دعاء القنوت في ضوء المذاهب الفقهية
10 رمضان 1435
د. أحمد عوض أبو الشباب

مقدمة:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين... وبعد...

 

مما لا خلاف فيه بين الفقهاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقنت في صلاته، فيطيل الوقوف قبل الركوع، واتفقوا أيضاً على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقنت في صلاته بعد الاستواء من الركوع في الركعة الثانية، بعد قوله - صلى الله عليه وسلم -: "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد"، فيدعو لأشخاص مخصوصين، أو يدعو على آخرين، إلا أنهم اختلفوا اختلافاً شديداً في محلّ هذا القنوت وأوقاته من الصلوات، وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد داوم عليه طيلة حياته حتى فارق الدنيا أو تركه، فذهبت طائفة إلى أنه يقنت في صلاة الفجر دائماً وفي سائر الصلوات إذا نزل بالمسلمين نازلة، قاله الشافعي والطبري[1].

 

والسنة في صلاة الصبح أن يقنت في الركعة الثانية لما روي عن أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت شهراً يدعو عليهم ثم تركه[2]، فأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا[3].
وقيل: هو مستحب في صلاة الفجر، وروي عن الشافعي[4].
وقال الحسن  وسحنون: إنه سنة، وهو مقتضى رواية علي بن زياد عن مالك بإعادة تاركه للصلاة عمداً[5].
ومنع الكوفيون منه في الفجر وغيرها، وهو مذهب الليث ويحيى بن يحيى الليثي الأندلسي صاحب مالك، وأنكره الشعبي.

 

المطلب الأول: القنوت في اللغة والاصلاح:

قيل إن القنوت معناه الطاعة، أي قوموا لله في صلاتكم طائعين، وهو قول قتادة ومجاهد، وابن عبّاس، والحسن البصري، وجابر بن زيد، وعطاء، وسعيد بن جبير، والضحاك، والشعبي، وطاووس.

 

وقيل: هو الخشوع، قاله ابن عمر ومجاهد، ومنه قول الشاعر:

قاتناً لله يدعو ربّه     ****    وعلى عمد من الناس اعتزل[6]

 

وقيل: هو الدعاء، وبه قال ابن عباس، وفي الحديث، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قنت شهراً يدعو على رعل وذكوان[7].

 

وقال قوم: معناه السكوت، قال السدّي: ويدل عليه حديث زيد بن أرقم في الصحيحين وغيرهما، قال: كان الرجل يكلم صاحبه في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحاجة في الصلاة حتى نزلت هذه الآية: {وقوموا لله قانتين} البقرة: 238 فأمرنا بالسكوت[8].

 

كما استدلوا بحديث أبي عمرو الشيباني، قال: كنا نتكلم في الصلاة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فنزلت: {وقوموا لله قانتين}، فأمرنا بالسكوت. قال الجصاص: فاقتضى ذلك النهي عن الكلام في الصلاة[9].

 

وذهب الشافعي إلى أنه قيام في الصلاة، وذلك أن القنوت: قيام لمعنى طاعة الله عز وجل، وإذا كان هكذا، فهو موضع كف عن قراءة، وإذا كان هكذا، أشبه أن يكون قياماً – في صلاة – لدعاء لا قراءة، فهذا أظهر معانيه، وعليه دلالة السنة، وهو أولى المعاني أن يقال به عندي، والله أعلم.

 

وأضاف: "فلما كان القنوت بعض القيام دون بعض، لم يجز – والله أعلم – أن يكون إلا ما دلت عليه السنة، من القنوت في النازلة، واحتمل طول القنوت بطول القيام، واحتمل القنوت: طاعة الله، واحتمل السكات"[10].
وذهب آخرون إلى تأويل ما رواه الشافعي، أنه طول القيام بالقراءة، وطول القيام يسمى قنوتاً[11].
وقريب منه ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث ذكر أن معناه أنه كان يطيل القيام في الفجر دائماً قبل الركوع[12].

 

وقال صاحب التنقيح[13] على التحقيق تعقيباً على حديث أنس: هذا الحديث أجود أحاديثهم... وإن صح فهو محمول على أنه ما زال يقنت في النوازل، أو على أنه ما زال يُطوِّل في الصلاة، فإن القنوت لفظ مشترك بين الطاعة والقيام والخشوع والسكوت، وغير ذلك[14].

 

وقال الزجاج: هو في اللغة بمعنيين: أحدهما القيام، والثاني الطاعة. والمشهور في اللغة والاستعمال أن القنوت: الدعاء في القيام، فالقانت: القائم بأمر الله. ويجوز أن يقع في جميع الطاعات؛ لأنه إن لم يكن قيام على الرجلين، فهو قيام بالنية.
وقال ابن قتيبة: لا أرى أصل القنوت إلا الطاعة؛ لأن جميع الخلال من الصلاة والقيام فيها والدعاء وغير ذلك يكون عنها[15].
وعن ابن عمر قال: القنوت طول القيام، وقرأ: {أمن هو قانت أناء الليل...} الزمر: 9.
وهو قول الربيع أيضاً، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أفضل الصلاة طول القنوت"[16]، يعني القيام[17].
وقال مجاهد: القنوت طول الركوع، والخشوع وغض البصر وخفض الجناح[18].

 

إلا أن بعض العلماء يميلون إلى التوفيق بين مختلف المعاني التي ذكرناها، والجمع بينها، فذهبوا إلى أن أصل القنوت في اللغة الدوام على الشيء، ومن خلال هذا المفهوم فإن كل معنى يناسب الدوام يصحّ إطلاق القنوت عليه[19].
وقريب منه ما ذكره الجصاص فقال ما نصه: ولما كان أصل القنوت الدوام على الشيء، جاز أن يسمى مديم الطاعة قانتاً، وكذلك من أطال القيام والقراءة والدعاء في الصلاة أو أطال الخشوع والسكوت، كل هؤلاء فاعلو القنوت[20].

 

وجاء في لسان العرب ما نصه: القنوت الإمساك عن الكلام، وقيل: الدعاء في الصلاة، والقنوت: الخشوع والإقرار بالعبودية، والقيام بالطاعة التي ليس معها معصية. وقيل: القيام، وزعم ثعلب أنه الأصل؛ وقيل: إطالة القيام.

 

وقال أبو عبيد: أصل القنوت في أشياء: فمنها القيام، وبهذا جاءت الأحاديث في قنوت الصلاة؛ لأنه إنما يدعو قائماً. وأبين من ذلك حديث جابر، قال: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي الصلاة أفضل؟ قال: "طول القنوت"، يريد طول القيام.
ويقال للمصلي: قانت، وفي الحديث: "مثل المجاهد في سبيل الله، كمثل القانت الصائم"[21]، أي المصلي، وفي الحديث: "تفكر ساعة خير من قنوت ليلة"[22].
وأضاف ابن منظور قائلاً: وقد تكرر ذكره في الحديث، ويرد بمعان متعددة، كالطاعة، والخشوع، والصلاة، والدعاء، والعبادة، والقيام، وطول القيام، والسكوت؛ فيصرف في كل واحد من هذه المعاني إلى ما يحتمله لفظ الحديث الوارد فيه.
وقال ابن الأنباري: القنوت على أربعة أقسام: الصلاة، وطول القيام، وإقامة الطاعة، والسكوت.
وقال ابن سيدة: القنوت الطاعة، هذا هو الأصل، ومنه قوله تعالى: {والقانتين والقانتات} الأحزاب: 35؛ ثم سمي القيام في الصلاة قنوتاً، ومنه قنوت الوتر.
وقنت الله يقنته: أطاعه.

 

وقول الله تعالى: {كل له قانتون} البقرة: 116 أي مطيعون؛ ومعنى الطاعة ههنا: أن من في السماوات مخلوقون كإرادة الله تعالى، لا يقدر أحد على تغيير الخلقة، ولا ملك مقرب، فآثار الصنعة والخلقة تدل على الطاعة، وليس يُعنى بها طاعة العبادة، لأن فيهما مطيعاً وغير مطيع، وإنما هي طاعة الإرادة والمشيئة، والقانت: المطيع، والقانت: الذاكر لله تعالى، كما قال عز وجل: {أمّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً} الزمر: 9. وقيل: القانت العابد. والقانت في قوله عز وجل: {وكانت من القانتين} التحريم: 12. أي من العابدين، والمشهور في اللغة أن القنوت الدعاء. وحقيقة القانت أنه القائم بأمر الله، فالداعي إذا كان قائماً خُصَّ بأن يقال له قانت؛ لأنه ذاكر لله تعالى، وهو قائم على رجليه، فحقيقة القنوت العبادة والدعاء لله عز وجل، في حال القيام، ويجوز أن يقع في سائر الطاعة؛ لأنه إن لم يكن قيام بالرجلين، فهو قيام بالشيء بالنية.

 

قال ابن سيدة: والقانت القائم بجميع أمر الله تعالى... وقنت له: ذل، وقنتت المرأة لبعلها: أقرت، والاقتنات: الانقياد[23].
وقال الإمام الطبري: "وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قوله: {وقوموا لله قانتين} قول من قال: تأويله مطيعين، وذلك أن أصل القنوت: الطاعة، وقد تكون الطاعة لله في الصلاة بالسكوت عما نهى الله من الكلام فيها، ولذلك وجه من وجه تأويل القنوت في هذا الموضع إلى السكوت في الصلاة أحد المعاني التي فرضها الله على عباده فيها، إلا عن قراءة قرآن، أو ذكر له بما هو أهله... فتأويل الآية إذاً: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى، وقوموا لله فيها مطيعين بترك بعضكم فيها كلام بعض، وغير ذلك من معاني الكلام سوى قراءة القرآن فيها، أو ذكر الله بالذي هو أهله أو دعائه فيها، غير عاصين لله فيها بتضييع حدودها، والتفريط في الواجب لله عليكم فيها، وفي غيرها من فرائض الله"[24].

 

والراجح من كل ما سبق – والله تعالى أعلم – أن القنوت يشمل كل المعاني التي استعرضناها، وخاصة أن أهل العلم قد ذكروا للقنوت ثلاثة عشر معنى[25].

 

المطلب الثاني: أدلة الفريق الأول مع المناقشة:

استدل الشافعية بالحديث المروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ والذي رواه البيهقي والدارقطني وعبد الرزاق.
نص الحديث برواية البيهقي:
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ، ثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار، ثنا أحمد بن مهران الأصفهاني، ثنا عبيد الله بن موسى، أنبأنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت شهراً يدعو عليهم ثم تركه، فأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا.

 

قال النووي في المجموع: حديث صحيح رواه جماعة من الحفاظ وصححوه. وممن نص على صحته الحافظ أبو عبد الله محمد بن علي البلخي والحاكم أبو عبد الله في مواضع من كتبه، والبيهقي، ورواه الدارقطني من طرق بأسانيد صحيحة.

 

وأما الجواب عن حديث أنس وأبي هريرة رضي الله عنهما في قوله: ثم تركه، فالمراد ترك الدعاء على أولئك الكفار ولعنتهم فقط، لا ترك جميع القنوت أو ترك القنوت في غير الصبح، وهذا التأويل متعين؛ لأن حديث أنس في قوله: لم يزل يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا، صحيح صريح فيجب الجمع بينهما[26].

 

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا بكر بن محمد الصيرفي بمرو، ثنا أحمد بن محمد بن عيسى، ثنا أبو نعيم، ثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس، قال: كنت جالساً عند أنس فقيل له: إنما قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهراً، قال: ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت في صلاة الغداة حتى فارق الدنيا.

 

قال أبو عبد الله: هذا إسناد صحيح سنده، ثقة رواته، والربيع بن أنس تابعي معروف من أهل البصرة، سمع من أنس بن مالك، روى عنه سليمان التيمي وعبد الله بن المبارك وغيرهما.
وقال أبو محمد بن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عن الربيع بن أنس فقالا: صدوق ثقة[27].

 

نص الحديث برواية الدارقطني:
أخرجه الدارقطني من ثلاث طرق وهي كما يلي:
1- حدثنا أبو بكر النيسابوري، ثنا أبو الأزهر، ثنا عبد الرزاق، ثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس، عن أنس بن مالك، قال: ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا[28].
2- حدّثنا أحمد بن إسحاق بن بهلول، ثنا أبي، ثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا أبو بكر النيسابوري، ثنا أحمد بن يوسف السلمي، ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس عن أنس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت شهراً يدعو عليهم ثم تركه، وأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا[29].
3-   حدّثنا الحسين بن إسماعيل، ثنا أحمد بن منصور، وأحمد بن محمد بن عيسى، قالا: ثنا أبو نعيم، ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، قال: كنت جالساً عند أنس بن مالك، فقيل له: قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهراً، فقال: ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت في صلاة الغداة حتى فارق الدنيا[30].

 

نص الحديث برواية الخطيب:
أخرج الخطيب عن دينار بن عبد الله خادم أنس بن مالك، عن أنس قال: ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت في صلاة الصبح حتى مات[31].
ومن الجدير بالذكر أن بعض الأئمة قد عزوا حديث أنس هذا إلى مسلم فوهموا، وعزاه النووي إلى الحاكم في المستدرك، وليس فيه، إنما أورده وصححه في جزء له مفرد في القنوت، ونقل البيهقي تصحيحه عن الحاكم فظن الشيخ أنه في المستدرك[32].

 

وجه الاستدلال في الحديث السابق:
دل ظاهر الحديث على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يداوم على القنوت في صلاة الفجر إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى.
مناقشة هذا الدليل: إن الحديث الذي نحن بصدده، أخرجه غير واحد من العلماء بسنده عن أبي جعفر الرازي، عن أنس بن الربيع، عن أنس بن مالك. وعلى الرغم من تصحيح بعض العلماء لهذا الحديث – كما أسلفنا – إلا أنه غير صحيح، وأقل ما يمكن أن نقول عنه إنه ضعيف؛ لأن مداره على أبي جعفر الرازي، واسمه عيسى بن ماهان، وهو ضعيف مخلط، أجمع علماء الجرح والتعديل على ضعفه.
وحديث أنس – كما سيأتي تفصيله – معارض بأحاديث لأنس تنفي مداومة النبي - صلى الله عليه وسلم - على القنوت. وأبو جعفر الرازي ذكره الذهبي والعقيلي في الضعفاء، وذكره ابن الجوزي في الضعفاء والمتروكين[33]. كما ذكره ابن حبان في المجروحين[34].
كما ذكره ابن عدي في ضعفاء الرجال[35].
وقال علي بن المديني: كان يخلط.
وقال يحيى: كان يخطئ.
وقال أحمد بن حنبل: ليس بقوي في الحديث.
وقال أبو زرعة: كان يهم كثيراً.
وقال ابن حبان: كان ينفرد بالمناكير عن المشاهير[36].
وقال عمرو بن علي: فيه ضعف، وهو من أهل الصدق، سيئ الحفظ.
وقال النسائي: ليس بالقوي.
وقال زكريا بن يحيى الساجي: صدوق ليس بمتقن.
وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش: سيئ الحفظ، صدوق[37].

 

وقال الذهبي في ميزان الاعتدال:
وفي إسناده عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي، شيخ البخاري، ثقة في نفسه، لكنه شيعي محترق، وثقه أبو حاتم وابن معين، وروى الميموني عن أحمد: كان عبيد الله صاحب تخليط، حدث بأحاديث سوء، وأخرج تلك البلايا، وقد رأيته بمكة فما عرضت له. وقد استشار محدث أحمد بن حنبل في الأخذ عنه فنهاه[38].

 

وقال في سير أعلام النبلاء:
حدث عنه الإمام أحمد قليلاً، كان يكرهه لبدعة فيه. وقال أحمد بن حنبل: حدث بأحاديث سوء، وأخرج تلك البلايا فحدث بها.
قال ابن منده: كان أحمد بن حنبل يدلّ الناس على عبد الله، وكان معروفاً بالرفض، لم يدع أحداً اسمه معاوية يدخل داره، فقيل: دخل عليه معاوية بن صالح الأشعري، فقال: ما اسمك؟ قال: معاوية. قال: والله لا حدّثتك، ولا حدثت قوماً أنت فيهم[39].
وعلى العموم فابن الجوزي يضعف هذا الحديث لوجود أبي جعفر الرازي في إسناده[40].

 

كما استعرض ابن الجوزي طائفة أخرى من الأحاديث التي استدل بها من أثبت دعاء القنوت في صلاة الفجر فقال ما نصه: "وقد احتج الخصم بأحاديث، وأحاديثهم تنقسم أربعة أقسام:
أحدها: ما هو مطلق، وإلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قنت، وهذا لا تنازع فيه؛ لأنه قد ثبت أنه قنت.
والثاني: مقيّد بأنه قنت في صلاة الصبح، وهذا لا نزاع فيه لأنه قد فعل ذلك شهراً.
والثالث: لفظ محتمل كان يقنت في الصبح، فيحمله على ما فعله شهراً بأدلتنا"[41].
وخلص إلى القول: "والجواب أن جميع هذه الأحاديث الصريحة ضعاف"[42].
أما الربيع بن أنس فإنه ثقة؛ ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: الناس يتقون من حديثه ما كان من رواية أبي جعفر عنه؛ لأن في أحاديثه عنه اضطراباً كثيراً[43].
وفي إسناده من رواية الخطيب دينار بن عبد الله خادم أنس بن مالك.

 

ولقد حمل الزيلعي على الخطيب بسبب حديث أنس هذا وأحاديث أخرى أخرجها الخطيب في كتابه الذي صنفه في القنوت، والتي أظهر فيها تعصبه على حد تعبير الزيلعي، منها هذا الحديث.

 

وأضاف الزيلعي قائلاً: "وسكوته عن القدح في هذا الحديث، واحتجاجه به، وقاحة عظيمة، وعصبية باردة، وقلة دين؛ لأنه يعلم أنه باطل؛ قال ابن حبان: دينار يروي عن أنس آثاراً موضوعة، لا يحل ذكرها في الكتب إلاّ على سبيل القدح للخطيب[44].

 

المطلب الثالث: أدلة الفريق الثاني مع المناقشة:

إستدل أصحاب الفريق الثاني بأحاديث وهي كما يلي:
1-   حديث أبي هريرة، رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يقنت إلا أن يدعو لأحد أو يدعو على أحد[45].
2-   حديث أنس بن مالك، رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم[46].
وجه الاستدلال: دل هذان الحديثان برواية أبي هريرة وأنس بن مالك على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يداوم على دعاء القنوت. قال صاحب التنقيح: وسند هذين الحديثين صحيح، وهما نص في أن القنوت مختص بالنازلة[47].
3-   وبما روي عن أبي مجلز قال: صليت مع ابن عمر الصبح فلم يقنت، فقلت: ألا أراك تقنت؟ فقال: لا أحفظه عن أحد من أصحابنا[48].
4-   وما رواه ابن حبان عن الحسن بن سفيان، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا خلف بن خليفة، عن أبي مالك الأشجعي، عن أبيه قال: صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يقنت، وصليت خلف أبي بكر فلم يقنت، وصليت خلف عمر فلم يقنت، وصليت خلف عثمان فلم يقنت، وصليت خلف علي فلم يقنت، ثم قال: يا بني! إنها بدعة[49].
رواه أحمد بإسناد صحيح، والترمذي وقال: العمل عليه عند أهل العلم وليس فيه في الفجر[50].
وجه الاستدلال: دلت هذه الأحاديث على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته – رضوان الله تعالى عليهم – لم يكونوا يقنتون في الصلاة.
5-   واستدلوا بما روي عن سعيد بن جبير قال: أشهد أني سمعت ابن عباس يقول: إن القنوت في صلاة الفجر بدعة[51]. وفي رواية: القنوت في الصبح بدعة[52].
وجه الاستدلال: دل هذا الحديث على مذهب حبر الأمة عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما في دعاء القنوت، وأنه بدعة لم يؤثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
6- واستدلوا بما روي عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه قال: ما قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شيء من صلاته[53].
وجه الاستدلال: دل هذا الحديث على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقنت قط في شيء من صلاته.
7- واستدلوا بما روي عن أم سلمة، رضي الله عنها، أنه نهى عن القنوت في صلاة الصبح[54].
وجه الاستدلال: دل هذا الحديث على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن القنوت في صلاة الصبح.
8- واستدلوا بحديث البراء بن عازب، رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقنت في الصبح والمغرب[55].
وجه الاستدلال: دل هذا الحديث المجمع على صحته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يقنت في صلاة الفجر وحدها، وإنما كان يقنت في المغرب، وفيه البيان الواضح أن القنوت لا يختص بصلاة الفجر وحدها، بل يسن في غيرها من الأوقات.
9- واستدلوا بما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهراً بعد الركوع يدعو على أحياء من أحياء العرب ثم تركه[56].

 

وجه الاستدلال: دل هذا الحديث على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك القنوت، وأنه لم يكن يداوم عليه، ولو أنه سن القنوت في صلاة الفجر – كما ذهب أصحاب الفريق الأول – لما تركه.
وردّ أصحاب الفريق الأول على حديث ابن مسعود، أنه ضعيف جداً لأنه من رواية محمد بن جابر السحيمي وهو شديد الضعف متروك[57]، ولأنه نفي، وحديث أنس إثبات، فقدم لزيادة العلم.
وحديث ابن عمر أنه لم يحفظه أو نسيه، وقد حفظه أنس والبراء بن عازب وغيرهما، فقدم من حفظ.
وعن حديث ابن عباس أنه ضعيف جداً، وقد رواه البيهقي من رواية أبي ليلى الكوفي وقال: هذا لا يصح وأبو ليلى متروك.
وعن حديث أم سلمة أنه ضعيف، لأنه من رواية محمد بن يعلى عن عنبسة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن نافع عن أبيه عن أم سلمة، قال الدارقطني: هؤلاء الثلاثة ضعفاء ولا يصح لنافع سماع عن أم سلمة والله أعلم[58].
وقال في مجمع الزوائد: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عتبة بن عبد الرحمن وهو متروك[59].
وعن حديث أنس، في قوله: تم تركه، أن المراد ترك الدعاء على أولئك الكفار ولعنتهم فقط، لا ترك جميع القنوت أو ترك القنوت في الصبح، وهذا التأويل متعين؛ لأن حديث أنس في قوله: لم يزل يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا صحيح صريح فيجب الجمع بينهما[60]. انتهى.

 

قلت: إن تصحيح النووي لحديث أنس لا يُعوَّل عليه، فقد أسلفنا أنه ضعيف.
وعن حديث أبي مجلز، قال الشيخ: نسيان بعض الصحابة أو غفلته عن بعض السنن لا يقدح في رواية من حفظه وأثبته[61].

 

المطلب الرابع: أدلة الفريق الثاني من المعقول:

اختلفت الأحاديث عن أنس واعتراها الاضطراب في دعاء القنوت؛ ذكر ذلك غير واحد من العلماء، من هذا القبيل ما ذكره الشوكاني في نيل الأوطار، فقال تعقيباً على حديث أنس الذي نحن بصدده: "ولو صح لكان قاطعاً للنزاع، ولكنه من طريق أبي جعفر الرازي، قال فيه عبد الله بن أحمد: ليس بالقوي، وقال علي بن المديني: إنه يخلط، وقال أبو زرعة: يهم كثيراً، وقال عمرو بن علي الفلاس: صدوق سيّىء الحفظ، وقال ابن معين: ثقة ولكنه يخطئ، وقال الدوري: ثقة ولكنه يغلط، وحكى الساجي أنه قال: صدوق ليس بالمتقن، وقد وثقه غير واحد، ولحديثه هذا شاهد ولكن في إسناده عمرو بن عبيد ليس بحجة.

 

قال الحافظ: ويعكر على هذا ما رواه الخطيب عن طريق قيس بن الربيع عن عاصم بن سليمان، قلنا لأنس: إن قوماً يزعمون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يزل يقنت في الفجر. فقال: كذبوا! إنما قنت شهراً واحداً يدعو على حي من أحياء المشركين.
وقيس وإن كان ضعيفاً لكنه لم يتهم بكذب.
وروى ابن خزيمة في صحيحه من طريق سعيد عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم[62].
فاختلفت الأحاديث عن أنس واضطربت فلا يقوم لمثل هذا حجة، انتهى.

 

إذا تقرر لك هذا علمت أن الحق ما ذهب إليه من قال إن القنوت مختص بالنوازل، وأنه لا تخص به صلاة دون صلاة، وقد ورد ما يدل على هذا الاختصاص من حديث أنس عند ابن خزيمة في صحيحه وقد تقدم، ومن حديث ابي هريرة عند ابن حبان بلفظ: كان لا يقنت إلا أن يدعو لأحد أو يدعو على أحد، وأصله في البخاري"[63].

 

وأضاف الشوكاني قائلاً: "وستعرف الأدلة الدالة على ترك مطلق القنوت ومقيده، وقد حاول جماعة من حذاق الشافعية الجمع بين الأحاديث بما لا طائل تحته، وأطالوا الاستدلال على مشروعية القنوت في صلاة الفجر في غير طائل، وحاصله ما عرفناك، وقد طول البحث الحافظ ابن القيم في الهدى وقال ما معناه: الإنصاف الذي يرتضيه العالم المنصف أنه صلى الله عليه وآله وسلم قنت وترك، وكان تركه للقنوت أكثر من فعله، فإنه إنما قنت في النوازل للدعاء لقوم وللدعاء على آخرين تم تركه لما قدم من دعا لهم وخلصوا من الأسر وأسلم من دعا عليهم وجاءوا تائبين. وكان قنوته لعارض فلما زال ترك القنوت[64].

 

وقال الزيلعي في نصب الراية أن الطحاوي قد ذكر حديث أنس هذا وسكت عنه غير أنه قال:
وهو معارض بما روي عن أنس أنه عليه الصلاة والسلام قنت شهراً يدعو على حي من أحياء من العرب تم تركه[65].
وعقب عليه الزيلعي في نصب الراية بقوله: "ويعارض أيضاً بما رواه الطبراني في معجمه، حدّثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، ثنا شيبان بن فروخ، ثنا غالب بن فرفد الطحان، قال: كنت عند أنس بن مالك شهرين، فلم يقنت في صلاة الغداة"[66].

 

ويجاب عن حديث أنس السابق أنه أراد به طول القيام فإنه يسمى قنوتاً، أو أنه كان يقنت إذا دعا لقوم أو دعا عليهم للجمع بينهما[67].
وحمل ابن قيم الجوزية قول أنس وما زال يقنت حتى فارق الدنيا، على إطالة القيام بعد الركوع، وأجاب عن تخصيصه بالفجر بأنه وقع بحسب سؤال السائل فإنه إنما سأل أنساً عن قنوت الفجر، فأجابه عما سأل عنه وبأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يطيل صلاة الفجر دون سائر الصلوات، قال: ومعلوم أنه كان يدعو ربه ويثني عليه ويمجّده في هذا الاعتدال، وهذا قنوت منه بلا ريب، فنحن لا نشك ولا نرتاب أنه لم يزل يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا. ولما صار القنوت في لسان الفقهاء وأكثر الناس هو هذا الدعاء، المعروف اللهم اهدني فيمن هديت إلخ، وسمعوا أنه لم يزل يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا، وكذلك الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة، حملوا القنوت في لفظ الصحابة على القنوت في اصطلاحهم ونشأ من ذلك من يشك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كانوا مداومين على هذا كلّ غداة، وهذا هو الذي نازعهم فيه جمهور العلماء، وقالوا: لم يكن هذا من فعله الراتب بل ولا يثبت عنه أنه فعله، وغاية ما روي عنه في هذا القنوت أنه علّمه الحسن بن علي إلى آخر كلامه، وهو على فرض صلاحية حديث أنس للاحتجاج وعدم اختلافه واضطرابه محمل حسن"[68].

 

المطلب الخامس: محلّ أدائه وأوقاته:

اختلف العلماء اختلافاً كثيراً حول محك القنوت وأوقاته؛ فطائفة من أهل العراق اعتقدت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقنت إلا شهراً ثم تركه على وجه النسخ له فاعتقدوا أن القنوت في المكتوبات منسوخ، وطائفة من أهل الحجاز اعتقدوا أن النبي ما زال يقنت حتى فارق الدنيا، ثم منهم من اعتقد أنه كان يقنت قبل الركوع، ومنهم من كان يعتقد أنه كان يقنت بعد الركوع[69].

 

وأما فقهاء أهل الحديث كأحمد وغيره فيجوزون كلا الأمرين، لمجيء السنة الصحيحة بهما، وإن اختاروا القنوت بعده لأنه أكثر وأقيس؛ فإن سماع الدعاء مناسب لقول العبد سمع الله لمن حمده، فإنه يشرع الثناء على الله قبل دعائه، كما بُنيت فاتحة الكتاب على ذلك، أولها ثناء وآخرها دعاء[70].

 

استدل القائلون بأن محل أداء القنوت قبل الركوع بالحديث المروي عن أبي بن كعب، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقنت قبل الركوع[71].
كما استدلوا بما رواه الأثرم عن ابن مسعود أنه كان يقنت في الوتر، وكان إذا فرغ من القراءة كبر ورفع يديه ثم قنت[72].
وأجيب عنه بأن الأحاديث التي فيها القنوت قبل الركوع كلها معلولة لا يصح فيها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء[73].
وفي تقديـري أن حديث أبي بن كعب محمـول على طول القيـام والله تعالى أعلـم.
واختار مالك قبل الركوع، وهو قول إسحاق، وروي أيضاً عن مالك بعد الركوع، وروي عن الخلفاء الأربعة، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق أيضاً، وروي عن جماعة من الصحابة التخيير في ذلك[74].

 

والراجح عندي – والله تعالى أعلم – أن محلّ أدائه بعد الاستواء من الركوع في الركعة الأخيرة[75]، لما روي عن أنس أنه سئل: هل قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصبح؟ قال: نعم. قيل: قبل الركوع أو بعد الركوع؟ قال: بعد الركوع[76].

 

واختلفوا كذلك في أوقاته، فذهب البعض إلى أنه في جميع السنة، وذهب آخرون إلى أنه في النصف الأخير من رمضان، وقالوا إنه لا يقنت في غير صلاة الفجر من الفرائض، من غير حاجة، إلا أن تنزل بالمسلمين نازلة، "فإن نزل بالمسلمين نازلة قنتوا في جميع الفرائض، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يقنت إلا أن يدعو لأحد أو يدعو على أحد، كان إذا قال: "سمع الله لمن حمده"، قال: "ربنا لك الحمد" وذكر الدعاء[77].

 

وقالوا: لأنها صلاة مفروضة فلم يسن فيها كبقية الصلوات، إلا أن تنزل بالمسلمين نازلة هي الشديدة من شدائد الدهر، فللإمام أي يستحب للإمام الأعظم لأنه عليه الصلاة والسلام هو الذي قنت، فيتعدى الحكم إلى من يقوم مقامه وعنه ونائبه وعنه بإذنه، وعنه وإمام جماعة وعنه كل مصل خاصة القنوت في صلاة الفجر، هذا رواية عن أحمد، واختاره المؤلف وغيره لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعنه والمغرب قاله أبو الخطاب. لأنه عليه السلام قنت في المغرب والفجر، رواه مسلم، وقيل العشاء، والمشهور في المذهب أنه يقنت[78].

 

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد ثبت في الصحيح أنه أي النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت في المغرب وفي العشاء الآخرة.
وفي السنن أنه كان يقنت في الصلوات الخمس وأكثر قنوته كان في الفجر، ولم يكن يداوم على القنوت لا في الفجر ولا في غيرها. بل قد ثبت في الصحيحين عن أنس أنه قال: لم يقنت بعد الركوع إلا شهراً.
فالحديث الذي رواه الحاكم وغيره من حديث الربيع بن أنس عن أنس أنه قال: ما زال يقنت حتى فارق الدنيا، إنما قاله في سياقه القنوت قبل الركوع، وهذا الحديث لو عارض الحديث الصحيح لم يلتفت إليه؛ فإن الربيع بن أنس ليس من رجال الصحيح، فكيف وهو لم يعارضه، وإنما معناه أنه كان يطيل القيام في الفجر دائماً قبل الركوع.

 

وأما إنه كان يدعو في الفجر دائماً قبل الركوع أو بعده بدعاء يسمع منه أو لا يسمع فهذا باطل قطعاً، وكل من تأمل الأحاديث الصحيحة علم هذا بالضرورة، وعلم أن هذا لو كان واقعاً لنقله الصحابة والتابعون، ولما أهملوا قنوته الراتب المشروع لنا مع أنهم نقلوا قنوته الذي لا يشرع بعينه، وإنما يشرع نظيره فإن دعاءه لأولئك المعينين، وعلى أولئك المعينين ليس بمشروع باتفاق المسلمين، بل إنما شرع نظيره، فيشرع أن يقنت في النوازل يدعو للمؤمنين ويدعو على الكفار في الفجر، وفي غيرها من الصلوات، وهكذا كان عمر يقنت لما حارب النصارى بدعائه الذي فيه: اللهم العن كفرة أهل الكتاب. إلخ.
وكذلك علي رضي الله عنه لما حارب قوماً قنت يدعو عليهم[79].

 

وقال المرداوي في الإنصاف:
"ظاهر قوله: ويقنت فيها أي أنه يقنت في جميع السنة، وهو المذهب وعليه الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وعنه لا يقنت إلا في نصف رمضان الأخير نقله الجماعة، وهو وجه في مختصر ابن تميم وغيره، واختاره الأثرم ونقل صالح أختار القنوت في النصف الأخير من رمضان، وإن قنت في السنة كلها فلا بأس. قال في الحاوي والرعاية: رجع الإمام أحمد عن ترك القنوت النصف الأخير من رمضان. قال القاضي[80]: عندي أن أحمد رجع عن القول بأن لا يقنت في الوثر إلا في النصف الأخير لأنه صرح في رواية خطاب، فقال: كنت أذهب إليه ثم رأيت السنة كلها.

 

وخُيِّر الشيخ تقي الدين في دعاء القنوت بين فعله وتركه، وأنه إن صلى بهم قيام رمضان فإن قنت جميع الشهر اونصفه الأخير، أو لم يقنت بحال فقد أحسن[81].

 

ورد شيخ الإسلام ابن تيمية على القائلين بوجوب القنوت في النصف الأخير من شهر رمضان بقوله: "وأما الدعاء على أهل الكتاب كما يتخذه من يتخذه سنّة راتبة في دعاء القنوت في النصف الأخير من شهر رمضان أو غيره، فهذا إنما هو منقول عن عمر بن الخطاب أنه كان يدعو به لما كان يجاهد أهل الكتاب بالشام، وكان يدعو به في المكتوبة، وهو موافق لسنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقنت أحياناً يدعو للمؤمنين ويلعن الكافرين ويذكر قبائل المشركين الذين يحاربونه، كمضر ورعل وذكوان وعُصيّة، وعمر لما قاتل أهل الكتاب قنت عليهم في المكتوبة، فالسنّة أن يقنت عند النازلة ويدعو فيها بما يناسب أولئك القوم المحاربين، فأما أن يُتّخذ قنوت عمر في المكتوبة سنّة في الوتر وقنوت الحسن في الوتر سنّة في المكتوبة راتبة فهو كما تراه"[82].

 

وقال النووي: مذهب الشافعي رحمه الله أن القنوت مسنون في صلاة الصبح دائماً فأمّا غيرها فله فيه أقوال: الصحيح المشهور أنه إن نزلت نازلة كعدو وقحط ووباء وعطش وضرر ظاهر في المسلمين ونحو ذلك قنتوا في جميع الصلوات المكتوبة[83].

 

وقد أثبت الطحاوي من خلال النصوص التي استعرضها في كتابه "شرح معاني الآثار" عدم وجوب القنوت في صلاة الفجر؛ ومنها ما أخرجه عن أبي بكرة قال: حدّثنا أبو داود قال: ثنا هشام بن أبي عبد الله، عن يحيى بن كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى العشاء الآخرة فرفع رأسه من الركوع قال: "اللهم أنج الوليد بن الوليد...... " الحديث.

 

وبإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لأرِينّكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكلمة نحوها، فكان إذا رفع رأسه من الركوع وقال: سمع الله لمن حمده دعا للمؤمنين ولعن الكافرين.

 

وأخرج عن علي بن شيبة قال: ثنا عبد الله بن بكر قال: ثنا هشام بن أبي عبد الله، عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا قال: سمع الله لمن حمده في الركعة الأخيرة من صلاة العشاء، قال: "اللهم أنج الوليد" ثم ذكر مثل حديث أبي بكرة عن أبي داود.

 

وأخرج عن محمد بن عبد الله بن ميمون، قال: ثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى قال: حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة عنه مثله، قال أبو هريرة رضي الله عنه: وأصبح ذات يوم ولم يدع لهم فذكرت ذلك فقال: "أما تراهم قد قدموا؟".

 

وأخرج عن أحمد بن داود قال: ثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل، قال: ثنا إبراهيم بن سعد، قال: ثنا بن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يدعو لأحد أو يدعو على أحد قنت بعد الركوع، وربما قال! إذا قال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد: "اللهم أنج الوليد" ثم ذكر أنه لم يذكر قول أبي هريرة رضي الله عنه: فأصبح ذات يوم ولم يدع لهم، إلى آخر الحديث، وزاد قال: يجهر به. وكان يقول في بعض صلاته: "اللهم العن فلاناً وفلاناً" أحياء من العرب، فأنزل الله تعالى: {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون}. [آل عمران: 128].

 

وأخرج عن أبي بكرة قال: ثنا حسين بن مهدي، ثنا عبد الرزاق، أنا معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الصبح حين رفع رأسه من الركوع قال: "ربنا ولك الحمد" في الركعة الآخرة، ثم قال: "اللهم العن فلاناً وفلاناً" على ناس من المنافقين. فأنزل الله تعالى:  {ليس لك من الأمر شيء أو يثوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون}[84]. إلخ....

 

وبعد ان استعرض الطحاوي مختلف الآراء حول القنوت، انتهى إلى القول: "فلما كشفنا وجوه هذه الآثار المروية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القنوت فلم نجدها تدل على وجوبه الآن في صلاة الفجر"[85].

 

ومما يدل على أن القنوت يكون في النوازل، وأنه إذا ما زالت أسباب النازلة، يترك، ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة العتمة شهراً يقول في قنوته: "اللهم أنج الوليد بن الوليد، اللهم نجّ سلمة بن هشام، اللهم نجّ عياش بن أبي ربيعة، اللهم نجّ المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأئك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف".

 

قال أبو هريرة: وأصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فلم يدع لهم، فذكرت ذلك له فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أما تراهم قد قدموا؟!".

 

قال أبو حاتم رضي الله عنه: في هذا الخبر بيان واضح أن القنوت إنما يقنت في الصلوات في حدوث حادثة مثل ظهور أعداء الله على المسلمين، أو ظلم ظالم ظُلِم المرءُ به أو تعدّى عليه. أو أقوام أحب أن يدعو لهم، أو أسرى من المسلمين في أيدي المشركين وأحب الدعاء لهم بالخلاص من أيديهم، أو ما يشبه هذه الأحوال، فإذا كان بعض من وصفنا موجوداً قنت المرء في صلاة واحدة أو الصلوات كلها، أو بعضها دون بعض بعد رفعه رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من صلاته يدعو على من شاء باسمه، فإذا عدم مثل هذه الأحوال لم يقنت حينئذ في شيء من صلاته - صلى الله عليه وسلم -.

 

وكان يقنت على المشركين يدعو للمسلمين بالنجاة فلما أصبح يوماً من الأيام ترك القنوت، فذكر ذلك أبو هريرة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أما تراهم قد قدموا؟!" ففي هذا البيان على صحة ما أصّلناه"[86].

 

من هنا صنف ابن حبان باباً تحت عنوان: باب ذكر البيان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يقنت دهره كله، وأنه إنما كان يقنت إذا دعا لأحد أو يدعو على أحد[87].

 

المطلب السادس: صفته وألفاظه:

اختلفت الآراء حول صفة دعاء القنوت وألفاظه فقال النووي: "والصحيح أنه لا يتعين فيه دعاء مخصوص، بل يحصل بكل دعاء وفيه وجه أنه لا يحصل إلا بالدعاء المشهور: "اللهم اهدني فيمن هديت، والصحيح أن هذا مستحب لا شرط"[88].

 

وذهب آخرون إلى خلاف ذلك فقالوا:
وإن قنت بما روي عن عمر رضي الله عنه كان حسناً، وهو ما روى أبو رافع قال: قنت عمر رضي الله عنه بعد الركوع في الصبح، فسمعته يقول: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ولا نكفرك ونؤمن بك، ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفذ ، نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق، اللهم عذِّب كفرة أهل الكتاب الذين يصدّون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، وأصلح ذات بينهم، وألف بين قلوبهم، واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة، وثبتهم على ملة رسولك، وأوزعهم أن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه، وانصرهم على عدوك وعدوهم إله الحق، واجعلنا منهم[89].

 

وظاهره أن كل مصل يقول هكذا وليس كذلك، لأن الإمام إذا قنت أتى بنون الجمع فيقول: اللهم اهدنا... إلخ، لئلا يخص نفسه دونهم[90].
وذهب آخرون إلى أنه لا بأس أن يدعو في قنوته بما شاء[91].

 

وأرجح الأقوال وأقربها إلى الحق والصواب ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو الموافق لما أثر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الصدد. يقول ما نصه: "وينبغي للقانت أن يدعو في كل نازلة بالدعاء المناسب لتلك النازلة، وإذا سمى من يدعو لهم من المؤمنين ومن يدعو عليهم من الكافرين المحاربين كان ذلك حسناً"[92].

 

ومما يدل على أن القنوت إنما يكون في النوازل وأنه لم ينسخ ما رواه الشافعي نفسه، قال: أخبرني بعض أهل العلم عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: لما انتهى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل أهل بئر معونة، أقام خمس عشرة ليلة كلما رفع رأسه من الركعة الأخيرة من الصبح قال: "سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، اللهم افعل" فذكر دعاء طويلاً، ثم كبر فسجد، قال: وحفظ عن جعفر عن النبي القنوت في الصلوات كلها، عند قتل أهل بئر معونة، وحفظ عن النبي أنه قنت في المغرب، كما روي عنه من القنوت في غير الصبح عند قتل أهل بئر معونة والله أعلم، وروى أنس عن النبي أنه قنت وترك القنوت جملة... قائما القنوت في غير الصبح. فمباح أن يقنت وأن يدع؛ لأن رسول الله لم يقنت في غير الصبح قبل قتل أهل بئر معونة، ولم يقنت بعد قتل أهل بئر معونة في غير الصبح، فدل على أن ذلك دعاء مباح كالدعاء المباح في الصلاة، لا ناسخ ولا منسوخ[93].

 

المطلب السابع: حكمه:

اختلفت آراء الفقهاء حول حكم دعاء القنوت، فذهب الشافعية إلى إعادة الصلاة لمن تركه عمداً على اعتبار أنه سنة[94].
قال الإمام الشافعي ما نصه: "لا أرخص في ترك القنوت في الصبح بحال؛ لأنه إن كان اختياراً من الله ومن رسوله - صلى الله عليه وسلم -، لم أرخص في ترك الاختيار، وإن كان فرضاً، كان مما لا يتبين تركه، ولو تركه تارك كان عليه أن يسجد للسهو"[95].
وإذا نسيه سجد سجدتي السهو، وقد ذكر الدارقطني عن سعيد بن عبد العزيز فيمن نسي القنوت في صلاة الصبح، قال: يسجد سجدتي السهو[96]، وعن الحسن في تركه سجود السهو[97]، وهو أحد قولي الشافعي[98].
وعند الجمهور أن تركه غير مفسد للصلاة، وحكى الطبري الإجماع على أن تركه غير مفسد للصلاة[99].
أما إذا نسي القنوت في الوتر، وتذكرة في الركوع أو الرفع منه، فإنه لا يقنت، ولو قنت بعد رفع رأسه من الركوع لا يعيد الركوع ويسجد للسهو لزوال القنوت عن محله الأصلي[100].

 

جاء في البحر الرائق: إذا نسي القنوت حتى ركع ثم تذكر فإن كان بعد رفع الرأس من الركوع لا يعود وسقط عنه القنوت[101].
وقال السرخسي في المبسوط: وإن نسي القنوت في الوتر ثم ذكر بعد ما رفع رأسه من الركوع لم يقنت؛ لأنه سنة فاتت عن موضعها[102].
وعند المالكية، إذا نسي القنوت ولم يتذكر إلا بعد الانحناء لم يرجع له، وقنت بعد رفعه من الركوع، فلو رجع له بعد الانحناء بطلت صلاته[103].

 

وقد ورد أن الإمام الشافعي رحمه الله زار الامام أبا حنيفة ببغداد قال: فأدركتني صلاة الصبح وأنا في ضريحه، فصليت الصبح ولم أجهر بالبسملة ولا قنت حياء من أبي حنيفة[104].
ويرى الحنابلة أن "الصحيح في المذهب أنه يكره القنوت في الفجر كغيرها، وعليه الجمهور، وقال في الوجيز: لا يجوز القنوت في الفجر".

 

قال المرداوي: قلت: النص الوارد عن الإمام أحمد "لا يقنت في الفجر" محتمل الكراهة والتحريم، وقال الإمام أحمد أيضاً: "لا يعجبني"، وفي هذا اللفظ للأصحاب وجهان، على ما يأتي محرراً آخر الكتاب في القاعدة. وقال أيضاً: "أعنف من يقنت" وعنه الرخصة في الفجر ولم يذهب إليه. قاله في الرعاية الكبرى، والحاوي، وابن تميم، وقيل هو بدعة[105].

 

وذهب بعض الكوفيين إلى القول بنسخ القنوت، وذلك بقوله تعالى: {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون}.
واحتجوا بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في صلاة الفجر بعد رفع رأسه من الركوع فقال: "اللهم ربنا ولك الحمد في الآخرة" ثم قال: "اللهم إلعن فلاناً وفلاناً" فأنزل الله عز وجل: {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم} الآية [106].

 

ونفى القرطبي النسخ في هذا الموضع فقال ما نصه: "وليس هذا موضع نسخ وإنما نبه الله تعالى على أن الأمر ليس إليه، وأنه لا يعلم من الغيب شيئا إلا ما أعلمه، وأن الأمر كله لله يتوب على من يشاء ويعجل العقوبة لمن يشاء، والتقدير: ليس لك من الأمر شيء، ولله ما في السماوات والأرض، دونك ودونهم يغفر لمن يشاء ويتوب على من يشاء، فلا نسخ والله أعلم"[107].

 

ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يداوم على دعاء القنوت لا في صلاة الفجر ولا في غيرها، فقال ما نصه: "فالناس في شرعه في الفجر على ثلاثة أقوال، بعد اتفاقهم على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت في الفجر، منهم من قال إنه منسوخ، فإنه قنت ثم ترك كما جاءت به الأحاديث الصحيحة، ومن قال المتروك هو الدعاء على أولئك الكفار فلم تبلغه ألفاظ الحديث أو بلغته فلم يتأملها، فإن في الصحيحين عن عاصم الأحوال قال: سألت أنس بن مالك عن القنوت هل كان قبل الركوع أو بعده فقال: قبل الركوع، قال: فإن فلانا أخبرني أنك قلت بعد الركوع. قال كذب إنما قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل الركوع أراه بعث قوماً يقال لهم القراء زهاء سبعين رجلاً إلى قوم مشركين دون أولئك وكان بينهم وبين رسول الله عهد وقنت - صلى الله عليه وسلم - شهراً يدعو عليهم، وكذلك الحديث الذي رواه أحمد والحاكم عن الربيع بن أنس أنه قال: ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت حتى فارق الدنيا. جاء لفظه مفسراً أنه ما زال يقنت قبل الركوع، والمراد هنا بالقنوت طول القيام لا الدعاء، كذلك جاء مفسراً ويبينه ما جاء في الصحيحين عن محمد بن سيرين قال: قلت لأنس قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الصبح؟ قال: نعم بعد الركوع يسيراً، فأخبر أن قنوته كان يسيراً وكان بعد الركوع، فلما كان لفظ القنوت هو إدامة الطاعة سمى كل تطويل في قيام أو ركوع أو سجود قنوتا كما قال تعالى: {أمّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً}، ولهذا لما سئل ابن عمر رضي الله عنهما عن القنوت الراتب قال: ما سمعنا ولا رأينا، وهذا قول.

 

ومنهم من قال بل القنوت سنّة راتبة حيث ثبت أن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قنت، وروي عنه أنه ما زال يقنت حتى فارق الدنيا، وهذا قول الشافعي، وتوسط آخرون من فقهاء الحديث وغيرهم كأحمد وغيره فقالوا قد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت للنوازل التي نزلت به من العدو في قتل أصحابه، أو حبسهم ونحو ذلك، فإنه قنت مستنصراً. كما استسقى حين الجدب فاستنصاره في الحاجة كاسترزاقه عند الحاجة، إذ بالنصر والرزق قوام أمر الناس، ثم ترك القنوت وجاء مفسراً أنه تركه لزوال ذلك السبب. وكذلك كان عمر رضي الله عنه إذا ابطأ عليه خبر جيوش المسلمين قنت، وكذلك علي رضي الله عنه وقنت لما حارب من حارب من الخوارج وغيرهم، قالوا وليس الترك نسخا فإن الناسخ لا بد أن ينافي المنسوخ وإذا فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمراً لحاجة ثم تركه لزوالها لم يكن ذلك نسخاً، بل لو تركه تركاً مطلقاً لكان ذلك يدل على جواز الفعل والترك لا على النهي عن الفعل[108].

 

وأضاف في موضوع آخر: "والصواب هو القول الثالث الذي عليه جمهور أهل الحديث. وكثير من أئمة أهل الحجاز، وهو الذي ثبت في الصحيحين وغيرهما، أنه - صلى الله عليه وسلم - قنت شهراً يدعو على رعل وذكوان وعُصيّة ثم ترك هذا القنوت، ثم بعد ذلك بمدة بعد خيبر، وبعد إسلام أبي هريرة قنت، وكان يقول في قنوته: "اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف"، فلو كان قد نسخ القنوت لم يقنت هذه المرة الثانية، وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قنت في المغرب وفي العشاء الآخرة"[109].

 

وأضاف في موضع آخر: "وهذا القنوت بعد القنوت الذي رواه أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت شهراً يدعو على رعل وذكوان وعُصيّة ثم تركه، فإن ذلك القنوت كان في أوائل الأمر لما أرسل القراء السبعين أصحاب بئر معونة وذلك متقدم قبل الخندق التي هي قبل الحديبية كما ثبت ذلك في الصحيح، فتبين أن تركه للقنوت لم يكن ترك نسخ، إذ قد ثبت أنه قنت بعد ذلك، وإنما قنت لسبب فلما زال السبب ترك القنوت كما بيّن هذا في الحديث أنه ترك الدعاء لهم لمّا قدموا، وليس أيضاً قوله في حديث أنس المتفق عليه أن رسول الله قنت شهراً بعد الركوع يدعو على أحياء من أحياء العرب ثم تركه، أنه ترك الدعاء فقط، كما يظنه من ظن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مداوماً على القنوت في الفجر بعد الركوع أو قبله، بل ثبت في أحاديث أنس التي في الصحيحين، أنه لم يقنت بعد الركوع إلا شهراً وغير ذلك مما يبين أن المتروك كان القنوت"[110].

 

المطلب الثامن: متابعة الإمام في دعاء القنوت أو تركه:

ليس ثمة من مشكلة عند جمهور العلماء في متابعة الإمام على اعتبار أن من ائتمّ بمن يقنت في الفجر أو في النازلة تابعة ولا تبطل صلاته؛ لحديث "إنما جعل الإمام ليؤتم به ولا تختلفوا عليه"[111].

 

وعند الحنابلة أنه يقنت معه ويجهر به، ويتابعه في الثناء ويؤمن على الدعاء، وقيل يُخيّر، وذكر أبو الحسين رواية فيمن صلى خلف من يقنت في الفجر أنه يسكت ولا يتابعه[112].

 

وعلى اعتبار أنه لا يجوز أن ينكر أحد على أحد، فمن قنت في الفجر صحّت صلاته، ومن لم يقنت فيها صحت صلاته أيضاً.
لكن على ما يبدو أن المشكلة عند الشافعية، والظاهر أنهم اختلفوا في حكم من ائتمّ منهم بالحنفي، جاء في المجموع ما نصه:
"فإن اقتدى الشافعي بالحنفي في صلاة الصبح فأطال الإمام القيام في الرفع من الركوع بحيث يمكنه القنوت قنت ولا شيء عليه، وإن لم يقف بحيث يمكنه القنوت خلفه، وأخرج نفسه من صلاته وقنت ولا شيء عليه، وإن لم يخرج نفسه من صلاته وقنت والإمام ساجد ولم تطل المدة فالمذهب أن صلاته تبطل ويحتمل أن يقال لا تبطل، وإن ترك القنوت وتابعه فالعراقيون من أصحابنا قالوا يسجد للسهو، وقال القفال: ليس عليه سجود، وهذا بناؤنا على أصل، وهو أن الشافعي رحمه الله اقتدى بالحنفي ولم يقرأ الفاتحة. فعند القفال صلاة المأموم صحيحة، وقال غيره لا تصح"[113].

 

والراجح متابعة الإمام في صلاته، ولا تبطل صلاته، وليس عليه إن كان شافعياً أن يسجد للسهو، لأنه قد ثبت أن الإمام الشافعي، وقد أدركته صلاة الفجر عند ضريح أبي حنيفة، فصلّى ولم يذكر البسملة ولم يقنت حياء من أبي حنيفة، ولو كانت صلاته تبطل على هذا النحو لما صلاها.

 

المطلب التاسع: رفع اليدين في دعاء القنوت:

اختلفت آراء الفقهاء في مسألة رفع اليدين في دعاء القنوت حتى في المذهب الواحد كما سيأتي تفصيله.
قال الشيرازي من الشافعية في المهذّب: "وأما رفع اليدين في القنوت فليس فيه نص، والذي يقتضيه المذهب أنه لا يرفع؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرفع اليد إلا في ثلاثة مواطن: في الاستسقاء والاستنصار وعشية عرفة، ولأنه دعاء في الصلاة فلم يستحب له رفع اليد كالدعاء في التشهد، وذكر القاضي أبو الطيب الطبري في بعض كتبه أنه لا يرفع اليد، وحكى في التعليق أنه يرفع اليد، والأول عندي أصح"[114].

 

وجاء في بعض مصادر الشافعية أنه يسنّ رفع اليدين في دعاء القنوت[115].
وذكر الإمام النووي في شرح صحيح مسلم والمجموع أن رفع اليدين مستحب في دعاء القنوت[116].
وذهب الحنابلة إلى أنه يرفع يديه إلى صدره ويبسط بطونهما نحو السماء[117].
وجاء في المغني والكافي ما نصه: ويرفع يديه في القنوت إلى صدره[118].
وقد استدلوا بالحديث المروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا دعوت الله فادع ببطون كفيك، ولا تدع بظهورهما، فإذا فرغت فامسح بهما وجهك"[119].
وبالحديث الآخر: "سلوا الله ببطون أكفكم، ولا تسألوه بظهورهما، فإذا فرغتم فامسحوا بهما وجوهكم"[120].
كما استدلوا بفعل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في هذا الصدد[121].
واستدلوا بقول أبي رجاء العطاردي قال: صلى بنا ابن عباس صلاة الصبح – وهو أمير على البصرة – فقنت، ورفع يديه حتى لو أن رجلاً بين يديه لرأى بياض إبطيه، فلما قضى الصلاة أقبل علينا بوجهه فقال: هذه الصلاة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين}[122].
وأجيب عن هذه الأحاديث أنها واهية[123].

 

وعن محمد بن الحنفية رضي الله تعالى عنه قال: الدعاء أربعة: دعاء رغبة، ودعاء رهبة، ودعاء تضرع، ودعاء خفية، ففي دعاء الرغبة يجعل بطون كفيه نحو السماء، وفي دعاء الرهبة يجعل ظهر كفيه إلى وجهه كالمستغيث من الشيء، وفي دعاء التضرع يعقد الخنصر والبنصر ويحلق بالإبهام والوسطى ويشير بالسبابة، ودعاء الخفية ما يفعله المرء في نفسه، وعلى هذا قال أبو يوسف رحمه الله تعالى في الإملاء يستقبل بباطن كفيه القبلة عند افتتاح الصلاة، واستلام الحجر، وقنوت الوتر، وتكبيرات العيد، ويستقبل بباطن كفيه السماء عند رفع الأيدي على الصفا والمروة، وبعرفات، وبجمع، وعند الجمرتين، ولأنه يدعو في هذه المواقف بدعاء الرغبة[124].

 

المطلب العاشر: مسح الوجه بعد الانتهاء من الدعاء:

اختلفت آراء الفقهاء في مسألة مسح الوجه بعد الانتهاء من الدعاء، فذهب الشافعية إلى عدم جواز مسح الوجه بعد الفراغ من الدعاء؛ فقالوا: لا يمسح وجهه وغيره لعدم ثبوته في الوجه وعدم وروده في غيره[125].

 

استدلوا بحديث البيهقي، عن علي الباشاني قال: سألت عبد الله، يعني ابن المبارك عن الذي إذا دعا مسح وجهه، قال: لم أجد له ثبتاً، قال علي: ولم أره يفعل ذلك[126].

 

وذهب الجمهور إلى جواز مسح الوجه بعد الانتهاء من الدعاء، فقالوا في هذا الصدد: ثم يمسح وجهه بيديه هنا وخارج الصلاة إذا دعا لعموم حديث عمر، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع يديه في الدعاء لا يحطهما حتى يمسح بهما وجهه[127].
ولقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس: "فإذا فرغت فامسح بهما وجهك".

 

كما استدلوا بالحديث المروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا دعوت فادع الله ببطون كفيك، ولا تدع بظهورهما، فإذا فرغت فامسح بهما وجهك" وقد سبق.
وبالحديث الآخر: "سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورهما، فإذا فرغتم فامسحوا بهما وجوهكم" وقد سبق.
وبقول السائب بن يزيد،  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دعا رفع يديه ومسح بهما وجهه[128].

 

وأجيب عن حديث عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه، بأن الحديث رواه الترمذي، وقال: حديث غريب، انفرد به حماد بن عيسى وحماد هذا ضعيف[129].
وأجيب أيضاً عن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دعوت فادع الله ببطون كفيك..." إلخ.
وعن الحديث الآخر: "سلوا الله ببطون أكفكم..." بأنها أحاديث واهية كما تقدم.
إلا أن الفقهاء قد اتفقوا على كراهة مسح الصدر[130].

 

الخاتمـة

بعد الاطلاع على مختلف الآراء حول هذه المسألة، أرى – والله تعالى أعلم – أن دعاء القنوت سنة مؤكدة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد ثبت بالأدلة القاطعة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قنت في صلاة الفجر وفي غيرها، وأنه كان يقنت ويترك، وكان تركه أكثر من قنوته، وأنه كان أكثر ما يقنت في النوازل، وكان يدعو بما ينسجم مع النازلة، حتى إذا ارتفعت عن المسلمين، ترك القنوت.

 

وفي الختام، أسأل الله تبارك وتعالى أن أكون قد وفقت في معالجة هذا الموضوع، وأن يجعل ثوابه في ميزان حسناتي وحسنات من أحب، يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.

 

________________________

[1] القرطبي: تفسير 45/129، ابن مفلح: المبدع، 2/13، والبهوتي: كشاف القناع، 1/397، والروض المربع 1/76.
[2] أخرجه البيهقي في سننه 2/201، كما أخرجه البخاري في الوتر ومسلم في المساجد بمعناه.
[3] سنن البيهقي، 2/201، يقول الدكتور محمد الزحيلي تعليقاً على هذا الحديث ما نصه: هذه الزيادة من حديث أنس رواها جماعة من الحفاظ وصححوها، منهم البيهقي والدارقطني. من تعليقاته على كتاب المجموع 3/485، قلت: إني لأعجب من تصحيح البيهقي والنووي لهذا الحديث، ومتابعة الدكتور الزحيلي لهما علماً بأن مداره على أبي جعفر الرازي!!!
[4] القرطبي: تفسير، 4/129، وانظر أيضاً: فتح المعين، ص 22 للمليباري، وإعانة الطالبين، 1/158 للدمياطي.
[5] القرطبي: تفسير، 4/129.
[6] لمزيد من التفصيل أنظر جامع البيان 2/770 – 771 للطبري، وفتح القدير 1/258 للشوكاني.
[7] الشوكاني: فتح القدير، 1/258.
[8] الشوكاني: فتح القدير، 2/258، والطبري: تفسير، 2/772.
[9] الجصاص: أحكام القرآن، 1/538.
[10] الشافعي: أحكام القرآن، ص 78.
[11] الكاساني: بدائع الصنائع، 1/273.
[12] ابن تيمية: فتاوى، 22/273.
[13] التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع للقاضي علاء الدين علي بن سليمان المرداوي.
[14] الزيلعي: نصب الراية، 2/132.
[15] ابن الجوزي: زاد المسير، 1/116.
[16] أخرجه مسلم برقم 756 عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
[17] الجصاص: أحكام القرآن، 1/538، والقرطبي: تفسير، 3/140 – 141.
[18] القرطبي: تفسير، 3/140 – 141، والطبري: تفسير، 2/773.
[19] الشوكاني: فتح القدير، 1/258.
[20] الجصاص: أحكام القرآن، 1/538.
[21] أخرجه ابن حيان في صحيحه برقم 4622 عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه زيادة من آخره: "الذي لا يفتر صلاة ولا صياماً حتى يرجعه الله إلى أهله، لما يرجعه الله إلى أهله لما يرجعه إليهم من غنيمة أو أجر، أو يتوفاه فيدخله الجنة".
[22] ابن منظور: لسان العرب، 2/73.
[23] ابن منظور: لسان العرب، 2/73 - 74.
[24] الطبري: تفسير، 2/774.
[25] الشوكاني: فتح القدير، 1/258.
[26] النووي: المجموع، 4/671.
[27] سنن البيهقي، 2/201.
[28] أخرجه أحمد في مسنده، 3/162، والدارقطني في سننه 2/39. أنظر أيضا: نصب الراية 2/138 للزيلعي.
[29] سنن الدارقطني، 2/39.
[30] سنن الدارقطني، 2/39.
[31] أخرجه الخطيب في كتاب صنفه في القنوت كما قال الزيلعي في نصب الراية، 2/136.
[32] ابن حجر العسقلاني: تلخيص الحبير، 1/60.
[33] ابن الجوزي: الضعفاء والمتروكين، 2/240، ترجمة رقم 2653.
[34] ابن حبان: المجروحين، 2/101، ترجمة رقم 702.
[35] ابن عدي: الكامل في ضعفاء الرجال، 5/254.
[36] الزيلعي: نصب الراية، 2/132، ابن الجوزي: التحقيق في أحاديث الخلاف، 1/464، وابن حجر: تلخيص الحبير، 1/599.
[37] المزي: تهذيب الكمال، 33/195 – 196.
[38] الذهبي: ميزان الاعتدال، 3/16، ترجمة رقم 5400.
[39] المرجع نفسه، 9/554 و 556 – 557.
[40] ابن الجوزي: التحقيق في أحاديث الخلاف، 1/464.
[41] المرجع نفسه، 1/464.
[42] المرجع نفسه، 1/464.
[43] ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب، 3/239، ترجمة 461.
[44] الزيلعي: نصب الراية، 2/136.
[45] أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، 1/313، برقم 619.
[46] أخرجه ابن خزيمة في صحيحه 1/314، برقم 620.
[47] سنن الدارقطني، 2/40، هامش.
[48] النووي: المجموع، 4/669، وفيه أبو مخلد بدل أبو مجلز، وسنن البيهقي 2/213.
[49] البهوتي: كشاف القناع 1/397، وابن مفلح: المبدع 2/16.
والحديث أخرجه ابن حبان 1989، والنسائي، 2/204، وأحمد في المسند 6/394، ورجاله ثقات رجال الصحيح، إلا أن خلف بن خليفة اختلط، لكن تابعه عليه غير واحد.
[50] ابن مفلح: المبدع، 2/16.
[51] أخرجه الدارقطني في سننه كما في منار السبيل ص 80 لابن ضويان. والمبدع 2/13، لابن مفلح، وكشاف القناع 1/397، للبهوتي، والروض المربع 1/76، للبهوتي أيضاً، وهو في سنن الدارقطني 2/41.
[52] النووي: المجموع، 4/670.
[53] أخرجه البيهقي في سننه 2/213.
[54] أخرجه البيهقي في سننه، 2/214. والدارقطني في سننه 2/38، وهو ضعيف؛ فيه محمد بن يعلى، وعنبسة وعبد الله بن نافع، كلهم ضعفاء، ولا يصح لنافع سماع من أم سلمة كما قال الدارقطني والبيهقي.
[55] أخرجه مسلم برقم 678، وأبو داود 1441، والنسائي 2/202، والترمذي 401، وأحمد 4/280 و 299، وابن خزيمة 1/312 616. و 1098، والدارقطني 2/37، وأبو داود الطيالسي 737.
[56] أخرجه ابن ماجة 1243، وابن حبان 1985.
[57] البيهقي: السن، 2/213.
[58] النووي: المجموع، 4/671 - 672.
[59] الهيثمي: مجمع الزوائد، 2/138. كما ذكره العقيلي في الضعفاء 3/367، ترجمة رقم 1405.
[60] النووي: المجموع، 4/671.
[61] البيهقي: السنن، 2/213.
[62] صحيح ابن خزيمة 1/314 حديث رقم 620.
[63] ابن حجر: تلخيص الحبير، 1/600، والشوكاني: نيل الأوطار، 2/346.
[64] الشوكاني: نيل الأوطار، 2/346 - 347.
[65] الحديث في شرح معاني الآثار 1/244، وأخرجه النسائي في السنن الصغرى 444.
[66] الزيلعي: نصب الراية، 2/132.
[67] ابن مفلح: المبدع، 2/16، والبهوتي: كشاف القناع، 1/397.
[68] الشوكاني: نيل الأوطار، 2/347.
[69] ابن تيمية: فتاوى، 22/269.
[70] المرجع نفسه، 23/100.
[71] أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة كما في تلخيص الحبير، 2/46.
[72] ابن ضويان: منار السبيل، ص 79، والكاساني: بدائع الصنائع، 1/273.
[73] قاله أبو بكر الخطيب كما في منار السبيل، ص 79، وابن حجر في تلخيص الحبير 2/46 – 47.
[74] القرطبي: تفسير، 4/129.
[75] انظر المهذب في فقه الإمام الشافعي 1/115 للشيرازي، وشرح صحيح مسلم 5/176.
[76] أخرجه مسلم 677، وأبو داود 1444 والنسائي في المجتبى 2/200، وأحمد في المسند 3/113 و 166.
[77] الشيرازي: المهذب، 1/116.
[78] ابن مفلح: المبدع، 2/17، ابن عابدين: حاشية رد المحتار، 2/11، والبهوتي: كشاف القناع، 1/397.
[79] ابن تيمية: فتاوى، 22/270 – 271.
[80] القاضي أبو الطيب الطبري تقدمت ترجمته.
[81] المرداوي: الإنصاف، 2/121 – 122، وابن مفلح: المبدع، 2/7.
[82] ابن تيمية: فتاوى 23/154 - 155.
[83] النووي: شرح صحيح مسلم، 5/176.
[84] الطحاوي: شرح معاني الآثار، 1/242 – 246.
[85] المرجع نفسه، 1/249.
[86] أخرجه ابن حبان في صحيحه برقم 1986.
[87] صحيح ابن حبان، 5/324.
[88] النووي: شرح صحيح مسلم، 5/176، انظر أيضاً: روضة الطالبين 1/433، والمجموع 4/660، للنووي، وفتح المعين ص 22 للمليباري، ومغني المحتاج 1/167 للشربيني، والإنصاف 2/122 للمرداوي، ونور الإيضاح، ص 40 للشرنبلالي، ومنار السبيل ص 79 لابن ضويان.
[89] انظر المهذب 1/116 للشيرازي، وروضة الطالبين 1/433 للنووي وفتح المعين 1/158 للمليباري، ومغني المحتاج 1/167 للشربيني، ونور الإيضاح ص 40 للشرنبلالي.
[90] ابن مفلح المقدسي: النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر، 1/89.
[91] أنظر منار السبيل ص 79 لابن ضويان، والإنصاف 2/122 للمرداوي، والمدونة الكبرى 1/102 – 103 للإمام مالك، وكشاف القناع 1/396، للبهوتي، وفتح المعين ص 22 للمليباري.
[92] ابن تيمية: فتاوى، 22/271.
[93] الشافعي: اختلاف الحديث، ص 174.
[94] حكاه الحسن وسحنون بمقتضى رواية علي بن زياد عن مالك، كما في الجامع لأحكام القرآن 4/129 للقرطبي. أنظر أيضاً روضة الطالبين 16/432 للنووي.
[95] الشافعي: أحكام القرآن، ص 79.
[96] النووي: المجموع، 4/236 و 249، وسنن البيهقي، 2/350.
[97] القرطبي: تفسير، 4/129. كما ذكره ابن أبي شيبة حديث رقم 7053، والبيهقي في سننه 2/349، والدارقطني في سننه 2/41.
[98] القرطبي: تفسير، 4/129، والشيرازي: التنبيه، ص 27.
[99] القرطبي: تفسير، 4/129.
[100] الشرنبلالي: نور الإيضاح، ص 39 - 40.
[101] النسفي: البحر الرائق، 2/75.
[102] السرخسي: المبسوط، 1/400.
[103] الدسوقي: حاشية الدسوقي، 1/399، والخطّاب: مواهب الجليل، 2/244.
[104] طبقات الحنفية، 1/433.
[105] المرداوي: الإنصاف، 2/121 – 124.
[106] أخرجه البخاري ومسلم بأتمّ منه، انظر أيضاً الجامع لأحكام القرآن، 4/129. وهكذا رواه النسائي في السنن الكبرى من حديث عبد الله بن المبارك وعبد الرزاق كلاهما عن معمر به، وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا أبو عقيل قال أحمد: وهو عبد الله بن عقيل، صالح الحديث ثقة، حدثنا عمر بن حمزة عن سالم عن أبيه قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يقول: "اللهم العن فلاناً وفلاناً، اللهم العن الحارث بن هشام، اللهم العن سهيل بن عمرو، اللهم العن صفوان بن أمية" فنزلت هذه الآية: {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون}، فتيب عليهم كلهم. أنظر أيضاً تفسير ابن كثير، 2/109، وفتح القدير، 1/380.
[107] القرطبي: تفسير، 4/129.
[108] ابن تيمية: فتاوى، 23/100 - 103.
[109] المرجع نفسه، 22/269.
[110] ابن تيمية: فتاوى، 21/153.
[111] البهوتي: كشاف القناع، 1/397، المرداوي: الإنصاف، 2/124. وابن عابدين: حاشية رد المختار، 2/11.
[112] ابن مفلح: المبدع، 2/12.
[113] النووي: المجموع، 4/236 و 249، والشربيني: مغني المحتاج، 1/238 و 254.
[114] الشيرازي: المهذب، 1/116.
[115] النووي: منهاج الطالبين، 1/171، الشربيني: مغني المحتاج، 1/167، وزكريا بن محمد الأنصاري: منهج الطلاب، ص 16. والسرخسي: المبسوط، 1/320.
[116] النووي، شرح صحيح مسلم، 5/176، والمجموع، 4/663 و 5/661.
[117] البهوتي: كشاف القناع، 1/394.
[118] ابن قدامة: المغني، 1/822، والكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل، 1/153.
[119] أخرجه ابن ماجة 1181 و 3866، والحديث ضعفه البوصيري في مصباح الزجاجة 1/220. أنظر أيضا: كشاف القناع 1/397 للبهوتي، والمغني 1/822، لابن قدامة.
[120] أخرجه أبو داود 1485، والحديث ضعيف، ضعفه أبو داود وقال أنه روي من طرق كلها واهية.
[121] ابن قدامة: المغني، 1/822، والكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل، 1/153.
[122] القرطبي: تفسير، 3/139، والشافعي: أحكام القرآن، ص 79.
[123] النووي: المجموع، 4/671.
[124] المبسوط: السرخسي، 1/321.
[125] الشربيني: مغني المحتاج، 1/167، النووي: منهاج الطالبين، 1/171، وزكريا بن محمد الأنصاري: منهج الطلاب، ص 16.
[126] النووي، المجموع، 5/662.
[127] المرداوي: الإنصاف، 2/123، البهوتي: كشاف القناع، 1/394، ابن مفلح: المبدع، 2/15، ابن قدامة: المغني، 1/822، وابن ضويان: منار السبيل، ص 79. والحديث أخرجه الترمذي 3386.
[128] ابن مفلح: المبدع، 2/12، وعزاه إلى أبي داود من رواية ابن لهيعة، وهو في سنن أبي داود برقم 1492.
[129] النووي: المجموع، 5/663.
[130] النووي: شرح صحيح مسلم، 5/176.