حكم الشيوعية والانتماء إليها.
26 جمادى الثانية 1437
مجمع الفقهي الإسلامي التابعة لرابطة العالم الإسلامي.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد:

فإن مجلس المجمع الفقهي درس فيما درسه من أمور خطيرة (موضوع الشيوعية والاشتراكية) وما يتعرض له العالم الإسلامي من مشكلات الغزو الفكري، على صعيد كيان الدول، وعلى صعيد نشأة الأفراد وعقائدهم، وما تتعرض له تلك الدول والشعوب معًا من أخطار تترتب على عدم التنبه إلى مخاطر هذا الغزو الخطير. ولقد رأى المجمع الفقهي أن كثيرًا من الدول في العالم الإسلامي، تعاني فراغًا فكريًّا وعقائديًّا، خاصة أن هذه الأفكار والعقائد المستوردة، قد أعدت بطريقة نفذت إلى المجتمعات الإسلامية، وأحدثت فيها خللاً في العقائد، وانحلالاً في التفكير والسلوك، وتحطيمًا للقيم الإنسانية، وزعزعة لكل مقومات الخير في المجتمع، وإنه ليبدو واضحًا جليًّا أن الدول الكبرى على اختلاف نظمها واتجاهاتها، قد حاولت جاهدة تمزيق شمل كل دولة تنتسب للإسلام، عداوة له وخوفًا من امتداده ويقظة أهله. لذا ركزت جميع الدول المعادية للإسلام على أمرين مهمَّين؛ هما: العقائد والأخلاق. ففي ميدان العقائد: شجعت كل من يعتنق المبدأ الشيوعي، المعبر عنه مبدئيًّا عند كثيرين بالاشتراكية، فجندت له الإذاعات والصحف، والدعايات البراقة، والكتاب المأجورين، وسمته حينًا بالحرية، وحينًا بالتقدمية، وحينًا بالديمقراطية، وغير ذلك من الألفاظ، وسمَّت كل ما يضاد ذلك من إصلاحات ومحافظة على القيم والمثل السامية والتعاليم الإسلامية، رجعيةً وتأخُّرًا وانتهازية ونحو ذلك. وفي ميدان الأخلاق: دعت إلى الإباحية واختلاط الجنسين، وسمَّت ذلك أيضًا تقدمًا وحرية، فهي تعرف تمام المعرفة أنها متى قضت على الدين والأخلاق، فقد تمكنت من السيطرة الفكرية والمادية والسياسية، وإذا تم ذلك لها تمكنت من السيطرة التامة على جميع مقومات الخير والإصلاح، وصرَّفتها كما تشاء، فانبثق عن ذلك الصراع الفكري والعقائدي والسياسي، وقامت بتقوية الجانب الموالي لها، وأمدته بالمال والسلاح والدعاية، حتى يتمركز في مجتمعه ويسيطر على الحكم، ثم لا تسأل عما يحدث بعد ذلك: من تقتيل، وتشريد، وكبت للحريات، وسجن لكل ذي دين أو خلق قويم. ولهذا لما كان الغزو الشيوعي قد اجتاح دولاً إسلامية، لم تتحصَّن بمقوماتها الدينية والأخلاقية تجاهه، وكان على المجمع الفقهي في حدود اختصاصه العلمي والديني أن ينبه إلى المخاطر التي تترتب
على هذا الغزو الفكري والعقائدي والسياسي الخطير الذي يتم بمختلف الوسائل الإعلامية والعسكرية وغيرها- فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي المنعقد في مكة المكرمة يقرر ما يلي: يرى مجلس المجمع لفت نظر دول العالم الإسلامي وشعوبه، إلى أنه من المسلَّم به يقينًا أن الشيوعية منافية للإسلام، وأن اعتناقها كفر بالدين الذي ارتضاه الله لعباده، وهي هدمٌ للمثل الإنسانية، والقيم الأخلاقية، وانحلالٌ للمجتمعات البشرية، والشريعة الإسلامية المحمدية هي خاتمة الأديان السماوية، وقد أنزلت من لدن حكيم حميد؛ لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وهي نظام كامل للدولة: سياسيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا، وستظل هي المعوَّل عليها- بإذن الله- للتخلص من جميع الشرور، التي مزقت المسلمين، وفتتت وحدتهم، وفرقت شملهم، لاسيما في المجتمعات التي عرفت الإسلام، ثم جعلته وراءها ظهريًّا. لهذا وغيره كان الإسلام بالذات هو محل هجوم عنيف من الغزو الشيوعي الاشتراكي الخطير، بقصد القضاء على مبادئه ومثله ودوله. لذا فإن المجلس يوصي الدول والشعوب الإسلامية أن تتنبه إلى وجوب مكافحة هذا الخطر الداهم بالوسائل المختلفة، ومنها الأمور التالية:
(أ) إعادة النظر بأقصى سرعة في جميع برامج ومناهج التعليم المطبقة حاليًّا فيها، بعد أن ثبت أنه قد تسرب إلى بعض هذه البرامج والمناهج أفكار إلحادية وشيوعية مسمومة ومدسوسة، تحارب الدول الإسلامية في عقر دارها، وعلى يد نفر من أبنائها من معلمين ومؤلفين وغيرهم.
(ب) إعادة النظر وبأقصى سرعة في جميع الأجهزة في الدول الإسلامية، وبخاصة في دوائر الإعلام والاقتصاد والتجارة الداخلية والخارجية، وأجهزة الإدارات المحلية، من أجل تنقيتها وتقويمها، ووضع أسسها على القواعد الإسلامية الصحيحة، التي تعمل على حفظ كيان الدول والشعوب، وإنقاذ المجتمعات من الحقد والبغضاء، وتنشر بينهم روح الأخوة والتعاون والصفاء.
(ج) الإهابة بالدول والشعوب الإسلامية أن تعمل على إعداد مدارس متخصصة، وتكوين دعاة أمناء، من أجل الاستعداد لمحاربة هذا الغزو، بشتى صوره، ومقابلته بدراسات عميقة ميسرة، لكل راغب بالاطلاع على حقيقة الغزو الأجنبي ومخاطره من جهة، وعلى حقائق الإسلام وكنوزه من جهة ثانية، ومن ثم فإن هذه المدارس، وأولئك الدعاة كلما تكاثروا في أي بلد إسلامي يرجى أن يقضوا على هذه الأفكار المنحرفة الغريبة، وبذلك يقوم صف علمي عملي منظم واقعي، من أجل التحصُّن ضد جميع التيارات التي تستهدف هذه البقية الباقية من مقومات الإسلام في نفوس الناس. كما يهيب المجلس بعلماء المسلمين في كل مكان، وبالمنظمات والهيئات الإسلامية في العالم أن يقوموا بمحاربة هذه الأفكار الإلحادية الخطيرة، التي تستهدف دينهم وعقائدهم وشريعتهم، وتريد القضاء عليهم وعلى أوطانهم، وأن يوضحوا
للناس حقيقة الاشتراكية والشيوعية وأنهما حرب على الإسلام. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الرئيس: عبد الله بن حميد، رئيس مجلس القضاء الأعلى في المملكة العربية السعودية.
نائب الرئيس: محمد علي الحركان الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي.
الأعضاء: عبد العزيز بن عبد الله بن باز. محمد محمود الصواف. صالح بن عثيمين. محمد بن عبد الله السبيل. محمد رشيد قباني. مصطفى الزرقاء. محمد رشيدي. عبد القدوس الهاشمي الندوي. أبو بكر جومي ( بدون توقيع ).