درج السلف الصالح – رحمهم الله – على تبيين سبيل المجرمين والتحذير من مناهج المبتدعين، وأوصاف الزائغين، وقد قاموا بذلك نصرة لدين الله وأداءً لواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل جعلوا الكلام في أهل البدع والتحذير من أوصافهم ومناهجهم أولى من نافلة الصلاة والصيام؛ لأن نفع الصلاة والصيام قاصر على الشخص نفسه، ونفع التحذير متعد لغيره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله – في سياق ذكره لأمثلة من النصح للدين: "ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم، وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل للإمام أحمد بن حنبل الرجل يصوم ويصلي ويعتكفن أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: "إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل"(1).
وإذا كان تحذير عامة المسلمين من أوصاف المبتدعين ومناهجهم، مهماً على جهة العموم، فإن كشف صفات الخوارج وعقائدهم من أهمها، لأن الفتنة بهم أعظم وأشد، لما عندهم من كثرة العبادة والزهد، ورفع راية الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونحو ذلك مما يكون سبباً في انخداع الجهال بهم والتأثر بمنهجهم ورأيهم، واتسم الخوارج بصفات ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم منها:
1 – أحداث الأسنان:
قال صلى الله عليه وسلم: "يأتي في آخر الزمان قومٌ حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يرق السهم من الرمية"(2).
الأحداث جمع حدث، والحدث صغير السن ومعنى الأسنان: "جمع سن والمراد به العمر والمراد أنهم شباب"(3). ودل الحديث أنهم صغار العقول والتفكير، ليست لهم تجارب، ولا سابق علم ومعرفة، قال النووي: "يستفاد منه أن التثبت وقوة البصيرة تكون عند كمال السن وكثرة التجارب وقوة العقل".
وهذا الوصف أنهم أحداث الأسنان أغلبي لأن في الخوارج شيوخاً كباراً، والذي يظهر من سبب كثرة حدثاء الأسنان فيهم، ما يصاحب هذا السن غالباً من قلة الوعي والفقه في الدين، مع الحماسة، والاندفاع والصرامة التي تجد لها موطناً لدى الشباب ويقصر عنها كثير من الشيوخ.
2 – سفهاء الأحلام:
قال صلى الله عليه وسلم في وصفهم: "سفهاء الأحلام"، فقد امتاز الخوارج بالعجلة والسفه ورداءة العقل وفساد الرأي، وهذا مصداق ما جاء في الحديث الصحيح من وصفهم بأنهم: "سفهاء الأحلام" أي: صغار العقول"(4).
يقول الحافظ بن حجر في بيان معنى وصف النبي صلى الله عليه وسلم للخوارج بأنهم سفهاء الأحلام قال: "جمع حِلم بكسر أوله والمراد العقل، المعنى أن عقولهم رديئة"(5). ومما يدل على ذلك تاريخهم المليء بالخروج على أئمة الإسلام وترك عبدة الأوثان(6).
وهذا الخروج منهم تراه، يجعل لأمور صغيرة وربما تافهة في مقابل ما يحصل بسبب خروجهم، من فتن وتفرق واستنزاف دماء المسلمين وضعفهم والتسبب في فشلهم وذهاب ريحهم، الأمر الذي يجعلهم مطمعاً لأعدائهم، وربما خرجوا من أجل أمور يرونها مخالفة للإسلام، وهي في الحقيقة غير مخالفة بل ذلك أمراً مشروعاً عند من فعله يعذر فيه، ولا يجيز الخروج عليه، ولكنهم لعجلتهم وفساد رأيهم وضعف عقولهم يبادرون إلى الخروج دون تثبت ولا تفقه، كما كان من حالهم في خروجهم على عليّ رضي الله عنه.
3 – يقولون من خير قول البرية:
من صفاتهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يقولون من خير قول البرية"(7). وفي رواية أخرى: "يتكلمون بكلمة الحق"(8). وفي حديث أبي زيد الأنصاري: "يدعون إلى كتاب الله"(9).
قال الحافظ ابن حجر قوله: "يقولون من خير قول البرية" يعني القرآن ويحتمل أنه مع القرآن قول آخر حسن، كقولهم (لا حكم إلا لله) ونحو ذلك(10). وقال النووي: "معناه في ظاهر الأمر كقولهم (لا حكم إلا لله) ونظائره من دعائهم إلى الله تعالى، والله أعلم"(11).
4 – لا يجاوز إيمانهم حناجرهم:
من صفات الخوارج أن الإيمان لا يتجاوز حناجرهم، فهو لم يرسخ في قلوبهم فهم لذلك ينطقون بالقرآن بألسنتهم دون الانتفاع به"(12). وفي رواية: "حلوقهم"(13)، وفي رواية: "حلاقيمهم"(14). وفي رواية: "تراقيهم"(15). من هذه الروايات أن الإيمان لا يرتفع ولا يقبل منهم.
5 – يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه:
من صفات الخوارج أنهم يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية قال صلى الله عليه وسلم: "يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية"(16). وفي رواية: "يمرقون من الإسلام"(17) وفي بعض الروايات: "يمرقون من الدين" والمراد بالدين هو الإسلام، وبه تثبت الرواية، وقيل: "الطاعة"(18) وقيل: يخرجون من الإسلام الكامل. قال الحافظ بن حجر: "والذي يظهر أن المراد بالدين الإسلام، كما فسرته الرواية الأخرى، وخرج الكلام مخرج الزجر، وأنهم بفعلهم ذلك يخرجون من الإسلام(19).
6 – فيهم ضعفاً في فقه دين الله:
من أبرز صفات الخوارج قلة الفقه في الدين فهم على كثرة عبادتهم وقراءتهم للقرآن، لا يكادون يفقهون شيئاً، ولهذا وصفهم في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم"(20). وفي رواية "حلوقهم" أو "حناجرهم"(21).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بدعتهم: "إنما هي من سوء فهمهم للقرآن، لم يقصدوا معارضته، لكن فهموا منه ما لم يدل عليه، فظنوا أنه يوجب كفر أرباب الذنوب"(22). وفي رواية: "ذليقة ألسنتهم بالقرآن"(23). وفي رواية: "يرونه أنه لهم وهو عليهم"(24).
فالخوارج ليس عندهم فقه في دين الله، وإنما لديهم معلومات قليلة تمسكوا بها، ونبذوا وأنكروا ما وراءها من العلم الذي خفي عليهم أو تتحمله أفهامهم، ولهذا نجد أوائلهم أنكروا على الرسول صلى الله عليه وسلم قسمته لما آثر بعض السادة في القسمة لتألفهم. كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "بينما النبي صلى الله عليه وسلم يقسم جاء عبد الله بن ذي الخويصرة التميمي فقال: اعدل يا رسول الله، فقال: "ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل"(25). فالخوارج يجهلون أحكام الشريعة ومقاصدها.
7 – يجتهدون في العبادات:
عرف عن الخوارج أنهم أهل عبادة وورع، وليس في أهل الأهواء أصدق ولا أعبد منهم(26). وقد اشتهر عنهم كثرة عبادتهم، من صلاة وصيام وقراءة للقرآن، وهم أكثر من الصحابة رضي الله عنهم في ذلك كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "يقرؤون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء"(27). وفي رواية: "يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم"(28).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ولا ريب أن الخوارج كان فيهم من الاجتهاد في العبادة والورع ما لم يكن في الصحابة كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لما كان على غير الوجه المشروع أفضى بهم إلى المروق من الدين"(29).
ومن شواهد ذلك أنه لما ذهب ابن عباس رضي الله عنه لمناظرتهم ورأى شدة اجتهادهم في العبادة قال: "فأتيتهم فدخلت على قوم لم أر أشد اجتهاداً منهم، أيديهم كأنها ثفن الإبل، ووجوههم معلمة من أثر السجود"(30).
8 – شر الخلق والخليقة:
من صفات الخوارج أنهم شر الخلق(31) والخليقة(32): قال صلى الله عليه وسلم: "هم شر الخلق أو أشر الخلق"(33). وفي رواية: "هم شر الخلق والخليقة"(34) وفي رواية: "شر الخلق والخليقة"(35). ودل الحديث بمجموع رواياته أن الخوارج شر خلق الله إليه، وصح ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما فإنه يراهم شر الخلق "انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المسلمين"(36). وقال الحافظ ابن حجر: "فيه أن الخوارج شر الخلق المبتدعة من الأمة المحمدية"(37).
9 – سيماهم التحليق:
من صفاتهم التحليق، قال صلى الله عليه وسلم: "سيماهم التحليق"(38). وفي رواية: "قالوا يا رسول الله: ما سيماهم؟ قال: التحليق"(39) وفي رواية: "سيماهم التحليق أو التسبيد"(40). أي: من علاماتهم حلق الشعر واستئصاله.
قال القرطبي: "أي جعلوا ذلك علامة لهم على رفضهم زينة الدنيا وشعار ليرفعوا به، كما يفعل من رهبان النصارى، يفحصون عن أوساط رؤوسهم وهذا كله منهم جهل بما يزهد فيه، وابتداع منهم في دين الله(41). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية عن سيما التحليق: "هذه السما سيما أولهم كما كان ذو الثدية، لا أن هذا وصف لهم"(42)، فليست صفة دائمة لهم في كل زمان ومكان، بل لهم في كل زمان صفة خاصة بهم كإطالة الشعور ولبس السواد ونحو ذلك.
10 – يقتلون أهل الإيمان ويدعون أهل الأوثان:
من صفاتهم قوله صلى الله عليه وسلم: "يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان"(43). وفي رواية: "يقاتلون أهل الإيمان ويتركون أهل الأوثان"(44).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومن أعظم ما ذم به النبي صلى الله عليه وسلم الخوارج قوله فيهم: "يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان"(45). وقال القرطبي: "وذلك أنهم لما حكموا بكفر من خرجوا عليه من المسلمين، استباحوا دماءهم، وتركوا أهل الذمة"(46). وقال الحافظ ابن حجر: "وكفوا عن أموال أهل الذمة، وعن التعرض لهم مطلقاً وفتكوا فيمن ينسب إلى الإسلام بالقتل والسبي والنهب"(47).
11 – يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه:
من صفاتهم أنهم يتعمقون في الدين، قال صلى الله عليه وسلم: "يتعمقون في الدين"(48). وفي رواية: "فإنه سيكون شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه"(49). ودلت هذه الروايات أن الخوارج قوم يتعبّدون الله لكن عن جهل وضلالة، وليس عندهم بصيرة ولا علم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهم – يعني الخوارج – قوم لهم عبادة وورع وزهد، لكن بغير علم"(50). وقال الحافظ ابن حجر: "وكانوا يتأولون القرآن على غير المراد منه، ويستبدون برأيهم ويتنطعون في الزهد والخشوع وغير ذلك"(51).
12 – يعجبون الناس وتعجبهم أنفسهم:
ومن صفاتهم أنهم يعجبون بأنفسهم ويغترون بها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يعجبون الناس وتعجبهم أنفسهم"(52).
13 – يطعنون على أمرائهم ويشهدون عليهم بالضلال كما فعل ذو الخويصرة مع النبي صلى الله عليه وسلم.
من صفات الخوارج الطعن في أمرائهم وتضليلهم وتكفيرهم. لما رأى عبد الله بن ذي الخويصرة(53) النبيَّ صلى الله عليه وسلم يعطي صناديد أهل نجد وغيرهم، الأموار الطائلة بقصد تأليفهم وترغيب غيرهم في الإسلام، لم يفقه هذا، واستدرك على النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "اتق الله يا محمد"، "اعدل"(54).
قال ابن الجوزي: "فهذا أول خارجي خرج في الإسلام، وأفتى أنه رضي برأي نفسه، ولو وفق لعلم أنه لا رأي فوق رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم"(55). وقال ابن تيمية رحمه الله: "والخوارج جوزوا على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجور ويضل في سنته ولم يوجبوا طاعته ومتابعته، وإنما صدقوه فيما بلغه من القرآن دون ما شرعه من السنة التي تخالف – بزعمهم – ظاهر القرآن".
14 – يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء:
من صفاتهم أنهم يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء، أي يخطئون في وجه الاستدلال وفي فهم النصوص، وذلك لجهلهم وتكابرهم على الحق، قال صلى الله عليه وسلم: "هم شر الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم وقتلوه، يدعون إلى كتاب الله، وليسوا منه في شيء"(57). وقال الطيبي: "لو قيل وليسوا من كتاب الله في شيء لأوهم أن يكونوا جهالاً ليس لهم نصيب من كتاب الله قط، كأكثر العوام، وقوله ليسوا منا في شيء يدل على أنهم ليسوا من عداد المسلمين، ولا لهم نصيب من الإسلام، وهو ينظر إلى معنى قوله: "يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية"(58).
15 – يتشدَّدون في العبادة:
فيتعبدون ويتدينون حتى يعجبون من رآهم وتعجبهم أنفسهم(59)، فالخوارج أصحاب عبادة وصلاة وصيام وتشدُّد في دين الله، قال صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدينَ أحد إلا غلبه"(60). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هلك المتنطعون قالها ثلاثاً"(61).
قال النووي: "هلك المتنطعون. أي: المتعمقون المغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم"(62). وقال الحافظ ابن حجر: "وكانوا يتأولون القرآن على غير المراد منه، ويستبدون برأيهم، ويتنطعون في الزهد والخشوع، وغير ذلك"(63).
16 – يخرجون على خير فرقة من الناس:
من صفاتهم: يخرجون في فرقة مختلفة، قال صلى الله عليه وسلم: "يخرجون في آخر الزمان عند اختلاف في الناس"(64) وفي رواية: "يكون في أمتي اختلاف وفرقة"(65). وفي رواية: "يخرجون في فرقة مختلفة"(66)، وغيرها من الروايات وهذه الفرقة والاختلاف هي ما وقع بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم(67). وفي رواية عند مسلم قال صلى الله عليه وسلم: "يكون في أمتي فرقتان فتخرج من بينهما مارقة يلي قتلهم أولاهم بالحق"(68). فيكون المراد بالأمة هنا أمة الإجابة وليس أمة الدعوة.
17 – الأجر العظيم لمن قتلهم أو قتلوه:
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لو يعلم الجيش الذي يصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم: "لا تكلوا على العمل"(69). وفي رواية: "من قاتلهم كان أولى بالله منهم لمأجور قاتلهم"(70). وفي رواية: "طوبى لمن قتلهم وقتلوه"(71).
ومن حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال أبو أمامة رضي الله عنه: "شر قتلى قتلوا تحت أديم السماء وخير قتيل من قتلوه. وقال: قد كان هؤلاء مسلمين فصاروا كفاراً"(72). وفي رواية: "فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله"(73). وفي رواية: "قتالهم حق على كل مسلم"(74). وفي رواية: "لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد"(75). وفي رواية: "قتل ثمود"(76) وغير ذلك من النصوص الدالة على قتلهم وفضل جهادهم.
قال أبو سعيد الخدري: "قتال الخوارج لهو أحب إليّ من قتال الديلم"(77). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد استفاض عن النبي صلى الله عليه وسلم الأحاديث بقتال الخوارج، وهي متواترة عند أهل العلم بالحديث، واتفق على قتالهم سلف الأمة وأئمتها ولم يتنازعوا في قتالهم"(78).
18 – أنهم يحسنون القيل ويسيئون الفعل:
من صفاتهم أنهم يحسنون القيل ويسيئون الفعل قال صلى الله عليه وسلم: "يحسنون القول ويسيئون العمل"(79). وفي رواية: "قوم يحسنون القيل، ويسيئون الفعل"(80). وفي رواية: يسيئون الأعمال"(81). ودل الحديث برواياته أن الخوارج أصحاب منطق وجدل، يزينون القول ويسيئون الفعل، فعلى العاقل عدم الاغترار بأفعالهم قال الحافظ ابن حجر: "أنهم يؤمنون بالنطق لا بالقلب"(82).
19 – أنه كلما خرج منهم قرن قطع:
عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ينشأ نشء يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، كلما خرج قرن قطع. قال ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلما خرج قرن قطع أكثر من عشرين مرة حتى يخرج في عراضهم الدجال"(83). ومن يستقرئ التاريخ من أول خروجهم من عهد علي رضي الله عنه إلى وقتنا الحاضر يرى أنه مهما اشتدت شوكتهم قطع الله دابرهم.
20 – أنه يخرج في عراضهم الدجال:
من صفاتهم أن خروجهم مستمر إلى خروج الدجال. قال صلى الله عليه وسلم: "لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع الدجال"(84). وفي رواية ابن عمر: "كلما طلع منهم قرن قطعه الله عز وجل حتى يخرج الدجال في بقيّتهم"(85). وفي حديث ابن عمر: حتى يخرج في عراضهم الدجال"(86). وفي نسخة: "أعراضهم، جمع عرض وهو الجيش العظيم"(87).
دل الحديث برواياته أن خروجهم مستمر إلى قرب قيام الساعة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فإنه يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر في غير هذا الحديث أنه لا يزالون يخرجون إلى زمن الدجال"(88).
21 – أنهم كلاب النار:
قال صلى الله عليه وسلم: "الخوارج كلاب النار"(89). وفي حديث أبي أمامة: "كلاب النار، كلاب النار ثلاثاً"(90). وفي حديث أبي أمامة: "الخوارج كلاب النار"(91).
قال المناوي: "وذلك لأنهم دأبوا ونصبوا في العبادة، وفي قلوبهم زيغ، فمرقوا من الدين بإغوائهم شيطانهم، حتى كفروا الموحدين بذنب واحد، وتأولوا التنزيل على غير وجهه، فخذلوا بعدما أُيِّدوا، حتى صاروا كلاب النار، فالمؤمن يستر ويرحم، ويرجو المغفرة والرحمة، والمفتون الخارجي يهتك ويقنط، وهذه أخلاق الكلاب وأفعالهم، فلما كَلَبوا على عباد الله، ونظروا لهم بعين النقص والعداوة، ودخلوا النار صاروا في هيئة أعمالهم كلاباً كما كانوا على أهل السنة كلاباً بالمعنى المذكور"(92).
22 – قوله تعالى: {وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} [التوبة:58].
نزلت في عبد الله ذي الخويصرة التميمي مبدأ الخوارج من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم يقسم جاء عبد الله بن ذي الخويصرة فقال: "اعدل يا رسول الله، فقال: ويلك من يعدل إذا لم أعدل، قال عمر بن الخطاب: دعني أضرب عنقه، قال: دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاته وصيامه مع صيامه يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر في قذذه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر في نعله فلا يوجد فيه شيء"(93). فمن صفاتهم اللمز والهمز والتعالي فإن أعطوا من المال رضوا وإن لم يعطوا سخطوا كما فعل ذو الخويصرة فهو افتقد الموازنة بين المصالح والمفاسد، ولم يفقه في العطاء إلا أنه لذوي الحاجات فأنكر ما عدا ذلك.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مبيناً جهل الخوارج في هذه المسألة: "وهم قوم لهم عبادة وورع وزهد، لكن بغير علم، فاقتضى ذلك عندهم أن العطاء لا يكون إلا لذوي الحاجات، وأن إعطاء السادة المطاعين الأغنياء لا يعلم وهذا من جهلهم، إنما العطاء بسبب مصلحة دين الله"(94).
23 – أنهم من الذين في قلوبهم زيغ:
كما فسر قوله تعالى: {َمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران:7]، وفي قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران:106]. أنه المقصود الخوارج كما في حديث أبي أمامة(95) رضي الله عنه. فهم أصحاب زيغ وجهل وضلال وهوى.
_____________________
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية (28/231).
(2) أخرجه البخاري في المناقب (3611) مسلم (2462 : 154).
(3) فتح الباري (12/355) وشرح النووي على صحيح مسلم (7/138).
(4) شرح صحيح مسلم للنووي (7/138.
(5) فتح الباري (12/356).
(6) الخوارج في العصر الأموي (108)، د. سهير القلماوي (125).
(7) البخاري في المناقب (3611) من حديث علي رضي الله عنه.
(8) أخرجه أحمد في المسند في فضائل الصحابة وابنه في كتاب السنة والنسائي في الكبرى والبزار وإسناده حسن حاشية مسند الإمام أحمد (2/209).
(9) أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (941) والطبراني في الكبير (17/29) وفي مسند الشاميين (2728) وقال الألباني في ظلال الجنة (941) إسناده صحيح.
(10) فتح الباري (12/287).
(11) شرح مسلم للقاضي عياض (3/609) وشرح مسلم للنووي (7/166).
(12) الاستذكار (8/87) فتح الباري (9/100).
(13) مسلم من حديث أبي سعيد في الزكاة باب التحريض على قتل الخوارج (2462).
(14) مسلم حديث أبي ذر باب الخوارج شر الخلق والخليقة (2469).
(15) البخاري من حديث سهل بن حنيف (2934).
(16) أخرجه البخاري (3611) ومسلم (2462).
(17) السابق.
(18) شرح مسلم للقاضي عياض (3/609) وشرح مسلم للنووي (7/166).
(19) فتح الباري لابن حجر (8/69).
(20) البخاري (6934) مسلم (2469).
(21) السابق.
(22) الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان لابن تيمية (13/30) مع مجموع الفتاوى لابن تيمية.
(23) البخاري (6933) مسلم (1064).
(24) السنة لابن أبي عاصم (937) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.
(25) السنة لابن أبي عاصم (916) من حديث علي بن أبي طالب.
(26) منهاج السنة لابن تيمية (5/157).
(27) مسلم في كتاب الزكاة حديث (1066).
(28) البخاري في كتاب استتابة المرتدين (6933).
(29) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (8/1231).
(30) الاستقامة لابن تيمية (1/258-259).
(31) الناس.
(32) البهائم.
(33) مسلم من حديث أبي سعيد (2457).
(34) أخرجه مسلم من حديث أبي ذر (2469).
(35) أخرجه أحمد في المسند (19783) من حديث أبي برزة، وحسنه الأرناؤوط في تعليق على المسند (33/27) وله شواهد بلفظه في الصحيح.
(36) البخاري معلقاً وصححه الحافظ في الفتح (12/286).
(37) فتح الباري لابن حجر (2/302).
(38) البخاري (3610) من حديث سهل بن حنيف وحديث أبي سعيد ومسلم (2451).
(39) أخرجه ابن ماجه باب ذكر الخوارج (175) وجود إسناده الحافظ بن حجر في الفتح (12/286).
(40) التسبيد: هو حلق الشعر واستئصاله، وقيل هو ترك التدهين وترك الرأس. النهاية في غريب الحديث (2/333).
(41) المفهم للقرطبي (3/122).
(42) مجموع الفتاوى (28/497).
(43) أخرجه البخاري (3610) مسلم (2451).
(44) أخرجه البخاري (3610).
(45) مجموع الفتاوى (28/528).
(46) المفهم للقرطبي (3/114).
(47) فتح الباري لابن حجر (12/285).
(48) أخرجه البخاري (3610) ومسلم (2451/ من حديث أبي سعيد).
(49) أخرجه أحمد في مسنده (7038) وابن أبي عاصم في السنة (929، 930) وجود إسناده الألباني في ظلال الجنة وحسنه الأرناؤوط في تعليق على المسند.
(50) مجموع الفتاوى لابن تيمية (28/580).
(51) فتح الباري لابن حجر (12/283).
(52) أخرجه أحمد في مسنده (12972) وابن أبي عاصم في السنة (945). وقال الألباني إسناده صحيح في ظلال الجنة (945).
(53) أخرجه البخاري في المناقب (3610) ومسلم (2451) وذو الخويصرة التميمي هو حرقوص مع زهير أصل الخوارج. قال الحافظ ابن حجر وعندي في ذكره في الصحابة وقفة، الإصابة لابن حجر (2/343).
(54) أخرجه البخاري في فضائل القرآن: باب إثم من راءى بقراءة القرآن (5058) وأخرجه مسلم (2/740).
(55) تلبيس إبليس لابن الجوزي (2/550).
(56) الفتاوى لابن تيمية (13/31).
(57) أخرجه الإمام أحمد في المسند (13338) وأبو داود في السنة، باب الخوارج (4765) من حديث أنس بن مالك أبو سعيد الخدري وإسناده صحيح وصححه الألباني المشكاة (3543) وصحيح الجامع (3668).
(58) مرقاة المصابيح شرح مشكاة المصابيح (الملا علي القاري (11/128).
(59) أخرجه الإمام أحمد في المسند (12972) إسناده صحيح قال البيهقي في المجمع (6/229) رواه أحمد ورجاله الصحيح وقال الألباني في ظلال الجنة (945) إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(60) رواه البخاري (1/16) والنسائي (8/121) باب: الدين يسر.
(61) رواه مسلم (4/2055) كتاب العلم باب: هلك المتنطعون.
(62) شرح مسلم للنووي (16/220).
(63) فتح الباري لابن حجر (12/283).
(64) أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (923) وأبو يعلى (473) وغيرهم بإسناد حسن وجود إسناده الألباني في ظلال الجنة 02/474).
(65) أخرجه أحمد في المسند (13338) وأبو داود (4765) والحاكم في المستدرك (2/148) وإسناده صحيح صححه الألباني المشكاة (4765) (4543) وصحيح الجامع حديث (3668).
(66) أخرجه مسلم (2461) وأبو داود (4667).
(67) شرح مسلم للقاضي عياض (3/665) والبداية والنهاية (7/305).
(68) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الزكاة باب (ذكر الخوارج وصفاتهم) رقم (151) – (1067) (2/746).
(69) مسلم التحريض على قتل الخوارج (2462: 154) وأبو داود (4767)، الشريعة للآجري (53).
(70) أخرجه أحمد في المسند (20446) وجوّد إسناده الألباني في ظلال الجنة (936) الأرناؤوط في تعليقه على المسند (34/19).
(71) أخرجه أحمد في المسند (20446)وجوّد إسناده الألباني في ظلال الجنة (936) الأرناؤوط في تعليقه على المسند (34/19).
(72) أخرجه أحمد في مسنده (19414) أبوعبد الله (1520) واللالكائي (2312)، وغيرهم بإسناد صحيح حاشية المسند (32/156)، وحسنه الألباني في ظلال الجنة (906).
(73) أخرجه أحمد في مسنده (2208) والترمذي (3000) بإسناد حسن وحسّنه الأرناؤوط في تعليق على المسند (36/518) عن أبي أمامة.
(74) أخرجه مسلم باب التحريض على قتل الخوارج (2462: 154).
(75) أخرجه البزار وعبد الله بن الإمام أحمد في مسنده في كتاب السنة وبابن أبي عاصم. والنسائي في الكبرى وغيرهم وإسناده صحيح مجمع الزوائد (6/231)، وحاشية أحمد (2/453).
(76) أخرجه البخاري في المناقب (3610) وشرح النووي على مسلم (7/2169).
(77) أخرجه البخاري في المناقب (3610).
(78) مجموع الفتاوى (28/512).
(79) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (13338) أبو داود (4765) من حديث أنس وإسناده صحيح وجوّد إسناده الحافظ في الفتح (12/286).
(80) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (13338) عن أنس وإسناده صحيح وصححه الألباني المشكاة (4543) وصحيح الجامع (3668).
(81) أخرجه أحمد في مسنده (5562) من حديث ابن عمر وإسناده ضعيف.
(82) فتح الباري لابن حجر (12/288).
(83) ابن ماجه في المقدمة لسننه باب ذكر الخوارج (174)، إسناده حسن قال البوصيري في الزوائد (1/84) هذا إسناد صحيح احتج البخاري بجميع رواته. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (8172) وصححه الأرناؤوط على المسند (9/398).
(84) أخرجه أحمد في المسند (19783) وأبو داود الطيالسي (923)، الحاكم في المستدرك (2/146) وإسناده ضعيف وله شواهد.
(85) أخرجه أحمد في مسنده (5562) وأبو داود الطيالسي (2293) والحاكم في المستدرك (4/486) بإسناد ضعيف وله شواهد.
(86) أخرجه ابن ماجة في المقدمة وسبق تخريجه.
(87) شرح ابن ماجه للسندي (1/112).
(88) مجموع فتاوى ابن تيمية (28/496).
(89) أخرجه أحمد في مسنده (19130) وعبد الله بن الإمام أحمد في السنة (1512) وابن أبي عاصم في السنة (904) إسناده ضعيف والحديث صحيح بشواهده، وصححه الألباني صحيح الجامع (3347).
(90) أخرجه أحمد في المسند (2208) بإسناد حسن وصححه الألباني في صحيح الجامع (3347).
(91) أخرجه الطبراني في الأوسط (9081) إسناده ضعيف جداً.
(92) فيض القدير للمنادى (3/769).
(93) البخاري (15/320) المصنف لعبد الرازق (10/147). وابن جرير (10/157) والواحدي في أسباب النزول وابن أبي حاتم (4/57).
(94) مجموع الفتاوى (28/580).
(95) أخرجه الإمام أحمد (22259) وابنه في السنة (1535) والطبراني في الكبير (8033) بإسناد حسن فقد أخرجه الطبراني في تفسيره (5/665) موقوفاً على أبي أمامة (5/207) وكذا عن قتادة.