الوقت الذي يفطر ويمسك فيه المسافر على متن الطائرة(*)
استجدت في الوقت الحاضر بعض وسائل نقلٍ لم تكن موجودة في السابق؛ كالطائرات التي يصعب فيها على المسافر معرفة وقت الإمساك والإفطار؛ فحريٌّ بنا، والحالة هذه، معرفة وقتي الإمساك والإفطار حتى يحافظ المسافر على صحة عبادته. وهنا محاولة لبيان ذلك.
الأصل في تحديد وقتي الإمساك والإفطار هو قوله تعالى: { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} [البقرة:187]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أقبل الليل من هاهنا – وأشار إلى المشرق – وأدبر النهار من هاهنا – وأشار إلى المغرب – وغرب الشمس، فقد أفطر الصائم".
هذا، ولكل صائم حكم المكان الذي هو فيه، إذا كان يتمايز فيه النهار والليل خلال أربع وعشرين ساعة، سواء كان على سطح الأرض أم كان على طائرة في الجو؛ وهو ما أفتت به وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت(1)، وهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية(2)، وهو ما أفتى به الشيخ محمد العثيمين(3)، والدكتور وهبة الزحيلي(4).
أحوال السفر بالطائرة:
الحالة الأولى: أن تغرب عليه الشمس قبل إقلاع الطائرة ويفطر ثم يرى الشمس بعد إقلاعها.
ففي هذه الحالة صيامه صحيح حتى لو أقلعت الطائرة به متجهة إلى المغرب ورأى الشمس بعدها باقية، فلا يلزمه الإمساك ولا القضاء؛ لأنه أفطر بمقتضى الدليل الشرعي وهو غروب الشمس لقوله تعالى: { ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} [البقرة:187]، ولأن وقت الإفطار له حكم المكان الذي هو عليه فمتى غاب قرص الشمس أفطر.
الحالة الثانية: أن تقلع الطائرة قبل غروب الشمس.
ففي هذه الحالة يلزمه الإمساك ما دام يرى الشمس حتى تغرب، حتى ولو مر بسماء بلد أهلها قد أفطروا وهو في سمائها يرى الشمس، وجب عليه الإمساك لقوله تعالى: { ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} [البقرة:187]، وهو نص ظاهر بوجوب إتمام الصيام حتى غروب الشمس.
الحالة الثالثة: إذا كان هناك غيم في الجو ولم يستطع رؤية الشمس، فعليه أن يبني على غلبة الظن؛ كمعرفة وقت الإفطار بالبلد التي هو فوقها والعمل به؛ وذلك باعتماد الحساب و"التقاويم" الفلكية كما مرّ في المبحث السابق(5).
________________
(*) هذه المسألة ضمن رسالة علمية للباحث بعنوان أحكام المستجدات الفقهية في الصيام.
(1) وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، مجموع الفتاوى الشرعية الصادرة عن قطاع الإفتاء والبحوث الشرعية، ج10، ص113.
(2) الدويش، فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ج10، ص294.
(3) العثيمين، فتاوى في أحكام الصيام، لمحمد بن العثيمين، ص 331.
(4) الزحيلي، وهبة، فتاوى معاصرة، تحرير محمد وهبي، ط1، دار الفكر، بيروت، 2003م، ص60.
(5) يراجع أصل البحث.