درس في تفسير أول سورة القدر وفضل ليلة القدر
26 رمضان 1438
عبد الله بن حميد

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد(*):

لقد قال الله سبحانه وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر:1-5].

 

المعنى أن الله سبحانه وتعالى أنزل القرآن في تلك الليلة، وقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} يعني القرآن، وليلة القدر خصها الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر وفي العشر الأواخر من هذا الشهر.

 

وقال بعض العلماء إنها لهذه الأمة، وأخبر الله سبحانه وتعالى أن العبادة في تلك الليلة خير من ألف شهر لم يكن فيها ليلة القدر، وألف الشهر يقابل ثلاثة وثمانين سنة وأربعة أشهر، وهذا خير كثير ونعم من الله عظيمة، هو أنك إذا عبدته وتقربت إليه وانطرحت بين يديه في تلك الليلة، فإن عبادة تلك الليلة خير من عبادة ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر، ألم يكن هذا خيراً عظيماً.

 

وهذه الليلة أعطيتها هذه الأمة على قول طائفة من أهل العلم، ولا سيما في هذه البقعة المباركة التي هي أشرف بقعة على وجه الأرض، وأمام بيت الله سبحانه وتعالى، الذي يؤمه المسلمون في أنحاء الدنيا في صلواتهم في اليوم والليلة خمس مرات، وهنا الصلاة بمئة ألف صلاة، وقد سأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر فقال: "التمسوها في العشر الأواخر من رمضان لسبع بقين"(1)، ولكن قول أكثر أهل العلم أنها ترجى ليلة سبع وعشرين قالت عائشة: "يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر فماذا أقول، قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني"(2).

 

هذا هو الدعاء الذي أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إليه عائشة وأنها تدعو بهذا الدعاء؛ لأنك أنت مذنب فينبغي أن تدخل على الله من باب الذل والافتقار ومطالعة عيبك فتسأله أن يعفو عنك بمعنى يغفر لك ذنوبك ويستر لك عيوبك، وكذلك سأل النبي صلى الله عليه وسلم لأناس من أصحابه رأوا في المنام ليلة القدر قال: "أرى رؤياكم قد تواطأت فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر من رمضان"(3)، وهذه الليلة هي ليلة عظيمة، يرجى فيها ليلة القدر، وإن كان الله سبحانه وتعالى أخفاها لئلا يتكلوا فيتعبدوا فيها دون غيرها، بل أخفاها عنهم من أجل أن يتعبدوا كثيراً، وأن يسألوا الله كثيراً، ويتحروها في تلك الليالي المفضلة، فينبغي للعبد أن يكثر من الدعاء، ويكثر من الصدقة، إذا كان لديه شيء من فضل المال، ويكثر من الاستغفار، والابتهال بين يدي الله في هذا المقام، وفي هذا المكان الشريف، فغداً كلٌّ منكم قريباً سيدير وجهه إلى بلاده، كل منكم ينتظر مجيء العيد، الذي هو الآن حل بساحتنا، وشهر رمضان قد أذن بالانصراف، وأذن بالوداع، فكل منكم قد أدار وجهه إلى بلده، يسأل الله أن يتقبل منه صيامه وقيامه، وأن يكثر من الدعاء بأن يتقبل منه شهر رمضان، وأن يختم هذه الليالي بخير ودعاء وابتهال بين يدي الله لعل الله أن يتقبل منه ولو ركعتين تكون سبباً لمغفرة ذنوبه وعتق رقبته من النار. والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

_______________________________

(*) مقال مستل من كتاب الفتاوى والدروس في المسجد الحرام. لسماحة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد.
(1)    أخرجه البخاري برقم (2021).
(2)    أخرجه أحمد برقم (26215)، والترمذي برقم (3513)، والنسائي في الكبرى برقم (7665)، وهو في عمل اليوم والليلة برقم (877)، وابن ماجه برقم (3850).
(3)    أخرجه البخاري برقم (2015)، ومسلم برقم (1165).