الحكم الشرعي في تداول الإنسولين البشري
22 ربيع الثاني 1435
هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد ، وآله وصحبه أجمعين وبعد :
فإن مجلس هيئة كبار العلماء في دورته التاسعة والعشرين المنعقدة بمدينة الرياض بتاريخ 9 6 1407 هـ إلى 20 6 1407 هـ قد اطلع على الاستفتاء المقدم من معالي وزير الصحة بكتابه الموجه إلى سماحة الرئيس العام بإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد رقم (5718 5018 23) وتاريخ 29 10 1405 هـ وكتاب معاليه التعقيبي رقم (1261 \ 1641 20) وتاريخ 29/ 4/ 1407 هـ حول طلب معاليه معرفة الحكم الشرعي في تداول الإنسولين البشري الذي يحضر بطرق كيماوية تبدأ بمعالجة الإنسولين المشتق من حيوان الخنزير بسلسلة من التفاعلات الكيماوية لاستبدال بعض مكوناته من الأحماض الأمينية للحصول على منتج نهائي يسمى بالإنسولين البشري يتطابق في تركيبه مع مكونات الإنسولين الآدمي، وما ذكره معاليه من الإقبال المتزايد على هذا النوع من قبل بعض من يحتاجونه من مرضى السكر بناء على تقارير طبية.
ونظرا لأهمية الموضوع وتعلقه بمصلحة العموم، فقد درسه المجلس وناقشه مناقشة مستفيضة، وانتهى في بحثه إلى ما يلي:
أولا: قد علم من الشرع المطهر تحريم التداوي بالأدوية المحرمة؛ لما رواه مسلم عن وائل بن حجر رضي الله عنه: «أن طارق بن سويد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه، فقال: إنما أصنعها للدواء فقال: إنها ليست بدواء ولكنها داء (1) » وما رواه أبو داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام (2) » .
ثانيا: قد دلت الآيات من القرآن الكريم على إباحة ما دعت إليه
الضرورة كقوله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (3) {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (4) وقوله عز وجل: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (5) وقوله تبارك وتعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (6) وقوله سبحانه: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (7) الآية، وقوله عز من قائل: {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (8) {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (9).
قد رأى المجلس بعد الدارسة والعناية وفي ضوء الأدلة المذكورة: أنه لا مانع من استعمال الإنسولين المنوه عنه في السؤال لعلاج مرضى السكر بشرطين:
أولهما: أن تدعو إليه الضرورة.
وثانيهما: ألا يوجد بديل يغني عنه ويقوم مقامه، وقد توقف فضيلة الشيخ عبد الله بن غديان في الموضوع.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
[قرار هيئة كبار العلماء] رقم (136) وتاريخ 20 6 1407 هـ.

----------
(1) صحيح مسلم الأشربة (1984) ، سنن الترمذي الطب (2046) ، سنن أبو داود الطب (3873) ، مسند أحمد بن حنبل (6/399) .
(2) سنن أبو داود الطب (3874) .
(3) سورة البقرة الآية 172
(4) سورة البقرة الآية 173
(5) سورة المائدة الآية 3
(6) سورة الأنعام الآية 145
(7) سورة الأنعام الآية 119
(8) سورة النحل الآية 114
(9) سورة النحل الآية 115