الحمد لله يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات، ويعلم ما تفعلون، والصلاة والسلام على رسول الله المبعوث رحمة للعالمين –صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه- ومن دعا بدعوته واهتدى يهديه إلى يوم الدين.
وبعد... فإن كفارة الصوم في رمضان، والأسباب الموجبة لها، من المواضع الخلافية في الفقه الإسلامي، ولهذا آثرت أن أكتب دراسة مقارنة في هذا الموضوع تحت عنوان "كفارة الإفطار في رمضان في الفقه الإسلامي".
وجعلت منهجي في هذه الدراسة هو: عرض أقوال الفقهاء في كل مسألة من المسائل، وذكرت سبب الخلاف إن وجد، وأدلة كل قول مع بيان كيفية الاستدلال بها.
وأحيانا أذكر القول وأدلته، ثم أذكر المناقشات التي ترد على أدلة كل فريق والإجابة عنها أن وجدت، ثم أرجح وأبين سبب ذلك.
وقسمت الدراسة إلى تمهيد وخمسة مباحث وخاتمة.
تكلمت في التمهيد عن تعريف الكفارة. وخصصت المبحث الأول للحديث عن حكم من جامع في نهار رمضان عامدا، أو غير عامد. والمبحث الثاني للحديث عن تكرر الكفارة بتكرر الإفطار. والمبحث الثالث للحديث عن حكم من تعمد الإفطار بالأكل والشرب. والمبحث الرابع للحديث عن الكفارة هل تجب بالفطر في غير رمضان؟ والمبحث الخامس للحديث عن الكفارة وأحكامها.
وبينت في الخاتمة أهم النتائج التي توصلت إليها من البحث.
والله أسأل أن ينفعنا وينفع ببحثنا ويجعله خالصا لوجهه الكريم أنه خير مسئول وأكرم مأمول. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تمهيد:
الكفارة في اللغة (1):
مشتقة من (كفر) بمعنى غطى وستر ومحا وأحبط، لأنها تغطي الذنب وتستر الإثم وتمحو الخطيئة وتحيط العقاب والمؤاخذة.
قال علماء اللغة: كفر عليه يكفر: غطاه، والشيء ستره ككفره، والكافر: الليل والبحر والوادي العظيم والنهر الكبير، والسحاب المظلم والزارع والدرع، ومن الأرض ما بعد عن الناس كالكفر، والأرض المستوية والغائط الوطئ والنبت والظلمة.
ونلحظ مما سبق أن معنى الستر والتغطية وارد في كل ما ذكره علماء اللغة.
والكفارة: مشددة ما يستغفر به الإثم من صدقة وصوم ونحو ذلك وكفر عن يمينه: أعطى الكفارة.
وقال صديق خان: الكفارة من الكفر وهو الستر، لأنها تستر الذنب، ومنه الكفار لأنه يستر الحق، ويسمى الليل كافرا لأنه يستر الأشياء عن العيون، ومنه قيل للزارع كافر لأنه يغطي البذر، ويسمى السحاب الذي يستر الشمس كافرا، وتكفر الرجل بالسلاح إذا تستر به.
وقال الراغب: الكفارة ما يعطي الحانث في اليمين، واستعمل في كفارة القتل والظهار، وهي من التكفير وهو ستر الفعل وتغطيته فيصير بمنزلة من لم يعمل، قال ويصح أن يكون أصله إزالة الكفر نحو التمريض في إزالة المرض.
ونستخلص مما سبق أن الكفارة في اللغة لها معنيان:
الأول: تطلق على تغطية المعصية وسترها ومحو أثرها.
والثاني: تصدق على ما يؤديه المكفر مما أوجبه الله عليه من العتق، أو الصيام، أو الإطعام.
الكفارة في اصطلاح الفقهاء:
عرفها الكاساني فقال (2): هي في عرف الشارع اسم للواجب.
يريد ما أوجبه الله تعالى على من أتى شيئا منهيا عنه أو قصر مأمور به.
وقال بعض العلماء (3): هي العقوبة المقررة على المعصية بقصد التكفير عن إتيانها.
تعريف الكاساني يدل على أن الكفارات بعضها عبادات، وهذا هو الأصل، لأنها عبارة عن عتق أو صوم أو أطعام مساكين، فإن فرضت على عمل لا يعد معصية: فهي عبادة خالصة كالإطعام بدلا من الصوم لمن لا يطيق الصوم، وهو المغبر عنه في القرآن الكريم بقوله تعالى: (وعَلَى الَذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)(4).
وبعض الكفارات عقوبات إذا فرضت على ما يعتبر معصية، كالكفارة في القتل الخطأ. وعلى هذا فهي دائرة بين العبادة والعقوبة، وهذا ما جعل بعض العلماء يسميها عقوبة تعبدية (5).
فمن اعتبرها عقوبة استدل على ذلك بأن سبب وجوبها الجناية من ظهار أو قتل أو إفطار أو حنث.
ومن اعتبرها عبادة استدل لذلك: بأن الصوم جعل بدلا من التكفير بالمال (العتق) والصوم عبادة، وبذلك العبادة عبادة، وكذا يشترط فيها النية، وهي لا تشترط إلا في العبادات (6).
وأرى ترجيح قول من قول إنها عقوبة تعبدية لأن القرآن الكريم جاء بالمعنيين، فجاءت الكفارة بمعنى العبادة في قوله جل شأنه (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (7).
ووردت الكفارة بمعنى العقوبة في قوله تعالى: (ومَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ) إلى قوله تعالى: (فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ)(8) –والله أعلم بالصواب-.
المبحث الأول
في حكم من جامع في نهار رمضان
أجمعت الأمة على أن من جامع متعمدا في نهار رمضان، يفسد صومه، وقد دلت الأخبار الصحيحة على ذلك (9). وتتحدث عن أحكام الجامع في المطالب الآتية:
المطلب الأول
هل يجب القضاء والكفارة على من تعمد الجماع في رمضان؟
من أفسد صوم رمضان بتعمد الجماع في الفرج عليه القضاء والكفارة عند الأحناف والمالكية (10). ومعنى هذا أن من أفسد صومه بالجماع عمدا عليه أن يقضي يوما ويكفر بأحد أنوع الكفارة الثلاث كما سيأتي تفصيل ذلك، فإن كفر بالصيام عليه أن يصوم أحدا وستين يوما، وإن كفر بالعتق فعليه أن يصوم معه يوما. وأن كفر بالإطعام عليه أن يصوم معه يوما.
وعند الحنابلة من أفسد صوما واجبا بجماع عليه القضاء سواء كان في رمضان أو غيره (11).
ودليل ما سبق:
1- عن أبي هريرة من طريق أبي أويس "أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أمر الذي أفطر في رمضان بالكفارة وأن يصوم يوما".
2- ومن طريق هشام بن سعد عن أبي هريرة "أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أمره بأن يصوم يوما".
3- ومن طريق عبد الجبار بن عمر عن أبي هريرة "أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال للواطئ في رمضان "أقضى يوما مكانه".
4- ومن طريق الحجاج بن أرطأة عن عطاء عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي –صلى الله عليه وسلم- "أنه أمر الواطئ في نهار رمضان أن يصوم يوما مكانه".
ذكر هذه النصوص ابن حزم وبين عللها وقال عنها أنها كلها ساقطة (12).
5- وروى أبو داود بإسناده وابن ماجه والأثرم أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال للمجامع "وصم يوما مكانه"(13).
6- ولأنه أفسد يوما من رمضان، فلزمه قضاؤه، كما لو أفسده بالأكل، أو أفسد صومه الواجب بالجماع، فلزمه قضاؤه كغير رمضان (14).
وللشافعية أقوال أحدها أن المجامع بغير عذر تجب عليه الكفارة ويندرج فيها القضاء (15).
واستدلوا على ذلك:
بحديث أبي هريرة قال "جاء رجل إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال: هلكت يا رسول الله، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟ قال: لا، ثم جلس، فأتى النبي –صلى الله عليه وسلم- بعرق فيه تمر، فقال: تصدق بهذا؟ فقال: أفقر منا؟ فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا، فضحك النبي –صلى الله عليه وسلم- حتى بدت أنيابه، ثم قال: أذهبت فأطعمه أهلك" متفق عليه (16). والعرق المكتل الضخم، لابتيها: يريد الحرتين، والحرة: هي الأرض المكبسة حجارة سوداء (17)، ودل الحديث على أن من لزمته لا قضاء عليه، لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- لم يأمر الأعرابي بالقضاء. ويرى ابن حزم أن الكفارة لا تجب إلا على من وطئ امرأته في الفرج عامدا، ولم يوجب القضاء، وذكر أقوالا متعددة في هذا الموضوع ورد عليها (18)، ولضعف هذه الأقوال وأدلتها نكتفي بالإشارة إلى موضعها لمن أراد الرجوع إليها.
وذكر ابن رشد أن قوما شذوا فلم يوجبوا على المضطر عمدا بالجماع إلا القضاء فقط، أما لأنهم لم يبلغهم هذا الحديث، وأما أنه بلم يكن الأمر عزمة في هذا الحديث، لأنه لو كان عزمة لوجب أذا لم يستطع الإعتاق أو الإطعام أن يصوم، ولابد إذا كان صحيحا على ظاهر الحديث، وأيضا لو كان عزمة لأعلمه عليه الصلاة والسلام أنه إذا صح أنه يجب عليه الصيام أن لو كان مريضا (19).
الترجيح:
بعد العرض السابق يتبين لنا أن ما أستدل به القائلون بالقضاء والكفارة لم يسلم من الاعتراضات كما قال ابن حزم، وعلق ابن قيم الجوزية على الراوية التي أثبتت الزيادة وهي الأمر بالصوم وقال: هذه اللفظة غير صحيحة (20).
وذكر ابن حجر الطرق المثبتة لهذه الزيادة والتي خلت منها ثم قال (21): وبمجموع هذه الطرق تعرف أن لهذه الزيادة أصلا.
ومع أن ابن حجر يرى أن الأمر بالقضاء له أصل يرجع إليه –وهو شافعي- إلا أن دليل الشافعية حديث متفق عليه وهو بظاهره يدل على أن النبي –صلى الله عليه وسلم- لم يوجب على الأعرابي إلا الكفارة، ولهذا فإني أرجح رأي القائلين بوجوب الكفارة على من تعمد الجماع في نهار رمضان دون القضاء –والله أعلك بالصواب-.
المطلب الثاني
هل الجماع في الفرج مطلقا يوجب الكفارة
للفقهاء في هذا رأيان:
الرأي الأول:
يرى عامة أهل العلم أن الكفارة تلزم من جامع في الفرج في رمضان عامدا أنزل أو لم ينزل (22).
واستدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة السابق حيث أوجب النبي –صلى الله عليه وسلم- الكفارة على الرجل الذي واقع امرأته، دون أن يسأله عن تفاصيل الجماع.
وقال الأحناف (23): لا يشترط الإنزال في المحلين، لأنه لا يشترط الإنزال في الحد مع أنه عقوبة محضة فلأن لا يشترط في الكفارة وهي مشتملة على العبادة والعقوبة أولى.
ومنعوا أيضا اشتراط الإنزال اعتبارا بالاغتسال: يعني أنه إذا أدخل ولم ينزل وجب عليه الغسل، فكذلك الكفارة.
فإن قيل الكفارة تندرئ بالشبهات وانتفاء معنى الجماع وهو قضاء الشهوة يورث الشبهة والاغتسال يجب بالاحتياط، فقياس أحدهما على الآخر لا يكون صحيحا.
فالجواب: أنا نمنع انتفاء معنى الجماع، لأن قضاء الشهوة يتحقق دون الإنزال، والإنزال شبع، وليس بشرط، ألا ترى أن من أكل لقمة وجبت عليه الكفارة وإن لم يوجب الشبع.
الرأي الثاني:
حكى عن الشعبي والنخعي وسعيد بن جبير أنه لا كفارة على من جامع في رمضان عامدا، لأن الصوم عبادة لا تجب الكفارة بإفساد قضائها، فلا تجب في أدائها كالصلاة (24).
ونوقش دليل المانعين للكفارة بأنه لا يجوز اعتبار الأداء في ذلك بالقضاء، لأن الأداء يتعلق بزمن مخصوص يتعين به، والقضاء محله الذمة، والصلاة لا يدخل في جبرانها المال بخلاف مسألتنا (25).
الرأي الراجح في الموضوع:
بعد أن ذكرت الرأيين السابقين وأدلتهما ، وما ورد على دليل الرأي الثاني يتضح لي أن الرأي الأول هو الراجح لقوة أدلته وسلامتها من المناقشة، لأن قضاء الشهوة يتحقق بالجماع دون الإنزال ولهذا رجحت الرأي الأول –والله أعلم بالصواب-.
المطلب الثالث
حكم من جامع دون الفرج وإنزال
اختلف الفقهاء في الجامع دون الفرج إذا اقترن به الإنزال على رأيين:
الرأي الأول:
ذهب الإمام مالك، وأحمد في رواية، وعطاء والحسن وابن المبارك واسحق إلى أن الجامع دون الفرج إذا اقترن به الإنزال يوجب الكفارة (26).
ودليل هذا:
1- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- لم يستفصل من السائل عن الوقائع في حديث أبي هريرة السابق.
2- ولأن هذا قصد إلى الفطر، وهتك حرمة الصوم بما يقع به الفطر، فوجبت الكفارة كالمجامع (27).
الرأي الثاني:
لا كفارة فيه، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، وأحمد في الرواية الثانية، والظاهرية (28).
ودليل هذا:
أن الجماع دون الفرج إذا اقترن به الإنزال فهو فطر بغير جماع تام، فأشبه القبلة.
ولأن الأصل عدم وجوب الكفارة، ولا نص في وجوبها، ولا إجماع، ولا قياس (29).
وقال الأحناف (30): من جامع فيما دون الفرج فأنزل فعليه القضاء، لأن الجامع فيه جماع معنى، وليس به صورة، فلا كفارة عليه.
ونوقشت أدلة الرأي الأول:
1- بأنه لا يطلق على من وطئها في غير الفرج اسم واطئ، ولا اسم مواقع، ولا اسم مجامع، ولا أنه وطئها، ولا أنه وقع عليها، ولا أنه جامعها، إلا حتى يضاف إلى ذلك صلة البيان، فإيجاب الطهارة على غير من ذكرنا مخالف للسنة وتعدي لحدود الله تعالى في ذلك، وإيجاب ما لم يوجبه (31).
2- ولا يصح القياس على الجامع في الفرج، لأنه أبلغ بدليل أنه يوجبها من غير إنزال، ويجب به الحد إذا كان محرما ويتعلق به أثنا عشر حكما، ولأن العلة في الأصل الجامع بدون الإنزال، والجامع هنا غير موجب، فلم يصح اعتباره به (32).
الترجيح:
بعد العرض السابق لأقوال الفقهاء وأدلتهم وما ورد على أدلة الرأي الأول من مناقشات يبدو لي أن رأي القائلين بأن الجامع دون الفرج إذا اقترن به الإنزال لا يجب به كفارة هو الراجح لقوة أدلته وسلامتها من المناقشة، ولأن قياسه على الوطء في الفرج غير صحيح لما بينهما من الفرق، ولأن النبي –صلى الله عليه وسلم- لم يستفصل من الأعرابي، لأنه فهم منه الوقاع في الفرج، بدليل ترك الاستفصال عن الإنزال (33)، لكل ما سبق رجحت الرأي الثاني –والله أعلم بالصواب-.
ويتعلق بما سبق تعمد إفساد الصوم بالاستمناء:
فمن استمنى بيده فقد فعل محرما، ولا يفسد صومه به إلا أن ينزل، فإن أنزل فسد صومه وعليه القضاء دون الكفارة عند جمهور الفقهاء (34)، لأن النص ورد في الجماع، وهذا ليس في معناه.
وقال المالكية، وأبي خلف الطبري من الشافعية أن من استمنى بيده فأنزل تجب عليه الكفارة (35).
والخلاف السابق وما ورد فيه من أدلة يرد هنا، والراجح هناك أيضا هو الراجح هنا. وإن أنزل لغير شهوة كالذي يخرج منه المني أو المذي لمرض فلا شيء عليه، لأنه خارج لغير شهوة أشبه البول، ولأنه يخرج من غير اختيار منه ولا تسبب إليه فأشبه الاحتلام. ولو احتلم لم يفسد صومه، لأنه عن غير اختيار منه، فأشبه ما لو دخل حلقه شيء وهو قائم. ولو جامع في الليل فأنزل بعد ما أصبح لم يفطر، لأنه لم يتسبب غليه في النهار، فأشبه ما لو أكل شيئا في الليل فذرعه القئ في النهار (36).
- والله أعلم بالصواب-
المطلب الرابع
حكم من جامع ناسيا؟
اختلف الفقهاء في من جامع ناسيا على أقوال، هي:
القول الأول:
ذهب الشافعي وأبو حنيفة إلى إسقاط القضاء والكفارة مع النسيان.
وروى أبو داود عن أحمد أنه توقف عن الجواب وقال: أجبن أن أقول فيه شيئا وأن أقول ليس عليه شيء، قال سمعن غير مرة لا ينفذ له فيه قول، ونقل أحمد بن القاسم عنه: كل أمر غلب عليه الصائم ليس عليه قضاء ولا غيره، قال أبو الخطاب: هذا يدل على إسقاط القضاء والكفارة مع الإكراه والنسيان، وهو قول الحسن ومجاهد والثوري (37).
وعند الظاهرية لا شيء مع الإكراه والنسيان (38). وقد نقل ابن رشد والسهارنفوري أنهم يوجبون القضاء والكفارة، وهذا خطأ (39).
القول الثاني:
يرى الإمام مالك أنه عليه القضاء دون الكفارة (40).
القول الثالث:
قال أحمد: الناسي كالعامد، وهو ظاهر المذهب، وهذا قول عطاء، وابن الماجشون (41).
سبب الخلاف:
قال ابن رشد (42): وسبب اختلافهم في قضاء الناسي معارضة ظاهرة الأثر في ذلك للقياس. وأما القياس فهو تشبيه ناسي الصوم بناسي الصلاة، فمن شبهه بناسي الصلاة أوجب عليه القضاء كوجوبه بالنص على ناسي الصلاة. وأما الأثر المعارض بظاهرة لهذا القياس فهو ما خرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "من نسى وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه"، وهذا الأثر يشهد له عموم قوله عليه الصلاة والسلام "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".
دليل القول الأول:
1- عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "من نسى وهو صائم فأكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه" متفق عليه (43).
ويشهد لهذا الأثر عموم قوله –صلى الله عليه وسلم- "وضع عن أمتي الخطأ والنسيان" (44).
دل حديث أبي هريرة على أن من أكل أو شرب أو جامع ناسيا لصومه، فإنه لا يفطره ذلك لدلالة قوله: "فليتم صومه" على أنه صائم حقيقة (45).
دليل القول الثاني:
قاس الملكية جماع الناسي على من نسى ركنا من الصلاة، فإنها تجب عليه الإعادة وإن كان ناسيا (46).
أدلة القول الثالث:
1- حديث أبي هريرة السابق والذي جاء فيه أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أمر الذي قال وقعت على امرأتي بالكفارة، ولم يسأله عن العمد، ولو افترق الحال لسأل واستفصل.
ولأنه يجب التعليل بما تناوله لفظ السائل، وهو الوقوع على المرأة في الصوم. ولأن السؤال كالمعاد في الجواب، فكأن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "من وقع على أهله في رمضان فليعتق رقبة" (47).
2- ولأن الصوم عبادة تحرم الوطء فاستوى فيها عمده وسهوه كالحج. ولأن إفساد الصوم ووجوب الكفارة حكمان يتعلقان بالجماع لا تسقطهما الشبهة، فاستوى فيهما العمد والسهو، كسائر أحكامه (48).
· مناقشة الأدلة:
أولا- مناقشة دليل القول الأول:
حديث أبي هريرة ليس فيه ما يدل على أن من جامع ناسيا لا شيء عليه لأنه مخصوص بالأكل والشرب، وقوله –صلى الله عليه وسلم- "فليتم صومه" لا يؤيد عدم الفطر، لأن المراد منه: فليتم إمساكه عن المفطرات (49).
وأجيب عن هذا:
بأنه ورد في رواية أخرى عند الحاكم بلفظ صحيح "من أفطر في رمضان ناسيا فلا قضاء ولا كفارة"، وهذا صريح في صحة صومه وعدم قضائه له (50).
ثانيا: مناقشة دليل القول الثاني:
نوقش قياس المالكية بأنه فاسد الاعتبار، لأنه في مقابلة النص والمراد بالنص هنا هو حديث أبي هريرة الدال على رفع القضاء عن الناسي (51).
ثالثا- مناقشة أدالة القول الثالث:
1- حديث الأعرابي ليس بحجة لأنه مجمل. ومن قال من أهل الأصول أن ترك التفصيل في اختلاف الأحوال من الشارع بمنزلة العموم في الأقوال فضعيف، فإن الشارع لم يحكم قط إلا على مفصل وإنما الإجمال في حقنا (52).
2- وقياس الحنابلة الناسي في الجماع على الناسي في الحج قياس مردود لمخالفته للنص.
وأيضا قولهم باستواء العمد والسهو في الصيام، قول مردود لثبوت الاختلاف بينهما على لسان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- والذي جاء به حديث أبي هريرة السابق.
الترجيح:
بعد أن ذكرت أقوال الفقهاء في حكم من جامع ناسيا –وأدلتهم، والاعتراضات التي وردت عليها يبدو لي أن رأي القائلين بأن الناسي لا شيء عليه هو الراجح، لقوة أدلتهم، وسلامتها من المناقشة، وقد أيد هذا الأمام الصنعاني، والإمام الشوكاني بعد أن تكلم على تجريح حديث أبي هريرة الذي استدل به أصحاب الرأي الأول، وحكم على سنده بالصحة قال (53): ويتعضد أيضا بأنه قد أفتى به جماعة من الصحابة من غير مخالف. كما قال ابن المنذر وابن حزم وغيرهما، منهم: على وزيد بن ثابت وأبو هريرة وابن عمر، ثم هو موافق لقوله تعالى (54): (ولَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ). فالنسيان ليس من كسب القلوب. وموافق للقياس في إبطال الصلاة بعمد الأكل لا بنسيانه. أ.هـ. منه. نقلا عن الحافظ بن حجر. وقال الشنقيطي المالكي (55): الدليل إلى جانب من يقول: أن من أفطر من صومه سهوا، لا قضاء عليه ولا أثم ولا كفارة.
وقال ابن حجر بعد رد أدلة المخالفين للشافعية: دخول النسيان في الجماع في نهار رمضان في غاية البعد (56). لكل ما سبق رجحت الرأي الأول –والله أعلم بالصواب-.
المطلب الخامس
الأحكام التي تتعلق بالجماع قبل غروب الشمس وبعد طلوع الفجر
إذا طلع الفجر وهو مجامع فاستدام الجماع: للفقهاء في هذا رأيان.
الأول :
قال مالك والشافعي وأحمد: إن طلع الفجر وهو مجامع فاستدام مع العلم بالفجر وجبت عليه الكفارة، واختلفوا في القضاء معها كما سبق (57).
ودليل هذا:
أنه منع صوم يوم من رمضان بجماع من غير عذر فوجبت عليه الكفارة. كما لو وطئ في أثناء النهار (58).
والثاني:
قال أبو حنيفة: يجب القضاء دون الكفارة. وقيل هذا إذا لم يحرك نفسه بعد التذكر حتى أنزل، فإن حرك نفسه بعده، فعليه الكفارة كما لو نزع ثم أدخل.
وحجة أبي حنيفة على القضاء:
أن وطأة لم يصادف صوما صحيحا، فلم يوجب الكفارة، كما لو ترك النية وجامع (59). ويمكن أن يناقش القياس بأنه قياس مع الفارق، لأن من ترك النية عليه القضاء بالإجماع.
أما من استمر في الجامع بعد طلوع الفجر فهو بهذا يفسد صومه به، ويكون كمن وطئ بعد طلوع الفجر.
والراجح مما سبق هو الرأي الأول، لأن استدامة الجماع مع العلم بالفجر جماع، والجماع أثناء الصيام يوجب الكفارة بالنص كما سبق.
وأما أن نزع في الحال مع أول طلوع الفجر، فقال ابن حامد والقاضي، وبعض المالكية: عليه الكفارة أيضا، لأن النزع جماع يلتذ به، فتعلق به ما يتعلق بالاستدامة كالإيلاج (60).
وقال أبو حنيفة والشافعي، وأبو حفص من الحنابلة: لا قضاء عليه ولا كفارة، لأنه ترك للجماع، فلا يتعلق به ما يتعلق بالجماع، كما لو حلف لا يدخل دارا وهو فيها فخرج منها كذلك ههنا (61).
وقال مالك: يبطل صومه ولا كفارة عليه، لأنه لا يقدر على أكثر ما فعله في ترك الجماع، فأشبه المكره (62).
وهذا المسألة تقرب من الاستحالة إذ لا يكاد يعلم أول طلوع الفجر على وجه يتعقب النزع من غير أن يكون قبله شيء من الجامع، فلا حاجة إلى فرضها والكلام فيها (63).
ومن جامع يظن أن الفجر لم يطلع فتبين أنه كان قد طلع، فعليه القضاء والكفارة كما قال الحنابلة.
وحجتهم على هذا: حديث المجامع إذ أمره النبي –صلى الله عليه وسلم- بالتكفير من غير تفريق ولا تفصيل، ولأنه أفسد صوم رمضان بجماع تام، فوجبت عليه الكفارة، كما لو علم (64).
وقال أصحاب الشافعي يلزمه القضاء إذا أكل أو شرب أو جامع ظانا غروب الشمس أو عدم طلوع الفجر فبان خلافه (65).
أدلة الشافعية:
1- قال تعالى (66): (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ) وهذا قد أكل في النهار.
2- وعن أسماء بنت أبي بكر الصديق –رضي الله عنهما- قالت: "أفطرنا على عهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يوم غيم ثم طلعت الشمس قيل لهشام فأمروا بالقضاء فقال بد من قضاء" (67).
3- ولأنه مفطر، لأنه كان يمكنه أن يثبت إلى أن يعلم فلم يعذر (68).
والراجح من الأقوال هو الذي يوجب القضاء لورود النص الصحيح بذلك –والله أعلم بالصواب-.
المطلب السادس
حكم المرأة إذا طاوعت زوجها على الجماع
صوم المرأة يفسد بالجماع بغير خلاف نعلمه، لأنه نوع من المفطرات، فاستوى فيه الرجل والمرأة، كالأكل. وهل يلزمها الكفارة؟ للفقهاء في الإجابة على هذا أقوال، هي:
القول الأول (69):
ذهب أبو حنيفة وأصحابه، ومالك وأصحابه، وأحمد في رواية اختارها أبو بكر، وأبو ثور، وابن المنذر إلى أن المرأة إذا طاوعت زوجها على الجماع وجبت عليها الكفارة.
وهذا قول للشافعية في الموضوع.
القول الثاني (70):
ذهب الشافعي في قول آخر، وداود إلى أن المرأة لا كفارة عليها، والرواية الثانية عند الحنابلة توافق ما ذهب إليه الشافعي وداود. قال أبو داود: سئل أحمد عمن أتى أهله في رمضان، أعليها كفارة؟ قال ما سمعنا أن على امرأة كفارة، وهذا قول الحسن.
القول الثالث (71):
ذهب الشافعي في قول ثالث إلى أنه تجب عليه عنه وعنها كفارة.
سبب الخلاف:
يرى ابن رشد أن سبب اختلافهم معارضة ظاهر الأثر للقياس، وذلك أنه عليه الصلاة والسلام لم يأمر المرأة في الحديث بكفارة، والقياس أنها مثل الرجل إذا كان كلاهما مكلفا (72).
الأدلــــة
أولا- أجلة القول الأول:
1- قوله عليه الصلاة والسلام: "من أفطر في رمضان متعمدا فعليه ما على المظاهر" (73)، وكلمة من تنتظم الذكور والإناث (74).
2- ولأن السبب جناية الإفساد لا نفس الوقاع وقد شاركته فيها (75).
3- ولأن الكفارة عقوبة تتعلق بالجماع فاستوى فيها الرجل والمرأة كحد الزنا (76).
ثانيا- أدلة القول الثاني:
1- في حديث الأعرابي السابق أمر النبي –صلى الله عليه وسلم- الواطئ في رمضان أن يعتق رقبة، ولم يأمر في المرأة بشيء، مع علمه بصدور ذلك منها (77).
2- ولأن الكفارة متعلقة بالجماع وهو فعل الرجل، وإنما هي محل الفعل.
3- ولأنه حق مال يتعلق بالوطء من بين جنسه، فكان على الرجل كالمهر (78).
ثالثا- أدلة القول الثالث:
1- تجب على الرجل عنه وعنها كفارة، لأن الأعرابي سأل النبي –صلى الله عليه وسلم- عن فعل مشترك بينهما، فأوجب عتق رقبة، فدل على أن ذلك عنه وعنها (79).
2- الكفارة وجبت على المرأة بسبب فعل الرجل، فوجب عليه التحمل، كثمن ماء الاغتسال (80) والمعنى أن هذه مؤنة أوقعها الزوج فيها، فيتحملها عنها كثمن ماء الاغتسال.
مناقشة الأدلــــة
أولا- مناقشة أدلة الرأي الأول:
1- الحديث غير محفوظ، فلا يصح الاحتجاج به (81). وقد سبقت مناقشته عند الكلام عن تعمد الأكل والشرب في رمضان.
2- وما استدلوا به من القياس فهو مردود، لأن الكفارة عرفت نصا بخلاف القياس، والنص ورد في الرجل دون المرأة، وكذلك ورد بالوجوب بالوطء وأنه لا يتصور من المرأة فإنها موطوءة، وليست بواطئة (82).
ثانيا- مناقشة أدلة الرأي الثاني:
1- ونوقش الاستدلال بحديث الأعرابي بأنه وإن كان النص واردا في الرجل إلا أنه معلول بمعنى يوجد فيها وهو إفساد صوم رمضان بإفطار كامل حرام محض متعمدا. فتجب الكفارة عليها بدلالة النص (83).
2- ونوقش الدليل الثاني بأن كونها محل الفصل، لا يوجب عليها كفارة، لأنها تسمى موطوءة، والموطوءة غير الواطئ (84).
3- وقياس الكفارة على المهر قياس مردود للفرق فتأمل.
ثالثا- مناقشة أدلة الرأي الثالث:
1- الاستدلال بحديث الأعرابي على أن الكفارة كانت عنهما، مردود، لعدم وجود ما يدل على ذلك من النص.
2- ونوقش الدليل الثاني بأنه لا سبيل إلى التحمل، لأن الكفارة إنما وجبت عليها بفعلها وهو إفساد الصوم (85).
وأيضا لا يجوز أن يتحمل الرجل عن المرأة الكفارة، لأنها عبادة أو عقوبة، ولا يجري فيهما التحمل (86).
الترجيح:
بعد العرض السابق لأقوال الفقهاء وأدلتها، وذكر ما ورد عليها من مناقشات يبدو لي أن رأي القائلين بأن المرأة إن طاوعت زوجها على الجماع وجبت عليها الكفارة هو الراجح، لأن المرأة هتكت صوم رمضان بالجماع، فوجبت عليها الكفارة كالرجل –والله أعلم بالصواب-.
المطلب السابع
حكم المرأة إن أكرهت على الجماع
إن أكرهت المرأة على الجماع، فلا كفارة عليها عند الحنابلة وعليها القضاء. وهذا قول الحسن ونحو ذلك قول الثوري، والأوزاعي، وأصحاب الرأي، وعلى قياس ذلك إذا وطئها نائمة (87).
وقال مالك في النائمة عليها القضاء بلا كفارة، والمكرهة: عليها القضاء والكفارة (88).
وفرق الشافعي، وأبو ثور، وابن المنذر، قالوا: إن كان الإكراه بوعيد ففعلت فعليها القضاء وإن كان الجاء لم تفطر. وكذلك إن وطئها وهي نائمة، ويخرج من قول أحمد في رواية ابن القاسم، كل أمر غلب عليه الصائم ليس عليه قضاء ولا غيره. أنه لا قضاء عليها إذا كانت ملجأة أو نائمة، لأنها لم يوجد منها فعل فلم تفطر، كما لو صب في حلقها ماء بغير اختيارها.
ووجه القول الأول:
أنه جماع في الفرج فأفسد الصوم، كما لو أكرهت بالوعيد، ولأن الصوم عبادة يفسدها الوطء ففسدت به على كل حال، كالصلاة والحج. ويفارق الأكل، فإنه يعذر فيه بالنسيان بخلاف الجماع (89).
كلا الرأيين لا نص معه، إلا أن قول الحنابلة ومن وافقهم يؤيده قوله –صلى الله عليه وسلم- "وضع من أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" ولهذا أرجحه. -والله أعلم بالصواب-.
حكم المرأة إن جامعت ناسية للصوم
إن جامعت المرأة ناسية للصوم، فحكم النسيان حكم الإكراه، ولا كفارة عليها فيهما، وعليها القضاء، لأن الجامع يحصل به الفطر في حق الرجل مع النسيان، فكذلك في حق المرأة.
ويحتمل أن لا يلزمها القضاء، لأنه مفسد لا يوجب الكفارة، فأشبه الأكل (90).
ما حكم امرأتان إن تساحقنا؟ (91)
إن تساحقت امرأتان فلم ينزلا، فلا شيء عليهما، وإن أنزلنا فسد صومهما، وهل يكون حكمهما حكم المجامع دون الفرج إذا أنزل، أو لا يلزمهما كفارة بحال؟
فيه وجهان مبنيان على أن الجماع من المرأة هل يوجب الكفارة؟
على روايتين: واضح الوجهين: أنهما لا كفارة عليهما، لأن ذلك ليس منصوص عليها، ولا في معنى المنصوص عليه، فيبقى على الأصل.
وأن ساحق المجبوب فأنزل، فحكمه حكم من جامع دون الفرج فأنزل. –والله أعلم بالصواب-.
المبحث الثاني
في تكرار الكفارة بتكرر الإفطار
إن جامع فلم يكفر حتى جامع ثانية، لم يخل من أن يكون في يوم واحد أو من يومين. فإن كان في يوم واحد فكفارة واحدة تجزئه بغير خلاف بين أهل العلم (92).
وإن كان في يومين من رمضان، ففيه رأيان:
الأول:
تجزئة كفارة واحدة، وهو ظاهر إطلاق الخرقى، واختيار أبي بكر، ومذهب الزهري والأوزاعي.
ويرى أصحاب الرأي أنه لو جامع في أيام من رمضان واحد ولم يكفر كان عليه كفارة واحدة، فلو جامع فكفر ثم جامع عليه كفارة أخرى في ظاهر الرواية (93).
وحجة هؤلاء:
1- إطلاق جوابه عليه الصلاة والسلام للأعرابي بإعتاق رقبة. وإن كان قوله: "وقعت على امرأتي" يحتمل الوحدة والكثرة ولم يستفسره، فدل أن الحكم لا يختلف.
2- ولأن معنى الزجر معتبر في هذه الكفارة وبدليل اختصاصها بالعمد وعدم الشبهة بخلاف سائر الكفارات، والزجر يحصل بكفارة واحدة، بخلاف ما إذا جامع فكفر ثم جامع للعلم بأن الزجر لم يحصل بالأول (94).
3- ولأنها جزاء عن جنايات تكرر سببها قبل استيفائها، فيجب أن تتدخل كالحد (95).
والثاني
لا تجزئ كفارة واحدة، ويلزمه عن كل يوم كفارة، وهو قول مالك والشافعي والظاهرية، والحنابلة في رواية اختارها القاضي، والليث، وبابن المنذر. وروى ذلك عن عطاء ومكحول (96).
ودليل هذا:
أن كل يوم عبادة متفردة، فإذا وجبت الكفارة بإفساده لم تتدخل، كرمضانين وكالحجتين (97).
وإن كفر ثم جامع ثانية، لم يخل من أن يكون في يوم واحد أو في يومين، فإن كان في يومين، فعليه كفارة ثانية بغير خلاف نعلمه.
وإن كان في يوم واحد، لا شيء عليه بذلك الجماع، لأنه لم يصادف الصوم، ولم يمنع صحته، فلم يوجب شيئا كالجماع في الليل (98).
وقال أحمد: عليه كفارة ثانية، وكذلك يخرج في كل من لزمه الإمساك وحرم عليه الجماع في نهار رمضان، وإن لم يكن صائما مثل من لم يعلم برؤية الهلال إلا بعد طلوع الفجر، أو نسى النية أو أكل عامدا ثم جامع، فإنه يلزمه كفارة.
ودليل هذا:
أن الصوم في رمضان عبادة تجب الكفارة بالجماع فيها، فتكررت بتكرار الوطء إذا كان بعد التكفير كالحج. ولأنه وطء محرم لحرمة رمضان، فأوجب الكفارة كالأولى. وفارق الوطء في الليل، فإنه غير محرم (99).
وبعد أن ذكر ابن رشد أقوال الفقهاء في المسائل السابقة قال (100): والسبب في اختلافهم تشبيه الكفارات بالحدود، فمن شبهها بالحدود قال: كفارة واحدة تجزى في ذلك عن أفعال كثيرة كما يلزم الزاني جلد واحد وإن زنى ألف مرة إذا لم يحد لواحدة منها. ومن لم يشبهها بالحدود جعل لكل واحد من الأيام حكما منفردا بنفسه في هتك الصوم فيه أوجب في كل يوم كفارة.
قالوا: والفرق بينهما أن الكفارة فيها نوع من القربة، والحدود زجر محض.
تعقيب وترجيح:
من ينظر في الأقوال السابقة يلحظ أن النبي –صلى الله عليه وسلم- لم يأمر الأعرابي إلا بكفارة واحدة، ولم يسأله أعاد أم لا، وهذا يؤيد رأي القائلين بأن من وطئ مرارا في اليوم عامدا، فكفارة واحدة فقط، سواء كفر قبل أن يطأ الثانية أو لم يكفر، وأيضا يؤيده: أنه إذا وطئ فقد أفطر، فالوطء الثاني وقع في غير صيام، فلا كفارة فيه. وإن الواطئ بأول إيلاجه متعمدا ذاكرا وجبت عليه الكفارة عاود أو لم يعاود، ولا كفارة في إيلاجه ثانية بالنص، والإجماع (101).
وقياس الأحناف الكفارة على الحد في التداخل مردود، لأن الحدود يقيمها الإمام والحاكم على المرء كرها، ولا يحل للمرء أن يقيمها على نفسه.
بخلاف الكفارة فإنما يقيمها المرء على نفسه، وهو مخاطب بها على نفسه، وليس مخاطبا بالحدود على نفسه.
ورد دليل الأحناف ومن معهم يقوي رأي القائلين بأن من وطئ في يومين عامدا فصاعدا فعليه لكل يوم كفارة، سواء كفر قبل أن يطأ الثانية أو لم يكفر.
ويؤيد هذا قول ابن حزم (102): أمر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الذي وطئ امرأته في رمضان بالكفارة، فصح أن لذلك اليوم الكفارة المأمور بها، وكل يوم يفطر فيه بالجماع عامدا عليه كفارة فلا فرق بينه وبين ذلك اليوم، لأن الخطاب بالكفارة واقع عليه فيه كما وقع في اليوم الأول ولا فرق –والله أعلم بالصواب-.
المبحث الثالث
حكم من تعمد الإفطار بالأكل والشرب
اختلف الفقهاء في المتعمد الإفطار بالأكل والشرب على رأيين:
الرأي الأول:
ذهب الأحناف والمالكية والثوري وجماعة إلى أن من أفطر متعمدا بأكل أو شرب عليه القضاء والكفارة (103).
الرأي الثاني:
ذهب الشافعي وأحمد وأهل الظاهر إلى أن الكفارة إنما تلزم في الإفطار من الجامع فقط (104). واختلف أصحاب هذا الرأي في القضاء على من تعمد الإفطار بالأكل والشرب، فذهب الشافعي والحنابلة إلى وجوب القضاء لقوله –صلى الله عليه وسلم- "من استقاء فعليه القضاء"، ولأن الله تعالى أوجب القضاء على المريض والسافر مع وجود العذر، فلأن يجب مع عدم العذر أولى. ويجب عليه أيضا إمساك بقية النهار، لأنه أفطر بغير عذر، فلزمه إمساك بقية النهار.
وقال ابن حزم من تعمد الأكل والشرب بطل صومه، ولا يقدر على قضائه أن كان في رمضان أو في نذر معين، لأنه لم يأت في فساد الصوم بالتعمد للأكل أو الشرب نص بإيجاب القضاء، فإيجاب صيام غيره بدلا منه إيجاب شرع لم يأذن الله تعالى به، فهو باطل.
فإن قالوا: قسنا كل مفطر بعمد في إيجاب القضاء على المتقئ عمدا قلنا: القياس كله باطل.
سبب اختلاف الفقهاء:
هو اختلافهم في جواز قياس المفطر بالأكل والشرب على المفطر بالجماع، فمن رأى أن شبههما فيه واحد وهو انتهاك حرمة الصوم جعل حكمهما واحدا. ومن رأي أنه وإن كانت الكفارة عقابا لانتهاك الحرمة فإنها أشد مناسبة للجماع منها لغيره، وذلك أن العقاب المقصود به الردع، والعقاب الأكبر قد يوضع لما إليه النفس أميل، وهو لها أغلب من الجنايات وإن كانت الجناية متقاربة إذ كان المقصود من ذلك التزام الناس الشرائع، وإن يكونوا أخيارا عدولا كما قال تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). قال هذه الكفارة المغلظة خاصة بالجماع، وهذا إذا كان ممن يرى القياس. وأما من لا يرى القياس فأمره بين أنه ليس يعدي حكم الجماع إلى الأكل والشرب (105).
أدلة الرأي الأول:
1- قوله عليه السلام: "من أفطر في رمضان عليه ما على المظاهر" (106).
وعلى المظاهر الكفارة بنص الكتاب، فكذا على المفطر متعمدا (107).
2- استدلوا أيضا بالمواقعة والقياس عليها: أما الاستدلال بالمواقعة، فهو أن الكفارة فيها وجبت لكونها إفساد لصوم رمضان من غير عذر ولا سفر على ما نطق به الحديث، والأكل والشرب إفساد لصوم رمضان متعمدا من غير عذر ولا سفر، فكان إيجاب الكفارة هناك إيجابا هاهنا دلالة.
والدليل على أن الوجوب في المواقعة لما ذكرنا وجهان: أحدهما مجمل، والآخر مفسر.
أما المجمل فاستدلال بحديث الأعرابي. وأما المفسر، فلأن إفساد صوم رمضان ذنب، ورفع الذنب واجب عقلا وشرعا لكونه قبيحا، والكفارة تصلح رافعة له، لأنها حسنة وقد جاء الشرع بكون الحسنات ذاهبة للسيئات، إلا أن الذنوب مختلفة المقادير، وكذا الروافع لها لا يعلم مقاديرها إلا الشارع للأحكام وهو الله تعالى، فمتى ورد الشرع في ذنب خاص بإيجاب رافع خاص، ووجد مثل ذلك الذنب في موضع آخر، كان ذلك إيجابا لذلك الرافع فيه، ويكون الحكم فيه ثابت بالنص لا بالتعليل والقياس.
وأما القياس على المواقعة، فهو أن الكفارة هناك وجبت للزجر عن إفساد صوم رمضان صيانة له في الوقت الشريف، لأنها تصلح زاجرة، والحاجة مست إلى الزاجر، أما الصلاحية فلأن من تأمل أنه لو أفطر يوما من رمضان لزمه إعتاق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا لامتنع منه وإما الحاجة إلى الزجر فلوجود الداعي الطبيعي إلى الأكل والشرب والجماع وهو شهوة الأكل والشرب والجماع، وهذا في الأكل والشرب أكثر لأن الجوع والعطش يقلل الشهوة، فكانت الحاجة إلى الزجر عن الأكل والشرب أكثر فكان شرع الزاجر هناك شرعا هاهنا من طريق الأولى، وعلى هذه الطريقة يمنع عدم جواز إيجاب الكفارة بالقياس (108).
أدلة الرأي الثاني: استدل الظاهرية على ما ذهبوا إليه:
1- بأن أبا بكر الصديق قال لعمر بن الخطاب –رضي الله عنهما- فيما أوصاه به: من صام شهر رمضان في غيره لم يقبل منه ولو صام الدهر أجمع.
2- وعن عمر بن الخطاب أنه أتى بشيخ شرب الخمر في رمضان، فقال للمنخرين! للمنخرين ولداننا صيام، ثم ضربه ثمانين وصيره إلى الشام.
ذكر ابن حزم هذين الأثرين ثم قال (109): ولم يذكر قضاء ولا كفارة؟
واستدل الشافعي وأحمد وغيرهما:
1- بأن وجوب الكفارة ثبت معدولا به عن القياس، لأن وجوبها لدفع الذنب، والتوبة كافية لدفع الذنب (110).
2- ولأن الكفارة من باب المقادير، والقياس لا يهتدي إلى تعيين المقادير، وإنما عرف وجوبها بالنص والنص ورد في الجماع، والأكل والشرب ليس في معناه، لأن الجماع أشد حرمة منهما حتى يتعلق به وجوب الحد دونهما، فالنص الوارد في الجماع لا يكون واردا في الأكل والشرب، فيقتصر على مورد النص (111).
مناقشة أدلة الرأي الأول:
1- ناقش الشافعية الحديث من وجهين (112):
أحدهما: أنه ضعيف، لأن الرواية الأولى مرسلة والثانية فيها ليث ابن أبي سليم وهو ضعيف.
والثاني: جواب البيهقي أن هذا اختصار وقع من هشيم، فقد رواه أكثر أصحاب ليث عنه عن مجاهد عن أبي هريرة –رضي الله عنه- مفسرا في قصته الذي وقع على امرأته في نهار رمضان قال البيهقي وهكذا كل حديث روى في هذا الباب مطلقا من وجه، فقد روى من وجه آخر مفسرا بأنه في قصة الواقع على امرأته، قال ولا يثبت عن النبي –صلى الله عليه وسلم- في الفطر بالأكل شيء هذا كلام البيهقي والله أعلم.
2- وأما الاستدلال بالمواقعة والقياس عليها، فهو استدلال مردود، لأن الشرع لم يوجب الكفارة إلا في الجماع، وما سواه ليس في معناه، لأن الجماع أغلظ ولهذا يجب به الحد في ملك الغير، ولا يجب فيما سواه فبقى على الأصل (113).
الترجيح:
بعد أن ذكرت آراء الفقهاء في الموضوع، وسبب الخلاف، وأدلة الرأيين، وما ورد على أدلة الرأي الأول من مناقشات، أميل إلى ترجيح رأي القائلين بأن من تعمد الإفطار بالأكل والشرب لا تلزمه كفارة وإنما يجب عليه القضاء، لقوة أدلتهم، وسلامتها من المناقشة.
ولأن الشنقيطي المالكي بعد أن أشار إلى الخلاف في الموضوع قال (114): غير أن الدليل إلى جانب من أوجبها بالإيلاج فقط، لورود النص فيه دون غيره. ولأن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- أتى برجل نشوان في رمضان، فضربه الحد وسيره إلى الشام، قالوا: وكان عمر إذا غضب على أحد سيره إلى الشام. فلو أن الكفارة تلزم بغير الجماع في رمضان لألزمه عمر ذلك. وهذا الأثر أخرجه البخاري في صحيحه تعليقا بلفظ: وقال عمر لنشوان في رمضان: ويلك، وصبياننا صيام؟ فضربه.
لكن ما سبق رجحت الرأي الثاني –والله أعلم بالصواب-.
المبحث الرابع
هل تجب الكفارة بالفطر في غير رمضان؟
اتفق الجمهور على أنه ليس في الفطر عمدا في قضاء رمضان كفارة، لأنه ليس له حرمة زمان الأداء: أي أداء رمضان، إلا قتادة فإنه أوجب عليه القضاء والكفارة (115). وبين الحنفية مذهب الجمهور فقالوا (116): وليس في إفساد صوم غير رمضان كفارة، لأن الكفارة في إفطار صومه وجبت بالنص على خلاف القياس فلا قياس وليس غيره في معناه. ولأن الإفطار في رمضان أبلغ في الجناية لكونها جناية على الصوم والشهر جميعا، وغيره جناية على الصوم وحده، لأن الوقت غير متعين لذلك فلا يلحق به غيره (117).
واستدل قتادة على ما قال به بأنه عبادة تجب الكفارة في أدائها، فوجبت في قضائها كالحج. وهذا مردود، لأن القضاء يفارق الأداء، لأنه متعين بزمان محترم، فالجماع فيه هتك له بخلاف القضاء (118).
وروى عن ابن القاسم، وابن وهب من المالكية أن من أفطر عمدا في قضاء رمضان عليه يومين قياسا على الحج الفاسد (119).
وهذا أيضا مردود. للخلاف بين المقيس والمقيس عليه، فلزوم الكفارة بإفساد الحج النفل والقضاء بالجماع ليس إلحاقا بإفساد الحج الفرض بل هو ثابت ابتداء بعموم نص القضاء والإجماع (120).
وأيضا الكفارة في الحج يستوي فيها الفرض والنفل، لأن وجوبها لحرمة العبادة وهما فيها سواء (121).
الترجيح:
بعد العرض السابق يتبين لي أن رأي القائلين بأن الفطر عمدا في قضاء رمضان وغيره ليس فيه كفارة هو الراجح لقوة دليله، ولأن إفساد صوم غير رمضان ليس في معنى إفساد صوم رمضان من كل وجه، بل ذاك أبلغ في الجناية لوقوعه في شرف الزمان (122) –والله أعلم بالصواب-
المبحث الخامس
في كفارة الصوم وما يتعلق بها من الأحكام
والكفارة: في عرف الشرع اسم للواجب المحدد في النص، قال أبو هريرة: بينما نحن جلوس عند النبي –صلى الله عليه وسلم- إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت. قال: "مالك" قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: هل تجد رقبة تعتقها؟"، قال: لا، قال: "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟" قال: لا. قال: "هل تجد إطعام ستين مسكينا؟" قال: لا. قال: "اجلس" ومكث النبي –صلى الله عليه وسلم- فبينا نحن على ذلك، أتى النبي –صلى الله عليه وسلم- بعرق فيه تمر- والعراق المكتل الضخم- قال: "أين السائل؟"، قال: أنا. قال: "خذ هذا فتصدق به" فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله، ما بين لابتيها –يريد الحرتين- أهل بيت أفقر مني أهل بيتي. فضحك النبي –صلى الله عليه وسلم- حتى بدت أنيابه، ثم قال: "أطعمه أهلك". متفق عليه (123).
فأنواعها:
ثلاثة: عتق رقبة مؤمنة عند الجمهور سليمة من العيوب ليس فيها عقد من عقود الحرية ولا يكون عتقها مستحقا بجهة أخرى، فإن لم يجد الرقبة ولا ثمنها فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطيع فإطعام ستين مسكينا (124).
وتفصيل الأنواع الثلاثة يأتي بيانه:
حكمها:
واجبة، ودليل ذلك حديث أبي هريرة السابق، والذي أمر النبي –صلى الله عليه وسلم- المجامع فيه بالإعتاق، ثم بالصوم، ثم الإطعام، ومطلق الأمر محمول على الوجوب (125).
حكمه هذه الخصال من المناسبة:
أن من انتهك حركة الصوم بالجماع فقد أهلك نفسه بالمعصية فناسب أن يعتق رقبة فيفدي نفسه، وقد صح أن من أعتق رقبة اعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار.
وأما الصيام فمناسبته ظاهرة، لأنه كالمقاصة بجنس الجناية، وأما كونه شهرين فلأنه لما أمر بمصابرة النفس في حفظ كل يوم من شهر رمضان على الولاء، فلما أفسد منه يوما كان كمن أفسد الشهر كله من حيث أنه عبادة واحدة بالنوع، فكلف بشهرين مضاعفة على سبيل المقابلة لنقيض قصده.
وأما الإطعام فمناسبته ظاهرة لأنه مقابلة كل يوم بإطعام مسكين. ثم إن هذه الخصال جامعة لاشتمالها على حق الله وهو الصوم، وحق الأحرار بالإطعام، وحق الأرقاء بالإعتاق، وحق الجاني بثواب الامتثال (126).
وللكفارة أحكام نوضحها من خلال المطالب الآيتة:
المطلب الأولى
هل الكفارة على التراتيب أو على التخيير:
المراد بالترتيب: أن لا ينتقل المكلف إلى واحد من الواجبات المخيرة إلا بعد العجز عن الذي قبله. والمراد بالتخيير: أن يفعل منها ما شاء ابتداء من غير عجز عن الآخر (127).
وللفقهاء في الموضوع رأيان:
الرأي الأول:
كفارة الوطء في رمضان ككفارة الظهار في الترتيب، يلزمه العتق أن أمكنه، فإن عجز عنه أتنقل إلى الصيام، فإن عجز أتنقل إلى إطعام ستين مسكينا وهذا قول جمهور العلماء: أصحاب الرأي، والشافعي، ومشهور مذهب الحنابلة، والثوري والأوزاعي، والظاهرية (128).
الرأي الثاني:
أنها على التخيير بين العتق والصيام والإطعام، وبأيها كفر أجزأه، وبهذا قال مالك، وأحمد في رواية أخرى.
وروى ابن القاسم عن مالك أنه يستحب الإطعام أكثر من العتق ومن الصيام، وجرى على هذا العراقيون.
ووجه ذلك: أن الإطعام أعم نفعا، لأنه يحيي به جماعة لاسيما في أوقات الشدائد والمجاعات (129).
سبب اختلاف الفقهاء:
يرى ابن رشد أن سبب اختلاف الفقهاء في وجوب الترتيب تعارض ظواهر الآثار في ذلك والأقيسة، وذلك أن ظاهر حديث الأعرابي المتقدم يوجب أنها على الترتيب إذ سأله النبي عليه الصلاة والسلام عن الاستطاعة عليها مرتبا، وظاهر ما رواه مالك من "أن رجلا أفطر في رمضان فأمره رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا" أنها على التخيير، إذ أو إنما تقتضي في لسان العرب التخيير، وإن كان ذلك من لفظ الراوي الصاحب، إذ كانوا هم أقعد بمفهوم الأحوال ودلالات الأقوال. وأما الأقيسة المعارضة في ذلك فتشبيهها تارة بكفارة الظهار وتارة بكفارة اليمين، لكنها أشبه بكفارة الظهار منها بكفارة اليمين، وأخذ الترتيب من حكاية لفظ الراوي (130).
الأدلـــة
أولا- أدلة الرأي الأول:
1- حديث أبي هريرة السابق رواه معمر ويونس والأوزاعي والليث، وموسى بن عقبة، وعبيد الله بن عمر، وعراك بن مالك، وإسماعيل بن أمية، ومحمد بن أبي عتيق وغيرهم عن الزهري عن حميد ابن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا قال: للواقع على أهله "هل تجد رقبة تعتقها؟" قال: لا. قال: فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟ قال: لا.
فظاهر لفظ الحديث يوجب أنها على الترتيب (131).
2- ولأنها كفارة فيها صوم شهرين متتابعين، فكانت على الترتيب ككفارة الظهار والقتل (132).
ثانيا- أدلة الرأي الثاني:
1- روى مالك وابن جريح عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة: "أن رجلا أفطر في رمضان، فأمره رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن يكفر بعتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا" (133).
أو حرف تخيير، وظاهر هذه الرواية يقتضي التخيير لأن (أو) في مثل هذا إنما للمساواة بين الأشياء، فيما تناولته من حظر، أو إباحة أو جزاء، أو غير ذلك من الأحكام، ولا يجوز أن تكون للشك ههنا، لأنه لا خلاف أنه لم يأمر بواحد من ذلك فيشك فيه الراوي، بل الإجماع منعقد على أنه قد أمر بجميعها، وإنما اختلف العلماء في صفة أمره بها (134).
2- ولأنها تجب بالمخالفة، فكانت على التخيير ككفارة اليمين (135).
مناقشة أدلة المالكية ومن معهم:
1- نوقش الدليل الأول بأن رواية الدليل الأول أولى من رواية مالك، لأن أصحاب الزهري اتفقوا على روايته هكذا سوى مالك وابن جريح فيما عملنا. واحتمال الغلظ فيهما أكثر من احتماله في سائر أصحابه، ولأن الترتيب زيادة، والأخذ بالزيادة متعين.
ولأن حديث الرأي الأول لفظ النبي –صلى الله عليه وسلم- وحديثهم لفظ الراوي، ويحتمل أنه رواه (بأو) لاعتقاده أن معنى اللفظين سواء (136).
ويحتمل أن هؤلاء اختصروا الحديث وأتوا بألفاظهم، أو بلفظ من دون النبي –صلى الله عليه وسلم- (137).
وإذا رجعنا إلى المقارنة بين الرأي الأول وبين رواية الموطأ وجدنا أن الروايتين مروية عن الزهري، ألا أن الذين رووه عن الزهري أكثر ممن روى التخيير (138).
2- وأما استحباب مالك الابتداء بالطعام فمخالف لظواهر الآثار، وإنما ذهب إلى هذا من طريق القياس، لأنه رأي الصيام قد وقع بدله الإطعام في مواضع شتى من الشرع، وأنه مناسب له أكثر من غيره بدليل قراءة من قرأ- وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين- ولذلك استحب هو وجماعة من العلماء لمن مات وعليه صوم أن يكفر بالإطعام عنه، وهذا كأنه من باب ترجيح القياس الذي تشهد له الأصول على الأثر الذي لا تشهد له الأصول (139).
ورد ابن قدامه أيضا استحباب مالك الابتداء بالإطعام فقال (140): (وهذا القول ليس بشيء، لمخالفته الحديث الصحيح، مع أنه ليس له أصل يعتمد عليه، ولا شيء يستند إليه، وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحق أن تتبع.
3- ونوقش القياس على كفارة الأيمان بأنه قياس مع الفارق لاشتراط التتابع من كفارة الصيام والظهار والقتل دون كفارة اليمين (141) .
الترجيح:
بعد أن ذكرت الرأيين السابقين، وأدلتهما، وما ورد على أدلة الرأي الثاني من مناقشات يبدو لي أن حجة من يرى الترتيب أرجح بالدليل. ورواية الترتيب المصرحة بذكر الجماع أولى أن يؤخذ بها لوجوه (142):
أحدهما: أن رواتها أكثر، وإذا قدر التعارض رجحنا برواية لأكثر اتفاقا.
الثاني: أن رواتها حكوا القصة، وساقوا ذكر المفطر وأنه الجماع، وحكوا لفظ النبي –صلى الله عليه وسلم- وأما رواة التخيير فلم يفسروا بماذا أفطر؟ ولا حكوا أن ذلك لفظ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ولا من لفظ صاحب القصة، فكيف تقدم روايتهم على رواية من ذكر لفظ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في الترتيب.
الثالث: أن هذا صريح، وقوله: "أفطر" مجمل لم يذكر فيه بماذا أفطر، وقد فسرته الرواية الأخرى بأن فطره كان بجماع، فتعين الأخذ به.
الرابع: أن حرف "أو" وإن كان ظاهرا في التخيير، فليس بنص فيه، وقوله "هل تستطيع كذا؟" صريح في الترتيب.
الخامس: أن الأخذ بحديث الترتيب متضمن العمل بالحديث الآخر، لأنه يفسره ويبين المراد منه، والعمل بحديث التخيير لا يتضمن العمل بحديث الترتيب، ولا ريب أن العمل بالنصين أولى.
السادس: أنا قد رأينا صاحب الشرع جعل نظير هذه الكفارة، سواء على الترتيب، وهي كفارة الظاهر، وحكم النظير حكم نظيره. ولا ريب أن إلحاق كفارة الجماع في رمضان بكفارة الظهار وكفارة القتل، أولى وأشبه من إلحاقها بكفارة اليمين. ورجح الإمام الحافظ ابن حجر الترتيب فقال (143) ويترجح الترتيب أيضا، بأنه أحوط، لأن الأخذ به مجزئ سواء قلنا بالتخيير أو لا بخلاف العكس.
لكل ما سبق رجحت رأي القائلين بأن كفارة الصيام على الترتيب –والله أعلم بالصواب-.
المطلب الثاني
العتق في كفارة الصيام (144)
اختلف الفقهاء في صفة الرقبة التي تجزئ في كفارة الصيام على رأيين:
الرأي الأول:
ذهب الأحناف والظاهرية إلى أن الرقبة الكافرة تجزي في كفارة الظهار واليمين والإفطار (145).
وحجة هؤلاء: عموم قوله –صلى الله عليه وسلم- "اعتق رقبة"، فلو كان شيء من الرقاب التي تعتق لا تجزئ في ذلك لبينة عليه السلام، ولما أهمله حتى يبينه له غيره (146)، وظاهر قوله تعالى: (والَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا)(147) ليس فيه ما ينبئ عن صفة الإيمان والكفر، فالتقييد بغير دليل مردود.
الرأي الثاني:
ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه لا تجزئ إلا الرقبة المؤمنة (148).
ودليل هذا:
1- قوله تعالى (149): (ولا تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ) ولا خبث أشد من الكفر.
2- وقد أخرج مسلم والنسائي أن معاوية بن الحكم قال: كانت لي جارية فأتيت النبي –صلى الله عليه وسلم- فقلت: على رقبة أفأعتقها؟ فقال لها رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "من أنا"؟ فقالت: أنت رسول الله –صلى الله عليه وسلم-. فقال –صلى الله عليه وسلم-: "اعتقها فإنها مؤمنة" (150).
ووجه الاستدلال بالحديث هو أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- لم يستفصله عن نوع الكفارة التي يريد العتق عنها، فدل عدم الاستفصال على أن كل كفارة لا يجزئ عنها إلا رقبة عنها، فدل عدم الاستفصال على أن كل كفارة لا يجزئ عنها إلا رقبة مؤمنة، ولأن المقرر في مباحث الألفاظ أن ترك الاستفصال في وقائع الأحوال ينزل منزلة العموم في الأقوال (151).
3- ورد النص على الرقبة المؤمنة في كفارة القتل، وما عدا كفارة القتل فبالقياس عليها (152).
ناقش المخلفون للرأي الثاني أدلتهم فقالوا:
1- لا حجة لهم في الآية، لأن الكفر خبث من حيث الاعتقاد. والمصروف إلى الكفارة ليس هو الاعتقاد، إنما المصروف إلى الكفارة المالية ومن حيث المالية هو عيب يسير على شرف الزوال (153).
2- وأما الحديث فقد ذكر ف بعض الروايات أن الرجل قال على عتق رقبة مؤمنة، أو عرف رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بطريق الوحي أن عليه رقبة مؤمنة، فلهذا امتحنها بالإيمان (154).
3- وأما القياس فقال ابن حزم (155): (كله باطل، ثم لو كان تحقا لكان هذا منه باطلا، لأن مالكا لا يقيس حكم قاتل العمد على حكم قاتل الخطأ في الكفارة، فإذا لم يقس قاتلا على قاتل فقياس الواطئ على القاتل أولى بالبطلان أن كان القياس حقا؟
والشافعي لا يقيس المفطر بالأكل على المفطر بالوطء في الكفارة. فإذا لم يقس مفطرا على مفطر، فقياس المفطر على القاتل أولى بالبطلان، أن كان القياس حقا؟
وأيضا: فإنه لا خلاف في أن كفارة الوطء في رمضان يعوض فيها الإطعام من الصيام ولا يعوض الإطعام من الصيام في كفارة قتل الخطأ. فقد صح إجماعهم على أن حكم كفارة الواطئ مخالف لحكم كفارة القاتل، فبطل بهذا قياس إحداهما على الأخرى.
وناقش المخالفون للأحناف قولهم بالإطلاق بأن المطلق يحمل على المقيد في كفارة القتل والوارد فيها وصف الرقبة لمعتقة بالإيمان.
الرأي الراجح:
بعد العرض السابق يتبين لنا أن رأي الجمهور باشتراط الإيمان في الرقبة المعتقة هو الراجح لقوة أدلتهم، ولقوله –صلى الله عليه وسلم- "اعتقها فإنها مؤمنة" ولاتفاق هذا الرأي مع الحكمة التي من أجلها شرع الله العتق، ولأن إعتاق الرقبة المؤمنة أفضل من إعتاق الرقبة الكافرة في جميع الأحوال –والله أعلم بالصواب-.
المطلب الثالث
الصيام في كفارة المجامع في رمضان
من عليه كفارة وعدم الرقبة انتقل إلى صيام شهرين متتابعين، ولا نعلم خلافا في دخول الصيام في كفارة الوطء إلا شذوذ لا يعرج عليه لمخالفته السنة الثابتة (156).
ويشترط التتابع في صيام كفارة رمضان عند الجمهور من الفقهاء، ويؤيد هذا الأحاديث التي سبقت في الموضوع وهي مقيدة بالتتابع (157).
وذهب ابن أبي ليلى إلى جواز تفريقه مستدلا بحديث أبي هريرة والذي جاء فيه أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أمر رجلا أفطر في رمضان أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين أو يطعم ستين مسكينا. رواه مسلم، مالك، وأبي داود، والبيهقي (158) فلم يقل النبي –صلى الله عليه وسلم- بالتتابع في هذا، فدل على عدم اشتراطه. ورد الجمهور هذا بأن المطلق يحمل على المقيد، فيشترط التتابع، وهو الراجح.
واشترط الجمهور أن لا يكون في الشهرين شهر رمضان، وأن لا يكون فيهما أيام نهى عن صومها كيومي الفطر والأضحى وأيام التشريق.
فإن أفطر فيهما يوما لمرض أو لغيره، فعليه استقبال الصيام لفوات صفة التتابع بفطره، والواجب المقيد بوصف شرعا لا يتأدي بدونه (159)، فإن لم يشرع في الصيام حتى وجد الرقبة لزمه العتق، لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- سأل المواقع عما يقدر عليه حين أخبره بالعتق، ولم يسأله عما كان يقدر عليه حال المواقعة وهي حالة الوجوب. ولأنه وجد المبدل قبل التلبيس بالبدل، فلزمه كما لو كان واجدا له حال الوجوب (160).
وإن شرع في الصوم قبل القدرة على الإعتاق ثم قدر عليه، ففي المسألة رأيان:
الرأي الأول:
ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن من شرع في الصوم قبل القدرة على الإعتاق ثم قدر عليه، لم يلزمه الخروج إليه إلا أن يشاء العتق فيجزئه، ويكون قد فعل الأولى (161).
ودليل هذا:
أنه شرع في الكفارة الواجبة عليه فأجزأته، كما لو استمر العجز إلى فراغها (162).
الرأي الثاني:
قال الأحناف (163): أن أيسر قبل أن يفرغ من الصوم أتنقض صيامه، وعليه العتق لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل، فإن المقصود إسقاط الكفارة عنه، وذلك لا يحصل قبل تمام الشهرين وهو كالمتيمم إذا وجد الماء قبل الفراغ من الصلاة، والطارئ من اليسار قبل حصول المقصود كالمقترن بحالة الشروع في الصوم.
ومعنى قولهم (أتنقض صومه) في حكم جوازه عن الكفارة، فأما أصل الصوم باق فيستحب إتمامه نقلا، لأن اليسار لا يمنع ابتداء الصوم إنما يمنع التكفير (164).
مناقشة وجهة نظر الأحناف:
ناقش المخالفون للأحناف وجهة نظرهم فقالوا (165): العتق يفارق التيمم لوجهين: أحدهما: أن التيمم لا يرفع الحدث، وإنما يستره، فإذا وجد الماء ظهر حكمة بخلاف الصوم، فإنه يرفع حكم الجماع بالكلية.
والثاني: أن الصيام تطول مدته فيشق إلزامه الجمع بينه وبين العتق بخلاف الوضوء والتيمم. وورد في هامش المغني تعليقا على ما سبق (166). أن الوجه الأول تحكم، لأن الحدث أمر حكمي يرتفع بالوضوء ويبدله بشرطه على السواء وليس شيئا موجودا يستر ويظهر، والصواب في خصال الكفارة أن كلا منهما أصل لا بدل إلا أنها مرتبة، فإذا شرع في الثاني أو الثالث لعجزة عما قبله صار هو فرضه بالذات، ولا يكلف إبطال ما شرع فيه والله يقول (ولا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ)، والفرق الصحيح بين خصال الكفارة وبين الوضوء والتيمم أن الأولى يحصل لكل من خصالها تربية النفس وتطهيرها المعنوي من لوث ارتكاب الشهوة الكبرى، وأما التيمم فلا يحصل له ما يحصل بالوضوء من الطهارة الحسية المنصوصة في قوله تعالى: (ولَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) فهو بدل عن الوضوء من الجهة التعبدية فيه فقط على أن بطلان صلاة المتيمم برؤية الماء في نظر.
الترجيح:
بعد العرض السبق للرأيين وأدلتهما وما ورد على أدلة الأحناف من مناقشات يبدو لي أن رأي الشافعية ومن معهم هو الأولى بالقبول لقوة أدلته، ولأن من كان عاجز عن الرقبة يصبح الصيام فرضه لقوله تعالى: (فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا) وقد أجمع أهل العلم على أن المظاهر إذا لم يجد رقبة أن فرضه الصوم لهذه الآية (167)، ولكن ما سبق أرجح رأي القائلين بأن من شرع في الصوم قبل القدرة على الإعتاق، ثم قدر عليه لم يلزمه الخروج إليه –والله أعلم بالصواب-.
المطلب الرابع
الإطعام في كفارة الصيام
ويشتمل هذا المطلب على الفرعين الآتيين:
الفرع الأول
آراء الفقهاء في مقدار الإطعام
لا نعلم بين أهل العلم خلافا في دخول الإطعام في كفارة الوطء في رمضان في الجملة، وهو مذكور في الخبر الصحيح. والواجب فيه إطعام ستين مسكينا في قول عامتهم، وهو في الخبر أيضا، ولأنه إطعام في كفارة فيها صوم شهرين متتابعين، فكان إطعام ستين مسكينا ككفارة الظهار (168).
واختلف الفقهاء في قدر ما يطعم كل مسكين، وذلك على رأيين:
الرأي الأول:
ذهب جمهور الفقهاء: مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، والظاهرية إلى أن لكل مسكين مدبر، وذلك خمسة عشر صاعا، أو نصف صاع من تمر أو شعير ، فيكون الجميع ثلاثين صاعا.
وخالف الظاهرية فقالوا: مد يمد النبي –صلى الله عليه وسلم- مما يوكل ويكال، فإن أطعمهم طعاما معمولا فيجزئه ما أشبعهم أكلة واحد، أقل كان أو أكثر (169).
الرأي الثاني:
يرى أبو حنيفة أنه لا يجزئ إلا نصف صاع بر، أو مثله من سويقه أو دقيقة، أو صاع من شعير، أو زبيب، أو تمر، لكل مسكين، وبهذا قال أصحابه (170).
سبب الخلاف (171):
يرى ابن رشد أن سبب اختلاف الفقهاء هو معارضة القياس للأثر أما القياس فتشبيه هذه الفدية الأذى المنصوص عليها في حديث كعب بن عجرة والمتفق عليه. وفيه: "أو إطعام ستة مساكين نصف صاع طعاما لكل مسكين". وأما الأثر فيما روى في بعض طرق حديث الكفارة أن الفرق كان فيه خمسة عشر صاعا.
أدلة الرأي الأول:
1- ورد في بعض روايات حديث الأعرابي عن هشام بن سعد بن ابن شهاب عن ابن مسلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة: فأوتي بعرق قدر خمسة عشر صاعا (172) دل الحديث من حيث الظاهر على أن طعام الكفارة مد لكل مسكين لا يجوز أقل منه، ولا يجب أكثر منه، لأن خمسة عشر صاعا إذا قسمت بين ستين يخص كل واحد منهم مد (173).
2- روى أحمد حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب عن أبي زيد المدني قال جاءت امرأة من بني بياضة بنصف وسق شعير، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- للمظاهر: "أطعم هذا، فإن مدى شعير مكاني مد بر" (174).
3- ولأن فدية الأذى نصف صاع من التمر والشعير بلا خلاف، فكذا هذا. ولأن الأجزاء بمد منه قول ابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة، وزيد، ولا مخالف لهم من الصحابة (175).
أدلة الأحناف:
1- حديث سلمة بن صخر، وأوس بن الصامت –رضي الله عنهما- فقد ذكر في الحديثين إطعام ستين مسكينا لكل مسكين نصف صاع من بر (176).
2- ولأن المعتبر حاجة اليوم لكل مسكين، فيكون نظير صداقة الفطر (177).
تعقيب وترجيح:
بعد أن ذكر ابن حجر الأحاديث الكثيرة التي وردت في قدر الإطعام في الكفارة قال (178): (ووقع في مرسل عطاء بن أبي رباح وغيره عند مسدد "فأمر له ببعضه" وهذا بجمع الروايات، فمن قال إنه كان عشرين أراد أصل ما كان فيه، ومن قال خمسة عشر أراد قدر ما تقع به الكفارة، ويبين ذلك حديث على عن الدار قضني "تطعم ستين مسكينا لكل مسكين مد" وفيه "فأتي بخمسة عشر صاعا فقال أطعمه ستين مسكينا" وكذا في رواية حجاج عن الزهري عند الدار قطني في حديث أبي هريرة، وفيه رد على الكوفيين في قولهم أن واجبه من القمح ثلاثون صاعا ومن غيره ستون صاعا، ولقول عطاء: إن أفطر بالأكل أطعم عشرين صاعا).
وظاهر دليل الرأي الأول يدل على أن قدر خمسة عشر صاعا كاف للكفارة عن شخص واحد لكل مسكين مد، وقد جعله الشافعي أصلا لمذهب في أكثر المواضع التي يجب فيها الإطعام، إلا أنه قد روى في خبر سلمة بن صخر وأوس بن الصامت في كفارة الظاهر أنه قال فغي أحدهما "أطعم ستين مسكينا وسقا، والوسق ستون صاعا" وفي الخبر الآخر: "أنه أتى بعرق"، وفسره محمد بن اسحق بن يسار في روايته "ثلاثين صاعا"، وإسناد الحديثين لا بأس به، وإن كان حديث أبي هريرة أشهر رجالا (179).
ولهذا فإني أرجح رأي جمهور الفقهاء لقوة أدلته، ومع هذا فإني أرى أنه من الاحتياط أن لا يقتصر على المد الواحد، لأن من الجائز أن يكون العرق الذي أتى به النبي –صلى الله عليه وسلم- المقدر بخمسة عشر صاعا قاصرا في الحكم عن مبلغ تمام الواجب عليه، مع أمره إياه أن يتصدق به، ويكون تمام الكفارة باقيا عليه إلى أن يؤديه عند اتساعه لوجوده، كمن يكون عليه لرجل ستون درهما، فيأتيه بخمسة عشر درهما، فيقال لصاحب الحق: خذه، ولا يكون في ذلك إسقاط ما وراءه من حقه، ولا براءة ذمته منه (180) –والله أعلم بالصواب-.
الفرع الثاني
بما يتأدى الإطعام في الكفارات؟
هل يتأدى الإطعام في الكفارات بأن يغدي المساكين أو يعشيهم أم أنه لابد من تمليك المساكين القدر الواجب لهم فيها؟
اختلف الفقهاء في الإجابة عن ذلك على رأيين:
الرأي الأول:
أن غدى المساكين أو عشاهم لم يجزئه في أظهر الروايتين عند أحمد، وهو ظاهر كلام الخرقي (181). وعند الشافعي لا يتأذى إلا بالتمليك من الفقير (182).
وحجة هذا (183):
الشارع قدر ما يجزئ في الدفع بمد أو نصف صاع، وإذا أطعمهم لا يعلم أن لكل واحد منهم استوفى الواجب له.
ووجه ذلك: أن النبي –صلى الله عليه وسلم- بين قدر ما يطعمه كل مسكين بما ذكرنا من الأحاديث، وهي مقيدة لمطلق الإطعام المذكور، والمطلق يحمل على المقيد. ولا يعلم أن كل مسكين استوفى ما يجب له. ولأن الواجب تمليك المسكين طعامه، والإطعام إباحة وليس بتمليك.
والشافعي –رحمه الله- يقول (184): الإطعام يذكر للتمليك عرفا يقول الرجل لغيره أطعمتك هذا الطعام أي ملكتك، والمقصود سد خلة المسكين واغناؤه، وذلك يحصل بالتمليك دون التمكين، فإذا لم يتم المقصود بالتمليك لا يتأدى الواجب كما في الزكاة وصدقة الفطر. وقياس بالكسوة، فإنه لو أعار المسكين ثيابا فلبسوا بنية الكفارة لا يجوز، فكذلك الإطعام، والجامع أنه أحد أنواع التكفير.
الرأي الثاني:
يجزيه أن يدعو ستين مسكينا فيغديهم ويعشيهم، وهو رأي الأحناف والظاهرية، والرواية الثانية عند الحنابلة.
وأصحاب هذا الرأي يرون أن الإطعام في الكفارات يتأدى بالتمكين من الطعام.
قال أبو داود: سمعت أحمد يسأل عن امرأة أفطرت رمضانا ثم أدركها رمضان آخر ثم ماتت. قال: كم أفطرت؟ قال: ثلاثين يوما. قال: فاجمع ثلاثين مسكينا وأطعمهم مرة واحدة وأشبعهم. وذلك لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال للمجامع "أطعم ستين مسكينا" وهذا قد أطعمهم (185).
وقال الأحناف (186):المنصوص عليه الإطعام وحقيقة ذلك في التمكين، والمقصود به سد الخلة وفي التمليك تمام ذلك، فيتأدى الواجب بكل واحد منهما.
أما بالتمليك، فلأن الأكل الذي هو المنصوص جزء مما هو المقصود بالتمليك، لأنه إذا ملك فإما أن يأكل أو يصرف إلى حاجة أخرى، فيقام هذا التمليك مقام ما هو المنصوص عليه لهذا المعنى، ويتأدى بالتمكين لمراعاة عين النص. والدليل عليه أنه يشبهه بطعام الأهل فقال من أوسط ما تطعمون أهليكم وذلك يتأدى بالتمليك تارة وبالتمكين أخرى. فكذا هذا، لأن حكم المشبه حكم المشبه به.
مناقشة أدلة الرأي الأول:
1- ليس في كتاب الله ولا في سنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إيجاب تمليك، والذي فيهما لفظ الإطعام، ولا تعرف العرب من ذلك إيجاب تمليك. النص صريح في إطعام ستين مسكينا يطعمهم من وسط ما يطعم أهله (187).
ويرد على ما قاله الشافعي بما ذكره الأحناف في تأييد وجهة نظرهم.
وقياس الإطعام على الكسوة مردود، للاختلاف بينهما، لأن الكسوة بكسر الكاف عين الثوب، فإما الفعل بفتح الكاف كسوة وهو الإلباس، فثبت بالنص أن التكفير بعين الثوب لا بمنافعه، والإعارة والإلباس تصرف في المنفعة فلا يتأدى به الواجب. فأما في التمكين من الطعام المسكين طاعم للعين، وبالتمكين يحصل الإطعام حقيقة. وهذا بخلاف الزكاة، فالواجب هناك فعل الإيتاء بالنص وفي صدقة الفطر الواجب فعل الأداء وذلك لا يحصل بالتمكين بدون التمليك (188).
الترجيح:
بعد العرض السابق للرأيين، وأدلتهما، وما ورد على أدلة الرأي الأول من مناقشات يبدو لي أن رأي القائلين بأجزاء الطعام –وهو رأي الأحناف ومن معهم –هو الراجح- لقوة أدلته، وسلامتها من المناقشة، ولأنه –صلى الله عليه وسلم- قال للمجامع "أطعم ستين مسكينا"- والله أعلم بالصواب-.
ويتفرع على ما سبق: أن قوله –صلى الله عليه وسلم- "اطعم ستين مسكينا" يدل على وجوب إطعام هذا العدد، لأنه أضاف الإطعام الذي هو مصدر أطعم إلى ستين، فلا يكون ذلك موجودا في حق من أطعم عشرين مسكينا ثلاثة أيام مثلا، ومن أجاز ذلك فكأنه استنبط من النص معنى يعود عليه بالإبطال، والمشهور عن الحنفية الاجزاء حتى لو أطعم الجميع مسكينا واحدا في ستين يوما كفى.
وأيضا في ذكر الإطعام ما يدل على وجود طاعمين، فيخرج الطفل الذي لم يطعم كقول الحنفية. ونظر الشافعي إلى النوع فقال: يسلم لوليه. وذكر الستين ليفهم أنه لا يجب ما زاد عليها، ومن لم يقل بالمفهوم تمسك بالإجماع على ذلك (189).
المطلب الخامس
الخلاف بين العلماء في سقوط الكفارة بالإعسار
اختلف الفقهاء في سقوط الكفارة بالإعسار على قولين:
الأول: يرى جمهور الفقهاء: أن الكفارة لا تسقط بالإعسار، والذي أذن له في التصرف فيه ليس على سبيل الكفارة (190)، قال ابن حزم (191): من كان عاجزا عن ذلك كله ففرضه الإطعام، وهو باق عليه، فإن وجد طعاما وهو إليه محتاج أكله هو وأهله وبقى الإطعام دينا عليه.
وقال الشافعية (192): لو عجز عن الجميع أي الكفارة استقرت في ذمته على الأظهر، لأن حقوق الله تعالى المالية إذا عجز عنها العبد وقت وجوبها فإن كانت لا بسبب منه كزكاة الفطر لم تستقر، وإن كانت بسبب منه استقرت في ذمته سواء أكانت على وجه البدل كجزاء الصيد أم لا ككفارة الظهار والجماع أو اليمين وغيرهم.
وليس في قوله –صلى الله عليه وسلم- "أطعمه أهلك"، وفي رواية أخرى "أطعمه عيالك" ما يدل على سقوطها عن المعسر، بل فيه ما يدل على استقرارها عليه.
وقيل المراد بالأهل المذكورين: من لا تلزمه نفقتهم، وبه قال بعض الشافعية.
ورد هذا: بما وقع من التصريح في رواية بالعيال، وفي أخرى من الأذن بالأكل (193).
والثاني: ذهب الحنابلة في الرواية الراجحة، والشافعية في القول الثاني، وعيسى بن دينار من المالكية إلى أن الكفارة بسقط بالإعسار (194).
واستدلوا على هذا بما يأتي:
1- الخبر السابق دل على سقوط الكفارة الإعسار لما تقرر من أنها لا تصرف في النفس والعيال، ولم يبين له –صلى الله عليه وسلم- استقرارها في ذمته إلى حين يساره (195).
2- وقد ورد ما يدل على إسقاط الكفارة أو على أجزائها عنه باتفاقه إياها على عياله وهو قوله في حديث على "وكله أنت وعيالك فقد كفر الله عنك"(196) وهذا حديث ضعيف لا يحتج به (197) وقولهم: أنه أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- بعجزه فلم يسقطها. قلنا قد أسقطها عنه بعد ذلك وهذا آخر الأمرين من رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ولا يصح القياس على سائر الكفارات. لأنه أطرف للنص بالقياس والنص أولى، والاعتبار بالعجز في حالة الوجوب، وهي حالة الوطء (198).
والحق أنه لما قال له –صلى الله عليه وسلم- خذ هذا فتصدق به لم يقبضه بل اعتذر بأنه أحوج إليه من غيره فإذن له حينئذ في أكله، فلو كان قبضه لملكه ملكا مشروطا بصفة وهو إخراجه عنه في كفارته فينبني على الخلاف المشهور في التمليك المقيد بشرط، لكنه لما لم يقبضه لم يملكه، فلما أذن له –صلى الله عليه وسلم- في إطعامه لأهله وأكله منه كان تمليكا مطلقا بالنسبة إليه وإلى أهله وأخذهم إياه بصفة الفقر المشروحة، وقد تقدم أنه كان من مال الصدقة، وتصرف النبي –صلى الله عليه وسلم- فيه تصرف الإمام في إخراج مال الصدقة، واحتمل أنه كان تمليكا بالشرط الأول ومن ثم نشأ الإشكال (199).
الترجيح:
بعد العرض السابق يتبين لي أن الرأي الأول هو الراجح، لأن ظاهر الحديث الصحيح الوارد في الكفارة ليس فيه إسقاط ولا أكل المرء من كفارة نفسه، ولا إنفاقه على من تلزمه نفقتهم من كفارة المرء من كفارة نفسه، ولا إنفاقه على من تلزمه نفقتهم من كفارة نفسه (200). ولأن الرسول –صلى الله عليه وسلم- أمر المجامع بالإطعام فأخبره أنه لا يقدر عليه، فأتاه بالتمر فأعطاه إياه وأمره بأن يطعمه عن كفارته، فصح أن الإطعام باق عليه وأن كان لا يقدر عليه، وأمره عليه السلام بأكله إذ أخبره أنه محتاج إلى أكله، ولم يسقط عنه ما قد ألزمه إياه من الإطعام، ولا يجوز سقوط ما افترضه عليه السلام إلا بإخبار منه عليه السلام بأنه قد أسقطه (201) لكل ما سبق رجحت الرأي الأول –والله أعلم بالصواب-.
(1) انظر: القاموس المحيط للفيروز أبادي ص605 باب الراء فصل الكاف، مؤسسة الرسالة، المعجم الوسيط قام بإعداده نخبة من علماء اللغة العربية بمصر 2/791، إدارة إحياء التراث الإسلامي بدولة قطر، عون الباري لحل أدلة صحيح البخاري لصديق خان 6/321، إدارة أحياء التراث- قطر
(2) انظر: بدائع الصنائع للكاساني 5/95، دار الكتاب العربي، بيروت.
(3) انظر: التشريع الجنائي الإسلامي لعبد القادر عوده 1/683، مكتبة دار التراث بالقاهرة.
(4) البقرة: 184.
(5)انظر: التشريع الجنائي الإسلامي 1/683.
(6) انظر: بدائع الصنائع 5/98.
(7)البقرة: 196
(8)النساء: 92.
(9) انظر: المغني لابن قدامة 3/120، عالم الكتب، بيروت.
(10) انظر الهداية مع شرح فتح القدير 2/263، دار إحياء التراث العربي، بيروت، جواهر الإكليل شرح مختصر خليل 1/152، المكتبة الثقافية، بيروت.
(11)انظر: المغني 3/120.
(12) انظر: المحلى بالآثار لابن حزم تحقيق الدكتور عبد الغفار سليمان البنداري 4/309 دار الكتب العلمية، بيروت.
(13) صحيح سنن ابن ماجه للألباني 1/280 رقم 1356، المكتب الإسلامي، بيروت.
(14) انظر: المغني 3/130.
(15) انظر: المجموع للنووي 6/331، دار الفكر.
(16) تلخيص الجير في تخريج الرافعي الكبير المطبوع مع المجموع 6/442.
(17)انظر: المجموع 6/333.
(18) انظر: المحلى بالآثار 4/313- 328.
(19) أنظر: بداية المجتهد لابن رشد القرطبي 1/302، دار المعرفة، بيروت.
(20)انظر: تهذيب الإمام بن قيم الجوزية المطبوع من مختصر سنن أبي داود 3/273، دار المعرفة، بيروت.
(21)انظر: فتح الباري 4/172، دار الفكر.
(22)انظر: المغني 3/120، فتح العزيز شرح الوجيز المطبوع مع المجموع 6/441.
(23) انظر: الكفاية وشرح العناية المطبوعان مع شرح فتح القدير 2/269.
(24) أنظر: المغني 3/120.
(25) أنظر: المرجع السابق.
(26) انظر: مواهب الجليل من أدلة خليل 2/41، إدارة إحياء التراث الإسلامي بدولة قطر، الكافي لابن قدامة 1/356، المكتب الإسلامي، بيروت.
27) أنظر: مواهب الجليل من أدلة خليل 2/41، المغني 3/121.
(28) انظر: الهداية مع شرح فتح القدير 2/265، فتح العزيز مع المجموع 6/446، الكافي 1/356، المحلى بالآثار 4/327.
(29) انظر: المغني 3/121.
(30) انظر: شرح العناية مع شرح فتح القدير 2/265.
(31) انظر: المحلى بالآثار 4/327.
(32) انظر: المغني 3/121.
(33) انظر: الكافي 1/356.
(34) انظر: شرح العناية مع شرح القدير 2/256، المجموع 6/341، الكافي 1/354.
(35) انظر: جواهر الإكليل شرخ مختصر خليل 1/152، المكتبة الثقافية ببيروت، المجموع 6/341.
(36) انظر: المغني 3/113.
(37) انظر: الكفاية مع شرح فتح القدير 2/263، المجموع 6/335، المغني 3/121.
(38) انظر: المحلى بالآثار 4/361.
(39) انظر: بداية المجتهد 1/303، بذل المجهود في حل أبي داود 11/217.
(40)انظر: بداية المجتهد 1/303.
(41)انظر: المغني 3/121.
(42) انظر: بداية المجتهد 1/303.
(43) مشكاة المصابيح للتبريزي 1/623، المكتب الإسلامي، بيروت.
(44) صحيح سنن ابن ماجة 1/348 رقم 1664.
(45) انظر: سبل السلام 2/327، دار الكتاب العربي، بيروت.
(46) انظر: بداية المجتهد 1/303، سبل السلام 2/327.
(47) انظر: المغني 3/122.
(48) انظر: المرجع السابق.
(49)انظر: سبل السلام 2/327.
(50) انظر: المرجع السابق.
(51) انظر: بداية المجتهد 1/304، وسبل السلام 2/327.
(52) انظر: بداية المجتهد 1/304.
(53) انظر: سبل السلام 2/327.
(54) سورة البقرة: الآية 225.
(55) انظر: مواهب الجليل من أدلة خليل 2/36- 37.
(56)انظر: فتح الباري لابن حجر 4/164، دار الفكر.
(57) انظر: جواهر الإكليل 1/152، المهذب للشيرازي 1/191- 192، دار المعرفة- بيروت، الكافي 1/350.
(58) انظر: المغني 3/126.
(59)انظر: فتح القدير مع شرحه 2/255.
(60) انظر: المغني 3/126، جواهر الإكليل 1/152.
(61) انظر: فتح القدير مع شرحه 2/255، المجموع 6/311، المغني 3/126.
(62)انظر: جواهر الإكليل 1/152.
(63) انظر: المغني 3/126.
(64) انظر: المغني 3/126- 127.
(65) انظر: المجموع 6/309.
(66) سورة البقرة: الآية 187.
(67) صحيح سنن ابن ماجة 1/280 رقم 1358.
(68) انظر: المجموع 6/307.
(69) انظر: الكفاية مع شرح فتح القدير 2/262، بداية المجتهد 1/304، المغني 3/123، المهذب 1/190.
(70) انظر: المهذب 1/190، المحلى بالآثار 4/327، المغني 3/123.
(71) انظر: المهذب 1/191.
(72) انظر: بداية المجتهد 1/304.
(73) الحديث سبق تخريجه.
(74) انظر: الهداية مع شرح فتح القدير 2/262- 262.
(75) انظر: المرجع السابق.
(76)أنظر المهذب 1/190-191.
(77)انظر المقنع لابن قدامة المقدسي 1/399، الطبعة الثالثة بدولة قطر، 1393هـ
(78) انظر: المغني 3/123.
(79)أنظر: المهذب 1/191.
(80)انظر: بذل المجهود 11/217.
(81)انظر: المجموع 6/330.
(82)انظر: بذل المجهود 11/217.
(83)انظر: المرجع السابق.
(84)انظر: المحلى بالآثار 4/327.
(85) انظر: بذل المجهود 11/217.
(86) انظر: شرح العناية مع شرح فتح القدير 2/263.
(87) انظر: الكافي 1/357. المغني 3/123.
(88) انظر: مواهب الجليل من أدلة خليل 2/45- 46.
(89)انظر: المغني 3/123- 124، الكفاية مع شرح فتح القدير 2/262، المجموع 6/336.
(90) انظر: المغني 3/124.
(91) انظر: المرجع السابق.
(92) انظر: المغني 3/132، المجموع 6/337.
(93) انظر: فتح القدير مع شرحه 2/261، المغني 2/132.
(94) انظر: فتح القدير مع شرحه 2/261.
(95) انظر: المغني 3/132.
(96) انظر: بداية المجتهد 1/360، المجموع 6/327، المغني 3/132- 133، المحلى بالآثار 4/415.
(97) انظر: المهذب 1/191.
(98) انظر: المغني 3/133.
(99) انظر: المرجع السابق.
(100) انظر: بداية المجتهد 1/306.
(101) انظر: المحلى بالآثار 4/416.
(102) انظر: المرجع السابق.
(103) انظر: الهداية مع شرح فتح القدير 2/263، جواهر الإكليل 1/150، بذل المجهود 11/214.
(104)انظر: المهذب 1/190، الكافي 1/352، المحلى بالآثار 4/308- 309.
(105) انظر: بداية المجتهد 1/302- 303.
(106) نصت الراية للزيلعي 2/450، دار الحديث بالقاهرة، سنن الدار قطني 2/190- 191، دار المحاسن للطباعة بالقاهرة.
(107)انظر: بذلك المجهود 11/215.
(108) انظر: بذلك المجهود 11/215- 216.
(109) انظر: المحلى بالآثار 4/311-312.
(110) انظر: بذلك المجهود 11/214.
(111) انظر: بذلك المجهود 11/214-215
(112) انظر: المجموع 6/330.
(113)انظر: المهذب 1/190.
(114) انظر: مواهب الجليل من أدلة خليل 2/41.
(115) انظر: بداية المجتهد 1/307.
(116) انظر: شرح العناية المطبوع مع شرح فتح القدير 2/260.
(117)انظر: المغني 3/125.
(118) انظر: المرجع السابق.
(119) انظر: بداية المجتهد 1/307.
(120) انظر: فتح القدير مع شرحه 2/260- 266.
(121) انظر: شرح العناية المطبوع من شرح فتح القدير 2/260.
(122)انظر: فتح القدير مع شرحه 2/260.
(123) انظر: مشكاة المصابيح 1/623- 624.
(124) انظر: القوانين الفقهية لابن جزي ص83، دار القلم، بيروت.
(125) انظر: البدائع 5/95- 96، التشريع الجنائي الإسلامي 1/683- 684
(126) انظر: فتح الباري 4/166.
(127) انظر: بذلك المجهود 11/218.
(128) انظر: الهداية مع شرح فتح القدير 2/265، المجموع 6/333، كشاف القناع للبهوتي 2327. عالم الكتب، بيروت، المحلى بالآثار 4/328.
(129) انظر: مواهب الجليل من أدلة خليل 2/43، المغني 3/127.
(130) انظر: بداية المجتهد 1/305.
(131) انظر: المغني 3/128.
(132) انظر: المرجع السابق.
(133) انظر: الموطأ مع شرح الزرقاني 2/171- 172. دار الفكر للنشر والتوزيع.
(134) انظر: مواهب الجليل من أدلة خليل 2/42.
(135) انظر: المغني 3/127.
(136)انظر: المغني 3/128.
(137)انظر: المحلى بالآثار 4/328.
(138) انظر: مواهب الجليل من أدلة خليل 2/43.
(139) انظر: بداية المجتهد 1/305.
(140)انظر: المغني 3/127.
(141) انظر: بداية المجتهد 1/305، مواهب الجليل من أدلة خليل 2/44.
(142) انظر: تهذيب ابن قيم الجوزية مع المختصر 3/272.
(143) انظر: فتح الباري 4/168.
(144) اختصرت الكلام هنا لأن الإسلام بحمد الله وتوفيقه قضى على الرق ولم يبق4 له أثر الآن.
(145)انظر: المبسوط 7/2- 3، المحلى بالآثار 4/328.
(146)انظر: المحلى بالآثار 4/328.
(147) سورة المجادلة الآية 3.
(148) انظر: مواهب الجليل من أدلة خليل 3/187، كشاف القناع 5/379.
(149) البقرة الآية 267
(150) صحيح مسلم 1/382 سلسلة الكتب الستة، دار الدعوة.
(151) مواهب الجليل من أدلة خليل 3/188.
(152) انظر: كشاف القناع 5/379.
(153) انظر: المبسوط 7/4.
(154) انظر: المرجع السابق.
(155) انظر: المحلى بالآثار 4/319.
(156) انظر: المغني 3/128.
(157) انظر: الفتح الرباني 10/98.
(158) انظر: المرجع السابق 10/94.
(159) انظر: المبسوط 7/12.
(160) انظر: المغني 3/128.
(161) انظر: مغني المحتاج 1/444، المكتبة التجارية الكبرى بمصر، المغني 3/128.
(162) انظر: المغني 3/129.
(163) انظر: المبسوط 7/12.
(164) انظر: المرجع السابق.
(165) انظر: المغني 3/129.
(166) انظر: هامش المرجع السابق.
(167) انظر: مواهب الجليل من أدلة خليل 3/188.
(168) انظر: المغني 3/129.
(169)انظر: مواهب الجليل من أدلة خليل 2/43، المجموع 6/345، المغني 3/129، المحلى بالآثار 4/333.
(170) انظر: المبسوط للسرخسي 7/16 دار المعرفة- بيروت.
(171) انظر: بداية المجتهد 1/305.
(172) انظر: مختصر سنن أبي داود للمنذري 3/273، دار المعرفة، بيروت.
(173) انظر: مواهب الجليل وأدلته 2/43.
(174)انظر: الفتح الرباني 10/98.
(175) انظر: المغني 3/130.
(176) انظر: نصب الراية 3/247 والحديث غريب كما قال الزيلعي.
(177) أنظر: المبسوط 7/16.
(178) أنظر: فتح الباري 4/169.
(179) انظر: معالم السنن للخطابي المطبوع مع مختصر سنن أبي داود 3/275.
(180) انظر: المرجع السابق.
(181) انظر: المغني 3/130.
(182) انظر: انظر الأم للشافعي 2/99، دار المعرفة، بيروت.
(183)انظر: المغني 3/130.
(184) انظر: المجموع 17/378- 379.
(185) انظر: المبسوط 7/14، 15، المغني 3/131، المحلى بالآثار 4/333.
(186) انظر: المبسوط 7/15.
(187) نظر: هامش المغني 3/130.
(188) انظر: المبسوط 7/15.
(189)انظر: الفتح الرباني في ترتيب مسند الإمام احمد للأستاذ أحمد عبد الرحمن البنا 10/90، دار لشهاب بالقاهرة، فتح الباري 4/166.
(190) انظر: فتح الباري 4/171.
(191)انظر: المحلى بالآثار 4/335.
(192) انظر: معنى المحتاج 1/445.
(193) انظر: الفتح الرباني 10/99.
(194) انظر: المرجع السابق، والمغني 3/132.
(195)انظر: المرجع السابق.
(196)انظر: فتح الباري 4/172.
(197) انظر: سبل السلام 2/334.
(198)انظر: المغني 3/132.
(199) انظر: فتح الباري 4/172.
(200) انظر: فتح الباري 4/172.
(201) انظر: المحلى بالآثار 4/335.