مقدمة: أخي المسلم: إن من حكمة الله تعالى البالغة أن ميّز بين الأيام والليالي والشهور والساعات، كما قال سبحانه: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص:68]. فآخر ساعة من يوم الجمعة أفضل من غيرها من ساعات النهار، وساعات الثلث الأخير من الليل أفضل ساعات الليل فيه تتنزل الرحمة وتستجاب فيه المسألة. وأيام عشر ذي الحجة خير أيام العام، أيام مباركة أقسم الله عز وجل بها في كتابه، وبين فضلها رسوله صلى الله عليه وسلم، وجعلها الله تبارك وتعالى فرصةً للمؤمن ليعود إلى ربه ويقرب من خالقه، ويتضاعف له بها الأجر. فبم تُستقبل؟ نستقبل عشر ذي الحجة بـ: 1- التوبة الصادقة: حري بالمسلم أن يستقبل هذه العشر بالتوبة الصادقة. ذلك أنه ما حرم أحد خيرًا إلا بسبب ذنوبه، سواء كان خيرًا دينيًا أم دنيويًا، يقول الله عز وجل: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى:30]. ومن أعظم المصائب التي يصاب بها العبد أن يحرم من استغلال هذه المواسم المباركة؛ فالذنوب هي السبب في حرمان العبد فضل ربه عز وجل. وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة، المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى ، ذكر جزءًا منها العلامة ابن قيم الجوزية ـ رحمه الله ـ في كتابه: (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي): أولها: حرمانُ العلم، فإن العلم نورٌ يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفئ ذلك النور. ثانيها: حرمان الرزق: كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه»(1)، وكما أن تقوى الله عز وجل مجلبة للرزق، فترك التقوى مجلبة للفقر، فما استجلب رزق الله عز وجل بمثل ترك المعاصي. ثالثها: ظلمة يجدها في قلبه حقيقة، يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم إذا ادلهمّ(2). قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: «إن للحسنة ضياءً في الوجه ونورًا في القلب وسعةً في الرزق وقوةً في البدن ومحبةً في قلوب الخلق، وإن للسيئة سوادًا في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبغضةً في قلوب الخلق». رابعها: أن المعصية سبب لهوان العبد على ربه وسقوطه من عينه. قال الحسن البصري ـ رحمه الله ـ: «هانوا عليه فعصوه، ولو عزوا عليه لعصمهم»(3). وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد، كما قال الله تعالى: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج:18]، وإن عظمهم الناس في الظاهر لحاجتهم إليهم أو خوفًا من شرهم، فهم في قلوبهم أحقر شيءٍ وأهونه. خامسها: أن العبد لا يزال يرتكب الذنب حتى يهون عليه ويصغر في قلبه؛ وذلك علامة الهلاك، فإن الذنب كلما صغر في عين العبد عظم عند الله. وقد ذكر البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ في صحيحه عن ابن مسعود ت قال: «إن المؤمن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل، يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذبابٍ وقع على أنفه فقال به هكذا فطار»(4). سادسها: أن المعصية تورثُ الذل ولا بُدّ؛ فإن العز كل العز في طاعة الله عز وجل ؛ قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً} [فاطر:10] أي: فليطلبها بطاعة الله؛ فإنه لا يجدها إلا في طاعته. وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأهواء، والأعمال»(5). قال الحسن البصري: إنهم وإن طقطقت(6) بهم البغال وهملجت(7) بهم البراذين(8)، إن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه. وقال عبد الله بن المبارك ـ رحمه الله ـ: رأيتُ الذنوبَ تميتُ القلوبَ *** وقد يورثُ الذُّلَّ إدمانُها وترك الذنوبِ حياةُ القلوبِ *** وخيرٌ لنفسِكَ عِصيَانُهَا سابعها: أن الذنوب إذا تكاثرت طُبع على قلب صاحبها، فكان من الغافلين، كما قال بعض السلف في قوله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14] قال: هو الذنب بعد الذنب. وكما أن للذنوب آثارًا فإن لها عقوبات أيضًا فمنها: أولًا: ذهاب الحياء الذي هو مادة حياة القلب، وهو أصل كل خيرٍ، وذهابه ذهاب الخير أجمعه. وفي الصحيح(9) عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الحياء خير كله». وقال صلى الله عليه وسلم: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت»(10). ثانيًا: أنها تستدعي نسيان الله عز وجل لعبده وتركه، وتخليته بينه وبين نفسه وشيطانه، وهناك الهلاك الذي لا يُرجى معه نجاة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:18-19]. ثالثًا: أنها تُزيل النِعم وتُحل النِقم. قال الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30]. وقال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال:53]. وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد:11]. ولقد أحسن القائل: إذا كنت في نعمةٍ فارعَها *** فإن المعاصي تُزيلُ النِّعَمْ وحُطها بطاعةِ ربِّ العبادِ *** فرَبُّ العبادِ سريعُ النِّقْم رابعًا: أنها تسلب صاحبها أسماء المدح والشرف وتكسوه أسماء الذمِّ والصغار، فتسلبه اسم المؤمن والبر والمحسن والمتقي والمطيع وتكسوه اسم الفاجر والعاصي والمخالف والمسيء والمفسد والخبيث فهذه أسماء الفسوق و{بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ} [الحجرات:11]. خامسًا: أنها تمحق بركة العُمر، وبركة الرزق، وبركة العلم، وبركة العمل، وبركة الطاعة. وبالجملة فالذنوب تمحق بركة الدين والدنيا، فلا تجد أقل بركةٍ في عُمره ودينه ودنياهُ ممن عصى الله عز وجل، وما محقت البركة من الأرض إلا بمعاصي الخلق. قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:96]. وفي الحديث: «إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإنه لا يُنال ما عند الله إلا بطاعته، وإن الله جعل الروح والفرح في الرضى واليقين، وجعل الهم والحُزن في الشك والسُّخط»(11). سادسًا: أنها تجرئ على العبد من لم يكن يتجرأ عليه من أصناف المخلوقات. قال بعض السلف ـ رحمه الله تعالى ـ: «إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق امرأتي ودابتي» ا.هـ(12). والتوبة في الأزمنة الفاضلة لها شأن عظيم، لأن الغالب إقبالُ النفوس على الطاعات ورغبتها في الخير، وإذا اجتمع للمسلم توبة نصوح، مع أعمال فاضلة في أزمنة فاضلة فهذا عنوان الفلاح، كما قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ} [القصص:67]. 2- طلب العون من الله عز وجل على اغتنام هذه الأيام: وتستقبل العشر بالعزم الصادق الجاد على اغتنامها وعمارتها بما يرضي الله عز وجل فمن جدّ واجتهد أعانه الله، ومن صدق الله صدقه الله سبحانه وتعالى وهيأ له الأسباب الموصلة إلى الخير وأعانه عليها، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. ما سبب تفضيل عشر ذي الحجة على غيرها؟ 1-أن الله تعالى أقسم بها، وما أقسم بها إلَّا لعظمتها، قال تعالى: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:1-2]، قال غير واحد من السلف والخلف: هي عشر ذي الحجة وهو قول جماهير المفسرين، واختاره ابن كثير ـ رحمه الله ـ(13). 2-أنها أفضل أيام الدنيا، كما جاء عن جابر ت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل أيام الدنيا العشر» يعني عشر ذي الحجة قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: «ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عُفِّر وجُهه بالتراب»، رواه البزار وغيره وحسنه الهيثمي والمنذري وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع(14). 3-أن العمل الصالح فيها أحب إلى الله من غيرها من الأيام. قال صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام» ـ يعني عشر ذي الحجة ـ، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع منها بشيء» رواه البخاري(15)، والترمذي(16) واللفظ له. قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ: «والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة، لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره» ا.هـ.(17) 4-أن فيها الأمر بالذكر: قال الله: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج:27]، قال ابن عباس رضي الله عنه: «الأيام المعلومات أيام العشر، والأيام المعدودات أيام التشريق» رواه البخاري(18). والنبي صلى الله عليه وسلم أمر فيها بكثرة التحميد والتهليل والتكبير. كما جاء عن ابن عمر ب، قال صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام أعظم عند الله ، ولا أحبُّ إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد» رواه أحمد(19). 5-أن فيها يوم عرفة. الذي يكثر فيه العتق من النار، ويوم عرفة هو من أفضل أيام العشر، بل من أفضل أيام السنة، قال تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج:1-3]، قال صلى الله عليه وسلم: «اليوم الموعود يوم القيامة واليوم المشهود يوم عرفة» رواه الترمذي(20). كما أن الله مَنَّ علينا فيه بكثرة عتقه سبحانه وتعالى كما جاء في صحيح مسلم(21) من حديث أم المؤمنين عائشة ل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثمَّ يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟». 6-أن فيها يوم النحر وهو اليوم العاشر الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القرّ» رواه أبو داوود(22) وصححه الألباني ـ رحمه الله ـ. ويوم القرّ: هو اليوم الحادي عشر أول أيام التشريق لأن الحجاج يقرون فيه بمنى. قال ابن رجب ـ رحمه الله ـ في لطائف المعارف: «لما كان الله سبحانه وتعالى قد وضع في نفوس عباده المؤمنين حنينًا إلى مشاهدة بيته الحرام وجعل الأفئدة تهوي إليه، وليس كل أحد قادرًا على مشاهدته كل عام، فرض الله سبحانه وتعالى على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره، وجعل موسم العشر مشتركًا بين السائرين والقاعدين فمن عجز عن الحج في عام قدر ـ أي في العشر ـ على عمل يعمله في بيته فيكون أفضل من الجهاد الذي هو أفضل من الحج»(23). أيهما أفضل: عشر ذي الحجة أم العشر الأواخر من رمضان؟ اختلف العلماء: هل الأفضل عشر ذي الحجة أم العشر الأواخر من رمضان؟ والراجح ما ذكره الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في زاد المعاد: «أن ليالي العشر الأخير من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة، وأيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام عشر رمضان وبهذا التفضيل يزول الاشتباه، ويدل عليه أن ليالي العشر من رمضان إنما فضلت باعتبار ليلة القدر وهي من الليالي، وعشر ذي الحجة إنما فضلت باعتبار أيامها إذ فيها يوم النحر ويوم عرفة ويوم التروية» ا.هـ.(24) يوم عرفة يوم عرفه وما أدراك ما هو؟ يوم عظيم، له من الدين المحل المكين والمنزلة الرفيعة، خصه النبي صلى الله عليه وسلم بمزيد العناية، وعظيم الرعاية، لما له من الفضائل والمزايا فمنها: 1- أنه يوم إكمال الدين وإتمام النعمة: قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3]. قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسيره لهذه الآية: «هذه أكبر نعم الله عز وجل على هذه الأمة، حيث أكمل تعالى لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا جعل الله خاتم الأنبياء وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرمه، ولا دين إلا ما شرعه، وكل شيءٍ أخبر به فهو حق وصدق لا كذب فيه ولا خُلف، كما قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً} [الأنعام:115] أي: صدقًا في الأخبار وعدلًا في الأوامر والنواهي، فلما أكمل الدين لهم تمت النعمة عليهم، ولهذا قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] أي: فارضوه أنتم لأنفسكم فإنه الدين الذي رضيه الله وأحبه وبعث به أفضل رسله الكرام، وأنزل به أشرف كتبه» ا.هـ(25). هذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يوم عرفة، ففي الصحيحين(26) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلًا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال: أي آية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً}. فقال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم جمعة. 2- أنه يوم يكثر فيه العتق من النار ويباهي الله عز وجل بأهل الموقف الملائكة: ففي صحيح مسلم من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟»(27). وروى الإمام أحمد(28) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «إن الله يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثًا غبرًا». وروي عن أنس رضي الله عنه أنه قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات وقد كادت الشمس أن تؤوب، فقال صلى الله عليه وسلم: «يا بلال، أنصت لي الناس»، فقام بلال فقال: أنصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنصت الناس فقال: «معشر الناس، أتاني جبريل عليه السلام آنفًا فأقرأني من ربي السلام وقال: إن الله ـ عز وجل ـ غفر لأهل عرفات وأهل المشعر وضمن عنهم التبعات»، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا رسول الله، لنا خاصة، قال: «هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة»، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كثر خير الله وطاب(29). 3- أن صيامه يكفر سنتين: في صحيح مسلم(30) من حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن صوم يوم عرفة فقال: «أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده». 4- أن خير الدعاء دعاء يوم عرفة: ففي سنن الترمذي(31) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير». من أحوال السلف في يوم عرفة أما أحوال السلف ـ رضي الله تعالى عنهم ـ في يوم عرفة فهم بحسب مراتبهم، فمنهم من كان يغلب عليه الحياء أو الخوف من الله عز وجل في ذلك اليوم. فهذا مُطرف بن عبد الله بن الشخير ـ رحمه الله ـ وهو من علماء التابعين ومن عُبادهم، وقف في عرفة مع بكر الـمُزَني فقال أحدهم: «اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي»، وقال الآخر: «ما أشرفه من موقف وأرجاه لأهله لولا أني فيه». ووقف الفضيل بن عياض بعرفة والناس يدعون وهو يبكي بكاء الثكلى المحترقة، قد حال البكاء بينه وبين الدعاء، فلما كادت الشمس أن تغرب رفع رأسه إلى السماء وقال: «واسوأتاه منك وإن عفوت» ـ يقول ذلك لأنه غلب عليه الحياء من الله عز وجل، ويقول لشعيب بن حرب: «إن كنت تظن أنه شهد الموقف أحدٌ شرٌ مني ومنك فبئسما ظننت». ودعا بعض السلف بعرفة فقال: «اللهم إن كنت لم تقبل حجي وتعبي ونصبي فلا تحرمني أجر المصيبة على تركِكَ القبول مني». وكان بعض السلف يأخذ بلحيته في يوم عرفة ويقول: «يا رب قد كَبُرت فأعتقني»، وشوهد بعرفة وهو يقول: سبحان من لو سجدنا بالعيون له *** على حِمَى الشوك والمُحمى من الإبر لم نبلغ العشر من معشار نعمته *** ولا العشير، ولا عشرًا من العشر هو الرفيع فلا الأبصار تدركه *** سبحانه من مليكٍ نافذ القدر سبحان من هو أُنسي إذ خلوتُ به *** في جوفِ ليلي وفي الظلماء والسحر وجاء عبد الله بن المبارك إلى سفيان الثوري ـ رحم الله الجميع ـ عشية عرفة وهو جاثٍ على ركبتيه في عرفة، وعيناه تُسهمِلان من الدموع، فقال ابن المبارك لسفيان الثوري: «من أسوأ هذا الجمع حالًا»، فقال: «الذي يظن أن الله لا يغفر له» ا.هـ.(32) ما الأعمال المستحبة في هذه العشر؟ يستحب في هذه العشر الإكثار من العبادة، فالعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة. فعلى كل مسلم بلغه الله عز وجل هذه العشر أن يحمد الله عز وجل على بلوغها، وهو صحيح معافًى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ»(33). فإن أيامها معدودة، ما أسرع ذهابها، فالموفق من سارع إلى ما عند الله عز وجل. وكما قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ: «الدنيا ساعة فاجعلها طاعة». ولا تنحصر الأعمال الصالحة في العبادة القاصرة على نفس العبد، وإنما المتعدية للغير. فمن الأعمال الصالحة والتي ينبغي للإنسان أن يحرص عليها في هذه العشر ما يلي: أولاً: الإخلاص: فأول عملٍ يجب على الإنسان أن يستحضره هو إخلاص النية لله ﻷ في جميع عباداته، وأن لا ينوي بعبادته إلا وجه الله سبحانه وتعالى والدار الآخرة. وهذا هو الذي أمر به الله عز وجل في قوله: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5]؛ أي: مخلصين له العمل. وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً} [الإسراء:18-19]. فالإخلاص لله ﻷ شرط لقبول أي عملٍ من الأعمال التي يتقرب بها الإنسان إلى ربه ﻷ؛ ولذلك حرصنا على التذكير به ونحن مقبلون على هذا الموسم المبارك لنجدد النية ونخلصها لرب البرية؛ لأنه تبارك وتعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا وابتغى به وجهه سبحانه وتعالى؛ كما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة ت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه»(34). ولنحذر مما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم ألا وهو الرياء، ففي صحيح البخاري من حديث جندب ت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سمَّع سمَّع الله به، ومن يُرائي يُرائي الله به»(35). نسأل الله أن يرزقنا الصدق والإخلاص في الأقوال والأفعال والأحوال إنه ولي ذلك والقادر عليه. ثانيًا: بر الوالدين: وهو من أهم الأعمال التي يجب على المسلم القيام بها، حيث جاء الأمر به بعد الأمر بالتوحيد في قول الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:23-24]. وبر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله كما جاء في الصحيحين(36) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: «الصلاة على وقتها»، قلت: ثم أي؟ قال: «بر الوالدين»، قلت: ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله». فلنحرص على بر الوالدين ولندخل السرور عليهما، ولنتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: «رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر: أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة»(37). فعلينا برهما إن كان أحياءً أو أمواتًا، فإن كانا أحياءً فبرهما بالإحسان إليهما وطاعتهما وإدخال السرور عليهما وخدمتهما والسعي في نيل رضاهما، فحقهما كبير وأجرهما عظيم، وإن كانا أمواتًا فالدعاء لهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، والصدقة عنهما. ثالثًا: صلة الأرحام: ففي الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله»(38) متفق عليه. فليحرص المسلم على صلة أرحامه وإن قاطعوه لما جاء في صحيح البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ من حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها»(39). رابعًا: إصلاح ذات البين: وهو من الأمور الهامة التي حض عليها شرعنا الحنيف، فينبغي للإنسان أن يحرص على مصالحة الجميع ونسيان الخصومات في هذه الأيام فضلًا عن غيرها؛ لما ورد في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلًا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا! أنظروا هذين حتى يصطلحا»(40). وفي الصحيحين أيضًا من حديث أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان، فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»(41). كذلك ينبغي عليه أن يسعى في الإصلاح بين الناس ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، وأجره عظيم عند الله تبارك وتعالى. قال تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:114]. قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات:10]. وفي الصحيحين من حديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس الكذاب الذي يُصلح بين الناس، فينمي خيرًا أو يقول خيرًا»(42) متفق عليه. خامسًا: البعد عن المحرمات: أن نبتعد كل البعد عن كل ما حرم الله تعالى علينا، مصداقًا لما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما أمرتكم به فخذوه، وما نهيتكم عنه فانتهوا»(43). وأن نبتعد أيضًا عن الشبهات لأنها ذريعة إلى الوقوع في المحرمات، لما ثبت في الصحيحين(44)، من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه. ألا وإن لكل ملكٍ حمًى. ألا وإن حمى الله محارمُهُ، ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب». ومن الحرام البين كبائر الذنوب ومنها: 1-ترك الصلاة أو تأخيرها عن وقتها: قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} [مريم:59]. وقال سبحانه: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4-5]. ولما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحذيره من ترك الصلاة كما في حديث جابر ت: «إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة»(45). ولما ثبت عن بريدة ت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر»(46). قال عبد الله بن شقيق: «كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة»(47). وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «من سرَّه أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهنّ، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهنَّ من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سُنَّة نبيكم، ولو تركتم سُنَّة نبيكم لضللتم، وما من رجلٍ يتطهر فيُحسن الطُّهُور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتُنا وما يتخلفُ عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتَى به يُهادى بين الرجلين حتى يقام في الصَّف»(48). 2-أكل الربا: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:278-279]. وقال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ...} إلى قوله: {وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:275]. فهذا وعيد عظيم بالخلود في النار كما ترى لمن عاد إلى الربا بعد الموعظة، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات»، قالوا: وما هنَّ يا رسول الله؟ قال: «الشرك بالله، والسحرُ، وقتلُ النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، وأكلُ الربا، وأكلُ مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذفُ المحصنات الغافلات المؤمنات»(49). وقال صلى الله عليه وسلم: «لعن الله آكل الربا ومُوكله»(50) رواه مسلم، والترمذي فزاد: «وشاهديه وكاتبه»(51) وإسناده صحيح. 3-الزنا: وهو من أعظم الذنوب، لذا حذرنا منه ربنا ـ تبارك وتعالى ـ قال الله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32]. وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً} [الفرقان:68] الآيات. وقال تعالى: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور:3]. وسُئل النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك»، قال: ثم أي؟ قال: «أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك»، قال: ثم أي؟ قال: «أن تُزاني حليلة جارك»(52). وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن»(53). وقال صلى الله عليه وسلم: «ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يُزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذابٌ أليم: شيخٌ زانٍ، وملكٌ كذابٌ، وعائلٌ(54) مستكبرٌ»(55) رواه مسلم. وتم ذكر هذه المحرمات لأن بعض الناس تسول له نفسه فيشغل هذه الأيام العظيمة والمواسم الفاضلة بالسفر إلى الحرام فيقترف هذه المحرمات ولا يدرك خطورتها. 4-شرب أو تعاطي المسكرات: وهي بلا ريب أم الخبائث، أمرنا الله ـ تبارك وتعالى ـ باجتنابها. قال الله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} [البقرة:219]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:90]. وقد لُعن شاربُها في غير ما حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر»(56). وعن ابن عمر ب عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله الخمر، وشاربها وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه»(57). وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن على الله عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال»، قيل: وما طينة الخبال؟ قال: «عرق أهل النار»، أو قال: «عُصارة أهل النار»(58) أخرجه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: «من شرب الخمر في الدنيا حُرمَها في الآخرة»(59) متفق عليه. وعنه صلى الله عليه وسلم قال: «مدمنُ الخمر إن مات لقي الله كعابد وثنٍ»(60) رواه أحمد في مسنده. سادسًا: البعد عن الظلم: فلقد توعد الله عز وجل الذين يظلمون الناس بالعذاب الأليم قال تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى:42]. وقال تعالى: {وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} [الشورى:8]. وحذرنا منه النبي فقال صلى الله عليه وسلم: «الظلم ظلمات يوم القيامة»(61). وقال صلى الله عليه وسلم: «من ظلم شبرًا من الأرض طوقهُ إلى سبع أرضين يوم القيامة»(62). وقال صلى الله عليه وسلم: «مطلُ الغني ظلمٌ»(63). ومن أكبر الظلم اليمين الفاجرةُ على حق غيره. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اقتطع حق امرئٍ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار»، قيل: يا رسول الله، وإن كان شيئًا يسيرًا؟ قال: «وإن كان قضيبًا من أراكٍ»(64) رواه مسلم. سابعًا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(65): وهو من أشرف الأعمال، حيث جعل الله تبارك وتعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أخص صفات صفيه من خلقه صلى الله عليه وسلم حيث قال: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ} [الأعراف:157]. ثم إن الله تعالى جعل هذا الوصف أيضًا من أخص أوصاف من اصطفاهم من سائر البشر ليكونوا أتباعًا لرسله وأنبيائه ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ أجمعين فقال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [التوبة:71]. وقال ﻷ أيضًا مُبرزًا أشرف أوصاف المؤمنين: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة:112]. فلا يملك من سمع هذه الآية إلا أن ينضم تحت رايتهم ويسلك سبيلهم لعله يلحق بهم. وهذه الشعيرة ـ وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ هي مناط خيرية الأمة قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110]. فوصف الله عز وجل الأمة بما وصف به رسوله صلى الله عليه وسلم (66). وذلك لأن صلاح المعاش والمعاد إنما يكون بطاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك لا يتم إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبه صارت الأمة خير أمةٍ أخرجت للناس(67). ومن الأحاديث التي أكدت على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ما جاء في سنن الترمذي وغيره من حديث حذيفة ت، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم»(68). وفي صحيح مسلم(69) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لـم يستطع فبلسانه، فإن لـم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان». والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له صور أهمها: أمر الأهل والأولاد بالمعروف ونهيهم عن المنكرات، فليحرص المسلم على ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته»(70). ثامنًا: الدعوة إلى الله: الدعوة إلى الله في هذه الأيام العظيمة عند الله عز وجل التي يجتمع فيها ضيوف الرحمن الذين أتوا من كل فجٍّ عميق ليشهدوا منافع لهم، ومن أعظم المنافع نشر العلم الذي هو باب كل خير، ومن الأدلة على ذلك قوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33]. قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ: «قال الحسن: هو المؤمن أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحًا في إجابته، فهذا حبيب الله، هذا ولي الله، فمقام الدعوة إلى الله أفضل مقامات العبد» ا.هـ(71) وقوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108]. قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ: «ولا يكون الرجل من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم حقًا إلا إذا دعا لما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم على بصيرة». وقوله صلى الله عليه وسلم: «من دل على خير فله أجر فاعله»(72)، وفي حديث آخر: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا»(73) الحديث. فخير ما يقدم لكل مسلم ومنهم الحجاج والمعتمرين بذل العلم ونشره لتصحيح العقائد والعبادات، من خلال الوسائل التالية: (مطويات ـ كتيبات ـ أشرطة مسموعة ومرئية ـ أقراص حاسوبية) وغيرها من الوسائل الحديثة للدعوة إلى الله عز وجل باللغة العربية وغيرها من اللغات. تاسعًا: الذكر: ومن الأعمال الصالحة كثرة ذكر الله عز وجل، يقول الله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج:28]. روى الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد» رواه أحمد(74) وصححه الأرناؤوط. والتكبير مستحب في هذه الأيام استحبابًا شديدًا. قال الإمام البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ: «وكان ابن عمر، وأبو هريرة ب يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما»(75). والتكبير نوعان: مطلق ومقيد. فالتكبير المطلق: هو أن يكبر الإنسان في أي وقت وفي أي مكان في أيام العشر وأيام التشريق، ومثاله ما كان يفعله ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما في الحديث الذي مر معنا. والتكبير المقيد: هو ما كان مقيدًا بأدبار الصلوات الخمس، ويبدأ من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «أصح الأقوال في التكبير الذي عليه جمهور السلف والفقهاء من الصحابة والأئمة: أن يكبر من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق عقب كل صلاة»(76). صيغة التكبير: لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم صيغة بعينها للتكبير في هذه الأيام، وكل ما ورد إلينا إنما هي آثار ثبتت عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. فمنها: ما ثبت عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: «أنه كان يكبر أيام التشريق: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد»(77). بتشفيع التكبير أو بتثليثه، كلاهما ثابتٌ عنه رضي الله عنه. والتكبير في هذا الزمان صار من السنن المهجورة، ولذلك ينبغي الجهر به في الطريق والمسجد والبيت، يجهر به الرجل، وتسر بها المرأة. وذكـر الله عز وجل لـه فضلٌ عظيم، ويتأكـد في هـذه الأيـام المباركة حتى بعد انقضائها، فقد قال الله عز وجل: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً} [البقرة:200]. ولقد أمرنا ربنا ـ تبارك وتعالى ـ بأن نذكره ذكرًا كثيرًا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الأحزاب:41-42]. وقال سبحانه وتعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:35]. وفي الصحيحين(78) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تبارك وتعالى أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرتُهُ في ملأٍ خير منهم، وإن تقرب إليَّ شبرًا تقربتُ منه ذراعًا، وإن تقرب إليَّ ذراعًا تقربتُ منه باعًا، وإذا أتاني يمشي أتيتُه هروَلة». ولقد حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذكر لما له من الفضل العظيم. فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم»، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «ذكر الله عز وجل»(79). وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة ت قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسيرُ في طريق مكة، فمر على جبل يُقال له: جُمدان، فقال: «سيروا هذا جُمدان، سبق المُفرِّدون». قيل: وما المُفرِّدون يا رسول الله؟ قال: «الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات»(80). وفي السنن عن أبي هريرة ت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه، إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان عليهم حسرةً»(81). وفي صحيح مسلم، عن الأغرِّ أبي مُسلم قال: أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما، أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يقعد قوم في مجلس يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده»(82). وفي الترمذي عن عبد الله بن بُسر أن رجلًا قال: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فأخبرني بشيء أتشبث به، قال: «لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله تعالى»(83). وفي صحيح البخاري، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثلُ الذي يذكرُ ربهُ، والذي لا يذكرُ ربُّهُ، مثل الحي والميت»(84). عاشرًا: الحرص على كثرة تلاوة القرآن وحفظه وتعاهده: مما لا شك فيه أن العبادات في الأزمنة الفاضلة لها أجرٌ عظيم، ومن أجل العبادات التي يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل هي تلاوة كلامه عز وجل. وقد بين الله عز وجل فضل تلاوة كتابه فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:29-30]. والقرآن يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه لما رواه مسلم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: «اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه»(85). وعن ابن عُمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاهُ الله مالًا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار»(86) متفق عليه. وفي سنن الترمذي بسندٍ صحيح من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آيةٍ تقرأ بها»(87). وهذه الأيام الفاضلة فرصة للإقبال على القرآن وحفظه وتعاهده، ففي الصحيحين عن أبي موسى ت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتًا من الإبل في عُقلها» متفق عليه، وحريٌّ بك أن تختم في هذه العشر ولو مرة واحدة بأن تقرأ كل يوم ثلاثة أجزاء. الحادي عشر: الصوم: ومن الأعمال الصالحة التي تشرع في هذه الأيام عبادة الصيام، فيستحب للشخص أن يصوم التسع كلها أو ما تيسر له منها، لما جاء في سنن أبي داوود(88) عن هنيدة بن خالد، عن امرأته، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر أول اثنين من الشهر والخميس». وأما ما جاء في صحيح مسلم(89) من حديث أم المؤمنين عائشة ل أنها قالت: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائمًا في العشر قط». فهذا لا يمنع من استحباب صومها، بدليل أن صومها داخل ضمن الأعمال الصالحة، والرسول صلى الله عليه وسلم حث على العمل الصالح مطلقًا، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد يترك العمل لأسباب ولحكم. ولصيام التطوع فضل عظيم لما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا»(90)، هذا في أيام السنة فما بالك بهذه الأيام؟! ـ أعاذنا الله من النار ـ. وتشتمل هذه الأيام على يومي الإثنين والخميس، وهما يومان فاضلان، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتحرى صومهما كما جاء في سنن الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم» رواه الترمذي(91)، وقال: حديث حسن غريب. أما عن صوم يوم عرفة وهو اليوم التاسع من ذي الحجة فقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صومه فقال: «أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده» رواه مسلم(92). وقد كان السلف يحرصون على صومه أكثر من صيام أي يوم آخر، حيث رُويَ عن أمنا عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «ما من يوم من السنة صومه أحبُّ إليَّ من يوم عرفة»(93). الثاني عشر: الصدقة: وهي مستحبة في كل وقت، وبما أننا في أيام فاضلة والعمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من غيره فيتأكد استحباب الصدقة في هذه الأيام عن غيرها. فما أجمل أن يجتهد الإنسان في الصدقة ـ ولو بالقليل ـ من أجل إدخال السرور على فقراء المسلمين والتوسعة عليهم في هذه الأيام، فعلينا أن نحرص على الإنفاق في هذه العشر المباركة امتثالًا لأمر الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة:267]. ومدح الله عز وجل المتصدقين الذين ينفقون أموالهم سرًا وعلانية بقوله عز وجل: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:274]. وجعل الله عز وجل أول صفات المتقين الذين أعدت لهم جنة عرضها السماوات والأرض أنهم ينفقون في السراء والضراء فقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:133-134]. والآيات في فضل الصدقة والمتصدقين كثيرة. ولا تظن ـ أخي المسلم ـ أن الصدقة تنقص المال! جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة ت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله»(94)، بل إن الصدقة سببٌ لزيادة هذا المال ففي الصحيحين(95) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم، أنفِقْ أُنفِق عليك»، وهذا من فضل الله علينا. فتصدق أُخَيَّ في هذه الأيام ـ ولو بالقليل ـ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا النار ولو بشق تمرة»(96)، وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: «من تصدق بعدل تمرة من كسبٍ طيب، ولا يصعد إلى الله إلا الطيب فإن الله عز وجل يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فُلُوَّه حتى تكون مثل الجبل»(97). وقال صلى الله عليه وسلم: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله...»، وذكر منهم: «ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه»(98). فهيا نتخذ من هذه العشر فرصةً لإدخال السرور على الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام والتوسعة عليهم بالإنفاق ولو بالقليل من أموالنا، ولنحذر البخل، فقد قال تعالى: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} [محمد:38]، وتوعد سبحانه من يبخل بالعسرى فقال عز وجل: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} [الليل:8-11]. نسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم من المتصدقين المنفقين ابتغاء وجهه الكريم، وأن يعيذنا وإياكم من البخل إنه جواد كريم. الثالث عشر: الأضحية: فقد شرع الله عز وجل الأضحية بقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2]، وهي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، جاء في الصحيحين(99) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين، فرأيته واضعًا قدمه على صفاحهما يسمي ويكبر فذبحهما بيده». وينبغي على من يسر الله عليه وكان عنده سعة من مال أن يحرص عليها، لما جاء في سنن ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا»(100). وهي من أحب وأفضل أعمال يوم عيد الأضحى، لما جاء في سنن الترمذي من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما عمل آدميٌّ من عملٍ يوم النحر أحبُّ إلى الله عز وجل من إهراق الدم، إنه ليأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكانٍ قبل أن يقع من الأرض فطيبوا بها نفسًا»(101). قال تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج:28]. قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ: وقوله تعالى: {عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} يعني: الإبل والبقر والغنم، كما فصلها تعالى في سورة الأنعام وأنها {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ...} [الأنعام:143]» ا.هـ(102) فمن أراد أن يضحي فليعتن بشروط الأضحية وهي: السلامة من العيوب: ففي سنن ابن ماجة من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أربعٌ لا تجزئ في الأضاحي: العوراء البيِّنُ عورُها، والمريضةُ البيِّنُ مرضُها، والعرجاءُ البيِّن ضلعُها، والكَسيرةُ التي لا تُنِقى»(103). وبداية وقت الذبح من بعد صلاة العيد مباشرةً، ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ذبح قبل الصلاة فإنما ذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تمّ نسكه وأصاب سنة المسلمين»(104). ويُسن لمن يحسن الذبح أن يذبح أضحيته بيده ويقول: بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عن فلان ـ ويسمي نفسه أو من أوصاه ـ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، كما جاء في سنن الترمذي وأبي داوود من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم الأضحى بالمصلى، فلما قضى خطبته نزل من على منبره فأُتِيَ بكبشٍ فذبحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال: «بسم الله، والله أكبر، هذا عني، وعمَّن لم يضحِّ من أمتي»(105). ويسن للمضحي أن يأكل من أضحيته ويهدي الأقارب والجيران ويتصدق منها على الفقراء والمحتاجين لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج:28]. ومن أراد أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره وبشرته، أي لا يأخذ منها شيئًا عند رؤية هلال ذي الحجة حتى يذبح أضحيته. كما جاء في صحيح مسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخلت العشر، وأراد أحدُكم أن يُضحي، فلا يمسَّ من شعره وبشره شيئًا»(106). وفي رواية أخرى: «من كان له ذبح يذبحه، فإذا أهلَّ هلال ذي الحجة، فلا يأخُذنَّ من شعره، ولا من أظفاره شيئًا، حتى يُضحي»(107). فدل هذا الحديث على أنه لا يجوز لمن أراد أن يُضَحِي الأخذ من هذه الأشياء الثلاثة ـ الشعر والأظفار والبشرة ـ حتى يذبح أضحيته. والمقصود بالبشرة: اللحم اليابس، الذي قد يكون في نهاية الأظافر، أو في أسفل القدم. وذهب الإمام أحمد إلى وجوب الامتناع من هذه الأمور، كما هو ظاهر حديث أم سلمة رضي الله عنها، وذهب الجمهور إلى الكراهية فقط. والقول الأول هو الأرجح بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ذلك، والأصل في النهي التحريم. والإنسان الذي يريد أن يضحي هو من يجب عليه الامتناع، وأما إذا أشرك أهل بيته معه فلا يلزمهم الامتناع. وكذلك لو وَكَّل غيره في التضحية عنه، فالوكيل لا يلزمه عدم الأخذ من هذه الأشياء؛ لأنه وكيل، أما الإنسان الذي وَكَّل فهو الذي يجب عليه الامتناع. ولمن أراد أن يضحي أن يمتشط وأن يمس الطيب، وإنما يمنع من هذه الأشياء الثلاثة فقط. ومن الأخطاء المنتشرة أن البعض يضحي عن الأموات ويترك الأحياء، مع العلم أنها تتأكد في حق الأحياء أكثر من الأموات. وأخيرًا: أداء فريضة الحج لما فيها من الفضل العظيم: 1-فالحج من أفضل الأعمال: كما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن أفضل العمل، فقال: «إيمان بالله ورسوله»، قيل: ثم ماذا؟ قال: «الجهاد في سبيل الله»، قيل: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور»(108). 2-ينفي الفقر والذنوب: قال صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديث والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة» رواه الترمذي(109)، وقال الشيخ الألباني: «حسن صحيح»(110). 3-أن الحج المبرور ثوابه الجنة: قال صلى الله عليه وسلم: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»(111) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة . والحج الـمبرور: هو الذي لا معصية فيه والذي وفيت أحكامه، فوقع موافقًا لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل. 4-مغفرة الذنوب والآثام التي اقترفها الإنسان طوال عمره: قال صلى الله عليه وسلم: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه»(112) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والرفث: الجماع أو التعرض للنساء به أو ذكره بحضرتهن. الفسوق: المعاصي كلها. فمتى تجنب الحاج ذلك كله رجع ـ بفضل الله ـ كيوم ولدته أمه. أخي المبارك: اغتنم هذه الأيام المباركة بالصيام ونوافل العبادات، واعلم أنها يمكن أن تكون آخر أيامك وآخر عام تدركه، فقد لا يمر عليك هذا الموسم مرة أخرى. وتذكر قول الله عز وجل في أحكام الصيام وآياته: {أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ...}. نسأل الله أن يوفقنا لما يحبّ ويرضى، وأن يفقهنا في ديننا، وأن يجعلنا ممن يعمل بقوله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. _____________________ (1) رواه الإمام أحمد في المسند (5/282). (2) ادلهمَّ: كثفَ واسوَدَّ. انظر اللسان (12/206). (3) نسبه له ابن الجوزي في (ذم الهوى): وابن القيم في غير كتاب، ورواه ابن بطة في الإنابة (2/293)، ط.الراية عن يحيى بن معاذ الرازي مثله، ورواه أبو نعيم في الحلية (9/261) عن أبي سليمان الداراني. (4) رواه البخاري (6308). (5) رواه الترمذي (5/575)، وهو في صحيح الترمذي (2/184). (6) الطقطقة: صوت قوائم الخيل على الأرض الصلبة. انظر: اللسان (مادة: طقطق). (7) الهملجة: حسن سير الدابة في سرعة. انظر اللسان (مادة هملج). (8) البراذين: جم يرذون وهو غير العربي من الخيل والبغال. المعجم الوجيز (ص:44). (9) رواه مسلم (37)، من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه. (10) رواه البخاري (3483)، من حديث أبي مسعود عقبة رضي الله عنه. (11) رواه ابن ماجة (2144). (12) الداء والدواء لابن القيم ـ رحمه الله ـ بتصرف. (13) تفسير القرآن العظيم (8/390). (14) صحيح الجامع الصغير وزيادته برقم (1133). (15) رواه البخاري (969) باب: فضل العمل في أيام التشريق. (16) رواه الترمذي (757) باب: ما جاء في العمل في أيام العشر. (17) فتح الباري شرح صحيح البخاري، (3/585). (18) فتح الباري شرح صحيح البخاري، (3/581) باب: فضل العمل في أيام التشريق. (19) المسند (2/75)، وتحقيق الأروناؤوط (5446) و(6154). (20) رواه الترمذي برقم (3339) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (21) رواه مسلم (1348) باب: فضل يوم عرفة. (22) رواه أبو داوود (1765) من حديث عبد الله بن قرط رضي الله عنه. (23) لطائف المعارف (ص:283). (24) زاد المعاد في هدي خير العباد (1/57). (25) تفسير القرآن العظيم (3/26). (26) رواه البخاري (45) واللفظ له، ومسلم (3017). (27) رواه مسلم (1348) باب: فضل يوم عرفة. (28) المسند (2/224) برقم (7089)، وقال شعيب الأرنؤوط: «إسناده لا بأس به». (29) أخرجه المنذري في الترغيب والترهيب، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/16): صحيح لغيره، رقم (1151). (30) رواه مسلم (1162). (31) رواه الترمذي (3585)، وحسنه الألباني. (32) ذكر هذه الأحوال وغيرها ابن رجب في لطائف المعارف (ص:285-288). (33) صحيح البخاري (6412) كتاب: الرقاق، باب: الصحة والفراغ ولا عيش إلا عيش الآخرة. (34) رواه مسلم (2985). (35) رواه البخاري (6499) باب: الرياء والسمعة ـ نعوذ بالله من ذلك ـ. (36) رواه البخاري (527)، ومسلم (85). (37) رواه مسلم (2551). (38) رواه البخاري (5989)، ومسلم (2555). (39) رواه البخاري (5991)، باب ليس الواصل بالمكافئ. (40) رواه مسلم (6544)، باب: النهي عن الشحناء. (41) رواه البخاري (6237)، ومسلم (6532). (42) رواه البخاري (2692)، ومسلم (2605). (43) رواه البيهقي وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (5552). (44) رواه البخاري (52)، ومسلم (107). (45) مسلم: كتاب: الإيمان، باب: إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة، رقم (82). (46) رواه أحمد (5/346)، والترمذي (2621)، والنسائي (463)، وابن ماجة (1079). (47) رواه الترمذي (2622)، والحاكم (1/7). (48) رواه مسلم، برقم (1046). (49) رواه البخاري (2766)، ومسلم (89). (50) رواه مسلم (1597). (51) رواه الترمذي (1206)، وأبو داوود (3333)، وابن ماجة (2277). (52) رواه البخاري (4477)، ومسلم (86). (53) رواه البخاري (6772، 6810)، ومسلم (57). (54) عائل: فقير كثير العيال. (55) رواه مسلم (107). (56) أخرجه ابن ماجة (3371). (57) رواه أبو داوود (3674) بسند صحيح، صحيح ابن ماجة (3380). (58) رواه مسلم (2002). (59) رواه البخاري (5575)، ومسلم (2003). (60) رواه أحمد (1/272)، والطبراني في الكبير (12428). (61) رواه البخاري (2447)، ومسلم (2579). (62) رواه البخاري (2453)، ومسلم (1612). (63) رواه البخاري (2400)، ومسلم (1564). (64) رواه مسلم (137). (65) للتوسع ننصح بقراءة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، د. خالد السبت وفقه الله ونفع به. (66) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ (28/122-125). (67) المصدر السابق (28/306-307). (68) رواه الترمذي (2199) وحسنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (6947). (69) رواه مسلم (49) باب: كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان. (70) رواه البخاري (893)، ومسلم (1829). (71) مفتاح دار السعادة (1/153). (72) رواه مسلم (1893). (73) رواه مسلم (2674). (74) المسند (2/75)، بتصحيح شعيب الأرنؤوط (5446) و(6154). (75) صحيح البخاري: كتاب: العيدين، باب: فضل العمل في أيام التشريق، رقم (11). (76) مجموع الفتاوى (24/20). (77) أخرجه ابن أبي شيبة (2/2/2) وقال الشيخ الألباني في الإرواء: وإسناده صحيح. (78) رواه البخاري (7405)، ومسلم (2675). (79) رواه أحمد (5/239). وروي عن أبي الدرداء مرفوعًا كما عند الترمذي (3377)، وابن ماجة (3790)، وأحمد (5/195). (80) رواه مسلم (2676). (81) رواه أبو داوود (4855). (82) رواه مسلم (2700). (83) رواه الترمذي (3375)، وابن ماجه (3793). (84) رواه البخاري (6407)، ومسلم (779) بنحوه. (85) رواه مسلم (1337). (86) رواه البخاري (73)، ومسلم (815). (87) رواه الترمذي (2838). (88) أبو داوود (2437)، وصححه الألباني في صحيح أبي داوود، برقم (2129). (89) رواه مسلم (1176). (90) رواه مسلم (1153)، باب: فضل الصيام في سبيل الله لمن يطيقه بلا ضرر ولا تفويت حق. (91) رواه الترمذي (747)، وصححه العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الجامع (2959). (92) رواه مسلم (1162)، من حديث أبي قتادة رضي الله عنه. (93) رواه البيهقي (3485)، في شعب الإيمان. (94) رواه مسلم (2588). (95) رواه البخاري (4407)، ومسلم (993). (96) رواه البخاري (1351)، مسلم (1016) بلفظ: «من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل». (97) رواه البخاري (1344) عن أبي هريرة رضي الله عنه. (98) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (99) رواه البخاري (5558)، ومسلم (1966). (100) ابن ماجة (3123)، وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع (6490). (101) رواه الترمذي (1493)، باب: ما جاء في فضل الأضحية. (102) تفسير القرآن العظيم، (5/416). (103) رواه ابن ماجة (3144)، وصححه العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الجامع (8861). (104) رواه البخاري (5546)، ومسلم (1961) عن البراء ت بنحوه. (105) رواه الترمذي (1521)، أبو داوود (2810). (106) رواه مسلم (1977). (107) رواه مسلم (1977). (108) رواه البخاري (26)، ومسلم (83). (109) رواه الترمذي (810) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. (110) الصحيحة (1200)، وقال: «صحيح» في صحيح الجامع (2900). (111) رواه البخاري (1773)، ومسلم (1349). (112) رواه البخاري (1819)، ومسلم (1350).