أحكام مرافق المسجد
4 محرم 1435
معاذ بن عبدالله بن عبدالعزيز المحيش

تعريف المسجد.

المسجَد في اللغة: بكسر الجيم وفتحها، ويقال [مَسيد] بفتح الميم، أصلها من (سجد)، قال ابن فارس: السين والجيم والدال أصل واحد مطرد يدل على تطامن وذل ا.هـ(1)، والمسجِد - بكسر الجيم -: الذي يسجد فيه، وقيل: هو كل موضع يتعبد فيه، والمسْجَد - بفتح الجيم -: جبهة الرجل حين يصيبه ندب السجود(2)، والمراد في البحث المعنى الأول، وهو المكان الذي يسجد فيه.

 

المسجد في الاصطلاح: فقد ورد ذكره في الشريعة على ثلاثة معانٍ:
المعنى الأول: قال الزركشي: وأما شرعا: فكل موضع من الأرض ا.هـ(3)؛ لما رواه جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة" متفق عليه(4)، وهذا النوع لا يثبت له شيء من أحكام المساجد.

 

المعنى الثاني: اتخاذ مصلى في البيت؛ لما جاء عن عائشة رضي الله عنها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب" رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه(5)، والمراد بــ[الدور]: البيوت، وبهذا فسره الخطابي وغيره(6)، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتخذ مسجداً في بيته، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة من الفراش فالتمسته، فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول: " إني أعوذ بك برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك " رواه مسلم (7)، وعن بلال رضي الله عنه: " أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه بالصلاة فوجده يتسحر في مسجد بيته" رواه أحمد(8)، وعن عبد الله بن شداد قال سمعت خالتي ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها: "كانت تكون حائضاً لا تصلي وهي مفترشة بحذاء مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي على خمرته إذا سجد أصابني بعض ثوبه " متفق عليه(9)، قال ابن رجب: وقد كان من عادة السلف أن يتخذوا في بيوتهم أماكن معدة للصلاة فيها ا.هـ(10)، وهذه من السنن المهجورة في هذا الزمان.
وهذا النوع من المساجد لا يثبت له شيء من أحكام المساجد في قول جماهير العلماء(11).

 

المعنى الثالث: اختلفت عبارات الفقهاء في حده وبيانه، ومن تعاريفهم:
•    هو المكان المهيأ عرفاً للصلوات الخمس(12).
•    هو المبنى الموقوف المخصص للصلوات الخمس المفروضة وغيرها(13).
•    هو بقعة من الأرض تحررت من التملك الشخصي وعادت إلى ما كانت عليه لله تعالى وخصصت للصلاة والعبادة(14).
•    هو مكان مخصوص له أحكام مخصوصة، بني لأداء عبادة الصلاة وذكر الله وقراءة القرآن(15).

 

وبعد التأمل في هذه التعاريف، يتضح أنها تتفق غالباً في النقاط الآتية:
1.    أن يكون المسجد محرزا عن التملك الشخصي، سواء كان موقوفا من الملك الخاص أو مخصصا من الملك العام.
2.    نرجع في تحديده إلى العرف.
3.    أن يُعمَر المسجد بالصلوات المفروضة وذكر الله والعبادة.
4.    أن يكون مبنياً، فلا تكون أرضه فلاة أو بيتاً من شعر؛ لأنها قرينة على عدم تحرره من الملك الشخصي، وهذه الأفعال لا تعطيه عرفاً صفة الديمومة والتأبيد.
والذي يظهر للباحث أن أشمل التعاريف وأدقها هو التعريف الأخير.

 

شرح التعريف المختار:

(مكان مخصوص) فهذا يشمل كونه مبنيا وموقوفا من الملك الخاص أو مخصصا من الملك العام، فالأول خصوصية من الناحية العرفية، والثاني خصوصية من الناحية الشرعية، ونرجع إلى العرف في معرفة حدود المسجد وأجزائه.
وهذا القيد أخرج كل ما ليس بمبني ولا موقوف مثل مصلى الجنائز والعيد.
(له أحكام مخصوصة) وهذا القيد أخرج المعنى الأول - موضع من الأرض - والمعنى الثاني - مسجد البيت -، لأن هذه المساجد ليس لها أحكام تخصها، وأما اشتراط طهارة البقعة وعدم الصلاة في المقبرة والحمام فهذه أحكام من أجل الصلاة وليست من أجل المسجد.
(بني لأداء عبادة الصلاة...) أي المقصود الأساس هو اتخاذه للصلوات الخمس والعبادة، وليس مقصودا بالتبع كما في مساجد البيوت.
وهذا النوع من المساجد أثبتت له الشريعة أحكاماً خاصة، وهو المراد في هذا البحث.

 

المطلب الثاني: مرافق المسجد، وفيه فرعان:

الفرع الأول: أنواع مرافق المسجد.

كان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مربع الشكل تقريبا، ولم ترد الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ ملحقات في المسجد، قال خارجة بن زيد: بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده سبعين ذراعا في ستين ذراعا أو يزيد(16)، ومن المعلوم أن بناء المساجد من حيث الشكل ليس توقيفياً، بل هو متطور مع التطور العمراني(17)، قال عبدالله بن عمر رضي الله عنه: "كان المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنياً باللبن وسقفه الجريد وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئاً، وزاد فيه عمر، وبناه على بنيانه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد وأعاد عمده خشباً، ثم غيره عثمان فزاد فيه زيادة كثيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقَصَّة(18) وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج(19) " أخرجه البخاري (20)، ثم بدأ التطور العمراني في نمو مستمر، فأضاف الناس ملحقات ومرافق إلى مساجدهم، وهذه المرافق تتبع حاجة الناس ومصالحهم، وهذا يختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة، ومن تلك المرافق:

المقصورة: وهي حجرة خاصة مقتطعة من المسجد، سميت بذلك لأنها تُقصر على الملوك والأمراءـ، قال ابن عابدين: الظاهر أن المقصورة في زمانهم اسم لبيت في داخل الجدار القبلي من المسجد كان يصلي فيها الأمراء الجمعة ويمنعون الناس من دخولها خوفا من العدو ا.هـ(21)، وأول من اتخذها معاوية رضي الله عنه لما ضربه الخارجي، واستمر العمل عليها لهذه العلة تحصيناً للأمراء(22).
وهل يجوز بناء مقصورة في المسجد؟
للفقهاء في ذلك ثلاثة أقوال:
القول الأول: يجوز ذلك لمصلحة، قال النووي في شرح مسلم: فيه(23) دليل على جواز اتخاذها في المسجد إذا رآها ولي الأمر مصلحة ا.هـ(24).
القول الثاني: يجوز ذلك مطلقاً، قال القرطبي: والمقصورة: موضع من المسجد، تُقصر على الملوك والأمراء، وأول من عمل ذلك معاوية لما ضربه الخارجي، واستمر العمل عليها لهذه العلة تحصينًا للأمراء، فإن كان اتخادها لغير تلك العلة فلا يجوز... وقد أجاز اتخاذها بعض المتأخرين لغير التحصين، وفيه بُعْدٌ ا.هـ(25).
القول الثالث: أنها مكروهة، قال ابن رشد في البيان والتحصيل: وجه قوله الإعلام بأن المقصورة محدثة لم تكن على عهد النبي ولا عهد الخلفاء بعده، وإنما أحدثها الأمراء للخوف على أنفسهم، فاتخاذها في الجوامع مكروه ا.هـ(26).

 

ومن مفاسدها ما يلي(27):
1.    أن الموضع وقف للصلاة وما فعل فيه لغيرها فهو غصب لمواضع صلاة المسلمين.
2.    أن فيه تقطيع الصفوف وذلك خلاف السنة.
3.    أن فعلها في المسجد أفضى إلى أمر مستهجن وهو أن من لا خير فيه يجد السبيل إلى الوصول إلى أغراضه الخسيسة بارتكاب محرم أو مكروه لكونه يتوارى فيها عن أعين الناظرين.
4.    أنه قد ينام فيها بعض الغرباء للضرورة، فيجد اللص السبيل إلى أخذ متاعه؛ إذ أنه ليس ثَمَّ من ينظر إليه بسببها.
5.    أن ذلك من باب زخرفة المساجد وذلك من أشراط الساعة.

 

الترجيح: والذي يظهر للباحث جواز اتخاذها للمصلحة، بشرط ألا يُمنَع آحاد المسلمين من الصلاة فيها، وهو أعدل الأقوال؛ لأن القول بجوازها مطلقاً: يرد عليه المفاسد المذكورة في اتخاذها، ولأن القول بكراهتها: مردود بفعل معاوية رضي الله عنه ولم يعترض عليه أحد من الصحابة، وسئل عنها ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما ولم ينكرا فعلها(28)، ولا تكون مغصوبة من المسجد إذا كانت مباحة لآحاد المسلمين.

 

فإن قيل: اختلف أهل العلم في الاحتجاج بقول الصحابي، فكيف يحتج بفعله مع أن القول أقوى من الفعل؟!
يجاب عنه: بأن القول المختار هو رأي لأحد الصحابة الذين شاهدوا التنزيل وعرفوا مقاصد الشريعة، ولم يقل بالكراهة أحد ممن على مرتبتهم وفي علمهم.
هل تأخذ المقصورة حكم المسجد؟
لم يتحدث الفقهاء عن هذه المسألة، ولكنهم تحدثوا عن ما يتفرع عنها وهو:
هل الصلاة فيها تأخذ فضيلة الصلاة في الصف الأول؟
 ما حكم صلاة الفريضة بها ومتابعة الإمام؟

 

وبناءً على ذلك اختلف أهل العلم في أخذ المقصورة حكم المسجد على ثلاثة أقوال:
القول الأول: إن كانت مباحة لآحاد الناس، فإنها تأخذ حكم المسجد، وإلا فلا، قال ابن رشد: فإن كانت ممنوعة تفتح أحيانا وتغلق أحيانا فالصف الأول هو الخارج عنها اللاصق بها، وإن كانت مباحة غير ممنوعة فالصف الأول هو اللاصق بجدار القبلة في داخلها ا.هـ(29)، وقال في الفروع: ويكره(أي الصلاة) في مقصورة تحمى، وقيل: أو لا إن قطعت الصفوف ا.هـ.

 

القول الثاني: أنها لا تأخذ حكم المسجد، وكان ابن عمر إذا حضرت الصلاة وهو في المقصورة خرج إلى المسجد(30)، وإليه ذهب الأحنف بن قيس وابن محيريز، وكان أصحاب عبدالله بن مسعود يقولون: الصف الأول الذي يلي المقصورة، وروي ذلك عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود(31)، وقال الشعبي: المقصورة ليست من المسجد.
وقال أبو طالب: سئل أحمد عن الصلاة في المقصورة؟ قالَ: لا يصلي فيها، هوَ الذي يلي المقصورة، فيخرج من المقصورة فيصلي في الصف الأول(32).
قال في الفروع: ويكره (أي الصلاة) في مقصورة تحمى، وقيل: أو لا إن قطعت الصفوف ا.هـ(33).
وذلك لأنها كانت تختص بالظلمة وأبناء الدنيا فيكره الاجتماع بهم، ولقصرها على أتباع السلطان ومنع غيرهم فيصير الموضع كالغصب(34)، ولتفريقها للصفوف مع التمكن من المشاهدة(35).

 

القول الثالث: أنها تأخذ حكم المسجد، وإليه ذهب أنس بن مالك وابن عباس والسائب بن يزيد وعمر بن عبدالعزيز، قال القرطبي: واختلف في الصلاة فيها، فأجازه أكثر السلف وصلوا فيها منهم: الحسن والقاسم بن محمد وسالم وغيرهم ا.هـ(36).
قال ابن عابدين في حاشيته: اختلف في الصف الأول، هل هو ما يلي الإمام من داخلها أم ما يلي المقصورة من خارجها؟ فأخذ الفقيه بالثاني توسعة على العامة كي لا تفوتهم الفضيلة، ويعلم منه بالأولى أن مثل مقصورة دمشق التي هي في وسط المسجد خارج الحائط القبلي يكون الصف ببنائها، كما لا ينقطع بالمنبر الذي هو داخلها فيما يظهر، وصرح به الشافعية، وعليه فلو وقف في الصف الثاني داخلها قبل استكمال الصف الأول من خارجها يكون مكروها ا.هـ(37)؛ لأنه لم يتم الصفوف في المسجد، وعليه فإنهم يعدون المقصورة من المسجد.

 

قال الشافعي - في تفريقه بين اقتداء المأموم لإمامه وهو في دار عند المسجد وبين المقصورة حيث منع الأول وأجاز الثاني -: هذا مخالف للمقصورة، المقصورة شيء من المسجد، فهو وإن كان حائلا بينه وبين ما وراءها(38)، فإنما هو كحول الأصطوان أو أقل، وكحول صندوق المصاحف وما أشبهه ا.هـ(39)، وهذا تصريح من الشافعي في اعتبار المقصورة من المسجد.
وقال ابن حجر الهيتمي - بعد تقريره لجواز اقتداء المأموم بالإمام في أبنية المسجد إذا تنافذت إلى المسجد ولو أغلقت الأبواب أو سُمِّرَت -: وجرى عليه شيخنا في فتاويه فقال في مسجد سدت مقصورته وبقي نصفين لم ينفذ أحدهما إلى الآخر أنه يصح اقتداء من في أحدهما بمن في الآخر؛ لأنه يعد مسجداً واحداً قبل السد وبعده ا.هـ(40).

 

والترجيح: هذه مسألة اجتهادية اختلفت فيها أقوال الصحابة والتابعين، والأقرب هو القول الأول؛ لأن فيه جمع للأقوال، ولأن المقصورة إن كانت تحمى فإنها تكون مغصوبة من المسجد بدون وجه حق، وإن كانت كذلك فإنها لا تأخذ حكم المسجد حتى تباح البقعة لجميع المسلمين كما كانت، ويشهد لهذا ما جاء عن قتادة أن الأحنف بن قيس، كان لا يصلي في المقصورة، ويقول: "هي حمى" رواه عبدالرزاق(41).

 

سطح المسجد: فقد اختلف أهل العلم في أخذ سطح المسجد لأحكامه على قولين:
القول الأول: أنه يأخذ حكم المسجد، وإليه ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة،قال السرخسي في المبسوط: صعود المعتكف على المئذنة لا يفسد اعتكافه أما إذا كان باب المئذنة في المسجد فهو والصعود على سطح المسجد سواء ا.هـ(42)، أي لا يبطل اعتكافه.
وقال الكاساني: سطح المسجد تبع للمسجد، وحكم التبع حكم الأصل ا.هـ(43).
وقال النووي: حائط المسجد من داخله وخارجه له حكم المسجد في وجوب صيانته وتعظيم حرماته، وكذا سطحه، والبئر التي فيه، وكذا رحبته، وقد نص الشافعي والأصحاب على صحة الاعتكاف في رحبته وسطحه وصحة صلاة المأموم فيهما مقتديا بمن في المسجد ا.هـ(44).
وقال ابن حجر الهيتمي: (وإنما يصح الاعتكاف... في المسجد) إن كانت أرضه غير محتكرة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى نساءه لم يعتكفوا إلا فيه سواء سطحه وروشنه وإن كان كله في هواء شارع مثلا ورحبته المعدودة منه ا.هـ(45).
وقال ابن قدامة: ويجوز للمعتكف صعود سطح المسجد؛ لأنه من جملته، ولهذا يمنع الجنب من اللبث فيه، وهذا قول أبي حنيفة، ومالك، والشافعي؛ ولا نعلم فيه مخالفاً، ويجوز أن يبيت فيه ا.هـ(46).
وقال ابن مفلح في الفروع: وظهر المسجد منه (وç ش)، ومذهب (م) لا يعتكف فيه ولا في بيت قناديله، وقال (م) أيضا: يكره، والله أعلم ا.هـ(47).

 

القول الثاني: أنه لا يأخذ حكم المسجد؛ وإليه ذهب المالكية.
قال ابن رشد: لا اختلاف في أن لظهر المسجد من الحرمة ما للمسجد، ألا ترى أنه لم يجز في المدونة للرجل أن يبني مسجداً ويبني فوقه بيتاً يرتفق به، واحتج للمنع بفعل عمر بن عبد العزيز هذا(48)، وقال: إنه لا يورث المسجد ولا البنيان الذي يكون على ظهره، ويورث البنيان الذي يكون تحته، وإنما اختلف هل لما فوق المسجد من ظهره حكم المسجد في جواز صلاة الجمعة فيه؟ على قولين: أحدهما: قوله في المدونة: إنه يعيد مَن فعل ذلك ظهراً أربعاً، وأشهب يكره ذلك ابتداء ولا يرى عليه إعادة إن فعل، في وقت ولا غيره ا.هـ(49).
وقال مالك: لا يعتكف أحد فوق ظهر المسجد ولا في المنار يعني الصومعة ا.هـ(50)، فشرحها الباجي قائلاً: هذا كما قال إنه لا يعتكف المعتكف فوق ظهر المسجد؛ لأن ظهر المسجد ليس من المسجد ولذلك لا تؤدى فيه الجمعة، وإن كانت تؤدى خارج المسجد بحيث لا يجوز الاعتكاف فيه فإذا لم يجز أداء الجمعة فوق ظهر المسجد لبعده عن حكم المسجد فبأن لا يجوز الاعتكاف فيه أولى وأحرى ا.هـ(51).
فإن قيل: قال القرافي: اعلم أن حكم الأهوية تابع لحكم الأبنية، فهواء الوقف وقف، وهواء الطلق طلق، وهواء الموات موات، وهواء المملوك مملوك، وهواء المسجد له حكم المسجد فلا يقربه الجنب ا.هـ(52)، وهذا يدل على أن سطح المسجد يأخذ حكم المسجد وفق قواعد المذهب المالكي.
فيجاب عنه: بأن مأخذ تحريم لبث الجنب في سطح المسجد عند مالك ليس لأنه يأخذ حكم المسجد، بل لحرمة المسجد وتعظيمه، قال الخرشي: يجوز للإنسان أن يتخذ له بيتاً تحت المسجد ولا يجوز له أن يتخذ بيتاً فوقه؛ لأن ما فوق المسجد له حرمة المسجد ا.هـ(53)، وقال علي بن أحمد العدوي: لما فرغ من الكلام على الصلاة في الكعبة وعلى الكعبة وإلى جهة الكعبة طفق يتكلم على الصلاة تحت الكعبة وأفاد أنها باطلة ولا تصح بحال فيجوز للجنب أن يدخل تحت الكعبة والحاصل أن المسجد يعطى أعلاه حكمه في التشريف والتعظيم وأما ما كان من تحت فلا يعطى حكمه بحال ا.هـ(54) وقد تقدم كلام ابن رشد أول المسألة.

 

منارة المسجد: لم يكن لمسجد المصطفى ’ منارة يؤذن عليها المؤذن، وإنما كان بلالاً يؤذن على بيت قريب من المسجد، فعن عروة بن الزبير، عن امرأة من بني النجار قالت:كان بيتي من أطول بيت حول المسجد وكان بلال يؤذن عليه الفجر فيأتي بسحر فيجلس على البيت ينظر إلى الفجر، فإذا رآه تمطى، ثم قال: [اللهم إني أحمدك وأستعينك على قريش أن يقيموا دينك، قالت: ثم يؤذن، قالت: والله ما علمته كان تركها ليلة واحدة تعني هذه الكلمات]، رواه أبو داود(55).

 

وللمنارة خمس حالات:
الحالة الأولى: أن تكون في سطح المسجد، فيخرج عليها الخلاف في أخذ سطح المسجد حكم المسجد.
الحالة الثانية: أن تكون متصلة بالمسجد وبابها ينفذ فيه، فللفقهاء فيها قولان:
القول الأول: أنها تأخذ حكم المسجد، وإليه ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة.
جاء في المبسوط: وصعود المعتكف على المئذنة لا يفسد اعتكافه أما إذا كان باب المئذنة في المسجد فهو والصعود على سطح المسجد سواء وإن كان بابها خارج المسجد فكذلك من أصحابنا من يقول: هذا قولهما فأما عند أبي حنيفة رضي الله عنه فينبني أن يفسد اعتكافه للخروج من المسجد من غير ضرورة والأصح أنه قولهم جميعا ا.هـ(56).
وجاء في البحر الرائق: وفي فتاوى قاضي خان والولوالجي وصعود المئذنة إن كان بابها في المسجد لا يفسد الاعتكاف ا.هـ(57).
قال النووي: أن تكون ‍أي المنارة - مبنية في المسجد أو في رحبته، أو يكون بابها في المسجد أو رحبته المتصلة به، فلا يضر المعتكف صعودها، سواء صعدها للأذان أو غيره كسطح المسجد، هكذا قال الجمهور أنه لا فرق بين أن تكون المنارة في المسجد أو رحبته أو بابها متصلا بالمسجد أو رحبته، وإن كانت خارجة عن سمت البناء وتربيعه فلا يبطل الاعتكاف بصعودها بلا خلاف، سواء صعدها المؤذن أو غيره، هكذا صرح به الأصحاب واتفقوا عليه ا.هـ(58).
وقال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج: (وإذا جمعهما مسجد) ومنه جداره ورحبته وهي ما حجر عليه لأجله، وإن كان بينهما طريق ما لم يتيقن حدوثها بعده وأنها غير مسجد، ومنارته التي بابها فيه أو في رحبته لا حريمه وهو ما يهيأ لإلقاء نحو قمامته ا.هـ(59).
وقال ابن مفلح في الفروع: والمنارة التي للمسجد إن كانت فيه أو بابها فيه فهي منه، بدليل منع جنب والأشهر عن مالك: يكره(60)، وقاله الليث ا.هـ(61)
وجاء في الإنصاف: المنارة التي للمسجد إن كانت فيه أو بابها فيه فهي من المسجد بدليل منع جنب، وإن كان بابها خارجا منه ا.هـ(62).

 

القول الثاني: أنها لا تأخذ حكم المسجد، وإليه ذهب المالكية، قال مالك: لا يعتكف أحد فوق ظهر المسجد ولا في المنار يعني الصومعة ا.هـ(63).
قال الباجي: قوله (ولا في المنار يعني الصومعة) يريد أنه لا يجوز الاعتكاف في المنار ووجه ذلك أن له اسما يختص به عن المسجد، ولأنه موضع متخذ لغير الصلاة، وإنما اتخذ للإعلام بالصلاة فلم يجز الاعتكاف فيه كالبيت المتخذ فيه لاختزان حصر المسجد وسرجه وغير ذلك من الآلة.

 

(فرع) وهل يؤذن المعتكف في المنار أم لا؟ اختلف في ذلك قول مالك، فمنع منه مرة وأباحه أخرى؛ وجه منعه أنه من غير المسجد فلم يمكن الخروج إليه لحاجة يمكن الإتيان بها في المسجد كما لو خرج للأكل ووجه الرواية أن هذا معنى يراد للصلاة فلم يبطل الاعتكاف بالخروج إليه كالطهارة ا.هـ(64).
فإن قيل: جاء عند المالكية كراهية أكل المعتكف في السطح، وجوازه بلا كراهة في المنارة، وفي هذا إشارة إلى أخذ المنارة لحكم المسجد؛ لأن المعتكف يأكل في المسجد ويكره له الأكل في فنائه ويبطل اعتكافه إن أكل خارج الفناء، قال الخرشي: (ص) وصعوده لتأذين بمنار، أو سطح (ش) يعني: ومما هو مكروه في حق المعتكف أن يرقى المنار للأذان، أو أن يؤذن فوق سطح المسجد؛ لأنه كالخروج من المسجد، وكذا أكله فوق سطحه بخلاف صعوده للأكل بالمنار فلا كراهة فيه ا.هـ(65).
يجاب عنه بأمرين:
الأول: أنهم كرهوا للمعتكف الأذان في المنارة؛ لعدة علل منها: أن المنارة خارج المسجد كما قال الخرشي آنفاً(66).
الثاني: قال العدوي في حاشيته على مختصر خليل: فرَّق بأن المنار أشد تعلقا بالمسجد من سطحه؛ لأنه بني للإعلام لدخول وقت ما بني المسجد لأجله، فكان أكل المعتكف فيه أكلاً في المسجد، وهو مطلوب بذلك، هذا لا يظهر، ألا ترى أن الجمعة تصح في الصحن لا في المنار، ولعل وجهه أن الأكل يطلب فيه الإخفاء وهو موجود في المنارة ا.هـ(67).

 

الحالة الثالثة: أن تكون متصلة بالمسجد وبابها ينفذ خارج المسجد، فللفقهاء فيها قولان:
القول الأول: أنها لا تأخذ حكم المسجد، وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة.
قال الباجي في المنتقى: وهل يؤذن المعتكف في المنار أم لا؟ اختلف في ذلك قول مالك، فمنع منه مرة وأباحه أخرى؛ وجه منعه أنه من غير المسجد فلم يمكن الخروج إليه لحاجة يمكن الإتيان بها في المسجد كما لو خرج للأكل ووجه الرواية أن هذا معنى يراد للصلاة فلم يبطل الاعتكاف بالخروج إليه كالطهارة ا.هـ(68).
وقال النووي أثناء ذكره لأحوال المنارة: (الحال الثاني) أن لا يكون بابها في المسجد ولا رحبته المتصلة به بل تكون منفصلة عنهما، فلا يجوز للمعتكف الخروج إليها لغير الأذان بلا خلاف(69) ا.هـ(70)، ولو جاز خروج المعتكف لها من غير الأذان لكانت من المسجد.
قال ابن مفلح في الفروع: إن كان بابها (أي المنارة) خارجا منه بحيث لا يستطرق إليها إلا خارج المسجد... فخرج للأذان، بطل اعتكافه؛ لأنه مشى حيث يمشي جنب؛ لأمر منه بد، كخروجه إليها لغير الأذان، وقيل: لا يبطل، واختاره ابن البناء وصاحب المحرر، قال القاضي: لأنها بنيت له فكأنها منه، وقال أبو الخطاب: لأنها كالمتصلة به. وقال صاحب المحرر: لأنها بنيت للمسجد؛ لمصلحة الأذان، فكأنها منه فيما بنيت له، ولا يلزم ثبوت بقية أحكام المسجد؛ لأنها لم تبنَ له ا.هـ(71)، ولم يجزم أحد ممن قال بعدم بطلان اعتكافه بأن المنارة تأخذ حكم المسجد، بل صرح صاحب المحرر بأنها لا تأخذ جميع أحكام المسجد وإن كانت تابعة له.
قال في الإنصاف: المنارة التي للمسجد إن كانت فيه أو بابها فيه فهي من المسجد بدليل منع جنب، وإن كان بابها خارجا منه، بحيث لا يستطرق إليها إلا خارج المسجد... فخرج للأذان بطل اعتكافه على الصحيح من المذهب؛ لأنه مشى حيث يمشي لأمر منه بد كخروجه إليها لغير الأذان ا.هـ(72).
وجاء في دقائق أولي النهى: (و) منه (منارته التي هي فيه أو بابها فيه) أي المسجد، لمنع الجنب منها فإن كانت هي أو بابها خارجة، ولو قريبة وخرج المعتكف إليه للأذان بطل اعتكافه لأنه مشى حيث يمشي جنب لأمر له منه بد، كخروجه إليها لغيره ا.هـ(73).
ولهذا اختلف الفقهاء في خروج المعتكف للأذان، فمنهم من رخص له الخروج للمنارة، ومنهم من لم يرخص له، ومنهم من رخص للمؤذن الراتب دون غيره(74).

 

القول الثاني: أنها تأخذ حكم المسجد، وهو مذهب الحنفية.
قال الكاساني: ولو صعد المئذنة لم يفسد اعتكافه بلا خلاف وإن كان باب المئذنة خارج المسجد؛ لأن المئذنة من المسجد، ألا ترى أنه يمنع فيه كل ما يمنع في المسجد من البول ونحوه ولا يجوز بيعها فأشبه زاوية من زوايا المسجد ا.هـ(75).

 

الحالة الرابعة: أن تكون المنارة متصلة بالمسجد ولها باب ينفذ في المسجد وباب آخر ينفذ خارج المسجد، فيخرج عليها الخلاف في الحالة الثانية، حيث ذهب المالكية إلى عدم أخذها لأحكام المسجد، بينما ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أخذها لأحكام المسجد.

 

الحالة الخامسة: أن تكون المنارة منفصلة عن المسجد، فإنها لا تأخذ حكم المسجد، قال النووي: (الحال الثاني) أن لا يكون بابها في المسجد ولا رحبته المتصلة به بل تكون منفصلة عنهما، فلا يجوز للمعتكف الخروج إليها لغير الأذان بلا خلاف(76) ا.هـ(77).
وقال ابن مفلح: إن كان بابها (أي المنارة) خارجا منه بحيث لا يستطرق إليها إلا خارج المسجد أو كانت خارج المسجد والمراد والله أعلم وهي قريبة منه كما جزم به بعضهم، فخرج للأذان، بطل اعتكافه؛ لأنه مشى حيث يمشي جنب؛ لأمر منه بد، كخروجه إليها لغير الأذان، وقيل: لا يبطل، واختاره ابن البناء وصاحب المحرر، قال القاضي: لأنها بنيت له فكأنها منه، وقال أبو الخطاب: لأنها كالمتصلة به. وقال صاحب المحرر: لأنها بنيت للمسجد؛ لمصلحة الأذان، فكأنها منه فيما بنيت له، ولا يلزم ثبوت بقية أحكام المسجد؛ لأنها لم تبنَ له ا.هـ(78).

 

رحبة المسجد: وهي في اللغة مأخوذة من رحب بفتح الحاء وتسكينها، وفتحها أفضل، وهو الواسع من كل شيء، قال ابن فارس: الراء والحاء والباء أصل واحد مطرد يدل على السعة ا.هـ(79).
ورحبة المسجد: ساحته وفناؤه(80).
وعرف الفقهاء رحبة المسجد بأنها: الساحة والمكان المتسع أمام باب المسجد غير منفصل عنه(81).
وقيل: هي ما كان خارج المسجد محجرا عليه لأجله(82).
وقيل: هي ما زيد بالقرب منه لتوسعته(83).
وللرحبة عند المالكية معنيان:
المعنى الأول: هي ما زيد خارج محيطه لتوسعته(84)، وهذه تجوز الصلاة فيها إن ضاق المسجد واتصلت الصفوف، ولا يصح الاعتكاف فيها.
المعنى الثاني: أن رحبة المسجد: صحنه، وهذه يصح الاعتكاف فيها، قال الخرشي: ما في المدونة من أنه يعتكف في رحبة المسجد فالمراد بالرحبة فيه صحنه ا.هـ(85).

 

ومما يتصل بالرحبة من الألفاظ ما يلي:
الفناء في اللغة: هي الساحة في الدار أو بجانبها وقيل: هو المُتَّسَعُ أَمام الدار(86)، وفناء المسجد: الساحة أمامه(87)، وفناء الدار ما بين يدي بنائها فاضلاً عن ممر الطريق المعد للمرور غالباً كان بين يدي بابها أو غيره(88)، وقيل: فناء كل شيء ما أعد لمصالحه(89).
الحريم في اللغة: مأخوذة من حرم، قال ابن فارس: الحاء والراء والميم أصلٌ واحد، وهو المنْع والتشديد... والحريم: حريم البئرِ، وهو ما حَولَها، يُحرَّم على غير صاحبها أن يحفِر فيه، فحريم كل شيء ما تبعه، فحرم بحرمته من مرافق وحقوق، فحريم الدار ما أضيف إليها من حقوقها ومرافقها، وما دخل في الدار مما يغلق عليه بابها، وحريم المسجد وحريم البئر الموضع المحيط بهما ا.هـ(90).
والحريم عند الفقهاء: هو مساحة من الأرض ملاصقة للملك، يُمكَّن منها المنتفع لتمام انتفاعه ويمنع غيره منها(91).
 وقيل: هو الموضع المتصل بالمكان المهيأ لمصلحته كانصباب الماء وطرح القمامات فيه(92).

 

الفرق بين رحبة المسجد وحريمه:

قال ابن المنيِّر: الفرق بين الحريم والرحبة أن لكل مسجد حريماً، وليس لكل مسجد رحبة، فالمسجد الذي يكون أمامه قطعة من البقعة هي الرحبة، وهي التي لها حكم المسجد، والحريم هو الذي يحيط بهذه الرحبة وبالمسجد، وإن كان سور المسجد محيطاً بجميع البقعة فهو مسجد بلا رحبة، ولكن له حريم كالدور اهـ (93). وهذا في زمانه، وأما في وقتنا المعاصر: جعل ولي الأمر بين المسجد وما حوله من الدور ما يعرف بالارتدادات - وهي مسافة بين المسجد والجدار الذي يفصله عن الدور المجاورة له - وهي تقوم مقام الحريم.

 

وقال ابن حجر الهيتمي في التفريق بينهما: وليست(94) توجد لكل مسجد وصورتها أن يقف الإنسان بقعة محدودة مسجدا ثم يترك منها قطعة أمام الباب فإن لم يترك شيئا لم يكن له رحبة وكان له حريم أما لو وقف دارا محفوفة بالدور مسجدا فهذا لا رحبة له ولا حريم بخلاف ما إذا كان بجانبها موات فإنه يتصور أن يكون له رحبة وحريم ويجب على الناظر تمييزها منه فإن لها حكم المسجد دونه وهو ما يحتاج إليه لطرح القمامات والزبالات ا.هـ(95).

 

والذي يظهر للباحث أن الفرق بين الحريم والرحبة يرجع إلى عرف الناس، فإن كان المقصود من المسافة التي بين المسجد وجداره الخارجي توسعة المسجد: كانت رحبة، وإن قصد بها الإحاطة بمصالح المسجد أو جعلها ممراً لدخول وخروج الناس من المسجد أو لمنع البناء فيه أو لمنع السيارات من المرور فيه وما أشبه ذلك: كانت حريماً، ويشهد لذلك ما قاله الخرشي: والمراد بالرحاب ما زيد خارج محيطه لتوسعته كالسنانية ببولاق ولا رحبة للجامع الأزهر لأن ما زيد خارج بابه الكبير إنما هو لمنع الدواب لا لتوسعته فهو من الطرق ا.هـ(96).

 

وقال ابن مفلح: لا يبطل الاعتكاف بالبيع وعمل الصنعة للتكسب، لأنه إنما ينافي حرمة المسجد، ولهذا أبيح في ممره ا.هـ(97)، لأن الممر من حريم المسجد، والحريم لا يأخذ حكم المسجد.
وبما أنه يصعب التفريق بين الأمور التي جُعِلَ العرف فاصلاً فيها، ألزم بعض الفقهاء واقف المسجد بتمييز الرحبة عن الحريم، جاء في حاشيتي قليوبي وعميرة: ويلزم الواقف تمييزها(98) عن المسجد... فإن علم حدوثها بعده فهي كحريمه وهي ما حوط عليه لأجل إلقاء نحو قمامته، وليس له حكمه ا.هـ(99).

 

وقد اختلف الفقهاء في أخذ الرحبة لأحكام المسجد على ثلاثة أقوال:
القول الأول: لا تأخذ الرحبة أحكام المسجد ولا تتبعه، وإليه ذهب الحنفية(100) والمالكية(101) والحنابلة(102).
القول الثاني: تأخذ الرحبة أحكام المسجد وتتبعه، وإليه ذهب الشافعية(103) وقول عند الحنابلة(104).
القول الثالث: تأخذ الرحبة أحكام المسجد إن كانت متصلة ومحوطة به وإلا فلا، وإليه ذهب بعض الشافعية(105) والحنابلة(106).

 

أدلة القول الأول:
1.    عن عائشة رضي الله عنها قالت: " كن المعتكفات إذا حضن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراجهن من المسجد، وأن يضربن الأخبية في رحبة المسجد حتى يطهرن"(107).
وجه الدلالة: لو كانت الرحبة تأخذ حكم المسجد لما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم الحُيَّض إليها؛ لحرمة مكثهن في المسجد.
2.    أن عمر رضي الله عنه بنى رحبة في ناحية المسجد تسمى البطيحاء(108) وقال: [من كان يريد أن يلغط أو ينشد شعراً أو يرفع صوته فليخرج إلى هذه الرحبة](109).
وجه الدلالة: أن عمر رضي الله عنه بنى رحبة متصلة بالمسجد وذكر أنها لا تأخذ حكم المسجد، ولم يعارضه أحد من الصحابة رضوان الله عليهم فكان كالإجماع(110).
3.    عن زرارة بن أوفى: [أن أبا هريرة أتى رجال جلوس في الرحبة فقال: ادخلوا المسجد، فإنه لا جمعة إلا في المسجد] رواه ابن أبي شيبة(111).
فهذا يدل على أن الرحبة لا تعد من المسجد.

 

أدلة القول الثاني:ـ
1.    وقد يستدل لهم بما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: " كن المعتكفات إذا حضن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراجهن من المسجد، وأن يضربن الأخبية في رحبة المسجد حتى يطهرن"(112).
وجه الدلالة: أن الرحبة لو لم تكن تابعة للمسجد، لما كان في إخراجهن إليها فائدة، إذ الأولى أن يخرجهن إلى بيوتهن وليس إلى الرحبة.
ويناقش: بأن الرحبة لو كانت تابعة للمسجد، لما كان في إخراجهن فائدة إذا الأولى أن يبقيهن في المسجد.
2.    أن الرحبة - في عمومها - زيادة في المسجد ولأجله، والزيادة تأخذ حكم المزيد، فهي تتبعه في الأحكام(113).
3.    يصح اقتداء المأموم في رحبة المسجد بإمامه إن كان يرى الإمام أو يسمع الصوت.
ويناقش: بأن الإتمام من الأحكام الخاصة بالصلاة وليس من الأحكام الخاصة بالمسجد.

 

أدلة القول الثالث:
قد يستدل لهم بأن فيه جمع بين الآثار حيث يحمل أثر عمر بن الخطاب على الرحبة التي لم تحوط بالمسجد، ويحمل حديث عائشة على الرحبة المتصلة المحوطة بالمسجد.

 

الترجيح: الذي يظهر للباحث أن الراجح هو القول الأول؛ لما جاء عن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما، وأما حملهم حديث عائشة رضي الله عنها على الرحبة المحوطة المتصلة بالمسجد فلا حجة فيه؛ لأنه يلزم أن الحائض تمكث في المسجد، وهذا محرم عندهم.

 

وبناء على ما تقدم فالرحبة لها أحوال:
الحالة الأولى: إذا بنى الواقف قطعة منفصلة عن المسجد، فقد ذكر ابن حجر أنها تأخذ حكم المسجد (114)، والذي يظهر للباحث أن هذا البناء إن كان موضعا للعبادة وذكر الله ¸ كأن تكون مصلى للنساء، فإنه يأخذ حكم المسجد، وإن كان مكتبة أو غرفة لتغسيل الموتى أو غرفة لقيم المسجد وما أشبه ذلك فإنه لا يأخذ حكم المسجد.
الحالة الثانية: أن تكون الرحبة والمسجد تحت سقف واحد، وهذا لا يكون إلا بعد الزيادة في المسجد، فهذه لها حكم المسجد؛ لأنها صارت منه فأصبحت صحناً للمسجد.
الحالة الثالثة: أن تكون الرحبة منبسطة غير محجورة على المسجد، فإنها لا تأخذ حكم المسجد، وكذا إن كانت الرحبة محجورة على المسجد، ولكن ليس لها أبواب يغلقونها عندما يغلقون المسجد، بل يهتم أهل الحي بغلق أبواب المسجد وأما أبواب الرحبة فيستوي عندهم غلقها أو فتحها.
الحالة الرابعة: أن تكون الرحبة محجورة على المسجد لأجله، ولها أبواب يغلقونها عندما يغلقون المسجد، فإنها لا تأخذ حكم المسجد.
فإن اعتبر العرف الأحوال التي لم أعتبرها، فإنها تأخذ حكم المسجد، لأن المرجع في ذلك عرف الناس وأهل الحي والمحلة، وعرف أهل الحي أو المحلة أو القرية يقدم على عرف الناس عموماً، وهذا خاص بمسجدهم في الحي دون غيرهم.

 

خلوة المسجد: وهو بناء مسقوف سقفه يوازي أرضية المسجد غالباً، وأبوابه تكون إلى المسجد أو خارجه(115)، وذهب ابن عابدين إلى حرمة اتخاذها حيث قال: (قوله: ولا أن يجعل إلخ)(116) هذا ابتداء عبارة البزازية، والمراد بالمستغل أن يؤجر منه شيء لأجل عمارته وبالسكنى محلها وعبارة البزازية على ما في البحر، ولا مسكنا وقد رد في الفتح ما بحثه في الخلاصة من أنه لو احتاج المسجد إلى نفقة تؤجر قطعة منه بقدر ما ينفق عليه، بأنه غير صحيح. قلت: وبهذا علم أيضا حرمة إحداث الخلوات في المساجد كالتي في رواق المسجد الأموي، ولا سيما ما يترتب على ذلك من تقذير المسجد بسبب الطبخ والغسل ونحوه ورأيت تأليفا مستقلا في المنع من ذلك ا.هـ(117).

 

حكمها: لا تأخذ حكم المسجد، قال في البحر الرائق: وكذا اقتداء من بالخلاوي السفلية صحيح؛ لأن أبوابها في فناء المسجد ولم يشتبه حال الإمام، وأما اقتداء من بالخلاوي العلوية بإمام المسجد فغير صحيح حتى الخلوتين اللتين فوق الإيوان الصغير، وإن كان مسجدا؛ لأن أبوابها خارجة عن فناء المسجد ا.هـ(118)، فلم يجعل الخلوات تأخذ حكم المسجد، وإلا لجاز اقتداء من بالخلاوي بالإمام كما يجوز لمن بالسطح الاقتداء به.
وقال النووي: لو دخل المؤذن المعتكف إلى حجرة مهيأة للسكنى بجنب المسجد، وبابها إلى المسجد بطل اعتكافه بلا خلاف، صرح بالاتفاق عليه إمام الحرمين، قال: وإنما قلنا ما قلنا في المنارة؛ لأنها مبنية لإقامة شعار المسجد، والله أعلم ا.هـ(119)، والخلاوي ليست مبنية لإقامة شعار المسجد.
وقال ابن حجر الهيتمي: (ولا بخروج المؤذن الراتب إلى منارة منفصلة عن المسجد) لكنها قريبة منه مبنية له (للآذان في الأصح)؛ لأنها مبنية لإقامة شعائر المسجد معدودة من توابعه وقد ألف الناس صوته فعذر وجعل زمن أذانه كمستثنى من الاعتكاف وبما تقرر في المنارة فارقت الخلوة الخارجة عن المسجد التي بابها فيه فينقطع بدخولها قطعا ا.هـ(120).

 

هذه أبرز مرافق المسجد التي تكلم عنها الفقهاء رحمهم الله وذكروا موقفها من شمول أحكام المسجد لها أم لا، وقد أشاروا إلى قواعد عامة لرد هذه الفروع إليها ومن ذلك:
•    أن يكون المسجد محرراً عن التملك الشخصي.
•    العرف: قال النووي - لما تعرض لمسألة صعود المعتكف للمنارة المنفصلة عن المسجد -: فالحاصل أن من قال: لا يبطل الاعتكاف بصعود المنارة المنفصلة، أخذ بظاهر نص الشافعي(121) ومن قال: يبطل، حمله على المنارة التي في رحبة المسجد... وهذا القائل يقول: إنما قال الشافعي: وإن كانت خارجاً؛ لأن الناس في العادة لا يعدون الرحبة من المسجد، ومن فرق بين المؤذن الراتب وغيره حمل النص على الراتب ا.هـ(122) تأمل كيف جعل عادة الناس في الاعتداد بالرحبة مرجعاً له في إلحاقها بالمسجد من عدمه، وقال ابن حجر الهيتمي: [وجرى عليه شيخنا في فتاويه فقال في مسجد سدت مقصورته وبقي نصفين لم ينفذ أحدهما إلى الآخر أنه يصح اقتداء من في أحدهما بمن في الآخر؛ لأنه يعد مسجداً واحداً قبل السد وبعده ا.هـ ولك أن تقول إن فُتِحَ لكل من النصفين باب مستقل ولم يمكن التوصل من أحدهما إلى الآخر فالوجه أن كلاً مستقلٌ حينئذٍ عرفاً وإلا فلا وعليه يحمل كلام الشيخ](123).

 

ومن مظاهر اتخاذ المكان مسجداً:
أ‌-    أن يهيء الناس موضعاً معيناً لأداء الصلاة والعبادة، كأن يحتوي على محراب ومنبر ومصاحف.
ب‌-    أن يُفرَش موجهاً إلى القبلة.
ت‌-    أن يُنزَّه عن وضع النجاسات والأقذار فيه.

 

وتبين مما تقدم أن لأهل العلم مسلكين فيما يأخذ حكم المسجد من المرافق:
المسلك الأول: ذهب المالكية إلى أن المرافق بجميع أنواعها لا تأخذ حكم المسجد، فلا يأخذ حكم المسجد إلا المكان المتخذ للصلاة، قال الباجي: قوله (ولا في المنار يعني الصومعة) يريد أنه لا يجوز الاعتكاف في المنار ووجه ذلك أن له اسما يختص به عن المسجد، ولأنه موضع متخذ لغير الصلاة، وإنما اتخذ للإعلام بالصلاة فلم يجز الاعتكاف فيه كالبيت المتخذ فيه لاختزان حصر المسجد وسرجه وغير ذلك من الآلة ا.هـ(124).
ولكنها تكون تابعة للمسجد، قال الباجي: وما كان في المساجد من بيت الماء، أو بيت لزيته وحصره وآلته فإن ذلك تبع له، وكذلك سلاسله وقناديله وبنيانه وجذوعه ما انكسر منها رد إليه ا.هـ(125).
وقال الدسوقي: (قوله كبيت القناديل إلخ) في معنى ذلك بيت الحصر والبسط والسقاية لأنها محجورة وظاهره عدم الصحة في بيت القناديل ولو مع ضيق المسجد هذا وقد بحث القاضي سند في ذلك بأن أصله من المسجد وإنما قصر على بعض مصالحه فهو أخف من الصلاة في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فإن نساءه كن يصلين الجمعة في حجرهن على عهده وإلى أن متن وهي أشد تحجيرا من بيت القناديل وقد يجاب بأن هذا من خصوصيات أمهات المؤمنين فلما شدد عليهن في لزوم الحجرات كما قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33] جوز لهن صلاة الجمعة فيها ا.هـ(126).

 

المسلك الثاني: ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن المرافق تأخذ حكم المسجد بالتفصيل الآتي:
أ‌-    وظيفة المرفق: أن يخدم مصالح المسجد كالمئذنة وبيت حصره وقناديله وآلته وكل ما يخدم المسجد مباشرة من غير واسطة، فإن كان المرفق مكاناً مهيئاً للسكنى فإنه لا يأخذ حكم المسجد مثل سكن قيم المسجد أو الإمام أو المؤذن وإن كان اتخاذه من مصالح المسجد حيث يساعد على استقرار الإمام والمؤذن وإعانتهم على القيام بالمسجد، قال النووي: لو دخل المؤذن المعتكف إلى حجرة مهيأة للسكنى بجنب المسجد، وبابها إلى المسجد بطل اعتكافه بلا خلاف، صرح بالاتفاق عليه إمام الحرمين، قال: وإنما قلنا ما قلنا في المنارة؛ لأنها مبنية لإقامة شعار المسجد، والله أعلم ا.هـ(127).
ومما يبين ذلك ما جاء في الفتاوى الهندية: ويجوز أن يبني منارة من غلة وقف المسجد إن احتاج إليها؛ ليكون للجيران وإن كانوا يسمعون الآذان بدون المنارة فلا ا.هـ(128).
وفي حاشية ابن عابدين: لو بنى فوقه بيتا للإمام لا يضر لأنه من المصالح، أما لو تمت المسجدية ثم أراد البناء منع ا.هـ(129).
فانظر كيف أجاز الحنفية بناء المئذنة بعد أخذه لحكم المسجدية، ومنعهم لبناء مسكن للإمام في تلك الحالة، مع أنهما من مصالح المسجد؛ وذلك للفرق الذي ذكرته آنفاً من سلبه لحكم المسجد بعد وجوده، ولأنه لا يخدم المسجد مباشرة.
وإن كان المرفق لا يخدم مصلحة المسجد، فإنه لا يأخذ حكم المسجد مثل مكتبة المسجد، وصرح بذلك ابن الصيرفي حيث جاء في الإنصاف: يجوز صرف الموقوف على عمارة المسجد كبناء منارته، وإصلاحها وكذا بناء منبره، وأن يشتري منه سلما للسطح، وأن يبني منه ظلته. ولا يجوز في بناء مرحاض، ولا في زخرفة المسجد، ولا في شراء مكانس ومجازف، قاله الحارثي، وأما إذا وقف على مصالح المسجد، أو على المسجد بهذه الصيغة فجائز صرفه في نوع العمارة، وفي مكانس، ومجازف، ومساحي، وقناديل، وفرش، ووقود، ورزق إمام، ومؤذن، وقيم. وفي نوادر المذهب، لابن الصيرفي: منع الصرف منه في إمام، أو بواري(130)، قال: لأن ذلك مصلحة للمصلين، لا للمسجد. ورده الحارثي ا.هـ(131).
ووجه الرد: أن عرف الناس قائم على اتخاذ البواري في المسجد، ولعزوف الناس عن الإمامة بدون عوض، وكون المسجد بدون إمام راتب يؤدي إلى هجره وتركه غالباً، فصار إعطاء الإمام من مصالح المسجد، ولذا قال في كشاف القناع: لدخول ذلك كله في مصالح المسجد وضعا أو عرفا ا.هـ(132)، ويفهم منه أن مصلحة المصلين لا تدخل في مصلحة المسجد في الجملة.
ويشهد لذلك ما جاء في البحر الرائق حيث قال: وكذا اقتداء من بالخلاوي السفلية صحيح؛ لأن أبوابها في فناء المسجد ولم يشتبه حال الإمام، وأما اقتداء من بالخلاوي العلوية بإمام المسجد فغير صحيح حتى الخلوتين اللتين فوق الإيوان الصغير، وإن كان مسجدا؛ لأن أبوابها خارجة عن فناء المسجد ا.هـ(133)، فلم يجعل الخلوات تأخذ حكم المسجد؛ لأنها ليست من مصلحة المسجد.
وقال النووي: لو دخل المؤذن المعتكف إلى حجرة مهيأة للسكنى بجنب المسجد، وبابها إلى المسجد بطل اعتكافه بلا خلاف، صرح بالاتفاق عليه إمام الحرمين، قال: وإنما قلنا ما قلنا في المنارة؛ لأنها مبنية لإقامة شعار المسجد، والله أعلم ا.هـ(134).
وقال ابن حجر الهيتمي: ولا بخروج المؤذن الراتب إلى منارة منفصلة عن المسجد) لكنها قريبة منه مبنية له (للآذان في الأصح)؛ لأنها مبنية لإقامة شعائر المسجد معدودة من توابعه وقد ألف الناس صوته فعذر وجعل زمن أذانه كمستثنى من الاعتكاف وبما تقرر في المنارة فارقت الخلوة الخارجة عن المسجد التي بابها فيه فينقطع بدخولها قطعا ا.هـ(135).
وبهذا يتبين أن المرافق لا تأخذ حكم المسجد إن لم تبنَ لإقامة شعائر المسجد.
وقال في مطالب أولي النهى: (ويجوز صرف موقوف على بناء مسجد لبناء منارته) وإصلاحها، والمذهب لا يجوز، (وبناء منبره، وشراء سلم للسطح، وبناء ظلة)؛ لأن ذلك من حقوقه ومصالحه، و(لا) يجوز صرف الموقوف على المسجد (في بناء مرحاض)، وهو بيت الخلاء وجمعه مراحيض؛ لمنافاته المسجد، وإن ارتفق به أهله ا.هـ(136).
انظر كيف قصر مصالح المسجد على ما يختص به، ولم يُدخِل فيها ما يرتفق به أهله.
ويحتمل أن المرافق تأخذ حكم المسجد إن أفضت إليه، وسيأتي كلام محمد بن عثيمين، في مكتبة المسجد.

 

ب‌-    موقع المرفق ومكانه: لا يأخذ المرفق حكم المسجد حتى يتصل بالمسجد أو سطحه أو رحبته عند من يقول بها، ويشترط الشافعية والحنابلة أن يكون للمرفق باب ينفذ في المسجد أو سطحه أو رحبته، ولا يشترط ذلك عند الحنفية؛ وذلك تخريجاً على الحالة الثالثة من حالات المنارة.

 

الترجيح: والذي يظهر للباحث أن الأقرب هو المسلك الأول من اختصاص المكان المتخذ للصلاة بأحكام المسجد؛ لأن المسجد ما أعطي هذه الحرمة وهذا الاهتمام إلا لأن العرف قد خصصه بالعبادة وذكر الله عز وجل ومناجاته(137).

 

وفيما يلي أذكر أبرز المرافق الحديثة ثم أذكر حكمها:
•    تخصيص مكان من المسجد للنساء: وينبغي أن يتُخَذ زجاج عاكس للفصل بين الرجال والنساء؛ حتى تستطيع النساء رؤية المأمومين، وينبغي أن يكون متصلاً بمسجد الرجال.
حكمه: الذي يظهر للباحث أنه يأخذ حكم المسجد؛ لأنه موضع مهيأ للعبادة عرفاً فأصبح مسجداً.
وجاء في الفتاوى الشرعية الصادرة عن قطاع الإفتاء الكويتي ما نصه:
عرض على اللجنة استفتاء مقدم من السيد/ عباس، ونصّه:
ـ تتولى مدرسات إدارة الدراسات في وزارتكم تحفيظ البنات آيات وسور القرآن الكريم في حلقات التحفيظ المقامة في كثير من مساجد دولة الكويت والسؤال هو:
أـ ما حكم تحفيظ البنات في فترة الحيض؟
ب ـ ما حكم المكث في المسجد إذا كانت المدرسة حائضاً؟
ج ـ وهل لمصلى النساء حكم خاص بالنسبة للحائض أم أنه يأخذ حكم المسجد؟
…ـ أجابت اللجنة بما يلي:
أ ـ أخذت اللجنة بقول المالكية وهو: أنه يجوز للحائض قراءة القرآن، وتعلمه وتعليمه، وأجازوا مسّ المصحف بالنسبة للمعلمة والمتعلمة فقط، وذلك للضرورة، نظراً لطول مدة الحيض.
ب ـ لا يجوز المكث في المسجد للحائض والجنب 0
ج ـ وبالنسبة لمصلى النساء، فإنه يأخذ حكم المسجد، إذا كان ملحقاً به، أو كان مبنياً في الطابق الثاني منه، والله أعلم ا.هـ(138).

 

•    تخصيص مكان من المسجد لمن يحرم عليها المكث في المسجد: وهذا المكان يساعد النساء ممن أدركها العذر الشرعي أن تحضر لتسمع الخير ودعوة المسلمين.
حكمه: الذي يظهر للباحث أن هذا المكان لا يأخذ حكم المسجد، مع مراعاة جعل الباب من خارج المسجد؛ لأن عرف الناس استثنى هذا المكان من المسجد.

 

•    الميضأة: وهي المطهرة التي يتوضأ منها أو فيها، وكانت موجودة في زمن الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين وتوضؤا منها(139)، وقال ابن تيمية: ويجوز عمل مكان فيه(140) للوضوء للمصلحة بلا محظور ا.هـ(141).
حكمه: الذي يظهر للباحث أنه لا يأخذ حكم المسجد؛ لأنه ليس مكاناً معداً لصلاة.

 

•    السقاية: هو البيت المبني لقضاء حاجة الإنسان(142).
حكمه: الذي يظهر للباحث أنه لا يأخذ حكم المسجد؛ لمنافاته للمسجد، ويجب ألا يفتح باب منها إلى المسجد حتى لا تنتقل النجاسة إلى المسجد.

 

•    غرفة غسل الموتى: وهو مكان مخصص في المسجد لتغسيل الموتى وتكفينهم،
حكمها: والذي يظهر للباحث أنها لا تأخذ حكم المسجد كالفقرة السابقة.

 

•    غرفة قيِّم المسجد: وهو مكان مخصص لقيم المسجد حتى يقيم فيه وله باب ينفذ لخارج المسجد، وأحيانا يكون له باب ينفذ للمسجد.
حكمها: الذي يظهر للباحث أنها لا تأخذ حكم المسجد؛ تخريجاً على خلوة المسجد.

 

•    مكتبة المسجد: وهو مكان يحتوي على كتب دينية ونحوها مما ينتفع بها أهل المسجد؛ وهي من الوسائل التي تساعد على نشر رسالة المسجد، وينبغي أن تشتمل المكتبة على مادة سمعية بجانب المادة المقروءة.
حكمها: الذي يظهر للباحث أن المكتبة لها حالتان:
الحالة الأولى: أن تكون المادة المقروءة أو المسموعة مبثوثة في المسجد وليس لها مكان خاص بها، فالذي يظهر للباحث أنها تأخذ حكم المسجد.
الحالة الثانية: أن تكون المكتبة في غرفة مبنية في المسجد، سواء في سطحه أو في رحبته فالذي يظهر للباحث أنها لا تأخذ حكم المسجد؛ لأنها ليست بقعة متخذة للصلاة، ولها اسم يميزها عن المسجد.
وذهب بعض أهل العلم إلى أخذها لحكم المسجد في أحوال أخرى، جاء في مجموع رسائل وفتاوى ابن عثيمين ما نصه:

 

وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم تحية المسجد بالنسبة للداخل إلى مكتبة المسجد في الحالات التالية:
1- إذا كان باب المكتبة داخل المسجد.
2- إذا كان باب المكتبة خارج المسجد.
3- إذا كان للمكتبة بابان أحدهما داخله والآخر خارجه؟ والله يحفظكم ويرعاكم ويمدكم بعونه وتوفيقه.
فأجاب فضيلته بقوله: بسم الله الرحمن الرحيم.
في الحال الأولى وهي: ما إذا كان باب المكتبة داخل المسجد تكون المكتبة من المسجد فلها حكمه، فتشرع تحية المسجد لمن دخلها، ولا يحل للجنب المكث فيها إلا بوضوء، ويصح الاعتكاف فيها، ويحرم فيها البيع والشراء، وهكذا بقية أحكام المسجد المعروفة.
وفي الحال الثانية وهي: ما إذا كان بابها خارج المسجد، وليس لها باب على المسجد، لا تكون من المسجد فلا يثبت لها أحكام المساجد، فليس لها تحية مسجد، ولا يصح الاعتكاف فيها، ولا يحرم فيها البيع والشراء، لأنها ليست من المسجد لانفصالها عنه.
وفي الحال الثالثة وهي: ما إذا كان لها بابان، أحدهما: داخل المسجد. والثاني: خارجه، إن كان سور المسجد محيطاً بها فهي من المسجد فتثبت لها أحكام المسجد، وإن كان غير محيط بها بل لها سور مستقل فليس لها حكم المسجد فلا تثبت لها أحكامه؛ لأنها منفصلة عن المسجد، ولهذا لم تكن بيوت النبي صلى الله عليه وسلم من مسجده، مع أن لها أبواباً على المسجد؛ لأنها منفصلة عنه ا.هـ(143).

 

•    مواقف السيارات التابعة للمسجد: وهو مكان مخصص لركن السيارات، وقد تكون أسفل المسجد أو أسفل رحبة المسجد أو في رحبة المسجد أو أعلى المسجد أو رحبته.
حكمها: الذي يظهر للباحث أنها لا تأخذ حكم المسجد؛ لمنافاتها للمسجد.

 

الفرع الثاني: حكم بناء مرافق للمسجد.

كأن يبني أهل الحي مكتبة للمسجد، أو سكنا للإمام والمؤذن، أو يجعل في أسفله مواقف للسيارات، فما حكم إنشاء هذه المرافق؟
اختلف أهل العلم في ذلك على مسلكين:
المسلك الأول: وهو عدم التفريق بين بناء المرافق قبل أخذه حكم المسجدية أو بعد أخذه لها(144)، واختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يجوز أن يبني مسكنا فوق المسجد أو تحته، وهو الحنابلة(145).
القول الثاني: لا يجوز أن يبني مسكنا فوق المسجد ويجوز تحته، وهو رواية عن أبي حنيفة(146) وأحمد(147).
القول الثالث: لا يجوز أن يبني مسكنا تحت المسجد ويجوز فوقه، وهو رواية عن أبي حنيفة(148).

 

المسلك الثاني: وهو التفريق بين بناء المرافق قبل أخذه حكم المسجد أو بعده، فيحرم بناء المرافق بعد أخذه حكم المسجدية، أما بناؤها قبل أخذه حكم المسجدية فاختلفوا في ذلك على قولين:
القول الأول: الجواز، وإليه ذهب الحنفية(149) ومذهب الشافعية(150).
القول الثاني: الكراهة وإليه ذهب المالكية(151).

 

أدلة أصحاب المسلك الأول:
أدلة القول الأول:
1. لأنه يصح بيعها، كذلك يصح وقفها، كالدار جميعها(152).
2. لأنه تصرف يزيل الملك إلى من يثبت له حق الاستقرار والتصرف، فجاز كالبيع(153).
أدلة القول الثاني:
لأنه يفعل ما ينافي حرمة المسجد من الأكل في سطحه والجماع فيه؛ لأن سطح المسجد له حكم المسجد، ولهذا كان عمر بن عبدالعزيز يبيت فوق ظهر مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فلا تقربه فيه امرأة(154).
أدلة القول الثالث:
لأن المسجد مما يتأبد وذلك يتحقق في السفل دون العلو(155).

 

أدلة أصحاب المسلك الثاني:
أدلة القول الأول:
1.    قبل تخليته للناس لم يأخذ حكم المسجد، فيجوز أن يزيد فيه ويجعل فيه من المرافق ما شاء، وأما بعد تخليته للناس، فلا يجوز له بناء مرافق في أسفله أو أعلاه لأنها في حكم المسجد، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من ظلم قيد شبر من الأرض طوِّقه من سبع أرضين" متفق عليه(156)، فجعل أسفل الشيء تابعاً لأعلاه.
2.    أن الهواء لا يتملك، لأنه لا يضبط ولا يستقر؟ وقال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [سورة الجن/18] فلا يكون مسجدا إلا خارجا عن ملك كل أحد دون الله تعالى لا شريك له، فكل بيت متملك لإنسان فله أن يعليه ما شاء، ولا يقدر على إخراج الهواء الذي عليه عن ملكه، وحكمه الواجب له، لا إلى إنسان ولا غيره(157).
3.    إذا عمل مسجداً على الأرض وأبقى الهواء لنفسه: فإن كان السقف له؟ فهذا مسجد لا سقف له، ولا يكون بناء بلا سقف أصلاً، وإن كان السقف للمسجد؟ فلا يحل له التصرف عليه بالبناء، وإن كان المسجد في العلو والسقف للمسجد: فهذا مسجد لا أرض له، وهذا باطل، فإن كان للمسجد فلا حق له فيه، فإنما أبقى لنفسه بيتا بلا سقف، وهذا محال، فإن كان المسجد سفلاً؟ فلا يحل له أن يبني على رؤوس حيطانه شيئاً(158).
أدلة القول الثاني:
استدلوا بأدلة القول الأول، وأما دليل الكراهية على بناء المرافق قبل أخذه لحكم المسجدية: بأن‍ه يقع ما ينافي حرمة المسجد من الأكل في سطحه والجماع فيه؛ لأن سطح المسجد له حكم المسجد، ولهذا كان عمر بن عبدالعزيز يبيت فوق ظهر مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فلا تقربه فيه امرأة(159).

 

الترجيح: الذي يظهر للباحث جواز إنشاء مرافق فوق المسجد أو أسفله، سواء أخذ حكم المسجدية أم لا؛ لأن الوقف من التبرعات، وقاعدة التبرعات أوسع من المعاوضات، فإن كان ذلك جائز في المعاوضة، فجوازه في التبرعات أولى وأظهر.
وإن كان هذا القول يؤدي إلى وقوع ما ينافي حرمة المسجد في أعلاه أو أسفله؛ لأن أعلاه وأسفله خارج عن الوقف، فلا يأخذ حكم الوقف.
وأما استدلالهم على عدم تجزؤ الوقف بقوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [سورة الجن/18] فغير مسلم؛ لأن المقصود من الآية أن تكون العبادة في المساجد خالصة لله تعالى، وليست لقبر نبي أو ولي وما شاكل ذلك، ويتضح هذا بإكمال الآية حيث قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [سورة الجن/18].
ومما يشهد لذلك: أن الفقهاء أجمعوا على جواز إنشاء طريق تحت المسجد بعد إباحته للناس، ولو كان أسفل الشيء تابع لأعلاه من كل وجه لما أجازوا ذلك، قال ابن قدامة: فإن كان المسجد سابقاً، وجُعِلَ تحته طريق أو عطن أو غيرهما من مواضع النهي، أو كان في غير مقبرة فحدثت المقبرة حوله، لم تمتنع الصلاة فيه، بغير خلاف، لأنه لم يتبع ما حدث بعده، والله أعلم ا.هـ(160).
وقال القرافي: وأما ما تحت الأبنية الذي هو عكس الأهوية إلى جهة السفل فظاهر المذهب أنه مخالف لحكم الأبنية فقد نص صاحب الطراز على أن المسجد إذا حفر تحته مطمورة يجوز أن يعبرها الجنب والحائض ا.هـ(161).

 

المطلب الثاني: الفرق بين المسجد وبين المصلى، وفيه فرعان:

الفرع الأول: تعريف المصلى.

المصلى في اللغة: مكان الصلاة وما يتخذ من فراش ونحوه ليصلى عليه(162).
وفي الاصطلاح: قال الزركشي: هو الفضاء والصحراء المجتمع فيه للأعياد ونحوها(163).
ولعل الأقرب في تعريف المصلى: أنه المكان الذي يصلي فيه الناس لمناسبة أو لحاجة ولا تصلى فيه الصلوات الخمس(164).
شرح التعريف:
يصلي فيه الناس لمناسبة: كصلاة العيدين أو الجنائز.
أو حاجة: كصلاة الاستسقاء؛ لحاجة الناس إلى المطر، وقد تكون من باب التنظيم والسياسة الشرعية كالمصليات داخل الدوائر الحكومية أو في المدارس؛ لما فيه من ضبط الموظفين والطلاب والمحافظة على الوقت.
ولا تصلى فيه الصلوات الخمس: أي لا تقام فيه جميع الصلوات المفروضة، بل يقام بعضها ويترك بعضها.

 

الفرع الثاني: الفرق بين المصلى والمسجد:

يتبين الفرق بين حقيقة المسجد والمصلى في النقاط الآتية:
•    اتفق الفقهاء على أن مصلى الجنائز لا يأخذ حكم المسجد(165)، لأن صلاة الجنائز ليست ذات ركوع ولا سجود، والمسجد سمي مسجدا ًلأنه موضع للسجود.
•    واختلف الفقهاء في مصلى العيد، هل يأخذ حكم المسجد أم لا، على قولين:
القول الأول: لا يأخذ المصلى حكم المسجد، وإليه ذهب الحنفية(166) والمالكية(167) والشافعية(168) وبعض الحنابلة(169).
القول الثاني: يأخذ المصلى حكم المسجد، وإليه ذهب الحنابلة(170) وبعض الحنفية(171) ووجه عند الشافعية(172).

 

أدلة القول الأول:
1.    عن جابر رضي الله عنه أن رجلاً من أسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم حتى شهد على نفسه أربع مرات، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أبك جنون؟"، قال: لا، قال: "آحصنت؟"، قال: نعم، فأمر به فرجم بالمصلى، فلما أذلقته الحجارة فر فأدرك فرجم حتى مات، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خيرا، متفق عليه(173).
وجه الدلالة: أن إقامة الحدود غير جائزة في المسجد، ولو كان المصلى يأخذ حكم المسجد لما جاز إقامة حد الزنا في المصلى.
ونوقش: بأن المراد بالمصلى في الحديث هو مصلى الجنائز، فقد جاء عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رجلاً من أسلم يقال له ماعز بن مالك أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت فاحشة فأقمه علي، فرده النبي صلى الله عليه وسلم مراراً، قال: ثم سأل قومه؟ فقالوا: ما نعلم به بأساً إلا أنه أصاب شيئاً يرى أنه لا يخرجه منه إلا أن يقام فيه الحد، قال: فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرنا أن نرجمه، قال: فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد(174)... الحديث(175)، وكان مصلى الجنائز في بقيع الغرقد(176).
2.    لأن المسجد معد لرواتب الصلوات، وعين لها حتى لا ينتفع به في غيرها، وأما مصلى العيد فهو معد للاجتماعات ونزول القوافل ولعب الصبيان، ولم تجرِ عادة السلف بمنع شيء من ذلك فيه، ولو اعتقدوه مسجداً لصانوه عن هذه الأسباب ولقُصِدَ لإقامة سائر الصلوات(177).
3.    صلاة العيد تطوع، وهو لا يكثر تكرره، بل يبنى لقصد الاجتماع والصلاة تقع فيه بالتبع(178).

 

أدلة القول الثاني:
1.    أن مصلى العيد معدٌ للصلاة حقيقة(179).
2.    عن حفصة قالت كنا نمنع عواتقنا أن يخرجن في العيدين فقدمت امرأة فنزلت قصر بني خلف فحدثت عن أختها - وكان زوج أختها غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة وكانت أختي معه في ست - قالت: كنا نداوي الكلمى ونقوم على المرضى، فسألت أختي النبي صلى الله عليه وسلم: أعلى إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج؟ قال: "لتلبسها صاحبتها من جلبابها ولتشهد الخير ودعوة المسلمين"، فلما قدمت أم عطية سألتها: أسمعت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: بأبي نعم - وكانت لا تذكره إلا قالت بأبي - سمعته يقول: "يخرج العواتق وذوات الخدور أو العواتق ذوات الخدور والحِيَّض وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين، ويعتزل الحيض المصلى"، قالت حفصة: فقلت: الحِيَّض؟! فقالت: أليس تشهد عرفة وكذا وكذا، رواه البخاري(180).
وجه الدلالة: لو كان المصلى لا يأخذ حكم المسجد لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الحيض باعتزاله.
وناقشه النووي بقوله: ويجاب عنه بأنهن أمرن باعتزاله ليتسع على غيرهن وليتميزن والله أعلم ا.هـ(181).
وأجاب عليه ابن رجب بقوله: وفي هذا نظر؛ فإن تميز الحائض عن غيرها من النساء في مجلس وغيره ليس بمشروع، وإنما المشروع تميز النساء عن الرجال جملة؛ فإن اختلاطهن بالرجال يخشى منه وقوع المفاسد ا.هـ(182).

 

الترجيح: والذي يظهر للباحث أن الصواب هو القول الأول، وأما أمر الحيض باعتزال المصلى إنما هو حال الصلاة؛ ليتسع على النساء الطاهرات مكان صلاتهن، ثم يختلطن بهن في سماع الخطبة(183)، ويشهد لهذا رواية مسلم لحديث أم عطية وفيه:" أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين"(184)، وكذلك رواية البخاري لهذا الحديث وفيه:" كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى نخرج البكر من خدرها حتى نخرج الحيض فيكن خلف الناس فيكبرن بتكبيرهم ويدعون بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته"(185).

 

•    وماعدا هاتين الحالتين فنرجع في التفريق بين المصلى والمسجد إلى العرف، وعرفنا في المملكة العربية السعودية أن المكان لا يأخذ حكم المسجد حتى تتوفر فيه ثلاث سمات:
السمة الأولى: أن يُبنَى بناءً يقي من الحر والقر؛ لأنه البناء المعتاد في بلادنا، فإن جعله خيمة فإنه لا يكون مسجداً.
السمة الثانية: أن يبيحها للناس فتقام فيه الصلوات الخمس المكتوبة، أما إذا لم يبيحها للناس ولم تقم فيها الصلوات الخمس فإنها لا تكون مسجداً.
السمة الثالثة: أن يكون متحرراً عن ملك الآدميين إما بوقف أو بتخصيصه من الملك العام؛ فإن لم يكن وقفاً فإنه لا يأخذ حكم المسجد من كل وجه.

 

ومن مظاهر وقفيته:
1.    إخراجه من ملكه وفرزه عنه.
2.    ألا يتصرف فيه تصرف المالك من بيع أو نقل لموقعه من مكان إلى آخر.
فهذه السمات إن اجتمعت صار المكان مسجداً من الناحية العرفية.
فإن توفرت السمة الأولى فقط: فإنه لا يكون مسجداً، بل يكون مصلى؛ لعدم وقفية المكان؛ ولعدم إباحته للناس.
وجاء في شرح حدود ابن عرفة: (فإن قلت) وبناء صورة المسجد هل يلزم بها الحبس أم لا (قلت) ظاهر كلام مطرف على ما نقله الباجي أن ذلك لا يلزم به الحبس وفيه نظر وكان يجب أن يلزم بالبناء ويتم حوزه بإباحته وإقامة الصلاة فيه قال ويحتمل أن لا يلزم به لمن جوز أن يبني مثل هذا البناء مسجدا لنفسه بداره ا.هـ(186).

 

فإن توفرت السمة الأولى والثانية: فإنه يكون مسجداً عند بعض أهل العلم، وبعضهم لا يعده مسجداً، وتفصيل ذلك على النحو الآتي:
أ‌.    إن بنى المسجد في موات، فيكون مسجداً بالفعل والنية ويتحرر عن التملك الشخصي، ولا يحتاج إلى لفظ الوقف باتفاق الفقهاء(187).
ب‌.    إن بنى بنياناً كهيئة المسجد، وأباحه للناس، فذهب الحنفية(188) والمالكية(189) والحنابلة(190) إلى أخذه لحكم المسجد وتحرره عن ملكه؛ لأن العرف جار بذلك، وفيه دلالة على الوقف، فجاز أن يثبت الوقف به، كالقول، وجرى مجرى من قدم إلى ضيفه طعاماً، كان إذناً في أكله(191)، ولأن إباحته للناس وإقامة الصلاة فيه قام مقام حيازته وقبضه منه(192)، بينما ذهب الشافعية(193) وأبو يوسف(194) إلى عدم أخذه لحكم المسجد حتى يتلفظ بوقفيته؛ لأنه تحبيس أصل على وجه القربة، فوجب أن لا يصح بدون اللفظ، كالوقف على الفقراء(195).
والراجح ما ذهب إليه الجمهور؛ لدلالة العرف على ذلك، والعقد يتم باللفظ والفعل الدال عليه عرفاً.

 

فإن توفرت السمة الأولى والثالثة بأن أوقف باللفظ دون الفعل: فإنه يكون مسجداً عند الحنفية(196) والشافعية(197) والحنابلة(198)؛ لانعقاد الوقف وعدم اشتراط التسليم فيه ما دام على جهة عامة؛ لأن عمر رضي الله عنه لما أوقف أسهمه بخيبر، كانت بيده إلى أن مات(199)، ولأن الملك فيه يزول إلى الله تعالى كالعتق(200).
بينما لا يكون مسجداً عند المالكية(201) وأبي حنيفة ومحمد(202) وقول عند الحنابلة(203)؛ لأن الوقف لا يتم إلا بتسليمه؛ لأن العرف يقضي بزوال ملكه عنه بالتسليم، وتسليم كل شيء بحسبه، ففي المقبرة بدفن واحد وفي السقاية بشربه وفي الخان بنزوله.
وقال في فتح القدير: لو قال وقفته مسجدا، ولم يأذن في الصلاة فيه، ولم يصل فيه أحد لا يصير مسجدا بلا حكم وهو بعيد، وأبو يوسف، مر على أصله من زوال الملك بمجرد القول أذن في الصلاة أو لم يأذن، ويصير مسجدا بلا حكم؛ لأنه إسقاط كالإعتاق، وبه قالت الأئمة الثلاثة، وينبغي أن يكون قول أبي يوسف إن كلا من مجرد القول والإذن كما قالا موجب لزوال الملك وصيرورته مسجدا لما ذكرنا من العرف ا.هـ(204).
وما نسبه، إلى الأئمة الثلاثة ليس بدقيق، ومر ذكر آرائهم من كتب أصحابهم.

والراجح: هو القول الأول؛ لعموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [سورة المائدة:1]، ولإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لفعل عمر رضي الله عنه.

 

وإن توفرت السمة الثانية والثالثة: بأن أوقف الأرض مسجداً وصلى الناس فيها، ولم يُبنَى عليها بناء المساجد المعتاد، وإنما جعلوا المسجد خيمة أو دكة ونحو ذلك، فقد يقال بأنه يأخذ حكم المسجد، قال القرافي: الشرط الرابع(205): المسجد، قال صاحب المقدمات هو شرط في الوجوب والصحة على رأي من يشترط فيه البنيان وأما على رأي من لا يشترطه بل يكتفي بالفضاء إذا حبس وعين للصلاة وحكم له بالمسجد؛ يكون شرطاً في الصحة فقط ا.هـ(206).
وجاء في حاشية تحفة المحتاج: وإذا سمر حصيرا أو فروة في أرض أو مسطبة ووقفها مسجدا صح ذلك وجرى عليهما أحكام المساجد ويصح الاعتكاف فيهما... وإذا أزيلت الدكة المذكورة أو نحو البلاط أو الخشبة المبنية زال حكم الوقف... ولينظر لو أعاد بناء تلك الآلات في ذلك المحل بوجه صحيح أو في غيره كذلك هل يعود حكم المسجد بشرط الثبوت فيه نظر ا.هـ(207).
وجاء في حاشيتي قليوبي وعميرة: إن بُنِيَ فيها دكة ووقفت مسجدا صح فيها ا.هـ(208) أي صح الاعتكاف فيها.
 قال في الفروع: ثم يتوجه أن المشاع لو وقفه مسجداً ثبت حكم المسجد في الحال، فيمنع منه الجنب ا.هـ(209).
وقد يقال بأنه لا يأخذ حكم المسجد، قال ابن عابدين في حاشيته: وسئل في الخيرية عمن جعل بيت شعر مسجداً فأفتى بأنه لا يصح ا.هـ(210).
وقال الباجي: ومن شرطه البنيان المخصوص على صفة المساجد، فأما البراح الذي لا بنيان فيه، أو ما كان فيه من البنيان ما لا يقع عليه اسم مسجد، فلا يصح ذلك فيه ا.هـ(211).
وقال ابن رشد الجد: لا يصح أن يسمى الموضع الذي يتخذ لبناء المسجد مسجدا قبل أن يُبنَى وهو فضاء ا.هـ(212).
ولم يترجح للباحث رأي في المسألة.

 

وإن توفرت السمة الثالثة فقط: بأن أوقف الأرض مسجداً، ولم يبني فيها شيئاً، ولم يصلِ الناس فيها، فهل تأخذ حكم المسجد أم لا؟
يحتمل أنها لا تأخذ حكم المسجد، قال الحصكفي: لو بنى فوقه بيتا للإمام لا يضر لأنه من المصالح، أما لو تمت المسجدية ثم أراد البناء منع ا.هـ(213)، علق عليه ابن عابدين قائلاً: (قوله: أما لو تمت المسجدية) أي بالقول على المفتى به أو بالصلاة فيه على قولهما ا.هـ(214).
فإنهما اشترطا الصلاة فيها لتأخذ حكم المسجد، فيفهم منه أنها لا تأخذ حكم المسجد في حالتنا هذه.
 وجاء في حاشية الدسوقي: (قوله: ولا إن دخلها بعد أن خربت) أي لزوال اسم الدار عنها، ومن هذا إذا خرب المسجد لا يطلب له تحية كما في ح، ومقتضاه زوال أحكام المسجدية لا أصل الحبس تأمل ا.هـ(215).
فإذا خرب المسجد فإنه لا يأخذ أحكام المسجد من الاعتكاف فيه والنهي عن البيع وإنشاد الضالة فيه، مع كونه متصفاً بأحكام الوقف، فإن كان هذا حال المسجد الخرب، فالمسجد الذي لم يبنَ لا يأخذ أحكام المسجد من باب أولى، وتقدم في الحالة السابقة اشتراط المالكية بناء المسجد البناء المعتاد حتى يأخذ حكم المسجد، فهذه الحالة لا تأخذ حكم المسجد عندهم.

 

وجاء في الروضة البهية: (والميضأة) وهي المطهرة للحدث والخبث (على بابها) لا في وسطها على تقدير سبق إعدادها على المسجدية وإلا حرم في الخبثية مطلقا والحدثية إن أضرت بها، (والمنارة مع حائطها) لا في وسطها مع تقدمها على المسجدية كذلك وإلا حرم ا.هـ(216).
انظر كيف أجاز بناء الميضأة على باب المسجد قبل أخذه للمسجدية وكذلك بناء المنارة قبل ذلك، ومعلوم أن وقف الأرض مسجداً يسبق بناءها غالباً، وعليه فمجرد الوقف لا يأخذ حكم المسجد، بل لابد من بنائه.
وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: قال(217) في رواية أبي داود في مسجد أراد أهله أن يرفعوه من الأرض؛ ويجعل تحته سقاية وحوانيت وامتنع بعضهم من ذلك؟ ينظر إلى قول أكثرهم ولا بأس به، قال(218): فظاهر هذا أنه أجاز أن يجعل سفل المسجد حوانيت وسقاية، قال: ويجب أن يحمل هذا على أن الحاجة دعت إلى ذلك لمصلحة تعود بالمسجد، قال: وكان شيخنا أبو عبد الله - هو ابن حامد - يمنع من ذلك؛ ويتأول المسألة على أنهم اختلفوا في ذلك عند ابتداء بناء المسجد قبل وقفه... ومال ابن عقيل في " الفصول " إلى قول ابن حامد فقال: هذا يجب أن يحمل على أن الحاجة دعت إلى ذلك كما أن تغيير المسجد ونقله ما جاز عنده إلا للحاجة فيحمل هذا الإطلاق على ذلك؛ لا على المستقر، قال: والأشبه أن يحمل على مسجد يبتدأ إنشاؤه، وعلى هذا فاختلفوا كيف يبنى؟ فأما بعد كونه مسجدا فلا يجوز أن يباع ولا أن يجعل سقاية تحته ا.هـ(219).
ويحتمل أنها تأخذ حكم المسجد، قال الحصكفي: لو بنى فوقه بيتا للإمام لا يضر لأنه من المصالح، أما لو تمت المسجدية ثم أراد البناء منع ا.هـ(220)، علق عليه ابن عابدين قائلاً: (قوله: أما لو تمت المسجدية) أي بالقول على المفتى به أو بالصلاة فيه على قولهما ا.هـ(221).
والمفتى به عند الحنفية أن الأرض تأخذ حكم المسجد إن تلفظ بوقفها مسجداً.
وسئل ابن حجر الهيتمي عن بناء المسجد باللبن المعجون بالماء النجس؟ فأجاب بقوله: صرح القاضي أبو الطيب بأنه لا يجوز، وهو ظاهر، ومن قوله: (بناء المسجد) يؤخذ أنه لو بنى به ثم وقفه مسجدا لم يحرم؛ لأن المسجدية تأخرت عن البناء وهو متجه ا.هـ(222)

 

وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: قال في رواية أبي داود في مسجد أراد أهله أن يرفعوه من الأرض؛ ويجعل تحته سقاية وحوانيت وامتنع بعضهم من ذلك؟ ينظر إلى قول أكثرهم ولا بأس به، قال(223): فظاهر هذا أنه أجاز أن يجعل سفل المسجد حوانيت وسقاية، قال: ويجب أن يحمل هذا على أن الحاجة دعت إلى ذلك لمصلحة تعود بالمسجد، قال: وكان شيخنا أبو عبد الله - هو ابن حامد - يمنع من ذلك؛ ويتأول المسألة على أنهم اختلفوا في ذلك عند ابتداء بناء المسجد قبل وقفه... وكذلك رجح أبو محمد قول ابن حامد وقال: هو أصح وأولى وإن خالف الظاهر، قال: فإن المسجد لا يجوز نقله وإبداله وبيع ساحته وجعلها سقاية وحوانيت إلا عند تعذر الانتفاع والحاجة إلى سقاية وحوانيت لا يعطل نفع المسجد فلا يجوز صرفه في ذلك ا.هـ(224).

 

وقال ابن تيمية: وإذا قال واحد أو جماعة: جعلنا هذا المكان مسجداً أو وقفاً؛ صار مسجداً أو وقفاً بذلك، وإن لم يكملوا عمارته ا.هـ(225).
وقال في الفروع: ثم يتوجه أن المشاع لو وقفه مسجداً ثبت حكم المسجد في الحال، فيمنع منه الجنب ا.هـ(226).
وقال في شرح غاية المنتهى: (ووقفها) - أي: الأرض - (مساجد؛ يكتفي في) ثبوت وقفه لها بناء (المسجدية بالصورة) أي: صورة المسجد - كبناء محراب أو منبر، (و) يكتفي بذلك أيضا (بالاسمية)؛ أي: بتسميته مسجدا، (فإذا زالت) تلك الصورة بانهدامها، وتعطل منافعها؛ (عادت الأرض إلى حكمها) الأصلي، (من جواز لبث جنب) فيها، (وعدم صحة اعتكاف)؛ لزوال حكم المسجدية عنها ا.هـ(227).
وأما اكتفاء ثبوت المسجد ببنائه على صورة المساجد من محراب أو منبر فهذا يكون في أرض الموات، أما إن كان في أرضه فيشترط أن يتلفظ بالوقفية أو بإباحته للناس.
ولم يترجح للباحث رأي في المسألة.

 

وإن توفرت جميع السمات وكان الوقف مؤبداً، فإنه يأخذ حكم المسجد باتفاق الفقهاء(228).
قال في المبسوط: وإن جعل أرضا له مسجدا لعامة المسلمين وبناها وأذن للناس بالصلاة فيها، وأبانها من ملكه فأذن فيه المؤذن، وصلى الناس جماعة، صلاة واحدة أو أكثر، لم يكن له أن يرجع فيه، وإن مات لم يكن ميراثا ا.هـ(229).
وقال في كشاف القناع عند تمثيله على صيغة الوقف الفعلية: أو يبني بنيانا على هيئة مسجد، ويأذن للناس في الصلاة فيه إذنا عاما) لما تقدم (أو أذن وأقام فيه) أي فيما بناه على هيئة المسجد بنفسه أو بمن نصبه لذلك، لأن الأذان والإقامة فيه كالإذن العام في الصلاة فيه قال الشيخ تقي الدين: ولو نوى خلافه نقله أبو طالب انتهى أي أن نيته خلاف ما دل عليه الفعل، لا أثر لها، قال الحارثي: وليس يعتبر للإذن وجود صيغة، بل يكفي ما دل عليه من فتح الأبواب أو التأذين، أو كتابة لوح بالإذن أو الوقف ا.هـ(230).

 

وقد اشترط بعض أهل العلم شروطاً أخرى منها:
أن البناء يأخذ حكم المسجد إن كان يؤذَّن فيه ويقام، قال حرب: قلت لأحمد: فالقوم نحو العشرة يكونون في الدار، فيجتمعون وعلى باب الدار مسجد؟ قال: يخرجون إلى المسجد، ولا يصلون في الدار، وكأنه قال: إلا أن يكون في الدار مسجد يؤذَّن فيه ويقام ا.هـ(231).
كما أشار ابن عابدين إلى اشتراط إقامة الصلوات الخمس، حيث قال في حاشيته: وفي الخانية دار فيها مسجد لا يمنعون الناس من الصلاة فيها، إن كانت الدار لو أغلقت كان له جماعة ممن فيها فهو مسجد جماعة، تثبت له أحكام المسجد من حرمة البيع والدخول، وإلا فلا وإن كانوا لا يمنعون الناس من الصلاة فيه ا.هـ(232).
فإن قيل: ينتقض هذا الشرط بمسجد الخيف بمنى؛ حيث لم يصلِ المسلمون الصلوات الخمس كل يوم، ولم يقل أحد من العلماء بأنه يأخذ حكم المصليات.
ويجاب: بأن العبرة في حال الابتداء، وإذا هجر المسلمون الصلاة بالمسجد فإنه يكون معطلاً، ومسجد الخيف بمنى لم يُعطل؛ لأن الناس يصلون فيه في موسم الحج، والله أعلم.
علماً بأن الباحث متوقف فيما اشترطه الإمام أحمد وابن عابدين.

 

وأما إن كان الوقف مؤقتاً واتخذوه مسجداً، فقد اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يصح توقيت الوقف، فيصح جعله مسجداً، وإليه ذهب المالكية وبعض الشافعية(233).
جاء في الشرح الكبير: (ولا) يشترط (التأبيد) فيصح مدة ثم يرجع ملكا ا.هـ(234).
القول الثاني: يصح الوقف ويلغو توقيته، وإليه ذهب الحنفية والشافعية وبعض الحنابلة.
واشترط الحنفية: ألا يشترط الواقف رجوعه بعد التوقيت وإلا بطل وقفه.
قال في البحر الرائق: أن لا يكون مؤقتاً، قال الخصاف: لو وقف داره يوماً أو شهراً لا يجوز؛ لأنه لم يجعله مؤبداً، وكذا لو قال على فلان منه كان باطلاً، وفَصَّل هلال بين أن يشترط رجوعها إليه بعد الوقت فيبطل الوقف، أو لا فلا ا.هـ(235).
قال في تحفة المحتاج: ولو قال وقفت هذا سنة فباطل، عن شرح الروض من أن ما يضاهي التحرير؛ كقوله جعلته مسجداً سنة، يصح مؤبدا كما لو ذكر فيه شرطاً فاسداً ا.هـ(236).
قال في الإنصاف: قوله (وإن قال: وقفته سنة: لم يصح)، هذا المذهب، قال ابن منجا: هذا المذهب، وصححه في النظم، والتلخيص. وقدمه في الفروع، وشرح الحارثي، والخلاصة، والرعايتين، والحاوي الصغير. ويحتمل أن يصح، ويصرف بعدها مصرف المنقطع يعني منقطع الانتهاء وهو وجه ذكره أبو الخطاب وغيره. وأطلقهما في المحرر، والشرح، والهداية، والمذهب، والمستوعب. وقيل: يصح، ويلغو توقيته ا.هـ(237).

 

القول الثالث: يبطل الوقف، وإليه ذهب الحنابلة.
قال في الإنصاف: قوله (وإن قال: وقفته سنة: لم يصح)، هذا المذهب، قال ابن منجا: هذا المذهب، وصححه في النظم، والتلخيص. وقدمه في الفروع، وشرح الحارثي، والخلاصة، والرعايتين، والحاوي الصغير. ويحتمل أن يصح، ويصرف بعدها مصرف المنقطع يعني منقطع الانتهاء وهو وجه ذكره أبو الخطاب وغيره. وأطلقهما في المحرر، والشرح، والهداية، والمذهب، والمستوعب. وقيل: يصح، ويلغو توقيته ا.هـ(238).

 

أدلة القول الأول:
لما جاز له أن يتقرب بكل ماله وببعضه، جاز له أن يتقرب به في كل الزمان وفي بعضه(239).
ونوقش: بأنه لو جاز الوقف إلى مدة لجاز أن يكون عتق إلى مدة(240).
إن ما نقل عن الصحابة – رضي الله عنهم - من تأبيد الوقف، وكذا النصوص الواردة في ذلك إنما هي حكاية وقائع كان الوقف فيها مؤبدا، وهذا هو ما ارتضوه في صدقاتهم، وليس فيه دليل على عدم جواز رجوع الواقف في وقفه ولا المنع من التأقيت في الوقف(241).
ونوقش من وجهين(242):
كون بعض الأحاديث جاءت حكاية للواقع لا يمنع من الاستدلال بها، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
أنه مردود بعموم حديث: "احبس أصلها وسبل ثمرتها".
كما يجوز توقيت انتفاع الموقوف عليهم بالعين الموقوفة أو غلتها، كذا يجوز توقيت الوقف مطلقا(243).
ونوقش من وجهين(244):
إن هذا يعد قياسا مع الفارق؛ لأن للواقف أن يقيد بشرطه مدة الانتفاع بالنسبة للموقوف عليهم، بخلاف العين الموقوفة، فلا يكون الوقف فيها إلا مؤبدا.
إن ما خالف مقتضى الوقف وأصله تجب مخالفته، والحال كذلك هنا.

 

أدلة القول الثاني:
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب أصاب أرضا بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إني أصبت أرضاً بخيبر، لم أصب مالاً قط أنفس عندي منه، فما تأمر به، قال: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها"، قال: فتصدق بها عمر، أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول(245)، متفق عليه(246).
وجه الدلالة: أن عمراً رضي الله عنه فهم من النبي صلى الله عليه وسلم أن الوقف لا يقع إلا مؤبداً، وأقره على ذلك.
لأنه إزالة الملك لا إلى أحد فلا تحتمل التوقيت كالإعتاق(247).
لأنه إخراج مال على سبيل القربة فلم يجز إلى مدة كالصدقة(248).
يصح الوقف ويبطل التوقيت قياساً على الشروط الفاسدة في عقد البيع(249).

 

أدلة القول الثالث:
استدلوا بأدلة القول الثاني، ولكن يبطل الوقف عندهم؛ لأن شرط التوقيت يرجع إلى عقد الوقف بالإبطال لمنافاته لمقصود الوقف ومعناه.

 

الترجيح:
الأقرب هو القول الأول؛ لأن القرائن الحافة بالخبر تخرجه عن الأمر إلى الإرشاد أو المشورة، فاستئمار عمر للنبي صلى الله عليه وسلم، وقول النبي صلى الله عليه وسلم له [إن شئت] من أوضح الدلائل على عدم لزوم تحبيس الأصل على التأبيد، ولأن الوقف طاعة ومعروف، فلا يضيق على الناس فيه، وباب التبرعات أوسع من باب المعاوضات من كل وجه؛ سواء من باب المكايسة أو غيرها.
وأما قولهم بأنه: [إخراج مال على سبيل القربة فلم يجز إلى مدة كالصدقة]، فقياس غير صحيح؛ لأن الصدقة هي تبرع بالعين، بينما الوقف تبرع منافع العين، ومنافع العين تتجدد، والواقف تبرع بمنافع العين مدة الوقف، ثم أعاد الوقف إلى ملكه ولم يعد إلى ملكه تلك المنافع التي تبرع بها.
وأما قولهم بأنه: [إزالة الملك لا إلى أحد فلا تحتمل التوقيت كالإعتاق]، فغير صحيح؛ لأن الوقف يبقى مملوكاً: إما للواقف أو الموقوف عليه أو لله تعالى؟ أقوال في المسألة، وبهدا فارق العتق.

 

ومما تقدم ذكره يتبين لنا حكم المساجد في الدوائر الحكومية والمستشفيات والطرق السريعة؛ بتنزيلها على الصور المذكورة.
 وخصص ابن عابدين المساجد التي على الطرق بحكم خاص حيث قال: والمساجد التي على قوارع الطرق ليس لها جماعة راتبة في حكم المسجد، لكن لا يعتكف فيها ا.هـ(250).

 

مسألة: تقوم بعض الأقليات الإسلامية في الدول الكافرة باستئجار مبنى يشمل على جميع المرافق التي تهم الفرد المسلم، حيث يشمل على قاعة للصلاة، ومكتبة سمعية ومقروءة، ومدرسة للأطفال خلال عطلة الأسبوع ونحو ذلك..
وقد تستعمل قاعة الصلاة في إقامة دورات أو الدراسة أو ولائ‍م للعرس أو عقيقة..
ويطلقون على هذا المبنى [مركز إسلامي].
فهل تأخذ هذه المصليات التي في المراكز الإسلامية حكم المسجد؟

 

يخرج للفقهاء في هذه المسألة قولان:
القول الأول: لا تأخذ حكم المسجد، وهو قول الجمهور؛ لأنها موقوفة وقفاً مؤقتاً.
القول الثاني: أنها تأخذ حكم المسجد، وهو قول المالكية؛ لأنها مبنية بناءً يقي من الحر والبرد، ولأنها مباحة للمسلمين، ولأنها موقوفة، ولا يضر كون الوقف مؤقتاً(251).
مسألة: هل المصليات المتنقلة تأخذ حكم المسجد؟
يقصد بالمصليات المتنقلة: هي دار مبنية بحديد أو ألمنيوم ونحوه وتسمى [مرتبل]، وتتنقل بواسطة سيارة إما بسحبها وإما بحملها فوقها، وتتخذ لإقامة الصلوات الخمس.
فقد يحتمل أنها لا تأخذ حكم المسجد، قال في تحفة المحتاج: (ومنقول) للخبر الصحيح فيه نعم لا يصح وقفه مسجدا؛ لأن شرطه الثبات ا.هـ(252).
ويحتمل أنها تأخذ حكم المسجد، قال قليوبي: ولو شك في المسجدية اجتهد وليس منه ما أرضه مملوكة أو محتكرة، نعم إن بني فيها دكة ووقفت مسجدا صح فيها، وكذا منقول أثبته ووقفه مسجدا ثم نزعه ا.هـ(253).
والذي يظهر للباحث أنها لا تأخذ حكم المسجد؛ لشبهها بمسجد السفينة، ولا يخفى أنه لا يأخذ حكم المسجد.

 

الآثار المترتبة على التفريق بين المسجد والمصلى كثيرة، وتتركز على ثلاث نقاط رئيسية:
•    يعمر المسجد بالصلوات الخمس المفروضة وبذكر الله ¸، بينما المصلى لا يعمر بذلك، وفي نظري أن هذا الفرق من أهم الفروق وأساسها، وأن ما بعده متفرع عنه.
•    أن للمسجد حرمة أعظم من المصلى، ولذا اختلف الفقهاء في كثير من المسائل التي تقلل من حرمة المسجد وهيبته مثل: دخول الحائض أو الكافر أو الصبيان في المسجد، والقضاء فيه، واتخاذه طريقاً ونحو ذلك.
ولم أجد لهم كلام في تحريم هذه الأمور في المصلى، فتأخذ حكم الأصل وهو الحل.
•    إن للمسجد سنن خاصة به، مثل: الاعتكاف، ودعاء دخول المسجد والخروج منه وركعتي تحية المسجد، بينما لا يشرع ذلك في المصلى.

 

_______________________

(1) معجم مقاييس اللغة مادة (سجد).
(2) انظر: لسان العرب مادة (سجد)، مختار الصحاح مادة (سجد)ـ. المطلع على أبواب الفقه 16.
(3) إعلام الساجد بأحكام المساجد 27.
(4) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الصلاة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا 1/95 برقم 438. وأخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة 1/370 برقم 521.
(5) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب اتخاذ المساجد في الدور 85 برقم 455. وأخرجه الترمذي في كتاب الجمعة، باب ما ذكر في تطييب المساجد 151 برقم 594. وأخرجه ابن ماجه في كتب المساجد والجماعة، باب نهير المساجد وتطييبها 144 برقم 758.
درجته: صححه ابن خزيمة وابن حبان، وصحح إرساله أحمد والترمذي والدارقطني. انظر: صحيح ابن خزيمة 2/556. صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان 4/513. فتح الباري لابن رجب 2/380.
(6) وقال أكثر المتقدمين: المراد بالدور: القبائل والقرى مثل دار بني الأشهل ودار بني النجار. انظر: معالم السنن 1/142. شرح السنة للبغوي 2/399. فتح الباري لابن رجب 2/ 380 - 381.
(7) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود 1/352 برقم 486.
(8) أخرجه أحمد 39/330 برقم 23901.
درجته: قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد ورجاله ثقات إلا أن أبا داود قال: لم يسمع شداد مولى عياض من بلال والله أعلم اهـ، وضعفه الأرناؤوط. انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 2/133.
(9) أخرجه البخاري في كتاب الحيض باب 1/73 برقم 333. وأخرجه مسلم في كتاب الحيض، باب الاعتراض بين يدي المصلي 1/244 برقم 297.
(10) فتح الباري له 2/377.
(11) وألحق بعض أهل العلم بعض أحكام المساجد لمساجد البيوت، فمنعوا من جلوس الجنب والحائض فيها، وبعضهم جوز الاعتكاف فيها. انظر: فتح الباري لابن رجب 2/377 وما بعدها.
(12) انظر: إعلام الساجد للزركشي 28.
(13) أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية 1/11.
(14) أحكام المساجد في الإسلام للحريري 18.
(15) أحكام حضور المساجد للعسكر 7.
(16) بحثت عنه في كتب الحديث والآثار فلم أجده، وذكره الزركشي في إعلام الساجد بأحكام المساجد 225.
(17) أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية 1/331.
(18) هي: الجص. انظر: تحفة الراكع والساجد بأحكام المساجد للجراعي 238.
(19) وهو خشب أسود رزين يجلب من الهند ولا تكاد الأرض تبليه. انظر: تحفة الراكع والساجد بأحكام المساجد للجراعي 238.
(20) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب بنيان المسجد 1/97 برقم 446.
(21) حاشية ابن عابدين 1/569.
(22) وقيل: أول من اتخذها عثمان بن عفان رضي الله عنه لما زاد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بناها بِلَبِن وجعل فيها كوة ينظر لينظر الناس إلى الإمام؛ حتى لا يصيبه ما أصاب عمر رضي الله عنه.
وقيل: أول من اتخذها مروان بن الحكم عندما طُعِن، فبناها من طين وجعل لها تشبيكاً.
انظر: تاريخ المدينة لابن شبة 1/6. البيان والتحصيل 1/291. شرح النووي على مسلم 3/409. إعلام الساجد بأحكام المساجد للزركشي 375. تحفة الراكع والساجد بأحكام المساجد للجراعي 393.
(23) يريد الحديث الذي رواه مسلم عن عمر بن عطاء بن أبي الخوار، أن نافع بن جبير، أرسله إلى السائب - ابن أخت نمر - يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة، فقال: نعم، صليت معه الجمعة في المقصورة، فلما سلم الإمام قمت في مقامي، فصليت، فلما دخل أرسل إلي، فقال: [لا تعد لما فعلت، إذا صليت الجمعة، فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك، أن لا توصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج] رواه في كتاب الجمعة، باب الصلاة بعد الجمعة 2/601 برقم 883.
(24) انظر: شرح النووي على مسلم 3/409.
(25) المفهم 2/519.
(26) 1/292.
(27) انظر: المدخل لابن الحاج 2/205.
(28) فعن عامر بن ذؤيب قال سألت ابن عمر عن الصلاة من وراء الحجر فقال: [إنهم يخافون أن يقتلوهم]. انظر: مصنف ابن أبي شيبة 1‍‍/399.
وعن عامر بن ذؤيب قال: قيل لابن عباس: أتصلي خلف هؤلاء في المقصورة؟ قال: [نعم، إنهم يخشون أن نبعجهم]. انظر: سنن البيهقي الكبرى كتاب الصلاة باب صلاة المأموم في المسجد أو على ظهره 3/162 برقم 5343.
(29) البيان والتحصيل 1/292. وانظر: الفروع 2/117. الإنصاف 1/348. تحفة الراكع والساجد بأحكام المساجد 392.
(30) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 1/401.
(31) انظر: مصنف ابن أبي شيبة 2/61.
(32) فتح الباري لابن رجب 6/275.
(33)2/117
(34) انظر: 2/117. تحفة الراكع والساجد للجراعي 392.
(35) انظر: المفهم 2/519.
(36) المفهم 2/519 -520.
(37) 1/570.
(38) كذا في المطبوع، ولعلها: ما ورائها.
(39) معرفة السنن الآثار 4/191. فتح الباري لابن رجب 6/301.
وما نسبه القرطبي للشافعي من كون المقصورة لا تأخذ حكم المسجد، فلعلها رواية أخرى عن الشافعي، والله أعلم. انظر: المفهم 2/520.
(40) تحفة المحتاج في شرح المنهاج 2/314.
(41) في مصنفه 2/415.
(42) 3/126.
(43) بدائع الصنائع 1/243. وانظر: تبيين الحقائق 2/230. حاشية ابن عابدين 2/516.
(44) المجموع 2/143.
(45) تحفة المحتاج 3/464.
(46) المغني 4/472.
(47) 5/139.
(48) وهو أن عمر بن عبد العزيز كان يبيت على ظهر مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ولا تبيت معه امرأة كراهية لذلك.
(49) البيان والتحصيل 17/102.
(50) الموطأ 314.
(51) المنتقى 2/80.
(52) أنوار البروق في أنواء الفروق 4/15.
انظر: تبيين الحقائق 2/230. حاشية ابن عابدين 2/516. تحفة المحتاج 1/268. مغني المحتاج 1/659. الفروع 5/139. الإنصاف 3/259.
(53) 7/72. وانظر: منح الجليل شرح مختصر خليل 7/490. حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/19.
(54) حاشيته على شرخ الخرشي لمختصر خليل 1/262.
(55) في سننه في كتاب الصلاة، باب الأذان فوق المنارة 97 برقم 519.
درجته: حسنه ابن دقيق العيد وابن القطان وابن حجر والألباني، وضعفه النووي. انظر: بيان الوهم والإيهام 5/337. المجموع 3/114. فتح الباري 2/103. إرواء الغليل 1/246.
(56) المبسوط 3/140- 141.
(57) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 2/229.
(58) المجموع 6/344.
بينما ذهب إمام الحرمين إلى أن المنارة الخارجة عن سمت البناء وتربيعه لا تأخذ حكم المسجد ولم يوافقه في ذلك جمهور الشافعية، قال النووي في المصدر نفسه: ونقله إمام الحرمين عن الأصحاب فقال: لو كانت المنارة خارجة عن سمت المسجد متصلة به وبابها لاط، فقد قطع الأصحاب بأن صعودها لا يقطع التتابع، وإن كانت لا تعد من المسجد، ولو اعتكف فيها لم يصح؛ لأن حريم المسجد لا يثبت له حكم المسجد في صحة الاعتكاف فيه، وتحريم المكث فيه على الجنب ولكن النص قاطع بما ذكرته ولم أر فيه خلافا مع الاحتمال الظاهر، لأن الخارج إليها خارج إلى بقعة لا تصلح للاعتكاف، هذا كلام الإمام. واختصره الرافعي فقال: وأبدى إمام الحرمين احتمالا في الخارجة عن سمته قال: لأنها حينئذ لا تعد من المسجد، ولا يصح الاعتكاف فيها، قال الرافعي: وكلام الأصحاب ينازعه فيما استدل به وهذا الذي قاله الرافعي صحيح اهـ.
(59) 2/313
(60) أي الاعتكاف فيها.
(61)5/139
(62)3/259.
(63) الموطأ 314.
(64) المنتقى 2/80.
(65) شرح مختصر خليل للخرشي 2/275. ويقصد بــــ [ص]: مختصر خليل. و[ش]: شرح مختصر خليل.
(66) ومن العلل أن الاعتكاف يختص بأعمال البر كذكر الله تعالى وقراءة القرآن والصلاة. انظر: البيان والتحصيل 2/306.
(67) شرح مختصر خليل للخرشي 2/275.
(68) 2/80.
(69) أي عند الشافعية.
(70) المجموع 6/345.
(71) 5/140.
(72) 3/259.
(73) 1/502. وانظر: مطالب أولي النهى 2/234.
(74) انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 2/229. المنتقى للباجي 2/80. تحفة المحتاج 3/483. مغني المحتاج 1/670. الفروع 5/ 140. الإنصاف 3/259.
(75) بدائع الصنائع 2/184. وانظر: حاشية ابن عابدين 3/502.
(76) أي عند الشافعية، والله أعلم.
(77) المجموع 6/345.
(78) 5/140.
(79) معجم مقاييس اللغة، مادة (رحب).
(80) انظر: لسان العرب مادة (رحب)
(81) عمدة القاري شرح صحيح البخاري 24/245.
(82) مغني المحتاج 1/377.
(83) حاشية الدسوقي 2/190.
(84) حاشية الدسوقي 1/596.
(85) 2/267.
(86) انظر: معجم مقاييس اللغة، مادة (فنى). لسان العرب مادة (فنى). المعجم الوسيط، مادة (فنى).
(87) معجم لغة الفقهاء 350.
(88) منح الجليل شرح مختصر خليل 6/316.
(89) غمز العيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر 2/37.
(90) انظر: معجم مقاييس اللغة مادة (حرم). لسان العرب مادة (حرم).
(91) حق الارتفاق دراسة فقهية مقارنة 199.
(92) مغني المحتاج 1/377.
(93) فتح الباري لابن حجر 194/ 13.
(94) أي: الرحبة.
(95) الفتاوى الفقهية الكبرى 1/220.
(96) شرح الخرشي على مختصر خليل 2/76.
(97) الفروع 5/197.
(98) أي: الرحبة.
(99) 1/276.
(100) انظر: البحر الرائق 1/205. حاشية ابن عابدين 1/343.
(101) انظر: المنتقى للباجي 2/79. شرح مختصر خليل للخرشي 2/267. حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 190/2.
(102) انظر: الفروع 5/138. الإنصاف 3/258.
وأبدى الحافظ ابن حجر احتمالاً في فتح الباري 13/194 فقال: وقد يفرق حكم الرحبة من المسجد في جواز اللغط ونحوه فيها بخلاف المسجد مع إعطائها حكم المسجد في الصلاة فيها اهـ
والذي يظهر للباحث أن الاقتداء بالإمام من أحكام الصلاة وليس من أحكام المسجد، فيدخل هذا الاحتمال في القول الأول
(103) انظر: المجموع. إعلام الساجد بأحكام المساجد 346. تحفة المحتاج 2/313. مغني المحتاج 1/659.
(104) انظر: الفروع 5/139. الإنصاف 3/258.
(105) انظر: فتح الباري 13/194.
(106) انظر: الفروع 5/139. الإنصاف 3/258. قال المرداوي: وجمع القاضي بينهما في موضع من كلامه، فقال: إن كانت محوطة فهي منه، وإلا فلا. قال المجد: ونقل محمد بن الحكم ما يدل على صحة هذا الجمع، وهو أنه كان إذا سمع أذان العصر وهو في رحبة المسجد انصرف ولم يصل فيه، وقال: ليس هو بمنزلة المسجد. هذا المسجد: هو الذي عليه حائط وباب، وقدم هذا الجمع في المستوعب، وقال: ومن أصحابنا من جعل المسألة على روايتين، والصحيح: أنها رواية واحدة، على اختلاف الحالين اهـ.
(107) عزاه ابن مفلح في الفروع لابن بطة وقال: " إسناده جيد"، انظر: الفروع 5/167.
(108) وهي بناء يرفع على الأرض أزيد من الذراع ويحدق حواليه بشيء من جدار قصير ويوسع كهيئة الرحبة ويبسط بالحصباء يجتمع فيها للجلوس. انظر: المنتقى 1/312.
(109) رواه مالك في الموطأ 173.
(110) انظر: أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية 1/347.
(111) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 2/614.
(112) تقدم تخريجه.
(113) الأحكام الفقهية المتعلقة بالمكان في العبادات 1/315.
(114) انظر: فتح الباري 13/194.
(115) أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية 1/351.
(116) وتمام العبارة: لا أن يجعل شيئا منه مستغلا ولا سكنى.
(117) حاشية ابن عابدين 6/550.
(118) 1/384.
(119) 6/535.
(120) تحفة المحتاج 3/483.
(121) ونصه: ولا بأس إذا كان مؤذناً أن يصعد المنارة وإن كان خارجاً.
(122) المجموع 6/533.
(123) تحفة المحتاج 2/314.
(124) المنتقى 2/80.
(125) المنتقى 6/130.
(126) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/597.
(127) المجموع 6/535.
(128) 2/462.
(129) 4/357
(130)جمع باري وهو الحصير ويقال له البورياء بالفارسية. انظر: المغرب 43.
(131) 7/56.
(132) 4/268.
(133) 1/384.
(134) 6/535.
(135) تحفة المحتاج 3/483.
(136) 4/299.
(137) وذكر سليمان الماجد كلاماً مهماً عن مرافق المسجد يحسن إيراده:
فإن مناط هذه المسألة يتردد بين أوصاف هي: الأول: الوقف: والأظهر أنه لا يصح اعتباره، وبناء الحكم عليه؛ لأن الأرض الفضاء الموقوفة على المسجد لا تصلح للاعتكاف باتفاق. وفي أوروبا وغيرها تستأجر مبان مدةً طويلة وتُتخذ مسجدا، ومع ذلك يكون لها أحكامه؛ فلا طرد في وصف "الوقف" ولا عكس.
الثاني: الإفضاء والاتصال: ولا بد من دليل على تأثير هذا الوصف، وأنه يخرج من الأصل المذكور. وأظن أنه لا خلاف بأنه لو اقتضت مصلحة المسجد أن يقتطع من موضع الصلاة بيت للإمام أو المؤذن أو مستودع، وجُعل له باب خارجي وآخر داخلي يفضي إلى موضع الصلاة لخدمة الناس أو خدمة الإمام لم تكن مسجدا؛ بسبب تحوله إلى حال أخرى.
الثالث: العُرْف: بدخوله في هيكل بناء المسجد؛ حتى يُنسب إلى المسجد عرفا؛ فيقول الشخص: ذهبت إلى المسجد وجئت منه، وهو إنما دخل ملاحقه التي لا تُتخذ للصلاة. ولعل اعتبار هذه الحقيقة هو ما أشكل على كثيرين، والجواب عن ذلك أن الحقيقتين الشرعية واللغوية مقدمتان على العرفية.
ولا يلزم من هذا القول تصحيح إدخال القبر في المسجد؛ لأنه إن كان في موضع الصلاة وجب نبشه وإخراجه بسبب المانع الشرعي والعدوان بدفنه في موضع الصلاة بسبب النهي الوارد، أما هذه الملاحق فهي مما أُذن بها شرعا؛ فظهر الفرق بين الحالين. ولو دُفن الميت في فضاء موقوف تابع للمسجد كمواقف السيارات لم يكن مشمولا بحديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد، لكن يجب أو يجوز نبشه لخروجه عن مقصود الواقف.
الرابع الحقيقة الشرعية واللغوية التي تضمنها لفظ "المسجد" إذ إنها تنحصر في مكان السجود، وهو مصلى الجمعة والجماعات، والقاعدة أنه إذا تردد الأمر بين الحقيقة الشرعية والعرفية قُدمت الحقيقة الشرعية؛ فيجب البقاء على ذلك واعتباره أصلا حتى يدل دليل على غير ذلك. وهذا هو أقرب مناطات الحكم. فعليه يخرج عن حكم المسجد: الغرف والأماكن الملحقة به ما لا يُتخذ للصلاة عادة؛ كرحبة المسجد، والمساحات الفاصلة بينه وبين الشوارع والجيران (الارتدادات) ا.هـ http://www.salmajed.com/node/12510.
(138) مجموعة الفتاوى الشرعية الصادرة عن قطاع الإفتاء والبحوث الشرعية 7/47.
(139) انظر الآثار في مصنف ابن أبي شيبة 1/124.
(140) أي: المسجد.
(141) الفروع 1/157.
(142) انظر: المطلع 344.
(143) 14/242 - 243.
(144) وسيأتي تفصيل ذلك أثناء الحديث عن الفرق بين المسجد والمصلى صفحة 51 وما بعدها.
(145) انظر: الفروع 7/404. كشاف القناع 2/374.
(146) انظر: تبيين الحقائق 4/272.
(147) انظر: الفروع 7/404. كشاف القناع 2/374.
(148) انظر تبيين الحقائق 4/272.
(149) انظر: حاشية ابن عابدين 4/357، ولما كانت المنازل ضيقة أجاز أبو يوسف ومحمد السكن فوق المسجد أو تحته؛ للضرورة، قال في فتح القدير 6/235: وعن أبي يوسف أنه جوز في الوجهين حين قدم بغداد ورأى ضيق المنازل فكأنه اعتبر الضرورة. وعن محمد أنه حين دخل الري أجاز ذلك كله لما قلنا اهـ، وانظر: تبيين الحقائق 4/272.
(150) انظر: تحفة المحتاج 3/464. فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب 2/359.
(151) واستثنى المالكية جواز سكناه فوقه بغير أهله، وفرقوا بينه وبين بنائه للمسكن فوق المسجد، فيكره الأول ويحرم الثاني، وبعضهم لم يفرق بين بنائه قبل وقفه أو بعد وقفه وسوَّى بينهما في المنع، والمذهب التفريق بينهما. انظر: مواهب الجليل 7/542- 544، 617. حاشية الدسوقي 5/447.
انظر: المدونة 1/197. التاج والإكليل 7/541. منح الجليل شرح مختصر خليل 7/490. شرح مختصر خليل للخرشي 7/20. حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/19.
(152) المغني 8/193.
(153) المغني 8/193.
(154) انظر: التاج والإكليل 7/617.
(155)انظر: تبيين الحقائق 4/272.
(156) أخرجه البخاري في كتاب في المظالم والغصب، باب إثم من ظلم شيئا من الأرض 3/130 برقم 2453. وأخرجه مسلم في كتاب، باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها 3/ 1231 برقم 1612.
(157) انظر المحلى 3/169.
(158) انظر: المحلى 3/169.
(159) انظر: التاج والإكليل 7/617.
(160) المغني 3/475. ورأيت في أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية 5/160-161 - بعد نقلهم لكلام ابن قدامة - كلاماً يحسن إيراده في حكم إنشاء مواقف للسيارات تحت المسجد، ونصه:
وقد يمنع من جواز إقامة مواقف للسيارات تحت المساجد ما يترتب على ذلك من رفع المسجد بضع درجات توجب المشقة على المسنين والضعفاء، وقد تصل المشقة إلى اضطرار ترك الصلاة في المسجد للعجز عن الصعود إليه.
وفيما مر من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية إجابة على ذلك حيث إن المعتبر في ذلك رجحان المصلحة، فإذا كانت المصلحة في رفع المسجد بحيث يكون أسفله مرفقاً يرتفق به المسلمون أرجح من المصلحة في منع ذلك؛ ليتمكن كبار السن والضعفاء من الصلاة في المسجد، صار الأمر حيث تكون المصلحة راجحة.
كما أنه يمكن أن يقال: بأن بضع درجات لا توجب مشقة في الغالب إلا لمن هو في نفس الأمر مريض أو عاجز، ومتى كان كذلك فإن خروجه من بيته إلى المسجد قد يوجد له نفس المشقة فيعذر بها، وعلى فرض أن مشقة الطلوع إلى المسجد تزيد على مشقة الخروج إليه من بيته: فإن المصلحة العامة التي ستحصل من ذلك راجحة على المصلحة الفردية التي ينالها العاجز عن الصعود بضع درجات في حال تركها؛ ذلك أن إيجاد مرفق عام يرتفق به المسلمون يعتبر مصلحة كبرى تهدف الشريعة الإسلامية إلى تحصيلها وتكميلها، فضلاً عما في ارتفاع مبنى المسجد عن الشوارع من أسباب نظافته وبعده عن الغبار والأتربة وما يتطاير في الشوارع من النفايات.
ويمكن أن يقال: بأن جعل المسجد فوق موقف للسيارات ينشأ عنه مزيد ضجة وضوضاء وإزعاج للمصلين بأبواق السيارات مع تعريض المسجد لأخطار صدم قوائمه مما يكون سبباً في انهيار المسجد أو تصدعه، فضلاً عما في ذلك من انتهاك لحرمة المسجد حينما يكون قراره محلاً للابتذال والمهانة وفحش القول بحكم اعتباره موقفاً للسيارات الغالب على أهلها الابتذال في الأقوال والأعمال.
وقد يجاب عن ذلك: بأن الصخب والضوضاء الانزعاج بأبواق السيارات حاصل ولو لم يكن أسفل المسجد موقفاً للسيارات؛ لأن المسجد الصالح لإقامته فوق موقف السيارات يفترض فيه أن يكون على شوارع عامة، وما كان على شارع ام فله نصيبه الوافر من الضوضاء والصخب والانزعاج، والقول باحتمال تصدع قوائمه من صدم السيارات لها يواجه بضرورة تحصين هذه القوائم، وضمان صد هذا الاحتمال بإحكام البناء وإيجاد عوامل الصد والوقاية.
وأما القول بأن قراره سيكون محلاً للابتذال والمهانة وفحش القول والعمل كالطرق العامة والميادين. فحصول شيء من ذلك لا يعتبر مانعاً على القول: بأن ما تحت المسجد مما ليس مسجداً - كسقاية وحوانيت ونحوها كمواقف السيارات - ليس له حكم المسجد اهـ.
(161) الفروق 4/1133.
(162) انظر: المعجم الوسيط، باب الصاد.
(163) إعلام الساجد للزركشي 28.
(164) استفدت التعريف من فتوى للشيخ عبدالله بن جبرين، من موقعه على الرابط الآتي:
http://ibn-jebreen.com/ftawa.php?view=vmasal&subid=4121&parent=584
(165) البحر الرائق 1/205. تبيين الحقائق 1/419. حاشية ابن عابدين 1/343. إعلام الساجد بأحكام المساجد 386. الفروع 1/263. الإنصاف 1/181.
وأما قول الحنفية: [أن مصلى الجنائز له حكم المسجد عند أداء الصلاة وإن لم تكن الصفوف متصلة وليس له حكم المسجد في حق المرور وحرمة الدخول للجنب] فلا يسلم لهم هذا الإطلاق؛ لأن اتصال الصفوف من الأحكام الخاصة بالصلاة وليس من أحكام المسجد، والله أعلم.
(166) البحر الرائق 1/205. تبيين الحقائق 1/419.
(167) شرح مختصر خليل للخراشي 2/105.
(168) انظر: إعلام الساجد بأحكام المساجد 386. تحفة المحتاج 1/271. مغني المحتاج 1/120.
(169) انظر: فتح الباري لابن رجب 1/508.
(170) الفروع 1/263. الإنصاف 1/180.
وقالوا: يتجه اعتبار مصلى العيد مسجدا إن وقف لذلك ولو كان وقفه بقرائن كأن يأذن مالكه للناس إذنا عاما بالصلاة فيه ويتكرر منه ذلك ولا يشغله بشيء ويجنبه ما يقذره.
(171) تبيين الحقائق 1/419. حاشية ابن عابدين 1/343.
(172) انظر: المجموع 2/145.
(173) أخرجه البخاري في كتاب الحدود، باب الرجم بالمصلى 8/166 برقم 6820. وأخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى 3/1318 برقم 1691
(174) البقيع: المكان المتسع من الأرض. وقال قوم: لا يكون بقيعا إلا وفيه شجر. وقال ابن قتيبة: والغرقد: من شجر العضاة، والعضاة شجر له شوك مثل الطلح والسدر. قال: وبلغني أن الغرقد كبار العوسج، وقد كان في بقيع الغرقد غرقد ثم ذهب الشجر وبقي الاسم. انظر: كشف المشكل من حديث الصحيحين 1/191.
(175) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب، باب من اعترف على نفسه بالزنى 4/131 برقم 1691.
(176) انظر: شرح النووي على مسلم 7/41، 11/194. فتح الباري 3/187.
(177) انظر: إعلام الساجد بأحكام المساجد 386.
(178) انظر: المرجع السابق.
(179) الفروع 1/263.
(180) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب، باب شهود الحائض العيدين ودعوة المسلمين ويعتزلن المصلى 1/72 برقم 324.
(181) المجموع 2/145.
(182) فتح الباري لابن رجب 1/508.
(183) المصدر السابق.
(184) في كتاب العيدين، باب إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى 2/605 برقم 890.
(185) في أبواب العيدين، باب التكبير أيام منى، وإذا غدا إلى عرفة 2/20 برقم 971.
(186) 417- 418.
(187) انظر: غمز عيون البصائر 1/172. شرح مختصر خليل للخرشي 7/89. تحفة المحتاج 6/246. مغني المحتاج 2/492- 493. الفروع 7/329.
(188) انظر: فتح القدير 6/233. حاشية ابن عابدين 6/546.
ويشترط فرزه عن ملكه عند أبي يوسف، بينما اشترط أبو حنيفة ومحمد الصلاة فيه.
(189) انظر: المنتقى 6/130. تبصرة الحكام 2/130.
(190) انظر: الفروع 7/329. كشاف القناع 4/241.
(191) انظر: المغني 8/190. فتح القدير 6‍/234.
(192) انظر: المنتقى شرح الموطأ 6/130.
(193) تحفة المحتاج 6/246. مغني المحتاج 2/492- 493.
(194) فتح القدير 6/233. حاشية ابن عابدين 6/546.
(195) المغني 8/190.
(196) حاشية ابن عابدين 6/547.
(197) أسنى المطالب 2/464.
(198) انظر: الفروع 7/331. شرح منتهى الإرادات 2/406.
(199) سيأتي تخريجه في صفحة 61.
(200) أسنى المطالب 2/464.
(201) انظر: أحكام القرآن لابن العربي 1/51. شرح الخرشي على مختصر خليل 7/84. شرح ميارة على تحفة الأحكام 2/143.
(202) حاشية ابن عابدين 6/547.
(203) انظر: الفتاوى الكبرى لابن تيمية 4/236. الإنصاف 7/26.
(204) 6/234. وانظر: حاشية ابن عابدين 6/547.
(205) أي: من شروط صلاة الجمعة.
(206) الذخيرة 2/335.
(207) 3/465.
(208) 2/97.
(209) 7/331.
(210) 6/547.
(211) 1/179.
(212) المقدمات 1/222.
(213) حاشية ابن عابدين 6/549.
(214) حاشية ابن عابدين 6/549.
(215) 2/450.
(216) 1/216-217.
(217) أي الإمام أحمد.
(218) أي القاضي أبي يعلى.
(219) 31/220.
(220) حاشية ابن عابدين 6/549.
(221) حاشية ابن عابدين 6/549.
(222) الفتاوى الكبرى له 1/175.
(223) أي القاضي أبي يعلى.
(224) 31/220.
(225) الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية 246.
(226) 7/331.
(227) 4/278.
(228) فتح القدير 6/233. المنتقى 6/130. شرح مختصر خليل للخرشي 7/89. تحفة المحتاج 6/246. مغني المحتاج 2/492- 493. الفروع 7/329
(229) 12/34.
(230) 4/241.
(231) فتح الباري لابن رجب 2/378 -379.
(232) حاشية ابن عابدين 1/344.
(233) انظر: الحاوي الكبير للماوردي 7/521.
(234) حاشية الدسوقي 5/474. وانظر: مواهب الجليل 7/648.
(235) 5/204. وانظر: حاشية ابن عابدين 6/523، 539.
(236) تحفة المحتاج 6/245. وانظر: مغني المحتاج 2/487.
(237) 7/35.
(238) 7/35.
(239) انظر: الحاوي الكبير للماوردي 7/521.
(240) الرجع السابق.
(241) انظر: الوقف مع بيان أحكامه لأحمد ابراهيم بك 34. نقلا عن استثمار الوقف دراسة فقهية تطبيقية 128.
(242) انظر: استثمار الوقف دراسة فقهية تطبيقية 128.
(243) انظر المرجع السابق.
(244) انظر: استثمار الوقف دراسة فقهية تطبيقية 129.
(245) أي: لا يتخذ منها مالاً. انظر: فتح الباري لابن حجر 5/401.
(246) أخرجه البخاري في كتاب الشروط، باب الشروط في الوقف 3/198 برقم 2737 واللفظ له. ومسلم في كتاب الوصية، باب الوقف 3/1255 برقم 1632.
(247) انظر: بدائع الصنائع 6/220.
(248) الكافي 513.
(249) انظر: المغني 8/192.
(250) 2/519.
(251) انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - المجموعة الثانية 5/165 -168 حيث اختارت قول الجمهور لعدم تأبيد وقفه.
(252) 6/238. وجاء في حاشيته 6/239: [(قوله: نعم لا يصح إلخ) عبارة النهاية، أما جعل المنقول مسجدا كفرش وثياب فموضع توقف؛ لأنه لم ينقل عن السلف مثله وكتب الأصحاب ساكتة عن تنصيص بجواز أو منع وإن فهم من إطلاقهم الجواز فالأحوط المنع كما جرى عليه بعض شراح الحاوي وما نسب للشيخ رحمه الله من إفتائه بالجواز فلم يثبت عنه ا.هـ، قال الرشيدي قوله: م ر فموضع توقف أي ما لم يثبت بنحو سمر، أما إذا أثبت كذلك فلا توقف في صحة وقفيته مسجدا كما أفتى به الشارح م ر. ا.هـ، وقال ع ش قوله: م ر فالأحوط المنع أي منع القول بصحة الوقفية وطريق الصحة على ما قاله الشيخ أن تثبت في مكان بنحو سمر ثم توقف ولا تزول وقفيتها بعد زوال سمرها؛ لأن الوقفية إذا ثبتت لا تزول ثم ما نقل عن الشيخ أجاب به م ر عن سؤال صورته لو فرش إنسان بساطا أو نحو ذلك وسمره ثم وقفه مسجدا هل يصح وقفه فأجاب حيث وقف ذلك مسجدا بعد إثباته صح انتهى وعلى هذا فقوله: م ر في الشرح، أما جعل المنقول إلخ محله حيث لم يثبت ولا ينافيه قوله: عن الشيخ فلم يثبت عنه لإمكان حمله على ما لم يثبت أو أن مراده لم يثبت عنه ولو مع إثباته فيكون قوله: في الفتاوى بصحة وقفه مع الإثبات مستندا فيه لغير الشيخ ا.هـ] ويقصد بالرمز: (م ر): أحمد الرملي، ويقصد بالرمز: (ع ش): شرح ابن حجر على العباب.
(253) حاشيتا قليوبي وعميرة 2/97. ولكنه خلاف المعتمد عند الشافعية، قال الشهاب العبادي في حاشيته على الغرر البهية 3/366: (ومنقولا) أي: وقفه غير مسجد، فإن ثبته بنحو تسمير صح إن اختص بمنفعة المحل الذي سمره فيه بنحو إحياء أو وصية، لا نحو مسجد أو شارع على معتمد الزيادي وهو المعتمد كما رأيته بخط شيخنا الإمام الذهبي، خلافا للقليوبي على الجلال ا.هـ.