الحمد لله وبعد فإن عشر ذي الحجة أفضل أيام العام، ولذلك التفضيل أسبابه، ومنها:
1- أن الله تعالى أقسم بها، وما أقسم بها إلَّا لعظمتها، قال تعالى: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:1-2]، قال غير واحد من السلف والخلف: هي عشر ذي الحجة وهو قول جماهير المفسرين، واختاره ابن كثير ـ رحمه الله ـ(1).
2- أنها أفضل أيام الدنيا، كما جاء عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل أيام الدنيا العشر» يعني عشر ذي الحجة قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: «ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عُفِّر وجُهه بالتراب»، رواه البزار وغيره وحسنه الهيثمي والمنذري وصححه الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الجامع(2).
3- أن العمل الصالح فيها أحب إلى الله من غيرها من الأيام. قال صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام»ـ يعني عشر ذي الحجة ـ، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع منها بشيء» رواه البخاري(3)، والترمذي(4) واللفظ له.قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ: «والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة، لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره»ا.هـ.(5)
4- أن فيها الأمر بالذكر: قال الله: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} [الحج:27]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: «الأيام المعلومات أيام العشر، والأيام المعدودات أيام التشريق» رواه البخاري(6). والنبي صلى الله عليه وسلم أمر فيها بكثرة التحميد والتهليل والتكبير. كما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام أعظم عند الله ، ولا أحبُّ إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد» رواه أحمد(7).
5- أن فيها يوم عرفة. الذي يكثر فيه العتق من النار، وهو من أفضل أيام العشر، بل من أفضل أيام السنة، قال تعالى: {وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج:1-3]، قال صلى الله عليه وسلم: «اليوم الموعود يوم القيامة واليوم المشهود يوم عرفة» رواه الترمذي(8).
كما أن الله مَنَّ علينا فيه بكثرة عتقه سبحانه وتعالى كما جاء في صحيح مسلم(9) من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثمَّ يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟».
6- أن فيها يوم النحر وهو اليوم العاشر الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القرّ» رواه أبو داوود(10) وصححه الألباني ـ رحمه الله ـ.
ويوم القرّ: هو اليوم الحادي عشر أول أيام التشريق لأن الحجاج يقرون فيه بمنى.
قال ابن رجب ـ رحمه الله ـ في لطائف المعارف: «لما كان الله سبحانه وتعالى قد وضع في نفوس عباده المؤمنين حنينًا إلى مشاهدة بيته الحرام وجعل الأفئدة تهوي إليه، وليس كل أحد قادرًا على مشاهدته كل عام، فرض الله سبحانه وتعالى على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره، وجعل موسم العشر مشتركًا بين السائرين والقاعدين فمن عجز عن الحج في عام قدر ـ أي في العشر ـ على عمل يعمله في بيته فيكون أفضل من الجهاد الذي هو أفضل من الحج»(11).
وإذا علم ذلك فههنا مسألة أيهما أفضل: عشر ذي الحجة أم العشر الأواخر من رمضان؟
اختلف العلماء: هل الأفضل عشر ذي الحجة أم العشر الأواخر من رمضان؟ والراجح ما ذكره الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في زاد المعاد: «أن ليالي العشر الأخير من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة، وأيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام عشر رمضان وبهذا التفضيل يزول الاشتباه، ويدل عليه أن ليالي العشر من رمضان إنما فضلت باعتبار ليلة القدر وهي من الليالي، وعشر ذي الحجة إنما فضلت باعتبار أيامها إذ فيها يوم النحر ويوم عرفة ويوم التروية» ا.هـ.(12)
_________________________
(1) تفسير القرآن العظيم (8/390).
(2) صحيح الجامع الصغير وزيادته برقم (1133).
(3) رواه البخاري (969) باب: فضل العمل في أيام التشريق.
(4) رواه الترمذي (757) باب: ما جاء في العمل في أيام العشر.
(5) فتح الباري شرح صحيح البخاري، (3/585).
(6) فتح الباري شرح صحيح البخاري، (3/581) باب: فضل العمل في أيام التشريق.
(7) المسند (2/75)، وتحقيق الأروناؤوط (5446) و(6154).
(8) رواه الترمذي برقم (3339) من حديث أبي هريرة ت.
(9) رواه مسلم (1348) باب: فضل يوم عرفة.
(10) رواه أبو داوود (1765) من حديث عبد الله بن قرط ت.
(11)لطائف المعارف (ص:283).
(12) زاد المعاد في هدي خير العباد (1/57).