تخزين القرآن الكريم في الجوَّال وما يتعلق به من مسائل فقهية
7 ربيع الثاني 1436
د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى

المقدمة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ،،،
فإن هذا العصر هو عصر التقنية، وقد تطورت هذه التقنية حتى لم يخل منها مجال، وحتى شاعت من خلالها كل مادة لدى البشر من خير وشر.
ومن أوسع آلات التقنية انتشاراً، وأكثرها استخداماً ذلك الجهاز الصغير الذي اصطلح على تسميته بالجوال (وهو المصطلح الأكثر شيوعاً)(1).

 

لقد نشأ الجوال صغيراً ضعيفاً ضيق الاستخدامات حيث اقتصر في الغالب عند نشأته على المقصود الأساس منه وهو إجراء الاتصال اللاسلكي(2)، استقبالاً وإرسالاً، ثم ما لبث أن تطور بسرعة قياسية فأصبحنا نرى منه الأنواع والأصناف الكثيرة ذات الخدمات المتعددة.

 

ومن تلك الخدمات التي تشتمل عليها كثير من الأنواع إمكانية تخزين نسخة من القرآن الكريم في ذاكرة ذلك الجوال، ومن ثم استخدام هذه النسخة، على اختلاف في كيفية التخزين وآليته والبرامج التي من خلالها يمكن تشغيل تلك النسخة .. ولما شاعت هذه التقنية تساءل البعض عن مسائل في هذا الاستخدام ، وهو دليل على حرص الناس على معرفة الحلال والحرام، أسأل الله تعالى أن يزيدنا جميعاً علماً نافعاً وعملاً صالحاً، وخدمة لكتاب الله تعالى، ثم لأولئك الذين يبحثون عن حكم الله ليتبعوه رغبت أن أكتب في تلك المسائل مجتهداً في تلمّس الحكم الشرعي لعل الله يفتح به عليَّ، أو أكون سبباً في عرض المسائل فيقيَّض الله من يحرر الحكم فيها ويجلّيه.

 

أهمية الموضوع وأسباب اختياره:
[1] يكفي هذا البحث أهميةً وشرفاً علاقته بكتاب الله عز وجل فله من فضله نصيب.
[2] موضوع هذا البحث جديد، ولم أجد فيه بحثاً سابقاً بل بعض فتاوى فقط.
[3] مسائل هذا البحث وإن كانت دقيقة إلا أن فيها جانباً من التفقّه والتعامل مع النصوص الشرعية وعبارات الفقهاء.
[4] علاقة هذا البحث بتقنية شائعة وهي الجوال؛ حيث لا يخلو شخص (حتى الكثير من الأطفال) من اقتنائه.

 

خطة البحث:

جاء هذا البحث في تمهيد وأربعة مباحث وخاتمة:
تمهيد: في التعريف ببعض برامج القرآن المصممة لأجهزة الجوال.
المبحث الأول: ما يتعلق بوجود القرآن الكريم في الجوال.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: من حيث اشتراط الطهارة لمسّه.
المطلب الثاني: من حيث الدخول به إلى الخلاء.
المبحث الثاني: حكم استخدام قراءة القرآن كنغمة اتصال.
المبحث الثالث: حكم استخدام قراءة القرآن كنغمة جرس للتنبيه.
المبحث الرابع: حكم قراءة القرآن من الجوال في الصلاة.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: حكم القراءة من المصحف في الصلاة.
المطلب الثاني: حكم إلحاق القراءة من الجوال بالقراءة من المصحف.
الخاتمة: في أهم نتائج البحث وتوصياته.

 

منهجية البحث:

هذا البحث الصغير في حجمه وعدد مسائله لم يكن له من مراجع مطبوعة، وغاية ما فيه فتاوى أكثرها منشور على الشبكة (النت)، وقد اشتمل على مسائل أخرى مما ذكره المتقدمون، وذلك لتنزيل المسائل المعاصرة عليها وربطها به.

 

وقد كنت في هذا النوع من المسائل سأعتمد على من بحثها قبلي طلباً للاختصار وعدم تكرار مسائل قد بُحثت(3)؛ بيد أني حين خُضت غمار البحث تشوّقت لبحثها بنفسي وهو أكمل للبحث وأجمل.

 

وسوف انتهج في عرض المسائل العرض الفقهي المعتاد في البحوث الفقهية مبتدئاً بتصوير المسألة، ثم تحرير محل النزاع إن وجد ثم الأقوال والأدلة مختصرة(4) والترجيح، غير أنني في المسائل المعاصرة لن أذكر مع كل قول قائله نظراً لأن الخلاف في مثل هذه المسائل لم يستقر بعد إلا أن يكون في المسألة قرار أو فتوى جماعية.

 

وكذلك الأدلة فسوف أذكر ما وقفت عليه منها دون عزوها أيضاً إلى قائلٍ بها لذات السبب السابق، وقد أستدل للقول إن لم أجد له دليلاً، أو ظهر لي ما يمكن الاستدلال له به، وقد حرصت عند عرض المسائل التي تكلم عنها المتقدمون أن أنقل عبارات الفقهاء من كل مذهب كي يتبين القول بصورة أوضح، ومن أجل التقريب بين المسائل المعاصرة في هذا البحث وبين كلام أولئك الفقهاء.               

 

المبـحث الأول: ما يتعلق بوجود القرآن الكريم في الجوال

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: من حيث اشتراط الطهارة لمسّه:

لا يخفى خلاف أهل العلم في اشتراط الطهارة لمس المصحف. وليس المقصود من هذا البحث عرض الخلاف في هذه المسألة، بل مسألتنا هي ما يتعلق بمس الجوال المشتمل على المصحف هل تشترط له الطهارة بناءً على قول الجمهور في اشتراط الطهارة لمس المصحف أم لا تشترط له الطهارة؟ لا يخلو الجوال المشتمل على المصحف من حالين:

الحال الأولى: أن يكون المصحف مغلقاً (أي في غير حالة التشغيل).
الحال الثانية: أن يكون المصحف مفتوحاً (في حالة التشغيل).

 

فأما الحال الأولى: فإنه لا يعتبر له حكم المصحف لذا فمسّ الجوال لا تشترط له الطهارة، ولم أجد من الفقهاء المعاصرين من قال باشتراط الطهارة في هذه الحال.

 

وأما الحال الثانية: وهي حال فتح برنامج المصحف في الجوال (في حال التشغيل) حيث تظهر على شاشة الجوال صورة آيات المصحف فهذه المسألة في نظري تنبني على مسألتين من مسائل مس المصحف:

المسألة الأولى: مس المصحف من وراء حائل.
المسألة الثانية: مس كتب التفسير.

 

ووجه كونها تنبني على هاتين المسألتين:
أن المسَّ في الجوال لا يكون غالباً للشاشة مباشرة وإنما من خلال الجهاز، وهو حائل بين اليد وبين الآيات ذاتها كالجلد الذي يكون على المصحف. ولذا فلو كان المس مباشرة للشاشة خرج من الإلحاق بمسألة الحائل وبقيت المسألة الأخرى.
وأما وجه كون هذه المسألة فرعاً على مسألة مس كتب التفسير فلأن الجوال في هذه الحال يعتبر كأي كتاب مشتمل على القرآن وعلى غيره ومن أقرب الصور إليه كتب التفسير.

 

كيفية الإلحاق بناءً على هاتين المسألتين:
أولاً: بناءً على مسألة المس من وراء حائل: قد اختلف أهل العلم في مس المصحف من وراء حائل هل تشترط له الطهارة أم لا؟(5) على ثلاثة أقوال:
القول الأول: اشتراط الطهارة مطلقاً، وبه قال المالكية.
قال في مواهب الجليل: ويحرم مس جلده، قال المصنف في التوضيح: وأحرى طرف الورق المكتوب وما بين الأسطر من البياض ويحرم مسه ولو بقضيب(6).
وقال في التاج والإكليل: ومس مصحف وإن بقضيب وحمله وإن بعلاقة أو وسادة إلا بأمتعة قصدت وإن على كافر) قال مالك: لا يحمل المصحف غير متوضئ لا على وسادة ولا بعلاقة إلا أن يكون في تابوت أو خرج أو نحو ذلك فيجوز أن يحمله غير متوضئ أو يهودي أو نصراني لأن الذي يحمل المصحف على وسادة أراد حملانه لا حملان ما سواه(7). وهو مذهب الشافعية، ففي حاشية قليوبي: قوله: (وكذا جلده) أي يحرم مسه كما يؤخذ من المقابل, وسكت عن حمله لدخوله في حمل المصحف إذ الكلام في جلده المتصل به. أما المنفصل عنه فيحرم حمله ومسه ما دامت نسبته إليه, فإن انقطعت عنه أو جعل جلدا لغيره وإن بقيت النسبة فلا حرمة ... . قوله: (وخريطة وصندوق فيهما مصحف) وهما بالجر عطف على ورقه، أو بالرفع عطف على جلده, وعلى كل فهو في حرمة المس(8). وقال في مغني المحتاج: (وكذا جلده) المتصل به يحرم مسه بما ذكر (على الصحيح) لأنه كالجزء منه ولهذا يتبعه في البيع(9). وهو رواية عند الحنابلة، قال في المغني، وخرج القاضي في مس غلافه وحمله بعلاقته رواية أخرى أنه لا يجوز. وقال في الفروع: ويجوز حمله بعلاقته أو في غلافه وعنه لا(10). وقال في الإنصاف: وعنه يحرم(11).

 

القول الثاني عدم اشتراط الطهارة: وهو قول للحنفية:
قال في تبيين الحقائق: وقيل لا يكره مس الجلد المتصل به، ومس حواشي المصحف والبياض الذي لا كتابة عليه(12). وهو وجه للشافعية .. قال في حاشية قليوبي: وحكى في التتمة وجها عن الأصحاب أنه لا يحرم إلا مس المكتوب وحده لا الهامش, ولا ما بين السطور(13). وقال في مغني المحتاج: (وكذا جلده) المتصل به يحرم مسه بما ذكر (على الصحيح) .. والثاني: يجوز لأنه ليس جزءا متصلا حقيقة(14). وهو مذهب الحنابلة، قال في الفروع: ويجوز حمله بعلاقته أو في غلافه أو كمه وتصفحه به وبعود ومسه من وراء حائل كحمله رقى وتعاويذ فيها قرآن ولأن غلافه ليس بمصحف بدليل البيع قاله القاضي وعنه لا(15). وقال في الإنصاف للمرداوي: لا يحرم حمله بعلاقته ولا في غلافه أو كمه أو تصفحه بكمه أو بعود أو مسه من وراء حائل على الصحيح من المذهب وعليه الجمهور(16).

 

القول الثالث:
التفصيل فإن كان الحائل متصلاً كالجلد اشترطت الطهارة، وإن كان منفصلاً كالعلاقة لم تشترط الطهارة لمس العلاقة، وهو مذهب الحنفية: قال في تبيين الحقائق: (ومسه إلا بغلافه) .... وغلافه ما يكون منفصلا عنه دون ما يكون متصلا به في الصحيح وقيل لا يكره مس الجلد المتصل به ومس حواشي المصحف والبياض الذي لا كتابة عليه والصحيح منعه لأنه تبع للمصحف (17).
وقال في بدائع الصنائع: المتصل بالمصحف، وقال بعضهم هو الكم والصحيح أنه الغلاف المنفصل عن المصحف وهو الذي يجعل فيه المصحف وقد يكون من الجلد وقد يكون من الثوب وهو الخريطة لأن المتصل به تبع له فكان مسه مسا للقرآن ولهذا لو بيع المصحف دخل المتصل به في البيع والكم تبع للحامل، فأما المنفصل فليس بتبع حتى لا يدخل في بيع المصحف من غير شرط(18).

 

التفريع على هذا الخلاف:
مس الجوال المشتمل على المصحف (أثناء التشغيل) يعتبر مساً من وراء حائل متصل مادام لم يمس الشاشة فإن مس الشاشة فهو مس مباشر من غير حائل.
فعلى القول الأول والثالث في الخلاف السابق تشترط الطهارة لمس الجوال في حال التشغيل دون القول الثاني الذي لا يشترط الطهارة مطلقاً فلا يشترط الطهارة لمس الجوال في هذه الحال.

 

ثانيا: بناءً على مسألة مس كتب التفسير:
قد اختلف أهل العلم في اشتراط الطهارة لمس كتب التفسير على أربعة أقوال:
القول الأول: عدم اشتراط الطهارة: وهو مذهب الحنفية:
قال في حاشية رد المحتار: قوله: (لكن في الأشباه الخ) استدراك على قوله: التفسير كمصحف فإن ما في الأشباه صريح في جواز مس التفسير، فهو كسائر الكتب الشرعية، بل ظاهره أنه قول أصحابنا جميعا، وقد صرح بجوازه أيضا في شرح درر البحار(19). وهو مذهب المالكية .. قال في التاج والإكليل: (وتفسير) ابن عرفة: مقتضى الروايات لا بأس بالتفسير غير ذات كتب الآي مطلقا وذات كتبها إن لم تقصد(20).

 

وقال في شرح الخرشي: وكذا يجوز للمحدث مس التفسير ولو كتفسير ابن عطية إن لم يقصد الآي كما قاله ابن عرفة أنه ظاهر الروايات(21). وقال في منح الجليل: (و) لا (تفسير) ظاهره ولو كتب فيه آيات كثيرة متوالية ومسها قصدا وهو كذلك عند ابن مرزوق ومنعه ابن عرفة(22). وهو مذهب الشافعية ... قال في فتح العزيز: ولا يحرم مس كتب التفسير(23).
وقال في روضة الطالبين: وكذا لا يحرم كتب التفسير على الأصح(24). وهو مذهب الحنابلة: قال في المغني: ويجوز مس كتب التفسير والفقه وغيرهما والرسائل وإن كان فيها آيات من القرآن بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر كتابا فيه آية ولأنها لا يقع عليها اسم مصحف فلا نثبت لها حرمته(25).

 

القول الثاني اشتراط الطهارة، وهو قول للحنفية:
قال في بدائع الصنائع: ولا مس كتب التفسير لأنه يصير بمسه ماسا للقرآن(26).
القول الثالث عدم اشتراط الطهارة ولكن يُكره مس كتب التفسير من غير طهارة:
وهو قول في مذهب الحنفية يظهر من تعبير بعضهم أنه المذهب، قال في البحر الرائق: قالوا يكره مس كتب التفسير والفقه والسنن لأنها لا تخلو عن آيات القرآن(27). وذات العبارة في شرح فتح القدير(28).
وقال في حاشية رد المحتار: قوله: (والتفسير كمصحف) ظاهره حرمة المس كما هو مقتضى التشبيه، وفيه نظر، إذ لا نص فيه بخلاف المصحف، فالمناسب التعبير بالكراهة كما عبر غيره ...
إلى أن قال: الأظهر والأحوط القول الثالث: أي كراهته في التفسير دون غيره لظهور الفرق، فإن القرآن في التفسير أكثر منه في غيره، وذكره فيه مقصود استقلالا: لا تبعا، فشبهه بالمصحف أقرب من شبهه ببقية الكتب(29).

 

القول الرابع: التفصيل بحسب الأكثر فإن كان الأكثر القرآن اشترطت الطهارة، وإن كان الأكثر غيره لم تُشترط. وهو قول للحنفية: قال في الأشباه والنظائر:
وقد جوز أصحابنا رحمهم الله مس كتب التفسير للمحدث ولم يفصلوا بين كون الأكثر تفسيرا أو قرآنا، ولو قيل به اعتبارا للغالب لكان حسنا(30). وقال في حاشية رد المحتار: قوله: (ولو قيل به) أي بهذا التفصيل، بأن يقال: إن كان التفسير أكثر لا يكره، وإن كان القرآن أكثر يكره(31). وهو قول للشافعية جعله النووي هو المذهب، قال في روضة الطالبين: وقيل إن كان القرآن أكثر حرم قطعا ...
ثم قال: قلت: مقتضى هذا الكلام أن الأصح أنه لا يحرم إذا كان القرآن أكثر، وهذا منكر؛ بل الصواب القطع بالتحريم؛ لأنه وإن لم يسم مصحفا ففي معناه، وقد صرح بهذا صاحب الحاوي وآخرون، ونقله صاحب البحر عن الأصحاب(32).
وقال في مغني المحتاج: (و) في (تفسير) سواء تميزت ألفاظه بلون أم لا إذا كان التفسير أكثر من القرآن لعدم الإخلال بتعظيمه حينئذ وليس هو في معنى المصحف بخلاف ما إذا كان القرآن أكثر منه لأنه في معنى المصحف أو كان مساويا له كما يؤخذ من كلام التحقيق(33).

 

التفريع على الخلاف السابق:
مس الجوال المشتمل على المصحف (أثناء التشغيل) مادمنا ألحقناه بكتب التفسير فإنه يجوز بدون طهارة على القول الأول فقط، ويجوز أيضاً على القول الرابع بحسب التفصيل المذكور، بمعنى أن هذا قد يختلف من جوال إلى آخر بحسب كثرة البرامج الأخرى لاسيما أن مادة برنامج المصحف كبيرة، ويمكن قياس الكثرة بحسب الحجم الذي يشغله البرنامج من الذاكرة فإن كان يشغل أكثر من النصف اعتبر الأكثر فاشترطت الطهارة لمسّه، وإن كان أقل من النصف فهو أقل فلا تشترط الطهارة لمسّه.
وأما القول الثاني فيشترط الطهارة فكذلك تشترط الطهارة هنا، وكذلك القول الثالث فهو الكراهة وكذلك هنا.

 

الترجيح:
كما تقدم فإن مسألتنا مبنية على تلك المسألتين (المس من وراء حائل, ومس كتب التفسير). والأرجح – فيما يظهر لي- والله أعلم في هاتين المسألتين هو عدم اشتراط الطهارة لمس الحائل ولو كان متصلاً بالمصحف وعدم اشتراط الطهارة لمس كتب التفسير وذلك لما يلي:
[1] أن الأصل براءة الذمة وعدم اشتراط الطهارة إلا بدليل, والدليل إنما ورد في مس المصحف, وقد عُلم أن المصحف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان عبارة عن الألواح والرقاع التي يكتب فيها القرآن مباشرة, ولو قيل باشتراط الطهارة لكل حائل متصل لزم عليه أن تشرط الطهارة للحوائل المتصل بعضها ببعض. كما أن هذا الأصل يُخرج كتب التفسير عن اشتراط الطهارة لعدم إطلاق المصحف عليها.

 

[2] أن اشتراط الطهارة فيه شيء من المشقة فالمصاحف في المساجد والمدارس وغيرها لا يمكن حملها إذا قلنا باشتراط الطهارة إلا أن يكون حاملها متطهراً، فيعسر على عامل النظافة في المسجد والمدرسة وغيرهما أن يحمل المصاحف وأن يمس جلدها للتنظيف وغير ذلك، كما لا تخفى مثل هذه المشقة في مطابع المصاحف (كمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف) وفي المكتبات ومستودعات الأوقاف والمساجد والمدارس وغير ذلك.

 

وإذا كان الراجح في هاتين المسألتين هو عدم اشتراط الطهارة فكذلك الجوال لا تشترط الطهارة لمسه إذا كان في وضع التشغيل بشرط عدم مس الشاشة ذاتها؛ لأن مسها حينئذٍ مس للمصحف فتشترط له الطهارة.

 

المطلب الثاني: من حيث الدخول بالجوال ذي المصحف إلى الخلاء:

قد تكلم الفقهاء في مسألة الدخول بالمصحف أو آيات منه إلى الخلاء (موضع قضاء الحاجة). ولكن هل يعتبر دخول الخلاء بالجوال المشتمل على برنامج القرآن الكريم كالدخول بالمصحف؟ قبل الحديث عن الدخول بالجوال إلى الخلاء، لابد من الوقوف على خلاف أهل العلم في الدخول بالمصحف إلى الخلاء.

 

خلاف أهل العلم في الدخول بالمصحف إلى الخلاء:
تكلم فقهاؤنا رحمهم الله في مسألة الدخول إلى الخلاء بشيء من ذكر الله تعالى، وظاهر كلامهم أن المصحف من جملة ما فيه ذكر الله إلا أن بعضهم يفهم من عبارته تخصيص المصحف بحكم أشد وسأعرض أقوالهم وما تيسر من عباراتهم (المطلقة في كل ذكر والمنصوص منها على المصحف) فيما يلي:
أشهر ما في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها الجواز، والثاني الكراهة، والثالث التحريم.

القول الأول الجواز:
وهو قول للمالكية في الذكر عامة ولم يصرّحوا هنا بالمصحف إذا كان كاملاً قال في مواهب الجليل: وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي دُخُولِ الْكَنِيفِ بِالْخَاتَمِ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى. فَلَمْ يَحْكِ عَنْ مَالِكٍ إلا الْجَوَازَ .....إلى أن قال (في توضيح القول بالجواز): (قُلْت) فَهَذَا مَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ النُّقُولِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلا بُدَّ مِنْ تَلْخِيصِهِ وَتَحْصِيلِهِ عَلَى حَسَبِ مَا فَهِمْتُهُ لِيَقْرَبَ لِلْفَهْمِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي اسْتِحْبَابِ تَرْكِ الذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَلا فِي اسْتِحْبَابِ تَرْكِ الدُّخُولِ إلَيْهِ بِكُلِّ مَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ, وَأَنَّ الْجَوَازَ إذَا أُطْلِقَ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ كَرَاهَةٌ شَدِيدَةٌ لا أَنَّهُ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ أَعْنِي فِعْلَهُ وَتَرْكَهُ; لأَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ السُّكُوتَ مُسْتَحَبٌّ عَنْ كُلِّ كَلامٍ. إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَيَتَحَصَّلُ فِي الذِّكْرِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهِ, وَالدُّخُولِ إلَيْهِ بِمَا فِيهِ ذِكْرٌ أَوْ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ قَوْلانِ بِالْجَوَازِ وَالْمَنْعِ.
أَمَّا الْجَوَازُ فَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ وَمِنْ اعْتِذَارِهِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ بِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ تَحْوِيلُهُ إلَى الْيَدِ الْيُمْنَى كُلَّمَا دَخَلَ الْخَلاءَ وَمِنْ كَلامِ عِيَاضٍ فِي الإِكْمَالِ وَمِنْ كَلامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَمِنْ كَلامِ الْبُرْزُلِيّ .... (34).

 

القول الثاني الكراهة: وهو مذهب الحنفية:
قال في مراقي الفلاح: ويكره الدخول للخلاء ومعه شيء مكتوب فيه اسم الله أو قرآن(35)، وقال في حاشية الطحطاوي تعليقاً عليه: محل الكراهة إن لم يكن مستورا فإن كان في جيبه فإنه حينئذ لا بأس به، وفي القهستاني عن المنية الأفضل أن لا يدخل الخلاء وفي كمه مصحف إلا إذا اضطر ونرجو أن لا يأثم بلا اضطرار، وأقره الحموي، وفي الحلبي الخاتم المكتوب فيه شيء من ذلك إذا جعل فصه إلى باطن كفه قيل لا يكره والتحرز أولى(36).

 

وقال في الفتاوى الهندية: وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْخَلاءِ وَمَعَهُ خَاتَمٌ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ(37). وهو قول في مذهب المالكية: قال في مواهب الجليل: ... فَيَتَحَصَّلُ فِي الذِّكْرِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهِ, وَالدُّخُولِ إلَيْهِ بِمَا فِيهِ ذِكْرٌ أَوْ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ قَوْلانِ بِالْجَوَازِ وَالْمَنْعِ, .... وَأَمَّا الْمَنْعُ فَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلامِ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ وَافَقَهُ; لأَنَّهُ الْمَشْهُورُ. وَإِذَا قُلْنَا بِهِ فَهَلْ مَعْنَاهُ الْكَرَاهَةُ أَوْ التَّحْرِيمُ؟

 

أَمَّا الذِّكْرُ فِيهِ وَالدُّخُولُ إلَيْهِ بِمَا فِيهِ ذِكْرٌ أَوْ قُرْآنٌ فَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلامِ ابْنِ رُشْدٍ وَعِيَاضٍ وَصَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ الْمَنْعَ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ إنَّمَا مَعْنَاهُ الْكَرَاهَةُ وَهُوَ صَرِيحُ كَلامِ الْجُزُولِيِّ وَصَاحِبِ الْمَدْخَلِ.

 

وَاَلَّذِي يَتَبَادَرُ لِلْفَهْمِ مِنْ كَلامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلامِ وَالْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّارِحِ أَنَّ الْمَنْعَ عَلَى التَّحْرِيمِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ, إذْ لَيْسَ فِي كَلامِ أَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ مَا يُوَافِقُهُ وَهُمْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِالتَّحْرِيمِ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلامِهِمْ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِيُوَافِقَ كَلامَ الْمُتَقَدِّمِينَ(38). وهو مذهب الشافعية: قال في المجموع: (وَأَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ) فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِ تَنْحِيَةِ مَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ إرَادَةِ دُخُولِ الْخَلاءِ وَلا تَجِبُ التَّنْحِيَةُ(39). قال في شرح المحلى: (وَلا يَحْمِلُ) فِي الْخَلاءِ (ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ مَكْتُوبَ ذِكْرٍ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ غَيْرِهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَحَمْلُهُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: مَكْرُوهٌ لا حَرَامٌ(40).

 

قال في مغني المحتاج: (وَلا يَحْمِلُ) فِي الْخَلاءِ (ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ مَكْتُوبَ ذِكْرٍ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى حَمْلُ مَا كُتِبَ مِنْ ذَلِكَ فِي دِرْهَمٍ أَوْ نَحْوِهِ تَعْظِيمًا لَهُ .... وَحَمْلُ مَا عَلَيْهِ ذِكْرُ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى الْخَلاءِ مَكْرُوهٌ لا حَرَامٌ , .... وَهَذَا الأَدَبُ مُسْتَحَبٌّ. قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ: وَلَيْتَهُمْ قَالُوا بِوُجُوبِهِ. قَالَ الأَذْرَعِيُّ: وَالْمُتَّجِهُ تَحْرِيمُ إدْخَالِ الْمُصْحَفِ وَنَحْوِهِ الْخَلاءَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ إجْلالا لَهُ وَتَكْرِيمًا اهـ(41). وانظر حاشية البجيرمي(42).

 

وعباراتهم السابقة منها ما فيه إطلاق الكراهة دون تخصيص المصحف، ومنها كما في عبارة الأذرعي أن الكراهة في غير المصحف وأن حكم المصحف التحريم.

 

القول الثالث: التحريم:
وهو المذهب عند المالكية كما يُفهم من بعض مصادرهم، قال في حاشية العدوي على الخرشي: يُسْتَحَبُّ عِنْدَ إرَادَةِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ أَنْ يُنَحِّيَ أَيْ يُبْعِدَ ذِكْرَ اللَّهِ الْكَائِنَ مَعَهُ بِوَرَقَةٍ أَوْ دِرْهَمٍ أَوْ خَاتَمٍ إنْ أَمْكَنَ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مَسْتُورًا وَقَيَّدَ ذَلِكَ الْقُرْطُبِيُّ بِغَيْرِ الْمَسْتُورِ ... (قَوْلُهُ: وَبِكَنِيفٍ إلَخْ) حَمَلَهُ الشَّارِحُ عَلَى وَرِقَةٍ أَوْ دِرْهَمٍ أَوْ خَاتَمٍ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ وَسَكَتَ عَنْ نَفْسِ الذِّكْرِ قِرَاءَةً وَالْقُرْآنُ كَتْبًا وَقِرَاءَةً بَعْضًا وَكُلا, وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجِبُ تَنْحِيَةُ الْقُرْآنِ وَيُنْدَبُ تَنْحِيَةُ غَيْرِهِ مِنْ الذِّكْرِ نُطْقًا بِأَنْ يَسْكُتَ لِحُرْمَةِ نُطْقِهِ فِيهِ بِقُرْآنٍ وَكَرَاهَتِهِ بِذِكْرٍ وَكَتْبًا وُجُوبًا فَيَجِبُ تَنْحِيَةُ كَامِلِ مُصْحَفٍ وَلَوْ مَسْتُورًا كَانَ مَا ذَكَرَ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَالْكَتْبِ حَالَ نُزُولِ خَبَثٍ وَاسْتِبْرَاءٍ وَبَعْدَهُمَا وَقَبْلَهُمَا .... وَهَذَا مَا لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ مِنْ ارْتِيَاعٍ أَوْ خَوْفِ ضَيَاعٍ فَيَجُوزُ وَيُكْرَهُ الدُّخُولُ فِي مَحَلِّ الْخَلاءِ بِشَيْءٍ فِيهِ قُرْآنٌ أَوْ ذِكْرٌ غَيْرُ مَسْتُورٍ مَا لَمْ تَدْعُ إلَى ذَلِكَ ضَرُورَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ ... وَانْظُرْ لَوْ جَعَلَ الْمُصْحَفَ كَامِلا حِرْزًا هَلْ يَجُوزُ دُخُولُ الْخَلاءِ بِهِ بِالسَّاتِرِ أَمْ لا....، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الدُّخُولَ بِبَعْضِ قُرْآنٍ لَيْسَ كَالدُّخُولِ بِكُلِّهِ الظَّاهِرُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى نَحْوِ صَحِيفَةٍ فِيهَا آيَاتٌ لا مِثْلِ جَزْءٍ, فَإِنَّهُ يُعْطَى حُكْمَ كُلِّهِ فِيمَا يَظْهَرُ(43).

 

وقال في الشرح الكبير: وكذا يحرم عليه دخوله بمصحف كامل أو بعضه ولو لم يكن له بال فيما يظهر كمسه للمحدث إلا لخوف ضياع(44).

 

وقال في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير تعليقاً على ما تقدم: مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ مَنْعِ دُخُولِ الْكَنِيفِ بِمَا فِيهِ قُرْآنٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ كَامِلًا أَوْ كَانَ بَعْضَهُ كَانَ لِذَلِكَ الْبَعْضِ بَالٌ أَوْ لا تَبِعَ فِيهِ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ وَالتَّوْضِيحَ وَقَدْ رَدَّهُ ح وعج وَقَالَا: إنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَاسْتَظْهَرَ الْأَوَّلُ كَرَاهَةَ دُخُولِ الْكَنِيفِ بِمَا فِيهِ قُرْآنٌ وَأَطْلَقَ فِي الْكَرَاهَةِ فَظَاهِرُهُ كَانَ كَامِلاً أَوْ بَعْضًا وَاسْتَظْهَرَ الثَّانِي التَّحْرِيمَ فِي الْكَامِلِ وَمَا قَارَبَهُ وَالْكَرَاهَةَ فِي غَيْرِ ذِي الْبَالِ كَالآيَاتِ وَاعْتَمَدَ هَذَا الْأَشْيَاخُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي المج(45).

 

وقال في الشرح الصغير: (وَتَنْحِيَةُ ذِكْرِ اللَّهِ لَفْظًا وَخَطًّا): مِنْ الآدَابِ الأَكِيدَةِ أَنْ لا يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى فِي الْخَلاءِ قَبْلَ خُرُوجِ الأَذَى أَوْ حَالَ خُرُوجِهِ وَبَعْدَهُ مَا دَامَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَقْضِي فِيهِ حَاجَتَهُ, سَوَاءٌ كَانَ كَنِيفًا أَوْ غَيْرَهُ. وَأَنْ لا يَدْخُلَ الْكَنِيفَ أَوْ يَقْضِيَ حَاجَتَهُ بِفَضَاءٍ وَمَعَهُ مَكْتُوبٌ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ, أَوْ دِرْهَمٌ أَوْ خَاتَمٌ مَكْتُوبٌ فِيهِ ذَلِكَ, وَكَذَا اسْمُ نَبِيٍّ. وَلِيُنَحِّهِ قَبْلَ دُخُولِهِ نَدْبًا أَكِيدًا. إلا الْقُرْآنَ فَيَحْرُمُ قِرَاءَتُهُ وَالدُّخُولُ بِمُصْحَفٍ أَوْ بَعْضِهِ وَلَوْ آيَةً, مَا لَمْ يَكُنْ حِرْزًا مَسْتُورًا بِسَاتِرٍ، وَمِنْ السَّاتِرِ جَيْبُهُ فَوَضْعُهُ فِي جَيْبِهِ مَثَلا يَمْنَعُ الْحُرْمَةَ فِي الْمُصْحَفِ، وَالْكَرَاهَةَ فِي غَيْرِهِ، وَهَذَا مَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ الضَّيَاعَ، وَإِلا جَازَ الدُّخُولُ بِهِ لِلضَّرُورَةِ(46). ويمكن اعتباره مذهب الشافعية كما يُفهم من عبارة الأذرعي المتقدمة، وهو مذهب الحنابلة: قال في الإنصاف: الصحيح من المذهب كراهة دخوله الخلاء بشيء فيه ذكر الله تعالى إذا لم تكن حاجة جزم به في الوجيز ومجمع البحرين والحاوي الكبير وقدمه المجد في شرحه وبن تميم وابن عبيدان والنظم والفروع والرعايتين وغيرهم. وعنه لا يكره قال ابن رجب في كتاب الخواتم: والرواية الثانية لا يكره وهي اختيار علي بن أبي موسى والسامري وصاحب المغني انتهى.

 

قال في الرعاية: وقيل يجوز استصحاب ما فيه ذكر الله تعالى مطلقا وهو بعيد. وقال في المستوعب تركه أولى، قال في النكت: ولعله أقرب. وقطع ابن عبدوس في تذكرته بالتحريم وما هو ببعيد، قال في الفروع: وجزم بعضهم بتحريمه كمصحف وفي نسخ لمصحف.

 

قلت أما دخول الخلاء بمصحف من غير حاجة فلا شك في تحريمه قطعا ولا يتوقف في هذا عاقل(47). وقال في كشاف القناع: (وَيُكْرَهُ دُخُولُهُ) أَيْ الْخَلاءِ (بِمَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ بِلا حَاجَةٍ).....(وَيَحْرُمُ) دُخُولُ الْخَلاءِ (بِمُصْحَفٍ إلا لِحَاجَةٍ). قَالَ فِي الإِنْصَافِ: لا شَكَّ فِي تَحْرِيمِهِ قَطْعًا, وَلا يَتَوَقَّفُ فِي هَذَا عَاقِلٌ قُلْتُ وَبَعْضُ الْمُصْحَفِ كَالْمُصْحَفِ(48). بَعْضُهُمْ بِتَحْرِيمِهِ بِمُصْحَفٍ(49). وقال في الروض المربع: (ويكره دخوله) أي دخول الخلاء ونحوه (بشيء فيه ذكر الله تعالى) غير مصحف فيحرم (إلا لحاجة)(50).

 

خلاصة الأقوال في الدخول بالمصحف إلى الخلاء:

كما تقدم فإن عبارات هؤلاء الفقهاء متعددة نلخصها يلي :
* التصريح بالمصحف وهل هو في الحكم ملحق بسائر الذكر أم له حكم مستقل؟
* هل الحكم للمصحف كاملاً أم يلحق بحكمه الآيات منه والجزء؟
* هل الساتر للقرآن يرفع الكراهة أو التحريم أم لا؟

 

وأكثر من فصّل المالكية، فذكروا من صور المسألة ما لم يذكره غيرهم. وخلاصة ما ذكروه وما ذكره غيرهم ما يلي:
[1] عامة فقهاء المذاهب على كراهة دخول الخلاء بما فيه ذكر الله، وقليل منهم قال بالتحريم أو الإباحة المطلقة.
[2] بعضهم صرّح بحكم خاص للمصحف، وكثير منهم سكت عنه، وفي تلك الحال فلا نجزم بإلحاقه بحكم سائر الذكر، وهذا الإشكال بيّنٌ في القول الأول (الجواز) فهل قول المالكية ذلك يشمل المصحف أم هو خاص بالذكر سواه؟ تقدم في بعض عباراتهم ما يُفهم منه الجواز لما فيه آيات، أما المصحف كاملاً فهو محتمل أن تشمله تلك العبارات أيضاً. ومن قال بالكراهة أيضاً ينطبق عليه ما سبق كالحنفية والشافعية والحنابلة؛ فإن بعض فقهائهم أطلقوا الكراهة ولم يستثنوا المصحف.
[3] من الفقهاء من جعل الستر للمصحف رافعاً لحكم التحريم أو الكراهة، كما تقدم عن بعض الحنفية والمالكية، ومثلوا للستر لو كان المصحف في جيبه.
[4] اتفق الفقهاء على استثناء حالة الحاجة والضرورة من الكراهة أو التحريم سواء في حكم الذكر عامة أو المصحف خاصة.

 

الترجيح:
أولاً في مسألة الدخول بالمصحف إلى الخلاء: قد أعجبتني عبارة الحطَّاب السابقة، وموضع الشاهد منها قوله: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي اسْتِحْبَابِ تَرْكِ الذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَلا فِي اسْتِحْبَابِ تَرْكِ الدُّخُولِ إلَيْهِ بِكُلِّ مَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ, وَأَنَّ الْجَوَازَ إذَا أُطْلِقَ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ كَرَاهَةٌ شَدِيدَةٌ لا أَنَّهُ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ أَعْنِي فِعْلَهُ وَتَرْكَهُ(51). وإنما قدمت بعبارته لأن البعض قد يقول: لا حاجة لعرض الخلاف فالأمر يتعلق بتكريم المصحف بل وغيره من الذكر فنمنع مطلقاً، فنقول:
[1] ما من أحد من هؤلاء الفقهاء (القائلين بالأقوال الثلاثة)؛ بل وكل مسلم لا يتردد لحظة واحدة في تكريم المصحف وكل ذكرٍ، ولا ينبغي أن يُظن أن من قال بالتحريم أعظم تكريماً للقرآن ممن قال بالكراهة أو الجواز.

 

[2] نحن مع الحطاب في أن ذلك مستحب بلا خلاف، وعلى المسلم أن يجتنب الدخول بالمصحف أو غيره ما استطاع.

 

[3] مقتضى القول بالتحريم:
* اعتبار من فعله آثماً.
* وجوب التحرّز التام قبل دخول الخلاء أن يكون معه ذكر أو قرآن.
* ألا يُرخص به إلا في حال الضرورة أو الحاجة الشديدة.
ولهذا عدل بعض الفقهاء إلى حكمٍ أخف وهو الكراهة، وبعضهم رأى الجواز لأنه اعتمد الأصل وهو براءة الذمة وما دام المسلم لم يحمله على الدخول بالمصحف أدنى إهانة فلم يروا به بأساً.

 

[4] إذا تبينت هذه المقدمة فإن أقرب الأقوال في نظري التفصيل الآتي:
* سائر الذكر سوى المصحف كورقة فيها حديث أو فيها اسم الله ونحو ذلك فإن الدخول به إلى الخلاء خلاف الأولى، ولا يصل إلى الكراهة إلا أن تكون كراهة خفيفة، بشرط أن تكون مخفية في جيب ونحوه، وقد تقدم في كلام الفقهاء ما يؤيد ذلك. لأن القول بالكراهة فضلاً عن التحريم فيه شيء من الحرج والمشقة؛ إذ يترتب عليه التحرّز وتفتيش الجيب قبل دخول الخلاء.

 

* أما المصحف فيظهر لي فيه القول بالكراهة ما دام مستوراً في جيب، وهو وسط بين طرفين، ولاسيما أن بعض القائلين بالتحريم استثنوا حالة كونه مستوراً. كما ينبغي الأخذ بالاعتبار الفرق بين الخلاء لدى المتقدمين وبين دورات المياه في العصر الحاضر؛ فإن الأذى الآن لا يبقى بل الدورة ممر بخلاف السابق.

 

وأما الحديث الذي يذكره البعض في هذا الباب وهو حديث أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ(52). فهو حديث ضعيف، قَالَ فيه أَبُو دَاوُدَ بعد روايته: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ ثُمَّ أَلْقَاهُ.
وقَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا الحَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وحكم عليه الدارقطني بالشذوذ(53).

 

ثانياً: في مسألة الدخول بالجوال ذي المصحف إلى الخلاء:
ينبغي التفريق بين حال تشغيل البرنامج بحيث تظهر الآيات على شاشة الجوال وبين حال عدم التشغيل. ففي الحالة الأولى يعتبر الدخول به كالدخول بالمصحف، ويمكن أن يُقال كالدخول بصفحة من المصحف أو ورقة فيها آيات، وذلك لأن الحكم للظاهر فقط أما سائر المصحف في الجوال فهو كحكم الحال الثانية.

 

وأما في الحال الثانية فلا يعتبر دخولاً بالقرآن إلى الخلاء نظراً إلى عدم ظهور تلك الآيات, ولا يقال هنا: بل هي موجودة كالمصحف الورقي المغلق, لأن المصحف الورقي توجد به الآيات حقيقةً محسوسة, وأما الآيات هنا فهي عبارة عن ذبذبات ممغنطة لا تختلف عن غيرها مادامت في ذاكرة الجوال أو ذاكرة الحاسوب فلا تتشكل حقيقتها إلا حين تشغيل البرنامج(54). ويمكن التشبيه هنا بمن معه عشرات الأحرف المبعثرة والتي يمكن تشكيلها آية من كتاب الله أو كلمات أخرى فمثل تلك الأحرف لا تأخذ حكم المصحف مادامت كذلك.

 

المبحث الثاني: حكم استخدام قراءة القرآن كنغمة اتصال

المقصود بنغمة الاتصال الصوت الذي يسمعه من يتصل بالجوال فالمعتاد أن من يتصل بشخص فإنه قد يسمع نغمة تفيد انشغال الخط وهي النغمة القصيرة المتقطعة بسرعة، وقد يسمع نغمة تفيد اتصال الخط وهي النغمة الطويلة المتقطعة على فترات هذه النغمة الأخيرة يتم استبدالها إذا رغب المشترك بأي صوت آخر فقد يكون صوت غناء  أو موسيقى أو شعر كما أضيف مؤخراً أصوات أخرى كالدعاء والحديث النبوي وكذلك القرآن الكريم. فما حكم اختيار صوت القرآن الكريم في (نغمة الاتصال) هذه؟

هذه المسألة تشبه المسألة الأخرى في المبحث الثالث لذا سيكون الحديث عنهما واحداً.

 

المبحث الثالث: حكم استخدام قراءة القرآن كنغمة جرس للتنبيه

المقصود بنغمة الجرس هنا ما يصدر عن الجوال حال ورود مكالمة إليه فالمعتاد أن يصدر الجوال جرساً ليعلم صاحب الجوال بورود المكالمة، هذا الصوت كان جرساً في الأصل حين كانت هناك أجهزة الهاتف الثابت (الأرضي) ثم تنوعت إلى أصوات أخرى ولكنها تشبه الجرس، ولكن حين ظهرت أجهزة الجوال تحولت تلك الأصوات إلى التفنن في حفظ أي صوت ومن ثم اختياره كنغمة جرس فأصبحت تسمع مقاطع صوتية شتى (موسيقى بعشرات الأنغام – مقاطع أغاني– مقاطع من قصائد – أصوات طيور وحيوانات وماء … وغير ذلك كثير). ومن تلك الأصوات التي أصبحت تسمعها من الجوالات (الدعاء – الحديث – القرآن). ومسألتنا هي في القرآن خاصة ويمكن أن يقاس عليها غيرها إذا تشابهت العلل.

 

خلاف المعاصرين في حكم المسألتين:

قدمت في المقدمة أن مسائل هذا البحث جديدة تكلم عنها بعض المعاصرين، ولم أجد في هاتين المسألتين سوى فتاوى متفرقة، وقرار من المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، وفتوى من هيئة الفتوى بدائرة الشؤون الإسلامية بدبي، ويمكن عرض الخلاف كما يلي:

القول الأول: تحريم استخدام قراءة القرآن كنغمة اتصال أو نغمة جرس للتنبيه وهو قرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي حيث جاء فيه:
«لا يجوز استخدام آيات القرآن الكريم للتنبيه والانتظار في الهواتف الجوالة وما في حكمها؛ وذلك لما في هذا الاستعمال من تعريض القرآن للابتذال والامتهان بقطع التلاوة وإهمالها، ولأنه قد تتلى الآيات في مواطن لا تليق بها»(55). وبه صدرت الفتوى رقم (56) من دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في الإمارات والتي تنص على الآتي: (استخدام آيات القران الكريم في هذا الأسلوب الخدمي يتنافى مع ما يجب للقرآن من تعظيم وإجلال لأنه كلام الله القديم وصفة من صفاته سبحانه وتعالى, واستخدامه في مثل ذلك يعرضه للمهانة, لذلك لا يجوز مثل هذا العمل, ونهيب بجميع المسلمين أن يجعلوا للقران الكريم قداسه في قلوبهم وتصرفاتهم لكونه كلام الله تعالى القديم المحفوظ من التغيير)(56). وأكثر الفتاوى التي وقفت عليها تتجه إلى التحريم؛ بل بعضها أغلظت في العبارة كما سأشير فيما بعد.

 

القول الثاني:
جواز استخدام قراءة القرآن كنغمة اتصال أو نغمة جرس للتنبيه وهذا قول بعض المعاصرين.
أدلة القول بالتحريم:
[1] فيه استخفاف وامتهان لآيات الله في تعرضه لقطع الآيات في حال الرد أو رفض المكالمة، وقد يؤدي هذا القطع إلى الإخلال بالمعنى.
[2] فيه إخلال بمنزلة القرآن العظيمة، قال تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ}(57)، وقال تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}(58).
[3] أنه قد يصدر صوت القرآن في مواضع لا تليق به كدورات المياه.
دليل القائلين بالإباحة: أن الأصل الإباحة ولا يوجد دليل على المنع.

 

الترجيح:
أود قبل الترجيح في هذه المسألة أن أعرض مقالاً كنت كتبته في مسألة تشبهها. عنوان المقال: (حلال أم حرام؟) وقد نشر في صحيفة الجزيرة:
سألتني إحدى قريباتي عن صوت الأذان كبديل لجرس الجوال فقلت لا ينبغي لأن فيه ابتذالاً للأذان وربما صدر صوته في مواضع لا تليق به ... قالت: يعني حرام؟ قلت: هناك بدائل عنه ولا ينبغي...
قالت: إذاً فهو حرام .... قلت: يا أختي لا يلزم أن أقول حرام أو حلال أنا قد بينت لك ما فيه ويكفي هذا في الفتوى إن اعتبرتيها فتوى ...

 

هذه الحادثة تمثل فهماً شائعاً لدينا وهو أننا ننتظر دائماً من المفتي أن يقول: حلال أو حرام، وكأن قاموس المفتي لا يتسع لغير ذلك وهذا غير سديد، بل الفتوى تكون بالإباحة الصريحة والتحريم الصريح كما قد تكون أيضاً بأحكام أخرى في الفقه وهي الاستحباب والكراهة والوجوب. وتكون كذلك وهذا ما قد يغفل عنه بألفاظ أقل صراحة وأبعد من القطع حين تكون المسألة محتملة كألفاظ: ينبغي - نرغب فيه ـ هو الأولى ـ هو الأحوط ـ لا ينبغي ـ تركه أولى ....الخ، وتكون أيضاً بذكر محاسن الشيء المسؤول عنه أو ذكر مساوئه وهذا كاف، كما تكون في بعض الأحيان بذكر مذاهب العلماء في المسألة ولا يلزم المفتي أن يرجِّح بينها.

 

هذا المنهج في الفتوى له محاسن ومميزات: منها أنه المنهج الذي درج عليه الأئمة ..... انظر في مسائلهم وأقوالهم لتجد هذه العبارات: لا يعجبني، لا ينبغي، لا أحب ذلك، أكرهه، لا يصلح، لا أراه.

 

وفي الإباحة: أرجو ألا يكون به بأس، هذا أعجب إلي، هذا حسن، هذا أهون. ففي الأم للشافعي - رحمه الله - قال: أخبرنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبيه قال سئل عمر عن الأم وابنتها من ملك اليمين فقال: ما أحب أن أجيزهما جميعاً، فقال عبيد الله قال: أبي: فوددت أن عمر كان أشد في ذلك مما هو فيه، أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج قال: سمعت ابن أبي مليكة يخبر أن معاذ بن عبيد الله بن معمر جاء إلى عائشة فقال لها: إن لي سرية قد أصبتها وأنها قد بلغت لها ابنة جارية لي أفأستسر ابنتها؟ فقالت: لا. فقال: فإني والله لا أدعها إلا أن تقولي لي: حرمها الله، فقالت: لا يفعله أحد من أهلي ولا أحد أطاعني(59).

 

فانظر إلى كل من عمر وعائشة رضي الله عنهما لم يأتيا بلفظ صريح في التحريم لما لم يكونا على يقين منه في هذه المسألة وتورعا عن التصريح. وقال ابن وهب: سمعت مالكاً يقول لم يكن من أمر الناس ولا من مضى من سلفنا ولا أدركت أحداً أقتدي به يقول في شيء: هذا حلال وهذا حرام، وما كانوا يجترئون على ذلك، وإنما كانوا يقولون: نكره كذا، ونرى هذا حسناً. فينبغي هذا ولا نرى هذا. أهـ(60).

 

ومسائل الإمام أحمد رحمه الله فيها أمثلة لما ذكرت وكذلك فتاوى الإمام ابن تيمية وغيرهما ومع كون ترجيحات ابن تيمية كثيرة إلا أن فتاواه يوجد فيها فتاوى يقتصر فيها على إيراد الخلاف دون ترجيح. ومن محاسن هذا المنهج أن فيه مرونة في الحكم على المسائل الإجتهادية والتي ينبني الحكم فيها على مفاسد ومصالح فلو تغيرت تلك المفاسد والمصالح ـ وهذا الشأن فيها أنها قد تتغير ـ فحينئذ لا يؤثر ذلك على أصل الفتوى وأنها تغيرت من التحريم إلى الإباحة بل إنما تكون أصلاً قد صيغت بذكر المفاسد دون قطعٍ في الحكم . انتهى المقال.

 

والذي أردت بيانه هو أنه يمكن الاكتفاء بمثل تلك العبارات في مسألة استخدام قراءة القرآن كنغمة جرس أو نغمة اتصال، فيُقال: لا ينبغي، وتُذكر بعض السلبيات لهذا الاستخدام(61).

 

ولكن لو ألجأَنَا السائلُ إلى التصريح بحكم المسألة من بين الأحكام الخمسة (التحريم – الكراهة – الإباحة – الاستحباب – الوجوب) فإن من تمسك بأصل الإباحة قد لا نستطيع أن نخرجه عنه إلى التحريم لعدم ما يوجب التحريم، فغاية العلل التي يمكن التعليل بها لا ترقى – فيما يظهر لي– إلى التحريم، وإنما غاية ذلك الكراهة؛ حتى وإن عبّرنا بالكراهة الشديدة، وإذا كان بعض الفقهاء لم يصل الحكم عنده في الدخول بالمصحف إلى الخلاء إلى التحريم(62) ما دام المسلم محترماً للقرآن ولم يحمله على فعل ذلك أدنى إهانة، فإن الحكم في هذه المسألة أخف.

 

وقد عجبت من إحدى الفتاوى قرأتها في الشبكة (النت) فقد بالغت في وصف من يفعل ذلك إلى أنه قد يصِل بِصاحِبه إلى الكفر بالله؛ لأنه اتَّخَذ آيات الله هُزوا، وفتوى أخرى اعتبرت استخدام الأغاني والموسيقى كنغمة جوال أهون بمرات ومرات من استخدام الأذان والأدعية والقرآن.

 

وأما التعليل بقطع قراءة القرآن عند الرد على المكالمة فهذا يقودنا إلى الرجوع إلى ما قاله الفقهاء حول قطع قراءة القرآن. قال البيهقي في شعب الإيمان: فصل في كراهية قطع القرآن لمكالمة الناس، وذلك أنه إذا انتهى في القراءة آية وحضر كلام فقد استقلت الآية التي بلغها والكلام فلا ينبغي أن يؤثر كلامه على قراءة القرآن ...ثم ذكر بسنده أثرين:

أحدهما عن نافع قال: كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه.
 الثاني: عن ابن أبي الهذيل قال: كانوا يكرهون أن يقرؤوا بعض الآية و يدعوا بعضها(63).

 

وقال في البرهان في علوم القرآن: مسألة في كراهة قطع القرآن لمكالمة الناس، ثم ساق عبارة البيهقي(64).
فالفقهاء هنا عبّروا بالكراهة، وهذا ما أميل إليه أن يُكتفى بالكراهة مع مراعاة احترام القرآن وعدم ابتذاله. وقد أخرج مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ صَلَّى لَنَا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم الصُّبْحَ بِمَكَّةَ فَاسْتَفْتَحَ سُورَةَ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ أَوْ ذِكْرُ عِيسَى أَخَذَتِ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم سَعْلَةٌ فَرَكَعَ(65).

 

قال النووي في شرحه: في هذا الحديث جواز قطع القراءة، والقراءة ببعض السورة وهذا جائز بلا خلاف ولا كراهة فيه إن كان القطع لعذر، وإن لم يكن له عذر فلا كراهة فيه أيضاً ولكنه خلاف الأولى، هذا مذهبنا ومذهب الجمهور وبه قال مالك رحمه الله تعالى في رواية عنه والمشهور عنه كراهته(66). فتأمل كلامه رحمه الله إذ لم يصل عنده الحكم إلى الكراهة حتى مع عدم العذر لأن المقطوع به أن المسلم لا يفعله امتهاناً  أو تلبيساً، كما أن سماع القرآن في الأصل مشروع ومحمود ويُتبرّك به فتضييق مجال سماعه قد يتنافى مع هذه المقاصد إلا حينما تظهر المحذورات الشرعية البيّنة(67). والمقصود من كل ما قدمته ليس صرف الناس عن أمر فيه تعظيم القرآن واحترام الأذكار حاشا والله فلئن تُشل يميني أحبُّ إلي من شيء كهذا، ولكني أدعو إلى التأمل في انتقاء العبارات الموافقة لدرجة الحكم الفقهي من باب التوازن والاعتدال في تنزيل الأحكام، واختلاف منازل المحرمات ودرجاتها. ولئن استدل البعض بقوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32،33] فهذا حق لا ريب فيه، واستدلال في محله؛ ولكن الدعوة إلى هذا التعظيم يمكن أن تكون بما ذكرناه من ألفاظ مناسبة؛ لأننا نستدل بالآية ذاتها على تعظيم شعائر الله والتي منها لفظ (التحريم – محرم – آثم) فلا تبتذل حين يسمعها الناس في كل ما هو محتمل لمادون التحريم، أو ليس فيه دليل بيّنٌ على التحريم.

 

وإني لأعتذر لمشايخنا الفضلاء في المجمع الفقهي وغيره إن ظنوا أن في مثل هذا الطرح مخالفة لقرارهم فإني ولله الحمد من أحرص الناس على احترام قرارات المجامع والهيئات العلمية وتفعيلها، ولكني كنت كتبت كثيراً من البحث قبل صدور القرار أو لعله قبل اطلاعي عليه، والحوار العلمي مما يدعو إليه علماؤنا وبه تظهر المسائل ويتنامى تحريرها. كما أني أقول: لعل مثل فتاوى المنع يمكن حملها على ما أشرنا إليه من الكراهة والله أعلم.

 

الفرق بين المسألتين (نغمة الاتصال ونغمة جرس التنبيه):

أخيراً ينبغي الإشارة إلى أن علل المنع أو الكراهة في اتخاذ صوت القرآن كنغمة جرس أوضح منها في المسألة الأولى لما يلي:

أن الصوت هنا يصدر عن الجوال مسموعاً لكل من هو بقرب الجوال بخلاف الصوت في نغمة الاتصال فإنما هو خاص للمتصل لا يسمعه غيره في الغالب، فما يخشى من الابتذال يظهر في نغمة الجرس أكثر منه في نغمة الاتصال.

 

أن نغمة الجرس تظهر دون اختيار فمن اتصل بهذا الهاتف وكان في وضع التشغيل ولم يكن في وضع الصامت، فإن الصوت المبرمج عليه نغمة الجرس سيسمع مباشرة بخلاف نغمة الاتصال فإنها تظهر للمتصل والذي يختار بنفسه الاتصال، فمثلاً في الخلاء قد يتصل أحد بهذا الجوال فتظهر قراءة القرآن فهو غير لائق.

 

المبـحث الرابع: حكم قراءة القرآن من الجوال في الصلاة

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: حكم القراءة من المصحف في الصلاة:

اختلف الفقهاء في هذه المسألة على أربعة أقوال مشهورة، وثَمّ أقوال سنشير إليها:
القول الأول:
المنع: وتبطل به الصلاة وهو قول أبي حنيفة رحمه الله قال في البحر الرائق شرح كنز الدقائق: {قَوْلُهُ وَقِرَاءَتُهُ مِنْ مُصْحَفٍ} أَيْ يُفْسِدُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالا هِيَ تَامَّةٌ ...... وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ حَافِظًا أَوْ حَافِظًا لِلْقُرْآنِ ... وَقَالَ الرَّازِيّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ الْقُرْآنَ وَلا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْرَأَ إلا مِنْ مُصْحَفٍ فَأَمَّا الْحَافِظُ فَلا تَفْسُدُ صَلاتُهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا(68). وهو قول عند الحنابلة، قال في الإنصاف: وَعَنْهُ فِعْلُ ذلك يُبْطِلُ الْفَرْضَ وَقِيلَ وَالنَّفَلَ(69).

 

القول الثاني:
 الكراهة: ولا تبطل به الصلاة، وهو قول صاحبي أبي حنيفة وهو المذهب عند الحنفية، قال في تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق: لْقِرَاءَةُ مِنْ الْمُصْحَفِ أَفْضَلَ مِنْ الْقِرَاءَةِ غَائِبًا إلا أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي الصَّلاةِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِفِعْلِ أَهْلِ الْكِتَابِ(70). و تقدم ما في البحر الرائق: ...وَقَالا هِيَ تَامَّةٌ.
وقال في درر الحكام شرح غرر الأحكام: (قَوْلُهُ وَقِرَاءَتُهُ مِنْ مُصْحَفٍ) أَقُولُ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلافًا لَهُمَا. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ، وَلَوْ كَانَ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَقَرَأَهُ مِنْ مَكْتُوبٍ مِنْ غَيْرِ حَمْلِ الْمُصْحَفِ قَالُوا لا تَفْسُدُ صَلاتُهُ لِعَدَمِ الأَمْرَيْنِ جَمِيعًا ا هـ(71).

 

القول الثالث:
الإباحة في الفرض والنفل. وهو مذهب الشافعية: قال في المجموع: لو قرأ القرآن من المصحف لم تبطل صلاته سواء كان يحفظه أم لا بل يجب عليه ذلك إذا لم يحفظ الفاتحة كما سبق ولو قلب أوراقه أحياناً في صلاته لم تبطل(72). وقال في مغني المحتاج: (وتتعين الفاتحة) أي قراءتها حفظاً أو نظراً في مصحف أو تلقيناً أو نحو ذلك(73). وهو مذهب الحنابلة: قال في المغني:
قال أحمد: لا بأس أن يصلي بالناس القيام وهو ينظر في المصحف، قيل له في الفريضة قال: لا لم أسمع فيه شيئاً ... وحكي عن ابن حامد أن النفل والفرض في الجواز سواء(74).
وقال في الإنصاف: وَيَجُوزُ له النَّظَرُ في الْمُصْحَفِ يَعْنِي الْقِرَاءَةَ فيه وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الأصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم(75).

 

القول الرابع:
الإباحة في النفل دون الفرض: وهو مذهب المالكية ونصّوا أنه يُكره في الفرض، ففي المدونة:
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قُلْتُ لِمَالِكٍ فِي الرَّجُلِ يُصَلِّيَ النَّافِلَةَ يَشُكُّ فِي الْحَرْفِ وَهُوَ يَقْرَأُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ مُصْحَفٌ مَنْشُورٌ، أَيَنْظُرُ فِي الْمُصْحَفِ لِيَعْرِفَ ذَلِكَ الْحَرْفَ؟ فَقَالَ: لا يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ الْحَرْفِ وَلَكِنْ يُتِمُّ صَلاتَهُ ثُمَّ يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ الْحَرْفِ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لا بَأْسَ بِقِيَامِ الإمَامِ بِالنَّاسِ، فِي رَمَضَانَ فِي الْمُصْحَفِ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الأمِيرِ يُصَلِّي خَلْفَ الْقَارِئِ فِي رَمَضَانَ: إنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُصْنَعُ ذَلِكَ فِيمَا خَلا وَلَوْ صُنِعَ ذَلِكَ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا. قُلْتُ لابْنِ الْقَاسِمِ: لِمَ وَسَّعَ مَالِكٌ فِي هَذَا وَكَرِهَ لِلَّذِي يَنْظُرُ فِي الْحَرْفِ؟ قَالَ؛ لأنَّ هَذَا ابْتَدَأَ النَّظَرَ فِي أَوَّلِ مَا قَامَ بِهِ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لا بَأْسَ بِأَنْ يَؤُمَّ الإِمَامُ بِالنَّاسِ فِي الْمُصْحَفِ فِي رَمَضَانَ وَفِي النَّافِلَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَرِهَ ذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ(76).

 

وفي الشرح الكبير للدردير: (و) كره (تعمد مصحف فيه) أي في المحراب أي جعله فيه عمداً (ليصلي له) أي إلى المصحف، ومفهوم تعمد أنه لو كان موضعه الذي يعلق فيه لم يكره وهو كذلك(77). وقال الخرشي في شرح مختصر خليل: (وَنَظَرٌ بِمُصْحَفٍ فِي فَرْضٍ) يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْمُصَلِّي فِي الْمُصْحَفِ فِي صَلاةِ الْفَرْضِ وَلَوْ دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِهِ لاشْتِغَالِهِ غَالِبًا وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي النَّافِلَةِ إذَا ابْتَدَأَ الْقِرَاءَةَ فِي الْمُصْحَفِ لا فِي الْأَثْنَاءِ فَكُرِهَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ "أَوْ أَثْنَاءَ نَفْلٍ لا أَوَّلَهُ"(78). وهو قول عند الحنابلة: قال في المغني: وقال القاضي يكره في الفرض ولا بأس به في التطوع إذا لم يحفظ فإن كان حافظاً كره أيضاً، قال وقد سئل أحمد عن الإمامة في المصحف في رمضان، فقال: إذا اضطروا إلى ذلك نقله علي بن سعيد و صالح و ابن منصور(79). وقال في الإنصاف: وَعَنْهُ يَجُوزُ له ذلك في النَّفْلِ. وَعَنْهُ يَجُوزُ لِغَيْرِ حَافِظٍ فَقَطْ. وَعَنْهُ فِعْلُ ذلك يُبْطِلُ الْفَرْضَ وَقِيلَ وَالنَّفَلَ(80).

 

أقوال أخرى من عبارات الفقهاء السابقة:
عند الحنفية أن بعضهم قيّد قول أبي حنيفة في بطلان الصلاة بألا يكون حافظاً فإن كان حافظاً ولم تكثر حركته في القراءة بالمصحف فلا تبطل.
عند المالكية قول بالتفريق بين ابتداء الصلاة والنظر أثناءها.
عند الحنابلة تقييد الإباحة لغير الحافظ (عكس الحنفية).

 

الأدلة:

أدلة الإباحة:
[1] عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهَا كَانَ يَؤُمُّهَا غُلاَمُهَا ذَكْوَانُ فِى الْمُصْحَفِ فِى رَمَضَانَ(81).
[2] عن ثابت البناني قال: كان أنس يصلي، وغلامه يمسك المصحف خلفه فإذا تعايا في آية فتح عليه(82).

 

أدلة المنع:
[1] عن ابن عباس قال: نهانا أمير المؤمنين عمر رضى الله عنه أن يؤم الناس في المصحف ونهانا أن يؤمنا إلا المحتلم(83).
[2] عن إبراهيم قال: كانوا يكرهون أن يؤم الرجل وهو يقرأ في المصحف(84).
ومن رأى بطلان الصلاة، فله علتان:
إحداهما: أَنَّ حَمْلَ الْمُصْحَفِ وَالنَّظَرَ فِيهِ وَتَقْلِيبَ الأوْرَاقِ عَمَلٌ كَثِيرٌ.
الثَّانِية: أَنَّهُ تَلَقَّنَ مِنْ الْمُصْحَفِ فَصَارَ كَمَا إذَا تَلَقَّنَ مِنْ غَيْرِهِ(86).
ومن اقتصر على الكراهة فأدلته على الإباحة ما تقدم، وأما الكراهة فلعلة التشبه بأهل الكتاب(86).
ومن رأى التفريق بين الفرض والنفل فلأن الأثر ورد في النفل فقط(87).

 

الترجيح:
تأملت هذه المسألة فوجدتها تنبني على أثر ذكوان، وهو أثر لا ينزل عن رتبة الاحتجاج، ولا يُعارض بأثر ابن عباس لأنه ساقط كما بينت في تخريجه؛ بل ثَمّ ما يؤيد أثر ذكوان وهو أثر أنس رضي الله عنه، وإذا جاز حمل المصحف للمتابعة فجوازه للقراءة منه أولى والله أعلم للحاجة إلى القراءة أكثر من المتابعة. ويبقى بعد ذلك النظر في عموم الحكم أو الاقتصار به على النافلة.

 

أما من حيث صحة الصلاة فلا يظهر لي بطلانها بالقراءة من المصحف ولو كانت فرضاً،لأن الصلاة الصحيحة لا يجوز إبطالها إلا بدليل بيّن، وأثر ذكوان كاف في منع الإبطال لأن ما ثبت في النفل فالفرض مثله، ولكن هل يُقال بكراهة ذلك؟

 

إن القول بالكراهة متجه، وأقرب منه أن يقال: إنه خلاف الأولى. وإذا أردنا ضابطاً عاماً في الفرض والنفل فلعله أن يُقال:
الأولى عدم القراءة من المصحف في الصلاة إلا لحاجة، والحاجة في الفرض كإمامٍ لا يحفظ سوى قصار السور ويحب أن يطيل القراءة في الفجر مثلاً تطبيقاً للسنّة، أو يقرأ ما ورد في السنة من سور معينة كالأعلى والغاشية والجمعة والمنافقون في الجمعة، أو السجدة والإنسان في فجرها ونحو ذلك، ولا سيما حين لا يوجد من هو أكثر حفظاً منه كما في بعض الدول ولدى بعض الأعاجم.

 

وأما الحاجة في النفل فكثيرة صورها كالمتنفل المنفرد في قيام ليل، وصلاةٍ قبل صلاة الجمعة ونحو ذلك، وكإمامٍ في التراويح ليس حافظاً ...
ففي مثل تلك الصور جميعها يرتفع خلاف الأولى؛ بل ربما كان هو الأولى إذا تحققت الحاجة وغلبت المصلحة على سواها.

 

وأما في الأحوال العادية فكما قلنا: الأولى القراءة حفظاً بلا ريب لما يلي:
[1] اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وسائر السلف الصالح.
[2] أنه أقرب للخشوع والتدبر.
[3] أنه أبعد عن الانشغال بأخذ المصحف وتقليب أوراقه.
[4] تأثيره أعظم في المستمعين لتلاوته كما لا يخفى.
[5] يشجع على الحفظ ومراجعة المحفوظ.

 

ولذا لا ينبغي لمن أنعم الله عليه بحفظ كتابه أو شيء منه أن يتعجل بالصلاة بالمصحف؛ بل عليه الحرص والمجاهدة لكي يصلي بالناس حفظاً ما استطاع، ومن استعان بالله أعانه، واحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز.

 

المطلب الثاني: حكم إلحاق القراءة من الجوال بالقراءة من المصحف:

أثيرت هذه المسألة إثر قيام أحد الأئمة في الرياض بالقراءة من الجوال أثناء صلاة التراويح, أي بدلاً من القراءة من المصحف والتي هي شائعة لدى كثير من الأئمة في صلاة التراويح والقيام (التهجد) حيث قرأ ذلك الإمام من مصحف شاشة جواله. فهل القراءة من الجوال في الصلاة تلحق بالقراءة من المصحف؟! أم هي مختلفة فلا تلحق بها؟

الرأي الأول:
أنها تلحق بالقراءة من المصحف. وحجتهم أن الجوال وسيلة لعرض نص المصحف فلا يختلف عن المصحف الورقي.

 

الرأي الثاني:
أنها لا تلحق بالقراءة من المصحف. وحجتهم أن المنصوص عليه في الفقه هو حمل المصحف في الصلاة حيث إن له خصوصية ليست موجودة في غيره، كما أن بعض الفقهاء كرهوا حمل المصحف والقراءة منه أثناء الصلاة لاحتياج حمله إلى نوع من الحركة، والجوال يحتاج إلى مثل ذلك في الحركة(88).

 

الترجيح:
هذه المسألة هي لدى من يرى إباحة القراءة من المصحف في الصلاة فحسب دون من لا يرى إباحة ذلك أصلاً أو يرى الكراهة. لهذا  فإننا إذا أردنا النظر الفقهي الدقيق لها فعلينا أن نرجع إلى أصلين:
الأصل الأول: هو جواز القراءة من المصحف في الصلاة.
الأصل الثاني: جواز القراءة من المصحف الالكتروني خارج الصلاة.

 

فمن خالف في أحد الأصلين فلا حاجة لمناقشته في هذه المسألة حتى يسلّم بهما. ومن سلم بهما وهم أكثر المعاصرين(89)، فنقول له ما يلي:
إذا كانت القراءة من المصحف الإلكتروني (كشاشة الجوال) لا إشكال فيها خارج الصلاة فما الذي يمنع منها أثناء الصلاة ؟! وعلى هذا فالأصل الإباحة في هذه المسألة وعلى من يمنع الدليل. ولا يُقال الأصل المنع بحجة (أن الأصل في العبادات الحظر) لأننا نقول: إن وسائل العبادات ليست هي العبادات، ولا يصح إجراء مثل هذه القاعدة عليها, بل الوسائل تبقى على أصل الإباحة حتى يظهر فيها محذور شرعي.

 

ولو قيل بإلحاق وسائل العبادات بها في أن الأصل فيها الحظر لزم على ذلك لوازم كثيرة جداً لا يمكن القول بها ولا يقول بها المخالف أبداً، فالوسائل الصوتية (مكبرات الصوت وغيرها) على هذا ستمنع في الصلاة والأذان وكذلك الخط لتسوية الصفوف كما في سجاد الحرمين وكثير من المساجد. بل المساجد نفسها على هذه الهيئة الجديدة لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم . وكذلك حين ننتقل إلى سائر العبادات كالحج في أصله وشعائره كالطواف والسعي إذ كثير منها يتم بوسائل مستحدثة، بل قراءة القرآن التي هي من أجلّ العبادات يلزم من منع القراءة من الجوال في الصلاة لعلة قاعدة الحظر في العبادات أن يمنع أيضاً خارج الصلاة لأنها عبادة كذلك.

 

المنع لعلة الحركة في الصلاة:

ليس هناك من فرق بين الجوال وغيره في وجود الحركة أثناء الصلاة بمعنى أن الحركة الكثيرة ممنوعة أثناء الصلاة بأي سبب كانت، ولا يختص ذلك بالجوال. ولذا فمن استخدم المصحف مع كثرة الحركة فقد أخل أيضاً بالصلاة. وكذلك الحال في الجوال فقد تصاحبه حركة كثيرة, وقد يستطيع المصلي أن يقرأ منه بحركة يسيرة تشبه حركة فتح المصحف ورده إلى المحمل عند السجود. والحكم ينبغي دائماً أن يُسلّط على المسألة ذاتها دون ما قد يحتف بها من خارجها، فمسألتنا هي القراءة من شاشة الجوال فهذه التي لا أرى بينها وبين صفحة المصحف فرقاً؛ والقول بخصوصية المصحف لا وجه له هنا لأن المصحف كل ما كُتب فيه كلام الله تعالى، فقد يُكتب على جلد وعظام كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يُكتب على كاغد (ورق بصناعته القديمة) كما كان بعد ذلك، وقد يُكتب على الأوراق العصرية بأنواعها، وكذلك المداد وطريقة الكتابة تغيرت وتطوّرت من الحبر القديم وكتابة اليد إلى أنواع من أحبار المطابع وطباعتها وتصويرها، فالمصحف الذي بين أيدينا الآن يختلف في مادة أوراقه وحبره وطريقة خطه عن الذي تكلم عنه الفقهاء المتقدمون، ومما تغير وتطوّر أن أصبح القرآن على شاشة الكترونية جوال أو غيره... فكل ذلك لا إشكال فيه بذاته، وأما ما قد يُصاحب تلك الآلات فكل شيء منها له حكمه، كصدور أصوات منها أثناء الصلاة من أجل الاتصال أو غير ذلك، وكظهور صور من الجوال في الصلاة ... فهذا يمكن اشتراطه لاستخدام شاشة الجوال بديلاً عن المصحف للقراءة منها. وأما التعليل بأن بعض الفقهاء كرهوا حمل المصحف والقراءة منه أثناء الصلاة، فقد تقدم أن من أخذ بهذا القول أصلاً فقد كفانا المؤونة إذ لا ينبغي الخوض معه في مسألة الجوال فهي فرع عن تلك المسألة.

 

المنع كسياسة شرعية:
قد يذهب البعض إلى المنع لمجرد السياسة الشرعية وليس للتحريم في أصل المسألة. وهذا أمر يرجع إلى تقدير من يملك هذا الحق وهو المنع كسياسة شرعية كما لو خشي أن يفتح الباب للعبث في الصلاة أو أن يكون سبباً للجدال والمراء فلا شك أن مثل هذه العلل يمكن اعتبارها إذا قوي تأثيرها؛ ولاسيما عند عدم الحاجة لاستخدام الشاشة الالكترونية كشاشة الجوال كما في كثير من الأحوال حيث تتوفر المصاحف الورقية بأحجام متنوعة. وإذا رأى المنع من يملك هذا الحق فلابد من التعبير بغير لفظ التحريم حتى لا يُفهم التحريم في أصل المسألة.

 

الخاتمة

الحمد لله على ختام البحث وإتمامه، وهذه أهم نتائج البحث:
ما يتعلق بوجود القرآن الكريم في الجوال تكلمت أولاً من حيث اشتراط الطهارة لمسّه فالجوال المشتمل على المصحف هل تشترط له الطهارة بناءً على قول الجمهور في اشتراط الطهارة لمس المصحف أم لا تشترط له الطهارة؟
وبينت أنه إن كان المصحف مغلقاً (أي في غير حالة التشغيل) لا يعتبر له حكم المصحف لذا فمسّ الجوال لا تشترط له الطهارة.
إن كان المصحف مفتوحاً (في حالة التشغيل)، فهذه المسألة تنبني على مسألتين: مس المصحف من وراء حائل، ومس كتب التفسير.

 

عرضت الخلاف في هاتين المسألتين وانتهيت إلى أن الأرجح هو عدم اشتراط الطهارة لمس الحائل ولو كان متصلاً بالمصحف وعدم اشتراط الطهارة لمس كتب التفسير.

 

إذا كان الراجح في هاتين المسألتين هو عدم اشتراط الطهارة فكذلك الجوال لا تشترط الطهارة لمسه إذا كان في وضع التشغيل بشرط عدم مس الشاشة ذاتها, لأن مسها حينئذٍ مس للمصحف فتشترط له الطهارة.

 

عرضت خلاف أهل العلم في الدخول بالمصحف أو بما فيه ذكر إلى الخلاء كمدخل لمسألة الدخول بالجوال ذي المصحف إلى الخلاء.

 

أشهر ما في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها الجواز، والثاني الكراهة، والثالث التحريم.

رأيت أن الأقرب في المسألة التفصيل الآتي:
سائر الذكر سوى المصحف كورقة فيها حديث أو فيها اسم الله ونحو ذلك فإن الدخول به إلى الخلاء خلاف الأولى، ولا يصل إلى الكراهة إلا أن تكون كراهة خفيفة، بشرط أن تكون مخفية في جيب ونحوه؛ لأن القول بالكراهة فضلاً عن التحريم فيه شيء من الحرج والمشقة؛ إذ يترتب عليه التحرّز وتفتيش الجيب قبل دخول الخلاء.

 

أما الدخول بالمصحف فيظهر لي فيه القول بالكراهة ما دام مستوراً في جيب، وهو وسط بين طرفين، ولاسيما أن بعض القائلين بالتحريم استثنوا حالة كونه مستوراً.

 

في مسألة الدخول بالجوال ذي المصحف إلى الخلاء ينبغي التفريق بين حال تشغيل البرنامج بحيث تظهر الآيات على شاشة الجوال وبين حال عدم التشغيل، ففي الحال الأولى يعتبر الدخول به كالدخول بالمصحف، وأما في الحال الثانية فلا يعتبر دخولاً بالقرآن إلى الخلاء نظراً إلى عدم ظهور تلك الآيات.

 

حكم استخدام قراءة القرآن كنغمة اتصال، وكنغمة جرس للتنبيه عرضت خلاف المعاصرين فيهما، ولهم قولان: التحريم، وهو قول الأكثرين، والإباحة.

 

عند الترجيح قدمت بعرض مقال سابق عنوانه: (حلال أم حرام؟) فيه إشارات مهمة في الإفتاء، والذي أردت بيانه هو أنه يمكن الاكتفاء بعبارة (لا ينبغي) في مسألة استخدام قراءة القرآن كنغمة جرس أو نغمة اتصال، وتُذكر بعض السلبيات لهذا الاستخدام.

 

إن أردنا التصريح بالحكم فغايته الكراهة أو الكراهة الشديدة، دون أن نقطع بالتحريم ووضحت ذلك، وناقشت التعليل بقطع قراءة القرآن.

 

بينت أن المقصود من كل ما قدمته ليس صرف الناس عن أمر فيه تعظيم القرآن واحترام الأذكار حاشا والله فلئن تُشل يميني أحبُّ إلي من شيء كهذا، ولكني أدعو إلى التأمل في انتقاء العبارات الموافقة لدرجة الحكم الفقهي من باب التوازن والاعتدال في تنزيل الأحكام، واختلاف منازل المحرمات ودرجاتها.

 

ينبغي الإشارة إلى الفرق بين المسألتين (نغمة الاتصال ونغمة جرس التنبيه)؛ فإن علل المنع أو الكراهة في اتخاذ صوت القرآن كنغمة جرس أوضح منها في المسألة الأخرى.

 

عرضت الخلاف في حكم القراءة من المصحف في الصلاة كمدخل لحكم قراءة القرآن من الجوال في الصلاة، وفي تلك أربعة أقوال: المنع وتبطل به الصلاة، الكراهة، الإباحة في الفرض والنفل، الإباحة في النفل دون الفرض.

 

في الترجيح ذكرت أن الصلاة لا تبطل به؛ ولكن الأولى عدم القراءة من المصحف في الصلاة إلا لحاجة، والحاجة في الفرض كإمامٍ لا يحفظ سوى قصار السور ويحب أن يطيل القراءة في الفجر مثلاً تطبيقاً للسنّة، ونحو ذلك، والحاجة في النفل كالمتنفل المنفرد في قيام ليل، كإمامٍ في التراويح ليس حافظاً...

 

في مسألة قراءة القرآن من الجوال في الصلاة رجحت أن الأصل الإباحة في هذه المسألة وعلى من يمنع الدليل، ولا يُقال الأصل المنع بحجة (أن الأصل في العبادات الحظر) لأننا نقول: إن وسائل العبادات ليست هي العبادات.

 

وبينت أن الحكم ينبغي دائماً أن يُسلّط على المسألة ذاتها دون ما قد يحتف بها، وناقشت المنع لعلة الحركة في الصلاة، ثم وضحت المنع كسياسة شرعية وأنه متجه بضوابطه.

 

__________________

(1) مصطلح (جوّال) مصطلح لغوي لا غبار عليه ففي المصباح المنير (1/115) : (جَالَ) في البلاد طاف غير مستقر فيها فهو (جَوَّالٌ) ا.هـ، فلكون هذا الجهاز ليس مستقراً كجهاز الاتصالات الذي سبقه (الهاتف الثابت) فمناسب أن يسمى (جوالاً).
وتسميه بعض المجتمعات (نقّال) ولعل علة التسمية أنه يُنتقل به من مكان إلى آخر، وإذا كان هذا أصل الاشتقاق فهو غير دقيق لأننا إذا اعتبرنا هذا المعنى فالأولى تسميته منقولاً، ومن الطريف ما ذكرته كتب اللغة أن العرب تطلق على الفرس السريع الخفيف (نَقَّال) كما في لسان العرب (11/674) وغيره، ولا أدري هل من أطلق على (الجوال) (نقال) قد أخذه منه أم هي محض موافقة ؟! إذ لو اعتبرنا ذلك لكان وجيهاً.
وثَمَّ تسميات أخرى للجوّال أقل شيوعاً مثل (محمول) وهو مصطلح صحيح إذ هو هاتف محمول تمييزاً له عن الهاتف الذي لا يحمل وهو (الثابت)، ولكن كلمة (محمول) إذا لم تقيد بكلمة (هاتف) فتنصرف عند البعض إلى جهاز الحاسب المحمول. بقيت الإشارة إلى كلمة (موبايل) وهو مصطلح شائع للجوال، ولكنه مصطلح بلفظ ليس عربياً بل هي تهجية لكلمة (mobile) بحروف عربية، وكلمة (mobile) هي اسم الجوال في اللغة الانجليزية، وأصل معناها عندهم (متحرك أو متنقّل).
وإنما شاعت هذه اللفظة كغيرها من الألفاظ الدخيلة، وهذا قصور منا وتقصير في حق لغتنا ما دام في اللغة العربية كلمة تغني عنها، ويزيد العتب حين تكون اللفظة العربية أخف وأكثر سلاسة من اللفظة الأجنبية مثل (جوال – موبايل)، (سوق – مول ) ولا سيما أيضاً حينما يكون شيوع المصطلح الأجنبي ليس بأحسن حالاً من شيوع المصطلح الأجنبي.
ولعل في هذه الحاشية كفاية عن التقديم بتعريف للجوال كما هي العادة في البحوث بتقديم التعريفات اللغوية، وهذا جميل فيما دعت الحاجة إلى معرفة أصله اللغوي وتعريفه الاصطلاحي ولا سيما حين يكون لتلك التعريفات أثر في البحث، بخلاف الشأن في هذا البحث فالجوال معروف لا نحتاج إلى التوسع والتشقيق في التعريف به لغوياً وتقنياً.
(2) بعض أهل اللغة ينكر دخول الألف واللام على (لا)، ولكن لعلهم يتغاضون عنه لشيوعه.
(3) كبحث (الأحكام الفقهية الخاصة بالقرآن الكريم) لـ د. عبد العزيز الحجيلان .رسالة دكتوراه ط. دار ابن الجوزي.
(4) وربما اكتفيت بعبارات الفقهاء عن تكرار تعليلهم للمسائل ؛ لأن مقصود البحث هو المسائل المعاصرة.
(5) وهو خلاف – كما لا يخفى- متفرع عن القول باشتراط الطهارة لمس المصحف.
(6) مواهب الجليل في (2 / 435).
(7) التاج والإكليل (1 / 191).
(8) حاشية قليوبي (1 / 40) .
(9) مغني المحتاج (1 / 37).
(10) الفروع (1 / 154) .
(11) الإنصاف للمرداوي (1 / 224).
(12) تبيين الحقائق (1 / 57).
(13) حاشية قليوبي (1 / 40).
(14) مغني المحتاج (1 / 37).
(15) الفروع (1 / 154).
(16) الإنصاف للمرداوي (1/ 224).
(17) تبيين الحقائق (1 / 57).
(18) بدائع الصنائع (1 / 34).
(19) حاشية رد المحتار  (1/ ص 190).
(20) التاج والإكليل لمختصر خليل  (1 / 191).
(21) شرح مختصر خليل للخرشي  (2 / 279).
(22) منح الجليل شرح مختصر خليل (1/243)، وانظر حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/250).
(23) فتح العزيز شرح الوجيز  (2 / 24).
(24) روضة الطالبين (1 / 80).
(25) المغني  (1/ 169).
(26) بدائع الصنائع  (1/ 33).
(27) البحر الرائق (1 / 212).
(28) شرح فتح القدير (1 / 169).
(29) حاشية رد المحتار (ج 1 / ص 190).
(30) الأشباه والنظائر لابن نجيم (1/112).
(31) حاشية رد المحتار (1 / 190).
(32) روضة الطالبين (1 / 80).
(33) مغني المحتاج (1 / 37).
(34) مواهب الجليل 1/273، وانظر حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/359).
(35) مراقي الفلاح (1 / 22).
(36) حاشية الطحطاوي على المراقي (1 / 36).
(37) الفتاوى الهندية 1/50.
(38) مواهب الجليل 1/273 ، وانظر حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1 / 359).
(39) المجموع 2/73.
(40) حاشية قليوبي وعميرة على شرح المحلى 1 / 38.
(41) مغني المحتاج (1 / 40).
(42) حاشية البجيرمي على المنهج (1 / 197).
(43) شرح مختصر خليل للخرشي 1/145.
(44) الشرح الكبير للشيخ الدردير (1 / 107).
(45) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/359 ، ورمز (ح) قصد به الحطاب ورمز (مج) قصد به مَجْمُوع الشَّيْخ محَمَّد الْأَمِير كما في مقدمته.
(46) الشرح الصغير مع حاشية الصاوي 1/150.
(47) الإنصاف للمرداوي (1 / 94).
(48) كشاف القناع 1/59.
(49) شرح منتهى الإرادات (1/34).
(50) الروض المربع 1/36.
(51) مواهب الجليل 1/273 ، وانظر حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1 / 359).
(52) أخرجه أبو داود (19) ، والترمذي  ( 1746 ) ، والنسائي ( 5213 ) ، وابن ماجه (303).
(53) عبارة أبي داود في الموضع السابق ، وعبارة النسائي في السنن الكبرى 5/456 ، وانظر البدر المنير 2/236، التلخيص الحبير (1 / 314) ، وانظر أيضاً ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها لجمال السيد 2/96 ، فقد نقل بحث ابن القيم المطوّل في إثبات شذوذ الحديث ، وذكر من أيده بتوسع في تناول تخريجه وانتهى إلى موافقة ابن القيم.
(54) انظر في حقيقة الحروف في ذاكرة الحاسوب والجوال وأشباهها: http://www.aljoheصلى الله عليه وسلم.com/aljoheصلى الله عليه وسلمh/Machine%20language.htm.
(55) الدورة التاسعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في 22ـ27 شوال 1428هـ التي يوافقها 3ـ8 نوفمبر2007م.
(56) http://www.saudizoom.com/f3/t791.html.
(57) سورة الطارق الآية: 13-14.
(58) سورة الحشر الآية: 21.
(59) الأم للشافعي ( 5/3 ) .
(60) إعلام الموقعين (1/39) .
(61) والمقال أصلاً في (صوت الأذان ) ؛ ولكن المسألتان متشابهتان ، وإن كان اتخاذ صوت (القرآن) أشد كراهة.
(62) كما تقدم في المبحث المطلب الثاني من المبحث الأول.
(63) شعب الإيمان (2 / 384) ، وأثر ابن عمر أخرجه البخاري برقم (4526).
(64) البرهان في علوم القرآن (1 / 464) ، وانظر الإتقان في علوم القرآن (1 / 377).
(65) مسلم (1050).
(66) شرح مسلم للنووي (4 / 177).
(67) ولعله أن يُنظر من خلال هذه الإشارات إلى مسائل مشابهة كاستخدام صوت القرآن الكريم في فترة الانتظار لأجهزة السنترال ، فبدلاً من صوت الموسيقى تسمع صوت القرآن إلى حين تحويل المكالمة ، فهذه مسألة ينبغي التأمل فيها فلربما قيل فيها بعدم الكراهة أصلاً ؛ فإن مجرد قطع القراءة لا يقتضي الكراهة كما قال النووي، ومصلحة سماع كلام الله تعالى في مثل هذا الموضع ظاهرة وهي بديل عن صوت محرم أو لا فائدة فيه.
(68) البحر الرائق شرح كنز الدقائق (ج4/ ص: 73).
(69) الإنصاف للمرداوي (2 / 109) ، وانظر المبدع (1 / 492).
(70) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (ج 2 / ص 258) .
(71) درر الحكام شرح غرر الأحكام (ج 1 / ص 457).
(72) المجموع (4 / 95).
(73) مغني المحتاج (1 / 156) ،وانظر نهاية المحتاج (1 / 476) ، أسنى المطالب في شرح روض الطالب (1 / 149).
(74) المغني  (1 / 648) ، وانظر الشرح الكبير لابن قدامة (1 / 637) ، وفي مسائل أحمد وإسحاق (2 / 845): قال إسحاق: وأما المصلي وحده وهو ينظر في المصحف أو يقلب الورق أو يقلب له، وكل ما كان من ذلك حين إرادة أن يختم القرآن، أو يؤم قوماً ليسوا ممن يقرؤون، فهو سنة، كان أهل العلم عليه، وقد فعلته عائشة رضي الله عنها، ومن بعدها من التابعين اقتدوا بفعالها، ولم يجئ ضده عن أهل العلم، وإن قلب له الورق كان أفضل، وإن لم يكن له قلب هو لنفسه.
(75) الإنصاف للمرداوي (2 / 109).
(76) المدونة (2 / 56).
(77) الشرح الكبير للدردير (1 / 255) .
(78) شرح مختصر خليل للخرشي (4 / 339).
(79) المغني  (1 / 648).
(80) الإنصاف للمرداوي (2 / 109) ، وانظر المبدع (1 / 492).
(81) علقه البخاري في صحيحه (2/103) بصيغة الجزم، قال :بَاب إِمَامَةِ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى وَكَانَتْ عَائِشَةُ يَؤُمُّهَا عَبْدُهَا ذَكْوَانُ مِنْ الْمُصْحَفِ. وقد أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/123) من طريقين، والبيهقي في = = سننه (2 / 253) واللفظ له ، كما أخرجه أبو بكر بن أبي داود في كتاب المصاحف (1 / 457) برقم (794 ) ، وقد ذكر ابن أبي شيبة في الموضع السابق الإباحة عن الحسن وابن سيرين وعطاء.
(82)أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2 / 123) ، وهو أثر حسن أو صحيح رجاله ثقات سوى عيسى بن طهمان، فحديثه لا يقل عن رتبة الحسن ، قال في تهذيب الكمال - (22 / 618) : قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: شيخ ثقة، وقال حنبل بن إسحاق عن أحمد بن حنبل : ليس به بأس وكذلك قال عباس الدوري وجعفر بن أبي عثمان الطيالسي عن يحيى بن معين وأبو عبد الرحمن النسائي.
 ثم ذكر رواية أخرى عن يحيى بن معين أنه ثقة ، وكذلك قال يعقوب بن سفيان وقال أبو حاتم لا بأس به يشبه حديثه حديث أهل الصدق ما بحديثه بأس ، وقال أبو داود لا بأس به أحاديثه مستقيمة وقال مرة أخرى ثقة روى له البخاري والترمذي في الشمائل والنسائي.
ولذا قال في التقريب (2 / 439) : صدوق
(83) أخرجه أبو بكر بن أبي داود في كتاب المصاحف (1 / 449) برقم (769 ) من طريق نهشل بن سعيد ، قال البخاري في التاريخ الكبير - (8 / 115) : نهشل بن سعيد عن الضحاك روى عنه معاوية النصري أحاديثه مناكير وهو نيسابوري قال إسحاق بن إبراهيم : كان نهشل كذابا . وقال الحافظ في تقريب التهذيب (2 / 566) :متروك وكذبه إسحاق بن راهويه . وانظر تهذيب التهذيب 33 / 83 فقد نقل عن جمع أنه متروك.
(84) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2 / 124) . وقد نقل ابن أبي شيبة في الموضع السابق الكراهة عن مجاهد وسعيد بن المسيب وحماد وقتادة.
(85) البحر الرائق شرح كنز الدقائق (ج 4 / ص 73).
(86) المصدر السابق ، وانظر مصنف ابن أبي شيبة (2 / 124).
(87) المغني (1 / 648).
(88) انظر: http://www.Alaصلى الله عليه وسلمabiya.net .
(89) ومنهم الذين يرون المنع في هذه المسألة.