الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد.
فالأحاديث الواردة في النهي عن إمامة القوم وهم له كارهون مايلي:
- عن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة: من تقدم قومًا وهم له كارهون ورجل أتى الصلاة دبارًا والدبار أن يأتيها بعد أن تفوته. ورجل اعتبد محرره». رواه أبو داود وابن ماجه (1). وقال فيه: «يعني بعد ما يفوته الوقت».
- وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم العبد الآبق حتى يرجع وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط وإمام قوم وهم له كارهون». رواه الترمذي(2).
تحرير محل النزاع:
من أم قوماً وهم له كارهون؛ هذه الكراهة تؤثر فيما عدا صورتين.
الأولى: إذا كانت لأمر دنيوي فقد اتفق الفقهاء على أن الكراهة لا تؤثر إذا كانت من أجل خلاف دنيوي أو لكونه أحق منهم بالإمامة أو لكونه ذا دين وسنة فكل ذلك لا يؤثر في الحكم (3).
الثانية: كما اتفقوا على أنه إن إذا كرهه واحد أو اثنان أو ثلاثة فلا بأس أن يصلي بهم، حتى يكرهه أكثر القوم (4).
واختلفوا فيما إذا كان يكره بسبب فسق أو معنى مذموم شرعاً، وكان الكاره له كل القوم أو أكثرهم فما حكم إمامته على قولين.
القول الأول:
تحرم إمامة من يكرهه المأمومون وهذا قول الحنفية (5)، ومقتضى رأي ابن تيمية(6).، والشوكاني(7)
القول الثاني:
أن إمامته مكروهه وهو قول جمهور العلماء من الشافعية(8)، والحنابلة (9).
أدلة الأقوال ومناقشتها.
- استدل أصحاب القول بالأحاديث الواردة في المطلب الأول حديث ابن عمرو، وأبي أمامة، وابن عباس ودلالتها على النهي ظاهرة حيث أفادت أن الصلاة لا تقبل وأنها لا ترتفع ولا تقبل منهم وهذا لا يفيد إلا التحريم. (10)
أدلة القول الثاني:
استدلوا بالأدلة السابقة وقصروا الدلالة على الكراهة.
ولعل الصارف عندهم هو أن النهي ليس عائدا إلى ذات الصلاة بل لأمر آخر وهو الائتلاف والاتفاق الذي هو المقصود من الجماعة.
قال الشيخ ابن عثيمين: لكن ظاهر الحديث الكراهة مطلقا وهذا أصح، لأن الغرض من صلاة الجماعة هو الائتلاف والاجتماع وإذا كان هذا هو الغرض فمن المعلوم أنه لا ائتلاف ولا اجتماع إلى شخص مكروه عندهم. ا. هـ(11).
والراجح هو القول الأول لما يلي:
- لصحة أدلتهم وصراحتها.
- لأن الأصل في النهي التحريم وليس هناك صارف منه إلى الكراهة.
- لأن الاجتماع والتوافق مقصد هام في الشرع، بل إن المرء يتنازل إلى رأي مرجوح حفاظا على الرأي الائتلاف والاجتماع.
دلالة النهي عن إمامة القوم وهم له كارهون:
تقدم عرض الخلاف وأن النهي لا صارف له صحيح فيكون للتحريم على الراجح خلافا للجمهور.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه أبو داود في الصلاة باب الرجل يؤم القوم وله كارهون(593).وابن ماجه أبواب إقامة الصلاة باب من أم قوما وهم له كارهون(970). وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود، لكن الجملة الأولى منه صحيحة ثابتة لها شواهد كثيرة...ا.هـ.
(2) رواه الترمذي أبواب الصلاة باب ما جاء فيمن أم قوما وهم له كارهون(360) وقال:حسن غريب من هذا الوجه. وابن أبي شيبة (3/558)، والطبراني في الكبير (8/284ح8090، 8098)، والبغوي في شرح السنة (3/404) وقال النووي في الخلاصة (2/703): رواه الترمذي وقال: حسن. وضعفه البيهقي، والأرجح قول الترمذي.
وقد حسن الحديث الشيخ الألباني كما في غاية المرام (248)، ومن شواهد الحديث. حديث ابن عباس -رضي الله عنهما. رواه ابن ماجة (971).
قلت: وللحديث شواهد أخرى عن طلحة بن عبيد الله، وأنس بن مالك، وأبي سعيد الخدري وهذا الحديث -أي حديث ابن عباس- هو أصح ما ورد في الباب لذا كان الأولى بالمجد ابن تيمية أن يذكره. وهذه الأحاديث بمجموعها ترتقي إلى درجة الحسن لغيره.
(3) المجموع (4/155)المغني (2/32) فيض القدير (3/324).
(4) المراجع السابقة.
(5) نص ابن عابدين على أن الكراهة للتحريم رد المحتار على الدر المختار(1/559).
(6) الفتاوى الكبرى (1/127) و مجموع الفتاوى(23/373) حيث قال:فإنه يجب أن يولى عليهم هذا الإمام الذي يحبونه وليس لذلك الإمام الذي يكرهونه ا.هـ قلت: ومخالفة الواجب حرام.
(7) حيث قال في السيل الجرار(1/156): وظاهر الأحاديث الواردة في وعيد من أم قوما وهم له كارهون أن صلاته غير مقبولة.
(8) المجموع (4/155).
(9) المغني (2/32)، وينظر: فيض القدير (3/324).
(10) مجموع الفتاوى(23/373)، السيل الجرار(1/156)، (4/354).
(11) الشرح الممتع (4/354).