(12) - من أسباب نجاة أصحاب الكهف
14 رمضان 1432

ليدبروا آياته (3) - الحلقة الثانية عشرة

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته..

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.. كيف نجا أصحاب الفتية؟

ذكرت في الحلقتين الماضيتين بعض أسباب النجاة، وأواصل في هذه الحلقة في ذكر بعضها، من أسباب نجاتهم التي من سلكها نجاة الله جل وعلا من الفتن، منها:

التشاور: فهم يتشاورون بينهم {فأووا إلى الكهف} إذاً تشاور، {كم لبثتم} تشاور، {فابعثوا أحدكم بورقكم} تشاور، يعني قرارات جماعية، القرارات الجماعية لا تنشأ إلا من التشاور.

هل بليت الأمة، ومن أعظم ما بليت به، إلا أناس يتفردون بالقرارت، بليت الأمة برؤساء عقلياتهم هي عقليات فرعون {ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد}!!

أما في التشاور فتنجو الأمة، {وشاورهم في الأمر}، يقوله الله جل وعلا للمعصوم صلى الله عليه وسلم، فكم شاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه مشاورة حقيقية، وكم أخذ بآرائهم صلى الله عليه وسلم، وأثنى الله على الصحابة {وأمرهم شورى بينهم} فمن سبل نجاة هؤلاء الفتية أنهم يتشاورون، التشاور خير.

ضاعت دول، ضاعت جمعيات خيرية (إسلامية) وجماعات، بسبب الفردية، الاستئثار بالرأي، عقلية {لا أريكم إلا ما أرى}، تهميش الآخرين.

النبي صلى الله عليه وسلم يستشير النساء يستشير الصغار يستشير الكبار، يستشير كبار الصحابة، كلهم يستشيرهم صلى الله عليه وسلم، ويأخذ بآرائهم لو أن الشورى طبقة حقيقة في الأمة، ما وصلت الأمة إلى ما وصلت إليه.

بل إن كثيراً من الأخيار والصالحين من أصحاب الرأي والعقل من العلماء وغيره يبدون آرائهم ولا يؤخذ بها، يقال لهم الطريق هنا! النجاة هنا! لا يلتفت إليهم.

فوقعت مآسي في الأمة –أيها الإخوة- هؤلاء الفتية كانوا يتشاورون.

من الوقفات العجيبة وهو درس دقيق جداً، أسأل الله أن يوفقني لبيانه من أسباب نجاتهم استقلال التفكير وعدم التقليد والاقتداء بآبائهم الذين على منهج الضلال.

فتية، ليس معهم عالم، ومع ذلك كان لديهم استقلال بتفكيرهم، لأنهم وجدوا أن آبائهم وقومهم على ضلال.

{لولا يأتون عليهم بسلطان بيّن}، لاحظوا: إذا كان من يدعوك عنده سلطان بيّن، عنده دليل فاتبعه لأن الاتباع ليس للفرد، (بل) للدليل.

إنا وجدنا هناك من يقول -مع كل أسف وضلوا- {إنا وجدنا آباءنا على آثارهم مقتدون}، بينما هؤلاء الفتية، يرفضون ما عليه آبائهم {لولا يأتون عليهم بسلطان بيّن}، لديهم استقلال بتفكيرهم، عرفوا أن هؤلاء وقومهم على ضلال بفطرتهم، وما ورثوه من النبوة، لأن هناك من يبلغ الحق، حتى ذكر بعض العلماء أنه قد يوجد من المتخفين ممن خافوا على أنفسهم كما حدث مع الغلام، والراهب فكان الراهب يتخفى، لكن الغلام هو الذي أظهر هذا الأمر.

إذاً استقلال التفكير، إذا كان منضبطاً وعلى أصول، وعلى منهج، فهو صحيح، أما التقليد الأعمى كما يقال، التعصب للآباء، لدين، لجماعة من الجماعات، حتى ولو كانت إسلامية تعصب دون الحق، فلا يجوز.

يا أحبتي:

من تدبر القرآن لم يصف الله أهل الإيمان في القرآن كله إلا بوصف واحد من ناحية الحزب، {حزب الله}، أما الكفار والضالون، فجاء وصفهم بالحزب الواحد {حزب الشيطان} و{أؤلئك الأحزاب} إذاً تشتيت الأمة إلى فرق وأحزاب {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله}.

حزب الله واحد، فمن يريد أن يفرق الأمة بعدة أحزاب فهو ضال.

نعم، وجود الجماعات من باب اختلاف التنوع لا، اختلاف التضاد، لا حرج فيه، لكنني أتكلم عن اختلاف التضاد {وجعل أهلها شيعاً} منهج فرعون كما يفعلوه البعض يجعلونها شيعاً وأحزاباً، هؤلاء الفتية لم يتأثروا بتقليد آبائهم وهم على الضلال، مع أنهم فتية، فنجوا.

أيضاً، ثباتهم على مبادئهم، ثبات عجيب جداً، ومر معنا سابقاً {إنهم فتية آمنوا بربهم} ومع هذا الضغط، ومع هذا الوضع الشديد، {وزدناهم هدى} الثبات.. الثبات {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلاً}، التبديل اليوم كما ترون، حتى من بعض المحسوبين على العلم –هداهم الله- التدبيل في دين الله {وما بدلوا تبديلاً} الثبات الثبات، {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب}.

اليوم نحتاج إلى إشاعة مفهوم الثبات، كما حدث لهؤلاء الفتية، {إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى}.

من دروس هؤلاء الشباب، عدم تهورهم، إنما بحثوا عن المخرج من الأزمات، فأخذوا بالأسباب، الحسية والمعنوية، لم يواجهوا قومهم لأنهم لا قدرة لهم عليهم، لم يدخلوا في معركة خاسرة، لا يقدرون عليها.

ما قالوا ما دمنا على الحق فلنواجه قومنا وننتصر، {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً} ففرق بين حال القوة وحال الضعف.

حتى الخروج على الحاكم الكافر، له ضوابط «إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان»، هل يكفي هذا من أن يخرج البعض على حكامهم، لا، قيدها العلماء بقيد قوي جداً، ما هو هذا القيد؟

قالوا: هو أن تكون لديهم القدرة، هؤلاء الشباب على الحق، {إنهم فتية آمنوا بربهم} لكن قوتهم ضعيفة عددهم محدود، ستكون معركتهم خاسرة إلا أن يشاء الله، لكن هذا اجتهادهم في وقته، فلم يفتعلوا ويتفاعلوا إنما أخذوا بالأسباب وخرجوا فمدحهم الله، لم يقل الله، ويعاتبهم لماذا لم تواجهوا قومكم؟ لماذا هربتم؟ لما لم تقاتلوا هذا الحاكم الكافر؟ لا، أثنى الله عليهم لأنهم خرجوا.

ألم يقل الصحابة وهم في مكة، كما ذكر بعض المفسرين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: نريد نقاتل كفار قريش، وهم الأبطال الشجعان، في جاهليتهم وفي إسلامهم يقول النبي صلى الله عليه وسلم «لم نؤمر» ومع ذلك في استفزازات من كفار قريش، «لم نؤمر» اضبطوا أعصابكم.

ثم ينزل قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} لا تدخلوا في معركة {وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتاً، واجعلوا بيوتكم قبلة، وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين} عندما كانوا مقيمين في مصر، وفرعون يحكم مصر ما أمرهم الله بمواجهة فرعون –أبداً- بل قال صلوا في داخل بيوتكم اعملوا داخل البيوت{وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتاً، واجعلوا بيوتكم قبلة، وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين}، اطمئنوا، لا تستعجلوا، بشر المؤمنين، وهذا الذي حدث، النهاية {إنا لمدركون}، قال: {كلا، إن معي ربي سيهدين، فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر، فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم} جاءت البشرى، بس عدم الاستعجال.

بعض الشباب مستعجل، يريد بقوة يقيم دولة الإسلام في بعض دول الإسلام، ما تستطيع يا أخي، الله جعل سنناً.

لذلك أغلب الأنبياء، عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، لم يواجهوا قومهم، مع أن بعضهم آمن به عدداً كبيراً، لكن لا يستطيعون أن يواجهوا قومهم ماذا كانت؟ النجاة، الخروج.

نوح عليه السلام يركب السفينة، وغيره ينجيهم الله جل وعلا، {وأنجينا الذين ينهون عن السوء} ويهلك الله الكافرين، ما دخلوا في معركة خاسرة.

لماذا هؤلاء الشباب –هداهم الله- واستعجالهم وبعدهم عن الفقه في دين الله، يدخلون معارك لم يتهيئوا لها.

أنا لا أدعوا إلى الهزيمة، كلا، -كل كلامي واضح- من استعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه.

ودين الله باقي، ومنصور «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، يقاتلون» سيبقى دين الله عزيز، لكن تختلف أماكن الجهاد فلسطين من أماكن الجهاد، أماكن الجهاد في أماكن كثيرة، لكن أن نفتعل باسم الجهاد معارك في بلاد المسلمين مع مسلمين بتأويل سائغ أو غير سائغ أقول غير سائغ.

إذا كان الكافر لا يخرج عليه إلا وتوافر القوة فما بالك بغيره؟ هذا فقه أيها الإخوة.

هؤلاء الشباب ما افتعلوا معركة، لم يدخلوا معركة لم يتهيئوا لها، صبروا وخرجوا وخلد الله ذكرهم وسيرتهم قدوة لنا إلى يوم القيامة.

أيضاً من هذه الدروس أيها الإخوة- درس عظيم جداً ونحن في شهر رمضان هو الدعاء، هؤلاء الفتية مع أعمالهم {إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً}.

الدعاء أمره عظيم، لكن الدعاء مع الأخذ بالأسباب، مر عمر –رضي الله تعالى عنه- بقومٍ قالوا إذا أصبت إبلكم بالجرب، كيف تفعلون؟ قالوا لدينا عجوز امرأة صالحة تدعو، وتشفى الإبل! قال هذا شيء حسن، لكن لو خلطتم مع الدعاء شيء من القطران، أي خذوا بالأسباب.

من أعظم ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء، ليس وهو في جوف الكعبة، لا، وهو يواجه المشركين في بدر وفي أحد أيضاً: {ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين} الدعاء.. الدعاء.

ونحن في شهر الدعاء، ولذلك ذكر العلماء تدبراً عجيباً في قوله تعالى في آيات الصيام في وسط آيات الصيام ذكر الله جل وعلا الدعاء قالوا لعبرة عجيبة أن شهر رمضان من أشهر الدعاء فادعوا الله جل وعلا وأنتم موقنون بالإجابة، وأبشروا بالخير –أيها الأحبة- {ادعوني أستجب لكم}.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته