ، ومنها ما لا يفرض فيه المُصْدِر رسماً سنوياً(1).
وهذا التعريف يشمل أنواع بطاقات الائتمان جميعاً، وسوءاً كانت مغطاة أو غير مغطاة .
وعرف المجمع أيضاً البطاقات الائتمانية غير المغطاة بأنها "مستند يعطيه مُصْدِره (البنك المُصْدِر) لشخص طبيعي أو اعتباري (حامل البطاقة) بناء على عقد بينهما يمكنه من شراء السلع أو الخدمات ممن يعتمد المستند (التاجر) دون دفع الثمن حالاً ؛ لتضمنه التزام المُصْدِر بالدفع، ويكون الدفع من حساب المُصْدِر ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية، وبعضها يفرض فوائد ربوية على مجموع الرصيد غير المدفوع بعد مدة محددة من تاريخ المطالبة، وبعضها لا يفرض فوائد" (2) .
المطلب الثاني: تعريف التاجر في البطاقات الائتمانية:
التاجر في البطاقات الائتمانية هو "المؤسسة أو المحل التجاري أو أي جهة تعتمد قبول البطاقة في عمليات الشراء من محلها، أو تقديم الخدمة المطلوبة باستخدام البطاقة بدلاً من النقد" (3).
ويمكن أن يعرف بأنه كل جهة اتفق معها مُصْدِر بطاقة الائتمان (أو بنك التاجر) على حسم نسبة معينة من المبالغ المستحقة لها على حامل البطاقة، وبمعنى أعم التاجر هو القابل لبطاقة الائتمان بدلاً من النقود .
المطلب الثالث: المنافع التي يجنيها التاجر من قبوله لبطاقة الائتمان:
يجني التاجر منافع كثيرة من قبوله للتعامل ببطاقات الائتمان، منها :
1- الزيادة في المبيعات، وذلك لأن حاملها لا ينظر إلى الإنفاق بها مثل الإنفاق بالنقود الورقية، وهناك دراسة اقتصادية دلت على أن الزبون الذي يستخدم البطاقة ينفق على السلع والخدمات أكثر من الزبون الذي يستخدم النقود الورقية بثمانية عشر بالمائة (4).
2- توفير وتقليل تكلفة حفظ الأموال التي يحصل عليها التاجر، وانعدام مشكلات النقود الورقية، مثل: التزوير والسرقة وانعدام مشكلات الشيكات الشخصية، مثل: التزوير وعدم الرصيد، وكذلك التخلص من كثير من السرقات التي تتم من المحاسبين الميدانيين للمحلات؛ لأنها لا تجعل للمحاسب الفرصة في الحصول على النقود الورقية أو حتى رؤيتها (5).
3- الاستفادة من الحملات الدعائية التي ينظمها مُصْدِرو البطاقة، وذلك بإدراج اسمه في الدليل الذي يوزعه المُصْدِر على حاملي البطاقة ( 6).
4- التخلص من عبء كبير، وهو عبء متابعة ديون الزبائن والعملاء، وتحمل مُصْدِر البطاقة والبنوك المشاركة معه لذلك (7).

5- ضمان مُصْدِر البطاقة للتاجر تغطية حقوقه الناشئة من استعمال بطاقة الائتمان (8).

المبحث الأول
التكييف الفقهي لخصم مُصْدِر البطاقة على التاجر
قبل البدء في إيراد التكييفات الفقهية لهذه المسألة لابد من تبيين صورة المسألة، وهي:
أن يشترط المُصْدِر لبطاقة الائتمان على التاجر في الاتفاقية المبرمة بينهما نسبة مئوية محددة، يقتطعها من فاتورة التاجر تتراوح عادة ما بين 1-5% من الفاتورة، بحسب النشاط الذي يزاوله التاجر ونوعه وحجمه (9).
أما التكييف الفقهي للمسألة فقد تعدد ويمكن إجماله فيما يلي:
التكييف الأول : كٌيِّفَت النسبة التي يقتطعها مُصْدِر البطاقة من فاتورة التاجر على أنها أجرة سمسرة؛ وذلك لأن المُصْدِر يرسل زبائن إلى التاجر على أن يتقاضى منه أجراً عن كل زبون يصل إلى التاجر، وقال بهذا التخريج الدكتور رفيق المصري (10 ) ووهبة الزحيلي (11) ومحمد تقي العثماني (12) وعبد الستار أبو غدة (13)، وبه أخذت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في البحرين (14).
التكييف الثاني: كٌيِّفَت أيضاً على أنها جعالة، وذلك أن التاجر جعل للمُصْدِر هذه النسبة من الفاتورة، وقال به رفيق المصري (15). ونزيه حماد ( 16).
التكييف الثالث: وكٌيِّفَت على أنها أجرة على وكالة أو وكالة بأجر؛ وذلك لأن التاجر حينما يبيع لحامل البطاقة يبيعه بدون أن يتسلم منه الثمن، فهي عملية مداينة، والتاجر يَكِل إلى مُصْدِر البطاقة أمر تحصيل هذه الديون، فهو يدفع عمولة على تحصيل هذا الدين.
وبمعنى آخر هو عمولة على تحصيل الثمن من العميل حامل البطاقة لدفعه إلى أصحاب المحلات والخدمات، مع مراعاة أن العملية فيها تقديم وتأخير اقتضاها سهولة أداء المهمة المزدوجة، وهي تحصيل الفواتير وأداء المبالغ لمستحقيها، حيث يبادر مُصْدِر البطاقة بدفع مبلغ الفاتورة للتاجر من جيبه، ثم يُحَصِّل المبلغ من حامل البطاقة؛ وذلك لضبط التزامات مُصْدِر البطاقة مع أصحاب البضائع والخدمات؛ إذ لا يستطيع مُصْدِر البطاقة ضبط مواعيد التحصيل من العملاء، في حين أنه يمكنه التحكم فيما يدفعه من عنده ثم يقوم بتحصيله، وقال بهذا التكييف عبد الستار أبو غدة (17) ووهبة الزحيلي (18) وعبد الوهاب أبو سليمان (19) وبه أخذت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في البحرين (20).
التكييف الرابع : وكٌيِّفَت أيضاً على أنها أجرة مقابل الخدمات التي يقدمها مُصْدِر البطاقة، ومن هذه الخدمات :
1- خدمة المتابعة والتدقيق وتحصيل إيصالات العمليات للعملاء من التجار وحملة البطاقات.
2- المطبوعات وشرائط التحبير التي يوفرها البنك الذي تعاقد معه التاجر لأماكن نقاط البيع عند التجار وشراء الأجهزة والبرامج وصيانتها.
3- خدمة الهاتف .
4- إتاحة الخدمة من المنظمة العالمية، ويترتب على ذلك إيجار شهري يدفعه بنك التاجر(21)، وغيرها من الخدمات، وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الخدمات قد يقدمها البنك المُصْدِر للبطاقة، وقد يشاركه بنك التاجر وهو البنك الذي يتعامل معه التاجر .
وقال بهذا التكييف عبد الوهاب أبو سليمان (22)، وأخذت به الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية في قرارها رقم 464 في 19/3/1422هـ وفيه "لا مانع من أن تأخذ الشركة من قابل البطاقة نسبة من مبيعاته حسب ما يجري الاتفاق عليه، بناء على أن ذلك مقابل الخدمات المقدمة والمصروفات الفعلية، وليس مقابل الضمان" (23).
التكييف الخامس: كٌيِّفَت أيضاً على أنها من باب مصالحة الضامن (البنك المُصْدِر) للمضمون له (التاجر) على حط شيء من الدين والرجوع على المضمون عنه (حامل البطاقة) بما ضمن لا بما أدى وهو جائز في مذهب الحنفية يقول الدكتور نزيه حماد: "فعندما يطالب التاجر (المكفول له) البنك المُصْدِر بسداد دين مستخدم البطاقة فإنه يبادر بالوفاء الفوري بعد اقتطاع الحطيطة من الدين التي وعده بالمصالحة على حطها عنه في الاتفاقية المبرمة بينهما ثم يعود الكفيل (مُصْدِر البطاقة) على حاملها بما كفل من الدين الذي لزمه بعقد الشراء أو الاستئجار لا بما أدى عنه، وهذه المسألة مقبولة من الناحية الشرعية بناء على ما ذهب إليه الحنفية على الصحيح المفتى به في المذهب من أن الكفيل بأمر المدين إذا صالح المكفول له على أن وهب له بعض الدين أو أكثره فإنه يعود على المكفول بما ضمن لا بما أدى" (24) .
وقال بهذا التكييف نزيه حماد (25) ومحمد القري (26) .
التكييف السادس: وكٌيِّفَت أيضاً على أنها أجرة على الحوالة بناء على أن العقد في بطاقات الائتمان بين الأطراف الثلاثة مُصْدِر البطاقة وحاملها والتاجر عقد حوالة قال الدكتور وهبة الزحيلي: "… إنها من قبيل الحوالة واليوم الحوالات المصرفية كلها تكون مقابل أجر فيمكن أن نعدها من هذا القبيل…" (27) .
وقال به وهبة الزحيلي (28) وعبد السلام العبادي (29) والشيخ حمزة (30) .
التكييف السابع: وكٌيِّفَت أيضاً على أنها من باب الخصم في الكمبيالة أو خصم الأوراق التجارية يقول الدكتور محمد علي القري ابن عيد: "… ولكن اقتطاع المُصْدِر لنسبة مئوية من قيمة الفاتورة لنفسه يدخل في العلاقة المذكورة – وهي أنها عقد حوالة – قدراً من التعقيد فهي تصبح شبيهة إلى حد كبير بخصم (حسم) الأوراق التجارية إذ يمكن تصور أن الفاتورة التي وقع عليها المشتري هي كمبيالة مستحقة الدفع يقوم التاجر بحسمها لدى البنك (المُصْدِر) مقابل نسبة 3% (أو أقل أو أكثر)، ومما يرجح هذا الاحتمال اشتراط بعض الشركات على التجار الرجوع إليهم في حالة رفض العميل (حامل البطاقة) دفع المبلغ الذي دفع إلى التاجر" (31)،
وقال به محمد علي القري (32) ووهبة الزحيلي (33).
والشيخ حمادي (34) وقال: "ثم أيضاً إن حقيقة ما يقتطعه البنك من فاتورة الشراء قد يشبه خصم الكمبيالة المحرم، وهي نوع من المعاملة فيها الربا الخفي المبطن …" (35) .
ويظهر أن القائلين بهذا القول يرون حرمة هذه النسبة التي يقتطعها البنك من التاجر .
التكييف الثامن: وكٌيِّفَت أيضاً على أنها من باب القرض الذي جر نفعاً فهي محرمة؛ وذلك لأن البنك مُصْدِر البطاقة أقرض العميل حامل البطاقة فجر له هذا القرض نفعاً، وهي النسبة التي يقتطعها من التاجر، وسبب حصوله على هذه النسبة هو شراء العميل من التاجر .
قاله الشيخ حمادي في تبريره لتحريم هذه النسبة (36) .
التكييف التاسع: كٌيِّفَت أيضاً على أنها من باب المصارفة الباطلة فهي محرمة، وذلك بناء على أن العقد بين الأطراف عقد حوالة، فحينما يتحول الحق الذي للتاجر على العميل (حامل البطاقة) إلى ذمة مُصْدِر البطاقة فإن مُصْدِر البطاقة لا يعطي التاجر كامل المبلغ، وإنما ينقص منه فإن كانت البضاعة بمائة ألف، قال: أعطيك مبلغ سبعة وتسعين ألفاً، فإذا أعطاه سبعة وتسعين ألفاً وأخذ ثلاثة آلاف فقد تمت المصارفة بين التاجر وبين مُصْدِر البطاقة على أن تكون المصارفة المائة بسبعة وتسعين، وهذه مصارفة باطلة، وقال بهذا التكييف الشيخ عبدالله المنيع (37).
التكييف العاشر : وكٌيِّفَت أيضاً على أنها أجرة مقابل الضمان أو أجرة على قبول الضمان، وذلك أن هذا الأجر على الضمان ليس من الأجر الممنوع، وذلك أن الأجر على الضمان الممنوع هو ما يدفعه المضمون عنه (حامل البطاقة في بطاقة الائتمان) فيدفعه المضمون له (وهو التاجر في بطاقة الائتمان)؛ لأن العلة في منع الأجر على الضمان هي انقلاب الكفالة (الضمان) إلى مداينة فتصبح من القرض الذي جر نفعاً هذه العلة لا توجد في حال كون الأجر مدفوعاً من قبل المضمون له، فالضامن إذا سدد الدين عن المضمون (المكفول) فإنه يكون أمام المضمون له التاجر مديناً فما أخذ منه زيادة على الدين (الأجر على الضمان) لا يدخل في باب الربا؛ لأن الربا يدفعه المدين إلى الدائن، وهنا دفعه الدائن إلى المدين (38) ، ولم أره منسوباً لأحد .
وبعد عرض تكييفات هذه المسألة لابد من التنبيه على أن بعض هذه التكييفات لا تسلم من اعتراض، ولعل بعض هذه الاعتراضات يأتي في المبحث الثاني.

المبحث الثاني
حكم الخصم على التاجر في بطاقات الائتمان

من خلال العرض السابق لتكييف وتخريج المسألة فقهياً يتضح أن في المسألة اتجاهين، ويمكن أن يضاف اتجاه ثالث فيكون في المسألة ثلاثة أقوال، وهي:
القول الأول:
إن ما يؤخذ من التاجر جائز شرعاً
وقال به أكثر الباحثين المعاصرين (39)، واختلفوا في تكييفه فمن قائل: إنها أجرة سمسرة، وقائل: إنها أجرة على وكالة في تحصيل الديون، ومن قائل: إنها جعالة، ومن قائل: إنها أجرة مقابل الخدمات التي تقدم للتاجر، ومن قائل: إنها مصالحة بين الضامن والدائن (وهو التاجر) على حط نسبة معينة من الدين وأن يرجع على المدين (وهو حامل البطاقة) بكامل الدين، ومن قائل: إنها أجرة مقابل الحوالة (40) .
وقد أخذ بهذا الرأي الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية (41) وهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بالبحرين (42) .
القول الثاني:
إن ما يؤخذ من التاجر في بطاقة الائتمان غير جائز شرعاً ،
وقال به الشيخ عبدالله المنيع(43)، وعجيل النشمي (44)، والشيخ حمادي ( 45 ) .
القول الثالث:
إن ما يؤخذ من التاجر في بطاقة الائتمان جائز بشرط أن يكون السعر الذي يبيع به التاجر بالبطاقة نفس السعر الذي يبيع به نقداً ،
وهذا القول أشار إليه الشيخ عبدالله المنيع (46)، وهو قرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي (47) .

الأدلة :
أدلة القول الأول:
لأصحاب هذا القول وهم القائلون بالجواز مطلقاً أدلة كثيرة نذكر أهمها :
الدليل الأول:
أن مُصْدِر البطاقة يقدم للتاجر خدمة وهي جلب الزبائن، وذلك من خلال إصدار هذه البطاقة لهذا فإنه يستحق من خلال هذه الخدمة أن يطالب التاجر بأجرة لها، وهذا هو عمل السمسار (48) .
واعترض عليه: بأن السمسرة هي مجهود يبذله السمسار للتوفيق بين إرادتين وليس في بطاقة الائتمان شيء من ذلك؛ وذلك لأن مُصْدِر البطاقة لا يدري عن حامل البطاقة ولا عن التاجر إلا بعد تعلق الحق بذمة حامل البطاقة، فكيف نقول سمسرة ؟ (49) .
الدليل الثاني :
أن البنك مُصْدِر البطاقة يقدم خدمات للتجار، منها: تأمين الجهاز الذي تمرر عليه البطاقة، ومنها: الهاتف وغيره _كما مر سابقاً_ (50) وهذه الخدمات (51) لابد لها من مقابل، وهي النسبة التي تخصم على التاجر من مبلغ الفاتورة.
ويعترض عليه: إذا سلمنا أن هذه النسبة التي تخصم من التاجر هي في مقابل الخدمات، لكن الخدمات متساوية في المبالغ الصغيرة والمبالغ الكبيرة، وإذا كانت تختلف من مبلغ لآخر والخدمات واحدة فمعناه أن النسبة لم تأخذ على الخدمات وإنما أخذت على المبلغ، فلذا لا يمكن أن تكون هذه النسبة مقابل الخدمات إلا إذا كان المبلغ مقطوعاً على كل عملية شراء.
الدليل الثالث:
أن البنك مُصْدِر البطاقة وكيل عن التاجر في تحصيل الدين ووكيل عن حامل البطاقة في حسم المبلغ من حسابه إذا وصلته فواتير وإيصالات التاجر ، وتحصيل الديون من العميل وتسليمها للتاجر أتعاب لها أجرة، وهذه النسبة التي تأخذ من التجار هي مقابل تحصيل الديون من حاملي البطاقات والبنك وكيل عن التاجر في ذلك والوكالة بالأجر جائزة (52) .
ويعترض عليه من وجهين:
الوجه الأول : أنا لا نسلم أن البنك مُصْدِر البطاقة وكيل عن التاجر في تحصيل الدين؛ وذلك لأن البنك ملتزم بتسديد القيمة من حسابه الخاص ثم يرجع على المشتري حامل البطاقة، ومعلوم أن الوكيل في تحصيل الدين إنما يطالب المدين بالدين، فإذا استلم من المدين سلمه للدائن وليس كذلك في بطاقة الائتمان فلا يعدو البنك المُصْدِر للبطاقة بالنسبة للتاجر إلا أن يكون ضامناً للعميل (53) .
الوجه الآخر : إذا سلمنا أنه وكيل عن التاجر في تحصيل الدين، فإنا لا نسلم بجواز أخذ الأجرة على الوكالة، وإنما تجوز الجعالة على الوكالة (54)، والجعالة عقد جائز وفي الاتفاقية بين التاجر والبنك يلتزم التاجر بحسم هذا المبلغ ولا يصح له الرجوع عن هذا الالتزام فخرج بذلك عن عقد الجعالة .
الدليل الرابع:
أن التاجر يجعل للبنك جعلاً على أن يقوم بتحصيل حقه من العميل فيقول : مثلاً خذ حقي من هذا العميل ولك نسبة كذا مثلاً 2% من المبلغ فيعمل له البنك هذا العمل مقابل الجعل وهو النسبة التي اتفقا عليها، وهذه هي الجعالة فتكون هذه النسبة التي تأخذ من التاجر من باب الجعالة فتجوز.
ويعترض عليه : أن الجعالة عقد جائز بين الجاعل والعامل لكل واحد منهما الفسخ(55)، وهنا في الاتفاقية بين التاجر والبنك الذي يتعامل معه التاجر ملزم بدفع هذه النسبة وهذا مخالف للجعالة فلا تكون من باب الجعالة .
أدلة القول الثاني:
استدل أصحاب هذا القول القائلون بعدم جواز أخذ نسبة معينة من التاجر بأدلة، منها:
الدليل الأول:
أن البنك مُصْدِر البطاقة هو في الواقع مقرض للعميل، فإذا اشترى العميل حامل البطاقة من التاجر وأخذ البنك من التاجر نسبة من الفاتورة فهو قرض جر نفعاً والنفع هو هذه النسبة التي يأخذها البنك وسبب هذه المنفعة هو العميل (56)، ووجه آخر للربا وهو أنه أقرض العميل مئة وأخذ مئة وعشرة، مئة من العميل نفسه وعشرة من التاجر، والعميل سبب في تلك الزيادة وهي محرمة، فلذا ما يؤخذ من التاجر حرام (57) .
ويعترض على ذلك : لا نسلم بما ذكرتم؛ لأن العقود في بطاقة الائتمان متعددة؛ عقد بين العميل والبنك، وعقد بين البنك والتاجر، وكل له تكييفه الفقهي لذا فلا يسلم لكم أنه من قبيل القرض الذي جر نفعاً.
الدليل الثاني:
أن البنك حينما يطالبه التاجر بالحق الواجب على العميل، وذلك بعد أن أحال العميل التاجر إلى البنك لأخذ حقه منه فإن البنك يصارف التاجر بأقل من القيمة، فإذا كان مبلغ الفاتورة مثلاً مئة فيصارفه على أن يعطيه مئة بسبعة وتسعين، وهذه مصارفه باطلة (58) .
ويعترض عليه: نقول: لا نسلم أن هناك مصارفه؛لأن الواقع أن الحق تعلق بذمة البنك فهو ضامن للعميل ثم البنك صالح الدائن وهو التاجر على أن يضع له بعض حقه، وهذه ليست مصارفه (59) .
أدلة القول الثالث:
أنه إذا كان التاجر يبيع لمن يدفع بالبطاقة أكثر ممن يدفع نقداً كان ذلك من القرض الذي جر نفعاً فهو ربا وجه ذلك أن البائع إذا لم يعط العميل حامل البطاقة الخصم الذي يعطيه غير من يدفع نقداً صارت النسبة التي يدفعها التاجر للبنك مدفوعة من قبل العميل، وهذا هو الربا؛لأن البنك أقرض العميل مئة وأخذ منه مئة وعشرة، ثم إن العميل متضرر بذلك؛ لأنه لم يحصل على الخصم الذي يعطيه التاجر لمن يدفع نقداً (60) .
ويعترض عليه: بأنا لا نسلم بما قلتم؛ لأن العقد بين التاجر والعميل حامل البطاقة عقد مبايعة مستقل، فإذا تراضيا على ذلك صح البيع والبنك ليس له محل في هذا العقد .
الترجيح:
من خلال ما تقدم من عرض للأقوال والأدلة والاعتراضات يتبين أن الراجح هو القول الثالث القائل بالتفصيل، وهو جواز أخذ البنك المُصْدِر من التاجر عمولة على مشتريات العميل منه شريطة أن يكون بيع التاجر بالبطاقة بمثل السعر الذي يبيع به بالنقد، وهو ما صدر به قرار المجمع رقم 108، ولكن يضاف إليه قيد، وهو أن تكون العمولة التي يأخذها البنك المُصْدِر من التاجر مقطوعة، وليست نسبة مئوية؛ لأن الخدمات التي يقدمها البنك متساوية، سواء كانت المبالغ كبيرة أو صغيرة، فإذا كانت العمولة بمبلغ مقطوع فهي تساوي الخدمات بخلاف إذا كانت نسبة مئوية .
هذا ما تسير جمعه حول موضوع البحث وفي الختام .
أسأل الله العظيم أن يوفق الجميع في الدنيا والآخرة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

---------------------------------------------------------------
( 1 ) مجلة مجمع الفقه الإسلامي 7/1/717، وذلك بقرار المجمع رقم 65 (1/7) في الدورة السابعة للمجمع من 7 إلى 12 ذي القعدة 1412هـ .
(2) مجلة مجمع الفقه الإسلامي 12/3/675-676، وذلك بقرار المجمع رقم 108 (2/12) في دورة المجمع الثانية عشر من تاريخ 25/6/1421هـ – 1/7/1421هـ.
(3) مجلة مجمع الفقه الإسلامي بحث الدكتور عبدالستار أبو غدة في البطاقات الائتمانية 12/3/469 ، وانظر بحث محمد العلي القري في البطاقات الائتمانية غير المغطاة مجلة مجمع الفقه الإسلامي 12/3/534 .
(4) بحث الدكتور محمد القري ابن عيد مجلة مجمع الفقه الإسلامي 7/1/385 والبطاقات اللدائنية لمحمد سعود العصيمي 246 ..
( 5) المرجع السابق وهو البطاقات اللدائنية، وقرار الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية رقم 464
في 19/2 /1422هـ.
(6) بحث الدكتور محمد القري ابن عيد مجلة مجمع الفقه الإسلامي 7/1/386 والبطاقات البنكية لعبدالوهاب أبو سليمان 155 .
(7) البطاقات اللدائنية للدكتور محمد العصيمي 246-247 .
(8) المرجع السابق 245 وبحث حسن الجواهري في بطاقات الائتمان مجلة مجمع الفقه الإسلامي 8/2/611.
(9) ينظر بحث في البطاقة الائتمانية ضمن كتاب(قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد) لنزيه حماد 152-153، ومجلة مجمع الفقه الإسلامي 7/1/560 .
(10) بحث في بطاقات الائتمان لرفيق المصري مجلة مجمع الفقه الإسلامي 7/1/410 .
(11) مداخلته في مناقشة بطاقات الائتمان مجلة مجمع الفقه الإسلامي 12/3/640 .
(12) مداخلته في مناقشة موضوع بطاقة الائتمان مجلة مجمع الفقه الإسلامي 7/1/675 و10/3/111 .
(13) بحث الدكتور عبدالستار أبو غدة في بطاقات الائتمان مجلة مجمع الفقه الإسلامي 12/3/463 .
(14) هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ، البحرين نص المعيار 28 .
(15) بحث في بطاقات الائتمان مجلة مجمع الفقه الإسلامي 7/1/410 .
(16) مداخلته في المناقشة مجلة مجمع الفقه الإسلامي 7/1/665 .
(17) بحث الدكتور عبدالستار أبو غدة في بطاقة الائتمان وتكييفها الشرعي مجلة مجمع الفقه الإسلامي 7/1/365-366 ومداخلته في المناقشة مجلة المجمع 8/2/664-665 .
(18) مداخلته في المناقشة مجلة مجمع الفقه الإسلامي 7/1/669 .
(19) البطاقات البنكية لعبدالوهاب أبو سليمان 156، 228 .
(20) هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في البحرين 24، 28 .
(21) قرار الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية رقم 464 في 19/3/1422هـ ص2 .
(22) البطاقات البنكية لعبدالوهاب أبو سليمان 155، 228 .
(23) قرار الهيئة المشار إليه .
(24) بحث في البطاقات الائتمانية ضمن كتاب (قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد) ولنزيه حماد 153 ، وانظر مذهب الحنفية (بدائع الصنائع) 5/5 .
(25) المرجع السابق .
(26) بحثه في بطاقات الائتمان غير المغطاة مجلة مجمع الفقه الإسلامي 12/3/534، 537-538 .
(27) مداخلته في المناقشة مجلة مجمع الفقه الإسلامي 7/1/669 .
(28) المرجع السابق .
(29) مداخلته في المناقشة مجلة مجمع الفقه الإسلامي 7/1/682 .
(30) مداخلته في المناقشة مجلة مجمع الفقه الإسلامي 7/1/680 .
(31) بحثه في بطاقات الائتمان مجلة مجمع الفقه الإسلامي 7/1/391 وبحثه بعنوان الائتمان المولد على شكل بطاقة مع صيغة مقترحة لبطاقة ائتمانية خالية من المحظورات الشرعية مجلة مجمع الفقه الإسلامي 8/2/590 .
(32) المرجع السابق .
(33) مداخلته في المناقشة مجلة مجمع الفقه الإسلامي 8/2/649 .
(34) مداخلته في المناقشة مجلة مجمع الفقه الإسلامي 12/3/665 .
(35) المرجع السابق .
(36) مداخلته في المناقشة مجلة مجمع الفقه الإسلامي 12/3/665 وانظر هذا التكييف في بحث عبدالستار أبو غدة في مجلة مجمع الفقه الإسلامي 7/1/365 وانظر أيضاً مداخلة الشيخ حمزة في المناقشة مجلة مجمع الفقه الإسلامي 7/1/680 .
(37) مداخلته في المناقشة مجلة مجمع الفقه الإسلامي 10/3/61 وسمى النسبة التي تقتطع من التاجر جرثومه.
(38) بحث في بطاقات الائتمان غير المغطاة للدكتور محمد القري مجلة مجمع الفقه الإسلامي 12/3/555، وبحث في بطاقات الائتمان لحسن الجواهري مجلة مجمع الفقه الإسلامي 8/2/620-621 .
(39) تقدم ذكرهم في المبحث السابق وهم أصحاب التكييفات الست الأول ص 6-9 .
(40) المرجع السابق .
(41) في قرارها رقم 464 في 19/3/1422هـ .
(42) في المعيار ص24، 28 .
(43) في مداخلته في المناقشة بمجلة مجمع الفقه الإسلامي 10/3/61 وسماها جرثومة .
(44) في مداخلته في المناقشة مجلة مجمع الفقه الإسلامي 10/3/48 .
(45) مداخلته في المناقشة مجلة مجمع الفقه الإسلامي 12/3/665 .

(46) مداخلته في المناقشة مجلة مجمع الفقه الإسلامي 12/3/ 658-659 .
(47) قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 158 ، انظر مجلة المجمع 12/3/676 .
(48) مجلة مجمع الفقه الإسلامي 7/1/676 .
(49) مجلة مجمع الفقه الإسلامي 12/3/658 .
(50) تقدم ص 5 .
(51) انظر : البطاقات البنكية لعبدالوهاب أبو سليمان 228، 155، وقرار الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية رقم 464 في 19/3/1422هـ.
(52) ينظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي 8/2/664 .
(53) مجلة مجمع الفقه الإسلامي 7/1/664 ومجلة المجمع 12/3/646 .
(54) المغني 7/204-205 .
(55 الروض المربع مع حاشية القاسم عليه 5/497 .
(56) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي12/3/665 ومجلة مجمع الفقه الإسلامي7/1/680 ومجلة المجمع 8/3/48 .
(57) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي 7/1/68 .
(58) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي 10/3/61-62 .
(59) ينظر : مجلة مجمع الفقه الإسلامي 12/3/511 .
(60) ينظر : مجلة مجمع الفقه الإسلامي 10/3/48 ومجلة المجمع أيضاً 12/3/658-659 ومجلة المجمع أيضاً 12/3/665 .