عقد المعاملات بين المسلم والكافر
5 ربيع الأول 1437
د. نايف بن جمعان الجريدان

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فلا مانع شرعا من عقد المعاملات بيعا وشراء بين المسلم والكافر فيما يجوز للمسلم بيعه وشراؤه، لما ثبت من تعامل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مع يهود المدينة بالبيع والشراء والقرض والرهن وغير ذلك من المعاملات المباحة في ديننا.
وأخرجه البخاري (2096 ) عن عائشة رضي الله عنها قالت: اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهودي طعاماً بنسيئة ورهنه درعه. وهذا هو الأصل في هذه المسألة.
أما إذا عُلم أن الكافر يستعين بهذه المعاملات على الإضرار بالمسلمين، أو ترتب على البيع لهم مفسدة، فلا يجوز حينئذ التعامل معه بيعا أو شراء ، ومن ذلك بيع السلاح لهم لقتال المسلمين به، أو بيع الدور والأراضي، والحال أن نيتهم الاستيلاء على أراضي المسلمين، وتحويلها إلى أرض لهم، وكذا إن كان قصد المشترى بشراء الدار أو الأرض استخدامها في أمر ممنوع كبيع الخمر أو الخنزير، أو تخصيصها لتناولها فيها، ونحو هذا.
قال البخاري رحمه الله: باب الشراء والبيع مع أهل الشرك وأهل الحرب ثم ساق بسنده عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم: "ثم جاء رجل مشرك طويل بغنم يسوقها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبيعاً أم عطية أو قال: أم هبة؟ قال: لا بل بيع فاشتري منه شاة". البخاري (2216).
فدل الحديث على جواز البيع والشراء من الكفار، وقيد أهل العلم ذلك بما ليست فيه معونة حربية لهم.
وقال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم (11/41) : وقد أجمع المسلمون على جواز معاملة أهل الذِّمَّة ، وغيرهم من الكفَّار إذا لم يتحقَّق تحريم ما معه، لكن لا يجوز للمسلم أن يبيع أهل الحرب سلاحاً وآلة حرب ، ولا ما يستعينون به في إقامة دينهم . . . اهـ .
وقَالَ اِبْنُ بَطَّالٍ : مُعَامَلَةُ الْكُفَّارِ جَائِزَةٌ , إِلا بَيْعَ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ أَهْلُ الْحَرْبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ اهـ .
ونقل في " المجموع" (9/432) الإجماع على تحريم بيع السلاح لأهل الحرب .
والحكمة من ذلك واضحة ، وهي أن هذا السلاح يقاتلون به المسلمين .
ومع ذلك فإننا ننصح بتعاون المسلمين مع بعضهم بيعا وشراء ولا يعدل عنه إلا إذا كان هناك سبب صحيح كأن رأى من أخيه المسلم التعامل بالغش ورفع للأسعار أو أن سلعته رديئه ونحو ذلك، فلا بأس، أما إذا كان العدول من غير سبب فالأولى التعامل مع المسلم لأن ذلك يؤدي إلى موالاة الكفار ورضاءه عنهم ومحبة لهم ، ولما فيه من النقص على تجار المسلمين وكساد سلعهم ، وعدم رواجها إذا اتخذ المسلم ذلك عادة له، ينظر: فتاوى اللجنة الدائمة" (13/18).