توكيل الجمعيات الخيرية و المراكز الإسلامية لإخراجها. تقدم حكاية الاتفاق على مشروعية التوكيل في إخراج الزكاة (1)، وقد استدل الفقهاء على ذلك بأدلة منها:
1- أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبعث عمَّاله لجباية الزكاة من أصحاب الأموال ثم تفريقها على مستحقيها، كما في حديث معاذ رضي الله عنه عندما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، ومما جاء فيه:(فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم)(2).
وجه الدلالة: أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أَمَرَ معاذاً بأن يخبرهم بأن عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم نيابةً عنهم، وهذا يدل على جواز النيابة في تفريق الزكاة، وإذا جازت النيابة بغير طلب من المنوب عنه جازت الوكالة من باب أولى.(3)
2 ـ أن الزكاة عبادة مالية محضة، فيجوز للمالِك أن يوكِّل غيره في إخراجها، كما يجوز له أن يوكل في قضاء ما عليه من الدَّيْن والنذر والكفارة(4).
3 ـ أن الحاجة قد تدعو إلى الوكالة لتعذر قيام المالك بإخراج الزكاة في بعض الأحوال.(5) إذا تقرر هذا فإن التوكيل يكون لأصناف منها الجمعيات الخيرية في بلاد المسلمين، ولها حالتان:
الحالة الأولى: أن تكون نائبة عن المزكي، وذلك هو الغالب في الجهات الخيرية التي لم تكلف من قبل الدولة بجمع الزكاة وتوزيعها؛ ويتحقق التوكيل بدفع المزكي الزكاة للجمعية لتوزيعها على الفقراء، أو بأن يدفع لها المبلغ النقدي لتقوم هي بشراء زكاة الفطر وتوزيعها، فيكون المزكي في تلك الحالة معينا بخلاف الفقير فهو غير معين، مما يمتنع معه التوكيل منه.(6)
الحالة الثانية: أن تكون نائبة عن المزكي والفقير معا، وذلك إذا كانت جهة الزكاة حكومية أو مكلفة من الدولة بجمع الزكاة وتوزيعها، فتكون وكيلة عن الغني لكونه دفع الزكاة لها، وطلب منها توزيعها على المستحقين، وتكون نائبة عن الفقير لكونها مكلفة من الإمام وهو نائب عن الفقراء(7) .
وبناء على ما تقدم فإنه يجوز في الحالة الأولى تقديم زكاة الفطر قبل العيد ولو بمدة طويلة من المزكي إلى الوكيل لأنه ليس إخراجا، وإنما الإخراج هو بإقباض الجمعية للفقير. وأما تأخير إخراجها عن يوم العيد فلا يجوز؛ لأن قبض الجمعية لها قبض للوكيل من الموكل، فهي لم تصل بعد للفقير. وأما المراكز الإسلامية في البلاد غير الإسلامية فيظهر لي إلحاقها بالحالة الثانية فتكون نائبة عن الإمام في القيام بجمع الزكاة وتفريقها على مستحقيها؛ لعدم وجود إمام للمسلمين في بلاد الكفار، والإمام نائب عن الفقراء، مع كونها نائبة عن المزكي أيضا كما تقدم.(8)
---------.
(1)ينظر ص314 من هذا بحث نوازل الزكاة للباحث، وقد نص فقهاء الشافعية والحنابلة على استحباب تولي المزكي إخراج زكاته بنفسه. ينظر المجموع6/104، الإنصاف مع الشرح الكبير7/152.
(2) رواه البخاري.
(3)ينظر: النيابة في العبادات (121).
(4) المجموع: 6/138، كشاف القناع2/88.
(5)المرجع السابق.
(6) وبذلك صدرت فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية برقم 13231 ونصها: " يجب على الجمعية صرف زكاة الفطر للمستحقين لها قبل صلاة العيد، ولا يجوز تأخيرها عن ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأدائها للفقراء قبل صلاة العيد، والجمعية بمثابة الوكيل عن المزكي وليس للجمعية أن تقبض من زكاة الفطر إلا بقدر ما تستطيع صرفه للفقراء قبل صلاة العيد، ولا يجوز إخراج زكاة الفطر نقودًا؛ لأن الأدلة الشرعية قد دلت على وجوب إخراجها طعامًا، ولا يجوز العدول عن الأدلة الشرعية لقول أحد من الناس، وإذا دفع أهل الزكاة إلى الجمعية نقودًا لتشتري بها طعامًا للفقراء وجب عليها تنفيذ ذلك قبل صلاة العيد، ولم يجز لها إخراج النقود".أ.هـ فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء9/377. وانظر: بحث العاملين عليها للدكتور عمر الأشقر ضمن أبحاث وأعمال الندوة الرابعة لقضايا الزكاة المعاصرة(87).وزكاة الفطر أحكامها ونوازلها المستجدة للدكتور الشريف (266)، ضمن بحوث فقهية معاصرة.
(7) ينظر: الممتع شرح زاد المستقنع 6/ 175، وقد قال فيه الشيخ محمد العثيمين: "يجوز دفع زكاة الفطر لجمعيات البر المصرح بها من الدولة، وهي نائبة عن الدولة، والدولة نائبة عن الفقراء، فإذا وصلتهم الفطرة في وقتها أجزأت ولو لم تصرف للفقراء إلا بعد العيد؛ لأنهم قد يرون المصلحة في تأخير صرفها".وإن كان كلامه- رحمه الله- قد يشمل جميع الجمعيات الخيرية، وهذا لا يتفق مع الحالة الأولى، فليس مجرد الإذن كافيا في النيابة عن الدولة، وإنما التكليف بالقيام بجمع الزكاة وتفريقها، وانظر مناقشة: الدكتور عيس زكي ص239، ومناقشة: حمد المنياوي ص245، ومناقشة الدكتور محمدالأشقر247من أبحاث وأعمال الندوة السادسة لقضايا الزكاة المعاصرة.
(8)ينظر: استثمار أموال الزكاة للفوزان(111).