مقدمة:
الحمد لله الكريم الحنّان المنّان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد ولد عدنان، وعلى آله وأصحابه أولي الفضل والرضوان، ومن تبعهم وسار على هديهم بإحسان.
وبعد: فيقول الله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج:26].
وقال جلَّ ذِكْره على لسان نبيه وخليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37].
وهكذا استجاب الله تعالى نداءه، وهوت أفئدة المسلمين إلى البيت العتيق منذ خمسة آلاف سنة من زمن بنائه ونداء إبراهيم عليه الصلاة والسلام(1)، وما زالت القلوب تهوي وتهوى وتحب زيارة هذا البيت الحرام للحج، والعمرة، والطواف به، والصلاة عنده، والتعرُّض للرحمات، راجين الخيرات والبركات، ومغفرة الزلات، والازدياد من الحسنات.
وقد استوفى العلماء الأعلام الكلام عن بيت الله الحرام، بل عن كل جزء من أجزائه وأركانه، وما يتعلق به من أحكامه، وأحكام المناسك جملة وتفصيلاً، وصنَّفوا في ذلك آلاف الكتب والرسائل، منها الخاص ومنها العام، وكان منها ما هو محفوظٌ متداولٌ منتشرٌ بين الأنام، ومنها ما هو نادر صعب المرام، ومنها ما صار في دائرة عدم المعرفة والضياع والنسيان.
ومن الآيات البينات في المسجد الحرام، والمَشاهد والمشاعر العظام: حِجْر إسماعيل عليه الصلاة والسلام، المسمى بحجر الكعبة المشرفة، وبالحِجْر، وبالجَدْر، وبالحطيم.
هذا المكان الذي هو محلُّ تنزُّل الخيرات والبركات، ومحطُّ ميزاب الرحمات، وهو المكان الذي شَقَّ فيه جبريلُ عليه السلام قلبَ النبي الأكرم(2) صلى الله عليه وسلم، ومنه سرى النبي الأعظم إلى المسجد الأقصى، مكانٌ هو مصلى الأخيار، ومجلسُ السادات الكبار، ومكان التعلق بالأستار؛ استنزالاً لعفو ورضا الرحيم الغفار.
وهكذا حين لم أرَ – فيما وقفت عليه – من خصَّ هذا المكان المبارك بدراسة خاصة تبيِّن أصله، وبناءه، وفضله، وما يتعلق به من أحكامٍ فقهية على وجه البيان والتفصيل، دعاني ذلك لكتابة هذا البحث، وبخاصة أنه في هذا الزمن ما تخلو لحظة من اللحظات، إلا وتجد في هذا المكان المبارك أفواجاً قائمين يصلون، وآخرين جالسين في رحابه يدعون، ومنهم من وقف تحت الميزاب متعلقاً بأستار الكعبة راجياً سائلاً، وهكذا آلاف من الطائفين يطوفون حوله راجين سائلين.
وكثير من هؤلاء ومن غيرهم قد غاب عنهم الكثير من علم هذا الحِجْر، وما يتعلق به من فضائل وأحكام، ولا يخفى أن معرفة ذلك يعتبر من تعظيم شعائر الله، ولا يتم تعظيمها أصلاً إلا بالتعرف عليها، قال تعالى: {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} [المؤمنون:69]. تفصيل ذلك.
وقد درست هذه المسائل الفقهية المتعلقة بالحِجْر على فقه المذاهب الأربعة المعتمدة المشتهرة، مع بيان أدلة كل قول، وما ذُكر حولها من مناقشات وجوابات، سائلاً المولى جلَّ وعلا السداد والصواب، والإخلاص في القول والعمل، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله أولاً وآخراً.
تمهيد: نبذة مختصرة عن حِجْر الكعبة المشرفة وفضله(3):
تعريف الحِجْر (الحطيم):
الحِجْر لغةً له معانٍ كثيرة، وقد بلغت ثمان معانٍ، وهو من الألفاظ المشتركة، ولكل معنى شاهده، ويضيف المقام في هذا البحث عن بَسْط تلك الأقوال لغوياً، وعن ذكر شواهدها من الآيات والأحاديث، وأماكن ورودها، وعن سبب تسميتها بذلك.
وبشكل مجمل، فقد سمي الحطيم حطيماً؛ لأنه حَطم من البيت، وحُجر عنه، فهو حطيم بمعنى محطوم، كقتيل بمعنى مقتول.
وسمي الحجر حجراً؛ لأنه حُجر من البيت، وكل بناء بنيته فحجرت عليه من الأرض، يسمى حَجراً، وهو مثل حِجر الإنسان أي حضنه، فهو حجر الكعبة(4).
فالحِجْر إذا أُطلق فالمراد به حِجْر الكعبة المشرفة، وهو المكان المعروف المشهور بجانب الكعبة المشرفة مما يلي الميزاب شمال الكعبة المعظَّمة، وهو محوط مدوَّر على صورة نصف دائرة، وله فتحتان من طَرفيه، للدخول إليه، والخروج منه.
ويسمى أيضاً: الجَدْر(5)، واشتهر باسم: حِجْر إسماعيل، لأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام جعله حِجْراً لإسماعيل عليه الصلاة والسلام يأوي إليه هو وغنمه، وجعل فوقه عريشاً من أراك(6).
وحين بَنَت قريش الكعبة المشرفة قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم اقتطعت من الكعبة نحو سبعة أذرع، وأدخلتها في حجر إسماعيل، لعدم وجود المال الحلال لإكمال البناء، ولذا سمّي الحِجْر بالحطيم؛ لأنه حُطِم من البيت، وحُجِر عنه، فصار مقدَّم الحِجْر الحالي بمقدار نحو سبعة أذرع هو من الكعبة المشرفة، وباقيه الذي هو حجر إسماعيل الأصلي ليس من البيت، كما سيأتي بيان ذلك قريباً جداً.
قياس الحِجْر:
مقاس الحِجْر وطوله من تحت الميزاب إلى منتصف دائرة الحِجْر يبلغ 8.44 متر(7)، وأما طول الأذرع السبعة التي هي من الكعبة بمقياس المتر، فيعادل 3.23 متر، أي حوالي ثلاثة أمتار وربع(8).
وعلى هذا، فبقية الحِجْر التي هي ليست من الكعبة يكون مقدارها 5.21 متر(9).
وأما طول ضلع الكعبة الذي فيه الميزاب من الركن العراقي إلى الركن الشامس، فيساوي 9.90 متر(10).
قصة بناء الحِجْر (الحطيم):
لما أرادت قريش بناء الكعبة المشرفة قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم – وكانت قد تهدّمت – لم تجد من النفقة الطيبة الحلال ما يكفي لعمارتها، فبنوها بما معهم من المال الحلال، واقتطعوا من جهة شمال الكعبة التي فيها الميزاب، نحو سبعة أذرع، وضمّوها إلى حِجْر إسماعيل عليه الصلاة والسلام.
وأصل حِجْر إسماعيل، أن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حين بنى الكعبة المشرفة مع ولده إسماعيل عليه الصلاة والسلام، جَعَلَ بجنب الكعبة من جهة الشمال حِجْراً مدوَّراً حولها، وبنى عليه عريشاً من أراك لغنم إسماعيل تؤوي إليه، وهذا يفيد كون مبيت إسماعيل عند البيت، وكذلك عبادته وصلاته وطوافه، وسائر شؤون حياته، والله تعالى أعلم.
وهكذا بناءً على ما فعلَتْه قريش في بنائها للكعبة، صارت سبعة أذرع من مقدَّم الحِجْر الحالي إنما هي من الكعبة المشرفة، وباقي الحِجْر ليس منها.
فمن صلى في هذه الأذرع السبعة من الحِجْر، فهو مصلٍّ في الكعبة؛ لأنها قطعة محجورة منها، مضمومة إلى الحِجْر الأصلي الذي بناه إبراهيم الخليل لولده إسماعيل، ولذا كانت تقول أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها: (ما أبالي أصليتُ في الحِجْر أم في البيت؟)(11)، لأن حكمهما واحد.
وحين بُعث النبي صلى الله عليه وسلم، ودانت له الدنيا، رَغِبَ أن يُعيد بناء الكعبة كما كان على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وأن يضمَّ إليها ما اقتطعته قريش منها وجعلته في الحِجْر، لكنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك؛ لأن الناس كانوا حديثي عهدٍ بجاهلية، فخشي صلى الله عليه وسلم أن تُنكر قلوبُهم ذلك، ويكون ما لا تُحمد عقباه في دينهم بوسوسة الشيطان لهم.
فقد روى مسلم في صحيحه(12) (عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن قومك استقصروا من بنيان البيت، ولولا حداثة عهدهم بالشرك أَعَدْتُ ما تركوا منه، فأراها قريباً من سبعة أذرع).
وقد ذكر الحافظ ابن حجر(13) هذا الحديث برواياته المختلفة في قَدْر ما اقتُطع من البيت وضُمَّ إلى الحِجْر، ثم قال: (وهذه الروايات كلها تجتمع على أنها فوق الستة ودون السبعة).
وهكذا لما احترقت الكعبة، وتهدَّم بعض أطرافها في زمن إمارة عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما لمكة المكرمة حين غزاها جيش يزيد بن معاوية: أكمل هَدْمها عبد الله بن الزبير، وأعاد بناءها على الصورة التي كان يرغب فيها النبي صلى الله عليه وسلم، فأدخل فيها ما اقتُطع من الحِجْر، وجعل الكعبة بابين، وزاد في ارتفاعها.
ولما قُتِل ابن الزبير رضي الله عنهما شهيداً، كَتَبَ الحَجَّاج بن يوسف الثقفي إلى الخليفة عبد الملك بن مروان يخبره بذلك، ويُعْلمه بما فعل ابن الزبير في بناء الكعبة، فكتب إليه عبد الملك أن يُقِرّ طول الكعبة على ما فعله ابنُ الزبير، وأن يعيد الحِجْر كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فنَقَضَ الحَجَّاج الكعبة وأعاد بناءها كما طلب منه عبد الملك بن مروان.
وفي ذلك من الحِكَم ما لا يعلمه إلا الله جل وعلا، ومنها أن الحِجْر عاد كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ليبقى مصلىً للأخيار لمن قصدَه وأمّه بالصلاة والدعاء والابتهال، فمَن أراد دخول البيت فالحِجْر قطعة منه، ودخوله سهر ميسَّر.
ولما أراد الخليفة العباسي المنصور أن يعيد الكعبة على الصورة التي بناها ابن الزبير رضي الله عنهما، ناشده الإمام مالك في ذلك، وقال له: أخشى أن يصير البيت مَلْعَبةً للملوك، فتركه، وبقي على حاله إلى يومنا هذا، ولله الحكمة البالغة.
فضل الحِجْر وفضل الدخول إليه والصلاة فيه:
لقد جعل الله تعالى من فضائل هذا البيت المعظم مضاعفة أجر الصلاة عنده مضاعفةً كبيرة جداً عن الصلاة في غيره من الأماكن، فالصلاة عنده أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد النبوي.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة في مسجدي هذا خير – وفي رواية: أفضل – من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام)(14).
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاةٌ في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه)(15).
وهذا الفضل العظيم للصلاة عند الكعبة المشرفة، وفي مسجدها الحرام(16)، فكيف بالصلاة داخل الكعبة المشرفة؟ فهي أعظم وأكبر، وذلك لعِظَم شرف المكان والبقعة.
ولذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي داخل الكعبة المشرفة، وفي حِجْرها المكرَّم الذي هو قطعة من البيت، وعلى هذا حَرَس أصحابه الكرام رضي الله عنهم، ومَن بعدهم ممن تيسّر له ذلك.
فقد ثبت في صحيحي البخاري ومسلم(17) أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في داخل الكعبة المشرفة هو وبعضُ أصحابه الكرام رضي الله عنهم أجمعين.
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة، فدعا عثمانَ بن طلحة ففتح الباب، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وبلال وأسامة بن زيد، وعثمان بن طلحة، ثم أغلق الباب، فلَبِثَ فيه ساعة ثم خرجوا.
قال ابن عمر: فبدَرْتُ فسألت بلالاً؟ فقال: صلَّى فيه. فقلت: في أيّ؟ قال: بين الأسطوانتين.
ولهذا كان ابن عمر رضي الله عنهما يتوخّى مكانَ صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة، فيصلي في الموضع الذي صلَّى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم(18).
كما كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تتطلع بشوق للصلاة داخل الكعبة المشرفة، حتى قالت رضي الله عنها: (كنتُ أحبُّ أن أدخل البيت، فأصلي فيه، فأَخَذَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فأدخلني الحِجْر، فقال: إذا أردتِ دخول الكعبة فصلي ها هنا، فإنما هو قطعة من البيت، ولكن قومك اقتصروا حين بنَوْه)(19).
ففي أَخْذ النبي صلى الله عليه وسلم لزوجه السيدة عائشة رضي الله عنها، وإدخاله إياها الحِجْر للصلاة فيه، وبيانه صلى الله عليه وسلم لفضل بقعة الحِجْر، وأنها من الكعبة المشرفة: حثٌّ للأمة المحمدية كلها، رجالاً ونساءً على الصلاة داخل الكعبة المشرفة، ومنها حِجْرها المكرَّم.
وعليه فإن من سنة النبي صلى الله عليه وسلم الفعلية والقولية دخولَ البيت والصلاةَ فيه، وعلى سنية ذلك نصَّ فقهاء المذاهب الأربعة، كما سيأتي.
وإنما دلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة رضي الله عنها للصلاة في الحِجْر، ليُسْر دخوله، حيث إن الغالب على الكعبة إغلاق بابها، وأيضاً فإن أمر النساء مبني على الستر والصيانة، وفي صعود المرأة إلى الكعبة سبب لظهورها وانكشافها.
ومما ورد خاصاً في فضل دخول البيت، والصلاة فيه، وبيان ثوابه العظيم، ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن دخل البيت: دخل في حسنةٍ، وخرج من سيئة مغفوراً له)(20).
(وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال لمهند بن أوس: أرأيتَ الكعبة؟ مَن دخلها فصلى فيها، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)(21).
(وعن مجاهد قال: دخولُ البيت حسنةٌ، وخروجٌ من سيئة، ويخرج مغفوراً له)(22).
(وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: صلوا في مصلى الأخيار، واشربوا من شراب الأبرار. قيل لابن عباس: وما مصلى الأخيار؟ قال: تحت الميزاب. قيل: وما شراب الأبرار؟ قال: ماء زمزم)(23).
وهذا الأثر من الموقوف الذي له حكم المرفوع، (ولا يبعد أن تكون الإشارة في هذا الأثر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فهو سيد الأخيار، وأن صلاته صلى الله عليه وسلم كانت في الحِجْر تحت الميزاب)(24).
وعليه ففي صلاة المصلي تحت الميزاب، صلاةٌ في المكان الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
المبحث الأول: الأحكام الفقهية المتعلقة بالصلاة في الحِجْر.
المسألة الأولى: حكم صلاة الفريضة في مقدَّم الحِجْر الذي هو قطعة من الكعبة المشرفة.
تقدم أن نحو سبعة أذرع من الحِجْر هو من الكعبة المشرفة، وعليه فحكم الصلاة في الأذرع السبعة هذه، والمصلي مستقبل الكعبة كحكم الصلاة داخل الكعبة المشرفة.
وقد اختلف فقهاء المذاهب الأربعة رضي الله عنهم في حكم صلاة الفريضة داخل الكعبة على ثلاثة أقوال:
1 – القول الأول: تصح الفريضة داخل الكعبة المشرفة.
وبه قال الحنفية(25)، والشافعية(26)، وبعض المالكية(27)، ورواية عن الإمام أحمد(28)، ونَسَبَه الإمام الترمذي(29) لأكثر أهل العلم، كما نَسَبه النووي(30) لجمهور العلماء.
2 – القول الثاني: تصح الصلاة داخل الكعبة مع الكراهة التنزيهية.
وهذا القول هو المرجَّح عند متأخري المالكية(31)، وهو رواية ثانية عن الإمام أحمد(32).
تنبيه:
تجدر الإشارة هنا إلى أنه يوجد خلاف في هذه المسألة عند المالكية، (حيث اختَلَف فيها قول الإمام مالك، فمرةً مَنَعَ الصلاة في الكعبة أصلاً، ومرّة جوّز فيها النفل، وكره فيها الفرض)(33).
وقد جاء نص الإمام مالك رحمه الله في المدونة، على مضنْع صلاة الفريضة داخل الكعبة المشرفة بقوله: (لا يُصلَّى في الحِجْر، ولا في الكعبة فريضة)(34).
وبعدها اختلفت عبارات أئمة مذهب المالكية في كتبهم حين صاغوا هذه المسألة، فبعضهم(35) قال: (لا يجوز)، وبعضهم(36) قال: (ومُنع الفرض).
ثم اختلفوا: هل هذا المنع يفيد عدم الصحة، أم الصحة لكن مع الحرمة، أو الكراهة؟
فبعضهم قال بعدم الصحة(37)، وبعضهم قال بالحرمة، وآخرون بالكراهة، وهذا القول الأخير: الصحة مع الكراهة، هو الذي رجَّحه العدوي في حاشيته على شرح الخرشي(38)، وقال: (المذهب: الكراهة في الفرض).
وكذلك رجحه الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير(39) وقال: (الراجح الكراهة).
وصرّح بترجيحه أيضاً العلامة الشيخ حسين بن إبراهيم الأزهري المالكي المكي في منسكه: (توضيح المناسك)(40).
ومع هذا الخلاف الواسع عند المالكية، فقد نصوا أن مَن صلى الفريضة داخل الحِجْر أو الكعبة يعيدها إن كان الوقت باقياً، ومنهم مَن قال يعيدها ولو خرج الوقت، وكأن ذلك من باب الاحتياط وخروجاً من الخلاف.
وبهذا يمكن أن نلخِّص خلاف المالكية، فنقول: اختلفوا في صحة صلاة الفريضة داخل الكعبة على عدة أقوال: الأول: عدم الصحة، والثاني: الصحة.
ثم إن القائلين بالصحة منهم من قال: الصحة مع الكراهة، ومنهم من قال: الصحة مع الحرمة.
وهل تعاد الصلاة عند القائلين بالصحة مع الحرمة: قولان: الأول: تعاد تعاد إن كان الوقت باقياً، والثاني: تعاد ولو بعد خروج الوقت.
3 – القول الثالث: لا تصح الفريضة داخل الكعبة المشرفة، وهو القول المعتمد عند الحنابلة(41)، وهو قولٌ عند المالكية، كما تقدم النقل عنهم قبل قليل.
الأدلة:
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب القول الأول على ما ذهبوا إليه من القول بصحة الفريضة داخل الكعبة والحِجْر بجملةٍ من الأدلة، منها:
1 – قال الله تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة:125].
وجه الدلالة أن الله سبحانه وتعالى أمر إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام أن يطهرا بيته – وهو الكعبة – للطائفين والعاكفين والركّع السجود، وهم المصلون، فدل ذلك على صحة الصلاة مطلقاً داخل الكعبة، فرضِها ونفلِها؛ لأن الأمر بالتطهير للصلاة فيه، ظاهر في صحة الصلاة فيه(42).
2 – قال الله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:144].
وجه الدلالة أن عموم هذه الآية يتناول المصلي إلى الكعبة، وفيها، وشَطْر المسجد هو جهته(43)، وهذا يشمل استقبال جميع الكعبة أو جزءٍ منها، والمصلي فيها قد فَعَل وولّى وجهه شطر البيت(44).
وقد فسّرت ذلك السنة المطهرة، وذلك بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم في جوف الكعبة(45). وهذا الأمر بالتوجه إلى شطر المسجد الحرام عام يشمل الفرض والنفل، بل الفرض من باب أولى، إذ هو الأصل، والنفل تبعٌ له.
3 – (عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قَدِم مكة، فدعا عثمانَ بن طلحة الحَجَبي، ففتح الباب – أي باب الكعبة – فدخل النبي صلى الله عليه وسلم، وبلال، وأسامة بن زيد، وعثمان بن طلحة، ثم أغلق الباب، فلبث فيه ساعة، ثم خرجوا. قال ابن عمر: فبَدرْتُ فسألت بلالاً، فقلت: أصلى النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة؟ قال: نعم، ركعتين بين الساريتين اللتين على يساره إذا دخلتَ). متفق عليه(46).
وقد ورد هذا الحديث بروايات متعددة، كلها تفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة المشرفة صلاة النافلة، وقد بلغت حدَّ التواتر(47)، وهذا يدل على استحباب النافلة فيها، فضلاً عن صحتها.
وكل موضع جازت فيه النافلة، جازت فيه الفريضة، إذ الفريضة مثلُ النافلة، لا فرق بينهما إلا ما دلَّ الدليل على اختصاص النافلة به(48)، (ولا فرق بينهما في مسألة استقبال القبلة للمقيم)(49)، (وفي حال النزول، وإنما يختلفان في حال السير في السفر)(50).
وأيضاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو المبيِّن عن الله تعالى مراده، (فيكون في صلاته عليه الصلاة والسلام في الكعبة النافلة، إذنٌ في مطلق الصلاة؛ لأنه لما صلى فيها، دلَّ على أن استقبال حائط منها يكفي، ولا يشترط استقبال جملتها، وإذا كفى استقبال الحائط في صلاةٍ من الصلوات، فليكن الباقي كذلك)(51).
4 – عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله أصلي في الكعبة؟ فقال: (صلي في الحِجْر، فإنه من الكعبة، أو قال: من البيت)(52).
وجه الدلالة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجاز الصلاة في الحِجْر، الذي هو من البيت)(53)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (صلي في الحِجْر) يعم صلاة الفرض والنفل، وليس هناك دليل خاص يُخرج صلاة الفرض من هذا العموم، فدلَّ على صحة صلاة الفرض داخل الكعبة.
5 – عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أُعطيت خمساً لم يثعطهن أحدٌ قبلي: نُصرت بالرعب مسيرة شهر، وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيّما رجلٍ من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ، وأُحِلَّت لي الغنائم ولم تَحِلَّ لأحدٍ قبلي، وأُعطيت الشفاعة، وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصة، وبُعثت إلى الناس عامة)(54).
وجه الدلالة(55) أن جوف الكعبة هو أطيب بقعة في الأرض، فتصح الصلاة فيها مطلقاً: فرضها ونفلها، لعموم هذا الحديث من حيث المكان، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)، وقد ورد هذا الحديث في حق الفريضة، فالنافلة من باب أولى.
6 – روى الفاكهي(56) عن جابر رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ما شاء الله، ويصلي عند المقام، ثم يوتر في الحِجْر، ثم يأتي زمزم فيشرب منها، ويصبّ على رأسه...).
ووجه الدلالة من هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي الوتر في الحِجْر، ومعلوم أن الوتر هو من الواجبات عند فريق من العلماء كالحنفية(57)، ومن آكد السنن عند غيرهم(58)، بل صرَّح الشافعية والحنابلة أن من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الوتر عليه(59).
وعليه، فهذا الحديث يفيد صحة الصلاة الواجبة في الحِجْر، الذي هو قطعة من البيت، ومن ثمَّ فهو يدل على صحتها داخل الكعبة.
أدلة القول الثاني:
استدل أصحاب القول الثاني على ما ذهبوا إليه من القول بصحة صلاة الفريضة داخل الكعبة والحِجْر، ولكن مع الكراهة بما يأتي:
- أما وجه الصحة: فشتركون مع أصحاب القول الأول في الاستدلال بالأدلة السالفة الذكر على صحة الفريضة داخل الكعبة.
- وأما وجه الكراهة، فلم أقف لهم على نص يبين دليلهم في ذلك، ويمكن أن يستدل لهم بأدلة أصحاب القول الثالث القائلين بالنهي عن صلاة الفريضة داخل الكعبة، وعدم صحتها، ولكنهم حملوا النهي على الكراهة التنزيهية، وبذلك جمعوا بين أدلة الصحة، وأدلة النهي.
أدلة القول الثالث:
استدل أصحاب القول الثالث على ما ذهبوا إليه من القول بعدم صحة صلاة الفريضة داخل الكعبة والحِجْر بما يأتي:
1 – قال الله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:150].
وجه الدلالة(60) أن الآية الكريمة أمرت المصلي بالتوجه شطر البيت، أي تلقاءه، فيُحمل على استقبال الكعبة جميعها، وعلى هذا فالمصلي داخل الكعبة غير مستقبل لجهتها، إنما يتوجه تلقاء بعضها، ويكون مستدبراً لبعضها الآخر.
وهكذا (فالمصلي في جوف الكعبة إن كان مستقبلاً جهةً، كان مستدبراً جهةً أخرى، والصلاة مع استدبار القبلة لا تجوز، فأخذنا بالاحتياط في الفرائض، وأما في التطوعات فالأمر فيها أوسع)(61).
2 – عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت، دعا في نواحيه كلها، ولم يصلِّ حتى خرج منه، فلما خرج ركع ركعتين في قُبُل الكعبة، وقال: هذه القِبلة)(62).
ووجه الدلالة(63) من هذا الحديث أن القِبلة المأمورُ باستقبالها هي الكعبة كلها، لئلا يَتَوهم متوهِّم أن استقبال بعضِها كافٍ في الفرض؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صلى التطوع فيها، وإلا فقد عَلِمَ الناس كلهم أن الكعبة في الجملة هي القبلة، فلا بد أن يكون لهذا الكلام من فائدةٍ، وعِلمِ شيءٍ قد يخفى، ويقع في محل الشبهة.
3 – إن حديث ابن عباس السابق يُحمل على صلاة الفريضة، وأنها لا تصح في الكعبة،حيث لم يصلِّ فيها صلى الله عليه وسلام الفرض، وحديث ابن عمر(64) الذي أخبر فيه أنه صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة يُحمل على صلاة النافلة، وصحتها في الكعبة، وبذلك يكون قد تمَّ الجمع بين الأدلة(65).
4 – عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُصلَّى في سبع مواطن: في المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، والحمَّام، ومعاطن الإبل، وفوق الكعبة)(66).
ووجه الدلالة(67) أن في النهي عن الصلاة فوق الكعبة تنبيهاً على النهي عن الصلاة فيها؛ لأنهما سواء في المعنى.
5 – قياس الصلاة داخل الكعبة على الطواف في جوفها، فكما أنه لا يصح الطواف داخل الكعبة، فكذلك الصلاة(68)، والجامع بينهما أن الطائف مأمور بالطواف حول البيت كله، والمصلي بالتوجه نحو البيت كله.
6 – لم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحدٍ من أصحابه، ولا عن أحدٍ من السلف الصالح أنه صلى الفريضة في جوف الكعبة(69).
مناقشة أدلة القول الثالث:
1 – نوقش الدليل الأول: وهو وجوب استقبال الكعبة جميعِها من خارجه بما يأتي:
قال الإمام الطحاوي: (إنا رأينا مَن استدبر القبلة، وولاها يمينه أو شماله أن ذلك كله سواء، وأن صلاته لا تجزئه، وكان مَن صلى مستقبل جهةٍ من جهات البيت، أجزأته الصلاة باتفاقهم، وليس هو في ذلك مستقبلَ جهات البيت كلها؛ لأن ما عن ما استُقبل من البيت، وما عن يساره ليس هو مُسْتَقبِله.
وكما كان لم يُتَعبَّد باستقبال كلِّ جهات البيت في صلاته، وإنما تُعُبِّد باستقبال جهةٍ من جهاته، فلا يضره تَرْك استقبال ما بقي من جهاتها بعدها، كان النظر على ذلك، أن مَن صلى فيه، فقد استقبل إحدى جهاته، واستدبر غيرها، فما استدبر من ذلك فهو في حكم ما كان عن يمين ما استَقْبَل من جهات البيت وعن يساره، إذا كان خارجاً منه)(70).
وقال الإمام ابن حزم: (كل مَن صلى إلى المسجد الحرام أو إلى الكعبة، فلا بد له من أن يترك بعضَها عن يمينه، وبعضَها عن شماله، ولا فرق عند أحدٍ من أهل الإسلام في أنه لا فرق بين استدبار القبلة في الصلاة، وبين أن يجعلها عن يمينه أو على شماله، فصحَّ أنه لم يكلِّفْنا الله عز وجل قطّ مراعاة هذا، وإنما كلَّفَنا أن نقابل بأوجهنا ما قابلنا من جدار الكعبة أو من جدار المسجد قبالة الكعبة حيثما كنا فقط)(71).
2 – نوقش الدليل الثاني، وهو استدلالهم بحديث ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم لم يصلِّ في الكعبة، بما يأتي:
قال الإمام الطحاوي(72): (يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم أراد بقوله: (هذه القبلة): أي هذه القِبلة التي يصلي إليها إمامُكم الذي تأتمّون به، وعندما يكون مَقامه، فأراد بذلك تعليمَهم بما أَمَرَ الله عزَّ وجل به من قوله: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}). اهـ.
وقال الإمام البغوي(73): (وقوله: (هذه القبلة): قال الخطابي(74): معناه: أن أَمْر القِبلة قد استقرَّ على هذا البيت، لا يُنْسَخ بعد اليوم، فصلّوا إلى الكعبة أبداً، فهي قِبلتكم.
وقال(75): ويحتمل وجهاً آخر: وهو أنه علَّمهم السنة في مَقام الإمام، واستقبالِه القِبلة من وجه الكعبة دون أركانها وجوانبها الثلاثة، وإن كانت الصلاة إليها من جميع جهاتها مجزئة). اهـ.
وقال الإمام النووي(76) بعد ذكره لكلام الخطابي: (ويحتمل معنى ثالثاً: وهو أن معناه: هذه الكعبة هي المسجد الحرام، الذي أُمِرتم باستقباله، لا كلُّ الحرم ولا مكة، ولا كلُّ المسجد الذي حول الكعبة، بل هي الكعبة نفسُها فقط. والله أعلم).
3 – نوقش الدليل الثالث، وهو الجمع بين حديثي ابن عمر وابن عباس، بحَمْل الأول على النافلة، والثاني على الفريضة، بما يلي:
قدَّم المحدِّثون قدّموا حديث ابن عمر على حديث ابن عباس؛ لأن المثبِت مقدَّم على النافي، ومعه زيادة علم مقبولة، فقد أخبر ابنُ عمر بما عَلِمَ، وأما ابن عباسٍ فلم يعلم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة، فأخبر بعدم علمه(77)، ومن ثمَّ فلا يكون هناك تعارض حقيقي حتى يُجْمَع بينهما.
4 – نوقش الدليل الرابع وهو استدلالهم بحديث النهي عن الصلاة فوق الكعبة بما يأتي: إن هذا حديثٌ فيه مقال، وقد ضعّفه غالبُ المحدّثين، كما تقدم.
وعلى فرض صحته، فإن النهي الوارد فيه عن الصلاة على ظَهر الكعبة، علته هي (إساءة الأدب بالاستعلاء عليها، وتَرْك تعظيمها ظاهراً)(78).
وأيضاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم الذي نهى عن الصلاة على ظهر الكعبة، قد حثَّ على الصلاة داخلها بفعله صلى الله عليه وسلم، فلا يقاس هذا على هذا.
5 – نوقش الدليل الخامس، وهو استدلالهم بقياس الصلاة داخل الكعبة على الطواف في جوفها، بأنه قياس مع الفارق، (فالطواف لا يصح إلا داخل المسجد الحرام خارج الكعبة، بخلاف الصلاة، فهي تصح في كل أرض طيبة)(79).
وأيضاً (ليست الصلاة كالطواف، لأن الطواف بالبيت مأمور فيه، والطواف بالكل ممكن، فيجب الطواف خارج البيت ليقع بالكل، ألا ترى أن الطواف خارج المسجد الحرام لا يجوز، بخلاف الصلاة)(80).
6 – نوقش الدليل السادس وهو (أنه لم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه أنه صلى الفريضة داخل الكعبة)، نوقش: (بأن عدم الفعل للشيء، لا يدل على النهي عنه)(81).
ويمكن أن يُقال أيضاً: لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الفريضة داخل الكعبة، لأن الشأن الغالب للنبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي الفريضة مع أصحابه الكرام في جماعة المسلمين خارج الكعبة المشرفة.
مناقشة أدلة أصحاب القول الأول:
1 – نوقش دليل الجمهور بقياس الفرض على النفل، (بأن النافلة مبناها على التخفيف والمسامحة، بدليل صحة صلاتها قاعداً، وإلى غير القِبلة في السفر على الراحلة، بخلاف الفريضة، وعليه فلا يصح قياس الفرض على النافلة)(82).
وأُجيب (بأن كون النفل أوسعُ من الفرض، إنما هو في السفر، وأما في الحضر، فالاستقبال في الفرض والنفل متحد اتفاقاً)(83).
وقد تقدم في الدليل الثالث للجمهور، أنه لا فرق بين النفل والفرض في الأصل، إلا ما جاء الدليل على تخصيصه، وفي مسألة الاستقبال لا فرق بين الحضر والسفر.
خاتمة المسألة الأولى:
وهكذا تبين من خلال ما تقدم أن الفقهاء رضي الله عنهم قد اختلفوا في حكم صلاة الفريضة في الكعبة المشرفة، وفي مقدّم حِجْرها المكرّم الذي هو قطعة منها، والذي يبلغ نحو سبعة أذرع من الحِجْر الحالي، أي ما يعادل ثلاثة أمتار وربع المتر، وقد اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال بالتفصيل، وعلى قولين بالجملة، وهي:
1 – القول الأول:
تصح الفريضة داخل الكعبة والحِجْر، وبه قال الحنفية والشافعية وفريق من المالكية، ورواية عن الإمام أحمد، وهو قول أكثر أهل العلم وجمهورهم.
وأما المعتمد عند المالكية فهو الصحة، لكن مع الكراهة التنزيهية.
2 – القول الثاني:
لا تصح الفريضة داخل الكعبة والحِجْر، وهو قولُ الحنابلة في المعتمد عندهم، وقولٌ عند المالكية.
كما يتبين من خلال عرض أدلة الأقوال السابقة، وما ذُكر حولها من مناقشات وأجوبة، يتبين ظهور أدلة الجمهور أصحاب القول الأول على أدلة غيرهم، القاضية بصحة صلاة الفريضة داخل الكعبة بدون كراهة، وأنه لا فرق في ذلك بين الفريضة والنافلة.
كما تبين أن أدلة القول القائل بعدم الصحة لا تقف أمام أدلة الجمهور، وذلك بما ذُكر من أجوبة عنها، ومناقشات حولها.
كل هذا يجعل الصدرَ منشرحاً، والقلب مطمئناً لقول الجمهور القائل بصحة الفريضة داخل الكعبة، وفي مقدَّم حِجْرها المكرَّم الذي هو قطعة منها.
المسألة الثانية: حكم صلاة النافلة داخل الحِجْر المكرّم (الحطيم).
المراد بالنافلة – ويرادفها التطوع – في اصطلاح جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة: ما عدا الفرض والواجب، ويتوسعون بإطلاقها، فتشمل السنن المؤكدة، وغير المؤكدة والتطوع مطلقاً(84). اختلف فقهاء المذاهب الأربعة في حكم صلاة النافلة داخل الحِجْر (الحطيم)، على قولين:
القول الأول:
تصح – بل تستحب – جميع النوافل من السنن المؤكدة وغير المؤكدة والتطوع مطلقاً داخل الكعبة المشرفة، ومنها مقدّم الحِجْر نحو سبعة أذرع منه.
وبه قال الحنفية(85)، والشافعية، والحنابلة(86)، وهو قولٌ للمالكية، ونُقل عن جمهور العلماء، كما تقدم.
القول الثاني:
تصح النافلة مطلقاً – أي التطوع عامة – وكذا السنن غير المؤكدة داخل الكعبة المشرفة بدون كراهة، بل يستحب ذلك، كأربعٍ قبل الظهر، والضحى، وركعتي الطواف غير الواجب وأما السنن المؤكدة، كالوتر، والعيدين، وركعتي الفجر، وركعتي الطواف الواجب، فتصح داخل الكعبة المشرفة، ولكن مع الكراهة التنزيهية، وهذا هو الراجح المعتمد عند المالكية(87).
وعليه، فحكم السنن المؤكدة داخل الكعبة كحكم الفريضة عند المالكية، أي تصح ولكن مع الكراهة.
وفي قولٍ آخر للمالكية مرجوحٍ، يرى الصحة، ولكن مع الحرمة.
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب القول الأول على صحة النوافل والسنن مطلقاً داخل الكعبة المشرفة وحِجْرها المكرّم، بالأدلة نفسها التي سبق ذكرها في المسألة الأولى في الاستدلال لصحة الفريضة داخل الكعبة، لأنها إما عامة، فتدل على صحة الفريضة والنافلة جميعاً، وإما خاصة بالنوافل ونصٌّ فيها، فتدل من باب أولى.
أدلة القول الثاني:
استدل أصحاب القول الثاني على صحة السنن المؤكدة مع الكراهة بما يأتي:
أما الشطر الأول وهو الصحة، فقد استدلوا عليه بأدلة القول الأول نفسها، وقد تقدم ذكرها في المسألة السابقة.
وأما الشطر الثاني وهو الكراهة في صلاة السنن المؤكدة، كالوتر ونحوها، فقد استدلوا عليه بما سبق من الاستدلال للقائلين بصحة الفريضة مع الكراهة داخل الكعبة، لكنها أقل كراهة من الفرائض.
إذ يرون أن السنن المؤكدة قريبةٌ من الفرائض والواجبات، لتأكدها، بخلاف السنن غير المؤكدة، ولذا فهي تصح داخل الكعبة كالفرائض، ولكن تكره، وكراهتها أقل من كراهة الفرائض، لكونها أدنى رتبة منها، وقد نصّوا على هذا فقالوا: (وكراهة صلاة الفرض في الكعبة والحِجْر أشدّ من السنن)(88)، أي السنن المؤكدة، والله أعلم.
وأما القول المرجوح عند المالكية القائل بصحة السنن المؤكدة مع الحرمة، فقد جعلوا ما دلَّ على الكراهة دالاً على حرمة، والله أعلم.
وقد تقدمت مناقشة أدلة أصحاب هذا القول الثاني، في مسألة حكم صلاة الفريضة داخل الكعبة والحِجْر، وتبين ظهور أدلة قول الجمهور على غيرهم.
وهكذا يبقى الصدر منشرحاً للقول بصحة بل استحباب السنن والنوافل مطلقاً داخل الكعبة المشرفة، وحِجْرها المكرَّم.
المسألة الثالثة: حكم صلاة الفريضة والنافلة داخل الحِجْر في البقعة التي ليست هي من الكعبة المشرفة.
تقدم أن بقية الحِجْر مما يلي الأذرع السبعة من مقدَّم الحِجْر ليست من الكعبة المشرفة، وعليه فمن صلى في هذه البقعة، فرضاً أو نافلة، فإنه يكون مصلياً في المسجد الحرام، وتكون صلاته صحيحةً مضاعفة إن شاء الله.
وما ورد من روايات تنص على أن الحِجْر كله من البيت(89)، فهي مقيَّدة بالروايات التي تحدد قَدْراً معيناً، والتي بلغ أكثرها نحو سبعة أذرع، حيث إن هذه الروايات كلها جاءت متواردة على سبب واحد، وحديث واحد(90)، فتُحمل الرواية المطلقة على المقيدة.
ولم أر من خلال اطلاعي أحداً نصَّ على هذه المسألة بشكل خاص، والله أعلم.
المسألة الرابعة: حكم استقبال الحِجْر وهوائه في الصلاة.
اتفق الفقهاء على بطلان صلاة مَن استقبل ما زاد على الستة أذرع من الحجر، لأنها ليست من الكعبة.
واختلفوا في جواز استقبال الحِجْر، أي استقبال هوائه في القَدْر الذي هو من البيت، أي نحو سبعة أذرع.
وصورة ذلك: أن يقف المصلي خارج الحِجْر عند إحدى فتحتَيْه متعامداً معها، مستقبلاً الحِجْر وحده، دون بناء الكعبة، فهل تصح صلاته أم لا؟
اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:
القول الأول:
عدم صحة الصلاة مطلقاً باستقبال الحِجْر وحده دون الكعبة، فرضاً كانت الصلاة أو نفلاً.
وبهذا قال الحنفية(91)، والمالكية(92) في المعتمد الراجح عندهم، والشافعية(93) في الأصح من الوجهين(94) عندهم، وفريقٌ من الحنابلة(95): كابن حامد الحسن بن حامد البغدادي (ت 403هـ)، وابن عقيل أبي الوفاء علي بن عقيل (ت 513هـ).
القول الثاني:
جواز استقبال الحِجْر في الصلاة، وتصح فرضاً كانت أو نفلاً. وبهذا قال الحنابلة(96) في المعتمد عندهم، وهو قولٌ عند المالكية، اعتمده فريق منهم، كأبي الحسن اللخمي (ت 478هـ)، وهو وجهٌ مشهور عند الشافعية.
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب القول الأول على عدم صحة صلاة من استقبل الحجر دون الكعبة بما يأتي:
إن الأمر باستقبال البيت، وفرضية التوجه إليه في الصلاة ثابتٌ قطعياً بنض الكتاب في قوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:144]، وأما كون الحِجْر من البيت فثابت بدليل ظني، وذلك بخبر الآحاد الوارد في ذلك كما تقدم، وهو غير كافٍ في إثبات أن الحِجْر قبلة للمصلي، ومن ثمَّ فلا يجوز ترك العمل بنص الكتاب القطعي لخبر الآحاد الظني، وعليه فلا بد لمن وقف أمام الحِجْر أن يستقبل بناء الكعبة المشرفة.
أدلة القول الثاني:
استدل أصحاب القول الثاني على مشروعية استقبال الحجر وحده في الصلاة بحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرها أن الحِجْر من البيت، كما تقدم(97)، وهذا جملة، وأما تفصيلاً فستة أذرع أو سبعة، وعليه فما دام الحِجْر من البيت، فتجوز الصلاة باستقباله وتصح.
مناقشة أدلة القول الأول:
يمكن أن يناقش قولهم بأن حديث الآحاد يفيد الظن بما يلي:
يرى فريق من العلماء كابن الصلاح وغيره أن إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن الحِجْر من البيت متفق على إخراجه في الصحيحين، وهذا يفيد القطع، لا الظنَّ، وعليه يجوز استقبال الحِجْر في الصلاة، وليس في ذلك تركٌ لنص الكتاب القطعي بخبر الآحاد الظني(98).
ويُجاب عن هذا بأنه قولٌ مرجوح، وأن الراجح عند الجمهور، أنه يفيد الظن(99).
وهكذا بالنظر في أدلة القولين يرى الناظر ظهور أدلة القول الأول، وأيضاً فالأخذ به أخذٌ بالاحتياط، وهو أَوْلى.
المبحث الثاني: حكم الطواف من داخل الحِجْر.
اختلف الفقهاء في حكم طواف من طاف من داخل الحِجْر على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن الطواف من داخل الحِجْر لا يصح، وأن الطواف من وراء الحَجْر كله فرض، وشرط لصحة الطواف، فمن دخل الفرجة التي بين البيت والحِجْر، وخرج من الفرجة الأخرى: لم يصح طواف ذلك الشوط، ولم يُعتدَّ به. وبهذا قال المالكية في الراجح عندهم(100)، والشافعية(101)، والحنابلة(102).
القول الثاني: أن الطواف من وراء السبعة الأذرع التي هي في مقدَّم الحِجْر، والتي هي من البيت هو من الواجبات وليس من الفرائض.
وعليه فمن طاف في المسافة التي هي بقدر السبعة الأذرع، فقد ترك واجباً، فيجب عليه إعادة ذلك الشوط، وإن لم يُعده: صحَّ، وعليه دم، جَبْراً لترك الواجب، ولكن مع الإثم لمن فعل ذلك عمداً.
هذا، وأما من طاف داخل الحِجْر من وراء السبعة الأذرع، فجعل بينه وبين البيت هذه الأذرع السبعة: فطوافه صحيح. وبهذا قال الحنفية(103).
وبالنسبة للإعادة لمن طاف في داخل الحِجْر عند الحنفية، فالواجب في الإعادة، هو أن يعيده على قَدْر الحِجْر فقط، كما ستأتي صورته بعد قليل، وذلك سبع مرات إن ترك الطواف وراء الحِجْر في جميع أشواط الطواف، وإلا فبقَدْره.
والأفضل إعادة كلِّ الطواف؛ ليؤديه على الوجه الحسن، وللخروج به عن خلاف بعض الفقهاء.
وهذا عند الأكثر من أئمة المذهب، خلافاً لظاهر كلام الكرماني(104)، الذي يفيد أن عليه إعادة الطواف كله، وكذا ابن الهمام(105) حيث قال: فيجب إعادة كله؛ ليُؤدَّى على الوجه المشروع.
قال الإمام علي القاري: وهو ظاهر؛ لأنه كما يجب عليه تدارك نقصانه من أصل الطواف، يجب عليه تدارك وَصْفه الواجب، كما في ترك سائر الواجبات الأصلية والوصفية.
وصورة الإعادة بقدر الحِجْر فقط تكون على هيئتين:
1 – أن يأخذ عن يمينه خارج الحِجْر، مبتدئاً من أول أجزاء الفُرْجة، أو قبله بقليل للاحتياط، حتى ينتهي إلى آخر الشق الآخر، ثم يدخل الحِجْر من الفرجة التي وصل إليها، ويخرج من الجانب الآخر، وهو الذي ابتدأ من طرفه. ولا يُعدُّ عَوْده شَوْطاً، لأنه منكوس، وهو خلاف الشرط الواجب، فلا يكون محسوباً.
2 – والهيئة الثانية: أن لا يدخل الحِجْر، بل يرجع، ويبتدأ من أول الحِجْر، وهو الأَوْلى، لئلا يجعل الحطيم أي الحِجْر – الذي هو من الكعبة، وهو أفضل المساجد – طريقاً إلى مقصده، إلا إذا نوى دخول البيت كلَّ مرة، وطَلَبَ البركة في كل كَرَّة(106).
القول الثالث: أن من طاف داخل الحِجْر وجعل بينه وبين البيت سبعة أذرع التي هي من البيت: صحَّ طوافه لكن مع الكراهة.
ومَن طاف داخل الحِجْر وبينه وبين البيت أقل من سبعة أذرع: لم يصح طوافه.
وبهذا قال جماعة من كباب الأئمة الفقهاء منهم: أبو محمد الجويني عبد الله بن يوسف (ت 438ه،)، وابنه إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله (ت 478هـ)، والبغوي الحسين بن مسعود (ت 516هـ) صاحب شرح السنة، وذكر الرافعي أن هذا القول هو المذهب الصحيح عند الشافعية.
وبه قال من المالكية الإمام اللخمي علي بن محمد (ت 478هـ)، وبه جزم الإمام الشيخ خليل الجَنَدي (ت 776هـ) في مختصره المشهور(107)، الذي صنَّفه لبيان ما عليه الفتوى، وكذلك نقلوا القول به عن تلميذه الإمام القاضي تاج الدين بَهرام بن عبد الله الدميري القاهري المالكي (ت 805هـ) في كتابه: (الشامل).
وعليه، فقد وافق هذا القولُ القولَ الأول في أن الطواف لا يصح داخل الحِجْر إذا كان بين الطائف والبيت أقل من سبعة أذرع، ووافق القول الثاني في صحة طواف من طاف داخل الحِجْر بعد السبعة أذرع، لكن مع الكراهة.
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب القول الأول على عدم صحة الطواف في الحِجْر بما يأتي:
1 – مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على الطواف من وراء الحِجْر(108)، وفِعْلُه هذا هو بيانٌ للأمر القرآني بالطواف حول البيت بقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:29]، فيلتحق به، فيكون فرضاً، فمن طاف من داخل الحِجْر: لم يطف بجميع البيت، فلم يصح طوافه، ولم يُعتدَّ به.
2 – قال رسول الله: (لتأخذوا عني مناسككم)(109)، وفي رواية(110): (خذوا عني مناسككم)، وقد كان طواف من وراء الحِجْر، والأمر للوجوب، ولا صارف إلى الندب، (لأن الأصل في أفعاله صلى الله عليه وسلم الوجوب إلا إذا دلَّ دليل على الندب)(111).
3 – عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الجَدْر، أمن البيت هو؟ قال: نعم(112)، والجَدْر: هو الحِجْر.
وفي رواية: قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: (صلِّ في الحِجْر فإنه من الكعبة – أو من البيت-)(113).
وقد أمر الله تعالى بالطواف بالبيت، وبيَّن صلى الله عليه وسلم أن الحِجْر من البيت، فكان من الطواف بالبيت: الطواف من وراء الحِجْر، فمن طاف من داخل الحِجْر، لم يكن طائفاً بالبيت، فلم يصح طوافه.
وعلى القول بأن هناك روايات صحيحة حدّدت الحِجْر بأدق من رواية عائشة رضي الله عنها، وأن الذي هو من البيت ستة أذرع أو سبعة أذرع، والباقي ليس من البيت، فإنه إذا طاف الطائف في شيء من الحِجْر ولو بعد السبعة أذرع، فإنه يكون في شك من أدار الواجب: فلا يصح(114).
4 – إن الطواف من وراء الحِجْر هو (ما جرى عليه عمل الخلفاء الراشدين أيضاً، وغيرهم من الصحابة فمَن بعدهم رضي الله عنهم أجمعين)(115)، (فإطباق هؤلاء على الطواف من خارج الحِجْر أدل دليل على وجوب ذلك، وإلا لَفَعَله أحدٌ منهم، سيما المعذورون)(116).
أدلة القول الثاني:
استدل أصحاب القول الثاني على ما ذهبوا إليه من القول بوجوب الطواف من خلف الحِجْر الذي هو من البيت أي السبعة أذرع، لا بفرضية ذلك:
إن كون الحِجْر هو جزء من البيت قد ثبت بخبر الواحد، أي بدليل ظني، والأدلة الظنية يثبت بها الوجوب لا الفرضية، ولذا كان الطواف من خلف الحِجْر الذي هو من البيت واضحاً، لا فرضاً، فمن طاف في الحِجْر وكان بينه وبين البيت دون السبعة أذرع: صحَّ طوافه، ووجب عليه الدم؛ لتركه الواجب.
وأما من طاف داخل الحِجْر بعد السبعة أذرع، فقد طاف بالبيت، فصح طوافه، ولا شيء عليه، لأن ما بعد السبعة أذرع ليس من البيت.
أدلة القول الثالث:
استدل أصحاب القول الثالث على ما ذهبوا إليه من القول بصحة طواف من طاف وراء السبعة أذرع لكن مع الكراهة، ومن طاف قبلها لا يصح بما يأتي:
أما الشطر الأول: وهو الصحة مع الكراهة، فيدل عليه أدلة أصحاب القول الثاني القائلين بصحة طواف من طاف وراء السبعة أذرع.
وأما الشطر الثاني، وهو عدم صحة طواف من طاف قبل السبعة أذرع، فيدل عليه أدلة أصحاب القول الأول القائلين بعدم صحة طواف من طاف داخل الحِجْر، لأن السبعة أذرع من البيت، والمأمور به هو الطواف بالبيت، لا من داخله.
مناقشة أدلة القول الأول:
1 – أُجيب عن استدلالهم بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وطوافه من وراء الحِجْر، بأن الأفعال الصادرة من النبي صلى الله عليه وسلم لا تخلو من أمرين:
أحدهما: أن يكون فعلها مطلوباً على سبيل الوجوب، والإخلالُ بشيءٍ منها مبطل للحج. والآخر: أن يكون فعلها مطلوباً ولكن بعضها يُطلب وجوباً، وبعضها يُطلب ندباً، وتمييز الواجب من المندوب يكون بدليل خارج خاص:
والأول: لا سبيل له، والثاني: حق.
وإذا تقرَّر ذلك، فطواف النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الحِجْر لا يكون دليلاً على وجوب الطواف – هكذا -، لما وقع من التزام أن بعض أفعاله صلى الله عليه وسلم في الحج واجب، وبعضَها ليس بواجب، ولا يمكن أن يقوم دليل على وجوب الطواف خارج الحِجْر إذا قُطع النظر عن الاستدلال بطواف النبي صلى الله عليه وسلم هكذا، إذا أن يكون حديث السيدة عائشة رضي الله عنها: (الحِجْر من البيت)(117).
وفي الاستدلال به نظر، لما تقدم بيانه من أنه مطلَقٌ حُمِل على الروايات المقيِّدة، التي بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم فيها مقدار ما في الحِجْر من البيت، كما سبق بيانه، وأنه ستة أذرع أو سبعة.
فبان بهذا الانفصال عن استدلال النووي على وجوب الطواف من خارج الحِجْر بطواف النبي صلى الله عليه وسلم هكذا، لعدم نهوض الدلالة من فعله صلى الله عليه وسلم(118).
2 – جواب آخر: عن استدلالهم بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وطوافه من وراء الحِجْر:
يحتمل – والله أعلم – أن يكون طواف النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الحِجْر، لحسم مادة فسادٍ قد يقع في طواف كثير من الطائفين، وذلك أن البيت من جهة الحِجْر لم يكن على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام، لتَرْك قريش جانباً من البيت في الحِجْر، والواجب على الطائف الخروجُ عنه، فلو طاف النبيُّ صلى الله عليه وسلم في الحِجْر خارجاً عما فيه من البيت، لاقتدى به في ذلك مَن لا يَعرف مقدار ما في البيت من الحِجْر، فيفسُد عليه طوافه، لكونه طاف في البيت، ولم يطف به(119).
وعليه، فالأصل صحة الطواف في الحِجْر خارج السبعة أذرع، وإنما امتنع صلى الله عليه وسلم عن الطواف فيه لأمرٍ آخر.
مناقشة ثانية: عن استدلالهم بحديث: (الجَدْر من البيت)، وفي رواية: (الحِجْر من البيت).
يجاب عن هذا الاستدلال (بأن هذه اللفظة: الحِجْر، وهو اسم معرَّف بالألف واللام قد يقع على بعض الشيء، لا على كله، والنبي صلى الله عليه وسلم أراد بقوله: (الحِجْر من البيت)، أي بعض الحِجْر، لا كله(120).
وهكذا يتبين من خلال عرض أقوال الفقهاء وأدلتهم في هذه المسألة، أن الأَوْلى والاحتياط للطائف أن يطوف من وراء الحِجْر كله، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما جرى عليه العمل في السابق.
وأما لو حصل – على ندرته – طواف الطائف داخل الحِجْر سواء كان في السبعة الأذرع، أو فيما بعدها، فإن الصدر ينشرح للقول الثاني القائل بصحة الطواف مع وجوب الدم لمن طاف داخل السبعة أذرع، ومَن طاف بعدها فيصح طوافه، ولا شيء عليه، إلا الكراهة لمخالفته سنة وفعل النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
_____________________
(1) ينظر لهذه المعلومة بالتفصيل ما ذكرته في كتابي: فضل ماء زمزم ص50، وقد بينت ما ورد في ذلك من أحاديثه وآثار تبين بمجموعها تاريخ ماء زمزم.
(2) كما سيأتي تفصيل ذلك.
(3) ينظر أخبار مكة للأزرقي 1/32، 59، 207، صحيح مسلم 3/439، فتح الباري 5/438-443، شفاء الغرام للفاسي 1/124.
(4) ينظر فتح الباري 14/102، هداية الناسك ص 91، القاموس المحيط (حجر)، المصباح المنير (حجر).
(5) كما سمّي بذلك في رواية صحيح البخاري 3/439 (1584)، وهو بمعنى الجدار، أي الذي اقتطع من جهته الكعبة، وهو شمال الكعبة المشرفة.
(6) ينظر صحيح البخاري مع فتح الباري 7/201، فتح الباري 13/423، 7/165، شفاء الغرام 1/280.
(7) ينظر التاريخ القويم للكردي 3/110.
(8) الذراع يساوي: 46.2سم، كما حقق ذلك الدكتور محمد أحمد الخاروف في بحث له عن مقاييس الطول، وسجّل ذلك في تحقيقاته على رسالة الإمام ابن الرفعة (ت 710هـ): الإيضاح والتبيان لمعرفة المكيال والميزان ص77.
(9) وينظر لمقاسات الحِجْر القديمة أخبار مكة للأزرقي 1/320، وغيره.
(10) ينظر: الكعبة المعظمة والحرمان الشريفان عمارةً وتاريخاً، للدكتور عبيد الله كردي ص104.
(11) موطأ الإمام مالك 1/364 (105).
(12) الحج، باب نقض الكعبة وبنائها 2/971 (403).
(13) فتح الباري 3/443.
(14) صحيح البخاري 3/63 (1190)، صحيح مسلم 2/1012 (1394).
(15) سنن ابن ماجه 1/450 (1406)، قال البوصيري في الزوائد: (إسناد حديث جابر صحيح، ورجاله ثقات). اهـ، مسند أحمد 3/343، وينظر فتح الباري 3/67.
(16) قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 3/64: (والمراد بالمسجد الحرام جميع الحرم، ويؤيده ما رواه الطيالسي من طريق عطاء أنه قيل له: هذا الفضل في المسجد وحده أو في الحرم؟ قال: بل في الحرم، لأنه كله مسجد). اهـ.
(17) صحيح البخاري، الصلاة 1/559 (468)، 1/500، 578، 3/49، 3/463، 467، صحيح مسلم 2/966 (1329).
(18) صحيح البخاري 3/467 (4599).
(19) سنن النسائي 5/219 (2912)، سنن الترمذي 3/225 (786) وقال: حديث حسن صحيح.
(20) سنن البيهقي 5/158، وقال: تفرّد به عبد الله بن المؤمل، وليس بقوي. اهـ، صحيح ابن خزيمة 4/332 (3013)، المعجم الكبير للطبراني 11/177، 201، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 3/293: (رواه الطبراني في الكبير، والبزار بنحوه، وفيه عبد الله بن المؤمل، وثّقه ابن سعد وغيره، وفيه ضعف). اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في جزء زمزم ص264: (هو ممن يُعتبر حديثه، وإذا جاء الحديث الذي يرويه من غير طريقه: اعتضد بروايته، وصار حسناً على رأي الترمذي، ومن تابعه). اهـ.
وقد عزا هذا الحديث الطبري في القِرى ص494 بقوله: أخرجه تمام الرازي، وهو حديث حسن غريب من حديث عطاء بن أبي رباح). اهـ وينظر: الروض البسَّام بترتيب وتخريج فوائد تمام، لجاسم الدوسري 2/245 (641).
وتمام الرازي هو الإمام الحافظ تمّام بن محمد الرازي الدمشقي، ت 414هـ، ينظر تذكرة الحفاظ 3/1056، سير أعلام النبلاء 17/289.
وقد نقل كلام الطبري السابق الزبيديُّ في إتحاف السادة المتقين 4/409، دون الإشارة إلى قائله، وبدون تعقب، كما رمز له السيوطي بالحسن في الجامع الصغير (مع فيض القدير) 6/124، وذكره الدمياطي في المتجر الرابح ص305، وعزاه لصحيح ابن خزيمة.
ومما يشد من عضده أيضاً الآثار التي سأذكرها بعد هذا الحديث، وهكذا حتى مع القول بضعفه، فهو مما يُعمل به في فضائل الأعمال.
(21) عزاه الفاسي في شفاء الغرام 1/212 للفاكهي في أخبار مكة، وكذلك الصالحي في سبل الهدى والرشاد 1/171، ولم أجده في الفاكهي المطبوع، وذلك لأن المطبوع من الفاكهي إنما هو النصف الثاني منه، والنصف الأول مفقود، كما نبه إلى هذا محقق الفاكهي في المقدمة.
(22) عزاه الفاسي في شفاء الغرام 1/212 لأخبار مكة للفاكهي.
(23) أخبار مكة للأزرقي 1/318، 2/52-53، وذكره كلُّ مَن كَتَبَ عن مكة وكعبتها وحِجْرها وزمزمها.
(24) القِرى لقاصد أم القُرى للطبري ص351.
(25) المبسوط للسرخسي 2/79، بدائع الصنائع 1/121، الهداية مع البناية للعيني 3/330، فتح القدير لابن الهمام 2/110، حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح ص339، حاشية ابن عابدين (طبعة بولاق) 1/612، (طبعة البابي الحلبي) 2/254.
(26) الأم 198، روضة الطالبين 1/214، المجموع 3/194، إعلام الساجد للزركشي ص91، مغني المحتاج 1/144.
(27) فتح الباري 3/466. نقلاً عن ابن عبد الحكم، وقال ابن حجر: وصححه ابن عبد البر، وابن العربي.
(28) المبدع 1/398، الإنصاف 1/496.
(29) سنن الترمذي 3/224.
(30) المجموع 3/194، فتح الباري 3/466.
(31) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 1/229، شرح الخرشي مع حاشية العدوي 1/261، في حين أن القاضي عبد الوهاب البغدادي في الإشراف 1/271-272 قال: مذهب مالك أنها تكره وتجزئ، وقال أصبغ: لا تجزئه، وهو المشهور عند المحققين من أهل مذهبنا.
(32) المبدع لابن مفلح 1/398.
(33) كما في عارضة الأحوذي لابن العربي 4/103، وينظر حاشية الرهوني على الزرقاني 1/361، فتح الباري 3/466.
(34) المدونة 1/112، تهذيب المدونة للبراذعي 1/260، وينظر التمهيد لابن عبد البر 15/318، تفسير القرطبي 2/115، مواهب الجليل 1/510.
(35) الشرح الكبير 1/229 وغيره.
(36) الشرح الصغير 1/108 وغيره.
(37) كالقاضي تقي الدين الفاسي المالكي في شفاء الغرام 1/137، وجعل هذا القول هو المشهور من المذهب، لكن شرّاح خليل وأصحاب الحواشي على الشروح لم يوافقوه على ذلك، وأن المذهب غير هذا.
(38) 1/261.
(39) 1/229.
(40) ص87.
(41) المبدع 1/398، الإنصاف 1/496، الروض المربع ص 51، كشاف القناع 1/299، المنح الشافيات 1/198.
(42) فتح القدير لابن الهمام 2/110، تفسير القرطبي 2/114-115، فتح الباري 3/440، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص339.
(43) تفسير القرطبي 2/159.
(44) الإشراف للقاضي عبد الوهاب البغدادي المالكي 1/272.
(45) ينظر إعلام الساجد للزركشي ص101.
(46) صحيح البخاري 1/559 (468)، مع ضمِّ رواية أخرى للبخاري في الصحيح 1/500 (397). وينظر لبقية ألفاظ الحديث: صحيح البخاري 1/578 (504)، 3/49 (167)، 3/462، 3/467 (1599)، صحيح مسلم 2/966 (1329).
(47) كما قال الإمام الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/389، 392.
(48) ينظر التمهيد لابن عبد البر 15/320، سنن الترمذي 3/224، الإشراف للقاضي عبد الوهاب 1/272.
(49) فتح الباري 3/466.
(50) شرح مسلم للنووي 9/83.
(51) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/228.
(52) سنن أبي داود 2/525 (2028)، سنن النسائي 5/219 (2912)، سنن الترمذي 3/225 (876)، وقال: حسن صحيح، صحيح ابن خزيمة 4/335، مسند الإمام أحمد 1/215، سنن البيهقي 5/158.
(53) شرح معاني الآثار 1/393.
(54) صحيح البخاري 1/435 (335)، واللفظ له، صحيح مسلم 1/370 (521).
(55) ينظر الأم 1/99، المجموع للنووي 3/196، حاشية ابن حجر الهيتمي على مناسك النووي ص403، نقلاً عن البيهقي، المغني 1/721.
(56) أخبار مكة 1/241.
(57) الهداية مع فتح القدير 1/369.
(58) الشرح الكبير على مختصر خليل للدردير، مع حاشية الدسوقي 1/313، شرح الجلال المحلي على المنهاج للنووي، مع حاشية قليوبي 1/210-212، كشاف القناع 1/415.
(59) شرح المحلي على المنهاج للنووي، مع حاشية قليوبي 1/210-212، كشاف القناع 1/415.
(60) ينظر الإشراف للقاضي عبد الوهاب 1/272، المغني لابن قدامة 1/721، فتح الباري 3/466، المبدع 1/398، تحفة الراكع والساجد للجراعي الحنبلي ص104، المنح الشافيات 1/199.
(61) بدائع الصنائع 1/121 وهو ينقل أدلة المالكية، ولم يصرّح بمصدرهم.
(62) صحيح البخاري 1/501 (398)، صحيح مسلم 2/968 (1330).
(63) ينظر تفسير القرطبي 2/116، الاختيارات لابن تيمية ص45، حاشية العاصمي على الروض المربع 1/544.
(64) المتقدم ذكره في أدلة القول الأول.
(65) ينظر بداية المجتهد 1/113، الموسوعة الفقهية الكويتية 34/262.
(66) سنن الترمذي 2/177-178 (346-347)، وقال: (إسناده ليس بذاك القوي، وقد تُكلِّم في زيد بن جَبيرة من قِبَل حفظه) اهـ، سنن ابن ماجه 1/246 (746)، شرح معاني الآثار 1/383، سنن البيهقي 2/329 وضعَّفه، وكذلك ضعفه النووي في المجموع 3/162، 198، وابن أبي حاتم في العلل، كما في نصب الراية 2/323-324 (3271)، وينظر الدراية لابن حجر 1/246، لكن صححه ابن السكن وإمام الحرمين، كما في التلخيص الحبير 1/215، وصححه من المعاصرين الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على سنن الترمذي 2/180.
(67) منار السبيل شرح الدليل لابن ضويان 1/77.
(68) المبسوط 2/79، وهو يستدل لقول المالكية.
(69) حاشية العاصمي على الروض المربع 1/544.
(70) شرح معاني الآثار 1/393، وينظر الأم 1/99، البناية للعيني 3/334.
(71) المحلى 4/80، وينظر التمهيد 15/316-320.
(72) شرح معاني الآثار 1/389.
(73) شرح السنة 2/334.
(74) أعلام الحديث 1/380.
(75) أي الخطابي.
(76) شرح صحيح مسلم 9/87، وينظر المجموع 3/191.
(77) ينظر صحيح ابن خزيمة 4/330، التمهيد 15/316، القِرى للطبري ص501، شرح مسلم للنووي 9/82، فتح الباري 3/468-469، عمدة القاري 9/244.
(78) مراقي الفلاح مع حاشية الطحطاوي ص339، وينظر الهداية مع فتح القدير 2/111.
(79) المبسوط للسرخسي 2/279.
(80) البناية 3/334.
(81) شرح معاني الآثار للطحاوي 1/398.
(82) المغني 2/476.
(83) ينظر حاشية ابن حجر الهيتمي على مناسك النووي ص402.
(84) ينظر المصباح المنير (نفل)، الموسوعة الفقهية الكويتية 12/146، وفيها تحقيق لهذه المسألة، وذكر لمصادر المذاهب الأربعة.
(85) تقدم ذكر مصادر الحنفية عند ذكر قولهم في مسألة حكم صلاة الفريضة، وكذلك مصادر الشافعية والمالكية والحنابلة.
(86) أنبه هنا أنه ذُكرت رواية غير مصحَّحة عن الإمام أحمد بعدم صحة النفل في الكعبة المشرفة، ينظر الإنصاف 1/479، تحفة الراكع والساجد للجراعي ص104.
(87) تقدم ذكر مصادر المالكية عند ذكر قولهم في مسألة حكم صلاة الفريضة.
(88) توضيح المناسك ص87.
(89) صحيح البخاري 3/439 (1583)، صحيح مسلم 2/973 (405).
(90) ينظر فتح الباري 3/443-448.
(91) الهداية 1/140، فتح القدير 2/357، بدائع الصنائع 2/131، فتح باب العناية 1/468، حاشية ابن عابدين 2/496، 1/427.
(92) مواهب الجليل 1/511-512، 3/74، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/228-229، الشرح الصغير للدردير مع حاشية الصاوي 1/108، شرح الزرقاني على خليل 2/191.
(93) المجموع للنووي 3/193، نهاية المحتاج 1/418، شرح المحلي على المنهاج مع حاشيتي قليوبي وعميرة 1/135.
(94) المراد بالوجه عند الشافعية: ما يستخرجه أصحاب الإمام الشافعي غالباً من كلام الشافعي وقواعده وضوابطه، وقد تكون الأوجه باجتهاد منهم من غير ملاحظة كلامه، ينظر شرح الجلال المحلي على المنهاج 1/13.
(95) كشاف القناع 1/300، الإنصاف للمرداوي 2/8، مطالب أولي النهى 1/375، المبدع 1/399.
(96) تنظر مصادر الحنابلة في الحاشية السابقة، وكذلك مصادر المذاهب الأخرى في الصفحة السابقة.
(97) يراجع.
(98) مسألة إفادة خبر الآحاد – المتفق على إخراجه في الصحيحين – الظنَّ أو القطع، أو العمل أو العلم: مسألة اجتهادية مختلف فيها بين علماء أصول الفقه على قولين. ينظر لها البحر المحيط للزركشي 4/246، النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر العسقلاني 1/371-379، فتح القدير لابن الهمام 1/388.
(99) ينظر البحر المحيط للزركشي 4/246.
(100) المعونة 1/572، المنتقى للباجي 2/283، مواهب الجليل 3/70-75، الشرح الكبير على خليل للدردير 2/32، شرح الخرشي على خليل 2/314، شرح الزرقاني على الموطأ 2/206.
(101) المجموع للنووي 8/60، روضة الطالبين 3/80، مناسك النووي مع حاشية ابن حجر ص231، صلة الناسك لابن الصلاة ص109، القِرى لقاصد أم القرى ص266، هداية السالك لابن جماعة 2/785، نهاية المحتاج 4/273، مغني المحتاج 1/486.
(102) المغني لابن قدامة 3/397، الفروع 3/499، الروض المربع ص163، كشاف القناع 2/485، تحفة الراكع والساجد للجراعي ص42.
(103) تبيين الحقائق 2/16، بدائع الصنائع 2/131، فتح القدير 2/355، الهداية 1/140، مناسك ملا علي القاري ص 104، فتح باب العناية 1/468، حاشية ابن عابدين 2/495 (ط البابي).
(104) ينظر المسالك في المناسك للكرماني 1/444.
(105) فتح القدير 2/355.
(106) ينظر مناسك ملا علي القاري ص104.
(107) مختصر خليل مع شرح الدردير 2/31، وتنظر مصادر المذاهب الفقهية الأربعة السابقة الذكر في أول هذه المسألة، وينظر أيضاً شفاء الغرام للفاسي 2/284.
(108) صحيح مسلم 2/886 (1218)، وفيه حديث جابر بن عبد الله الأنصاري الطويل.
(109) صحيح مسلم 2/943 (1297).
(110) ينظر التلخيص الحبير 2/244.
(111) حاشية ابن حجر الهيتمي على مناسك النووي ص233.
(112) صحيح البخاري 3/439 (1584).
(113) سنن أبي داود 2/525 (2028)، سنن النسائي 5/219 (2912)، سنن الترمذي 3/225 (876)، وقال: حديث حسن صحيح.
(114) ينظر هداية السالك لابن جماعة 2/786 نقلاً عن ابن الصلاح في صلة الناسك ص109، كما ينظر المعونة للقاضي عبد الوهاب 1/272.
(115) مناسك النووي ص231.
(116) حاشية ابن حجر الهيتمي على مناسك النووي ص233.
(117) تقدم.
(118) ينظر شفاء الغرام للفاسي 1/283، وشرح الزرقاني على الموطأ 2/206.
(119) ينظر فتح الباري 3/447-448، شفاء الغرام 1/284.
(120) ينظر كلام ابن خزيمة في صحيحه 3/222، والقِرى للطبري ص266.