زكاة الراتب الشهري
18 رمضان 1437
د. عبدالله بن منصور الغفيلي

زكاة الراتب الشهري
يطلق الراتب الشهري(1) ويراد به: الأجر الذي يتقاضاه الأجير الخاص(2) مقابل عمله كل شهر.(3) فهو مال مستفاد من جنس نصاب عنده وليس من نمائه، وقد تقدم بيان خلاف العلماء في ابتداء حوله، وهل يستأنف له حول جديد؟
أم يضم إلى حول النصاب عنده؟
ورجحنا استئناف حول جديد(4)، وينسحب هذا الخلاف والترجيح على زكاة الراتب الشهري لكونه مالاً مستفاداً من هذا النوع، فيحسب حولاً لكل راتب من حين تملكه، ويزكيه إن بلغ نصاباً، إلا أنه لما كان ضبط ذلك مما يشق؛ لتكرر الراتب كل شهر مع اختلاط أموال الرواتب وغيرها ببعضها؛ لذلك فإنه يشرع للمكلف تحديد يوم في السنة لزكاة رواتب السنة كلها؛ فينظر ما لديه من نصـــاب ويزكيه، فما كان منه قد حال عليه الحول فقد وجبت زكـــاته، وما لم يحل حوله فإن زكـــاته تكون زكاة معجلة(5)، وبذلك أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، حيث جاء في الفتوى ما يلي:
(من ملك نصابًا من النقود ثم ملك تباعًا نقودًا أخرى في أوقات مختلفة وكانت غير متولدة من الأولى ولا ناشئة عنها، بل كانت مستقلة كالذي يوفره الموظف شهريًا من مرتبه، وكأرث أو هبة أو أجور عقار مثلًا، فإن كان حريصًا على الاستقصاء في حقه حريصًا على أن لا يدفع من الصدقة لمستحقيها إلا ما وجب لهم في ماله من الزكاة فعليه أن يجعل لنفسه جدول حساب لكسبه، يخص فيه كل مبلغ من أمثال هذه المبالغ بحول يبدأ من يوم ملكه ويخرج زكاة كل مبلغ لحاله كلما مضى عليه حول من تاريخ امتلاكه إياه.
وإن أراد الراحة وسلك طريق السماحة وطابت نفسه أن يؤثر جانب الفقراء وغيرهم من مصارف الزكاة على جانب نفسه؛ زكى جميع ما يملكه من النقود حينما يحول الحول على أول نصاب ملكه منها، وهذا أعظم لأجره وأرفع لدرجته، وأوفر لراحته وأرعى لحقوق الفقراء والمساكين وسائر مصارف الزكاة وما زاد فيما أخرجه عما تم حوله يعتبر زكاة معجلة عما لم يتم حوله.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم).(6)
وهذا القول هو الموافق للقواعد الشرعية لاسيما مع مشقة إخراج الزكاة للرواتب الشهرية باحتساب حول لكل راتب، فالمشقة تجلب التيسير(7)، كما أن به يتحقق المزكي من زكاة ماله؛ لأن ما لم يوجد من ماله عند الوقت المعين لإخراج الزكاة لا تشرع زكاته لأنه لم يحل عليه الحول وهو نصاب، فيكون مما لم يتحقق سبب وجوبه وهو ملك النصاب.
------ .
( ) وجه كون هذه المسألة من النوازل اعتماد كثير من الناس في العصر الحاضر على الرواتب الشهرية في مواردهم المالية، وهذا مالم يكن في القديم حيث كان الناس يعتمدون على التجارة أو على القيام بأعمال محددة وأخذ الأجر عليها، فيؤخذ الأجر على العمل لا على المدة.
(2) وهو الأجير الذي يقع العقد عليه في مدة معلومة, فيستحق المستأجر نفعه في جميعها, وسمي خاصا؛ لاختصاص المستأجر بنفعه في تلك المدة دون سائر الناس. وهذا ينطبق على موظفي الدولة والشركات والمؤسسات الأهلية حيث تختص تلك الدولة بعمل موظفيها في مدة معينة من اليوم والسنة، يتقاضونها على إثر ذلك راتبا شهريا، ينظر المغرب(479 )، والمغني 8/106.
(3)ينظر المبحث السابق.
(4)ينظر ص من هذا البحث.
(5)وذلك إذا وجد سبب وجوبه وهو النصاب الكامل، وقد اختلفوا في تعجيل الزكاة عندئذ على قولين:
القول الأول: جواز تعجيلها، وهو قول الجهور من الحنفية والشافعية والحنابلة.
والقول الثاني: عدم جواز تعجيلها، وهو قول المالكية.
واستدل الأولون:
1- بما روى علي { أن العباس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل , فرخص له في ذلك، وفي لفظ: في تعجيل الزكاة فرخص له في ذلك}( رواه أبو داود كتاب الزكاة باب تعجيل الزكاة برقم: (1623). وأخرجه الحاكم في مستدركه كتاب معرفة الصحابة رضي الله تعالى عنهم باب ذكر إسلام عباس رضي الله عنه.... برقم: (5431)، (3/375) وصححه الذهبي في تعليقه). وقال يعقوب بن شيبة: هو أثبتها إسناداً .
2- ولأنه تعجيل لمال وجد سبب وجوبه قبل وجوبه , فجاز كتعجيل قضاء الدين قبل حلول أجله , وأداء كفارة اليمين بعد الحلف وقبل الحنث , وكفارة القتل بعد الجرح قبل الزهوق .
واستدل المالكية:
1-بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: { أنه قال: لا تؤدى زكاة قبل حلول الحول}.
ويناقش:
بأن الحديث لم يثبت بهذا اللفظ، وإنما ثبت بلفظ: {ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول} (حديث {ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول} رواه أبو داود، كتاب الزكاة، باب السائمة في الزكاة، برقم: (1573). وأحمد (1/148) قال ابن حجر في التلخيص برقم: (821)، (2ج/156ص): حديث علي لا بأس بإسناده والآثار تعضده فيصلح للحجة. والله أعلم).
وهو لا يمنع من تقديم الزكاة وإنما يمنع من إيجابها قبل حولها.
2- وأن الحول أحد شرطي الزكاة , فلم يجز تقديم الزكاة عليه كالنصاب ,ونوقش: بالفرق بين تقديمها على النصاب وعلى الحول، لأن تقديمها على النصاب تقديم لها على سببها , فأشبه تقديم الكفارة على اليمين , وكفارة القتل على الجرح , ولأنه قد قدمها على الشرطين , وهاهنا قدمها على أحدهما.
3- وأن للزكاة وقتا , فلم يجز تقديمها عليه , كالصلاة. ونوقش: بأن الوقت إذا دخل في الشيء رفقا بالإنسان , كان له أن يعجله ويترك الإرفاق بنفسه كالدين المؤجل , وكمن أدى زكاة مال غائب , وإن لم يكن على يقين من وجوبها , ومن الجائز أن يكون المال تالفا في ذلك الوقت , وأما الصلاة والصيام فتعبد محض, والتوقيت فيهما غير معقول, فيجب أن يقتصر عليه.
ويترجــح القول الأول لقوة دليله وتعليله، مع إمكان الإجابة عن القول الثاني.
ينظر في المسألة: المبسوط2/176، بدائع الصنائع2/50، المدونة1/335، بداية المجتهد1/200، تحفة المحتاج3/353، أسنى المطالب1/361، المغني4/79، الفروع2/571، التلخيص الحبير2/156.
(6) الفتوى رقم (282) من مجموع فتاوى اللجنة الدائمة 9/280.
(7)ينظر الأشباه والنظائرص82.