ضوابط في باب الربا
23 صفر 1435
أ.د. خالد المشيقح

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على تبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد.....
قبل أن نبين ضوابط الربا لابدّ أن نفهم مسألة مهمة ، وهي : ما هي الأموال الربوية ؟
نقول : الأموال الربوية نص النبي صلى الله عليه وسلم على بعضها ، وألحق العلماء أنواعاً أخرى مما يشاركها في العلة التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم " الذهب – الفضة – البر – الشعير – التمر – الملح – الكرم .. " ، وحديث معمر في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الطعام بالطعام مثلاً بمثل " .
فهذه التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم هل هي معدودة أو محدودة ؟ ، هل هي مضبوطة بضابط ؟ أو نقول بأنها معدودة ؟
الرأي الأول : الظاهرية يقولون أنها معدودة ، والربا يجري في هذه التي نصّ عليها النبي صلى الله عليه وسلم ، وما عدا ذلك فلا يجري فيه الربا. وذهب إليه ابن عقيل من الحنابلة .
الرأي الثاني : أنها ليست معدودة ، وإنما هي مضبوطة بضابط ، فإذا وجد هذا الضابط فإن هذا المال يكون ربوياً ، وعلى هذا اختلف الأئمة رحمهم الله تعالى في تحديد العلة ، ما هي العلة في هذه الأصناف التي نصّ عليها النبي صلى الله عليه وسلم لكي نلحق بها ما يشاركها في العلة فيكون ربوياً ؟ ، وكما ذكرنا فالنبي صلى الله عليه وسلم نصّ على : الذهب ، والفضة ، والبر ، والشعير ، والتمر ، والملح .
فاختلفوا في العلة :
الرأي الأول : قالوا بأن العلة في الذهب والفضة الوزن ، وفي الأصناف الأربعة الكيل . وهو مذهب أبي حنيفة ، وأحمد .
وعلى هذا يجري الربا عندهم في كل الموزونات – سواءً كانت مطعومة أو غير مطعومة - ، وفي كل المكيلات – سواءً كانت مطعومة أو غير مطعومة - . وعلى هذا يجري الربا عندهم في الحديد ، فإذا بادلت حديداً بحديد لا بد أن يكون مثلاً بمثل يداً بيد ؛ لأنه اتفق الجنس – كما سيأتي في الضوابط أنه إذا اتفق الجنس لا بد أن يكون مثلاً بمثل يداً بيد - ، فيجري عندهم الربا في الذهب ، والحديد ، والنحاس ، والصفر ، والرصاص ، ...إلخ ، فيجري في هذه الموزونات ، وكذلك في الشعر ، والحرير ، والصوف ، والوبر ، والقطن ... كلها موزونات يجري فيها .
أيضاً يجري في المكيلات : في البر ، والشعير ، والتمر ، وسائر المائعات كالدهن ، والحليب ، واللبن ...كلها يجري فيها الربا ، الرز ، والدخن ،..... إلخ .
هذه العلة الأولى : الوزن والكيل ، فيجري الربا في الموزونات ، وأيضاً في المكيلات ، سواء كانت مطعومة أو غير مطعومة .
الرأي الثاني : رأي الشافعي رحمه الله تعالى : أن العلة في الذهب والفضة جوهر الثمنية ( أي أنها ثمناً للأشياء ) ، والعلة في الأصناف الأربعة الباقية هي الطُعْم .
وعلى هذا يجري عنده الربا في الذهب والفضة فقط ، فلا يجري في الرصاص والحديد والنحاس ... ، ويجري في المطعومات ، فيجري في كل مطعوم ولا يتقيّد ذلك بكونه موزوناً أو مكيلاً ، فكل مطعوم يجري فيه الربا : التفاح ، البرتقال ، .... ، حتى المعدودات يجري فيها الربا
الرأي الثالث : رأي الإمام مالك رحمه الله : أن العلة في الذهب والفضة غلبة الثمنية – يعني أن الربا لا يتجاوزهما - ، وأما في الأصناف الأربعة الباقية ، فالعلة هي القوت والادّخار – يعني أن يكون مقتاتاً ويكون مدّخراً – مثل البر ، فهو قوت ، ومدّخر يبقى مدة طويلة ، ومثل الشعير ، والذرة ، والدخن ... إلخ .
الرأي الرابع : رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : يقول أن العلة في الذهب والفضة الثمنية – كونهما ثمناً للأشياء - ، وأما العلة في الأصناف الأربعة الباقية فهي الطُعم مع الكيل أو الطُعم مع الوزن .
* نضرب لذلك أمثلة :
مبادلة تفاحة بتفاحتين ، هل يجري الربا ؟
عند الحنفية والحنابلة : لا يجري ؛ لأنها ليست مكيلة ولا موزونة ، بل معدودة .
وعند الشافعية : يجري ؛ لأنها مطعومة .
وعند الإمام مالك : لا يجري ؛ لأنها ليست ذهباً ولا فضة ، وليست مقتاتة تدّخر .
صاع برّ بصاعين :
عند الحنابلة والحنفية : يجري ؛ لأنها مكيلة .
وعند الشافعية : يجري ؛ لأنها مطعومة .
وعند المالكية : يجري ؛ لأنها مدّخرة ومقتاتة .
وعند شيخ الإسلام : يجري ، لأنها مطعومة ومكيلة .
كيلو حديد بكيلوين حديد :
عند الحنفية والحنابلة : يجري ؛ لأنها موزونة .
وعند الشافعية : لا يجري فيها الربا ؛ لأنها ليست ذهباً ولا فضة ، ولا مطعومة .
وعند الإمام مالك : لا يجري ؛ لأنها ليست ذهباً ولا فضة ، ولا يقتات ولا يدّخر .
وعند شيخ الإسلام : لا يجري ؛ لأن العلة عنده الثمنية ، أو الطعم مع الكيل أو الطعم مع الوزن .
قلم بقلمين :
عند الحنفية والحنابلة : لا يجري ؛ لأنها ليست مكيلة ولا موزونة ، بل معدودة .
وعند الشافعية : لا يجري ؛ لأنها ليست ذهباً ولا فضة ، وليست طعماً ؛ لأن العلة عندهم غلبة الطعم أو غلبة الثمنية – الاقتصار على الذهب والفضة - .
وعند المالكية : لا يجري ؛ لأنها ليست ذهباً ولا فضة ، وليست مقتاتة ولا مدّخرة .
وعند شيخ الإسلام : لا يجري ؛ لأنه يرى أن العلة الثمنية ، والطعم مع الوزن أو الطعم مع الكيل .
عرفنا أن المال الربوي عند شيخ الإسلام :
1- ما كان ثمناً للأشياء ، كالريالات والدينارات والجنيهات ، فهو شامل لكل ما اتخذه الناس ثمناً للأشياء .
2- ما كان مطعوماً مكيلاً ، أو مطعوماً موزوناً .
وهذا القول هو الراجح في هذه المسألة .

الضابط الأول :
« أن كل ربويين اتحدا في الجنس والعلة ( علة ربا الفضل ) ، فإنه يشترط عند مبادلة أحدهما بالآخر شرطان : التماثل ، والحلول والتقابض »
فعلى كلام شيخ الإسلام : الريالات ربوية ، فعندما تبادل ريالات بريالات ، الآن اتحدت في الجنس واتحدت في العلة ( العلة : الثمنية ) ، فعندما تبادل ريالات بريالات ، فلا بد من أمرين:
التماثل : 10ريالات بـ 10ريالات ، 50 ريالاً بـ 50 ريالاً ، .....
التقابض والحلول : فلا بد أن تكون حالّة ، وأن يقبض – فقد تكون حالة ولا يقبضها ، بحيث يتفقان على أنها حالة ولكن يؤخر القبض فيقول له مثلاً : بعد ساعتين تأتي وتقبضها - ، فقد تكون مؤجلة ويقبضها ، وقد تكون حالة ولا يقبضها . فلا بد من الحلول والتقابض .
مثال آخر : اللحم :فعلى رأي شيخ الإسلام يعتبر ربوياً ؛ لأنه مطعوم موزون ، فعندما تبادل لحم إبل بلحم إبل فلا بد من الشرطين : 1- التماثل . 2- الحلول والتقابض .
السكر : ربوي ؛ لأنه مطعوم موزون ، فعندما تبادل سكراً بسكر لا بد من الشرطين ، وعلى هذا فقس .

الضابط الثاني :
« كل ربويين اتحدا في علة ربا الفضل واختلفا في الجنس ، فيشترط عند مبادلة أحدهما بالآخر شرط واحد ، وهو : الحلول والتقابض »
مثاله : ريالات بجنيهات : العلة هي الثمنية ، فهما يتحدان في علة الثمنية ، فيشترط عند مبادلتها الحلول والتقابض فقط ، أما التماثل فليس شرطاً .
مثال آخر : لحم إبل مع لحم غنم : العلة واحدة ، وهي الوزن مع الطعم ، والجنس اختلف ، فيجب أن يكون يداً بيد ( الحلول والتقابض ) ، ويجوز التفاضل ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد "
مثال ثالث : شعير ببر : العلة واحدة ، وهي الطعم مع الكيل ، فعندما تبادل شعيراً ببر نشترط شرطاً واحداً وهو الحلول والتقابض ، أما التساوي والتماثل فليس شرطاً ، بع كيف شئت .

الضابط الثالث :
« كل ربويين اتحدا في علة ربا الفضل واختلفا في الجنس ، وكان أحدهما نقداً ، فإنه لا يشترط شيء »
هذا الضابط على المذهب ، وقد سبق لنا أن المذهب مرجوح .
مثاله : فضة بنحاس : فالعلة على المذهب هي الوزن ، فالفضة موزونة ، والنحاس موزون ، فبع كيف شئت ؛ لا يشترط التقابض ، ولا يشترط التساوي والتماثل ، فلو بعت كيلوين من النحاس بكيلو من الفضة مؤجلاً ، نقول أن هذا جائز ولا بأس به .
مثال آخر : ذهب بحديد : فالمذهب أن العلة الوزن ، واتفقتا في العلة ، فكل منهما موزون ، فبع كيف شئت .

الضابط الرابع :
« عن مبادلة نقد بنقد ، أو أوراق نقدية بأوراق نقدية ، أو عملات معدنية بأخرى ، فإذا اتحد الجنس ، فإنه يشترط شرطان : 1- التماثل والتساوي . 2- الحلول والتقابض .
وأما إذا اختلف الجنس ، فإنه يشترط شرط واحد فقط ، وهو الحلول والتقابض »
هذا الضابط سهل .. عندما تبادل نقداً بنقد ، أو أوراقاً نقدية بأوراق نقدية ، أو تبادل عملات معدنية بعملات معدنية ، فإذا اتحد الجنس نشترط شرطين : الحلول والتقابض ، والتساوي والتماثل . وإذا اختلف الجنس نشترط شرطاً واحداً ، وهو الحلول والتقابض .
مثال اتحاد الجنس : ريالات بريالات سعودية ، هنا اتحد الجنس .
مثال نقد بنقد ( العلماء إذا قالوا : نقد ، فإنهم يقصدون الذهب والفضة ) : ذهب بذهب .
فإذا اتحد الجنس ( عملات معدنية بعملات معدنية ، أو أوراق نقدية بمثلها ، أو نقد بنقد ) فإننا نشترط شرطين ، وإن اختلف الجنس فإننا نشترط شرطاً واحداً وهو الحلول والتقابض .
مثاله ( إذا اختلف الجنس ) : ذهب بفضة : فنشترط شرطاً واحداً وهو الحلول والتقابض .
مثال للأوراق النقدية : دراهم بدولارات : نشترط شرطاً واحداً فقط ، وهو الحلول والتقابض .
ومثله أيضاً : إذا بعت ذهباً بأوراق نقدية ، هنا اختلف الجنس ، والعلة واحدة – وهي الثمنية - ، فنشترط شرطاً واحداً ، وهو الحلول والتقابض . أو بعت فضة بأوراق نقدية ، فنشترط شرطاً واحداً فقط ، وهو الحلول والتقابض .

الضابط الخامس :
« كل ربويين اختلفا في العلة ، فلا يشترط عند مبادلة أحدهما بالآخر لا الحلول والتقابض ، ولا التساوي والتماثل »
فإذا بادلت ربوياً بربوي آخر ، واختلفا في العلة ، فإننا لا نشترط شيئاً .
مثاله : ريالات بتمر : العلة في الريالات الثمنية ، وفي التمر الكيل والطعم ، فلا نشترط شيئاً.
مثال : بر بذهب : البر علته الطعم مع الكيل ، والذهب علته الثمنية .
مثال : شعير بفضة : لا نشترط شيئاً .

الضابط السادس :
« عند مبادلة ربوي بغير ربوي ، أو مبادلة عوضين غير ربويين ، فإنه لا يشترط الحلول والتقابض ولا التساوي والتماثل »
ففي هذا الضابط صورتان :
1- مبادلة ربوي بغير ربوي : لا نشترط شيئاً .
مثاله : ذهب بأثواب ، ذهب ببرتقال ، ريالات بأثواب ، .... فلا نشترط شيئاً ، بِع كيف شئت ، لا يشترط التماثل ، ولا الحلول والتقابض .
2- مبادلة مال غير ربوي بمال غير ربوي : لا نشترط شيئاً ؛ فكل منهما ليست فيه العلة .
مثاله : أثواب بكتب : كلاهما ليس ربوياً ، سيارة بكتب ، بأثواب ، بعقار ، ... هذه ليست ربوية ، فعندما تبادل ربوياً بغير ربوي ، أو غير ربوي بغير ربوي لا نشترط شيئاً .

الضابط السابع :
« لا أثر لاختلاف النوع أو الجودة والرداءة عند اتحاد الجنس الربوي ، ففي هذه الحال يشترط التساوي والتماثل ، وكذلك الحلول والتقابض »
يجب عندما تبادل ربوياً بجنسه التساوي ، والحلول والتقابض ، ولو اختلفا في الجودة ، في الرداءة ، في النوع ... لا ننظر إلى هذه الاختلافات .
فمثلاً : مبادلة تمر بتمر : الجنس واحد ، فيجب أن يكون يداً بيد ( الحلول والتقابض ) ، ومثلاً بمثل ( التساوي والتماثل ) ، صاع بصاع ، ولو كان هذا التمر فاخراً – ولنفترض انه من التمر السكري - ، وهذا التمر أقل منه من حيث النوع – من التمر الشقر مثلاً - ، فلا نقول : تبادل صاعاً من السكري – لجودته – بصاعين من النوع الآخر ، هذا ليس له أثر ، فاختلاف النوع في الجنس الواحد ليس له أثر .
كذلك الجودة والرداءة ليس لها أثر ، هذا جيد وهذا رديء ، هذا سكري جيد وهذا سكري رديء ، لا أثر لها . فحتى لو اختلفت الجدّة والقدم ،الجودة والرداءة ... لابُدَّ من التساوي .
ويدل لذلك : حديث أبي سعيد t لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم خيبر ، فجيء بتمر جنيب جديد ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أَكُلُّ تمر خيبر هكذا ؟ " قالوا : لا يا رسول الله ، إننا نأخذ الصاع من الجنيب بالصاعين من الجمع ( الرديء ) ، فقال صلى الله عليه وسلم : " أَوَّه ، عين الربا " . فيدلّ هذا على أنه لا أثر لاختلاف النوع ، المهم أن الجنس متحد .
أمثلة :
البر : البر أنواع ( الحنطة ، اللقيمي ، المِعَيّة ) ، فعندما تبادل حنطة بحنطة ، لا بد أن يكون يداً بيد مثلاً بمثل .
اللحم : إذا اختلف النوع ( البقر أنواع .... ) ، هذا عِراب وهذا جواميس ، عندما تبادل هذا بهذا ، ما دام أنه كله لحم بقر ، فلا بد أن يكون مثلاً بمثل يداً بيد .
الحليب : وهكذا ....
الغنم : تبادل لحم ضأن بلحم غنم مع الزيادة ، هذا ربا ، فكونه اختلف في النوع هذا لا ينظر إليه ، لابد أن يكون يداً بيد مثلاً بمثل .

الضابط الثامن :
« ما اشترط فيه التماثل والتساوي ، فلا بُدَّ أن يكون التساوي والتماثل بمعياره الشرعي: كيلاً في المكيلات ، ووزناً في الموزونات »
ما يشترط فيه التماثل ، لا يتحقق التماثل إلا بالمعيار الشرعي .
س/ متى نشترط التماثل ؟
ج/ إذا اتحد الجنس الربوي .
فإذا اشترطنا التماثل فلا بد أن يكون التماثل بالمعيار الشرعي ، لا يكفي بأي معيار ؛ لأن هذه الأموال الربوية لها معايير شرعية ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : " الذهب بالذهب ، وزناً بوزن ، والفضة بالفضة ، وزناً بوزن " . وعلى هذا لو بادلت صاع ذهب بصاع ذهب ، فهو ربا مع أنها متماثلة ، لماذا ؟ لأنه ليس بالمعيار الشرعي ، ولو جئت به للمعيار الشرعي ، وأفرغت هذا الصاع من الذهب ووزنته ، وجئت بالثاني وأفرغته ووزنته ، لوجدت اختلافاً في الوزن ، فعندما تكيل الموزون أو توزن المكيل تقع في الربا .
الفضة : معيارها الشرعي الوزن ، ويأتي ضابط المعيار الشرعي .
فعندما تبادل (10 كيلو) بر بـ (10 كيلو) بر : ربا ؛ لأنك وزنت ، والبر معياره الشرعي الكيل ، أما الكيلو والغرام فوزن – من آلات الوزن - ، فالمبادلة لابد أن تكون بالمعيار الشرعي ، كيلاً في المكيلات ، ووزناً في الموزونات ، والبر من المكيلات ، فنضبطه بآلة الكيل ( الصاع ، الوسق ، المد ، .... ) ، والوزن ( الكيلو ، الغرام ، الرطل ، .... ) .

الضابط التاسع :
« عند مبادلة ربوي بربوي آخر، لا يُشترط المعيار الشرعي عند عدم اشتراط التساوي »
وكذلك عند مبادلة ربوي بغير ربوي ، فإنه لا يُشترط المعيار الشرعي .
عندما تبادل ربوياً بآخر لا نشترط المعيار الشرعي ، لماذا؟ ؛ لأنه لا يشترط التساوي ، فنشترط المعيار الشرعي فقط عند اتحاد الجنس الربوي ؛ لأنه هو الذي يُشترط فيه التساوي ، أما إذا بادلنا ربوياً بآخر فلا نشترط التساوي ، فكِل أو زِن كما تريد ، سواءً كان المعيار الشرعي كيلاً أو وزناً .
مثاله : ربوي بربوي آخر : ذهب بتمر ، بادلنا ربوياً بربوي آخر – سواءً كان جزافاً ، أو كيلاً أو وزناً - ، فالتمر مكيل ، لكن لو وزنته عندما تبادله بذهب أو ريالات يجوز ، والذهب موزون ، لكن لو كِلته عندما تبادله بربوي آخر فلا نشترط المعيار الشرعي ، فالمعيار الشرعي لا يُشترط إلا عند التساوي ، والتساوي يكون عند اتحاد الجنس الربوي .
شعير ببر : كلها مكيلة ، بكن لا بد أن يكون يداً بيد ، وعلى هذا إذا كنا لا نشترط التساوي لا نشترط المعار الشرعي ، بِع صاع شعير بصاعين من البر ، أو 10كيلو شعير بـ 20كيلو بر ، أو صاع شعير بـ 10كيلو بر ، تضبط بالوزن أو بالكيل ، كله جائز .
فإذا اختلف الربويان ولم يتحدا في الجنس ، كالتمر بالريالات : تذهب إلى البقال فلا يكيل لك كيلاً بالصاع ، لكن يزن لك التمر ، فلا بأس ، لماذا؟ ؛ لأننا لا نشترط التساوي ؛ لأنهما لم يتحدا في الجنس الربوي ، تذهب إلى البقالة فيعطيك كيلوين من الرز ، لا يعطيك بالصاع ؛ لأنك لم تشتر ربوياً بجنسه ، بل اشتريته بغير جنسه ، فهنا لا يُشترط المعيار الشرعي ؛ لأننا لا نشترط التساوي إلا عند اتحاد الجنس الربوي .
كذلك إذا بادلت ربوياً بغير ربوي ، أو بادلت مالين غير ربويين ، فلا نشترط المعيار الشرعي، فإذا بعت تمراً بأثواب لا نشترط المعيار الشرعي ؛ لأننا لا نشترط التساوي ، فالتمر سواءً كِلته أو وزنته جائز ، كذلك لو بعت أثواباً بأثواب ، فليس لها معيار شرعي .
ولماذا اشترط العلماء المعيار الشرعي عند اتحاد الجنس الربوي ؟ ؛ لتحقيق المساواة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مثلاً بمثل سواءً بسواء " ، ولا تتحقق هذه المثلية والمساواة إلا بالمعيار الشرعي .

الضابط العاشر :
« ما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل المدينة مكيلاً فهو مكيل ، وما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل مكة موزوناً فهو موزون إلى يوم القيامة »
هذا الضابط أراد أن يبين لك ما هو الشيء الذي يُضبط بالكيل ، وما هو الشيء الذي يُضبط بالوزن .
يعني عندما تبادل ربوياً بجنسه نشترط المعيار الشرعي ، ما هو الشيء الذي معياره الكيل ؟ وما هو الذي معياره الوزن ؟
فنقول أن هذا الضابط تحته ضوابط :
1- جميع الحبوب مكيلات : وتشمل أشياءً كثيرة ( البر ، الشعير ، الذرة ، الدخن ، العدس ، ..... إلخ )
2- جميع المائعات مكيلات : ( الحليب ، الدهن ، اللبن ، العسل ، .... إلخ ) ، فعندما تبادل العسل بالعسل لابد أن تضبطه بالكيل ، وعندما تبادل ذرة بذرة لا بد أن تضبطها بالكيل .
3- جميع المعادن موزونات : مثل ( الحديد ، النحاس ، الصفر ، .... ) ، وهذا على المذهب، وإلا فعلى الصحيح : لا يجري الربا إلا في الذهب والفضة من المعادن – على كلام شيخ الإسلام – وما كان ثمناً للأشياء .
4- الشعر ونحوه من الموزونات : نحوه مثل ( الصوف ، الوبر ، الحرير ، القطن ، .... إلخ ) ، الأشياء التي تكون مادة للملابس ، هذه موزونة ليست مكيلة .
5- التمر ونحوه مكيل .
ما سبق من الضوابط تبين لك ما هو مكيل ، وما هو موزون .
الضابط يقول أن ما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مكيلاً عند أهل المدينة فهو مكيل إلى يوم القيامة ، وأنت إذا تأملت المكيلات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل المدينة تجد أنها الحبوب ، والمائعات ، وما كان موزونا عند أهل مكة فهو موزون إلى يوم القيامة ، كالمعادن ، والذهب ، والفضة.
ويدل لذلك : حديث ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " المكيال مكيال أهل المدينة ، والميزان ميزان أهل مكة " .
وقال بعض العلماء : الذهب والفضة موزونان ، والأصناف الأربعة الباقية مكيلة ، وما عدا ذلك نرجع فيه إلى العرف .
مبادلة كيس بر بكيس بر : لا يجوز ؛ لأن الجزاف لا يجوز أن يتبادل به في الربويات ، بل لابد من المعيار الشرعي .

الضابط الحادي عشر :
« كلُّ ما حرم فيه التفاضل حرم فيه النسأ ، لا العكس »
النسأ : التأخير . ومتى يحرم التفاضل ؟ عند اتحاد الجنس ، فيحرم التأخير .
مثاله : ذهب بذهب : يحرم التفاضل - فلا تبيع 100غرام ذهب بـ 120غرام ذهب - ، فيحرم التأخير ، فلا يجوز لك أن تبيع ذهباً بذهب مؤجل ، لا العكس ، فقد يحرم التأخير لكن لا يحرم التفاضل ، فذهب بفضة : التأخير محرم ، فيشترط أن يكون يداً بيد ، لكن التفاضل ليس محرماً – فيصح أن تبيع 100غرام من الذهب بـ 200غرام من الفضة - .

الضابط الثاني عشر :
« الزيادة في الدين مقابل الأجل ربا »
وهذا هو ربا الجاهلية ، كان يُقرض الرجل ، وعند السداد يقول : إما أن توفي وإما أن تربي ، يُقرضه 100غرام من الذهب ، وعند السداد يقول : إما أن توفي وإما أن تزيد ، فالزيادة هنا مقابل الأجل ، هذا من الربا .

الضابط الثالث عشر :
« إذا تعذّر التساوي في الربوي من جنس واحد لسببٍ في الجنس أو لسببٍ خارج لم تصحّ المعاوضة »
لأنه إذا اتحد الجنس الربوي يشترط التساوي ، وأن يكون يداً بيد ، فإذا تعذر التساوي في الربوي من جنس واحد لسبب في الجنس أو سبب خارج لم تصح المعاوضة ؛ لأنه كما سلف يشترط في مبادلة الجنس الربوي بمثله : التماثل وأن يكون يداً بيد ، فإذا تعذر ذلك نقول أنه لا يصح .
مثاله : عندما تبيع خبز بر ببر : هنا يتعذر التساوي ؛ لأن البر يُكال لكن الخبز لا يمكن أن تكيله ، وسيأتي حكم ما إذا خرج الربوي عن الكيل أو الوزن بالصنعة ، هل يبقى على ربويته ؟ أو يصبح غير ربوي ؟ هذا موضع خلاف ، المهم أنك عندما تبادل خبز بر ببر نقول أن التساوي هنا متعذّر ؛ لأن البر يمكن أن تكيله ، لكن الخبز لا يمكن أن تكيله .

الضابط الرابع عشر :
« كل شيئين جمعهما اسم واحد من أصل الخلقة فهما جنس واحد ، فالجنس : ماله اسم خاص يشمل أنواعاً ، والنوع : هو الشامل لأشياء مختلفة بأشخاصها »
يراد من هذا الضابط تعريف الجنس ، وتعريف النوع .
فالجنس : هو المتضمن لأشياء مختلفة بأنواعها .
والنوع : هو المتضمن لأشياء مختلفة بأشخاصها وأفرادها .
مثاله : البر جنس يتضمن أشياءً مختلفة بأنواعها ، فهناك نوع الحنطة ، ونوع اللقيمي ، ونوع المعية ، .... ، والتمر جنس يتضمن أشياءً مختلفة بأنواعها كالعجوة ، والسكري ، والبرحي ، .... ، هذه أنواع ، فالتمر جنس وهذه أنواع . لو فرضنا أن السكري تحته أنواع ، لسمينا السكري جنساً .
اللحم : جنس تحته أنواع : الإبل ، الغنم ، البقر ، .... إلخ .
الغنم : جنس تحته أنواع : الضأن ، المعز .
وأما النوع : فهو المشتمل على أشياء مختلفة بأشخاصها وأفرادها .
فمثلاً : الحنطة نوع من البر ، فالبر جنس ، والحنطة نوع ، عندنا كيس من الحنطة وآخر من الحنطة ، فهذا الكيس وهذا الكيس نوعهما واحد لكنها اختلفت بالذات ، أشخاصها مختلفة ، فهذا الكيس يسمى نوع . فالنوع هو المشتمل على أشياء مختلفة بأشخاصها وليست مختلفة بأنواعها ، وإذا اختلفت الأنواع فهذا جنس .
مثال آخر : التمر السكري ، عندنا كيس سكري وآخر سكري وكيس ثالث سكري ، تسمى الأكياس أنواعاً ، لماذا؟ ؛ لأنها مختلفة بأشخاصها وأفرادها .
وسبق أن ذكرنا أنه عند اتحاد الجنس لا ينظر إلى اختلاف النوع ، فعندما تبادل براً ببر لا تنظر إلى اختلاف النوع ، فعندما تبادل حنطة بمعية أو لقيمي لا بد أن يكون يداً بيد مثلاً بمثل ، وهكذا ، ومن باب أولى إذا اتحد النوع ، عندما تبادل هذا النوع من الحنطة بهذا النوع من الحنطة .

الضابط الخامس عشر:
« فروع الأجناس إذا بيعت بجنسها اشترط فيها التساوي في الصفة المقصودة بالعقد »
فدقيق البر إذا بيع بدقيق البر اشترط التساوي في النعومة ، فلا يجوز بيع صاع من دقيق البر بصاع من جريش البر ؛ لعدم التساوي .
فعندما تبيع حنطة بحنطة ، أو معية بمعية ، ونحو ذلك كما سلف لا أثر لاختلاف النوع ، فاختلاف النوع عند اتحاد الجنس الربوي لا أثر له ، أو عندما تبع لحم ضأن بلحم معز ، هنا لا أثر لاختلاف النوع ، فيجب التساوي ، والحلول والتقابض .

الضابط السادس عشر :
« ما خرج عن القوت بالصنعة فليس بربوي ، بل هو جنس قائم بنفسه »
وهذا الضابط عند شيخ الإسلام .
أما المشهور من المذهب : فهو أنه ليس على إطلاقه ، فله قسمان :
1- مبادلته بجنس آخر ( وإن كان أصلهما واحداً ) :فهذا جائز ، كمبادلة خبز بهريسة .
2- مبادلته بجنس مثله : كمبادلة خبز بخبز ، أو هريسة بهريسة ، فهنا نشترط التساوي .
المهم : هذا الضابط : إذا خرج عن الكيل بالصنعة ، وإذا خرج عن الوزن بالصنعة ، فهل يبقى على ربويته ؟ أو نقول انتقل عن ربويته ؟
عند شيخ الإسلام : ما خرج عن الكيل أو الوزن بالصنعة فإنه ليس بربوي ، حتى لو بيع بجنسه . مثلا لو خبزنا صاعاً من البر وبادلناهما بصاع بر لم يخبز ، فعند شيخ الإسلام تصح مبادلة الخبز بالبر ؛ لأنه يقول أن الذي خُبز أصبح غير ربوي ما دام أنه جرت عليه الصنعة ، حتى لو بعته بمثله – خبز بخبز – يرى أنها ليست ربوية ، فما دام دخلت عليه الصنعة فإنه ليس بربوي . ومثله الوزن – وشيخ الإسلام لا يرى العلة فيه ، فلا يرى أن الموزونات ربوية - ، كما لو بعت إناءً من الحديد بحديد ، فالحديد الآن لما صنعناه إناءً خرج عن كونه ربوياً ، فيصح أن تبيع هذا الإبريق من الحديد بهذا الحديد الخام ، سواءً كان بالتساوي أو بالتفاضل ، بالحلول أو بالتأجيل ، كله جائز . فشيخ الإسلام يرى أنه إذا خرج بالصنعة عن كونه ربوياً فإنه لا يجري فيه الربا .
المشهور من المذهب : أن المكيل إذا خرج بالصنعة فإنه يبقى على ربويته ، فلا يصح أن تبادل براً بخبز ، ولا خبزاً بخبز إلا مع التساوي ، فالخبز بالخبز يصح لكن لا بد أن يتساويا في النشاف ، أما خبز ببر فلا يصح على المذهب ، وأما بالنسبة للموزون فيرون أن يخرج عن ربويته بالصنعة ، فعندما تُصَنِّع حدياً إبريقاً وحديداً آخر إبريقاً ، يقولون : يصح أن تبادل إبريقين بإبريق ، مع أنها كلها من الحديد ، فهم يفرقون بين الوزن وبين الكيل ، أما شيخ الإسلام فيرى أنه ما دام خرج بالصنعة عن كونه ربوياً – مكيلاً كان أو موزوناً – فإنه لا يحصل فيه الربا .

الضابط السابع عشر :
« لا أثر للصياغة المباحة عند المبادلة »
وهذا الضابط على خلاف ما يذهب إليه شيخ الإسلام ~ ، فهو يرى أن الصياغة لها أثر ، والجمهور يرى أن الصياغة ليس لها أثر ، فعندما تبادل ذهباً مُصَنَّعاً بذهب غير مُصنّع فلو كان هناك زيادة مقابل التصنيع فإنه ربا ولا أثر للصياغة .
ويدل لهذا : حديث فضالة بن عبيد t أنه اشترى قلادة بدنانير فيها خرز ، ولما فصلها وجد الزيادة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا ، حتى تفصل بينهما " ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: " الذهب بالذهب وزناً بوزن ، والفضة بالفضة وزناً بوزن " فالصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه جمهور أهل العلم ، خلافاً لشيخ الإسلام ، وأن الصياغة ليس لها عبرة ، فكونك تريد مقابل الصياغة نقول : هذا غير جائز ، وتقع في الربا ، لأن الحديث صريح : " الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة مثلاً بمثل ، سواءً بسواء " .

الضابط الثامن عشر :
« مبادلة الربوي بجنسه ومعهما أو مع أحدهما من غير جنسهما »
هذه يسميها العلماء ( مسألة مدّ عجوة ودرهم ) ، والعجوة نوع من أنواع تمر المدينة .
والمراد هنا : عندما تبادل ربوياً بجنسه – وانتبه للضابط – ومع أحدهما أو مع كل منهما من غير جنسهما .
فمسألة مد عجوة ودرهم لها صورتان :
الصورة الأولى : أن تبادل ربوياً بجنسه ، ومع كلٍ منهما من غير جنسهما .
الصورة الثانية : أن تبادل ربوياً بجنسه ، ومع أحدهما من غير جنسهما .
مثال الصورة الأولى : مبادلة مد عجوة تمر بمد عجوة تمر ، ومع كل منهما من غير جنسهما ، الأول معه درهم ، والثاني معه درهم . فالجمهور : لا يجوز ؛ لأنه حيلة على بيع الربوي بجنسه مع التفاضل ، وشيخ الإسلام : جائز إذا كان المد مقابل المد ، والدرهم مقابل الدرهم.
مثال الصورة الثانية : مد عجوة ومعه درهم ، بمدين من العجوة . الجمهور : لا يجوز ، بادلت مداً بمدين والمد الأول معه درهم ، والرأي الثاني : إذا كان المد مقابل المد ، والدرهم مقابل المد الآخر – ثمنه - ، فجائز ولا بأس به .
ومن صورها اليوم : عندما تشتري حليّاً من الصائغ : تعطيه الحليّ القديم وتأخذ حليّاً جديداً ، يطلب منك الصائغ أن تزيد ، أو تعطيه 20غراماً وتأخذ 15غراماً جديداً مصنعاً ، هل هذا جائز ؟ هذا يدخل في مسألة مد عجوة ودرهم ؛ لأنك بادلت ربوياً بجنسه ومع أحدهما الدراهم الزائدة من غير جنسهما ، فالجمهور على أنه جائز ، وشيخ الإسلام يقول أن الزيادة إن كانت مقابل الصنعة فجائز ، والصواب في هذه المسألة أنه غير جائز ؛ لأن الحديث كما ذكرنا صريح : " الذهب بالذهب وزناً بوزن ، والفضة بالفضة وزناً بوزن مثلاً بمثل " ، وقصة حديث فضالة t لما اشترى القلادة من الذهب وفيها خرز بدنانير قال صلى الله عليه وسلم : " لا ، حتى تفصل بينهما " ، فالصحيح أنه عندما تبادل ربوياً بجنسه لا يصح أن يكون هناك زيادة ، بل لابد أن يكون مثلاً بمثل بالوزن ، ولا أثر للصناعة والصياغة ، كما قلنا بالنسبة للنوع لا أثر له . والطريق : تبيع القديم وتقبض الدراهم ، وتشتري جديداً ، لكن بعض الصّاغة يشترط ( أشتري منك بشرط أن تشتري مني ) ، نقول : هنا وقعت في الربا ، يعني أنك بادلت ذهباً بذهب مع الزيادة ؛ لأن الشرط أن تبيع عليه وتشتري منه ، هذا كأنك بادلت ذهباً بذهب مع الزيادة ، لكن كما قال الإمام أحمد ~ أنك تبيع وتقبض الثمن ، ثم تبحث عن مكان آخر ، كذل ذلك بُعداً عن شبهة الربا ، فإذا لم تجد حاجتك إلا في هذا المكان فلا بأس أن ترجع إليه .

الضابط التاسع عشر :
« الشكّ في المماثلة كتحقّق المفاضلة »
إذا حصل شك في المماثلة ، فهذا كتحقق المفاضلة ، ولهذا قلنا عند مبادلة الربوي بجنسه : لا بد أن يكون بمعياره الشرعي ، فإذا كان هناك شكٌ هل حصلت المماثلة أم لم تحصل نقول : هذا كتحقق المفاضلة ، وبعبارة أخرى يقولون : " الجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل " .

الضابط العشرون :
« قبض الشيك أو السند عند صرف العملات ، هل يقوم مقام العملة ؟ »
هذه المسألة من النوازل ، وهي عندما تبادل ما يجب فيه التقابض ، مثلاً ذهب بريالات ، الآن اشتريت ذهباً ويجب أن تعطيه ريالات يداً بيد ؛ لأنه عندما يتفق الربويان في العلة نشترط أن يكون يداً بيد ( التقابض ) ، لكن أعطيته بدل الريالات شيكاً ، هل هذا الشيك يقوم مقام الريالات ؟ أو مثلاً أخذت منه ريالات وأعطيته شيكاً، هل يقوم هذا الشيك مقام التقابض ؟ ... خلاف بين أهل العلم المتأخرين :
فبعض العلماء : يرى أن هذا الشيك يقوم مقام الريالات ، فعرف الناس أنهم يثقون بهذه الشيكات في الغالب ويتبايعون بها ، فهي تقوم مقام الدراهم ، فعندما تشتري ذهباً وتعطيه الشيك فهذا جائز .
والرأي الثاني : أن مثل هذه الشيكات لا يقوم مقام الدراهم ، فعندما تشتري ذهباً أو فضة ، أو تشتري جنيهات بريالات سعودية ، لا يكفي أن تعطيه شيكاً ؛ لأن هذا الشيك لا يقوم مقام التقابض ؛ بدليل : أن هذا الشيك لو ضاع أو احترق ، هل يرجع على من أعطاه أو لا يرجع ؟ يرجع ، هذا يدل على أنه ما قبض ، لكن في حال الدراهم ، لو أخذت منه ذهباً وأعطيته 1000ريال فضاعت الألف أو احترقت هل يعتبر قبضاً ؟ نعم ، يعتبر قبضاً ، فهل يرجع على المشتري أو لا يرجع ؟ لا يرجع ، لكن الشيك يرجع عليه، فهذا يدل على أن هذا الشيك لا يقوم مقام الدراهم .
الرأي الثالث : التفصيل في المسألة ، وأن الشيك إذا كان مُصدَّقاً فإن هذا جائز ولا بأس به ، وإن كان غير مُصدَّق فإنه غير جائز ؛ لأنه إذا كان مُصدَّقاً فالثمن مضمون ومحجوز ، وهذا أقرب ، والله أعلم.