تشجيرُ المقابر
21 جمادى الثانية 1437
عبد الرحمن الشثري

تشجير المقابر لا يجوز، (وفيه تشبُّه بعمل النصارى الذين يُجمِّلون مقابرهم، أشبه ما تكون بالحدائق، فيجبُ إزالتها، وإزالة صنابير الماء التي وُضعت لسقيها)(1).
قال الشيخ علي محفوظ الحنفي رحمه الله: (لا يجوز بناء الحيشان، والمساكن، واتخاذ البساتين، وإجراء المياه في المقابر، وكلُّ ذلك بدعٌ سيئةٌ، واغتصابٌ لحقوق المسلمين، وفيه من المفاسد ما لا يغيب عن بصير)(2).
وصدرَ قرار هيئة كبار العلماء رقم 49 تاريخ 20/8/1396 بالإجماع بتحريم تشجير المقابر، وهذا نصُّه: (نظراً إلى أنَّ المقابر محل للاعتبار والاتعاظ وتذكُّر الآخرة، كما في صحيح مسلم 976 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «زار النبيُّ صلى الله عليه وسلم قبرَ أُمِّه، فبكى، وأبكى مَن حوله، وقال: استأذنتُ ربِّي أن أستغفرَ لأُمِّي فلم يُؤذن لي، واستأذنته في أن أزورَ قبرَها فأذنَ لي، فزوروا القبور فإنها تذكِّركُم بالموت».
وحيث إنَّ تجميلها بفرش الأشجار، وتبليط الممرات، وإنارتها بالكهرباء، وغير ذلك من أنواع التجميل، لا يتفق مع الحكمة الشرعية في زيارة القبور، وتذكُّر الآخرة بها، حيث إنَّ تجميل المقابر بما ذُكرَ يَصرفُ عن الاتعاظ والاعتبار، ويُقوِّي جوانب الاغترار بالحياة ونسيان الآخرة، فضلاً عمَّا في ذلك من تحذير النبيِّ صلى الله عليه وسلم من إنارة القبور، ولعنه فاعل ذلك، فقد وَرَدَ عنه صلى الله عليه وسلم: «أنه لَعَنَ زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسُّرج».
ولِما فيه من مشابهة أهل الكتاب من اليهود والنصارى في تشجير مقابرهم وتزيينها، وقد نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن التشبُّه بهم، ولِما في ذلك من تعريض القبور للامتهان بابتذالها، والمشي عليها، والجلوس فوقها، ونحو ذلك مما لا يتَّفق مع حُرمة الأموات، وعليه فإنَّ المجلس يُقرِّر بالإجماع: تحريم التعرُّض للمقابر، لا بتشجيرها، ولا بإنارتها، ولا بأيِّ شيءٍ من أنواع التجميل، للإبقاء على ما كان عليه السلف الصالح، ولتكون المقابر مصدر عظة وعبرة وادِّكار)(3).
تشجيرُ المقابر من الخارج:
قال شيخنا عبد الرحمن البراك حفظه الله: (وتشجير المقابر من الخارج حيلةٌ مذمومةٌ لتشجيرها من الداخل، وهنا معنى آخر: وهو إزالة الوحشة والهيبة عمَّن يمرُّ بالشوارع التي تُحيط بالمقبرة، لأنها إذا غُطِّيت بالأشجار من لا يعرف أنها مقبرة لا يسترعي انتباهه، بخلاف إذا كانت بسورها العادي).
إحاطة أسوار المقابر بالحدائق والملاهي:
تقوم بعض البلديات بإحاطة أسوار بعض المقابر من الخارج بالحدائق من جوانبها كلها أو بعضه، وقد تشتمل بعض هذه الحدائق على بعض الألعاب والملاهي، وهذا من التشبُّه بأفعال اليهود والنصارى، وأيضاً: مما يُذهبُ التذكُّر والاعتبار عند المرور بتلك المقابر.
قال الشيخ علي محفوظ الحنفي رحمه الله: (من المفاسد اتخاذ الملاهي والملاعب عند المقابر، وكذا كثرة المزاح والضحك وإنشاد القصائد، يَقَعُ هذا في موطن الخشوع والاعتبار، وما هو جديرٌ بالحزن والخشية)(4).
إحاطة أسوار المقابر بالمحلاَّت التجارية:
من الخطأ أيضاً: ما تقوم به بعض البلديات من إحاطة أسوار بعض المقابر بالأسواق والمحلات التجارية ملاصقة لسور المقبرة، وتأجيرها، فيحصل الصخب، والبيع، والشراء، وارتفاع الأصوات، والتدخين، واختلاط الرِّجال بالنساء، وبيع بعض المحرَّمات، بجانب المقابر، كالتدخين، والصور، حتى إن الناظر لا يعلمُ أن جدار هذه المحلات الخلفي هو سور المقبرة، فتزداد قسوة القلوب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.
وإنَّ في مشاهدة المقابر لعبرةً لمن اعتبرَ، وفكرةً لمن تفكَّر، والله المستعان.
اللهم أعذنا ووالدينا وأهلينا وجميع المسلمين من مُحدَثات الأمور، ومن الغفلة وأسبابها، آمين، وصلى الله وسلم على نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد وآله وصحبه.
وكتبه
عبدالرحمن الشثري
الثلاثاء 21 جمادى الأولى 1437
----------
( 1 ) مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله 3/200 رقم 914 .
( 2 ) الإبداع في مضار الابتداع ص181 للشيخ علي بن محفوظ الحنفي المصري رحمه الله
( 3 ) توضيح الأحكام 3/246 للشيخ عبد الله البسام رحمه الله.
( 4 ) الإبداع ص174.