(7) - القول على الله بغير علم
9 رمضان 1432

ليدبروا آياته (3) - الحلقة السابعة

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ..

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ..

أيها الإخوة الصائمون ..

نواصل مع سورة الكهف ومع قوله {وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً ما لهم به من علم} هذه الآية العظيمة فيها وفقات مهمة جداً، بعد أن بيّن الله جل وعلا أن هذا القرآن {ويبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم أجراً حسناً ما كثين فيه أبداً} قال هنا: {وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا} إذاً القرآن بشارة ونذارة ولذلك نجد أن يعرض هذا وهذا في آيات عظيمة {غفور رحيم} و {شديد العقاب} بشارة ونذارة، بشارة للمؤمنين ونذارة للكافرين ومن تشبه بعمل من أعمال الكافرين {وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً} من أعظم الإفك، المشركون قالوا اتخذ الله ولداً، اليهود أيضاً قالوا ذلك، قالوا {عزير ابن الله} النصارى قالوا {المسيح ابن الله}، المشركون اتخذوا آلهة من دون الله، مشركوا مكة.

فلذلك يقول الله جل وعلا {ما لهم به من علم ولا لآبائهم، كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً} هذه الآية أيها الإخوة، وإن كانت مباشرة في الذين قالوا اتخذ الله ولداً، وبالمشركين، لكنّ فيها دلالة هنا في قوله تعالى: {كبرت كلمة تخرج من أفواههم} كم تخرج من أفواه بعض المسلمين قد تهوي في أحدهم في النار سبعين خريفاً، كما في الحديث «وإن الرجل ليقول الكلمة من غضب الله، لا يلقي لها بالاً، يهوي به في النار سبعين خريفاً» استطالة المسلم لعرض أخيه المسلم من أربى الربا، أي من أعظم الربا، ومحله اللسان.

ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم للصحابي الجليل: «أمسك عليك لسانك»، فلما قال يا رسول الله أونحن مآخذون بما نتكلم به، قال: «ثكلتك أمك، وهل يكب الناس على وجوههم –أو مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم»، والله جل وعلا يقول: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} هذا اللسان: {كبرت كلمة تخرج من أفواههم} قد تكون شركاً، قد تكون كذباً، قد تكون غيبة أو نميمة، ومن أعظم ما يخرج من هذا اللسان هو القول على الله بغير علم، تأملوا هذه الآية في سورة الأعراف، يقول الله –جل وعلا-: {قل إنما حرم ربي الفواحش ماظهر منها وما بطن، والإثم والبغي بغير الحق، وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً، وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}، قال العلماء رتب الله في هذه الآية المحرمات، تأملوا أعظمها آخرها بعد أن ذكر الفواحش والإثم، والبغي والشرك، وأن تقولوا على الله ما لاتعلمون، فجعل القول على الله بغير علم أعظم من الشرك ومن الفواحش، ومن الإثم والبغي.

هؤلاء الذين يفتون على الله بغير علم، وقعوا في هذا الأمر العظيم: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب، هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب} كما في سورة النحل من أعظم ما يقع القول على الله بغير علم.

ولذلك يقول الصحابي الجليل أبو بكر رضي الله عنه -الصديّق-: (أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إن قلت في كتاب الله ما لا أعلم)، كم من الناس الآن يفتون في قنوات فضائية وغيرها أو في وسائل الإعلام أو فردياً وهم يقولون على الله بغير علم بين متشدد ومشدد على عباد الله، وبين متساهل ومترخص ويتصور أنه ينفع عباد الله –جل وعلا- ويفتي بما أراد الله وهو أبعد ما يكون من ذلك، بل يقول على الله بغير علم.

وكما أن التشديد بغير علم محرم، فالتساهل بغير علم محرم، {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام} وصفها كلها {لتفتروا على الله الكذب} فكلها افتراء على الله وكذب، سواء قال الإنسان حلال أو حرام بغير علم فهو إفتراء على الله.

ولهذا جاء الإمام ابن القيم –رحمه الله- وألّف كتاب كتابه العظيم (إعلام الموقعين عن رب العالمين)، المفتي موقع عن رب العالمين، الناس عندما جاؤوك أيها المفتي –أقصد أي مفتي يفتي بشرع الله- في قناة في إعلام الناس جاؤوك لا، لأنك فلان ابن فلان، لكن يريدون الحق بحثون عن مراد الله، عن الحكم الشرعي، فكيف إذا أجبتهم بغير علم، {وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}، ولهذا فإنني أوجه حديثي أولاً لهؤلاء المفتين أن يتقوا الله –جل وعلا- سواء منهم من شدد على الناس، كما قال الإمام سفيان (أما التشديد فكل أحد يحسنه)، حرام .. حرام .. حرام بدون علم (ولكن الفقه كل الفقه، الرخصة بدليل) أيضاً الذين يترخصون ويفتون ترخصاً وتساهلاً بدون علم هؤلاء ظلوا أيضاً {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام} كلاهما سواء باطل، فأقول اتقوا الله في عباد الله وقد كثر المتساهلون والمترخصون والمتنازلون في دين الله، أصول ومبادئ نشأنا عليها من الصغر، نعرف حكمها فوجئنا بأنها اليوم تغيرت في قضايا الولاء والبراء، التعامل مع الكفار في أمور عامة وخاصة من أصول الدين وأصول العقيدة في الربا، في غيرها، وجدنا من يرخص للناس، في الرشوة، في التأمين المحرم، وهكذا ..

ويتصورن أنهم يقودون الناس بالكتاب والسنة –كلا وحاشا- هذا من أعظم الباطل.

ثم أقول للناس، وأخصكم أيها الصائمون، أخص إخواني المسلمين، لا تسألون إلا من تثقون في علمه ودينه، أموالكم لا تضعونها إلا عند من تثقون بأمانته، دينكم أعظم، هذا الدين عظيم، فلا تسألون إلا من تثقون فيه.

وليسمح لي الإخوة في أن أقول هذه الكلمة، في شهر رمضان ألحظ أن الناس يسألوننا عن أدق الأمور، مررت بالشارع فجاء غبار، هل أفطرت؟ ريقي بلعته هل أفطرت؟ شممت رائحة معينة هل أفطرت؟ أسئلة قد لا يحتاج إليها.

لكن في أصول الدين قل من يسألك في هذا الأمر!

كنت يوم من الأيام في رمضان، صليت الجمعة فجاء رجل وقال لإمام المسجد –وهو من المشايخ- قال له: ياشيخ: أنا أتعامل بالربا فهل على أرباحي في الربا زكاة ؟!! فقال له الشيخ: اتق الله، -في رمضان، بل في العشر الأواخر في رمضان- تعاملك بالربا عظيم جداً، قال ما سألتك عن الربا، أنا أسألك هل عليها زكاة وإلا أضمها إلى بقيت المال؟؟ قال ضمها لا بارك الله فيك أما ما أحب أنه شدد عليه، لكن هذه الحقيقة سمعتها بأذني، يقول له الربا حرام، ما يجوز، لُعن آكل الربا، يقول، لا، ما سألتك عن هذا، أسألك عليه زكاة أو لا؟ (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً) وبعضهم يأيتك يقول عندي فتوى –فتوى من أين-؟ وهل من قال أنا طالب علم تصدق له!

هل نحن نصدق الذين يدّعون استثمار الأموال؟ إلا بعد أن نتأكد ونسأل وننظر تجاربهم ونطلع على قوائمهم المالية؟ حتى نعطيهم دريهمات، بينما ديننا قد يسأل الإنسان أي أحد!

ويقول لي أحد الإخوة كنت في الحرم فوجد رجلاً عليه (بشته) ومعّمم فتصوره شيخ فسأله، فأفتاه، فطمع هذا المسؤول فبدأ يحدثه فإذا هو رافضي !! فاتبيه الرجل العامي أنه رافضي، -مع كل أسف- يسأل رافضياً، لا يدري ما أصله وفصله.

التساهل في الفتوى انتشرت مع كل أسف يكفي أن يتصور الإنسان أن سأل طالب علم كما يدعي، وأنه قال له حلال، حلال، أو حرام، حرام، تأتينا فتاوى كثيراً خاصة من بعض الأخوات في أمور اللباس وغيرها تقول من قال لك هذا؟ تقول طالب علم! أو فلان، هل كل (فلان) يحق له الفتوى؟ قد تقول اختلف العلماء؟ خلاف العلماء لا يبرر هذا.

طيب السؤال: إذا اختلف العلماء؟ ماذا نفعل؟

وضع العلماء قواعد، ووضعوا من هذه القواعد أنه إذا اختلف العلماء، فالعامي يجوز له أن يتبع أوثقهما وأعلمهما، ومن معه الدليل، فالذي يأتي بالدليل فهو أحرى بالصواب، وتبحث عن الأتقى لله.

سئل الإمام أحمد إذا لم نجدك –يعني إذا توفيت لكن يقولونها بأسلوب كما جاءت المرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم أجدك لمن أذهب؟ قال اذهبي لأبي بكر- فجاؤوا إلى الإمام أحمد وقالوا له يا إمام إذا لم نجدك أين نذهب؟ قال لهم اذهبوا لمعروف الكرخي، قالوا يا إمام إنه ليس معه كثير مسائل من العلم؟ فغضب الإمام أحمد، قال إن معه رأس العلم (معه الخشية) وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف؟

يعني في زمن الإمام أحمد هناك أناس أكثر علماً لكن أقل خشية، أقل تقوى، أكثر حفظاً للنصوص، فغضب الإمام أحمد، قال اذهبوا إلى معروف، ما قال لهم إن معروف أكثر  علم، قال: وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف؟ ما هو الذي وصل إليه معروف –رحمه الله-؟ وصل إلى الخشية، {واتقوا الله ويعلمكم الله} الخوف من الله، علمٌ قليل مع وتقوى وورع، أفضل من علم كثير وتساهل وتنازل أو تشدد.

فيا أحبتي الكرام هذه الآية العظيمة {كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً} هؤلاء كثير اليوم، وفي قصة أصحاب الكهف كما سيأتي {ولا تستفتي فيهم منهم أحداً} أي التخصص، ما قال لا تستفتهم بإطلاق.

ابحثوا عمن يملك العلم ويملك الخشية ويملك التقوى، وتعرفونه عدم اضطرابه في فتواه، وأن يكون معه دليل قال الله، وقال رسوله، هذا الذي يؤخذ بعلمه، أما من عداهم فلا، إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم.

هذه نجاة تبينها لنا هذه السورة، {كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً}، {ولا تستفت فيهم منهم أحداًَ} نفعنا الله وإياكم فما نسمع.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.       

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته