من أهم الشروط في حل ذبيحته:
1 – ألا يكون مما حرمه الله علينا بعينه كالخنزير والدم أو بوصفه كالميتة، لقوله سبحانه: (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) (الأنعام: من الآية145)، وقوله: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ) (البقرة: من الآية173)، ولقوله: (وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ) (المائدة: من الآية3).
2 – التذكية الشرعية، لقوله سبحانه في آية المائدة السابقة: (وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ) (المائدة: من الآية3)، أي لا يخرج من حكم الحرمة إلا الحيوان الذي يموت بتذكيتكم ولعموم الأدلة في اشتراط الذكاة لحل الأكل، وهذا قول جماهير الفقهاء فإن خالف الكتابي ذلك صارت كالميتة.
وذهب بعض المالكية إلى حل ما خنقه الكتابي بقصد التذكية كما نص على ذلك ابن العربي(30) إلا أنه اضطرب وذكر التحريم في موضع آخر لكن بعض المالكية(31) أيده في قوله بالحل وهو اختيار علماء الأزهر ومحمد رشيد(32).
والراجح تحريم ذلك؛ لأن الله تعالى حرم علينا أكل الميتة والمنخنقة والموقوذة، وما يقتله الكتابي على هذا الوجه مما حرم الله؛ لأنه إما ميتة أو منخنقة... إلخ حسب أداة وكيفية القتل.
وكما أن الخنزير من طعامهم ولا قائل بحله لنا فكذلك هذا المقتول على غير وجهه الشرعي؛ لأن الميتة والخنزير حرما في الآية نفسها وعموم الآية المبيحة لطعامهم مقيد بالمحرمات في الآخرى والحاظر يقدم على المبيح إذاتعارضا(33).
3 – التسمية.
وقد اختلف أهل العلم هنا في مسألتين:
الأولى: ما تركوا التسمية عليه بالكلية، فللعلماء فيه قولان:
الأول: التحريم، وهو قول الحنفية والحنابلة(34).
الثاني: الإباحة وهو قول المالكية والشافعية(35).
واستدل أصحاب القول الأول: بأن التسمية شرط في حل ذبيحة المسلم فالكتابي من باب أولى، وإن قيل إنها ليست بشرط في المسلم فلأن اسم الله في قلبه وإن تركه بلسانه والنسيان معفو عنه بخلاف الكتابي.
واستدل أصحاب القول الثاني:
بظاهر القرآن (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ) (المائدة: من الآية5) فظاهر العموم فيتناول ما لم يذكر السم الله عليه.
ولأن التسمية إذا لم تكن شرطاً في ذبيحة المسلم – على قول – لم تكن شرطاً في ذبيحة الكتابي(36).
المناقشة والترجيح:
حمل المالكية الآية التي تنهى عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه على ما إذا كان الذابح مسلماً أما الكتابي فلا، ورد ذلك بأن النص مطلق فيشمل كل ذابح وذبح.
وحمل الشافعية الآية التي تحرم أكل ما لم يذكر اسم الله عليه على ما ذكر عليه غير اسم الله، وقوله: (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) (الأنعام: من الآية121) مجمل مفسر بآية الأنعام (قُلْ لا أَجِدُ... الآية) (الأنعام: من الآية145)، ومفهومه جواز الأكل إذا لم يكن فسقاً.
ونوقش ذلك بأن التأكيد بأن واللام في قوله: (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) ينفي كون الجملة حالية والإجماع ممنوع لاشتهار معنى الفسق، وفي الآية بيان أن الحرمة لعدم ذكر اسم الله؛ لأن التحريم يوصف بذلك الوصف وهو الموجب للحرمة.
والراجح اشتراط التسمية في حل ذبيحة المسلم لظاهر النص، وعليه فالكتابي أولى، والله تعالى يقول: (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) (الأنعام: من الآية121)، وهذا يشمل ذبيحة الكتابي وهو مخصص لعموم الآية السابقة؛ لأن المراد بها ما ذبحوه بشرطه كالمسلم ومن شرط التسمية، فلا تحل ذبيحة الكتابي إذا ترك التسمية عليها، قال ابن القيم: "لعمر الله إنها لشرط بكتاب الله وسنة رسوله وأهل الكتاب وغيرهم فيها سواء فلا يؤكل متروك التسمية سواء ذبحه مسلم أو كتابي لبضعة عشر دليلاً"(37) ا.هـ
ولعل في قوله: (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) إشارة إلى هذا؛ لأن الخطاب هنا يشمل المخاطبين من المسلمين وكذلك أهل الكتاب الذين تحل ذبائحهم كالمسلمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(30) في أحكام القرآن (2/556).
(31) كالونشريسي في المعيار المعرب (2/9).
(32) ينظر: فقه الأقليات، خالد عبد القادر، ص (503).
(33) ينظر: المصدر السابق، بتصرف.
(34) ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني (5/75)، وما بعدها، وحاشية ابن عابدين (9/428)، والفروع لابن مفلح مع تصحيح المرداوي وحاشية ابن قندس، تحقيق التركي (10/399)، والمغني، لابن قدامة (13/294).
(35) ينظر: بداية المجتهد، لابن رشد (2/264)، وعقد الجواهر الثمينة، لابن شاس (1/583)، والمجموع، للنووي (9/52-53)، ومغني المحتاج، للشربيني (4/266)، وروضة الطالبين، للنووي (3/237)، ومجلة المجمع الفقهي ع3 (2/404).
(36) المصادر السابقة.
(37) أحكام أهل الذمة، لابن القيم (1/510).