الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على تبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد.....
قبل أن نبين ضوابط الربا لابدّ أن نفهم مسألة مهمة ، وهي : ما هي الأموال الربوية ؟
نقول : الأموال الربوية نص النبي صلى الله عليه وسلم على بعضها ، وألحق العلماء أنواعاً أخرى مما يشاركها في العلة التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم " الذهب – الفضة – البر – الشعير – التمر – الملح – الكرم .. " ، وحديث معمر في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الطعام بالطعام مثلاً بمثل " .
فهذه التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم هل هي معدودة أو محدودة ؟ ، هل هي مضبوطة بضابط ؟ أو نقول بأنها معدودة ؟
الرأي الأول : الظاهرية يقولون أنها معدودة ، والربا يجري في هذه التي نصّ عليها النبي صلى الله عليه وسلم ، وما عدا ذلك فلا يجري فيه الربا. وذهب إليه ابن عقيل من الحنابلة .
الرأي الثاني : أنها ليست معدودة ، وإنما هي مضبوطة بضابط ، فإذا وجد هذا الضابط فإن هذا المال يكون ربوياً ، وعلى هذا اختلف الأئمة رحمهم الله تعالى في تحديد العلة ، ما هي العلة في هذه الأصناف التي نصّ عليها النبي صلى الله عليه وسلم لكي نلحق بها ما يشاركها في العلة فيكون ربوياً ؟ ، وكما ذكرنا فالنبي صلى الله عليه وسلم نصّ على : الذهب ، والفضة ، والبر ، والشعير ، والتمر ، والملح .
فاختلفوا في العلة :
الرأي الأول : قالوا بأن العلة في الذهب والفضة الوزن ، وفي الأصناف الأربعة الكيل . وهو مذهب أبي حنيفة ، وأحمد .
وعلى هذا يجري الربا عندهم في كل الموزونات – سواءً كانت مطعومة أو غير مطعومة - ، وفي كل المكيلات – سواءً كانت مطعومة أو غير مطعومة - . وعلى هذا يجري الربا عندهم في الحديد ، فإذا بادلت حديداً بحديد لا بد أن يكون مثلاً بمثل يداً بيد ؛ لأنه اتفق الجنس – كما سيأتي في الضوابط أنه إذا اتفق الجنس لا بد أن يكون مثلاً بمثل يداً بيد - ، فيجري عندهم الربا في الذهب ، والحديد ، والنحاس ، والصفر ، والرصاص ، ...إلخ ، فيجري في هذه الموزونات ، وكذلك في الشعر ، والحرير ، والصوف ، والوبر ، والقطن ... كلها موزونات يجري فيها .
أيضاً يجري في المكيلات : في البر ، والشعير ، والتمر ، وسائر المائعات كالدهن ، والحليب ، واللبن ...كلها يجري فيها الربا ، الرز ، والدخن ،..... إلخ .
هذه العلة الأولى : الوزن والكيل ، فيجري الربا في الموزونات ، وأيضاً في المكيلات ، سواء كانت مطعومة أو غير مطعومة .
الرأي الثاني : رأي الشافعي رحمه الله تعالى : أن العلة في الذهب والفضة جوهر الثمنية ( أي أنها ثمناً للأشياء ) ، والعلة في الأصناف الأربعة الباقية هي الطُعْم .
وعلى هذا يجري عنده الربا في الذهب والفضة فقط ، فلا يجري في الرصاص والحديد والنحاس ... ، ويجري في المطعومات ، فيجري في كل مطعوم ولا يتقيّد ذلك بكونه موزوناً أو مكيلاً ، فكل مطعوم يجري فيه الربا : التفاح ، البرتقال ، .... ، حتى المعدودات يجري فيها الربا
الرأي الثالث : رأي الإمام مالك رحمه الله : أن العلة في الذهب والفضة غلبة الثمنية – يعني أن الربا لا يتجاوزهما - ، وأما في الأصناف الأربعة الباقية ، فالعلة هي القوت والادّخار – يعني أن يكون مقتاتاً ويكون مدّخراً – مثل البر ، فهو قوت ، ومدّخر يبقى مدة طويلة ، ومثل الشعير ، والذرة ، والدخن ... إلخ .
الرأي الرابع : رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : يقول أن العلة في الذهب والفضة الثمنية – كونهما ثمناً للأشياء - ، وأما العلة في الأصناف الأربعة الباقية فهي الطُعم مع الكيل أو الطُعم مع الوزن .
* نضرب لذلك أمثلة :
مبادلة تفاحة بتفاحتين ، هل يجري الربا ؟
عند الحنفية والحنابلة : لا يجري ؛ لأنها ليست مكيلة ولا موزونة ، بل معدودة .
وعند الشافعية : يجري ؛ لأنها مطعومة .
وعند الإمام مالك : لا يجري ؛ لأنها ليست ذهباً ولا فضة ، وليست مقتاتة تدّخر .
صاع برّ بصاعين :
عند الحنابلة والحنفية : يجري ؛ لأنها مكيلة .
وعند الشافعية : يجري ؛ لأنها مطعومة .
وعند المالكية : يجري ؛ لأنها مدّخرة ومقتاتة .
وعند شيخ الإسلام : يجري ، لأنها مطعومة ومكيلة .
كيلو حديد بكيلوين حديد :
عند الحنفية والحنابلة : يجري ؛ لأنها موزونة .
وعند الشافعية : لا يجري فيها الربا ؛ لأنها ليست ذهباً ولا فضة ، ولا مطعومة .
وعند الإمام مالك : لا يجري ؛ لأنها ليست ذهباً ولا فضة ، ولا يقتات ولا يدّخر .
وعند شيخ الإسلام : لا يجري ؛ لأن العلة عنده الثمنية ، أو الطعم مع الكيل أو الطعم مع الوزن .
قلم بقلمين :
عند الحنفية والحنابلة : لا يجري ؛ لأنها ليست مكيلة ولا موزونة ، بل معدودة .
وعند الشافعية : لا يجري ؛ لأنها ليست ذهباً ولا فضة ، وليست طعماً ؛ لأن العلة عندهم غلبة الطعم أو غلبة الثمنية – الاقتصار على الذهب والفضة - .
وعند المالكية : لا يجري ؛ لأنها ليست ذهباً ولا فضة ، وليست مقتاتة ولا مدّخرة .
وعند شيخ الإسلام : لا يجري ؛ لأنه يرى أن العلة الثمنية ، والطعم مع الوزن أو الطعم مع الكيل .
عرفنا أن المال الربوي عند شيخ الإسلام :
1- ما كان ثمناً للأشياء ، كالريالات والدينارات والجنيهات ، فهو شامل لكل ما اتخذه الناس ثمناً للأشياء .
2- ما كان مطعوماً مكيلاً ، أو مطعوماً موزوناً .
وهذا القول هو الراجح في هذه المسألة .
الضابط الأول :
« أن كل ربويين اتحدا في الجنس والعلة ( علة ربا الفضل ) ، فإنه يشترط عند مبادلة أحدهما بالآخر شرطان : التماثل ، والحلول والتقابض »
فعلى كلام شيخ الإسلام : الريالات ربوية ، فعندما تبادل ريالات بريالات ، الآن اتحدت في الجنس واتحدت في العلة ( العلة : الثمنية ) ، فعندما تبادل ريالات بريالات ، فلا بد من أمرين:
التماثل : 10ريالات بـ 10ريالات ، 50 ريالاً بـ 50 ريالاً ، .....
التقابض والحلول : فلا بد أن تكون حالّة ، وأن يقبض – فقد تكون حالة ولا يقبضها ، بحيث يتفقان على أنها حالة ولكن يؤخر القبض فيقول له مثلاً : بعد ساعتين تأتي وتقبضها - ، فقد تكون مؤجلة ويقبضها ، وقد تكون حالة ولا يقبضها . فلا بد من الحلول والتقابض .
مثال آخر : اللحم :فعلى رأي شيخ الإسلام يعتبر ربوياً ؛ لأنه مطعوم موزون ، فعندما تبادل لحم إبل بلحم إبل فلا بد من الشرطين : 1- التماثل . 2- الحلول والتقابض .
السكر : ربوي ؛ لأنه مطعوم موزون ، فعندما تبادل سكراً بسكر لا بد من الشرطين ، وعلى هذا فقس .
الضابط الثاني :
« كل ربويين اتحدا في علة ربا الفضل واختلفا في الجنس ، فيشترط عند مبادلة أحدهما بالآخر شرط واحد ، وهو : الحلول والتقابض »
مثاله : ريالات بجنيهات : العلة هي الثمنية ، فهما يتحدان في علة الثمنية ، فيشترط عند مبادلتها الحلول والتقابض فقط ، أما التماثل فليس شرطاً .
مثال آخر : لحم إبل مع لحم غنم : العلة واحدة ، وهي الوزن مع الطعم ، والجنس اختلف ، فيجب أن يكون يداً بيد ( الحلول والتقابض ) ، ويجوز التفاضل ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد "
مثال ثالث : شعير ببر : العلة واحدة ، وهي الطعم مع الكيل ، فعندما تبادل شعيراً ببر نشترط شرطاً واحداً وهو الحلول والتقابض ، أما التساوي والتماثل فليس شرطاً ، بع كيف شئت .
الضابط الثالث :
« كل ربويين اتحدا في علة ربا الفضل واختلفا في الجنس ، وكان أحدهما نقداً ، فإنه لا يشترط شيء »
هذا الضابط على المذهب ، وقد سبق لنا أن المذهب مرجوح .
مثاله : فضة بنحاس : فالعلة على المذهب هي الوزن ، فالفضة موزونة ، والنحاس موزون ، فبع كيف شئت ؛ لا يشترط التقابض ، ولا يشترط التساوي والتماثل ، فلو بعت كيلوين من النحاس بكيلو من الفضة مؤجلاً ، نقول أن هذا جائز ولا بأس به .
مثال آخر : ذهب بحديد : فالمذهب أن العلة الوزن ، واتفقتا في العلة ، فكل منهما موزون ، فبع كيف شئت .
الضابط الرابع :
« عن مبادلة نقد بنقد ، أو أوراق نقدية بأوراق نقدية ، أو عملات معدنية بأخرى ، فإذا اتحد الجنس ، فإنه يشترط شرطان : 1- التماثل والتساوي . 2- الحلول والتقابض .
وأما إذا اختلف الجنس ، فإنه يشترط شرط واحد فقط ، وهو الحلول والتقابض »
هذا الضابط سهل .. عندما تبادل نقداً بنقد ، أو أوراقاً نقدية بأوراق نقدية ، أو تبادل عملات معدنية بعملات معدنية ، فإذا اتحد الجنس نشترط شرطين : الحلول والتقابض ، والتساوي والتماثل . وإذا اختلف الجنس نشترط شرطاً واحداً ، وهو الحلول والتقابض .
مثال اتحاد الجنس : ريالات بريالات سعودية ، هنا اتحد الجنس .
مثال نقد بنقد ( العلماء إذا قالوا : نقد ، فإنهم يقصدون الذهب والفضة ) : ذهب بذهب .
فإذا اتحد الجنس ( عملات معدنية بعملات معدنية ، أو أوراق نقدية بمثلها ، أو نقد بنقد ) فإننا نشترط شرطين ، وإن اختلف الجنس فإننا نشترط شرطاً واحداً وهو الحلول والتقابض .
مثاله ( إذا اختلف الجنس ) : ذهب بفضة : فنشترط شرطاً واحداً وهو الحلول والتقابض .
مثال للأوراق النقدية : دراهم بدولارات : نشترط شرطاً واحداً فقط ، وهو الحلول والتقابض .
ومثله أيضاً : إذا بعت ذهباً بأوراق نقدية ، هنا اختلف الجنس ، والعلة واحدة – وهي الثمنية - ، فنشترط شرطاً واحداً ، وهو الحلول والتقابض . أو بعت فضة بأوراق نقدية ، فنشترط شرطاً واحداً فقط ، وهو الحلول والتقابض .
الضابط الخامس :
« كل ربويين اختلفا في العلة ، فلا يشترط عند مبادلة أحدهما بالآخر لا الحلول والتقابض ، ولا التساوي والتماثل »
فإذا بادلت ربوياً بربوي آخر ، واختلفا في العلة ، فإننا لا نشترط شيئاً .
مثاله : ريالات بتمر : العلة في الريالات الثمنية ، وفي التمر الكيل والطعم ، فلا نشترط شيئاً.
مثال : بر بذهب : البر علته الطعم مع الكيل ، والذهب علته الثمنية .
مثال : شعير بفضة : لا نشترط شيئاً .
الضابط السادس :
« عند مبادلة ربوي بغير ربوي ، أو مبادلة عوضين غير ربويين ، فإنه لا يشترط الحلول والتقابض ولا التساوي والتماثل »
ففي هذا الضابط صورتان :
1- مبادلة ربوي بغير ربوي : لا نشترط شيئاً .
مثاله : ذهب بأثواب ، ذهب ببرتقال ، ريالات بأثواب ، .... فلا نشترط شيئاً ، بِع كيف شئت ، لا يشترط التماثل ، ولا الحلول والتقابض .
2- مبادلة مال غير ربوي بمال غير ربوي : لا نشترط شيئاً ؛ فكل منهما ليست فيه العلة .
مثاله : أثواب بكتب : كلاهما ليس ربوياً ، سيارة بكتب ، بأثواب ، بعقار ، ... هذه ليست ربوية ، فعندما تبادل ربوياً بغير ربوي ، أو غير ربوي بغير ربوي لا نشترط شيئاً .
الضابط السابع :
« لا أثر لاختلاف النوع أو الجودة والرداءة عند اتحاد الجنس الربوي ، ففي هذه الحال يشترط التساوي والتماثل ، وكذلك الحلول والتقابض »
يجب عندما تبادل ربوياً بجنسه التساوي ، والحلول والتقابض ، ولو اختلفا في الجودة ، في الرداءة ، في النوع ... لا ننظر إلى هذه الاختلافات .
فمثلاً : مبادلة تمر بتمر : الجنس واحد ، فيجب أن يكون يداً بيد ( الحلول والتقابض ) ، ومثلاً بمثل ( التساوي والتماثل ) ، صاع بصاع ، ولو كان هذا التمر فاخراً – ولنفترض انه من التمر السكري - ، وهذا التمر أقل منه من حيث النوع – من التمر الشقر مثلاً - ، فلا نقول : تبادل صاعاً من السكري – لجودته – بصاعين من النوع الآخر ، هذا ليس له أثر ، فاختلاف النوع في الجنس الواحد ليس له أثر .
كذلك الجودة والرداءة ليس لها أثر ، هذا جيد وهذا رديء ، هذا سكري جيد وهذا سكري رديء ، لا أثر لها . فحتى لو اختلفت الجدّة والقدم ،الجودة والرداءة ... لابُدَّ من التساوي .
ويدل لذلك : حديث أبي سعيد t لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم خيبر ، فجيء بتمر جنيب جديد ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أَكُلُّ تمر خيبر هكذا ؟ " قالوا : لا يا رسول الله ، إننا نأخذ الصاع من الجنيب بالصاعين من الجمع ( الرديء ) ، فقال صلى الله عليه وسلم : " أَوَّه ، عين الربا " . فيدلّ هذا على أنه لا أثر لاختلاف النوع ، المهم أن الجنس متحد .
أمثلة :
البر : البر أنواع ( الحنطة ، اللقيمي ، المِعَيّة ) ، فعندما تبادل حنطة بحنطة ، لا بد أن يكون يداً بيد مثلاً بمثل .
اللحم : إذا اختلف النوع ( البقر أنواع .... ) ، هذا عِراب وهذا جواميس ، عندما تبادل هذا بهذا ، ما دام أنه كله لحم بقر ، فلا بد أن يكون مثلاً بمثل يداً بيد .
الحليب : وهكذا ....
الغنم : تبادل لحم ضأن بلحم غنم مع الزيادة ، هذا ربا ، فكونه اختلف في النوع هذا لا ينظر إليه ، لابد أن يكون يداً بيد مثلاً بمثل .
الضابط الثامن :
« ما اشترط فيه التماثل والتساوي ، فلا بُدَّ أن يكون التساوي والتماثل بمعياره الشرعي: كيلاً في المكيلات ، ووزناً في الموزونات »
ما يشترط فيه التماثل ، لا يتحقق التماثل إلا بالمعيار الشرعي .
س/ متى نشترط التماثل ؟
ج/ إذا اتحد الجنس الربوي .
فإذا اشترطنا التماثل فلا بد أن يكون التماثل بالمعيار الشرعي ، لا يكفي بأي معيار ؛ لأن هذه الأموال الربوية لها معايير شرعية ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : " الذهب بالذهب ، وزناً بوزن ، والفضة بالفضة ، وزناً بوزن " . وعلى هذا لو بادلت صاع ذهب بصاع ذهب ، فهو ربا مع أنها متماثلة ، لماذا ؟ لأنه ليس بالمعيار الشرعي ، ولو جئت به للمعيار الشرعي ، وأفرغت هذا الصاع من الذهب ووزنته ، وجئت بالثاني وأفرغته ووزنته ، لوجدت اختلافاً في الوزن ، فعندما تكيل الموزون أو توزن المكيل تقع في الربا .
الفضة : معيارها الشرعي الوزن ، ويأتي ضابط المعيار الشرعي .
فعندما تبادل (10 كيلو) بر بـ (10 كيلو) بر : ربا ؛ لأنك وزنت ، والبر معياره الشرعي الكيل ، أما الكيلو والغرام فوزن – من آلات الوزن - ، فالمبادلة لابد أن تكون بالمعيار الشرعي ، كيلاً في المكيلات ، ووزناً في الموزونات ، والبر من المكيلات ، فنضبطه بآلة الكيل ( الصاع ، الوسق ، المد ، .... ) ، والوزن ( الكيلو ، الغرام ، الرطل ، .... ) .
الضابط التاسع :
« عند مبادلة ربوي بربوي آخر، لا يُشترط المعيار الشرعي عند عدم اشتراط التساوي »
وكذلك عند مبادلة ربوي بغير ربوي ، فإنه لا يُشترط المعيار الشرعي .
عندما تبادل ربوياً بآخر لا نشترط المعيار الشرعي ، لماذا؟ ؛ لأنه لا يشترط التساوي ، فنشترط المعيار الشرعي فقط عند اتحاد الجنس الربوي ؛ لأنه هو الذي يُشترط فيه التساوي ، أما إذا بادلنا ربوياً بآخر فلا نشترط التساوي ، فكِل أو زِن كما تريد ، سواءً كان المعيار الشرعي كيلاً أو وزناً .
مثاله : ربوي بربوي آخر : ذهب بتمر ، بادلنا ربوياً بربوي آخر – سواءً كان جزافاً ، أو كيلاً أو وزناً - ، فالتمر مكيل ، لكن لو وزنته عندما تبادله بذهب أو ريالات يجوز ، والذهب موزون ، لكن لو كِلته عندما تبادله بربوي آخر فلا نشترط المعيار الشرعي ، فالمعيار الشرعي لا يُشترط إلا عند التساوي ، والتساوي يكون عند اتحاد الجنس الربوي .
شعير ببر : كلها مكيلة ، بكن لا بد أن يكون يداً بيد ، وعلى هذا إذا كنا لا نشترط التساوي لا نشترط المعار الشرعي ، بِع صاع شعير بصاعين من البر ، أو 10كيلو شعير بـ 20كيلو بر ، أو صاع شعير بـ 10كيلو بر ، تضبط بالوزن أو بالكيل ، كله جائز .
فإذا اختلف الربويان ولم يتحدا في الجنس ، كالتمر بالريالات : تذهب إلى البقال فلا يكيل لك كيلاً بالصاع ، لكن يزن لك التمر ، فلا بأس ، لماذا؟ ؛ لأننا لا نشترط التساوي ؛ لأنهما لم يتحدا في الجنس الربوي ، تذهب إلى البقالة فيعطيك كيلوين من الرز ، لا يعطيك بالصاع ؛ لأنك لم تشتر ربوياً بجنسه ، بل اشتريته بغير جنسه ، فهنا لا يُشترط المعيار الشرعي ؛ لأننا لا نشترط التساوي إلا عند اتحاد الجنس الربوي .
كذلك إذا بادلت ربوياً بغير ربوي ، أو بادلت مالين غير ربويين ، فلا نشترط المعيار الشرعي، فإذا بعت تمراً بأثواب لا نشترط المعيار الشرعي ؛ لأننا لا نشترط التساوي ، فالتمر سواءً كِلته أو وزنته جائز ، كذلك لو بعت أثواباً بأثواب ، فليس لها معيار شرعي .
ولماذا اشترط العلماء المعيار الشرعي عند اتحاد الجنس الربوي ؟ ؛ لتحقيق المساواة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مثلاً بمثل سواءً بسواء " ، ولا تتحقق هذه المثلية والمساواة إلا بالمعيار الشرعي .
الضابط العاشر :
« ما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل المدينة مكيلاً فهو مكيل ، وما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل مكة موزوناً فهو موزون إلى يوم القيامة »
هذا الضابط أراد أن يبين لك ما هو الشيء الذي يُضبط بالكيل ، وما هو الشيء الذي يُضبط بالوزن .
يعني عندما تبادل ربوياً بجنسه نشترط المعيار الشرعي ، ما هو الشيء الذي معياره الكيل ؟ وما هو الذي معياره الوزن ؟
فنقول أن هذا الضابط تحته ضوابط :
1- جميع الحبوب مكيلات : وتشمل أشياءً كثيرة ( البر ، الشعير ، الذرة ، الدخن ، العدس ، ..... إلخ )
2- جميع المائعات مكيلات : ( الحليب ، الدهن ، اللبن ، العسل ، .... إلخ ) ، فعندما تبادل العسل بالعسل لابد أن تضبطه بالكيل ، وعندما تبادل ذرة بذرة لا بد أن تضبطها بالكيل .
3- جميع المعادن موزونات : مثل ( الحديد ، النحاس ، الصفر ، .... ) ، وهذا على المذهب، وإلا فعلى الصحيح : لا يجري الربا إلا في الذهب والفضة من المعادن – على كلام شيخ الإسلام – وما كان ثمناً للأشياء .
4- الشعر ونحوه من الموزونات : نحوه مثل ( الصوف ، الوبر ، الحرير ، القطن ، .... إلخ ) ، الأشياء التي تكون مادة للملابس ، هذه موزونة ليست مكيلة .
5- التمر ونحوه مكيل .
ما سبق من الضوابط تبين لك ما هو مكيل ، وما هو موزون .
الضابط يقول أن ما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مكيلاً عند أهل المدينة فهو مكيل إلى يوم القيامة ، وأنت إذا تأملت المكيلات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل المدينة تجد أنها الحبوب ، والمائعات ، وما كان موزونا عند أهل مكة فهو موزون إلى يوم القيامة ، كالمعادن ، والذهب ، والفضة.
ويدل لذلك : حديث ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " المكيال مكيال أهل المدينة ، والميزان ميزان أهل مكة " .
وقال بعض العلماء : الذهب والفضة موزونان ، والأصناف الأربعة الباقية مكيلة ، وما عدا ذلك نرجع فيه إلى العرف .
مبادلة كيس بر بكيس بر : لا يجوز ؛ لأن الجزاف لا يجوز أن يتبادل به في الربويات ، بل لابد من المعيار الشرعي .
الضابط الحادي عشر :
« كلُّ ما حرم فيه التفاضل حرم فيه النسأ ، لا العكس »
النسأ : التأخير . ومتى يحرم التفاضل ؟ عند اتحاد الجنس ، فيحرم التأخير .
مثاله : ذهب بذهب : يحرم التفاضل - فلا تبيع 100غرام ذهب بـ 120غرام ذهب - ، فيحرم التأخير ، فلا يجوز لك أن تبيع ذهباً بذهب مؤجل ، لا العكس ، فقد يحرم التأخير لكن لا يحرم التفاضل ، فذهب بفضة : التأخير محرم ، فيشترط أن يكون يداً بيد ، لكن التفاضل ليس محرماً – فيصح أن تبيع 100غرام من الذهب بـ 200غرام من الفضة - .
الضابط الثاني عشر :
« الزيادة في الدين مقابل الأجل ربا »
وهذا هو ربا الجاهلية ، كان يُقرض الرجل ، وعند السداد يقول : إما أن توفي وإما أن تربي ، يُقرضه 100غرام من الذهب ، وعند السداد يقول : إما أن توفي وإما أن تزيد ، فالزيادة هنا مقابل الأجل ، هذا من الربا .
الضابط الثالث عشر :
« إذا تعذّر التساوي في الربوي من جنس واحد لسببٍ في الجنس أو لسببٍ خارج لم تصحّ المعاوضة »
لأنه إذا اتحد الجنس الربوي يشترط التساوي ، وأن يكون يداً بيد ، فإذا تعذر التساوي في الربوي من جنس واحد لسبب في الجنس أو سبب خارج لم تصح المعاوضة ؛ لأنه كما سلف يشترط في مبادلة الجنس الربوي بمثله : التماثل وأن يكون يداً بيد ، فإذا تعذر ذلك نقول أنه لا يصح .
مثاله : عندما تبيع خبز بر ببر : هنا يتعذر التساوي ؛ لأن البر يُكال لكن الخبز لا يمكن أن تكيله ، وسيأتي حكم ما إذا خرج الربوي عن الكيل أو الوزن بالصنعة ، هل يبقى على ربويته ؟ أو يصبح غير ربوي ؟ هذا موضع خلاف ، المهم أنك عندما تبادل خبز بر ببر نقول أن التساوي هنا متعذّر ؛ لأن البر يمكن أن تكيله ، لكن الخبز لا يمكن أن تكيله .
الضابط الرابع عشر :
« كل شيئين جمعهما اسم واحد من أصل الخلقة فهما جنس واحد ، فالجنس : ماله اسم خاص يشمل أنواعاً ، والنوع : هو الشامل لأشياء مختلفة بأشخاصها »
يراد من هذا الضابط تعريف الجنس ، وتعريف النوع .
فالجنس : هو المتضمن لأشياء مختلفة بأنواعها .
والنوع : هو المتضمن لأشياء مختلفة بأشخاصها وأفرادها .
مثاله : البر جنس يتضمن أشياءً مختلفة بأنواعها ، فهناك نوع الحنطة ، ونوع اللقيمي ، ونوع المعية ، .... ، والتمر جنس يتضمن أشياءً مختلفة بأنواعها كالعجوة ، والسكري ، والبرحي ، .... ، هذه أنواع ، فالتمر جنس وهذه أنواع . لو فرضنا أن السكري تحته أنواع ، لسمينا السكري جنساً .
اللحم : جنس تحته أنواع : الإبل ، الغنم ، البقر ، .... إلخ .
الغنم : جنس تحته أنواع : الضأن ، المعز .
وأما النوع : فهو المشتمل على أشياء مختلفة بأشخاصها وأفرادها .
فمثلاً : الحنطة نوع من البر ، فالبر جنس ، والحنطة نوع ، عندنا كيس من الحنطة وآخر من الحنطة ، فهذا الكيس وهذا الكيس نوعهما واحد لكنها اختلفت بالذات ، أشخاصها مختلفة ، فهذا الكيس يسمى نوع . فالنوع هو المشتمل على أشياء مختلفة بأشخاصها وليست مختلفة بأنواعها ، وإذا اختلفت الأنواع فهذا جنس .
مثال آخر : التمر السكري ، عندنا كيس سكري وآخر سكري وكيس ثالث سكري ، تسمى الأكياس أنواعاً ، لماذا؟ ؛ لأنها مختلفة بأشخاصها وأفرادها .
وسبق أن ذكرنا أنه عند اتحاد الجنس لا ينظر إلى اختلاف النوع ، فعندما تبادل براً ببر لا تنظر إلى اختلاف النوع ، فعندما تبادل حنطة بمعية أو لقيمي لا بد أن يكون يداً بيد مثلاً بمثل ، وهكذا ، ومن باب أولى إذا اتحد النوع ، عندما تبادل هذا النوع من الحنطة بهذا النوع من الحنطة .
الضابط الخامس عشر:
« فروع الأجناس إذا بيعت بجنسها اشترط فيها التساوي في الصفة المقصودة بالعقد »
فدقيق البر إذا بيع بدقيق البر اشترط التساوي في النعومة ، فلا يجوز بيع صاع من دقيق البر بصاع من جريش البر ؛ لعدم التساوي .
فعندما تبيع حنطة بحنطة ، أو معية بمعية ، ونحو ذلك كما سلف لا أثر لاختلاف النوع ، فاختلاف النوع عند اتحاد الجنس الربوي لا أثر له ، أو عندما تبع لحم ضأن بلحم معز ، هنا لا أثر لاختلاف النوع ، فيجب التساوي ، والحلول والتقابض .
الضابط السادس عشر :
« ما خرج عن القوت بالصنعة فليس بربوي ، بل هو جنس قائم بنفسه »
وهذا الضابط عند شيخ الإسلام .
أما المشهور من المذهب : فهو أنه ليس على إطلاقه ، فله قسمان :
1- مبادلته بجنس آخر ( وإن كان أصلهما واحداً ) :فهذا جائز ، كمبادلة خبز بهريسة .
2- مبادلته بجنس مثله : كمبادلة خبز بخبز ، أو هريسة بهريسة ، فهنا نشترط التساوي .
المهم : هذا الضابط : إذا خرج عن الكيل بالصنعة ، وإذا خرج عن الوزن بالصنعة ، فهل يبقى على ربويته ؟ أو نقول انتقل عن ربويته ؟
عند شيخ الإسلام : ما خرج عن الكيل أو الوزن بالصنعة فإنه ليس بربوي ، حتى لو بيع بجنسه . مثلا لو خبزنا صاعاً من البر وبادلناهما بصاع بر لم يخبز ، فعند شيخ الإسلام تصح مبادلة الخبز بالبر ؛ لأنه يقول أن الذي خُبز أصبح غير ربوي ما دام أنه جرت عليه الصنعة ، حتى لو بعته بمثله – خبز بخبز – يرى أنها ليست ربوية ، فما دام دخلت عليه الصنعة فإنه ليس بربوي . ومثله الوزن – وشيخ الإسلام لا يرى العلة فيه ، فلا يرى أن الموزونات ربوية - ، كما لو بعت إناءً من الحديد بحديد ، فالحديد الآن لما صنعناه إناءً خرج عن كونه ربوياً ، فيصح أن تبيع هذا الإبريق من الحديد بهذا الحديد الخام ، سواءً كان بالتساوي أو بالتفاضل ، بالحلول أو بالتأجيل ، كله جائز . فشيخ الإسلام يرى أنه إذا خرج بالصنعة عن كونه ربوياً فإنه لا يجري فيه الربا .
المشهور من المذهب : أن المكيل إذا خرج بالصنعة فإنه يبقى على ربويته ، فلا يصح أن تبادل براً بخبز ، ولا خبزاً بخبز إلا مع التساوي ، فالخبز بالخبز يصح لكن لا بد أن يتساويا في النشاف ، أما خبز ببر فلا يصح على المذهب ، وأما بالنسبة للموزون فيرون أن يخرج عن ربويته بالصنعة ، فعندما تُصَنِّع حدياً إبريقاً وحديداً آخر إبريقاً ، يقولون : يصح أن تبادل إبريقين بإبريق ، مع أنها كلها من الحديد ، فهم يفرقون بين الوزن وبين الكيل ، أما شيخ الإسلام فيرى أنه ما دام خرج بالصنعة عن كونه ربوياً – مكيلاً كان أو موزوناً – فإنه لا يحصل فيه الربا .
الضابط السابع عشر :
« لا أثر للصياغة المباحة عند المبادلة »
وهذا الضابط على خلاف ما يذهب إليه شيخ الإسلام ~ ، فهو يرى أن الصياغة لها أثر ، والجمهور يرى أن الصياغة ليس لها أثر ، فعندما تبادل ذهباً مُصَنَّعاً بذهب غير مُصنّع فلو كان هناك زيادة مقابل التصنيع فإنه ربا ولا أثر للصياغة .
ويدل لهذا : حديث فضالة بن عبيد t أنه اشترى قلادة بدنانير فيها خرز ، ولما فصلها وجد الزيادة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا ، حتى تفصل بينهما " ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: " الذهب بالذهب وزناً بوزن ، والفضة بالفضة وزناً بوزن " فالصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه جمهور أهل العلم ، خلافاً لشيخ الإسلام ، وأن الصياغة ليس لها عبرة ، فكونك تريد مقابل الصياغة نقول : هذا غير جائز ، وتقع في الربا ، لأن الحديث صريح : " الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة مثلاً بمثل ، سواءً بسواء " .
الضابط الثامن عشر :
« مبادلة الربوي بجنسه ومعهما أو مع أحدهما من غير جنسهما »
هذه يسميها العلماء ( مسألة مدّ عجوة ودرهم ) ، والعجوة نوع من أنواع تمر المدينة .
والمراد هنا : عندما تبادل ربوياً بجنسه – وانتبه للضابط – ومع أحدهما أو مع كل منهما من غير جنسهما .
فمسألة مد عجوة ودرهم لها صورتان :
الصورة الأولى : أن تبادل ربوياً بجنسه ، ومع كلٍ منهما من غير جنسهما .
الصورة الثانية : أن تبادل ربوياً بجنسه ، ومع أحدهما من غير جنسهما .
مثال الصورة الأولى : مبادلة مد عجوة تمر بمد عجوة تمر ، ومع كل منهما من غير جنسهما ، الأول معه درهم ، والثاني معه درهم . فالجمهور : لا يجوز ؛ لأنه حيلة على بيع الربوي بجنسه مع التفاضل ، وشيخ الإسلام : جائز إذا كان المد مقابل المد ، والدرهم مقابل الدرهم.
مثال الصورة الثانية : مد عجوة ومعه درهم ، بمدين من العجوة . الجمهور : لا يجوز ، بادلت مداً بمدين والمد الأول معه درهم ، والرأي الثاني : إذا كان المد مقابل المد ، والدرهم مقابل المد الآخر – ثمنه - ، فجائز ولا بأس به .
ومن صورها اليوم : عندما تشتري حليّاً من الصائغ : تعطيه الحليّ القديم وتأخذ حليّاً جديداً ، يطلب منك الصائغ أن تزيد ، أو تعطيه 20غراماً وتأخذ 15غراماً جديداً مصنعاً ، هل هذا جائز ؟ هذا يدخل في مسألة مد عجوة ودرهم ؛ لأنك بادلت ربوياً بجنسه ومع أحدهما الدراهم الزائدة من غير جنسهما ، فالجمهور على أنه جائز ، وشيخ الإسلام يقول أن الزيادة إن كانت مقابل الصنعة فجائز ، والصواب في هذه المسألة أنه غير جائز ؛ لأن الحديث كما ذكرنا صريح : " الذهب بالذهب وزناً بوزن ، والفضة بالفضة وزناً بوزن مثلاً بمثل " ، وقصة حديث فضالة t لما اشترى القلادة من الذهب وفيها خرز بدنانير قال صلى الله عليه وسلم : " لا ، حتى تفصل بينهما " ، فالصحيح أنه عندما تبادل ربوياً بجنسه لا يصح أن يكون هناك زيادة ، بل لابد أن يكون مثلاً بمثل بالوزن ، ولا أثر للصناعة والصياغة ، كما قلنا بالنسبة للنوع لا أثر له . والطريق : تبيع القديم وتقبض الدراهم ، وتشتري جديداً ، لكن بعض الصّاغة يشترط ( أشتري منك بشرط أن تشتري مني ) ، نقول : هنا وقعت في الربا ، يعني أنك بادلت ذهباً بذهب مع الزيادة ؛ لأن الشرط أن تبيع عليه وتشتري منه ، هذا كأنك بادلت ذهباً بذهب مع الزيادة ، لكن كما قال الإمام أحمد ~ أنك تبيع وتقبض الثمن ، ثم تبحث عن مكان آخر ، كذل ذلك بُعداً عن شبهة الربا ، فإذا لم تجد حاجتك إلا في هذا المكان فلا بأس أن ترجع إليه .
الضابط التاسع عشر :
« الشكّ في المماثلة كتحقّق المفاضلة »
إذا حصل شك في المماثلة ، فهذا كتحقق المفاضلة ، ولهذا قلنا عند مبادلة الربوي بجنسه : لا بد أن يكون بمعياره الشرعي ، فإذا كان هناك شكٌ هل حصلت المماثلة أم لم تحصل نقول : هذا كتحقق المفاضلة ، وبعبارة أخرى يقولون : " الجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل " .
الضابط العشرون :
« قبض الشيك أو السند عند صرف العملات ، هل يقوم مقام العملة ؟ »
هذه المسألة من النوازل ، وهي عندما تبادل ما يجب فيه التقابض ، مثلاً ذهب بريالات ، الآن اشتريت ذهباً ويجب أن تعطيه ريالات يداً بيد ؛ لأنه عندما يتفق الربويان في العلة نشترط أن يكون يداً بيد ( التقابض ) ، لكن أعطيته بدل الريالات شيكاً ، هل هذا الشيك يقوم مقام الريالات ؟ أو مثلاً أخذت منه ريالات وأعطيته شيكاً، هل يقوم هذا الشيك مقام التقابض ؟ ... خلاف بين أهل العلم المتأخرين :
فبعض العلماء : يرى أن هذا الشيك يقوم مقام الريالات ، فعرف الناس أنهم يثقون بهذه الشيكات في الغالب ويتبايعون بها ، فهي تقوم مقام الدراهم ، فعندما تشتري ذهباً وتعطيه الشيك فهذا جائز .
والرأي الثاني : أن مثل هذه الشيكات لا يقوم مقام الدراهم ، فعندما تشتري ذهباً أو فضة ، أو تشتري جنيهات بريالات سعودية ، لا يكفي أن تعطيه شيكاً ؛ لأن هذا الشيك لا يقوم مقام التقابض ؛ بدليل : أن هذا الشيك لو ضاع أو احترق ، هل يرجع على من أعطاه أو لا يرجع ؟ يرجع ، هذا يدل على أنه ما قبض ، لكن في حال الدراهم ، لو أخذت منه ذهباً وأعطيته 1000ريال فضاعت الألف أو احترقت هل يعتبر قبضاً ؟ نعم ، يعتبر قبضاً ، فهل يرجع على المشتري أو لا يرجع ؟ لا يرجع ، لكن الشيك يرجع عليه، فهذا يدل على أن هذا الشيك لا يقوم مقام الدراهم .
الرأي الثالث : التفصيل في المسألة ، وأن الشيك إذا كان مُصدَّقاً فإن هذا جائز ولا بأس به ، وإن كان غير مُصدَّق فإنه غير جائز ؛ لأنه إذا كان مُصدَّقاً فالثمن مضمون ومحجوز ، وهذا أقرب ، والله أعلم.