الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد(*):
فإذا أفطرت الحامل بسبب حملها، والمرضع بسبب إرضاعها لوليدها هل تقضيان ما أفطرتا؟ أم تفديان (فدية طعام مسكين)؟ أم الاثنين معاً (القضاء والإطعام)؟
للعلماء في هذه المسألة سبعةُ أقوال:
القول الأول: أنهما تقضيان وتطعمان وجوباً، إن خافتا على ولديهما، وإن خافتا على نفسيهما أو نفسيهما مع ولديهما تقضيان ولا تطعمان، وهذا مذهب الحنابلة ومشهور مذهب الشافعية وبه يقول سفيان ورواية عن مجاهد(1).
والقول الثاني: أنهما تقضيان فقط ولا إطعام عليهما، وهو مذهب الأحناف، جاء في المختار للموصلي: "والحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما أو نفسيهما أفطرتا وقضتا لا غير"(2)، وهو قول الأوزاعي وأبي عبيد وأبي ثور(3).
والقول الثالث: التفريق بين الحامل والمرضع، فالحامل تقضي ولا تطعم، والمرضع تقضي وتطعم، وهو مشهور مذهب المالكية. ففي المدونة: "أرأيت الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما فأفطرتا؟ قال: تطعم المرضع وتفطر وتقضي إن خافت على ولدها.. قال ابن القاسم: وقال مالك في الحامل: لا إطعام عليها ولكن إذا صحّت قويت قضت ما أفطرت، قلت: ما الفرق بين الحامل والمرضع؟ فقال: لأن الحامل هي مريضة، والمرضع ليس بمريضة" ا.هـ(4).
والقول الرابع: أن المرضع إذا خافت أفطرت وأطعمت، والحامل إذا خافت على نفسها أفطرت وقضت كالمريض، وهو مذهب الحسن البصري في رواية يونس بن عبيد(5).
والقول الخامس: أنهما إن أفطرتا فهما بالخيار، تفطران وتطعمان ولا تقضيان، وإن شاءتا قضتا ولا إطعام عليهما، وهو قولٌ لإسحاق(6).
والقول السادس: أنهما إن أفطرتا خوفاً على الجنين والرضيع؛ لا شيء عليهما، لا قضاء وإطعام، وهو مذهب ابن حزم الظاهري، قال رحمه الله في المحلى: "إن خافت المرضِع على المرضَع قلّة اللبن وضيعته لذلك ولم يكن له غيرها، أو لم يقبل ثدي غيرها، أو خافت الحامل على الجنين، أو عجز الشيخ عن الصوم لكبره؛ أفطروا ولا قضاء عليهم ولا إطعام" مستدلاً على عدم وجوب القضاء والإطعام بأن "إيجاب القضاء عليهما شرع لم يأذن الله تعالى به ولم يوجب الله تعالى القضاء إلا على المريض والمسافر والحائض والنفساء ومتعمد القيء فقط"(7).
والقول السابع: أن فرضهما الإطعام، ولا قضاء عليهما، وهو مذهب أجلاء الصحابة رضوان الله عليهم ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم وهو قول لمالك حكاه عنه ابن وهب، كما جاء في المدونة: "قال ابن وهب: وقد كان مالك يقول في الحامل: تفطر وتطعم، ويذكر أن ابن عمر رضي الله عنهما قاله(8)، ونسب هذا القول إلى الإمام الشافعي رحمهم الله في قولٍ له(9).
والراجح الصحيح هو ما اتفق عليه الصحابيان الجليلان ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم، ثم وافقهما عليه جلة من أئمة الفتوى من التابعين، منهم: سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، والقاسم بن محمد، وعطاء، ومجاهد، وطاووس، وعكرمة، وإبراهيم النخعي، والسدّي، وغيرهم(10).
وعليه: فالحامل والمرضع تفطران وتطعمان ولا قضاء عليهما، إن أفطرتا، وإنما عليهما فقط الإطعام، تطعم كل واحدة منهما عن كل يوم مسكيناً مداً من حنطة، ويجوز القيمة مكان العين على ما رأت كثير من المجامع الفقهية وهيئات الإفتاء في هذا العصر.
ويحسن أن نفصل بحسب أحوال الحوامل والمرضعات:
1 – من انقطع حملها بولد أو ولدين، يستحب لها قضاء ما أفطرته من رمضان سبب الحمل والرضاعة، والورع يقتضيها أن تصوم ما أفطرته لأن ما عليها مما لا يشق عليها، مع بقاء حكمها في الإطعام.
2 – من تتابع حملها وتوالى إرضاعها سنين عديدة، وتكاثرت عليها أيام رمضان مما أفطرتها، ثم انقطعت عن الحمل والولادة والرضاعة؛ فمن المستحب في حقها أن تكثر من نوافل الصوم وتطوعاته ما أمكن، رغبة في الطاعة وتعظيماً للشعيرة وتحصيلاً لفضل الصوم.
كل هذا مع أن فرضهما الإطعام ولا يلزمهما القضاء، بل عليهما فقط الإطعام لا القضاء.
وترجيح أن الذي عليهما الإطعام من غير قضاء: يظهر من عشرة وجوه شرعية ناصعة الدلالة على المطلوب:
الوجه الأول:
قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:184]. فجماهير العلماء على أن هذه الآية محكمة في الشيخ والعجوز والحامل والمرضع وغير منسوخة، وهو قول ابن عباس وابن عمر وعائشة ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير وعكرمة وجماعة من التابعين، وهي صريحة في أن حكم هؤلاء الأربعة؛ الفدية والإطعام لا القضاء، ومعنى {فِدْيَةٌ} يطيقونه بجهد ومشقة مضرّة أي يشق عليهم ويضر بهم، فجُعلت عليهم الفدية(11).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "هي (أي الآية) مثبتة للكبير والمرضع والحامل وعلى الذين يطيقون الصيام".
وقال سعيد بن المسيب رحمه الله عن معنى الآية: "هو الكبير الذي كان يصوم فكبر وعجز عنه، وهي الحامل التي ليس عليها الصيام، فعلى كل واحد منهما طعام مسكين، مدّ من حنطة لكل يوم حتى ينقضي رمضان".
وقال السدي رحمه الله: "أما الذي يطيقونه فالرجل كان يطيقه وقد صام قبل ذلك ثم يعرض له الوجع والعطش أو المرض الطويل، أو المرأة المرضع لا تستطيع أن تصوم، فإن أولئك عليهم مكان كل يوم إطعام مسكين"(12).
حتى من رأى أنها منسوخة، أثبت حكم الفدية بالإطعام دون القضاء للحامل والمرضع، مثل عكرمة وقتادة.
قال عكرمة رحمه الله: "كان الشيخ والعجوز لهما الرخصة أن يفطرا ويطعما بقوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} فكانت لهم الرخصة ثم نسخت بهذه الآية {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} فنسخت الرخصة عن الشيخ والعجوز إذا كانا يطيقان الصوم، وبقيت للحامل والمرضع أن يفطرا وتطعما.
وقال همام بن يحيى: "سمعت قتادة يقول في قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}: "كان فيها رخصة للشيخ الكبير، والعجوز الكبيرة وهما يطيقان الصوم أن يطعما مكان كل يوم مسكيناً، ويفطرا، ثم نسخ ذلك بالآية التي بعدها فقال: {شَهْرُ رَمَضَانَ} إلى قوله: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فنسختها هذه الآية فكان أهل العلم يرون ويرجون الرخصة قد ثبتت للشيخ الكبير، والعجوز الكبيرة، إذا لم يطيقا الصوم أن يفطرا عن كل يوم مسكيناً، وللحبلى إذا خشيت على ما في بطنها، وللمرضع إذا ما خشيت على ولدها"(13).
وحتى ما روي عن ابن عباس في نسخها فإنه أثبتها في الشيخ والعجوز والحامل والمرضع، قال رضي الله عنهما: "كان الشيخ الكبير، والعجوز الكبيرة، وهما يطيقان الصوم رخص لهما أن يفطرا إن شاءا، ويطعما لكل يوم مسكيناً، ثم نسخ ذلك بعد ذلك {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وثبت للشيخ الكبير، والعجوز الكبيرة إذا كانا لا يطيقان الصوم، وللحبلى والمرضع إذا خافتا" ا.هـ(14).
فعلى القول بإحكام الآية دخلت الحامل والمرضع، وعلى القول بالنسخ احتملتهما الآية، فترجّح أن حكمهما الإطعام لا القضاء.
بل إن مقصود كثير من السلف بالنسخ هو التخصيص كما يقول القرطبي رحمه الله في دعوى نسخ هذه الآية: "يحتمل أن يكون النسخ هناك بمعنى التخصيص، فكثيراً ما يطلق المتقدمون النسخ بمعناه"(15).
وما يزيد هذا الوجه نصاعة ونصاحة: أن تفسير ابن عباس لهذه الآية تفسير صحابي له تعلّق بسب النزول، ومعروف عند أهل الحديث وأهل علوم القرآن والتفسير أن تفسير الصحابي الذي له تعلق بسبب النزول له حكم الرفع(16).
حتى لو عارض تفسيره صحابي آخر؛ قُدِّم تفسيره على تفسير غيره، كما هو مقرر عند أهل العلم، قال الزركشي رحمه الله: "إن تعارضت أقوال جماعة من الصحابة، فإن أمكن الجمع فذاك، وإن تعذر؛ قُدِّم ابن عباس رضي الله عنهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بشّره بذلك حيث قال: (اللهم علمه التأويل)"(17).
الوجه الثاني:
أن حديث الحامل والمرضع يجعل حكمهما إذا أفطرتا الإطعام دون القضاء، فقد أخرج أهل السنن وغيرهم عن أنس بن مالك الكعبي رضي الله عنه أنه قال: "أغارت علينا خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يتغدَّى، فقال: "اُدْنُ فكل" فقلت: إني صائم فقال: "اُدْنُ أحدثك عن الصوم أو الصيام، إن الله تعالى وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة وعن الحامل أو المرضع الصوم أو الصيام"(18)، وفي رواية عند النسائي: "إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة والصيام، وعن الحامل والمُرضع"(19)، وفي رواية لأحمد وابن ماجة: "إن الله عز وجل وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن المسافر والحامل أو المرضع الصوم"(20).ووجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن الله تعالى أنه وضع عن المسافر أمرين هما الصوم وشطر الصلاة، وأنه وضع عن الحامل والمرضع الصوم، وعند التأمل والتدقيق نجد أنه صلى الله عليه وسلم عبّر بعبارة "وضع عن"، وعبارة وضع عن تعني الإسقاط بلا مطالبة بقضاء ولا إعادة:
فقول الناس: وضع عنه الدين: أسقطه عنه بلا مطالبة ولا إعادة..
وقول الله تعالى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف:157] أي أسقط وأبعد عنهم ذلك كله في دينه عليه الصلاة والسلام، فلا إصر ولا أغلال ولا مشقات ولا تكاليف ثقال، كلها قد رفعت وأسقطت في دينه الحنيف السمح السهل صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى: { وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ } [الشرح:2] أي حططنا عنك الذي سلف منك في الجاهلية على ما قال الحسن وقتادة والضحاك ومقاتل(21).
وقوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: "من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله"(22)، والإنظار تأجيل المطالبة، بينما الوضع عنه الإسقاط كلياً بلا مطالبة.
وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "إن الله وضع عن أمتي ما حدّثت به أنفسها، ما لم تعمله، أو تكلم به"(23)، ولهذا أورد البيهقي كلام الإمام الشافعي مستفيداً من هذا الحديث في باب من عقد النكاح مطلقاً لا شرط فيه، قال: "فالنكاح ثابت وإن كانت نيتهما أو نية أحدهما التحليل، قال الشافعي رحمه الله: لأن النية حديث النفس وقد وضع عن الناس ما حدثوا به أنفسهم"(24).
وكما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في سنن الدارمي أنه قال: "إن الله قد وضع عن الجاهلية ما عملوا فاستأنف عملك"(25)، مغرفة وحطّاً.
وفي صحيح البخاري أن كعب بن مالك تقاضى ابن أبي حدرد دَيْناً له عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته فخرج إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كشف سِجْف حجرته ونادى كعبَ بن مالك قال يا كعب قال لبيك يا رسول الله فأشار بيده أن ضع الشطر من ديْنك قال كعب قد فعلتُ يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قُم فاقْضِه"(26) أي الشطر الباقي.
وروي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يذهب إلى العوالي كل يوم سبت، فإذا وجد عبداً في عمل لا يطيقه وضع عنه منه(27) دونما مطالبة له بعد ذلك.
وفي خبر ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه أُتي بمجنونة قد زنت، وهي حُبلى، فأراد رجمها، فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "أما بلغك أن القلم قد وُضع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يعقل، وعن النائم حتى يستيقظ"(28).
ففي كل هذا أريد بعبارة "وضع عن" الإسقاط بلا مطالبة، فالمجنون لا يطالب بفعل واجب ولا بترك محرم، والصبي لا يؤاخذ ولا يطالب بشيء في الشرع وجوباً، إلا النائم يطالب بقضاء ما فاته بنومه، وذلك لخصوص النص الوارد في بعض الأمور كالصلاة، وقد جاء النص فيه باستثنائه بقوله صلى الله عليه وسلم: "من نام عن صلاة فليصلها إذا ذكرها"(29).
إذاً معنى "وضع عن" في استعمال الشرع الإسقاط بلا مطالبة ولا إعادة، وفي ضوء ذلك نقرأ الحديث فنجد النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الله تعالى وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، ولكن الصوم يطالب بقضائه بعد رجوعه من سفره، والذي وضعه عنه بالإسقاط دون مطالبة: شطر الصلاة، وكأن ذكر الصوم كان تبعاً لما وضع عنه؛ لأنه لا إسقاط فيه بل فيه المطالبة بالقضاء.
وحتى لو ذُكر أصالة فالإلحاق بالمسافر بدلالة الاقتران، وهي من أضعف الدلالات على الأحكام عند أهل الفقه والأصول.
وعليه يكون المراد: إلحاق الحامل والمرضع بالمسافر في إسقاط المطالبة بقضاء ما أفطرتاه من رمضان بسبب الحمل والرضاع، كما أسقطت المطالبة بشطر الصلاة عن المسافر بسبب السفر؛ لأن معنى "وضع عن" في استعمال الشرع هو الإسقاط عن المطالبة لا بقضاء ولا بإعادة إلا بدليل خاص، ولا دليل على ذلك.
الوجه الثالث:
أن الأصل في أحكام الصيام أنها مبنية على التيسير، وقد قال تعالى: { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185]، وأن القاعدة الشرعية (المشقة تجلب التيسير) فالتيسير يجلب عند المشقة، والمشقة حاصلة للحامل والمرضع فوق مشقة الصائمين وزيادة على حالهم، لأن الحمل ليس أياماً معدودات، ولا الرضاعة يوم واحد أو أياماً معدودة، ولا الحمل أو الرضاعة مرة أو مرتين في حياتها الزوجية، وعليه فالقول بالقضاء قضاء بالتعسير وإفتاء بإدخال المشقة والعسر، والله يريد اليسر ولا يريد العسر.
وهذا الأصل مما بنى عليه ابن عباس وأنس بن مالك وعطاء ومجاهد وطاووس وعكرمة أن كل من لم يطق الصوم إلا بجهد ومشقة مضرة به فله أن يفطر ويفتدي، وقد نقل عنهم ابن عبد البر أنهم قالوا: "كل من طاق الصوم فلا مشقة تضر به؛ فالصوم واجب عليه، وكل من لم يطق الصوم إلا بجهد ومشقة مضرة به؛ فله أن يفطر ويفتدي لقول الله عز وجل: { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185]، قالوا: وذلك في الشيخ الكبير، والعجوز، والحامل، والمرضع، الذين لا يطيقون الصيام، إلا بجهد ومشقة خوفاً على الولد، ذهب إلى هذا جماعة من العلماء منهم: أنس بن مالك، وابن عباس في رواية، وعطاء، ومجاهد، وطاووس، وعكرمة"(30).
الوجه الرابع:
أن المرأة إذا تزوجت وصارت تحمل وترضع، فالغالب فيها أنها لا تنقطع أبداً في حياتها عن أحد الحالين، فهي في كل أيام السنة إما مرضع وإما حامل، فمتى تقضي؟!!
فإنها إذا دخل عليها شهر رمضان وكانت حاملاً، يرخّص لها أن تفطر رمضان هذا العام، فإذ دخل رمضان من العامل المقبل كانت مرضعاً، فتفطر للرضاع، فيأتي رمضان الثالث وهي لا تزال مرضعاً فتفطر للرضاع، فإذا جاء رمضان من العام الرابع غالباً تكون حاملاً فتفطر للحمل، فإذا أتى رمضان الخامس والسادس كانت مرضعاً في الغالب فتفطر للرضاع، فإذا دخل رمضان من العام السابع كانت حاملاً فتفطر للحمل، فيأتي عليها رمضان من العام الثامن والتاسع وهي مرضع فتفطر فيهما للرضاع، وهكذا يدخل عليها رمضان ويقبل عليها الآخر وهي إما حامل وإما مرضع فتفطر، فلو كان القضاء واجباً عليها لزمها أن يكون عليها صيام سنة أو أقل أو أكثر؛ لأنها في الغالب تحمل وترضع عشر سنين، أو اثني عشر عاماً، أو خمسة عشر عاماً، وهذا في النساء الحوامل المراضع كثير، فهل يتصور أن تكون شريعتنا السمحة السهلة متشوفة إلى إلزامها بقضاء أربعمائة يوم أو ثلاثمائة يوم أو أكثر أو أقل بقليل؟!! لأنها تحمل تسعة أشهر وترضع عامين غالباً هذا بعيد في الشريعة بلا ريب.
وهذا هو الواقع، فكثير من الأمهات يسألننا يقلن: كيف نقضي ما علينا من صيام، حيث أفطرنا سنين عديدة وما تمكنّا من القضاء بسبب أننا أفطرنا على التوالي والتتابع إما بالحمل وإما بالرضاعة، فصار علينا صوم عشرة أشهر أو اثني عشر شهراً أو خمسة عشر شهراً.
فمن يرى وجوب القضاء عليها فلا سبيل له إلا أن يأمرها بالقضاء، وهذا حمل الناس على ما لا يطيقون، والتكليف بما لا يطاق محال في الشرع، كما اتفق أهل الأصول والفقه عليه، فلا يجوز حمل الناس ما لا يطيقون.
فلا سبيل إلا أن نفتيها بالفدية طعام مسكين عن كل يوم، تصحيحاً لحالها.
الوجه الخامس:
كثير من النساء يسألننا عن حكم ما أفطرنه من صيام رمضان بسبب الحمل أو الرضاعة، وقد تكاثرت عليهن أيام القضاء..
فتقول إحداهن: توالى عليَّ الحمل والرضاعة فلم أصم عشر سنوات، فكان عليها ثلاثمائة يوم..
وتقول الأخرى: أفطرت بسبب الحمل والرضاعة المتتالية اثني عشر عاماً، فكان عليها ثلاثمائة وستون يوماً.
وتقول الثالثة: أفطرت حين علمت أن الفطر مرخص لي بسبب الحمل والرضاعة، ولم تنقطع ولادتي وحملي وإرضاعي خمسة عشر عاماً أفطرت فيها جميعاً وأريد أن أعرف حكم حالي. فكان عليها أربعمائة وخمسون يوماً.
وأعرف امرأة تزوجت وعمرها أحد عشر عاماً فبدأت الولادة في عمر الثانية عشرة ولم تتوقف عن الولادة والإرضاع حتى بلغت الخامسة والأربعين، فيكون عليها ثلاثة وعشرون شهراً بمجموع ستمائة وتسعين يوماً قد يقل أياماً لاحتمال كون الشهر تسعة وعشرين!!
هذه وتلك لو ألزمناهن بالقضاء؛ فلا شك أننا نكون قد كلفناهن بما لا تستطيعه أية واحدة منهن، وبالتالي يترتب على إلزامهن بالقضاء مع العلم بعدم قدرتهن واستطاعتهن على امتثاله وفعله كثير من المفاسد والمضار التي يدرأ الشرع ما هو أقل منها، من تلك المفاسد:
1 – أنها لن تلتزم بالقضاء، نعم ربما تقضي بعضها، ولكن ستتوقف عن الاستمرار لا محالة، ولا يجوز لأحد أن يأمر بما لا يستطاع فعله ولا أن ينهي أحداً عما لا يستطاع تركه، وفي القرآن { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}.. وأجاب تعالى طلب أخيار الأمة { وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة:286].. فقال تعالى: (قد وضعت)(31).
فإنْ كان الله ربنا رحم عباده أن لا يحمّلهم ما لا طاقة لهم به؛ فهل يحق لنا أن نحمّلهم نحن؟!!
2 – الكثير منهن سيجدن شعوراً في أنفسهن بقساوة الشرع، وهو السمح الحنيف، وهذا أخطر بكثير من ذنب الترك وأكبر كبيرة، وهو تنفير في الدين وإساءة إلى الشرع، ولا شك أنه أعظم من عدم الصوم.
3 – أن غيرهن حين يسمعن أن عليها إذا أفطرت بسبب الحمل والرضاعة ستلجأ إلى حيلة عدم الحمل أو إيقافه بعد حمل أو حملين، وهذا من المفاسد العظيمة، وقد حث الشرع على طلب الولد والسعي إليه والتكاثر فيه لإكثار الأمة والله تعالى يقول في آيات الصوم: { فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [البقرة:187]، والرسول صلى الله عليه وسلم يدع إلى التوالد والتكاثر في الأمة حاثاً لنا عليه الصلاة والسلام يقول: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم"(32).
4 – أنها ستخاف من عدم القضاء فتلجأ إلى الامتناع عن إرضاع وليدها الذي يحتاج إلى لبنها ولا حيلة له في الاغتذاء إلا من ثديها الرضاعة الكاملة بل ربما حتى الرضاعة الضرورية، فتخاف على صيامها بدل أن تخاف على ولدها، فانعكس مقصود الشرع وانقلب، فإنما شرع الله الرخصة لها لحق الجنين والرضيع، وخوفاً على تضرره وضياعه بسبب الصوم، فرفع وجوب الصوم عن الحامل من أجل جنينها وعن المرضع من أجل رضيعها، وهؤلاء يجعلون المرأة تهدر حق الجنين والرضيع لأجل الصوم، فانعكس المقصود وانقلب المطلوب، فدخلت المضرة في الدين والأنفس.
5 – أن المرأة الحامل أو المرضع ستجد الحرج الشديد في الفطر وإن خافت على ولدها أو نفسها، فتشعر بالتأثّم، وتكره الرخصة لما يترتب عليها من مشقة القضاء، فنكون قد قضينا وأفتينا بما يناقض محبوب الله، ومحبوبه جل وعلا أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه(33)، كذلك نكون قد أدخلنا الحرج في الدين، والحرج منفي عنه والله تعالى يقول: { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78].
كل هذه المفاسد ربما كانت أعظم ضرراً وأخطر شراً من معصية الفطر، مع وجود قولٍ للإطعام دون القضاء له من الشرع ما يدل على صحته بل وقوته، فكان الأولى والأرجح الأخذ به.
الوجه السادس:
أن المنطق الفقهي لا يستقيم مع إيجاب القضاء عليها مع قيام سبب الرخصة، فهل يستقيم فقهاً أن يكون صيام شهر رمضان ليس واجباً على الحامل بسبب كونها حاملاً، وعلى المرضع بسبب كونها مرضعاً ثم يجب على الحامل القضاء وعلى المرضع القضاء؟ والسبب الذي من أجله رُخِّص لها في الأداء قائم عند إلزامها بالقضاء؟ فهذا لا يستقيم فقهاً بحال، كيف نأمر الحامل أو المرضع بالقضاء وهي حامل أو مرضع؛ لأننا مهما أمرناها بالقضاء فسيكون سبب الرخصة قائماً فيها ما دامت حاملاً أو مرضعاً.
الوجه السابع:
أن بعض أئمة الفقه جعلوا الحامل والمرضع من المرضى، وأعطوهما حكم المريض إذا أفطر، وهو القضاء..
فهذا الإمام مالك رحمه الله بعد أن نقل ما بلغه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في الحامل وأنه قال: "تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكيناً.." قال: "وأهل العلم يرون عليها القضاء كما قال الله عز وجل: { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184] ويرون ذلك مرضاً من الأمراض مع الخوف على ولدها(34).
وفي المدونة لما سأله ابن القاسم: ما الفرق بين الحامل والمرضع؟ فقال: لأن الحامل هي مريضة، والمرضع ليست بمريضة" اهـ(35).
فهو يرى أن الحمل مرض.
ولما سئل الإمام الأوزاعي رحمه الله عنهما قال: "الحمل والرضاع عندنا مرض من الأمراض، تقضيان ولا إطعام عليهما"(36).
وقال الشيرازي في المهذب: "فإن خافت الحامل والمرضع على أنفسهما أفطرتا وعليهما القضاء دون الكفارة، لأنهما أفطرتا للخوف على أنفسهما فوجب عليهما القضاء دون الكفارة كالمريض"(37).
فهؤلاء وغيرهم يرون أن الحمل والرضاع مرض من الأمراض.
وجعل الحمل والرضاع مرضاً غير صحيح، بل هو مناقض للحقيقة والواقع، فإن الحمل والرضاع حالة صحة يتمناها كثير من الأزواج، والصحيح المطابق للحقيقة والواقع أن عدم الحمل هو المرض وعدم الرضاع هو المرض، وليس الحمل والرضاع، فكم ممن لم تحمل نساؤهم يطلبون العلاج يترددون على الأطباء يهاجرون في طلب الحمل وعلاج عدم الحمل من بلد إلى بلد، من الخرطوم إلى القاهرة إلى عَمّان إلى برلين إلى لندن إلى نيويورك، ينفقون في سبيل حصوله الغالي والنفيس، ولو بطريق الأنبوب أو اللقاح الاصطناعي أو غير ذلك!! فكيف يطلب الحمل بكل هذه الطرق ويكون مرضاً؟! فهل عاقل في الأرض يطلب المرض بماله وجهده وهمّه وبما هو غالٍ ونفيس؟؟!!
فثبت أن الحمل عافية وصحة وليس مرضاً.
كذلك جفاف اللبن وعدم تمكن الأم من إرضاع وليدها نوع من المرض وليس الإرضاع وامتلاء الضرع باللبن واغتذاء الوليد من لبن أمه هو المرض!!
وعليه: فجعل الحمل والرضاع مرضاً مناقضٌ للحقيقة والواقع، فلا يجوز أن يُجعل حكم المريض هو حكم الحامل والمرضع.
وهذا أقوى حجة لموجبي القضاء على الحامل والمرضع وقد بان وهنه وضعفه.
ويظهر أن من حَكَم على الحمل والرضاع أنه مرض؛ لأن الحامل تظهر عليها بعض الأعراض الشبيهة بأعراض المرض، ولكن ظهور بعض أعراض المرض لا يجعل الشخص مريضاً؛ لأن عرض المرض ليس هو المرض، ومعروف عند الأطباء وأهل المعرفة بالأمراض أن الصداع مثلاً عرض وليس مرضاً، فيبحثون عن سببه، وكذلك الغثيان، فحين نبحث عن سبب العرض فربما نجده المرض وربما نجده الحمل وربما نجده الكبر والشيخوخة، وعليه: فالحمل والشيخوخة ليسا من الأمراض، وإنما هما قسيم المرض في إظهار الأعراض، فدلّ أن الحمل والشيخوخة ليسا مرضاً في الحقيقة، وما جانف حقيقة الشيء لا يعطى حكمه.
الوجه الثامن:
أن الله تعالى وصف الحمل بصفتين: هما: كونه وهناً على وهن، كما قال تعالى: { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} [لقمان:14] وكونه كرهاً كما قال تعالى: { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} [الأحقاف:15]، ولو بحثنا عن هذين الوصفين أين يكثران ويغلبان، هل يغلبان في المريض الذي فرضه القضاء، أم يغلبان على الكبير والعجوز اللذَيْن فرضهما الفدية؟ نجد أنهما وصفان يغلبان على الكبير والعجوز، وبيان ذلك على ما يلي:
أولاً: وصف الحمل بقوله تعالى: { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} كما في قول سيدنا زكريا عليه السلام: { قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم:4].. وهو في معنى قوله: { وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا} [مريم:8] فالوهن وصف لأحوال الكبر العتيّ الذي يكون عليه الشيخ الفاني والمرأة العجوز، وهو الضعف والخور والجهد والمشقة وقلة الطاقة على تحمل شيء، وهذه الأحوال هي التي تعتري حمل المرأة، "إذ يقارنه التعب من ثقل الجنين في البطن، والضعف من انعكاس دمها إلى تغذية الجنين، ولا يزال ذلك الضعف يتزايد بامتداد زمن الحمل فلا جرم أنه وهن على وهن"(38).
والعجيب أن أحد الشيوخ من فقهاء بلدنا لما عرضت عليه هذا الوجه زادني يقيناً من صحة إلحاق الحامل بالكبير والعجوز، بأن العلاقة بين وهن العظم من الكبير ووهن الحامل من الحمل، أن الحمل يسبب لأكثر الحوامل هشاشة العظام، كما أن الكبر يسبب لمن بلغ الشيخوخة هشاشة العظام.
وفيما قاله قتادة في معنى وهن العظم من سيدنا زكريا عليه السلام أنه سقوط أضراسه(39)، ومعروف مشاهد أن أكثر الحوامل يفقدن أسنانهن وأضراسهن بكل حمل.
فتأكد الشبه بينهما وتوافقا في مدلول الوهن وحقيقته.
هذا؛ وقد رجعت إلى قول أربعين من أئمة التفسير لمعنى الوهن في هاتين الآيتين، فوجدتهم قد جعلوا معنى الوه: الضعف والمشقة والخور والرقة ونقصان القوة وقلة الطاقة، ولم يذكر أحدهم بأن الوهن هو المرضن ومن هؤلاء: ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، ومقاتل، وقتادة، وعطاء، والطبري، والقرطبي، وابن كثير، والبغوي، والطبراني، والشوكاني، والقاسمي، والرازي، وأبو حيان، وابن عاشور، والبيضاوي، والسمعاني، والزمخشري، وابن عادل، والماوردي، والنسفي، والآلوسي، وابن الجوزي، والنحاس، والشنقيطي، والجزائري، والخطيب، والزحيلي، وابن عطية، وابن جزي الكلبي، والسمين الحلبي، وابن كيسان، والثعالبي، والخازن، والمراغي، والواحدي النيسابوري، والشعراوي، والجلال المحلي، والجلال السيوطي في الجلالين..!! فهؤلاء أربعون مفسراً لم يذكر واحد منهم بأن الوهن هو المرض.
إذاً فوصف الحمل بأنه وهن على وهن يجعل حال الحامل أقرب إلى الشيخ والعجوز، وحكم الشيخ والعجوز إذا أفطرا في رمضان الفدية والإطعام لا القضاء.
وليست الشيخوخة مرضاً، ولقد رأيت من شيوخنا الأخيار المحبين للطاعة ممن وهب وقته وعلمه وماله في خدمة الدعوة والدين مَن يفطر في رمضان وهو ممارس عمله الدعوي والعلمي، لا يغيب عن مجلس علم ولا هيئة فتوى، ولا يتأخر عن التكليفات العلمية والعلاقات الاجتماعية، مع كل ذلك رأيتهم يفطرون في رمضان بأنهم بلغوا من العمر عتياً، ولا يشكون مرضاً فيما علمنا، نسأل الله لنا ولهم حسن العاقبة والخاتمة.
فترجّح أن حق الحامل والمرضع أن يلحقا بالشيخ الكبير والمرأة العجوز لما في الكل من الوهن.
ثانياً: وصف الحمل بالكُره في قوله تعالى: { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا}:
والكُره وصف يتوافق ويتطابق مع الوهن، على ما جاء عن المفسرين، والمعنى عندهم: أن الكُره بالضم هو المشقة التي تحتملها الحامل من غير أن تكلفها، فتمضي عليها بمعاناة المشاق ومقاساة الشدائد لأجل الولد مما يوجب للأم مزيد العناية وأكيد الرعاية، وقد وقفت على تفسير هذه الآية مما يربو على عشرين تفسيراً، لم أجد واحداً منهم ذكر أن الكُره الذي وصف به الحمل والوضع هو المرض، وهم: مقاتل، والحسن، وقتادة، والطبري، ومجاهد، وابن زمنين، والقرطبي، والشوكاني، والقاسمي، وابن عاشور، وابن جزي، والبيضاوي، وابن عادل في اللباب، والماوردي في النكت، والآلوسي في روح المعاني، والشنقيطي في أضواء البيان، وأبو السعود، والرازي، والمراغي، والزحيلي، وابن كثير، والسيوطي، والمحلي في الجلالين.
فاتفق هؤلاء الأئمة الأربعة والعشرون وغيرهم على أن الكُره يعني المشقة والتعب وما يترتب عليهما من المعاناة والمقاساة.
وحقيقة الكُره في الحمل والولادة يصوّرها ابن عمر رجلاً يمانياً يطوف بالبيت حمل أمه وراء ظهره يقول:
إني لها بعيرها المذلل *** إن أذعرت ركابها لم أذعر
ثم قال: يا ابن عمر! أتراني جزيتها؟ قال: "لا ولا بزفرة واحدة"(40).
كما يصوّر حالة الكُره في الحمل والوضع الأستاذ سيد قطب رحمه الله قائلاً: "يصور القرآن هنا تلك التضحية النبيلة الكريمة الواهبة التي تتقدم بها الأمومة، والتي لا يجزيها أبداً إحسان من الأولاد مهما أحسنوا القيام بوصية الله في الوالدين: { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} وتركيب الألفاظ وجرسها يكاد يجسم العناء والجهد والضنى والكلال: { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} لكأنها آهة مجهد مكروب ينوء بعبء ويتنفس بجهد، ويلهث بالأنفاس! إنها صورة الحمل وبخاصة في أواخر أيامه، وصورة الوضع وطلقه وآلامه! ويتقدم علم الأجنة فإذا به يكشف لنا في عملية الحمل عن جسامة التضحية ونبلها في صورة حسية مؤثرة.
إن البويضة بمجرد تلقيحها بالخلية المنوية تسعى للالتصاق بجدار الرحم وهي مزودة بخاصية أكالة تمزق جدار الرحم الذي تلتصق به وتأكله فيتوارد دم الأم إلى موضعها، حيث تسبح هذه البويضة الملقحة دائماً في بركة من دم الأم الغني بكل ما في جسمها من خلاصات وتمتصه لتحيا به وتنمو، وهي دائمة الأكلان لجدار الرحم، دائمة الامتصاص لمادة الحياة، والأم المسكينة تأكل وتشرب وتهضم وتمتص، لتصب هذا كله دماً نقياً غنياً لهذه البويضة الشرهة النهمة الأكول! وفي فترة تكوين عظام الجنين يشتد امتصاصه للجير من دم الأم فتفتقر إلى الجيرن ذلك أنها تعطي محلول عظامها في الدم ليقوم به هيكل هذا الصغير! وهذا كله قليل من كثير! ثم الوضع، وهو عملية شاقة، ممزقة، ولكن آلامها الهائلة كلها لا تقف في وجه الفطرة ولا تنسى الأم حلاوة الثمرة، ثمرة التلبية للفطرة، ومنح الحياة نبة جديدة تعيش، وتمتد بينما هي تذوي وتموت! ثم الرضاع والرعاية، حيث تعطي الأم عصارة لحمها وعظمها في اللبن، وعصارة قلبها وأعصابها في الرعاية"اهـ(41).
فهذا إذاً يشبه كثيراً ما يلاقيه من بلغ الشيخوخة من المشقة والتعب وما يعانيه من الجهد والضعف لكبره، فكان الأليق إلحاقهما بالكبير والعجوز.
وبما أن سبب الخلاف بين من فرض عليها القضاء ومن جعل حكمها الفدية والإطعام كما يقول القاضي ابن رشد الحفيد رحمه الله: "تردد شبههما بين الذي يجهده الصوم وبين المريض، فمن شبههما بالمريض قال عليهما القضاء فقط، ومن شبههما بالذي يجهده الصوم قال عليهما الإطعام فقط بدليل قراءة من قرأ الآية { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}(42)، فقد وجدناهما أشبه بمن يجهده الصوم بدليل وصف الله تعالى العليم الخبير بحال الحامل بأن الحمل وهن على وهن؛ فثبت المطلوب والحمد لله.
الوجه التاسع:
أن القول بالإطعام وعدم لزوم القضاء للحامل والمرضع إذا أفطرتا في رمضان، هو قول أئمة الفتوى من التابعين رحمهم الله تعالى، فهو قول: سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وقتادة، والقاسم بن محمد، وطاووس، وعكرمة، وعطاء، ومجاهد، وإبراهيم النخعي، والسدّي، وإسحاق بن راهويه رحمة الله تعالى عليهم.
أما سعيد بن المسيب رحمه الله فقد قال في معنى الآية { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}: "هو الكبير الذي كان يصوم فكبر وعجز عنه، وهي الحامل التي ليس عليها الصيام، فعلى كل واحد منهما طعام مسكين، مدّ من حنطة لكل يوم حتى ينقضي رمضان"(43).
وأما السدّي رحمه الله فقد قال في معنى الآية: "أما الذين يطيقونه فالرجل كان يطيقه وقد صام قبل ذلك ثم يعرض له الوجع والعطش أو المرض الطويل، أو المرأة المرضع لا تستطيع أن تصوم، فإن أولئك عليهم مكان كلّ يوم إطعام مسكين"(44).
وأما عكرمة رحمه الله فقد قال في الآية { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}: "نزلت هذه الآية في الحبلى والمرضع والشيخ والعجوز"(45)، وأخرج الطبري في تفسيره عنه أنه قال: "كان الشيخ والعجوز لهما الرخصة أن يفطرا ويطعما بقوله: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} فكانت لهم الرخصة ثم نسخت بهذه الآية: { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} فنسخت الرخصة عن الشيخ والعجوز إذا كان يطيقان الصوم، وبقيت للحامل والمرضع أن يفطرا وتطعما"اهـ(46).
وأما سعيد بن جبير رحمه الله فقد قال: "تفطر الحامل التي في شهرها والمرضع التي تخاف على ولدها، تفطران وتطعمان كل واحدة منهما كل يوم مسكيناً ولا قضاء عليهما"(47).
وأما القاسم بن محمد رحمه الله فقد جاء في مصنف عبد الرزاق أنه قال: "إن لم تستطيعا الصيام فلتطعما"(48).
وأما قتادة رحمه الله فقد قال: "تفطر الحامل التي تخاف على ولدها وتفطع المرضع التي تخاف على ولدها، وتطعم كل واحدة منهما كل يوم مسكيناً، ولا قضاء عليهما"(49).
وأما إبراهيم النخعي فقد جاء في مصنف عبد الرزاق رحمهما الله تعالى أنه قال في الحامل: "تفطر وتطعم نصف صاع"(50).
وأما إسحاق بن راهويه رحمه الله فقد قال: "والذي أذهب إليه في الحامل والمرضع أن يفطرا ويطعما، ولا قضاء عليهما، اتباعاً لابن عباس وابن عمر"(51).
وأما طاووس، وعطاء، ومجاهد رحمهم الله، فقد قال الحافظ ابن عبد البر في الاستذكار: "كل من طاق الصوم فلا مشقة تضرّ به، فالصوم واجب عليه، وكل من لم يطق الصوم إلا بجهد ومشقة مضرة به؛ فله أن يفطر ويفتدي لقول الله: { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185] قالوا: وذلك في الشيخ الكبير، والعجوز، والحامل، والمرضع، الذين لا يطيقون الصيام إلا بجهد ومشقة خوفاً على الولد. ذهب إلى هذا جماعة من العلماء منهم: أنس بن مالك، وابن عباس في رواية، وعطاء، ومجاهد، وطاووس، وعكرمة"(52).
فهؤلاء أحد عشر كوكباً يهتدي بنور علمهم وفقههم العالمون، وهم أئمة الفتوى في التابعين، أيّدوا جميعاً مذهب الإطعام دون القضاء للحامل والمرضع، فإلى قول مَن نذهب بعدهم وهم هم؟!! رحمة الله تعالى عليهم.
الوجه العاشر:
أنه قول ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم في الصحابة، وقد اشتهر عنهما، وكان الصحابة حينئذٍ كُثراً فلم يرد عن واحد منهم إنكاره عليهما، أو مخالفته لهما، فكان قول صحابيين لا مخالف لهما، وقد قال ابن قدامة بعد أن ذكر قولهما: "ولا مخالف لهما من الصحابة"(53)، فينَزَّل منزلة الإجماع منهم، وما كان بهذه الدرجة والمنزلة من قول الصحابة؛ لا شك أنه أرجح وأقوى.
أما ابن عباس رضي الله عنهما، فقد ثبت عنه ذلك، وأكثر الرواية عنه صحيحة:
ففي سنن الدارقطني، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كانت له أمة ترضع فأجهضت فأمرها ابن عباس أن تفطر يعني وتطعم ولا تقضي"(54).
وفي المطالب العالية عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "والحامل والمرضع إذا خافتا أفطرتا، وأطعمتا، ولا قضاء عليهما"(55).
وفي سنن أبي داود عن سعيد بن جبير عن ابن عباس { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} قال كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكيناً، ثم نسخت وأثبت أنهما إذا لم يطيقا الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكيناً والحبلى والمرضع إذا خافتا، وكان ابن عباس يقول لأم ولد له حبلى: أنت بمنزلة التي لا تطيقه فعليك الفداء، ولا قضاء عليك"(57).
وأخرج الطبري بسنده في تفسيره أنه قال: "إذا خافت الحامل على نفسها، والمرضع على ولدها في رمضان، قال: يفطران ويطعمان مكان كل يوم مسكيناً ولا يقضيان صوماً"(58).
وفيه: أنه رأى أم ولد له حاملاً أو مرضعاً، فقال: "أنت بمنزلة الذي لا يطيقه، عليك أن تطعمي مكان كل يوم مسكيناً، ولا قضاء عليك"(59).
وفيه: عن قتادة، قال: ذكر لنا أن ابن عباس، قال لأم ولد له حبلى أو مرضع أنت بمنزلة الذين لا يطيقونه، عليك الفداء، ولا صوم عليك". هذا إذا خافت على نفسها(60).
وفيه أيضاً: عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، في قوله: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} يقول من لم يطق الصوم إلا على جهد فله أن يفطر، ويطعم كل يوم مسكيناً، والحامل، والمرضع، والشيخ الكبير والذي به سقم دائم(61).
وفيه كذلك: عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: الحامل، والمرضع، والشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم يفطرون في رمضان، ويطعمون عن كل يوم مسكيناً، ثم قرأ: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}(62).
وفيه أيضاً أنه قال: "هي مثبتة للكبير، والمرضع، والحامل، وعلى الذين يطيقون الصيام(63).
ومما قاله ابن عباس رضي الله عنهما: "خمسةٌ لهم الفطر في شهر رمضان: المريض، والمسافر، والحامل، والمرضع، والكبير. فثلاثة عليهم الفدية ولا قضاء عليهم: الحامل، والمرضع، والكبير"(64).
فها هو حبر الأمة وترجمان القرآن فقيه الصحابة ابن عباس رضي الله عنهما ينصّ صراحة وفي أكثر من موضع ومرة ورواية أنّ الحامل والمرضع عليهما الإطعام وأنهما لا قضاء عليهما.
وابن عمر رضي الله عنهما أيضاً ثبت عنه ذلك، وأكثر الرواية عنه صحيحة:
ففي موطأ برواية يحيى، أنه بلغه أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها واشتدّ عليها الصيام، قال: "تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكيناً مداً من حنطة بمد النبي صلى الله عليه وسلم(65).
وفي معرفة السنن والآثار عن نافع: أن ابن عمر رضي الله عنهما، سئل عن المرأة الحامل، إذا خافت على ولدها، فقال: "تفطر، وتطعم مكان كل يوم مسكيناً مداً من حنطة"(66).
وفي مسند الشافعي أنه سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها قال: "تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكيناً مداً من حنطة"(67).
وفي سنن الدارقطني أن امرأة ابن عمر سألته وهي حبلى فقال: أفطري وأطعمي عن كل يوم مسكيناً ولا تقضي(68).
وكانت ابنة ابن عمر تحت رجل من قريش وكانت حاملاً فأصابها العطش في رمضان فأمرها ابن عمر أن تفطر وتطعم عن كل يوم مسكيناً(69).
وعند الدارقطني أيضاً أنه قال: "الحامل والمرضع تفطر ولا تقضي" قال الدارقطني: وهذا صحيح(70).
وفي مصنف عبد الرزاق عن محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة قال: أرسلني عبد الله بن عمرو بن عثمان إلى ابن عمر أسأله عن امرأة أتى عليها رمضان وهي حامل، قال: تفطر وتطعم كل يوم مسكيناً(71).
وفيه أنه قال: "الحامل إذا خشيت على نفسها في رمضان تفطر وتطعم، ولا قضاء عليها"(72).
ولا يصح غير هذا عن ابن عمر رضي الله عنهما، فثبت أن قوله وقول ابن عباس بأن الحامل والمرضع لا قضاء عليهما وعليهما الإطعام.
وعليه فالصحيح الموافق لحالها والموافق لنص الشرع ومقصوده في التيسير أن تفطر وتطعم ولا تقضي.
هذا وبعد هذه الوجوه الناصعة القوية التي ختمناها باتفاق الصحابيين الجليلين ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم في هذه المسألة، فإلى من نفارقهما، وقول من نقدّمه على قولهما من بَعْدِهما رضوان الله تعالى عليهم أجمعين؟
والله الموفق والمحقق لكل خير ونفع وصلاح.. والحمد لله رب العالمين.
_________________________________
( * ) هذا البحث أصله فتوى مفصلة أجاب فيه الشيخ على سائل كما هو موجود في كتاب سؤالات للصائمين للمؤلف حفظه الله وقد أذن لنا مشكوراً بنشره.
(1) انظر: كتاب الأم للإمام الشافعي ج2 ص103-104، المغني لابن قدامة ج3 ص80-81.
(2) المختار بشرح الاختيار لتعليل المختار، لعبد الله بن محمود الموصلي ج1 ص174.
(3) بداية المجتهد ج2 ص176، الاستذكار ج10 ص222.
(4) المدونة الكبرى برواية سحنون ج1 ص310، وانظر: الشرح الصغير للدردير ج1 ص722، تبيين المسالك ج2 ص177-178، شرح زروق على الرسالة ج1 ص316-317، وسيأتي التعليق على جعل الحمل مرضاً في الوجه السابع من وجوه الترجيح، فراجعه هناك.
(5) سنن البيهقي الكبرى ج4 ص230، برقم 8335.
(6) نقله الترمذي في سننه ج2 ص171، وفي الاستذكار (ج10 ص222 الفقرة 14647) قال إسحاق بن راهويه: "والذي أذهب إليه في الحامل والمرضع أن يفطرا ويطعما، ولا قضاء عليهما اتباعاً لابن عباس وابن عمر".
(7) المحلى بالآثار لابن حزم ج4 ص410 فقرة 770.
(8) المدونة الكبرى ج1 ص310، باب صيام الحامل والمرضع، والصحيح المروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن الحامل والمرضع تفطران وتطعمان ولا تقضيان.
(9) راجع: تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور ج2 ص164.
(10) الاستذكار 10/218 و10/221 وما بعدها.
(11) انظر: الاستذكار ج10 ص219.
(12) هذه النقول من تفسير الطبري تحقيق التركي ج3 ص169 وما بعدها.
(13) النقلان من تفسير الطبري ج3 ص168.
(14) تفسير الطبري ج3 ص167، وأخرجه أبو داود برقم 2318، والبيهقي في السنن ج4 ص230، وعزاء السيوطي في الدر المنثور ج1 ص177 إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
(15) تفسير القرطبي لهذه الآية ج3 ص147.
(16) راجع: الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي ج2 ص467، 483، الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح، للبرهان الأبناسي ج1 ص144، البرهان في علوم القرآن، للزركشي ج2 ص173، مناهل العرفان في علوم القرآن، للزرقاني ج2 ص11، الباعث الحثيث في شرح اختصار علوم الحديث ج1 ص150، المقنع في علوم الحديث لسراج الدين الأنصاري ج1 ص127، المنهل الراوي في مختصر علم الحديث النبوي، لابن جماعة ص41، النكت على ابن الصلاح لابن حجر ج2 ص530، توضيح الأفكار لابن الأمير الصنعاني ج1 ص281، مقدمة ابن الصلاح ص50.
(17) البرهان في علوم القرآن، للزركشي ج2 ص172.
(18) أخرجه الترمذي برقم 715 واللفظ له، وقال: حديث حسن، والنسائي برقم 2274، وحسنه الألباني، وابن خزمة برقم 2042، والبيهقي في السنن الكبرى 5695 وغيرهم.
(19) السنن الكبرى للنسائي، برقم 2596.
(20) أحمد برقم 19069، 20341، وابن ماجة 1667.
(21) راجع: تفسير فتح القدير للشوكاني، ج5 ص563.
(22) أخرجه مسلم في صحيحه برقم 7704.
(23) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير برقم 73 ج19 ص28.
(24) السنن الكبرى للبيهقي ج7 ص209.
(25) الدارمي في سننه برقم 2 ج1 ص4 وقال محققه حسين سليم أسد: إسناده رجاله ثقات غير أنه مرسل وقد تفرد بروايته الدارمي.
(26) البخاري برقم 471، وأحمد برقم 15766، وابن أبي شيبة برقم 493.
(27) أخرجه مالك في الموطأ برقم 1770 ج2 ص980.
(28) مسند ابن الجعد برقم 741.
(29) مسند البزار برقم 6320، ابن خزيمة ج13 ص21، مسند أبي يعلى برقم 3086، وصحح إسناده محققه حسين سليم أسد.
(30) الاستذكار لابن عبد البر ج10 ص217-218.
(31) الترمذي في السنن برقم 2992، وصححه الألباني، وأصله في صحيح مسلم برقم 345.
(32) أخرجه أبو داود برقم 2052، والنسائي برقم 3227، وصححه الألباني.
(33) وفي الحديث: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته" أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم 5866، وصحح إسناده الأرناؤوط، وفي صحيح ابن حبان وغيره بلفظ "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه" برقم 3568، 345.
(34) موطأ مالك ج2 ص407 برقم 685.
(35) المدونة الكبرى برواية سحنون ج1 ص310. وانظر: الشرح الصغير للدردير ج1 ص722، تبيين المسالك ج2 ص177-178، شرح زروق على الرسالة ج1 ص346-317.
(36) الاستذكار لابن عبد البر ج10 ص222 فقرة رقم 14650.
(37) المهذب للشيرازي مع شرح المجموع ج6 ص267.
(38) راجع تفسير التحرير والتنوير، لابن عاشور ج21 ص103.
(39) تفسير البغوي ج5 ص218، قال قتادة: اشتكى سقوط الأضراس.
(40) البخاري في الأدب المفرد، ج1 ص18، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله.
(41) في ظلال القرآن، سيد قطب ج6 ص3262.
(42) بداية المجتهد، لابن رشد ج2 ص176.
(43) انظر: تفسير الطبري تحقيق التركي ج3 ص169، المحلى لابن حزم ج4 ص413.
(44) تفسير الطبري تحقيق التركي ج3 ص169 وما بعدها.
(45) المحلى بالآثار ج4 ص412.
(46) تفسير الطبري ج3 ص168، وذكره ابن الجوزي في ناسخه ص176.
(47) مصنف عبد الرزاق ج4 216 برقم 7555 نفسه.
(48) مصنف عبد الرزاق ج4 ص216 برقم 7555، والمحلى لابن حزم ج4 ص411، والاستذكار لابن عبد البر ج10 ص221 فقرة 14646.
(49) مصنف عبد الرزاق ج4 ص216 برقم 7556.
(50) مصنف عبد الرزاق ج4 ص218 برقم 7562.
(51) الاستذكار لابن عبد البر ج10 ص222 فقرة رقم 14647.
(52) الاستذكار لابن عبد البر ج10 ص217-218.
(53) المغاني لابن قدامة ج3 ص81.
(54) الدارقطني في سننه ج2 ص207، وصححه قال: هذا صحيح.
(55) المطالب العالية لابن حجر ج6 ص103 برقم 1047، وقال: إسناده حسن.
(56) سنن أبي داود حديث رقم 2320.
(57) مسند البزار حديث رقم 4996، وقال: وهذا الحديث لا نعلمُه يُروى بهذا اللفظ بإسناد أحسن من هذا الإسناد.
(58) تفسير الطبري ج3 ص170.
(59) تفسير الطبري نفسه.
(60) تفسير الطبري ج3 ص171.
(61) تفسير الطبري ج3 ص176.
(62) الطبري نفسه.
(63) نفسه.
(64) الاستذكار لابن عبد البر ج10 ص222، فقرة رقم 14694، وراجع: المصنف لعبد الرزاق ج4 ص237، وأحكام القرآن للجصاص ج1 ص176-178.
(65) مالك في الموطأ، 678، ج1 ص308، وفي السنن الصغرى للبيهقي 1364.
(66) معرفة السنن والآثار للبيهقي حديث رقم 2618، والسنن الكبرى للبيهقي برقم 7868.
(67) مسند الإمام الشافعي برقم 732.
(68) سنن الدارقطني برقم 14 ج2 ص207.
(69) الدارقطني في سننه برقم 15 ج2 ص207.
(70) السنن ج2 ص207 برقم 11.
(71) مصنف عبد الرزاق ج4 ص217 برقم 7558.
(72) المصنف ج2 ص218 حديث رقم 7561.