كلمات مضيئة في رحيل رمضان
قال ابن رجب في وداع رمضان، واسمعوا لقلوب السلف رضوان الله تعالى عليهم كيف كانت تتخرق لفراق هذا الشهر: يا شهر رمضان ترفق، دموع المحبين تدفق، قلوبهم من ألم الفراق تشقق، عسى وقفة الوداع تطفئ من نار الشوق ما أحرق، عسى ساعة توبة وإقلاع ترقع من الصيام ما تخرق، عسى منقطع عن ركب المقبولين يلحق، عسى أسير الأوزار يطلق، عسى من استوجب النار يعتق،
عسى وعسى من قبل يوم التفرق إلى كل ما نرجو من الخير نرتقي
فيجبر مكسور ويقبل تائب ويعتق خطاء ويسعد من شقي
انتهى كلامه رحمه الله.
رحلت يا رمضان! والرحيل مر على الصالحين، فابكوا عليه بالأحزان وودعوه، وأجروا لأجل فراقه الدموع وشيعوه.
دع البكاء على الأطلال والدار واذكر لمن بان من خل ومن جار
وذر الدموع نحيباً وابك من أسف على فراق ليال ذات أنوار
على ليال لشهر الصوم ما جُعلت إلا لتمحيص آثام وأوزار
يا لائمي في البكاء زدني به كلفاً واسمع غريب أحاديث وأخبار
ما كان أحسننا والشمل مجتمع منا المصلي ومنا القانت القاري
عدم الاغترار بما حصل من طاعات
بعض الناس اجتهدوا فعلاً، صاموا وحفظوا جوارحهم، وختموا القرآن وبعضهم أكثر من مرة، وعملوا عمرة في رمضان، وصلوا قيام رمضان كله من أوله إلى آخره، لم يخرموا منه يوماً أو ليلة، وفعلوا ما فعلوا من الصدقات وقدموا ما قدموا، وجلسوا في المساجد من بعد الفجر إلى ارتفاع الشمس، وبعد الصلاة يقرءون القرآن، وقبل الصلاة ينتظرون الصلاة، حصلت عبادات كثيرة، لكن إذا كانت النفس سيئة، إذا كان الطبع متعفن فإن كثرة العبادة لا تنفع، بل إن الشيطان يوسوس ويقول: لقد فعلت أشياء كثيرة وطاعاتٍ عظيمة، خرجت من رمضان بحسنات أمثال الجبال، رصيدك في غاية الارتفاع، صحائف حسناتك مملوءة وكثيرة فلا عليك بعد ذلك ما عملت، ويصاب بالغرور وبالعجب، وتمتلئ نفسه تيهاً وفخراً، ولكن آية من كتاب الله تمحو ذلك كله، وتوقفه عند حده، وتبين له حقيقة الأمر وهي قول الله تعالى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر:6] أتمن على الله؟ أتظن أنك عندما فعلت له هذه الأشياء تكون قد قدمت له أشياء عظيمة؟ تظنها كخدمة من خدمة البشر؟ {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر:6] لا تمن على الله بعملك، لا تفخر، لا تغتر، لا تصاب بالعجب {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر:6] وتتخيل أن أعمالك كثيرة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الحسن: (لو أن رجلاً يجر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرماً في مرضات الله تعالى لحقره يوم القيامة) لجاء يوم القيامة فرآه قليلاً ضعيفاً، لرأى عمله لا يساوي شيئاً، فإنه لو قارنه بنعمة واحدةٍ من النعم كنعمة البصر أو غيره، لصار هذا قليلاً لا يساوي شيئاً.
ولذلك فإن الناس لا يدخلون الجنة بأعمالهم، وإنما يدخلونها برحمة الله تعالى، ليست الأعمال ثمناً للجنة، لكنها سببٌ لدخول الجنة، لا ندخل الجنة إلا بالأعمال الصالحة، الذي لا يعمل صالحاً لا يدخل الجنة، فهي سبب لكنها ليست الثمن، فبدون رحمة الله الأعمال لا تؤهل لدخول الجنة، بل ولا تسديد حق نعمة واحدة من النعم.
(إنما يتقبل الله من المتقين)
لقد مضت الأعمال، والصيام، والقيام، والزكاة، والصدقة، وختم القرآن، والدعاء، والذكر، وتفطير الصائم، وأنواع البر التي حصلت، والعمرة التي قام بها الكثير، لكن هل تقبلت أم لا؟ هل قبل العمل أم لا؟ يقول الله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27] .
كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه، ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله، ويخافون من رده، وهؤلاء الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة، يعطي ويخشى ألا يقبل منه، يتصدق ويخشى أن ترد عليه، يصوم ويقوم ويخشى ألا يكتب له الأجر.
قال بعض السلف: " كانوا لقبول العمل أشد منهم اهتماماً بالعمل ذاته، ألم تسمعوا قول الله عز وجل: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27] " فغير المتقين ما هو حالهم؟ وعن فضالة بن عبيد قال: لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبةٍ من خردل، أحب إليَّ من الدنيا وما فيها؛ لأن الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27] ! يقول بعضهم: لو أعلم أن الله تقبل مني ركعتين لا أهتم بعدها؛ لأنه يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27] ! وقال عبد العزيز بن أبي رواد رحمه الله: أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح، فإذا فعلوه وقع عليهم الهم أيقبل منهم أم لا؟! وقع عليهم الهم، وليس وقعوا في المعاصي، وكان بعض السلف يقول في آخر ليلة من رمضان: يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنئه، ومن هذا المحروم فنعزيه.
أيها المقبول! هنيئاً لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك، فإذا فاته ما فاته من خير رمضان فأي شيء يدرك، ومن أدركه فيه الحرمان، فماذا يصيب؟ كم بين من كان حظه فيه القبول والغفران ومن كان حظه فيه الخيبة والخسران؟ أيها المسلمون: من علامات التقوى: الامتناع عن الفسق بعد رمضان؛ إن الذي يخشى على عمله ولا يدري هل قبل منه أم لا؛ يجتهد في العبادة ويواصل في الطاعة، والذي يظن أنه قد عمل حسنات أمثال الجبال، فلا يهمه بعد ذلك ويقول: عندي رصيد وساعة لربك وساعة لقلبك.
من الذي استفاد من رمضان؟
ها نحن ودعنا رمضان المبارك ... ونهاره الجميل ولياليه العطره .
فماذا جنينا من ثماره اليانعة , وظلاله الوارقه ؟!
هل تحققنا بالتقوى ... وتخرجنا من مدرسه رمضان بشهادة المتقين ؟!
هل تعلمنا فيه الصبر والمصابرة على الطاعة , وعن المعصية ؟!
هل ربينا فيه أنفسنا على الجهاد بأنواعه ؟!
هل جاهدنا أنفسنا وشهواتنا وانتصرنا عليها ؟!
هل غلبتنا العادات والتقاليد السيئة ؟!
هل ... هل ... هل...؟!
أسئلة كثيرة .. وخواطر عديدة .. تتداعى على قلب كل مُسلم صادق .. يسأل نفسه ويجيبها بصدق وصراحة .. ماذا استفدت من رمضان ؟
أنه مدرسة إيمانية ... إنه محطة روحيه للتزود منه لبقية العام ... ولشحذ الهمم بقيه الغمر ...
فمتى يتعظ ويعتبر ويستفيد ويتغير ويُغير من حياته من لم يفعل ذلك في رمضان ؟!
إنه بحق مدرسة للتغيير .. نُغير فيه من أعمالنا وسلوكنا وعاداتنا وأخلاقنا المخالفة لشرع الله جل وعلا { .. إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ... } الرعد 11 .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) وقال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) .
وقال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) .
فمغفرة الذنوب لهذه الأسباب الثلاثة، كل واحدٌ منها مكفرٌ لما سلف من الذنوب، وهي صيام رمضان وقيامه وقيام ليلة القدر، فتحصل المغفرة والتكفير بقيام ليلة القدر ولمن وقعت له وأصابها، سواء شعر بها أم لم يشعر.
أما في صيام رمضان وقيامه فيتوقف التكفير بهما على تمام الشهر، فإذا تم الشهر فقد كمل للمؤمن صيام رمضان وقيامه، فيترتب على ذلك مغفرة ما تقدم من ذنبه، ومن نقص من العمل الذي عليه نُقص له من الأجر بحسب نقصه، فلا يلومن إلا نفسه.
الصلاة مكيال، والصيام مكيال؛ فمن وفاها وفّى الله له، ومن طفف فيهما فويلٌ للمطففين، أما يستحي من يستوفي مكيال شهواته، ويطفف في مكيال صيامه وصلاته؟ إذا كان الويل لمن طفف في مكيال الدنيا: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين:1-3] فكيف حال من طفف مكيال الدين؟! {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4-5] .
وهذا الويل لمن طفف، فكيف حال الذي فرط بالكلية؟ كيف حال الذي لم يقم ولم يصم وهم أعداد ممن ينتسبون إلى الإسلام؟! ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدركه رمضان فلم يغفر له، فأبعده الله -وقالها جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم- ثم قال له: قل آمين، فقلت: آمين) دعاءٌ عليه بالإبعاد عن رحمة الله والطرد عنها؛ لأن ذلك الشهر قد مر ولم يستفد منه؛ لأن ذلك الموسم العظيم قد حصل ولم ينهل منه، لم ينتهز الفرصة فتباً له.
وإذا كان لم ينتهز الفرصة العظيمة فهو لإهمال ما هو أدنى منها من باب أولى، أي: إذا فرط في رمضان فتفريطه في غير رمضان من باب أولى، ولذلك أبعده الله؛ لأنه لا يستحق أجره، ولا يستحق الرحمة ولا المغفرة، ولا شك أيها المسلمون! أننا قد حصل منا تطفيف بالصيام والقيام، وقد حصل منا إخلالٌ بآداب الصوم الواجبة والمستحبة.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) وقال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) .
وقال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) .
فمغفرة الذنوب لهذه الأسباب الثلاثة، كل واحدٌ منها مكفرٌ لما سلف من الذنوب، وهي صيام رمضان وقيامه وقيام ليلة القدر، فتحصل المغفرة والتكفير بقيام ليلة القدر ولمن وقعت له وأصابها، سواء شعر بها أم لم يشعر.
أما في صيام رمضان وقيامه فيتوقف التكفير بهما على تمام الشهر، فإذا تم الشهر فقد كمل للمؤمن صيام رمضان وقيامه، فيترتب على ذلك مغفرة ما تقدم من ذنبه، ومن نقص من العمل الذي عليه نُقص له من الأجر بحسب نقصه، فلا يلومن إلا نفسه.
الصلاة مكيال، والصيام مكيال؛ فمن وفاها وفّى الله له، ومن طفف فيهما فويلٌ للمطففين، أما يستحي من يستوفي مكيال شهواته، ويطفف في مكيال صيامه وصلاته؟ إذا كان الويل لمن طفف في مكيال الدنيا: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين:1-3] فكيف حال من طفف مكيال الدين؟! {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4-5] .
وهذا الويل لمن طفف، فكيف حال الذي فرط بالكلية؟ كيف حال الذي لم يقم ولم يصم وهم أعداد ممن ينتسبون إلى الإسلام؟! ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدركه رمضان فلم يغفر له، فأبعده الله -وقالها جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم- ثم قال له: قل آمين، فقلت: آمين) دعاءٌ عليه بالإبعاد عن رحمة الله والطرد عنها؛ لأن ذلك الشهر قد مر ولم يستفد منه؛ لأن ذلك الموسم العظيم قد حصل ولم ينهل منه، لم ينتهز الفرصة فتباً له.
وإذا كان لم ينتهز الفرصة العظيمة فهو لإهمال ما هو أدنى منها من باب أولى، أي: إذا فرط في رمضان فتفريطه في غير رمضان من باب أولى، ولذلك أبعده الله؛ لأنه لا يستحق أجره، ولا يستحق الرحمة ولا المغفرة، ولا شك أيها المسلمون! أننا قد حصل منا تطفيف بالصيام والقيام، وقد حصل منا إخلالٌ بآداب الصوم الواجبة والمستحبة.
إن الفائزين في رمضان , كانوا في نهارهم صائمون , وفي ليلهم ساجدون , بكاءٌ خشوعٌ, وفي الغروب والأسحار تسبيح , وتهليل , وذكرٌ , واستغفار , ما تركوا باباً من أبواب الخير إلا ولجوه , ولكنهم مع ذلك , قلوبهم وجله وخائفة ...!!
لا يدرون هل قُبلت أعمالهم أم لم تقُبل ؟ وهل كانت خالصة لوجه الله أم لا ؟
فلقد كان السلف الصالحون يحملون هّم قبول العمل أكثر من العمل نفسه , قال تعالى:
{ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } المؤمنون 60 .
هذه هي صفة من أوصاف المؤمنين أي يعطون العطاء من زكاةٍ وصدقة، ويتقربون بأنواع القربات من أفعال الخير والبر وهم يخافون أن لا تقبل منهم أعمالهم
وقال علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) : كونوا لقبول العمل أشد أهتماماً من العمل , ألم تسمعوا قول الله عز وجل : { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِين} . (المائدة:27) َ
فمن منا أشغله هذا الهاجس !! قبول العمل أو رده , في هذه الأيام ؟ ومن منا لهج لسانه بالدعاء أن يتقبل الله منه رمضان ؟
فلقد كان السلف الصالح يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان , ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبل منهم ...
نسأل الله أن نكون من هؤلاء الفائزين .
من علامات قبول العمل :
1) الحسنه بعد الحسنه فإتيان المسلمون بعد رمضان بالطاعات , والقُربات والمحافظة عليها دليل على رضى الله عن العبد , وإذا رضى الله عن العبد وفقه إلى عمل الطاعة وترك المعصية.
2) انشراح الصدر للعبادة والشعور بلذة الطاعة وحلاوة الإيمان , والفرح بتقديم الخير , حيث أن المؤمن هو الذي تسره حسنته وتسوءه سيئته .
3) التوبة من الذنوب الماضية من أعظم العلامات الدالة على رضى الله تعالى .
4) الخوف من عدم قبول الأعمال في هذا الشهر الكريم !!
5) الغيرة للدين والغضب إذا أنتُهكت حُرمات الله والعمل للإسلام بحرارة , وبذل الجهد والمال في الدعوة إلى الله .
أحوال الناس بعد رمضان
الناس بعد رمضان فريقان: فائزون وخاسرون، فيا ليت شعري من هذا الفائز منا فنهنيه؟ ومن هذا الخاسر فنعزيه؟!
حال الصالحين الفائزين
رحل رمضان ورحيله مر على الجميع، الفائزين والخاسرين، الرحيل مر على الفائزين؛ لأنهم فقدوا أياماً ممتعة، وليالي جميلة، نهارها صدقة وصيام، وليلها قراءة وقيام، نسيمها الذكر والدعاء، وطيبها الدموع والبكاء، شعروا بمرارة الفراق؛ فأرسلوا العبرات والآهات، كيف لا وهو شهر الرحمات، وتكفير السيئات، وإقالة العثرات؟! كيف لا والدعاء فيه مسموع، والضر مدفوع، والخير مجموع؟! كيف لا نبكي على رحيله ونحن لا نعلم أمن المقبولين نحن أم من المطرودين؟! كيف لا نبكي على رحيله -أيها الأحبة- ونحن لا ندري أيعود ونحن في الوجود أم في اللحود؟! الفائزون من خشية ربهم مشفقون! نعم.
هم فائزون ولكنهم من خشية ربهم مشفقون {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون:60] على رغم أنهم في نهاره في صيام وقراءة قرآن وإطعام وإحسان، وفي ليله سجود وركوع وبكاء وخشوع، وفي الغروب والأسحار تسبيح وتهليل وذكر واستغفار.
الفائزون شمروا عن سواعد الجد؛ فاجتهدوا واستغفروا وأنابوا ورجعوا، ما تركوا باباً من أبواب الخير إلا ولجوه، ولكن مع ذلك كله، قلوبهم وجلة خائفة بعد رمضان؛ أقبلت أعمالهم أم لا؟ أكانت خالصةً لله أم لا؟ أكانت على الوجه الذي ينبغي أم لا؟ كان السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم يحملون همّ قبول العمل أكثر من همّ القيام بالعمل نفسه، قال عبد العزيز بن أبي رواد: أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح، فإذا فعلوا وقع عليهم الهم! أيقبل منهم أم لا؟ لا يغفلون عن رمضان، فإذا فعلوا وانتهوا يقع عليهم الهمّ أيقبل منهم أم لا؟ وقال علي رضي الله تعالى عنه: [كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا لقول الحق عز وجل: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27]] .
وقال مالك بن دينار: [الخوف على العمل ألا يتقبل أشد من العمل] .
وروي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه كان ينادي في آخر رمضان: [يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه؟ ومن هذا المحروم فنعزيه؟] .
وعن ابن مسعود أنه قال: [من هذا المقبول منا فنهنيه؟ ومن هذا المحروم منا فنعزيه؟] .
أيها المقبول هنيئاً لك! أيها المردود جبر الله مصيبتك!
ليت شعري من فيه يقبل منا فيهنى يا خيبة المردود
من تولى عنه بغير قبول أرغم الله أنفه بخزي شديد
فيا ليت شعري -أيها الأحبة- بعد هذه الأيام مَن مِنا أشغله هذا الهاجس وقد مضى نصف شهر على رحيل رمضان؟ من منا أشغله هاجس هل قبلت أعماله أم لا؟ هل نحن من الفائزين في رمضان أم لا؟! من منا لسانه يلهج بالدعاء أن يقبل الله منه رمضان؟! إننا نقرأ ونسمع أن سلفنا الصالح كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يقبل الله منهم رمضان، ونحن لم يمض على رحيله سوى أيام فهل دعونا أم لا؟ أم أننا نسينا رمضان وغفلنا عنه وكأننا أزحنا حملاً ثقيلاً كان جاثماً على صدورنا؟! نعم.
رحل رمضان، لكن ماذا استفدنا من رمضان؟ وأين آثاره على نفوسنا وسلوكنا وأقوالنا وأفعالنا؟ هكذا حال الصالحين العاملين، فهم في رمضان صيام وقيام، وتقلب في أعمال البر والإحسان، وبعد رمضان محاسبة للنفس، وتقدير للربح والخسران، وخوف من عدم قبول الأعمال، لذا فألسنتهم تلهج بالدعاء والإلحاح بأن يقبل الله منهم رمضان.
حال المفرطين الخاسرين
أما المفرطون -نعوذ بالله من حالهم- فهم نوعان: أناس قصروا فلم يعملوا إلا القليل، نعم.
صلوا التراويح والقيام سراعاً، فهم لم يقوموا إلا القليل، ولم يقرءوا من القرآن إلا القليل، ولم يقدموا من الصلوات إلا القليل، الصلوات المفروضة تشكو من تخريقها ونقرها، والصيام يئن من تجريحه وتضييعه، والقرآن يشكو من هجره ونثره، والصدقة ربما يتبعها مَنٌّ وأذى، الألسن يابسة من ذكر الله، غافلة عن الدعاء والاستغفار، فهم في صراع مع الشهوات حتى في رمضان، لكن فطرة الخير تجذبهم، فتغلبهم تارةً ويغلبونها تارات، فهم يصلون التراويح، لكن قلوبهم معلقة بالرياضة، ومشاهدة المباريات، ورمضان هذا العام يشهد بمثل ذلك.
سبحان الله! حتى في رمضان، حتى في العشر الأواخر وهي أفضل الأيام! سبحان الله! كيف أصبحت الرياضة تعبد من دون الله؟! -لا حول ولا قوة إلا بالله- هم يقرءون القرآن في النهار، لكنهم يصارعون النوم بعد ليالي من السهر والتعب والإرهاق من الدورات الرياضية والجلسات الفضائية، أما الصلاة: فصلاة الظهر عليها السلام، وربما العصر بل وربما الفجر؛ كل ذلك بسبب التعب والإرهاق -كما يقولون- فهؤلاء لم ينتبهوا إلا والحبيب يرحل عنهم؛ فتجرعوا مرارة الرحيل، بكاء وندماً، حزنوا، ولكن بعد ماذا؟ بعد فوات الأوان، بعد أن انقضت أفضل الأيام.
أما النوع الثاني من المفرطين فهم الخاسرون -نعوذ بالله من الخسران- فهناك من لم يقم رمضان، ولم يقرأ القرآن، وربما لم يصم في رمضان، فنهاره ليل وليله ويل، لا الأواخر عرفوها ولا ليلة القدر قدروها، فمتى يصلح من لا يصلح في رمضان؟! متى يصح من كان من داء الجهالة والغفلة مَرْضان؟! متى يزرع من فرط في وقت البذار، فلم يحصد غير الندم والخسار؟! مساكين هؤلاء! فاتهم رمضان وفاتهم خير رمضان؛ فأصابهم الحرمان وحلت عليهم الخيبة والخسران، قلوب خلت من التقوى فهي خراب بلقع، لا صيام ينفع ولا قيام يشفع، قلوب كالحجارة أو أشد قسوة، حالها في رمضان كحال أهل الشقوة، لا الشاب منهم ينتهي عن الصبوة، ولا الشيخ ينزجر فيلحق بالصفوة.
أيها الخاسر! رحل رمضان وهو يشهد عليك بالخسران؛ فأصبح لك خصماً يوم القيامة! رحل رمضان وهو يشهد عليك بهجر القرآن؛ فيا ويل من جعل خصمه القرآن وشهر رمضان! فيا من فرط في عمره وأضاعه! كيف ترجو الشفاعة؟ أتعتذر برحمة الله؟ أتقول لنا: إن الله غفور رحيم؟ نعم.
لكن {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56] العاملين بالأسباب الخائفين المشفقين.
سئل ابن عباس عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل ولا يشهد الجمعة والجماعات، فقال رضي الله تعالى عنه: [هو في النار] .
وفي صحيح ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر، فقال: (آمين آمين آمين قيل: يا رسول الله! إنك صعدت المنبر فقلت: آمين.
قال: إن جبريل أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له؛ فدخل النار فأبعده الله -فكم هم أولئك المبعدين عن رحمة الله؟ - قل: آمين.
فقلت: آمين) إلى آخر الحديث.
فيا أيها الخاسر! نعم.
رحل رمضان وربما خسرت خسارةً عظيمة، ولكن الحمد لله، فما زال الباب مفتوحاً والخير مفسوحاً، وقبل غرغرة الروح، ابكِ على نفسك وأكثر النوح، وقل لها:
ترحل الشهر وا لهفاه وانصرما واختص بالفوز في الجنات من خدما
وأصبح الغافل المسكين منكسراً مثلي فيا ويحه يا عظم ما حرما
من فاته الزرع في وقت البذار فما تراه يحصد إلا الهم والندما
طوبى لمن كانت التقوى بضاعته في شهره وبحبل الله معتصما
ثوابت إيمانية ينبغي المداومة عليها بعد رمضان
أيها الأحبة! هذه بعض الثوابت الإيمانية التي رأيناها في رمضان، ولا ينبغي لمسلم صادق أن يتخلى عن هذه الثوابت بعد رمضان، ونحن في أمس الحاجة إلى وصية سيد ولد عدنان إلى وصية الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام، حينما جاءه سفيان بن عبد الله وحديثه في صحيح مسلم وقال: (يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قل آمنت بالله ثم استقم) .
وهاهو شهر رمضان قد انتهى، انتهى شهر الصيام والقيام والقرآن والبر والجود والإحسان: فيا عين جودي بالدمع من أسف على فراق ليالٍ ذات أنوار على ليال لشهر الصوم ما جعلت إلا لتمحيص آثام وأوزار ما كان أحسننا والشمل مجتمع منا المصلي ومنا القانت القاري فابكوا على ما مضى في الشهر واغتنموا ما قد بقي إخوتي من فضل أعمار إنا لله وإنا إليه راجعون وهكذا أسرعت أيام الخير والبر والفضل والطاعة، ولا شك أن ربنا جل وتعالى قد اختص رمضان بكثير من رحماته وبركاته، فأنت ترى الناس تقبل على طاعة الله في رمضان بأريحية عجيبة، وبيسر وسهولة غريبة؛ لأن الله قد هيأ الناس في رمضان للطاعة، وقد سهل الطاعة للصادقين من المؤمنين في رمضان، ولكن يا إخوة: ليس معنى ذلك أن نعرض عن كثير من الثوابت الإيمانية بعد رمضان، فأنت ترى المساجد معطرة بأنفاس الصائمين في رمضان، وترى صفوف المصلين مزدحمة في رمضان؛ بل وترى البر والجود والإحسان والبذل والإنفاق والعطاء والذكر والتوبة والاستغفار، وترى حرص الناس على الطاعة، فترى المحسن يقول للمسيء إليه: اللهم إني صائم، يذكر نفسه بالله جل وعلا، وبطاعة الله.
ليس معنى ذلك -أيها الأحبة الكرام- أن نعرض عن هذه الثوابت الإيمانية بعد رمضان، فإن للإيمان من الثوابت ما لا يستغني عنها مؤمن من المؤمنين حتى يلقى بها رب العالمين.
الحرص على قيام الليل
ومن الثوابت الإيمانية التي يزيد إيمانك بها في قلبك: قيام الليل، فيا من عودت نفسك على قيام الليل في رمضان في صلاة التراويح لا تتخل عن هذا الزاد، فوالله يوم أن خرجت الأمة من مدرسة قيام الليل هانت وقست القلوب، وجمدت العيون.
كان سعد بن أبي وقاص في القادسية يمر على خيام الأبطال والمجاهدين، فإذا رأى خيمة قام أهلها لله جل وعلا للصلاة، يقول سعد: من هنا يأتي النصر إن شاء الله.
من قيام الليل يأتي النصر إن شاء الله من قيام الليل تأتي رقة القلب من قيام الليل تأتي دموع العين من قيام الليل تأتي طاعة الجوارح، لماذا؟ لأن الليل أنس المحبين، وروضة المشتاقين، وإن لله عباداً يرعون الظلال بالنهار كما يرعى الراعي غنمه، ويحنون إلى غروب الشمس كما تحن الطير إلى أوكارها، حتى إذا ما جنهم الليل، واختلط الظلام، وبسطت الفرش، وخلا كل حبيب بحبيبه؛ قاموا فنصبوا إلى الله أقدامهم، وافترشوا إلى الله جباههم، وناجوا ربهم بقرآنه، وطلبوا إحسانه وإنعامه، يقسم ابن القيم ويقول: فإن أول ما يعطيهم ربهم أن يقذف من نوره في قلوبهم.
ففي الحديث الذي رواه ابن خزيمة والحاكم بسند حسن من حديث أبي أمامة، أنه صلى الله عليه وسلم قال: (عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة لكم إلى ربكم، ومكفر للسيئات، ومنهاة عن الإثم) .
المحافظة على صلاة الجماعة
من أعظم هذه الثوابت: أن تحافظ على الصلاة في جماعة كما كنت حريصاً أيها الصائم في رمضان، قال ربنا جل جلاله: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238] ، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط!) .
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً في الجنة كلما غدا أو راح) .
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أرأيتم لو أن نهراً على باب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، أيبقى من درنه شيء؟ -أي هل سيبقى على جسده شيء من النجاسة أو القذر- قالوا: لا يا رسول الله! قال: فذلكم مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا) .
المداومة على قراءة القرآن
وقراءة القرآن من الثوابت الإيمانية التي لا يستغني عنها مؤمن بعد رمضان، وقد رأينا الصائمين -ولله الحمد- في أشد الحرص على قراءة القرآن في رمضان، فمنهم من قرأ القرآن كله مرة؛ بل ومنهم من قرأ القرآن كله مرتين، بل ومنهم من قرأ القرآن كله ثلاث مرات، ومنهم من زاد على ذلك، فلا تتخل عن القرآن بعد رمضان، ولا تضع المصحف في عزلته مرة أخرى، وتضعه على رفٍ من أرفف المكتبة في بيتك في رمضان، فإن المسلم لا غنى له أبداً عن كتاب الله جل وعلا.
فلا بد أن تمتع بصرك، وأن تسعد قلبك وبصيرتك بالنظر يومياً في كتاب ربك تبارك وتعالى، قال الله عز وجل: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9] ، وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث أبي أمامة: (اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي بسند صحيح من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، أما إني لا أقول (ألم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) .
وعن النواس بن سمعان، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به، تقدمه سورة البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو غيايتان أو غيابتان، أو فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما يوم القيامة) .
فلا تتخلّ أيها الموحد الصادق عن القرآن لا تتخل أيها الصائم عن القرآن لا تتخل أيها القائم عن القرآن، وهل ذلت الأمة وضاعت إلا يوم أن تخلت عن القرآن؟! {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان:30] ، والهجر للقرآن أنواع: - هجر التلاوة.
- وهجر السماع.
- وهجر التدبر.
-وهجر العمل بأحكام القرآن.
- وهجر التداوي بالقرآن.
- هجرت الأمة القرآن إلا من رحم ربك من أفراد، فذلت الأمة لإخوان القردة والخنازير، ولعباد البقر في كشمير، وللملحدين الملعونين في كوسوفا، وفي باكستان والشيشان، وللصليبيين الحاقدين في كوسوفا والبوسنة وفي كل مكان: ففي كل بلد على الإسلام دائرة ينهد من هولها رضوى وثهلان ذبح وصلب وتقتيل بإخوتنا كما أعدت لتشفي الحقد نيران يستصرخون ذوي الإيمان عاطفة فلم يغثهم بيوم الروع أعوان هل هذه غيرة أم هذه ضعة للكفر ذكر وللإسلام نسيان ووالله ما انتشر وانتفش الباطل وأهله إلا يوم أن تخلى عن القرآن أهله، أسأل الله أن يرد الأمة إلى القرآن رداً جميلاً.
تجديد التوبة والاستمرار عليها
ومن الثوابت الإيمانية بعد رمضان: أن تكون دائم التوبة للرحيم الرحمن: من منا يستغني عن التوبة بعد رمضان؟! من منا يستغني عن الأوبة إلى الله مع كل نفس من أنفاس حياته؟ قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} [النور:31] لم يقل: أيها العاصون، ولم يقل: أيها المذنبون، بل قال: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31] .
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التحريم:8] .
وفي صحيح مسلم من حديث ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا أيها الناس! توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة) ، هذا الحبيب المصطفى الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يستغفر الله ويتوب إليه مائة مرة وأظن أننا نحتاج إلى أن نستغفر الله ونتوب إليه في اليوم ألف مرة، نحن نحتاج إلى التوبة مع كل نفس من أنفاس حياتنا، فجدد التوبة والأوبة.
المداومة على الذكر
ومن الثوابت الإيمانية التي لا غنى للمسلم عنها بعد رمضان: أن يكون دائم الذكر للرحيم الرحمن، قال الله تبارك وتعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] ، وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري: (مثل الذي يذكر ربه، والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت) .
فالذاكر لله حي ولو حبست منه الأعضاء، والغافل عن ذكر الله ميت وإن تحرك بين الأحياء.
أخي الحبيب! لا تغفل عن ذكر رب الأرض والسماء، وحافظ على ذكر الله، ففي الحديث الطويل الذي رواه أحمد من حديث الصحيح الحارث الأشعري، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال (مثل الذي يذكر ربه كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً فأتى على حصن حصين فاحتمى به من عدوه، فذلك مثل الذاكر لله، يحتمي بالذكر من الشيطان) ، فلا تتخل عن الذكر بعد رمضان.
الإنفاق في سبيل الله
ومن الثوابت الإيمانية بعد رمضان أيضاً: الإنفاق، فأنت ترى الناس تقبل على الإنفاق والجود والبر في رمضان بيسر وأريحية، فلا تتخل عن الإنفاق بعد رمضان ولو بالقليل، قال ربنا جل جلاله: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:268] ، وقال تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92] .
وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عدي بن حاتم: (ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه يوم القيامة، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر العبد أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم -أي: في الدنيا- وينظر العبد أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم -أي: في الدنيا- وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة) .
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً) .
فمن الثوابت الإيمانية التي لا غنى للمسلم عنها بعد رمضان أن يظل دائم البذل والإنفاق والعطاء، كل على قدر استطاعته قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] ، وقال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:7] .
توجيهات ونصائح بعد رحيل رمضان
يا من بليت بالتفريط في صلاة الجماعة! ها هو نصف شهر يمضي بعد رحيل رمضان، فما هو حالك والصلاة؟
توجيه لمن فرط في صلاة الجماعة
يا من بليت بالتفريط في صلاة الجماعة! ها هو نصف شهر يمضي بعد رحيل رمضان، فما هو حالك والصلاة؟ يا من بليت بالتفريط في صلاة الجماعة وبالإفراط في المعاصي والشهوات! شهر كامل وأنت تحافظ على صلاة الجماعة مع المسلمين، تركع مع الراكعين وتسجد مع الساجدين، فما هو شعورك وأنت ترى المصلين عن يمينك ويسارك؟ إنهم بشر مثلك، اسأل نفسك، يحرصون على صلاة الجماعة كل الشهور وأنت لا.
لماذا؟ جاهدوا أنفسهم وتغلبوا عليها وأنت لا.
لماذا؟ يتقدمون وأنت تتأخر.
لماذا؟! والله لا أشك أنك تحب الله كما يحبون، وترغب في الجنة كما يرغبون، فلماذا يتقدمون وأنت تتأخر؟! ويواظبون وأنت تهمل؟! حدثنا عن الراحة والسعادة يوم وطئت قدماك عتبة المسجد، حدثنا عن اللذة والحلاوة يوم سجدت مع الساجدين، وركعت مع الراكعين، تسلم عليهم ويسلمون عليك، تحدثهم ويحدثونك.
إن الله لم يعذر المجاهد في سبيله في ترك الجماعة وهو في ساحة الجهاد يقاتل العدو، فقال الله سبحانه وتعالى: {فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء:102] والرسول صلى الله عليه وسلم لم يعذر الأعمى فبيته بعيد، وبينه وبين المسجد واد فيه سباع وهوام، وليس له قائد يقوده إلى المسجد، كل هذه الظروف ولم يعذره صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يسمع النداء (أجب! فإني لا أجد لك عذراً) .
فيا أيها المفرط في صلاة الجماعة! هل تجد لك عذراً بعد هذا؟ نعوذ بالله من العجز والكسل والخمول.
إذاً: فلتكن هذه الأيام، وليكن نصف الشهر هذا فرصةً وانطلاقةً للمحافظة على الصلاة والجماعة، وكل شيء يهون إلا ترك الصلاة، فهو كفر وضلال والعياذ بالله.
توجيه لمن ابتلي ببعض الذنوب
يا من بليت ببعض الذنوب! إياك إياك بعد رمضان أن تعود، شهر كامل وأنت تجاهد النفس وتصبرها، وتجمع الحسنات وتحسبها، فهل بعد هذا تراك تنقضها؟ فالله عز وجل يقول: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً} [النحل:92] .
فيا من أعتقه مولاه من النار! إياك أن تعود إلى الأوزار، أيبعدك مولاك من النار وأنت تتقرب منها؟ وينقذك منها وأنت توقع نفسك فيها ولا تحيد عنها؟!
توجيه لمن ابتلي بالتدخين
يا من بليت بالتدخين! شهر كامل وأنت تفارقه ساعات طويلة، وإذا حدثناك عن أخطاره وحكمه قلت: لم أستطع تركه، فمن أين لك هذه الإرادة وهذه العزيمة في رمضان وقد صبرت عنه حوالي اثنتي عشرة ساعة أو أكثر؟ إذن فاعلم أن رمضان فرصة للإقلاع عنه.
وقد جاءني أحد الإخوة في آخر رمضان، يبشرني بتركه للتدخين، فقلت: أخشى عليك من العودة، قال: لا.
فأنا تركته بعزيمتي وإرادتي، قلت: ابتعد عن أسبابه وأهله، قال: والله إني أرى المدخن يدخن وكأني لم أر الدخان في حياتي، فأنا تركته برغبتي وإرادتي إلى غير رجعة إن شاء الله، قلت: الحمد لله، وكنت أعلم أن خلفه زوجةً صالحةً تذكره، تارةً بالكلمة الطيبة، وتارةً بالكتاب والشريط، وتارةً بتخويفه بالله.
فيا كل مدخن ومبتلى! رمضان فرصة، ونصف الشهر هذا فرصة لمقارنة الحال، ولكنها الهزيمة النفسية، والهمة الدنية؛ يوم يهزمك عود سيجارة.
قيل لبعض العباد: من شر الناس؟ قال: من لا يبالي أن يراه الناس مسيئاً.
وربما أيها المدخن! أشعلت سيجارتك أمام الناس؛ فرأوك مسيئاً.
أيها المدخن! إن أصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يمسك بعود سيجارة يعصي بها الله.
أيها المدخن! أيها الحبيب! هل تعلم أن التدخين مفتاح لكل شر وفجور؟ لا تقل: لا.
فإن من رآك تدخن تجاسر عليك في كل بلاء وفتنة، وربما يدعوك للواط والزنا، والمخدرات والربا، إلا من عصم الله، أسأل الله أن يحفظك ويرعاك من كل سوء.
أيها الحبيب! اسأل نفسك: ما الفرق بين من بيده عود سواك، ومن بيده عود هلاك؟! أجب بكل صراحة، أجب واترك الهوى، واعلم أن هذه الأيام فرصة لا تعوض لترك هذا البلاء، وخاصةً أنك نجحت في رمضان، فاستعن بالله وتوكل عليه، وكن صاحب همة عالية وعزيمة صادقة.
توجيه لمن ترك قيام الليل
أيها المسلم! شهر كامل وأنت في ركوع وسجود، تصلي في الليلة ساعات لا تمل ولا تكل، ثم بعد رمضان تتغير أحوالنا وتنقلب صلاتنا -سبحان الله- أنعجز أن نصلي ساعةً أو نصف ساعة، وقد كنا نصلي الثلاث والأربع الساعات في رمضان؟ أيها الصالح! لست غريباً عن قيام الليل، فقد ذقت حلاوة الدمعة عند السحر في رمضان، ولذة المناجاة، وحلاوة السجود، ورأيت بنفسك كيف استطعت أن تروض نفسك ذلك الترويض العجيب في رمضان، همة وعزيمة وإصرار -فيا سبحان الله- أين هذا في غير رمضان؟ إنك قادر! فقد حاولت ونجحت، بل وشعرت بالأثر العجيب والأنس الغريب وأنت تناجي الحبيب، فما الذي دهاك وأنت تذكِّر الغافلين أن رب رمضان رب غيره من الشهور؟ فلماذا تركت قيام الليل؟ عاهد نفسك أيها الحبيب! ألا تترك قيام الليل ليلةً واحدةً، وإن حدثتك بالتعب والإرهاق، فذكرها بلذة وحلاوة القيام في رمضان.
توجيه لمن هجر القرآن
أيها المسلم! شهر كامل وأنت تقرأ وتبكر للصلاة، فتقرأ قبلها وبعدها وتحرص على ختمه مرات.
خرج رمضان، والقرآن هو القرآن، والأجر هو الأجر، والرب هو الرب، فما الذي حدث للنفوس أيها الأحبة؟! هجر غريب عجيب لقراءة القرآن وختمه! ربما قرأ الإنسان منا في يومه أكثر من خمسة أجزاء في رمضان، ويجلس الساعات، أفلا نستطيع أن نجلس ثلث ساعة في اليوم الواحد لقراءة جزء واحد، فنختم القرآن كل شهر مرةً على الأقل؟! إنها ثلث ساعة في غير رمضان، فإذا ثقل ذلك فتذكر الساعات التي تقرأها في رمضان.
أي شهر قد تولى يا عباد الله عنا
حق أن نبكي عليه بدماء لو عقلنا
كيف لا نبكي لشهر مر بالغفلة عنا
ثم لا نعلم أنا قد قبلنا أو طردنا
ليت شعري من هو المحروم المطرود منا
ومن المقبول ممن صام منا فيهنى
كان هذا الشهر نوراً بيننا يزهر حسنا
فاجعل اللهم عقباه لنا نوراً وحسنى
اللهم آمين.
توجيه لمن ترك الدعاء
أيها المسلم! شهر كامل وأنت تدعو وتلح على الله بالدعاء، مرات بالسجود، ومرات عند السحر والغروب لماذا؟ تسأل الله رضاه والجنة، وتعوذ به من سخطه والنار، فهل ضمنت الجنة يوم تركت الدعاء بعد رمضان؟! وتسأله العفو والغفران عن الذنوب والتقصير، فهل ضمنت الغفران؟! أم انتهت الغفلة والتقصير يوم تركت الدعاء بعد رمضان؟! أيها الأحبة! إن من ندعوه في رمضان هو من ندعوه في غير رمضان، وإن من نسأله في رمضان هو الذي نسأله في غير رمضان، فما الذي حدث؟! ولماذا نتوقف ونفتر عن الدعاء؟ نعم.
رمضان وقت إجابة للدعاء، لكن أدبار الصلوات، وعند الغروب، وآخر الليل، وساعة الجمعة، وفي السجود، وبين الأذانين، كلها أوقات إجابة، بل ودعاء المظلوم، والمسافر، والوالد لولده، والأخ لأخيه بظهر الغيب، كلها لا ترد بفضل الله، فما الذي جرى؟ ما الذي دهانا؟ والمدعو هو المدعو، والحاجات هي الحاجات، والمسلمون بأمس الحاجة لدعواتك الصادقة التي لا تنقطع في كل مكان.
كيف يقطع العبد صلته بالله واستعانته بمولاه، وهو يعلم أن لا حول ولا قوة له إلا بالله؟ كيف يفتر العبد عن الدعاء وهو أفضل العبادة، وربه يقول: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي} [البقرة:186] ولم يقل في رمضان فقط، بل في رمضان وغيره.
توجيه لمن ترك الصيام
أما الصيام أيها الأحبة! الصيام وما أدراك ما الصيام، العبادة التي اختصها الله لنفسه فقال: (إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) فلا يعلم جزاء الصائمين إلا الله، وإن غفر لهم ما تقدم من الذنوب، وإن اختصوا بالدخول للجنة من باب الريان، وإن باعد الله بينهم وبين النار سبعين خريفاً، وإن جاء الصيام شفيعاً لأصحابه يوم القيامة، فإن هذه وغيرها من ثمرات الصيام، أما جزاء الصائمين فلا يعلمه إلا الله.
قال ابن حجر: المراد بقوله وأنا أجزي به، أي أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته.
انتهى كلامه رحمه الله.
وقال المناوي: (وأنا أجزي به) إشارة إلى عظم الجزاء عليه وكثرة الثواب؛ لأن الكريم إذا أخبر بأنه يعطي العطاء بلا واسطة، اقتضى سرعة العطاء وشرفه.
انتهى كلامه رحمه الله.
كل هذه الفضائل للصوم وهي أخروية، فما بالك بثمراته وفوائده الدنيوية، ومع ذلك فإن بعض الناس وخاصةً من الصالحين والصالحات لا يعرف الصيام إلا في رمضان، يعتذر لنفسه تارةً بالعمل، وتارةً بالتعب، وتارةً بشدة الحر، فإذا برمضان الآخر أتى، وهكذا تذهب الأيام وتفنى الأعمار.
أخي الحبيب! صُمْتَ شهراً كاملاً متتابعاً، فهل تعجز عن صيام ثلاثة أيام من كل شهر، أو يومي الإثنين والخميس؟! فاتق الله وكن حازماً مع نفسك عارفاً حيلها.
إن بعض الناس كلما هم أن يسمو إلى المعالي ختم الشيطان على قلبه: عليك ليل طويل فارقد، وكلما سعى في إقالة عثرته والارتقاء بهمته عاجلته جيوش التسويف والبطالة والتمني وعثَّرته، ونادته نفسه الأمارة بالسوء: أنت أكبر أم الواقع؟! قال ابن القيم -اسمع إلى هذه الكلمة الجميلة-: والنفس كلما وسعت عليها، ضيقت على القلب حتى تصير معيشته ضنكاً، وكلما ضيقت عليها وسعت على القلب حتى ينشرح وينفسح.
انتهى كلامه رحمه الله.
ورمضان يشهد بهذا، وما كنا نشعر به من رقة القلب واتصاله بالله سبحانه وتعالى.
توجيه للمرأة المسلمة
أما أنت أيتها المرأة! فالكلام للرجال وهو لك أيضاً، وإن كنت أعجب من حرصك في رمضان على التراويح، وقراءة القرآن، وقيام الليل، أسأل الله عز وجل أن يقبل منا ومنكِ! ولكني أقول: ما بالنا إذا طلبنا منك هذه الأمور في غير رمضان اعتذرت بالأولاد، وأعمال المنزل، وغيرها من الأعذار؟ مع أن كل هذه الأعذار لم تتغير في رمضان، فالأولاد هم الأولاد، وأعمال المنزل هي أعمال المنزل، بل ربما أكثر في رمضان، فما الذي يجعلك تحرصين على القيام، وقراءة القرآن، والصلاة في وقتها، والصيام في رمضان، وينقطع كل هذا في غير رمضان؟! وتتعذرين بكثرة الأعذار إذا طلبنا منك ذلك في غير رمضان.
توجيه للمجتمع بالمداومة على الأعمال
هذا حال النساء، وحال الرجال -كما أسلفت- في هذه الأيام القصيرة التي مضت بعد رحيل رمضان، فما هو سر نشاطنا في رمضان؟ وما هو سر فتورنا وربما انقطاعنا في غيره أيها الأحبة؟! سألت هذا السؤال واستنطقت الأفواه لمعرفة السر، قالوا: رمضان له شعور غريب ولذة خاصة.
قلت: لماذا له هذا الشعور وهذه اللذة؟ قالوا: لأن الناس من حولك كلهم صائمون، وقائمون، ومتصدقون، وقارئون، ومستغفرون.
قلت: أحسنتم.
إذاً: فالسر صلاح المجتمع من حولنا، والمجتمع هو نحن، هؤلاء الأفراد، أنا وزوجتي وأولادي وأبي وأمي وإخواني وأخواتي، فلماذا لا يصلح هؤلاء الأفراد؟ لماذا لا نربي في أنفسهم استمرار الطاعة ومراقبة الله؟ لماذا لا نشجعهم على صيام التطوع وصلاة الليل وقراءة القرآن؟ فنصوم البيض -مثلاً- ونجتمع على الإفطار، ونوقظ بعضنا ونجتمع على القيام ولو لوقت يسير، ونخصص ساعات نجلس فيها لقراءة القرآن، وهكذا في سائر الأعمال، عندها ألا تشعرون أن السنة أصبحت كلها رمضان؟ وأن المجتمع يشجع بعضه بعضاً؟! وليس معنى هذا أن نكون كما كنا في رمضان، مع أننا نتمنى هذا، نحن لا نقول: كونوا كما كنتم في رمضان من الاجتهاد والحرص على الخيرات، فالنفس لا تطيق ذلك، ورمضان له فضائل وخصائص، ولكنا نقول: لا للانقطاع عن الأعمال الصالحة، فلنحرص ولو على القليل من صيام النفل، ولنداوم ولو على القليل من القيام، ولنقرأ كل يوم ولو القليل من القرآن، ولنتصدق ولو بالقليل من المال والطعام، وهكذا في سائر الأعمال، ولنحيي بيوتنا ولنشجع أولادنا وأزواجنا.
وفي الحديث الصحيح المتفق عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قَلَّ) .
[وقد كان عمله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ديمة] كما كانت تقول عائشة رضي الله تعالى عنها.
فهل تعلمنا من رمضان الصبر والمصابرة على الطاعة وعن المعصية؟ وهل عودنا أنفسنا على المجاهدة للهوى والشهوات؟ هل حصلنا على التقوى التي هي ثمرة الصيام الكبرى، واستمرت معنا حتى بعد رمضان، فإن الصلة بالله وخوف الله هي السر في حياة الصالحين والصالحات؟!
توجيه لمن أصابه العجب والغرور
أيها المحب! إياك والعجب والغرور بعد رمضان، ربما حدثتك نفسك أن لديك الآن رصيد كبير من الحسنات كأمثال جبال تهامة، أو أن ذنوبك غُفرت فرجعتَ كيوم ولدتك أمك، فما يزال الشيطان يغريك والنفس تلهيك، حتى تكثر من المعاصي والذنوب، ربما تعجبك نفسك وما قدمته خلال رمضان، فإياك إياك والإدلال على الله بالعمل، فإن الله عز وجل يقول: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر:6] فلا تمن على الله بما قدمت وعملت، فما الذي يدريك أن أعمالك قبلت؟ وهل قدمتها كما ينبغي؟ وهل كانت لله أم لا؟ ألم تسمع لقول الحق عز وجل: {وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47] فاحذر مفسدات الأعمال الخفية، نعوذ بالله من الشقاق والنفاق والرياء ومساوئ الأخلاق.
توجيه لمن أصابه الفتور
أيها الإخوة والأخوات! إن من خالط الإيمان بشاشة قلبه؛ لا يمكن أن يهجر الطاعات، كيف وقد ذاق حلاوتها وطعمها، وشعر بأنسها ولذتها في رمضان؟ إن هرقل لما سأل أبا سفيان عن المسلمين: أيرجعون عن دينهم أم لا؟ قال أبو سفيان: لا.
قال هرقل: وكذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب.
إن هرقل يعلم أن من ذاق حلاوة الإيمان، وعرف طعمه لا يمكن أن يرجع عن دينه أبداً مهما فُعل به.
إن طعم الإيمان، ولذة الطاعة هما السر في الاستمرار وعدم الانقطاع، نعم.
يفتر المسلم ويتراخى، ويمر به ضعف وكسل، خاصةً بعد عمل قام به، وذلك مصداق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لكل عمل شرة، والشرة إلى فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد ضل) .
والحديث أخرجه أحمد في مسنده وإسناده صحيح، وقد صححه الألباني كما في الصحيحة، وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، وأيضاً أخرج من وجوه كما في الترمذي، وقد قال عنه الترمذي: حسن صحيح غريب من هذا الوجه، كما في صحيح الجامع للألباني.
إذاً: فالمسلم يفتر ويضعف لكنه لا ينقطع، واسمع لهذا الكلام الجميل لـ ابن القيم رحمه الله: تخلل الفترات -أي الفترة والكسل- للسالكين أمر لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تخرجه من فرض، ولم تدخله في محرم، رجي له أن يعود خيراً مما كان.
انتهى كلامه رحمه الله.
فلعلنا أيها الأحبة! نقارن بين حالنا في رمضان بعد سماع هذا الكلام، وبين حالنا خلال هذه الأيام؛ لنشعر بما فقدناه من اللذة والطاعة وحلاوة الإيمان، والله المستعان.
همسة لصناع الحياة
يا صناع الحياة! يا دعاة الهدى! ويا دلاَّل الخير! رمضان كشف عن الخير في نفوس الناس مهما تلطخ بعضهم بالمعاصي والسيئات، حتى الفاسق، فكم من المرات رأيناه انتصر على نفسه فتخطى عتبة المسجد ليركع مع الراكعين في صلاة التراويح والقيام -أي والله- رأينا ممن ظاهرهم الفسق يركعون ويسجدون، وربما تدمع عيونهم ويبكون، وقد يصلون ساعات طويلة مع المسلمين في آخر الليل، هذه دلالات على فطرة الخير في نفوس الناس، لكن أين من يحسن التعامل معهم؟ نعم.
يا شباب الصحوة! نعم.
يا دعاة الخير! نعم.
أيتها الفتيات! كأني برمضان يصرخ هذا العام فينا فيقول: إن الدعوة إلى الله فن وأخلاق، فيا ليت شعري من يجيد هذا الفن؟! ومن يتمثل هذه الأخلاق؟! فلماذا نعتذر بصدود الناس وغفلتهم، لنبرر فتورنا وعجزنا وكسلنا؟ ولكني لا أقول إلا: اللهم إنا نشكو إليك جلد الفاسق وعجز الثقة، فكم من الثقات استجابوا لخمولهم وكسلهم! إنا لله وإنا إليه راجعون!
أحب الأعمال
إن مما لا شك فيه أن هناك ضعفاً في البشر لا يملكون أن يتخلصوا منه، وليس مطلوباً منهم أن يتجاوزوا حدود بشريتهم، غير أن المطلوب أن يستمسكوا بالعروة الوثقى التي تشدهم إلى الله في كل حين، وتجعل من التدين في جميع جوانب الحياة عندهم -ثقافة وأسرة وإعلاماً- من الثوابت التي لا تتغير، ولا تُخدع بها النفس في موسم ما دون غيره، كما أنها تمنعهم في الوقت نفسه -بإذن الله- من التساقط والتهالك، وتحرسهم من الفترة بعد الشِّرّة مهما قلَّت، ما دامت هي على الدوام، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {يا أيها الناس! خذوا من الأعمال ما تُطيقون، فإن الله لا يملَّ حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قلَّ} رواه البخاري ومسلم. و قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [[كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا إلى قول الله عز وجل: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27]] ] .
إن البقاء على الطاعة في كل حين، أو التهاون عنها كرات ومرات ليعودان بالمرء -بإذن الله- إلى القلب، وهو أكثر الجوارح تقلباً في الأحوال، حتى قال فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم: {إنما سُمِّي القلبُ مِن تقلُّبه، إنما مَثَل القلب كمثل ريشة في أصل شجرة يقلبها الريح ظهراً على بطن} رواه أحمد، ولأجل هذا كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: {يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك} رواه الإ مام أحمد.
والمسلمون في رمضان يظهر جلياً اهتمامهم بالعبادة والقيام وقراءة القرآن وسائر القربات، بينما يهملون دينهم بقية شهور العام، ومن أسباب ذلك الفتور الذي يعتريهم في سائر أيام العام: سيرهم إلى الله على مركب الرجاء أو كما يسمى (دراسة الجدوى) فيستثمرون أوقاتاً تضاعف فيها الحسنات كليلة القدر مثلاً وكأن عملهم فيها مقبول يقيناً، ولا يلتفتون إلى الأوقات الأخرى، ولو ركبوا في إبحارهم إلى المولى الودود تعالى مركب الشوق والمحبة لما تهاونوا ولما استثقلوا العبادة والطاعة.
رحل رمضان ويا لها من أيام، ولكن يا ترى ما هو الفرق بين حالنا في رمضان وحالنا بعد رمضان؟ كل يسأل نفسه: كيف حالك أيتها النفس بعد رمضان؟! فالعاقل اللبيب من جعل رمضان مدرسة لبقية الشهور بالاستمرار والمداومة على الطاعات والواجبات، ولو كانت قليلة؛ فقليل دائم خير من كثير منقطع.
إن الذي يتقي الله حق تقاته يواصل على الطاعة والعبادة، والله تعالى لما ذكر صفات المؤمنين لم يقيدها بوقت، ولم يخصها بزمان، قال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:1-3] ليس معرضين في رمضان فقط: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنون:4] متى ما دار الحول يزكي في رمضان أو في غيره، وبعض الناس إذا حال الحول في رمضان زكى ويهمل الزكاة في الأموال التي يحول عليها الحول في غير رمضان، فانتبهوا لهذه المسألة: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون:5] ليس في رمضان فقط، بل وفي غير رمضان.
أيضاً: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً} [الفرقان:63] دائماً هكذا مشيهم: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63] هكذا هم في العادة: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً} [الفرقان:64] هم باستمرار يفعلون ذلك، وليس قيام رمضان فقط، وهكذا من سائر صفات المؤمنين، والسبب أننا مطالبون بالعمل إلى الموت بأمرٍ من الله تعالى، مرسومٌ رسمه الرب، وأمرٌ صدر من الرب، قال الله عز وجل: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] واليقين هو الموت، وقال الله تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ} [مريم:65] فلابد من الصبر والمصابرة على الطاعة.
وهذه وقفةٌ مهمة جداً في قضية الاستمرار على الطاعة، ولعله لهذا السبب شرع لنا صيام الست من شوال بعد رمضان، حتى لا تنقطع العبادة الجميلة وهي عبادة الصيام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام ستة أيامٍ بعد الفطر كان تمام السنة) {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام:160] هكذا يقول الله تعالى، وفي رواية: (جعل الله الحسنة بعشر أمثالها) وفي رواية: (فشهرٌ بعشر ذي أشهر) وفي رواية: (صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام السنة) ستة في عشرة بستين، ستون يوماً هي شهران مع الشهر الذي صمناه في عشرة بعشرة أشهر، فتمت السنة وفضل الله عظيم، وكرمه واسع، وهباته مستمرة، وعطاؤه لا ينقطع، لكن أين العاملون؟ فمن فعل هذا دائماً فكأنما صام عمره، من كان كلما صام رمضان صام ستاً من شوال، فإنه يكون قد صام العمر وله أجر صيام الدهر.
ونُذكر أيضاً بأن الاستمرار في العبادة والطاعة وهضم النفس مع وجوبهما، فإن ذلك لا يعني أن يكلف الإنسان نفسه فوق ما يطيق (خذوا من العبادة ما تطيقون، فإن الله لا يسأم حتى تسأموا) حديث صحيح.
هكذا يجب أن يكون العبد ... مستمر على طاعة الله , ثابت على شرعه , مستقيم على دينه , لا يراوغ روغان الثعالب , يعبد الله في شهر دون شهر , أو في مكان دون آخر , لا ... وألف لا ..!! بل يعلم أن ربّ رمضان هو ربّ بقية الشهور والأيام .... قال تعالى : { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَك.. } هود 112 , وقال : { ... فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ... } فصلت 6 .
والآن بعد أنتهاء صيام رمضان ... فهناك صيام النوافل : ( كالست من شوال ) , ( والاثنين , الخميس ) , ( وعاشوراء ) , ( وعرفه ) , وغيرها .
وبعد أنتهاء قيام رمضان , فقيام الليل مشروع في كل ليله : وهو سنة مؤكدة حث النبي صلى الله عليه وسلم على أدائها بقوله : " عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم ، ومقربة إلى ربكم ، ومكفرة للسيئات ، ومنهاة عن الإثم مطردة للداء عن الجسد " رواه الترمذي وأحمد .
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل " ، وقد حافظ النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل ، ولم يتركه سفراً ولا حضراً ، وقام صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر حتى تفطّرت قدماه ، فقيل له في ذلك فقال : " أفلا أكون عبداً شكوراً " متفق عليه .
وقال الحسن : ما نعلم عملاً أشد من مكابدة الليل ، ونفقة المال ، فقيل له : ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوهاً ؟ قال : لأنهم خلو بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره.
اجتناب الذنوب والمعاصي : فإذا أراد المسلم أن يكون مما ينال شرف مناجاة الله تعالى ، والأنس بذكره في ظلم الليل ، فليحذر الذنوب ، فإنه لا يُوفّق لقيام الليل من تلطخ بأدران المعاصي .
قال رجل لإبراهيم بن أدهم : إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء ؟ فقال : لا تعصه بالنهار ، وهو يُقيمك بين يديه في الليل ، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف ، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف .
وقال رجل للحسن البصري : يا أبا سعيد : إني أبِيت معافى ، وأحب قيام الليل ، وأعِدّ طهوري ، فما بالي لا أقوم ؟ فقال الحسن: ذنوبك قيدتْك
وقال رحمه الله : إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل ، وصيام النهار . وقال الفضيل بن عياض : إذا لم تقدر على قيام الليل ، وصيام النهار ، فأعلم أنك محروم مكبّل ، كبلتك خطيئتك وقيام الليل عبادة تصل القلب بالله تعالى ، وتجعله قادراً على التغلب على مغريات الحياة الفانية ، وعلى مجاهدة النفس في وقت هدأت فيه الأصوات ، ونامت العيون وتقلب النّوام على الفرش . ولذا كان قيام الليل من مقاييس العزيمة الصادقة ، وسمات النفوس الكبيرة ، وقد مدحهم الله وميزهم عن غيرهم بقوله تعالى : ( أمّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب ) .
والآن بعد أن انتهت ( زكاة الفطر ) : , فهناك الزكاة المفروضه , وهناك أبواب للصدقه والتطوع والجهاد كثيرة .
وقرأة القرآن وتدبره ليست خاصه برمضان: بل هي في كل وقت .
وهكذا .... فالأعمال الصالحه في كل وقت وكل زمان ..... فاجتهدوا الأحبة في الله في الطاعات .... وإياكم والكسل والفتور .
فالله ... الله في الاستقامة والثبات على الدين في كل حين فلا تدروا متى يلقاكم ملك الموت فإحذروا أن يأتيكم وأنتم على معصية .
الثبات بعدرمضان
وسيكون الحديث عن هذا المحور فيعدة نقاط هي كالتالي :
1) ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها منبعدقوة أنكاثا .
2) احذرالشيطان .
3) إياك وهبوط العزيمة ( خمس أشياء تساعدكعلى تثبيت مستواك الايماني ) .
4) كيف تعرف هل قبلرمضانأم لا ؟
5) رمضاننقطة بداية وليس نقطة نهاية .
النقطة الأولى ( ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها :(
إن كنتم ممن أستفاد من رمضان ... وتحققت فيكم صفات المتقين ... !
فصُمتم حقاً ... وقُمتم صدقاً ... واجتهدتُم في مجاهدة أنفسكم فيه ... !!
فأحمدوا الله وأشكروه وأسألوه الثبات على ذلك حتى الممات .
وإياكم ثم إياكم ... من نقض الغزل بعد غزله .
إياكم والرجوع الى المعاصي والفسق والمجون , وترك الطاعات والأعمال الصالحة بعد رمضان .. فبعد أن تنعموا بنعيم الطاعة ولذة المناجاة ... ترجعوا إلى جحيم المعاصي والفجر !!
فبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان ..!!
الأحبة في الله : ولنقض العهد مظاهر كثيرة عند الناس فمنها ..
(1) ما نراه من تضييع الناس للصلوات مع الجماعه ... فبعد امتلاء المساجد بالمصلين في صلاة التراويح التي هي سُنه ... نراها قد قل روادها في الصلوات الخمس التي هي فرض ويُكّفَّر تاركها !!
(2) الانشغال بالأغاني والأفلام .. والتبرج والسفور .. والذهاب إلى الملاهي والمعاكسات !!
(3) ومن ذلك التنافس في الذهاب إلى المسارح ودور السينما والملاهي الليلية فترى هناك - مأوى الشياطين وملجأ لكل رزيلة - وما هكذا تُشكر النعم .. وما هكذا نختم الشهر ونشكر الله علىّ بلوغ الصيام والقيام , وما هذه علامة القبول بل هذا جحود للنعمة وعدم شكر لها .
وهذا من علامات عدم قبول العمل والعياذ بالله لأن الصائم حقيقة .. يفرح يوم فطرة ويحمد ويشكر ربه على أتمام الصيام .. ومع ذلك يبكي خوفاً من ألا يتقبل الله منه صيامه كما كان السلف يبكون ستة أشهر بعد رمضان يسألون الله القبول .
فمن علامات قبول العمل أن ترى العبد في أحسن حال من حاله السابق .
وأن ترى فيه إقبالاً على الطاعة { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ.. } ابراهيم 7 .
أى زيادة في الخير الحسي والمعنوي ... فيشمل الزيادة في الإيمان والعمل الصالح .. فلو شكر العبدُ ربهُ حتى الشكر , لرأيته يزيد في الخير والطاعة .. ويبعد عن المعصية .والشكر ترك المعاصي .
ماذاتقول لامرأة جلست طوال شهر كامل تصنع ملبسا من الصوفبالمغزل حتى ما ان قرب الغزل من الانتهاء نقضت ما صنعت
هذا المثل يمثل حالبعضنا فبمجرد إنتهاء شهررمضانسرعان ما يعود إلى المعاصي والذنوب فهو طوال الشهرفي صلاة وصيام وقيام وخشوع وبكاء ودعاء وتضرع وهو بهذا قد أحسن غزل عباداته... لدرجة أن أحدنا يتمنى ان يقيضه الله على تلك الحالة التي هو فيها من كثرة ما يجد منلذة العبادة والطاعة ولكنه ينقض كل هذا الغزلبعدمغرب أخر يوم فيرمضان ... والكثير يسأل نفسه لماذافعلت هذا ويستغرب والإجابة على هذا السؤال توضحهالنقطة التالية .
النقطة الثانية ( احذر الشيطان :(
عدو يغفل عنه الكثير ولا يعمل له حساب إلا من رحم ربي رغم علمنابعداوته لنا وماذايريد منا وكلمة أوجهها لنفسي ولكم اليس عيب ان يتقنالشيطان فن التخطيط وصناعة الاهداف والإصرار عليها ونجهلها نحن.. الشيطان عندهرسالة وهي أن يدخلك النار وعنده أهداف واضحة لتلك الرسالة وهي ان يجعلك تقع فيالمعاصي والذنوب التي تكون سببا في دخولك النار ونحن ما هي رسالتنا في الحياة ما هيأهدافنا ما واجبنا تجاه ديننا ام اننا نعيش لنأكل ونشرب ونتزوج .
الشيطان حبسعنا شهرا كاملا وهو الآن يخرج ويفك أسره ومازال مصراً على تحقيق هدفه وهو إيقاعك فيالمعاصي فأول شيء يفعله معك في أول يومبعدرمضانهو الوقوع في معصية ومعصية ليست سهلة كي تهدم كل مافعلته فيرمضانمن طاعات فهل سنكون مستسلمين له ام اننا سنخطط كمايخطط هو ..وهنا نقطة لطيفة أحب أن أشير إليها وهي أن الشيطان له معك خطتان واحدةقبلرمضانوالثانيةبعده فالتي قبلرمضانتكون في شهر شعبان والثانية تكون في شهر شوال فهو فيشهر شعبان يحاول جاهدا أن يجعلك ترتكب اكبر كمية من المعاصي قبل الدخول علىرمضانليأتي الشهر وأنت في معصية كبيرة تؤثر عليك طوالالشهر حتى ما إذا أفقت منها دخل شهر شوال فقابلك بمعصية أخرى وهكذا ولنا في رسولناصلى الله عليه وسلم أسوة حسنة للخلاص من خطة الشيطان هذه فقد نبهنا الرسول الكريموحثنا على الاهتمام بشهر شعبان فقال ذاك شهر يغفل عنه كثير من الناس وأمرنا بصيامأيام منه لنستعد لرمضانونتذكر فضل الصوم وتعتاد النفس عليه ونكون في مأمنمن خطة الشيطان التي قبلرمضانثم يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بصيام أيام منشوال وأعطى حافزا وجائزة لمن صام وهو قوله من صامرمضانثم اتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر ... لما كلهذا يا رسول الله أولا لتثبت على الطاعة ثانيا لتكون في مواجهة خطة الشيطان وخاصةفي هذا الشهر منبعدرمضان
سيحاول أن يوقعك في معاصي زنا او مشاكل اسرية اومشاكل مع الاصدقاء او ترك للطاعات ومشاهدة الافلام المهم أي شيء يخرجك من جو الطاعةلتكون صيد سهل له ... لأنه في لحظة خروجه يخرج هائجا مغتاظا فكل ما فعله معك طوالالعام وما اوقعك فيه من معاصي قد غفر لك في شهر ( انظر الى الاصرار منه على دخولكالنار) فهو يريد ان يضيع عليك ما كسبته من اجر في هذا الشهر في يوم واحد ليثبت لكان لا فائدة منك وانك مهما كنت طائعا فمن السهل ان تقع في المعصية .
وعلاج هذهالنقطة هو الثبات على الطاعة لمدة اسبوعبعدرمضانلتجبر الشيطان على تغيير خطته معك ولتأكد له انكفعلا قد تغيرت للأحسن ولكي نفهم ذلك ننتقل للنقطة الثالثة فهي توضح ذلك .
النقطة الثالثة : إياك وهبوط العزيمة ( خمس أشياءتساعدك على تثبيت مستواك الايماني)
من الأشياء التي تسر النظر وتفرحالقلب وتشرح الصدر فيرمضانمنظر المسجد وهو مملوء بالمصلين في الخمس صلواتفعينك تقع إما على راكع أو ساجد او مبتهل بالدعاء وإما قارئ للقرآن
تجد الكلمملوء بالطاقة والحيوية والعزيمة والنشاط ومع أول أيام العيد يحدث الفتور والكسلوالخمول فمنا من يؤخر الصلاة ومنا من يقوم بوضع المصحف في المكتبة لرمضانالقادم ( كل دي من خطط الشيطان ) ويترك الدعاء حتىقيام الليل .... اذاماذانفعل لنحافظ على هذه الطاقةهنا يجب ان نتفقعلى ان نلتزمبخمس أشياءبعدرمضانولا نفرط فيها بأي حال من الأحوال فمثل ما نأكلونشرب ونحافظ على الأكل يوميا لتغذية البدن نحافظ ايضا على هذه الخمسة أشياء لتغذيةالروح
1) المحافظة على الصلوات الخمس جماعة وخصوصاصلاة الفجر
فنحن اثبتنا لأنفسنا فيرمضاناننا قادرون على اداء صلاة الجماعة في المسجدوقادرون على صلاة الفجر يوميا فلنحافظبعدرمضانعلى الصلوات في المسجد قدر استطاعنا فان لم نستطعفلتكن في اول الوقت مع السنن الراتبة في أي مكان انت فيه حاول الا تؤخرها لا تدعفرصة للشيطان اثبت على ذلك لمدة اسبوع .
2) القرآن : لا تكن ممن يقرآن القرآن فيرمضانفالقرآن انزل لنتلوه فيرمضانوغيررمضان ... انت استطعت ان تقرأ كل يوم جزء او جزئيين أوثلاث واجتهدت في ذلك وخصصت وقت لذلك من يومك فحاول أن تجعل لنفسك ورد يومي ثابت منالقرآن ولو صفحة واحدة يوميا ( اثبت للشيطان أنك فعلا اتغيرت ) .
3) ذكر الله : اجتهدبعدرمضانعلى ان تحافظ على اذكار الصباح والمساء اذكار النوم، اذكار الخروج من المنزل، استغل وقت فراعك في العمل أو ذهابك إليه بذكر الله
4) الصحبه الصالحة : اختر من يعينك على طاعة اللهفالمرء على دين خليله والأخلاء بعضهم يومئذ لبعض عدو الا المتقين ، والمؤمن للمؤمنكالبنيان يشد بعضه بعضا فاختر صاحبا إذا رأى منك معصية حذرك ودلك على طريق الخير ،وكما تريد أنت صديق حسن الخلق فصديقك يريد أيضا صاحب يشد على يديه فانوي الخير فينفسك لتنال ما تريد .
5) الدعاء : ( وإذا سألك عباديعني فإني قريب . أجيب دعوة الداع إذا دعان ) ، (وقال ربكم ادعوني استجب لكم ) ( منلم يسال الله يغضب عليه ) الكثير من الآيات والأحاديث في فضل الدعاء ومكانته فاحرصبعدرمضانعلى الدعاء ، أم ليس لك عند الله حاجةبعدرمضانفكلنا فقراء إلى الله وهو الغني الحميد فخصص وقتاللدعاء يوميا ولو لدقيقتينبعدأي صلاة أو اجعله في أخر يومك المهم أن لا يمر يوم دونأن تدعي واسأل الله أن يثبتك على الطاعة
كما لا تحرم نفسك أيضا من قيام الليلولو يوم واحد في الأسبوع ولمعرفة فضل قيام الليل وأثره طالع احد الكتب أو قم بزيارةأي المواقع الإسلامية وابحث عن فضل قيام الليل ،والصوم أيضا فهناك صيام الاثنينوالخميس والأيام البيض من كل شهر هجري، اختر لنفسك ما تستطيع فعله من الطاعاتالمهم أن تحدث تغييرا في حياتكبعدرمضانإلى الأحسن وانتصر على نفسك وشيطانك
النقطة الرابعة ( كيف تعرف هل قبل منارمضانأم لا) :
أولا لا تغتر بعبادتك ولا تقللقد صمترمضانكاملا بل احمد الله أن وفقك وبلغك شهررمضانشهر الخير والإحسان واحمده أن وفقك أيضا لصيامهوقيامه فكم من محروم وممنوع واستغفر الله فتلك عادة رسول الله صلى الله عليه وسلمبعدكل طاعة.... الاستغفار .
ويقول سيدنا على كان أصحابالنبي يعملون العمل بهمة ثم إذا فرغوا أصابهم الهم أقبل العمل أم لا
ولكن مانعنيه في هذه النقطة هي مبشرات وضحها لنا القرآن وبينها لنا حبيبنا صلى الله عليهوسلم ففي كتاب الله قوله تعالى ( يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علىالذين من قبلكم لعلكم تتقون ) إذا فالهدف من الصوم هو التقوى فإذا تحققت فيك التقوىمع نهاية الشهر فقد قبل منكرمضانبفضل الله وبين لنا الحبيب أن من علامات قبول الطاعةأن تتبعها طاعة لا أن تتبعها معصية
نحن لا نطلب أن نكونبعدرمضانكما كنا فيرمضانفهذا شيء صعب فأيامرمضانلها ميزة خاصة وقدرة خاصة وطاقة خاصة ولكن نأخذ منهذه الطاقة والقدرة ما يعيننا على الثباتبعدرمضانفأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل وهنا تتضحالحكمة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من صامرمضانثم أتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر ) والحكمة أنتثبت على الطاعة وتأكيد على الاستمرار في فعل الخيرات وبان ربرمضانهو رب كل الشهور.
النقطةالخامسة:) رمضاننقطة بداية وليس نقطة نهاية (
شهررمضانفرصة للتغيير ، فرصه لكسب المزيد من المهارات ، ففيرمضاننتعلم كيف ننظم الوقت نأكل في موعد محدد ونمسك عنالطعام في وقت محدد ، وتتعلم منه أيضا فن الاتزان فنحن فيرمضاننوازن بين غذاء الروح وغذاء البدن ففي بقية شهورالسنة نركز على غذاء البدن ونهمل غذاء الروح فيحدث الكسل والفتور وعدم المقدرة علىالعبادة أما فيرمضانفيزيد تركيزنا على غذاء الروح مثل الذكر قيام الليلالقرآن فتنشط الروح وإذا نشطت الروح أصبح الجسد قادرا على الطاعة والزيادة فيها ،ونتعلم منرمضانأيضا الصبر والمسامحة والإيثار فكثيرا ما كنت أجدعلى مائدة الإفطار أخوة لي قبل أن يأكل أحدهم تمرته ينظر إلى من بجانبه فأن لم يجدأمامه تمرا آثره على نفسه والكثير من الأخلاق ، فلماذابعدرمضاننترك كل هذابعدأن تعودنا عليه وعندي مثال لرجل يمتلك سيارة قامبإدخالها إلى مركز الصيانة لعمل صيانة لها وإصلاح ما فسد فيها ثمبعدأن تمت عملية الصيانة اللازمة لها وتزويدها بالبنزينأوقف السيارة ولم يستعملها ... فهل هذا معقولبعدأن أصبحت السيارة قادرة على السيرة بسرعة وبقوة يتركها .
فهذا الحال يحدثبعدرمضانفبعدأن يتم شحن بطاريات الإيمان فينا ونصبح قادرين علىالمضي في طريق الهداية والإيمان نتوقف ونهمل أنفسنا نتصالح مع الشيطان ونركز علىالبدن في الغذاء لا على الروح والبدن معا .
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا علىدينك
اللهم ما تقبل هذا العمل واجعله خالصا لوجهك الكريم وتقبل منارمضانواعنا على الطاعةبعده
المحافظة على صيام ست من شوال
من نعم الله علينا أن والى العبادات، وتابع علينا الطاعات؛ من الفرائض والمستحبات، فإنه إن انتهى شهر الفريضة في شهر رمضان فصوم التطوع بابه مفتوح؛ كصيام ستة أيام من شوال، فقد روى الإمام مسلم عن أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر} .
وذلك: لأن صيام شهر رمضان عن صيام عشرة أشهر في الأجر، وستة أيام من شوال عن صيام شهرين فبذلك يحصل لمن صامها أجر صيام الدهر كله، ويجوز لمن أراد صيامها أن يتابعها ويفرقها في الشهر، كما يجوز أن يصوم سنة ويترك أخرى، فلا تُفوِّتوا -رحمكم الله- على أنفسكم هذه الفضائل، واذكروا الله سبحانه على إنعامه، وأتموا أعمالكم الصالحة، واستمروا عليها بعد رمضان إلى أن يتوفاكم الله عز وجل، ولا تبطلوا -رحمكم الله- أعمالكم الصالحة التي بنيتموها في شهر رمضان، فإن أحدنا لا يدري هل يدرك رمضان مرة أخرى أو لا يدركه؟ وكلنا بحاجة إلى التوبة إلى الله سبحانه، والاستغفار إليه، وتتابع الأعمال الصالحة.
وصيام هذه الست بعد رمضان دليل على شكر الصائم لربه تعالى علىتوفيقه لصيام رمضان، وزيادة في الخير، كما أن صيامها دليل على حب الطاعات، ورغبة فيالمواصلة في طريق الصالحات.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله : ( فأما مقابلةنعمة التوفيق لصيام شهر رمضان بارتكاب المعاصي بعده، فهو من فعل من بدل نعمة اللهكفراً ).
أخي المسلم: ليس للطاعات موسمٌ معين ، ثم إذا انقضى هذا الموسمعاد الإنسان إلى المعاصي!
بل إن موسم الطاعات يستمر مع العبد في حياتهكلها، ولا ينقضي حتى يدخل العبد قبره..
قيل لبشر الحافي رحمه الله : إنقوماً يتعبدون ويجتهدون في رمضان. فقال: ( بئس القوم قوم لا يعرفون لله حقاً إلا فيشهر رمضان، إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها).
أخي المسلم: فيمواصلة الصيام بعد رمضان فوائد عديدة، يجد بركتها أولئك الصائمون لهذه الست منشوال.
وإليك هذه الفوائد أسوقها إليك من كلام الحافظ ابن رجب - رحمه الله -:
إن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله.
إن صيام شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها،فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص، فإن الفرائض تكمل بالنوافل يوم القيامة.. وأكثر الناس في صيامه للفرض نقص وخلل، فيحتاج إلى ما يجبره من الأعمال.
إنمعاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صوم رمضان، فإن الله تعالى إذا تقبلعمل عبد، وفقه لعمل صالح بعده، كما قال بعضهم: ثواب الحسنة الحسنة بعدها، فمن عملحسنة ثم أتبعها بحسنة بعدها، كان ذلك علامة على قبول الحسنة الأولى، كما أن من عملحسنة ثم أتبعها بسيئة كان ذلك علامة رد الحسنة وعدم قبولها.
إن صيام رمضانيوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب، كما سبق ذكره، وإن الصائمين لرمضان يوفون أجورهم فييوم الفطر، وهو يوم الجوائز فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكراً لهذه النعمة، فلانعمة أعظم من مغفرة الذنوب، « كانالنبي صلى اله عليه وسلم إذا صلى، قام حتى تفطر رجلاه. قالت عائشة : يا رسول الله ! أتصنع هذا، وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال : يا عائشة ! أفلا أكون عبداشكورا » [ رواه مسلم ]
وقد أمر الله - سبحانه وتعالى - عباده بشكرنعمة صيام رمضان بإظهار ذكره، وغير ذلك من أنواع شكره، فقال: {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَوَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة:185]
فمن جملة شكر العبد لربه على توفيقه لصيام رمضان، وإعانتهعليه، ومغفرة ذنوبه أن يصوم له شكراً عقيب ذلك.
كان بعض السلف إذا وفقلقيام ليلة من الليالي أصبح في نهارها صائماً، ويجعل صيامه شكراً للتوفيق للقيام.
وكان وهيب بن الورد يُسأل عن ثواب شيء من الأعمال كالطواف ونحوه، فيقول: لاتسألوا عن ثوابه، ولكن سلوا ما الذي على من وفق لهذا العمل من الشكر، للتوفيقوالإعانة عليه.
كل نعمة على العبد من الله في دين أو دنيا يحتاج إلى شكرعليها، ثم التوفيق للشكر عليها نعمة أخرى تحتاج إلى شكر ثانٍ، ثم التوفيق للشكرالثاني نعمة أخرى يحتاج إلى شكر آخر، وهكذا أبداً فلا يقدر العباد على القيام بشكرالنعم.
وحقيقة الشكر الاعتراف بالعجز عن الشكر.
إن الأعمال التي كانالعبد يتقرب يها إلى ربه في شهر رمضان لا تنقطع بانقضاء رمضان بل هي باقية بعدانقضائه ما دام العبد حياً..
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عمله ديمة.. وسئلت عائشة - رضي الله عنها -: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص يوماً منالأيام؟ فقالت: لا ، كان عمله ديمة.
وقالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لايزيد في رمضان و لا غيره على إحدى عشرة ركعة، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقضي ما فاته من أوراده في رمضان في شوال، فترك في عام اعتكاف العشر الأواخر منرمضان، ثم قضاه في شوال، فاعتكف العشر الأول منه .
ماذا تعلمنا من رمضان
وفيه النقاط التالية
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) البقرة
فلقد كان حرصنا في شهر رمضان على الوصول إلى التقوى
معنى التقوى: الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل
عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ * الترمذي
وهذا الحديث يدعونا إلى المحافظة على تقوى الله حيثما كنا.
علمنا رمضان الشعور بالمراقبة الإلهية فكنا نصوم في العلن والسر وذلك ليقيننا بأن الله يعلم أحوالنا وأعمالنا ونشعر بمراقبته لنا فنخاف من مخالفة أوامره لا من أعين الناس.
لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284) البقرة
تعلمنا أن نحاسب أنفسنا ونراقب قلوبنا في رمضان حتى لا نفسد صيامنا وذلك لأننا نعلم ونؤمن بأن الله يعلم ما في الصدور.
قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) آل عمران
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46) البقرة
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ * الترمذي
· تعظيم شعائر الله سبحانه وتعالى
فقد بين الله سبحانه وتعالى بأن تعظيم شعائره هي من تقوى القلوب.
ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) الحج
· الاستجابة لنداء الله
فقد كانت استجابتنا سريعة ومن غير تردد لنداء الرب في طاعته بصيام رمضان فنسأل الله أن نكون على ذلك في جميع الأحوال والأوقات فقد وعدنا الله بالأجر العظيم.
الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) آل عمران
وقد بين الرب سبحانه وتعالى بأن الاستجابة لأوامره إنما هي الحياة الحقيقية حيث أنه هو خالقنا ويعلم ما يصلح أمورنا وهو لا يأمر من خلقه إلا بخير.
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) الأنفال
· لقد ذقنا حلاوة العبادة فنتمنى أن نحافظ عليها. وقد ورد أن من علامات المؤمن هو مسرة وسعادته بحسنته.
مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكُمُ الْمُؤْمِنُ. الترمذي
· الحرص على المحافظة على الصلوات بأوقاتها وأداء النوافل
تعلمنا في رمضان بأن نحافظ على الصلوات بأوقاتها وأن نتفرغ من أعمالنا للمحافظة على أدائها في وقتها ولم نجعل أعمالنا تلهينا عن ذكر الله فنسأل الله بأن نستمر على هذا الحال. لأن هذه من صفات المسلمين الذين يؤمنون بالآخرة فقد أعد الله الأجر الكبير لهم.
رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) النور
ولقد تعلمنا في رمضان بأن نكثر من أداة صلاة النافلة. ولقد مدح الله أولئك الذين يكثرون من النوافل وبين أنها تمحو السيئات.
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) هود
ومن هذه النوافل قيام الليل والتي وصف الله أصحابها بأنهم من أهل التقوى وأنهم هم عباد الرحمن.
وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) الفرقان (وصف لعباد الرحمن)
· المحافظة على صلاة العشاء والفجر في جماعة
تعلمنا من رمضان المحافظة على أداء صلاتي الفجر والعشاء في جماعة فنسأل الله بأن يعيننا على الاستمرار والمداومة على ذلك. ولقد بين المصطفى فضل أداء هاتين الصلاتين في جماعة.
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ * مسلم
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ *. الترمذي
· الحرص على قراءة القرآن الكريم
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) العنكبوت
ولقد تعلمنا من رمضان المحافظة على قراءة القرءان. ولقد وصف الله أولئك الذين يتلون كتابه بالإيمان بالآخرة وأنهم يتاجرون مع الله تجارة لن تبور.
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) فاطر
ولقد أمتدح النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من موقع قارئ القرءان وبين بأن هذا الكتاب سوف يشفع لصاحبه يوم القيامة.
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ * مسلم
· الإقبال على الدعاء وكثرة الإستغفار بالسحر.
فقد بين الله سبحانه وتعالى فضل الدعاء بالسحر ووصف أهل السحر بأنهم من أهل التقوى
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) ءَاخِذِينَ مَا ءَاتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) الذاريات
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ * البخاري
· الحرص والرغبة في سماع الدروس الدينية وتعلم أمور الدين
ولقد تعلمنا في رمضان الحرص على حضور دروس العلم وحلقات الذكر وتعلم الدين من خلال قراءة الكتب الإسلامية وفي هذا خير كثير للمسلم فعسانا أن نستمر على هذا الحال في أيامنا المقبلة.
يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) البقرة
وقد فضل الله أهل العلم على غيرهم من الناس
أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ ءَانَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9) الزمر
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11) المجادلة
فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْءَانِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114) طه
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ * ابن ماجه
أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا ذِكْرَ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ أَوْ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا * ابن ماجه
· المحافظة على اللسان وبقية الجوارح
ولقد تعلمنا في رمضان الحفاظ على ألسنتنا ومراقبة ما نقول مخافة أن نفسد صيامنا فلعلنا نستمر على هذا الحرص على ما نقول.
بَاب حِفْظِ اللِّسَانِ وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ وَقَوْلِهِ تَعَالَى ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) * البخاري
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ قَالَ كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ قَالُوا صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ قَالَ هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ لَا إِثْمَ فِيهِ وَلَا بَغْيَ وَلَا غِلَّ وَلَا حَسَدَ * ابن ماجه
· الحرص على المشاركة في خدمة المسلمين والأعمال الخيرية في رمضان يدعونا إلى الاستمرار في خدمة الإسلام في بقية الأيام.
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ فَقَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ وَلْيُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ *. البخاري
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ قَالَ تَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ قَالَ وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ * مسلم
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ * مسلم
· تربية النفس على الطاعة يكون بالممارسة المستمرة والمجاهدة
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ(207) البقرة
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ(69) العنكبوت
· وجوب المحافظة على الطاعات في جميع الأوقات
الله هو رب كل الشهور ورب رمضان هو رب شوال. عبادة الله أمر مطلوب في جميع الأوقات والأحوال.
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(200) آل عمران
يَا أَيُّهَا النَّاسُ خُذُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ * البخاري
· المحافظة على الطاعات بعد رمضان
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ. * مسلم
الحال بعد رمضان لا يكون كرمضان
لا يشترط أن نكون بعد رمضان كما كنا في رمضان، فنحن نعلم أن ذلك موسمٌ عظيم، لا يأتي بعده مثله إلا رمضان الذي بعده، لا يأتي شهرٌ فيه خيرات ومغفرة ورحمة وعتق كما في هذا الشهر الذي انصرم، فنحن لا نقول: كونوا كما كنتم في رمضان من الاجتهاد، النفس لا تطيق ذلك، لكن لا للانقطاع عن الأعمال، الخطورة في الانقطاع يا عباد الله! لابد من أخذ الأمور بواقعية، ليس من المطلوب أن نكون بعد رمضان مثل رمضان، كان ذلك شهر اجتهاد له وضعٌ وظرفٌ خاص، لكن الانقطاع عن الأعمال لا.
ترك الصيام بالكلية لا.
ترك القيام بالكلية لا.
ترك ختم القرآن بالكلية لا.
ترك الدعاء والذكر والصدقة والعمرة لا.
استمروا على العمل وإن كان أقل مما كان في رمضان، ثم إن الله سبحانه وتعالى إذا كان العبد مواصلاً على عمله، لو أصابه عارض؛ لو مرض، لو سافر، يكتب له من الأجر مثلما كان يعمل صحيحاً مقيماً، وجاء في الحديث: (إذا مرض العبد قال الله للكرام الكاتبين: اكتبوا لعبدي مثل الذي كان يعمل حتى أقبضه أو أعافيه) حديث صحيح.
إذاً هذه من فوائد المواصلة على الطاعة والعبادة.
أيها المسلمون! من الوقفات المهمة أن الاستمرار على الطاعة والعبادة سببٌ لحسن الخاتمة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بعبدٍ خيراً استعمله، قيل: كيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعملٍ قبل الموت ثم يقبضه عليه) فإذا كان من الصالحين كانت عبادته حسنة، وكذلك فإن عبادتنا لله تعالى في جميع الأوقات والأحيان سواءً في السراء أو الضراء في رمضان أو في غير رمضان، في أوقات الرخاء والشدة، في أوقات المحنة والنعمة، إذا كانت مستمرة فإن الأجر يعظم: (عبادة في الهرج والفتنة كهجرة إليه) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، العبادة في وقت الفتن واختلاط الأمور أجرها كأجر المجاهد في سبيل الله تعالى، عندما لا يشجع الجو على العبادة، عندما يرجع كثير من الناس إلى فتورهم بعد رمضان، عندما تقوم أنت بالعبادة لا شك أن لك أجراً عظيماً، عندما فتر الناس أنت نشطت، عندما تقاعس الناس أنت قدمت، عندما تخلفوا أنت تقدمت.
إن هنا مفهوماً عظيماً، وهي أن العبادة هي أصلٌ في حياتنا، إنها ليست قضية طارئة، إنها ليست قضية مؤقتة، إنها ليست قضية محددة بزمانٍ أو مكان، إنها مستمرة، من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله شابٌ نشأ على طاعة الله تعالى.
إلى كل من دخل وخرج بالمعاصي من رمضان
من الوقفات العظيمة التي نقفها: للذين دخلوا رمضان بالمعاصي وخرجوا بالمعاصي إنهم لم يستفيدوا شيئاً، قال الله تعالى: {وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ} [المائدة:61] قال ابن كثير رحمه الله: هذه صفة المنافقين، وقد دخلوا، أي: عندك يا محمد! بالكفر، يعني: مستصحبين بالكفر في قلوبهم، ثم خرجوا من عندك والكفر كامنٌ فيها، لم ينتفعوا بما سمعوا، لم يفد فيهم العلم، لم تنجح فيهم المواعظ والزواجر.
فالذين دخلوا رمضان ثم خرجوا مثلما كانوا قبل رمضان، أو أسوأ تنطبق عليهم هذه الآية، دخلوا بالمعاصي وخرجوا بالمعاصي، بعد رمضان رجعوا إلى ما كانوا فيه من المنكرات، لم يستفيدوا من رمضان، رمضان لم يورث توبةً عندهم، ولا استغفاراً ولا إقلاعاً عن المعاصي، ولا ندماً على ما فات، لقد كانت محطةً مؤقتة ثم رجعوا إلى ما كانوا فيها.
هذه النفسية السيئة هل عبدت الله حق عبادته؟ هل وفت حق الله؟ هل أطاعت الله أصلاً؟ هذه مصيبة كبيرة أن يعود شراب الخمور إلى خمورهم، ومتعاطو المخدرات إلى مخدراتهم، وأصحاب الزنا إلى الزنا، وأصحاب الربا إلى الربا، وأصحاب الفسق ومجالس اللغو إلى اللغو، أن يعود أصحاب السفريات المحرمة إلى السفريات المحرمة، هذه مصيبة والله وكارثة، دخلوا بالمعاصي وخرجوا بالمعاصي، لم يستفيدوا شيئاً أبداً! أيها المسلمون: بعض الناس يتصور أن ما حصل في رمضان كافٍ للتكفير عن سيئات الإحدى عشر شهراً القادمة، ولذلك فهو يحمل على ما مضى، ويعول على ما مضى، وكأن هذا باعتباره ونظره ما حصل منه كافٍ، مستند يستند عليه، ومتكئ يتكئ عليه لمعصية الله تعالى وهو ما درى، ربما رد على أعقابه ولم يقبل منه عملٌ واحدٌ في رمضان.