إذا وجد المستأجر العين معيبة أو حدث بها عيب
30 رجب 1436
د.عبدالله آل سيف

إذا وجد المستأجر العين معيبة أو حدث بها عيب
فله الإمساك مع الأرش

صورة المسألة: أن يجد المستأجر العين معيبة من عيب قديم، أو يحدث بها عيب ليس بسببه، فإنه يملك الفسخ بذلك، وهل يملك الإمساك مع الأرش أيضًا كالبيع؟ قولان للعلماء.

اختيار ابن تيمية:
اختار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أنه يملك الإمساك مع الأرش، خلافًا للمشهور من مذهب الحنابلة [1].

تحرير محل النزاع:
1- إذا وجد المستأجر العين معيبة أو حدث بها عيب، فلا خلاف بين الفقهاء أنه مخير بين الإمضاء والفسخ، ومحل الخلاف في استحقاقه للأرش مع الإمساك [2].

2- إذا علم بالعيب بعد انتهاء مدة الإجارة، فلا خلاف بين الفقهاء في استحقاقه للأرش.

3- وكذلك لا خلاف بين الفقهاء في استحقاقه للأرش فيما يتعذر رده.

4- ولا خلاف أيضًا بين الفقهاء في استحقاقه للأرش عما مضى من مدة الإجارة، والخلاف: في استحقاقه للأرش فيما يستقبل مع استمرار عقد الإجارة [3].

أقوال العلماء في المسألة:
القول الأول:
أنه لا يستحق الأرش، وليس له إلا الفسخ أو إمضاء العقد مجانًا، وعليه تمام الأجرة.
وهذا قول جمـهور الفـقهاء من الحنفية [4]، والمالكية [5]، والشافعية [6]، والحنابلة [7].

القول الثاني:
أن للمستأجر إمضاء العقد مع الرجوع على المؤجر بأرش العيب.
وهذا قول عند المالكية [8]، وقول عند الحنابلة، اختاره جمع من الأصحاب، وهو قياس المذهب [9]، ورجحه ابن تيمية.

أدلة القول الأول:
1- أن المستأجر علم العيب ولم يفسخ الإجارة، فهذا دلالة على رضاه بالمعيب ناقصًا، فلا يستحق شيئًا؛ لأنه قد أسقط حقه، كما لو رضي المشتري بالمعيب فلا شيء له [10].

ونوقش:
أ - أن علمه بالعيب لا يسقط حقه في الأرش، قياسًا على البيع حيث يحق له المطالبة بالأرش.
ب - أن الفسخ قد يكون فيه كلفة ومشقة، ويحتاج لإمضاء العقد، فكان في الأرش حفظ لحقه في حال الإمضاء.

2- أن في إلزام المؤجر بدفع الأرش إلزامًا للمؤجر بتأجير ملكه بأقل من المسمى، وهذا غير لازم له، إذ لا يحل مال امريء مسلم إلا برضا منه.

ونوقش:
أن هذا النقص جعل العين المؤجرة يقل سعرها عن سعر المثل، فلزمه دفع الأرش لتكون مع نقصها بسعر المثل.

أدلة القول الثاني:
1- القياس على ما لو لم يعلم المستأجر بالعيب إلا بعد انتهاء مدة الإجارة حيث يثبت له الأرش.

ونوقش:
أنه قياس مع الفارق، فإن ما مضى يتعذر رده، بخلاف ما يستقبل فهو علم بالعيب ورضي به ويمكنه الفسخ.
وأجيب عن المناقشة:
بأنه فارق غير مؤثر.

2- قياس الإجارة على البيع في ثبوت الأرش حال العيب [11].

ونوقش:
بالفرق بينهما، فإن البيع ملك دائم فيدخل عليه النقص الكبير بالعيب، بخلاف الإجارة.
وأجيب:
بأنه فارق غير مؤثر، ولا دليل على الفرق بينهما، بل من الإجارة ما يشبه البيع لطول مدة الانتفاع.

الترجيح:
والراجح - والله أعلم - هو القول الثاني:
1- لقوة أدلته ووجاهتها.

2- مناقشة أدلة المخالفين والإجابة عنها.

3- أن في الفسخ ضررًا على المستأجر، كأن يكون أثّث بيته وأنفق عليه المال الكثير، ففي خروجه منه ضرر، وفي بقائه مع هذا العيب إعطاء للمؤجر أكثر من حقه، وهضم لحق غيره.

4- أنه مقتضى العدل والقياس؛ إذ العين بعد العيب تنقص قيمتها، فإذا دفع الأرش بقدره كانت الأجرة أجرة المثل، وهذا مقتضى قواعد الشرع عند الاختلاف.

5- أن الإجارة نوع من البيع، فهي بيع للمنفعة، والتفريق بينهما يحتاج إلى دليل.

6- أنه مقتضى القياس في باب الإجارة لوجود نظائر لذلك منها: إذا كان العيب مما يتعذر رده، ومنها إذا كان العلم بالعيب بعد انتهاء مدة الإجارة، ومنها: العلم بالعيب في أثناء مدة الإجارة وثبوت الأرش فيما مضى، ومنها: إذا كان فسخ الإجارة متعذرًا إلا بعد انتهاء المدة كما لو استأجر سفينة في البحر ثم أرسلها فيه، ولا تعود إلا عند انتهاء مدة الإجارة فيثبت له الأرش، ومسألتنا مثلها، والله أعلم.

-----------------
[1] انظر: مجموع الفتاوى: (30/289، 290، 298-300)، الفتاوى الكبرى: (5/408)، الاختيارات: (151)، الفروع: (4/440، 448)، الإنصاف: (6/63، 67)، المستدرك: (4/55).
[2] انظر: المغني: (8/32).
[3] انظر: أسنى المطالب: (2/430)، شرح البهجة: (3/342)، الأرش وأحكامه: (37، 400).
[4] انظر: المبسوط: (16/6)، بدائع الصنائع: (4/196)، تبيين الحقائق: (5/143)، تكملة شرح فتح القدير: (9/144)، شرح العناية: (9/144)، البحر الرائق: (8/40)، الجوهرة النيرة: (1/273)، مجمع الضمانات: (26)، مجمع الأنهر: (2/398).
[5] انظر: حاشية الدسوقي: (4/42)، التاج والإكليل: ( 7/573) ، مواهب الجليل: (5/439) ، حاشية الخرشي: (7/42)، بلغة السالك: (4/67)، منح الجليل: (8/19).
[6] انظر: تحفة المحتاج: (6/170)، حاشية قليوبي وعميرة: (3/80)، مغني المحتاج: (2/471)، تحفة الحبيب: (3/215)، أسنى المطالب: (2/430)، نهاية المحتاج: (5/304).
[7] انظر: المحرر: (1/356)، المغني: (8/32)، الفروع: (4/440، 448)، المبدع: (5/106)، الإنصاف: (6/63، 66، 67)، شرح منتهى الإرادات: (2/375)، كشاف القناع: (4/31)، مطالب أولي النهى: (3/667)، حاشية ابن قاسم: (5/335).
[8] انظر: حاشية الدسوقي: (4/42-43)، مواهب الجليل: (5/439).
[9] انظر: المحرر: (1/356)، الفروع: (4/448)، المبدع: (5/106)، شرح المنتهى: (2/375)، منح الشفا الشافيات: (1/279).
[10] انظر: المغني: (8/32)، شرح منتهى الإرادات: (2/375)، مطالب أولي النهى: (3/667).
[11] انظر: المحرر: (1/356)، الإنصاف: (6/66).