اشتراط أن يطعم السابق أصحابه
20 محرم 1437
د.عبدالله آل سيف

صورة المسألة:
أن يتسابق اثنان على عوض ويتفقا على شرط: أن يطعم السابق العوض أصحابه أو غيرهم ، فهل يصح أو لا؟ محل خلاف بين العلماء.

اختيار ابن تيمية:
اختار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - جواز ذلك ، خلافاً للمشهور من مذهب الحنابلة [1].

أقوال العلماء في المسألة:
القول الأول:
يفسد الشرط والعقد.

وهذا مذهب الشافعي [2]، وأحد الوجهين عند الحنابلة [3].

القول الثاني:
يفسد الشرط دون العقد.

وهو وجه ثانٍ عند الحنابلة [4]، ونسب للحنفية [5].

القول الثالث:
يصح العقد والشرط.

وهو مذهب المالكية [6]، وقياس مذهب الحنفية [7]، واختيار ابن تيمية.

أدلة القول الأول:
1- قالوا: لأنه تمليك بشرط يمنع كمال التصرف، فصار كما لو باعه شيئاً بشرط أن لا يبيعه [8].

ونوقش:
أ‌- أن ذلك يلزم منه منع المحلل على مذهبكم، وأنتم لا تسلمون بذلك.
ب‌- لا نسلم منع هذا الشرط في البيع، بل هو جائز.

2- قالوا: يفسد العقد؛ لأنه بذل العوض لهذا الغرض، فإذا لم يحصل له غرضه لا يلزمه العوض [9].

أدلة القول الثاني:
1- قالوا: شرط ينافي مقتضى العقد فيبطل الشرط دون العقد، إذ لا مفسد للعقد.

2- أنه عوض على عمل، فلا يستحقه غير العامل، كالعوض في رد الآبق [10].

3- قالوا: ولا يفسد لأنه عقد لا تقف صحته على تسمية بدل، فلم يفسد بالشرط الفاسد كالنكاح [11].

4- أنه عقد صحيح تم بأركانه وشروطه، فإذا أسقطنا الشرط الفاسد بقي العقد صحيحاً [12].

أدلة القول الثالث:
1- أنه مما يعين على الرمي، وما كان كذلك جاز [13].

2- أنه تبرع به بطيب نفس منه، ولم يجبره أحد على ذلك، وكان بوسعه ترك العقد، وما كان برضا فيجوز.

3- أنه موافق لمقصود الشارع في الرمي ونحوه من تشجيع الراميين، والحضور على هذه الأعمال ومكافأة الجميع.

4- أن الأصل في الشروط الصحة ما لم يرد دليل على البطلان.

الترجيح:
والراجح - والله أعلم - هو القول الثالث:
1- لقوة أدلته وظهورها.
2- ضعف أدلة المخالفين.
3- موافقته لمقصود الشارع في مشروعية السبق.
4- موافقته للأصل والقاعدة في الشروط والعقود من أن الأصل فيها الصحة والإباحة ، ولزوم الوفاء بها. والله أعلم.

-------------
[1] انظر: الفروع: (4/ 463)، الاختيارات: (160)، الإنصاف: (6/ 94)، المبدع: (5/ 128-129)، المستدرك: (4/ 58)، حاشية ابن قاسم: (5/ 355).
[2] انظر: الأم: (8/ 395)، تحفة المحتاج: (9/ 401)، نهاية المحتاج: (8/ 167)، أسنى المطالب: (4/ 231)، مغني المحتاج: (4/ 397)، تحفة الحبيب: (2/ 351).
[3] انظر: الفروع: (4/ 463)، المبدع: (5/ 128-129).
[4] انظر: الفروع: (4/ 463)، المبدع: (5/ 128-129).
[5] وممن نسبه لهم: ابن قدامة وابن القيم، ولم أعثر عليه في كتبهم بعد البحث الطويل. انظر: المغني: (8/ 410)، الفروسية: (379)، وقياس مذهبهم كما سيأتي خلاف ذلك.
[6] انظر: أحكام القرآن لابن العربي: (3/ 40)، البروق: (3/ 3)، حاشية الخرشي: (3/ 55)، الفواكه الدواني: (2/ 350)، حاشية الصاوي: (2/ 325)، منح الجليل: (3/ 236)، حاشية الدسوقي: (2/ 209)، التاج والإكليل: (4/ 609).
[7] إذ الضابط عندهم: أن ما شابه القمار حرم ، وما خرج عن شبه القمار فالقياس جوازه . انظر: تبيين الحقائق: (6/ 227)، البحر الرائق: (6/ 554)، حاشية ابن عابدين: (6/ 805).
[8] انظر: مغني المحتاج: (4/ 397)، تحفة الحبيب: (2/ 351).
[9] انظر: المغني: (13/ 410)، المبدع: (5/ 128-129).
[10] انظر: المغني: (13/ 410).
[11] انظر: المغني: (13/ 410).
[12] انظر: المغني: (13/ 410).
[13] انظر: الاختيارات: (160)، الفروع: (4/ 463)، الإنصاف: (6/ 94).