حكم احتساب الضريبة من الزكاة
29 شوال 1437
د. عبدالله بن منصور الغفيلي

حكم احتساب الضريبة من الزكاة

وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف الضرائب وبيان أوجه الاتفاق، والاختلاف بينها وبين الزكاة.
المطلب الثاني: حكم احتساب الضريبة من الزكاة.

*******

المطلب الأول: تعريف الضرائب وبيان أوجه الاتفاق والاختلاف بينها وبين الزكاة.

المسألة الأولى: تعريف الضرائب(1)

تطلق الضريبة في الاصطلاح الفقهي على أنواع منها(2):
1-    ضريبة الجزية.(3)
2-    ضريبة الخراج.(4)
3-    ضريبة عشور التجارة.(5)
4-    ضريبة المكوس.(6) وغيرها من الأنواع.

 

وليس المقصود هنا بيان هذه الأنواع(7)؛ وإنما المراد بيان الضرائب في الاصطلاح المالي المعاصر، وقد ذكروا لها عدة تعريفات، فمنها:

1-المقدار من المال الذي تلزم الدولة الأشخاص بدفعه من أجل تغطية النفقات العامة لها دون أن يقابل ذلك نفع معين لكل ممول بعينه.(8)

 

2-فريضة إلزامية وليست عقابية، يلزم الأفراد على أساسها بتحويل بعض الموارد الخاصة بهم للدولة بدون مقابل؛ لتحقيق ما تسعى إليه الدولة من أهداف طبقاً لقواعد محددة.(9)

 

ويلحظ على التعريفين: تخصيص دفع الضريبة بالأفراد، بينما هي مما يلزم بها الأفراد والشركات ونحوها، كما أنها لم تنص على أن تلك الضرائب هي دفعات نقدية.

 

فلذا يمكن أن نعرف الضرائب بأنها:
المقدار النقدي الذي يلزم الأفراد والشركات بدفعه للدولة وفق قواعد محددة، للمساهمة بتغطية النفقات العامة للدولة وتحقيق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية ونحوها، دون نفع معين لكل ممول بعينه.

 

ويتبين بذلك أن أبرز خصائص الضرائب مايلي:
 1-أن الذي يقوم بتحصيلها جهة عامة.
2-أن هذا التحصيل جبري.
3-أن ذلك يكون وفقا لأنظمة وقوانين محددة.
4-أن الغرض الأساس منها تغطية نفقات الدولة.(10)

 

المسألة الثانية: أوجه الاتفاق والاختلاف بين الضريبة والزكاة

وفيه فرعان:

الفرع الأول: أوجه الاتفاق بين الضريبة والزكاة.

تتفق الضريبة مع الزكاة في بعض الأوجه، إلا أن هذا الاتفاق ليس في كل الأوصاف، وإنما في بعضها، كما سيبين هذا في أوجه الاختلاف –إن شاء الله-، فأما أوجه الاتفاق فيمكن أن نعد منها ما يلي:

1.    الإلزام بالدفع في الضريبة والزكاة.

 

2.    دفع المال في الضريبة إلى الجهة العامة؛ وهي الدولة، وكذا الزكاة فيما يجبيه السعاة منها؛ فإنه يدفع للجهة العامة، وماعدا ذلك فيمكن دفعه للأفراد.

 

3.    انعدام المنفعة المادية المعينة المقابلة لدفع الضريبة والزكاة؛ فمنفعة دفع الضريبة تكمن في الإسهام في المصالح العامة للدولة، ومنفعة دفع الزكاة هي في الأجر الأخروي لدافعها.

 

4.    تحقيق أهداف اجتماعية واقتصادية في كل من الضريبة والزكاة، مع التفاوت بينهما في ذلك، فما تحققه الزكاة أعظم أثرا مما تحققه الضريبة، لكون مصارف الزكاة هي مصارف متنوعة نص عليها الشارع الحكيم.(11)

 

الفرع الثاني: أوجه الاختلاف بين الضريبة والزكاة

تختلف الضرائب عن الزكاة من أوجه كثيرة، من أهمها:

1.    الضريبة من وضع البشر، بخلاف الزكاة فهي من تشريع العليم الحكيم.

 

2.    الضريبة فريضة مالية، بينما الزكاة عبادة مالية مفروضة.

 

3.    الضريبة تجبى من قبل الدولة فقط، بخلاف الزكاة فمنها ماتجبيه الدولة، ومنها ما يدفعه الأفراد من قبل أنفسهم في المصارف الشرعية.

 

4.    عقوبة الممتنع من دفع الضريبة هي عقوبة دنيوية فقط، بخلاف الزكاة فعقوبتها لاتختص بالعقوبة الدنيوية بل تتجاوزها إلى العقوبة الأخروية.

 

5.    تخضع الضريبة من حيث وعائها الضريبي، ونصابها، والمقدار واجب الدفع إلى اجتهاد البشر من حكام ومسؤولين، فهي معرضة للتغيير زيادة ونقصا بحسب تغير حاجات الدولة، ونفقاتها العامة، ومواردها المالية، بخلاف الزكاة التي عين الشارع الحكيم وعائها فنص على أموال تجب فيها الزكاة، واستثنى أموالا من ذلك، كما عين النصاب الذي تجب عنده الزكاة، والمقدار الذي يجب إخراجه في كل جنس من الأموال الزكوية، وتلك شرائع سماوية ثابتة لا تقبل التغيير والتبديل.

 

6.     الضريبة فريضة مالية قابل للإثبات والإلغاء، بخلاف الزكاة فمن صفتها الثبات والدوام، فلا يجوز إلغاؤها، أو استبدالها بغيرها من الفرائض المالية البشرية.

 

7.     الضريبة واجبة في الأموال النامية وغير النامية، بخلاف الزكاة فإنما تجب في الأموال النامية دون غيرها من أموال القنية والاستهلاك.

 

8.    الضريبة تؤخذ من عموم المقيمين في الدولة؛ الأغنياء والفقراء، بينما الزكاة تجب على الأغنياء دون الفقراء. الضريبة تصرف في نفقات الدولة العامة ومتطلباتها، بخلاف الزكاة فإنها تصرف في مصارفها الثمانية المنصوص عليها في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60].

 

9.    الضريبة تختص بالدفع النقدي بخلاف الزكاة فمنها الأعيان كما في زكاة الخارج من الأرض وبهيمة الأنعام، ومنها النقود كما في زكاة النقدين، وعروض التجارة.

 

ومما تقدم يتبين الفرق الشاسع بين الضريبة والزكاة من أوجه كثيرة تقضي باختلافهما في الأحكام.(12)

 

المطلب الثاني: حكم احتساب الضريبة من الزكاة

تبين مما تقدم أن الضريبة فريضة مالية ملزمة من الدولة لجميع القاطنين فيها، سواء كانوا من أهلها أو من الواردين للإقامة فيها، مسلمين كانوا أو كفارا(13)، إلا أن المسلم يتوجب عليه شرعاً دفع فريضة الزكاة أيضاً، وهو الأمر الذي تسبب في إثارة هذه المسألة، لاسيما مع انتشار الضرائب في بلاد الإسلام وتقنينها، (14)مع أن بعض العلماء المتقدمين قد تكلموا عن هذه المسألة لوجود الضرائب بمسمياتها المختلفة في زمانهم، وقد نقل لنا فيها قولان:

القول الأول: جواز احتساب الضريبة من الزكاة، وهو رواية عن أحمد(15)، واختاره النووي فيما يأخذه السلطان على أنه بدل من الزكاة(16)، وهو قول لشــيخ الإسلام ابن تيمية (17).

 

القول الثاني: عدم جواز احتساب الضريبة من الزكاة، وهو قول جمهور أهل العلم، (18) واختاره شيخ الإسلام في الرواية الثانية عنه.(19) وهـو ما عليـه عامة الفقهاء المعاصرين، (20) وقد أفتت به الندوة الرابعة لقضايا الزكاة المعاصرة.(21)

 

أدلة القولين:

أدلة القول الأول:
لم أقف لهذا القول على دليل صريح، إلا ما يمكن أن يلتمس له من التعليل:
1-بالتيسير على الناس، ودفع المشقة عنهم، وذلك إذا كانت الضرائب ظالمة.(22)
2-فأما إن كانت الضرائب مما يراعى فيها العدل، فيعلل لها إضافة إلى ما سبق تحقيق الضريبة العادلة لمقصد الزكاة من سد خلة الفقراء واستصلاح حالهم.(23)

 

ويجاب عن ذلك: بأن الزكاة عبادة مفروضة لها أركانها وشروطها، فلا يقوم غيرها مقامها بقصد التيسير، وإنما التيسير فيما تحتمله النصوص لا فيما ينافرها، وما أخذ من المال ظلما من مالكه؛ فإنه يرجى له الأجر عليه، وأن يخلفه الله له، كما أن هذا القدر يخصم من الوعاء الزكوي الذي تجب فيه الزكاة، وهو نوع من التيسير.

 

وأما التعليل بأن الضرائب إذا كانت عادلة فإنها تحتسب من الزكاة لتحقيقها لمقصد الزكاة من سد خلة الفقراء، فإنه لا يسلم لما تقدم بيانه من اختصاص الزكاة بشرائط وأركان لا تجتمع مع الضريبة بحال، مع اختلاف النية في كل منهما، وعدم صرف الضريبة كلها في مصارف الزكاة، فأما إن صرفت في مصارف الزكاة، ونواها الدافع زكاة فإن لاحتسابها عندئذ وجها سيأتي بيانه –إن شاء الله-.(24)

 

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: أن الزكاة عبادة يشترط فيها نية التقرب إلى الله، وذلك متعذر في الضريبة.(25)
ويناقش: بأنه يمكن لدافع الضريبة أن ينوي عند دفعها التقرب إلى الله، لاسيما إن كانت تصرف في مصارف الزكاة، فإن لم تكن كذلك فإن النية لا تكفي في تحويل الفريضة المالية إلى عبادة شرعية مع اختلاف الحقيقة.

 

الدليل الثاني: أن الضريبة تؤخذ من الناس بغير اسم الزكاة؛ فلا يشرع عندئذ لدافعها احتسابها من الزكاة.(26)
ويناقش: بأن أخذها بغير اسم الزكاة يكون مؤثرا إذا لم تصرف في مصارف الزكاة، وهو الغالب، فإن صرفت في مصارفها فلا أثر لأخذها مع اختلاف المسمى.

 

الدليل الثالث: اختلاف الزكاة عن الضريبة من وجوه كثيرة كمصدر التشريع وسبب الإيجاب وأهداف كل منهما، ومصارفهما، وثبوت الزكاة في كل زمان ومكان، بخلاف الضريبة التي يرتبط ثبوتها وعدمه باجتهاد الحاكم في الحاجة إليها من عدم ذلك(27).

 

الترجيــح:

يترجح القول بعدم مشروعية احتساب الضرائب المعاصرة من الزكاة، وإنما تخصم الضريبة من الوعاء الزكوي بعد استحقاقها، مع عدم جواز تأخير الزكاة لأجل ذلك، ويتأيد هذا الترجيح بما يلي:

1-    أن الزكاة عبادة مفروضة، لها صفات وشروط تختلف كثيراً عن صفات الضرائب وشروطها، مما يمتنع معه إعطاء الضريبة حكم الزكاة.

 

2-    أن الضرائب – قديما وحديثا-لا تصرف في مصارف الزكاة، بل تصرف في نفقات الدولة ومتطلباتها، هذا إن سلمت من الظلم والجور.

 

3-    أننا لو سلمنا بإنفاق الضرائب على الفقراء في زمان أو مكان معين، فإن احتساب الضرائب من الزكاة عندئذ مؤداه انحسارها عن مصارفها الأخرى، وهذا ما لا يتفق مع الأدلة والمقاصد الشرعية القاضية بصرف الزكاة في مصارفها المنصوصة ما أمكن؛ لما في ذلك من منافع عظيمة للإسلام والمسلمين، بل ربما أدى ذلك إلى انحسار الزكاة برمتها كما هو الحال في كثير من بلاد الإسلام التي زاحمت الضريبة فيها الزكاة.

 

4-    أن المسلم مأجور على ما يصيبه من مشقة إثر اجتماع الضريبة مع الزكاة، إن هو احتسب ذلك عند الله، كما أن المال لا تنقصه الزكاة والصدقة، بل تطهره ويبارك فيه.(28)

 

_________________________

(1) الضريبة لغة: مأخوذة من الضرب وهو أصل يطلق على معان منها الإلزام، وإيقاع شيئ على شيئ، ، قال ابن فارس: " الضاد والراء والباء أصل واحد ثم يستعار ويحمل عليه، من ذلك ضربت ضربا إذا أوقعت بغيرك ضربا ويستعار منه ويشبه به الضرب في الأرض تجارة وغيرها من السفر قال الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} [النساء:101] ويقولون إن الإسراع إلى السير أيضا ضرب"، وقال: "الضريبة ما يضرب على الإنسان من جزية وغيرها، والقياس واحد كأنه قد ضرب به ضربا".ا.هـ معجم مقاييس اللغة 3/398، وقال الفيروز أبادي: الضريبة: الطبيعة والسيف وحده كالمضرب والمضربة، وتكسر راؤهما، والقطعة من القطن والرجل المضروب بالسيف، وواد يدفع في ذات عرق وواحدة الضرائب التي تؤخذ في الجزية ونحوها وغلة العبد.ا.هـ القاموس المحيط 1/138، وانظر لسان العرب1/543.قال شيخ الإسلام: "وكذلك لفظ الضريبة لما يضرب على الناس فهذه الألفاظ كلها ليس لها حد في اللغة ولكن يرجع إلى عادات الناس" مجموع الفتاوى19/253.
(2)ينظر الزكاة والضرائب في الفقه الإسلامي للدكتور محمد شبير 2/601، ضمن أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة له وآخرين.
(3)يراد بها: المال الذي يأخذه المسلمون كل عام من الكفار على وجه الصغار مع التزام المسلمين بتأمينهم وترك مقاتلتهم. ينظر الأحكام السلطانية(180) أحكام أهل الذمة 1 / 119، المصباح المنير(100).
(4)يراد به: المال الذي يأخذه المسلمون على رقاب الأرض المفتوحة عنوة من أصحابها.ينظرالأموال1/94، الأحكام السلطانية(138) وقد ذكر الماوري فيه الفروق بين الخراج والجزية، فلتراجع (181)، المصباح المنير(142).
(5)يراد بها: المال الذي يفرضه الإمام على التجار غير المسلمين في أموالهم التي ينتقلون بها في بلاد المسلمين. ينظر الخراج لأبي يوسف (134).
وتجتمع الجزية والخراج والعشور في أن لها أصلا في الشريعة، وفي كونها تؤخذ من غير المسلمين، ويكون مقدارها بحسب ما يراه حاكم المسلمين
ينظر المراجع السابقة، والزكاة والضرائب في الفقه الإسلامي للدكتور محمد شبير 2/607.
(6) قال ابن الأثير: المكس هو الضريبة التي يأخذها الماكس وهو العشار"ينظر النهاية، وقال في المصباح المنير(577): ما يأخذه أعوان السلطان ونحوه ظلما عند البيع والشراء".وهذا النوع من الضرائب المحرمة لما فيه من أكل لأموال الناس بغير حق، لذا فقد أورده الفقهاء على سبيل الذم، ينظر مثـلا: فتح القدير3/299، الفواكه الدواني 2/296، مغني المحتاج3/497، كشاف القناع4/76.   
(7)وذلك لكونها تؤخذ من غير المسلمين، فلا يرد عندئذ المقصود من البحث وهو حكم احتسابها من الزكاة؛ لأن الزكاة إنما تؤخذ من المسلم، كما أن المقام يختص ببحث النوازل، وهي هنا الضريبة في الاصطلاح المالي المعاصر.   
(8)الزكاة والضريبة للدكتور عبدالستار أبوغدة ضمن أبحاث الندوة الرابعة ص400.    
(9)المحاسبة الضريبية والزكاة الشرعية ص17.   
(10) ينظر الضرائب بين الفقه والنظام(28)، وسيأتي مزيد بيان لما تختص به الضرائب في المسألة التالية.
(11)ينظر فقه الزكاة2/1053.
(12) ينظر فقه الزكاة 2/1045، والزكاة والضريبة في الفقه الإسلامي2/630من أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة.   
(13) وقد اختلفت آراء العلماء المتقدمين والمعاصرين في حكم الضرائب، إلا أن أكثر خلافهم هو من اختلاف التنوع لا التضاد، إذ أكثرهم متفقون على جواز الضرائب عند الحاجة إليها، مع مراعاة العدل في تطبيقها، قـــال ابن حزم4/725: " فرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك، إن لم تقم الزكوات بهم، ولا في سائر أموال المسلمين" ثم ساق الأدلة على ذلك، وقال الجويني في الغياثي(74):
الإمام يكلف الأغنياء من بذل فضلات الأموال ماتحصل به الكفاية والغناء".
 وقال الغزالي في المستصفى1/ 177: أما إذا خلت الأيدي من الأموال ولم يكن من مال المصالح ما يفي بخراجات العسكر –إلى قوله-: فيجوز للإمام أن يوظف على الأغنياء مقدار كفاية الجند"وقد جاء نحو هذا التقرير عن غير واحد من الأئمة كالقرطبي والشاطبي والونشريسي وغيرهم.ينظر الجامع لأحكام القرآن 11/ 60، والاعتصام 2/ 121، والمعيار المعرب 11/ 127، وأما ما جاء من ذم للضرائب سواء بلفظها أو بلفظ المكوس فإن المراد بذلك غالبا ما كان منها جائرا، وهذا التقرير هو الذي تؤيده القواعد والمصالح المرعية، المستفادة من الأدلة الشرعية، فانظرها إن شئت في المحلى 4/725، والاعتصام 2/121حيث قرر الشاطبي جواز ذلك بقوله: "وإنما لم ينقل مثل هذا عن الأولين لاتساع مال بيت المال في زمانهم بخلاف زماننا فإن القضية فيه أحرى ووجه المصلحة هنا ظاهر فإنه لو لم يفعل الإمام ذلك النظام بطلب شوكة الإمام وصارت ديارنا عرضة لاستيلاء الكفار وإنما نظام ذلك كله شوكة الإمام بعدله ".وقد قرر ذلك أيضا جملة من المعاصرين منهم القرضاوي في كتابه فقه الزكاة فقد أطال فيه وأجاد2/1134، والزكاة والضريبة لعبد الستار أبوغدة ص410، ضمن أبحاث الندوة الرابعة لقضايا الزكاة المعاصرة، ولم أطل أكثر من ذلك في هذه المسألة؛ لكون حكم الضريبة من حيث الحل والحرمة لا يتأثر به حكم احتسابها من الزكاة؛ فالتحريم إنما يكون على فارض الضريبة لا دافعها، بينما البحث في حكم احتساب دافع الضريبة لذلك من الزكاة، كما أن بعض العلماء المتقدمين نص على جواز احتساب الخراج المأخوذ ظلما من الزكاة كما سيأتي، فالمأخوذ عدلا أولى.
 (14) وهو وجه كون المسألة من النوازل.
(15) ينظر مطالب أولي النهى2/133حيث جاء فيه: قال الإمام أحمد -رحمه الله- في أرض صلح يأخذ السلطان منها نصف الغلة: "ليس له ذلك؛ لأنه ظلم، قيل له: فيزكي المال عما بقي في يده؟ قال يجزئ ما أخذ السلطان عن الزكاة "قال في المطالب: يعني إذا نوى به المالك.2/133.وقد جاء في مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه برواية إسحاق بن منصور الكوسج -رحمهم الله- 1/278: قلت(القائل هو الراوي): ما يأخذه العشار يحتسب به من الزكاة؟قال: نعم، يحتسب به."وإن كان لفظ العشار يحتمل الساعي، كما يحتمل المكاس، فيؤيد الرواية السابقة.    
(16)قال-رحمه الله- في المجموع5/478: " اتفق الأصحاب على أن الخراج المأخوذ ظلما لا يقوم مقام العشر، فإن أخذه السلطان على أن يكون بدل العشر فهو كأخذ القيمة بالاجتهاد، وفي سقوط الفرض به خلاف سبق في آخر باب الخلطة الصحيح السقوط، وبه قطع المتولي وآخرون ".وقد يفهم من كلامه أن هذا قول في مذهب الشافعية، وهو ما نفاه الهيتمي-رحمه الله- في الزواجر عن اقتراف الكبائر1/353بقوله: " واعلم أن بعض فسقة التجار يظن أن ما يؤخذ من المكس يحسب عنه إذا نوى به الزكاة، وهذا ظن باطل لا مستند له في مذهب الشافعي؛ لأن الإمام لم ينصب المكاسين لقبض الزكاة ممن تجب عليه دون غيره، وإنما نصبهم لأخذ عشور أي مال وجدوه، قل أو كثر، وجبت فيه زكاة، أو لا، وزعم أنه إنما أمر بأخذ ذلك؛ ليصرفه على الجند في مصالح المسلمين لا يفيد فيما نحن فيه؛ لأنا لو سلمنا أن ذلك سائغ بشرطه وهو أن لا يكون في بيت المال شيء واضطر الإمام إلى الأخذ من مال الأغنياء، لكان أخذه غير مسقط للزكاة أيضا؛ لأنه لم يأخذه باسمها".
(17)حيث جاء عنه كما اختيارات البعلي(155): وما يأخذه الإمام باسم المكسجاز دفعه بنية الزكاة، وتسقط وإن لم تكن على صفتها".
(18)رد المحتار2/309، فتح العلي المالك1/139، المجموع5/478، الزواجر عن اقتراف الكبائر1/353.
(19)مجموع الفتاوى 25/93، حيث سئل –رحمه الله-: هل يجزئ الرجل عن زكاته ما يغرمه ولاة الأمور في الطرقات أم لا؟ فأجاب ما يأخذه ولاة الأمور بغير اسم الزكاة لا يعتد به من الزكاة".   
(20)ينظر فقه الزكاة 2 / 1178، والزكاة والضرائب في الفقه الإسلامي للبعلي ص 530، ضمن أبحاث الندوة الرابعة لقضايا الزكاة المعاصرة، وقد صدرت بذلك فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ونص المقصود منها: " لا يجوز أن تحتسب الضرائب التي يدفعها أصحاب الأموال على أموالهم من زكاة ما تجب فيه الزكاة منها، بل يجب أن يخرج الزكاة المفروضة ويصرفها في مصارفها الشرعية، التي نص عليها سبحانه وتعالى بقوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء...} الآية.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.".مجموع فتاوى اللجنة9/285.
(21)فتاوى وتوصيات ندوات قضايا الزكاة المعاصرة ص70.    
(22)ينظر فقه الزكاة 2/1175.    
(23)يفهم ذلك من كلام بعض المعاصرين كأبي زهرة في قوله: إن هذا الضرائب إلى الآن لم يخصص منها مقادير ذات قيمة للتكافل الاجتماعي، وإن المقصد الأصلي من الزكاة هو سد الخلل الاجتماعي، وهي مطلوبة قبل كل شيئ، وقد تغني عن بعض الضرائب، ولكن الضرائب القائمة لا يمكن أن تغني عنها؛ لأنها لم تسد إلى الآن حاجات الفقراء، ولابد أن تسد." تنظيم الإسلام والمجتمع ص165، نقلا من فقه الزكاة2/1180، وقد تعقبه الدكتور القرضاوي بعد ذلك بقوله: وفي هذا الجواب من شيخنا أبي زهرة تساهل ملحوظ؛ لأن مفهومه أن الضرائب إذا خصصت منها مقادير ذات قيمة للتكافل الاجتماعي، وسد حاجات الفقراء،؛ فإنها يمكن أن تغني عن الزكاة. مع أن الزكاة لا يسقطها شيئ، ولا يغني عنها شيئ قط، فهي فريضة فرضها الله، فلا يملك نسخها أو تجميدها العباد، ولابد أن تؤخذ باسمها ورسمها ومقاديرها وبشروطها، وتصرف في مصارفها التي عينها الله في كتابه.."
(24)ينظر الترجيح ص، وقد تقدمت الإجابة من أصحاب القول الثاني عن ذلك، كما قي الصفحة السابقة، وفي حاشية رقم(4) من كلام الدكتور القرضاوي ردا على الشيخ أبي زهرة.    
(25) ينظر فقه الزكاة 2/1056، والزكاة والضرائب في الفقه الإسلامي للبعلي ص 530، ضمن أبحاث الندوة الرابعة لقضايا الزكاة المعاصرة.
(26)مجموع الفتاوى 25/93 الزواجر عن اقتراف الكبائر1/353.
(27) ينظر فقه الزكاة 2/1054
(28) فقه الزكاة2/1181.