نقل الميت من بلد إلى بلد آخر
22 ربيع الأول 1436
أ.د. خالد المشيقح

نقل الميت هذا ليس طارئاً ونازلا ً وإنما كان موجوداً في الزمن السابق لكن مع تقدم وسائل النقل أصبح نقل الأموات أسهل من غيره ففي فترة وجيزة ينقل الميت من مكان إلى مكان آخر ,فهل يجوز نقل الميت من بلد إلى بلد آخر أو لا يجوز نقله ؟
هناك مواضع لا يجوز فيها نقل الميت من بلد إلى بلد آخر:
الموضع الأول : إذا أدى ذلك إلى هتك حرمة الميت أو تغيير جثته فنقول هذا لا يجوز كما لو كان النقل لفترة طويلة وسيسبب ذلك أن تتغير جثة الميت مما يؤدي إلى هتك حرمته , فنقول بأن هذا غير جائز ويجب أن يدفن في محله .
الموضع الثاني : الشهداء لا يجوز نقلهم ويجب دفنهم في مواضعهم .
ودليل ذلك حديث جابر رضي الله عنه: (( أن شهداء أحد نُقلوا إلى المدينة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يردوا إلى مضاجهم فردوا إلى الأماكن التي استشهدوا فيها )). وهذا أخرجه أحمد وغيره .
الموضع الثالث: نقل الميت للضرورة هذا جائز ولا بأس به كما لو مات في بلاد الكفار وخشي على هذا الميت من أن يعبث الكفار بجثثه بالتمثيل أو بالتحريق أو بالتقطيع أو البيع ونحو ذلك فهذا جوز العلماء رحمهم الله نقله .
أما في غير هذه المواضع الثالثة هل ينقل الميت أو لاينقل ؟ وقد تجد أن بعض الأموات قد يوصي أن يدفن في البلد الفلاني إما لكون هذا البلد هو بلده حتى يكون قريباً من أهله أو لكون هذا البلد بلداً مقدساً كمكة و المدينة وبيت المقدس , فهل تنفذ هذه الوصية ؟أو لم تكن هناك وصية واختار أقاربه أن ينقلوه هل لهم ذلك أو ليس لهم ذلك؟
في هذه المسألة خلاف بين أهل العلم:
الرأي الأول: مذهب الحنابلة والمالكية أن النقل جائز وهو أوسع المذاهب في هذه المسألة في نقل الميت حتى نصوا على نقله بعد دفنه قالوا بعد دفنه ينبش وينقل .
الرأي الثاني: مذهب الحنفية أن نقل الميت مكروه إلا لمسافة يسيرة قالوا كالميلين- يعني ما يقرب ثلاثة كيلومترات فقط - أما ما عدا ذلك لا ينقل ولا يفرقون بين البلد المقدس وغيره وهو أضيق المذاهب في هذه المسألة .
الرأي الثالث: مذهب الشافعية رحمهم الله التفصيل في هذه المسألة يقولون إن كان لبلد مقدس فإن هذه جائز لا بأس به وإن كان لغير لبلد مقدس فإنه يحرم ولا يجوز.
وننبه أن هذا الكلام ما لم يؤدي النقل إلى هتك حرمة الميت بتغيره فإذا كان يؤدي إلى تغيره فإنه لا يجوز وأما إذا لم يؤدي إلى تغيره مثل وقتنا الحاضر فإنه يمكن نقله إلى مكة خلال ساعات وكذلك بسب وسائل الحفظ الموجودة فإنه لا يؤدي إلى تغيره.
أدلة من قال بجواز النقل :
1- (( أن موسى عليه السلام لما حضرته الوفاة سأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية حجر)) وهذا أخرجه البخاري ومسلم .
2- " أن عمر رضي الله عنه استأذن عائشة رضي الله تعالى عنها أن يدفن في حجرتها بجوار النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه " أخرجه البخاري فيقاس عليه مثل ذلك لو أن هذا الرجل الذي مات وصى بأن ينقل إلى بلده ليدفن بجوار أهله وأقاربه .
3- أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه توفي بالعقيق ونقل إلى البقيع (إن ثبت فالأمر يسير).
4- أن عبد الرحمن بن أبي بكررضي الله عنه توفي بِحُبَشِي من مكة ونُقل إلى مكة . وهذا موضع قريب.
والمتأمل لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك أيضاً الصحابة رضي الله عنهم يجد أنهم يدفنون موتاهم في البلد الذي مات فيه ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن ينقل من مات في المدينة إلى مكة مع أن مكة أفضل من المدينة ،أو أن من مات خرج المدينة ينقل إلى المدينة أو ينقل إلى مكة فهذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة رضي الله عنهم.
وأما ما ورد من الآثار في ذلك فيحمل على الأمور اليسيرة كأثر سعد بن أبي وقاص إن ثبت ,وأما أثر عبد الرحمن بن أبي بكر فإنه ضعيف .
فتخلص لنا أنه يجوز نقل الأموات في موضعين :
الموضع الأول : إذا كان الأمر يسيراً فإن هذا جائز ولا بأس به كأن تكون المسافة عشرة كيلومترات ، أو عشرين كيلومترات فإن سعد بن أبي وقاص نقل من العقيق إلى البقيع ودفن فيه .وكذلك أيضاً موسى عليه الصلاة والسلام سأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية حجر . ورمية الحجر هذه ليست مسافة كبيرة .
الموضع الثاني : إذا مات في بلاد الكفار واختار أولياؤه أن ينقل إلى بلد المسلمين فنقول بأن هذا جائز ولا بأس به لأن هذا غرض صحيح .
وأما ما عدا ذلك فهذا غير مشروع لأدلة :
لأنه لم يرد أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا ينقلون موتاهم من الصحابة رضي الله عنهم, لم يرد النقل إلا في الشهداء فقط وإنما نقلوهم لكي يدفنوا مع المسلمين في البقيع فقال النبي صلى الله عليه وسلم أن الشهيد له أحكام خاصة فقال يبقى في موضعه وليس مرادهم هو النقل وإنما مرادهم بذلك أن يدفنوا في البقيع مع المسلمين .
أن السنة هي المسارعة في تجهيز الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه لحديث ًحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه ، وإن تكون سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم )) أخرجه البخاري ومسلم .
والنقل يؤدي إلى تأخير هذه السنة وتعطيلها، قد يلحق أولياء الميت في ذلك المشقة أو يلحقهم في ذلك تكاليف مالية .